المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حول ظاهرة مخالفة السنة - جامع تراث العلامة الألباني في المنهج والأحداث الكبرى - جـ ٨

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌الزواج في بلاد الكفروالزواج من كتابيات

- ‌الزواج في بلاد الكفر بنية الطلاق

- ‌الزواج من الكتابيات

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌‌‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌ضابط الكتابي الذي يجوز مناكحتهوالأكل من طعامه

- ‌كيف تتزوج الفتاة في الدول الكافرة

- ‌الهجرة من بلاد الكفر

- ‌الهجرة من الدار التي يكثر فيها الفسق

- ‌الهجرة من البلاد التي تُحَارب فيها الدعوة

- ‌جواز الهجرة إلى بلاد الكفرإذا عدمت البلاد الإسلامية

- ‌الرجوع من بلاد الهجرة

- ‌الهجرة من بلاد الكفر

- ‌متفرقات في أبوابالولاء والبراء

- ‌استغابة وسب المشركين

- ‌الدعاء على الكفار

- ‌حكم الأكل من طعام أهل الكتابفي أعيادهم

- ‌معاملة محسني النصارى بالحسنى

- ‌حفر قبور للنصارى

- ‌حكم الجمع بين مقابر المسلمين والنصارى

- ‌اتباع جنائز أهل الكتاب

- ‌نصرانية حامل فأين تدفن

- ‌امرأة نصرانية يُشك في إسلامهافهل تدفن في مقابر المسلمين

- ‌امرأة نصرانية تريد أن تهب مالها لمسلمةمقابل أن تحفر لها قبرها وتزينه

- ‌رجل مات في بلاد الكفرفهل يدفن في التابوت

- ‌مصاحبة الأهل الكافرين إلى المقبرة

- ‌حكم الدفن في بلاد الكفار

- ‌حكم دخول الكنيسة لرؤية الآثاروزيارة المتاحف

- ‌حكم توصيل الناس إلى الكنيسة

- ‌العمل عند أهل الكتاب

- ‌العمل تحت إمرة كافر

- ‌حكم قول المسلم: أنا نصراني

- ‌كيفية مناقشة الكفار

- ‌مواساة أهل الكتاب لدعوتهم إلى الإسلام

- ‌الاستعانة بالمشركين

- ‌حكم التهرب من الخدمة العسكرية

- ‌حكم التجنس بجنسية بلد كافر

- ‌باب منه

- ‌الحصول على جواز سفر أجنبي

- ‌دار الإسلام ودار الكفر

- ‌الفرق بين دار الإسلامودار الكفر ودار الحرب

- ‌تطبيق الأحكام الشرعية في دار الكفر

- ‌هل النصارى في هذا العصر أهل كتاب

- ‌العمل في الشرطةوما شابهها في بلاد الكفر

- ‌القوانين في بلاد الكفر

- ‌تهنئة النصارى بأعيادهم

- ‌المسلمون ومدارس التنصير

- ‌حديث: فاضطروهم إلى أضيق الطرقات

- ‌حديث: اضطروهم إلى أضيق الطرق

- ‌الفرح ببعض أخبار الغربيين

- ‌السلام على النصارى

- ‌ذبائح أهل الكتاب

- ‌العمل بسفارة أجنبية

- ‌التحاكم إلى محاكم الكفار

- ‌إهداء المصحف لكافر

- ‌استقدام الخَدَم الأجانب إلى بلاد المسلمين

- ‌استقدام الأجانب إلى البلاد الإسلامية

- ‌عيد المعلم

- ‌حكم إقامة محاضرات عن المسيحعليه السلام في رأس السنة الميلادية

- ‌حكم تحية العَلَم

- ‌كتاب أصول البدع

- ‌التحذير من البدع

- ‌ذم البدع

- ‌التحذير من الابتداع في الدين

- ‌خطر الابتداع

- ‌خطر الابتداع

- ‌خطورة الإحداث في الدين

- ‌كلمة حول معنى قوله (صلى الله عليه وآله وسلم)(كتاب الله وسنتي) وخطورة الإحداث في الدين

