الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حديث: فاضطروهم إلى أضيق الطرقات
مداخلة: شيخنا فقه حديث: «فاضطروهم إلى أضيق الطرقات» لو تشرح لنا هذا الحديث؟
الشيخ: هذا مع الأسف عندما يكون للمسلمين عزهم ومجدهم فهو يعيش بين الكفار، كل الكفار تحت النظام الإسلامي والذي منه أن يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون، ومن ذلك ما جاء ذكره في هذا الحديث:«إذا لقيتم المشركين فلا تبدؤوهم السلام، واضطروهم إلى أضيق الطرق» ، فيكون النظام الإسلامي يومئذ وليس اليوم؛ لأن اليوم مع الأسف الشديد لقد تربى المحكومون فضلاً عن الحكام تربية غير إسلامية في كثير من الأحكام الشرعية، منها أنهم رفعوا أسماء تدل على معاني ومسميات في الشرع الإسلامي رموا هذه الأسماء لكي لا تذكرهم بهذه المسميات؛ لأنها لا تتناسب مع الوضع الاجتماعي.
نحن مثلاً كثيراً ما نحذر المسلمين حينما أعرضوا عن كلمة (ربا) واستبدلوا الفائدة بالربا، استعملوا كلمة الفائدة مكان الربا، والآن من جملة هذه الألفاظ التي رفعوها أولاً، واستبدلوا غيرها بها ثانياً كلمة (مواطن)، كلمة مواطن تعني عدم التفريق بين المسلم واليهودي والنصراني والكافر والملحد والبعثي والشيوعي .. إلى آخره، موطن، وتجد هذه اللغة شائعة من المسلمين، لما يتصل المتصل مع الإذاعة البث المباشر، يقول أنا مواطن ولا يقول أنا مسلم، فضلاً عن أن يقول أنا يهودي أو أن يقول نصراني، بل يقول: أنا مواطن، هذه تعمية للحقائق
الشرعية، لا يتنبه لها الناس، فإذا ما وصل المجتمع إلى هذا الانحطاط في عدم الشعور بالعزة الإسلامية التي كانت لأجدادنا من قبل، حينئذ لو شعر بعض المسلمين بعزتهم لكنهم مع الأسف لا يستطيعون أن ينفذوا كثيراً من أحكام دينهم، من ذلك:«إذا لقيتم المشركين فاضطروهم إلى أضيق الطرق» ، معنى أضيق الطرق، كانت الطرق يومئذ ليست بهذه السعة وهذه الرحابة المشاهدة اليوم، وخاصة في العواصم، لا تزال بعض الطرق في بعض القرى تذكرنا بهذه الطرق التي ليس فيها هذه السعة والرحابة، فجاء قوله عليه السلام:«فاضطروهم إلى أضيق الطرق» ، فقد كان المسلم إلى عهد قريب أدركت أنا ناساً في سوريا يحكون أن المسلم كان إذا لقي يهودياً في دمشق مثلاً يقول له: طيرق، يعني افسح عن جادة الطريق وخذ جانباً، أدركت أنا هذه اللفظة.
هذه الكلمة (طيرق) أخذت من الطريق المذكور في الحديث، فاضطروهم إلى أضيق الطرق، لكن اليوم مع الأسف الشديد لو أراد أحدنا أن ينفذ قام الحكم القانوني يحول بينه وبين ذلك، ويعتبره معتدياً على المواطن، وهذه الدلالة مع الأسف الشديد، والكلام كما يقال ذو شجون يجر بعضه بعضاً، دلالة المواطن أي استعمال هذه الكلمة بدل الذمي، وإعطاءه من الحقوق ما للمسلم، ذلك أثر من آثار الأحاديث الضعيفة والموضوعة، إن أنسَ فلم أنسَ أنني كنت أقرأ في مجلة المسلمون التي كانت تصدر في القاهرة، إبان عز الإخوان المسلمين فيها، وينشرون فيها محاضرات كان يلقيها حسن البنا رحمه الله، وأصحابه سعيد رمضان وغيره، كانوا يتحدثون عن عدالة الإسلام وعن موقفه الرائع تجاه المخالفين للمسلمين، أي: أهل الذمة، يريدون بذلك أن يُمَهِّدوا في قيام الحكم الإسلامي دون أن يجدوا معارضة من اليهود والنصارى؛ لأنهم قد عرفوا أن الإسلام لا ينقص من حقوقهم شيئاً، تلك الحقوق التي يستوي فيها الذمي مع
المسلم، فيقولون في محاضراتهم تأييداً لهذه الدعوة الخاطئة وإن كان المقصود هو الوصول لإقامة الحكم الإسلامي، ولكني كما أقول في كثير من مثل هذه المناسبات:
أوردها سعد وسعد مشتمل
…
ما هكذا يا سعد تورد الإبل
لا يمكن للمسلمين أن يقيموا دولة الإسلام بتغيير أحكام المسلمين، وإنما لبيانها للناس، ثم يقال بكل حرية:{فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29]، من هذا التغيير أن المجتمع المثقف اليوم الثقافة العصرية وليس الثقافة الشرعية، وبخاصة الثقافة الشرعية الصحيحة القائمة على الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح، لا، أقول: هذا الشباب المثقف ثقافة عامة عصرية أصبح مهيئاً لإقامة الدولة المسلمة بشرط أن لليهود وللنصارى ما للمسلمين من حقوق؛ لأنهم لقنوا منذ نعومة أظفارهم في جامعاتهم وفي جمعياتهم، ومن رؤساء هذه الجمعيات قولهم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أهل الذمة:«لهم ما لنا وعليهم ما علينا» .