- ‌حول ظاهرة مخالفة السنة

- ‌لا بدعة حسنة في الإسلام

- ‌خطورة الابتداع وبيان أنهلا بدعة حسنة في الإسلام

- ‌لا بدعة حسنة في الإسلام

- ‌خطورة الابتداع وبيان أنهلا بدعة حسنة في الإسلام

- ‌قول ابن عمر: من ابتدعبدعة فرآها حسنة

- ‌لا بدعة حسنة في الإسلام

- ‌لا بدعة حسنة في الإسلام

- ‌لا بدعة حسنة في الإسلام

- ‌الاستدلال بقول عمر: نعمت البدعةهي على البدعة الحسنة

- ‌لا بدعة حَسَنة في الإسلام

- ‌باب منه

- ‌قول عمر: نعمت البدعة هذه

- ‌هل في الدين بدعة حسنة

- ‌البدعة والمصالح المرسلة

- ‌المصلحة المرسلة والبدعة

- ‌متى يقال: فلان مبتدع؟ والكلام علىالفرق بين البدعة والمصلحة المرسلة

- ‌ضابط المصالح المرسلة

- ‌المصالح المرسلة

- ‌متفرقات في أصول البدع

- ‌صاحب البدعة المكفرة

- ‌الرواية عن صاحب بدعة

- ‌ضابط البدعة

- ‌هل العادات تدخل في البدع

- ‌هل قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:كل بدعة ضلالة من العام المخصوص

- ‌قاعدة: كل نص عام

- ‌الفرق بين العبادات المطلقة والمقيدة،وأثر ذلك في أبواب البدع

- ‌هل البدعة وصاحبها في النار

- ‌بين البدعة والسنة التركية

- ‌قول بعضهم: البدعة خاصةبالتغيير لا بالزيادة

- ‌الرد على أهل البدع

- ‌هل لأهل البدع توبة

- ‌هل تُترك سنة من السننإذا صارت شعارًا لأهل البدع

الفصل: ‌حول ظاهرة مخالفة السنة

‌حول ظاهرة مخالفة السنة

الشيخ: إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] .. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] .. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70 - 71].

أما بعد:

فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

إن ظاهرة مخالفة السنة القولية والعملية جلية جداً في كثير من عبادات المسلمين في العصر الحاضر، ولا غرابة في ذلك؛ لأننا في زمن الغربة التي تحدث عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أكثر من حديث واحد، ولا أريد الإطالة في ذكر الأحاديث الواردة في الغربة، وإنما أريد أن أقول لا غرابة في ذلك؛ لأننا في زمن

ص: 210

الغربة، إنما الغرابة أن تصدر كثير من المخالفات للسنة والمطابقة للبدعة من كثير من إخواننا الذين ينتمون إلى اتباع السنة.

هنا مكمن الغرابة الشديدة، لا غرابة أن يخالف السنة جماهير الناس؛ لأنهم بعيدين كل البعد عن السنة، لكن الغرابة حقاً إنما هي أن يقع في مخالفة السنة من ينتمي إليها ويدافع عنها ويذب كل الذب في سبيل الدفاع عنها، مثال ذلك ما سمعناه آنفاً من نشاز وشذوذ في التأمين خلف الإمام، وهذه مصيبة عامة أتعجب منها كيف استمر العالم الإسلامي في هذه المخالفة بما فيهم أهل السنة والجماعة كما يقول البعض اليوم في العصر الحاضر، أعني ذلك مخالفة قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح الذي تلقته الأمة بالقبول، ألا وهو قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:«إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافقه تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» .

هذا الحديث يعاكس في تطبيقه من جماهير المصلين لا أستثني منهم أهل السنة الذين يحرمون البدعة إلا أفراداً قليلين منهم جداً جداً منتشرين هكذا، هم ضائعون في سواد الأمة، لا يسمع لهم صوت، هم الذين ينتبهون لهذا الحديث، فهل أنتم على الأقل في هذه اللحظة منتبهون لمعنى هذا الحديث:«إذا أمن الإمام فأمنوا» ليس معنى الحديث كما تفعلون، تسابقون الإمام بالتأمين، لا يكاد الإمام ينتهي من قراءة:{وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]، ويقف بالنون الساكنة الواضحة ليأخذ نفساً ليقول رافعاً صوته: آمين. وإذا بالجمهور من المصلين يسبقونه بآمين؛ لماذا؟ وعلى ماذا يدل هذا؟ يدل على غفلة المصلين، وأنهم لا يحضرون عقولهم مع قراءة القارئ الإمام الذين بين أيديهم، ولذلك فهم يقعون في مثل هذه المخالفة الجلية، وإن تعجب فعجب كل العجب أن هناك أحد

ص: 211

إخواننا الذين يخطبون كل جمعة في مسجد صلاح الدين، ألا وهو الأستاذ الفاضل أبو مالك، كلكم يعرفه إن شاء الله، في كل صلاة الجماعة لا يكبر إلا بعد أن ينبه الحاضرين الذين سيصلون خلفه: لا تسبقوني بآمين، ويا سبحان الله! كأنما يتكلم بالجماد، فلا يكاد يقرأ أول ركعة:{وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] إلا ويضج المسجد بآمين، قبل أن نسمع تأمينه، بل نسمع تأمينه؛ لأنه يذهب مع تأمين المصلين بدل ما يذهب تأمين المصلين مع تأمين الإمام، لذلك أذكركم والذكرى تنفع المؤمنين بهذا الحديث الصحيح:«إذا أمن الإمام فأمنوا؛ فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» .

أنا أعتقد أن سبب هذه الغفلة يعود إلى أهل العلم، هذا إن كان هناك من يصح أن يسمى بأنهم من أهل العلم؛ لأننا ندين الله ونعتقد جازمين أن العلم ليس هو أن يقرأ الفقيه بل المتفقه كتاباً من كتب مذهب من المذاهب الأربعة المتبعة من مذاهب أهل السنة والجماعة، ثم هو لا يدري أهذا الذي قرأه هو ثابت بالكتاب أم بالسنة أم بإجماع الأمة، وأن هذا الإجماع إن كان منقولاً هل هو إجماع ثابت صحيح، أم ثبت ذلك بالقياس وبالرأي والاستنباط، ثم هل هذا القياس قياس جلي أم خفي، هل هو صحيح أم ضعيف، ليس الفقه أن يقرأ كتاباً من تلك الكتب، ثم هو لا يدري من أين جاءت هذه المسائل التي يقرأها، ثم يتبناها ثم ينشرها، ليس هذا هو العلم، العلم كما قال ذلك القائل العالم المحقق حقاً ألا وهو ابن القيم الجوزية رحمه الله:

العلم قال الله قال رسوله .. إلى آخره.

فالآن لا تكاد تجد عالماً بحق ينشر السنة بين الناس، ينشر بينهم أقواله عليه السلام والصحيحة منها، ليس كل ما ينسب إلى الرسول هو حديث ثابت

ص: 212

صحيح، فلذلك ليس العلم كما قلت آنفاً حاكياً بعضهم، إنما العلم قال الله قال رسول الله، فقل من تجد من ينشر أقوال الرسول الصحيحة وأفعاله الثابتة، فمن هذه الأقوال الصحيحة التي اتفق على روايتها الشيخان الجليلان البخاري ومسلم رحمهما الله تبارك وتعالى:«إذا أَمَّن الإمام فأمِنْوا؛ فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» .