إذاً: ليس هناك فرق بين مسلم وبين يهودي، إذاً: كلمة مواطن تجمعنا.
وهذا من أبطل الأحاديث التي يتكلم بها بعض الدعاة الإسلاميين حتى اليوم؛ لأن هذا الحديث بهذا السياق أي: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال هذه الجملة: «لهم ما لنا وعليهم ما علينا» في حق أهل الذمة من اليهود والنصارى، هذا لا أصل له في شيء من كتب أهل السنة، ومن هنا يظهر لكم خطورة تلقي الإسلام من كتب الفقه المتوارثة وبخاصة ما كان منها من الكتب المتأخرة تأليفاً؛ لأن فيها من الأحاديث ما لا يصح الشيء الكثير، ولذلك قام بعض حفاظ الحديث وعلماؤه بتخريج هذه الكتب الفقهية نصحاً للأمة، لكن من هؤلاء المثقفين اليوم، والذين
يحاضرون في المجتمعات العامة والخاصة الذين جمعوا بين دراسة الفقه المقارن أو المقارن، وبين دراسة الأحاديث وتمييز صحيحها من ضعيفها حتى لا يقعوا في مثل هذا المنكر أن ينسبوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما لم يقل.
الحديث السابق وجدوه في كتاب من كتب الفقه الحنفي معروف باسم الهداية، الذي عليه شرح فتح القدير لابن الهمام الحنفي المصري الإسكندراني، قال مخرج هذا الكتاب الهداية وهو الحافظ الزيلعي في كتابه المسمى بنصب الراية لأحاديث الهداية قال: هذا حديث غريب.
وهذا اصطلاح للزيلعي رحمه الله تفرد به عن الاصطلاح المعروف قديماً، إذا قال علماء الحديث في حديث ما حديث غريب، يعنون إسناده غريب، فخذ حذرك منه، ولا يقولون في حديث لا إسناد له حديث غريب، وإنما يقولون: لا أصل له.
جاء الزيلعي رحمه الله فبسبب اشتراكه في التنوع بمذهب هذا الكتاب الهداية تلفظ مع المؤلف.
فكل ما مر به حديث لا أصل له قال: حديث غريب.
حديث أهل الذمة وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال فيهم: «لهم ما لنا وعليهم ما علينا» ذكره صاحب الهداية وقال الزيلعي: حديث غريب.
ليت هؤلاء المحاضرين الذين ينقلون هذا الحديث من الهداية قرؤوا كلام الزيلعي، إذاً لعرفوا على كل حال أن هذا الحديث، إذ ما عرفوا أنه لا أصل له؛ لأنهم لا يعرفون اصطلاح الزيلعي، لكن عرفوا أنه حديث مستغرب يعني: غير صحيح، لكن هم في واد وكتب الحديث في واد، زد على ما ذكرت من أن هذا الحديث لا أصل له هكذا، أنه تحريف لحديث صحيح، الحديث الصحيح يقول
الرسول لأحد رؤساء الجيش حينما جهزه ورأسه عليه، قال:«إذا لقيت المشركين فادعهم إلى إحدى الثلاث: أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم استجابوا فلهم ما لنا وعليهم ما علينا» .
إذاً: لهم ما لنا وعليهم ما علينا إذا صاروا مثلنا، مسلمين يعني، ولذلك مع الأسف استمر آثار هذه الأحاديث تعمل عملها، وتنخر في جسد الأمة من حيث لا يشعرون ولا يدرون.
(الهدى والنور /619/ 59: 28: 00)