كان سلفنا الصالح إذا سمعوا حديثاً هو دون هذا في الأهمية وكل أحاديث الرسول عليه السلام مهمة ولكنها لا تستوي، فالحديث الذي يتضمن فرضاً ليس كالحديث الذي يتضمن سنة .. وهكذا دواليك.

كانوا يقولون: لو سافر المسلمون سفراً خاصاً وبتعبيرهم لو شد الرحل لهذا الحديث فقط، لكان شده للرحل ثمناً بخساً في ذاك الحديث الواحد، وها أنتم والحمد لله يتاح لكم أن تسمعوا مثل هذا الحديث في لحظات معدودات، فلماذا لا تهتمون لتحصيل هذا الأجر العظيم الذي رتبه رب العالمين على لسان نبيه الكريم أن يغفر لكم ذنوبكم، فقط أن لا تسبقوا الإمام بآمين، انظروا كيف يصدق هنا وفي كل ما شرع الله قوله تبارك وتعالى:{وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 113].

«إذا أمن فأمنوا» ما هي النتيجة وما هو الثواب؟

يغفر الله لهؤلاء ذنوبهم، فلو عشنا حياة نوح عليه السلام كلها في طاعة الله عز وجل وعبادته، وضمنا أن يغفر الله لنا لكان أيضاً هذا الجهد المديد الطويل الذي فرضنا أنه حياة نوح عليه السلام، أيضاً لكان ثمنه بخساً، فما بالنا لا نهتم أولاً بتطبيق هذه السنة في أنفسنا، ثم في نشرها بين هؤلاء الناس الغافلين، أردت أن أُذَكِّر بهذه السنة؛ لأننا دعاة إلى السنة، لأننا نزعم أننا دعاة إلى السنة، لكن الواقع

ص: 213

أننا مقصرون في اتباع السنة، قد نكون مجتهدين في الدعوة إلى السنة بالكلام، لكننا قد نكون بل نحن كائنون مقصرين في تطبيق السنة في أكثر ساحاتها ومجالاتها.

ما هي دعوتنا؟ دعوتنا دعوة الكتاب والسنة.

لكن الحق والحق أقول، إن هناك دعوات كثيرة وكثيرة جداً في الأرض الإسلامية اليوم كلها تعلن الدعوة للكتاب والسنة، ولكن في هذا العصر خاصة لا يكفي أن تكون دعوة الدعاة محصورة في هذين الأصلين، ولا بد منهما الكتاب والسنة، لكن لا بد أن يضاف إليهما شيء ثالث وليس هذا من عندي، ولا من عند غيري ممن سبقنا من أهل العلم والغبن، وإنما هو من رب العالمين الذي أنزل على قلب رسوله الكريم:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115].

فأرجو أن تنتبهوا لهذه الآية لتفهموا أنها آية صريحة الدلالة أن هناك شيء آخر ينبغي أن يضاف إلى الأصلين المذكورين آنفاً والمجمع على أن الإسلام قائم عليهما الكتاب والسنة، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح المشهور:«تركتكم على أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يرد علي الحوض» .

فهذان الأصلان متفق عليهما بين علماء المسلمين قديماً وحديثاً، لكني قلت ينبغي أن نلاحظ ضميمة ثالثة لا يستقيم القيام على الكتاب والسنة لمن لم يضم هذه الضميمة الثالثة، وهي التي تستفاد من قوله تبارك وتعالى في الآية السابقة: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا

ص: 214

تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115].

إذاً: هذه الآية تعطينا دلالة لمفهوم المخالفة أن اتباع سبيل المؤمنين هو سبيل الوصول إلى جنة النعيم، ومخالفة سبيل المؤمنين هو الطريق لدخول الجحيم.

إذاً: يجب علينا نحن الذين ندعو إلى الكتاب والسنة أن تكون دعوتنا قائمة على الكتاب والسنة، واتباع سبيل المؤمنين.

وهنا لا بد من وقفة؛ لأن كثيراً من الناس يظنون أن سبيل المؤمنين هم جماهير المسلمين اليوم على عُجَرهم وبُجَرهم، على عالمهم ومتعلمهم وجاهلهم، على العامل بالعلم والنابذ للعلم عملياً، ليس هذا هو المقصود بسبيل المؤمنين، وإنما المقصود بسبيل المؤمنين هم المؤمنون الأولون الذين ذكروا في الحديث المتواتر صحة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي يقول:«خير الناس .. » ولا تقولوا ولا ترووا الحديث: خير القرون.

الحديث مع كثرة طرقه وأكثرها صحيحة والحمد لله وفي الصحيحين، ليس فيها:«خير القرون .. » ، وإنما فيها:«خير الناس .. » هكذا ارووا الحديث، «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» هؤلاء هم المؤمنون الذين أوعد الله عز وجل من شاقق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وخالف سبيل المؤمنين، قال تعالى:{نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115].

إذاً: سبيل المؤمنين سبيل الصحابة الأولين قبل كل شيء، ثم الذين اتبعوه بإحسان، هكذا القرن الثاني والثالث، ثم قلة من القرون التابعة لهم بإحسان إلى يوم الدين.

لهذا ينبغي أن تكون دعوتنا قائمة على الكتاب والسنة وعلى منهج سلفنا الصالح.

ص: 215

سيبدو لكم جلياً بعد هذا الكلام الذي قد يكون مجملاً بالنسبة لبعض السامعين، سيبدو لكم جلياً الفرق بين من يدعو للكتاب والسنة فقط، وبين من يضم إليهما وعلى منهج السلف الصالح، أي: وسبيل المؤمنين، سترون الفرق كبيراً جداً جداً.

أول ذلك: أنتم تعلمون أنه يوجد اليوم في الأرض الإسلامية كما كان الأمر من قبل بل وأكثر مما كان الأمر من قبل، مذاهب كثيرة وكثيرة جداً، نحن نقول المذاهب الأربعة هي مذاهب أهل السنة، لكن هناك مذاهب أخرى وهم يدعون كما ندعي نحن في مذاهبنا هذه، يدعون أنهم أيضاً على السنة، اذكروا على سبيل المثال الشيعة، واذكروا الزيدية، ولا نقول اليزيدية، وشتان ما بينهما، ونذكر فيما نذكر الخوارج ومنهم الإباضية المعروفين اليوم والذين لهم نشاط زائد في نشر أفكارهم وآرائهم المنحرفة عن الكتاب والسنة.

يا ترى! لو سألنا هؤلاء المتمذهبين بهذه المذاهب قديماً وحديثاً، دعونا من المذاهب العصرية المبتدعة اليوم، وإنما نتكلم عن المذاهب القديمة والتي توارث خلفها عن سلفها تمذهبها بذلك المذهب، هل فيهم من يقول: نحن لسنا على الكتاب والسنة، لن تسمعوا ذلك.

وأنا بمثل هذه المناسبة أضرب مثلين اثنين مثلاً قديماً جداً، ومثلاً حديثاً جداً.

المثل القديم: الخوارج، الإباضيون منهم الذين يلتقون مع المعتزلة قديماً وحديثاً في إنكار كثير من العقائد الإسلامية الصحيحة الثابتة في الكتاب والسنة، ومع ذلك هم يقولون نحن على الكتاب والسنة.

قلت أضرب لكم مثلاً قديماً، ألا وهو النعمة الكبرى التي أخبر الله عز وجل بها عباده المؤمنين في أنه وعدهم بأنهم يرون ربهم يوم القيامة كما قال عليه

ص: 216

الصلاة والسلام في ليلة قمراء والقمر بدر، فقال لهم عليه الصلاة السلام:«إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون -أو لا تضامّون- في رؤيته» أي: لا تشقون في رؤيته.

فهل آمن أولئك المعتزلة ومن دان دينهم ورأى رأيهم في هذه المسألة، هل آمنوا بأن المؤمنين سيرون ربهم يوم القيامة كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث الصحيح وفي غيره؟

الجواب: لا. إنهم ينكرون هذه النعمة، بل ويُضَلِّلون من يؤمن بها، بل وينسبونهم إلى التشبيه وإلى التجسيم، فنحن أهل السنة الذين نؤمن بأن من نعم الله عز وجل على عباده، بل من أكبر نعمه أنه يتجلى لهم يوم القيامة ويرونه كما نرى القمر ليلة البدر، هم ينكرونها، كيف ينكرونها والحديث هذا الصحيح، وهناك أحاديث أخرى.

عندهم فلسفة لا بد أنكم سمعتم هذه الفلسفة من بعض الدعاة والكُتَّاب المعاصرين، ولذلك فأنا أتعرض لذكر بعض الجزئيات المتعلقة بالعقيدة والمتعقلة سلباً أو إيجاباً حسب ما سأفصل بهذه العقيدة التي ندعو إليها، الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح، تلك الفلسفة تقول إن العقيدة لا تؤخذ من حديث الآحاد، ولو كان الحديث حديثاً صحيحاً، بل ولو كان مستفيضاً أو مشهوراً، وإنما يشترط عندهم أن يكون متواتراً، ثم من الغرابة بمكان أن هؤلاء الذين يشترطون هذا الشرط الحديثي الذي أوضحه علماء الحديث هم أبعد الناس عن العلم بالحديث رواية ودراية، فهم أهل أهواء يتبعون أهواءهم ويشترطون شروطهم هم لا يمكنهم أن يحققوها بينما غيرهم بإمكانهم أن يحققوها؛ لأنهم أولاً أهل رواية وهم أهل الحديث وهم أهل السنة، ثم هم أهل

ص: 217

دراية، فإذا قيل لهم: لم ترد رؤية المؤمنين لربهم في السنة فقط حتى تشككوا فيها بفلسفة حديث الآحاد لا يؤخذ منها عقيدة، إن هذه العقيدة قد جاءت أيضاً في القرآن الكريم المتواتر روايته عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقيناً.

لجؤوا إلى فلسفة أخرى قولهم: لا تثبت العقيدة إلا بدليل قطعي الثبوت أي رواية، قطعي الدلالة أي دراية، فإذا كان هناك آية في القرآن الكريم وهي ثابتة باليقين كما قلنا آنفاً، لعبوا بها وصرفوا دلالتها الصريحة وقالوا: هذه ثابت بالقطع لكن دلالتها ظنية، فلا تثبت بها عقيدة.

هكذا فعلوا في آيتين اثنتين وردتا في القرآن الكريم متعلقتين بهذه العقيدة الطيبة، الآية الأولى قوله تبارك وتعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22 - 23].

هذه آية صريحة: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} وهي وجوه المؤمنين قطعاً.

{إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} .

قالوا: هذه ليست قطعية الدلالة؛ لأنه يمكن تأويلها، وتأويلها عندهم، اسمعوا الآن كيف يكون اللعب بالنصوص القطعية الدلالة بفلسفة ظنية الدلالة.

قالوا: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} أي: إلى نعيم ربها ناظرة، عطلوا دلالة الآية.

ربنا يقول: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فزادوا من عندهم كلمة مضاف ومضاف إليه، فقالوا: إلى نعيم ربها ناظرة.

عطلوا دلالة الآية، وبالأولى والأولى أن يعطلوا دلالة الآية الأخرى وهي قوله تبارك وتعالى:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26].

{الْحُسْنَى} الجنة.

ص: 218

{وَزِيَادَةٌ} رؤية المؤمنين في الجنة.

جاء في هذا حديث صحيح في صحيح مسلم بسنده الصحيح عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا} قال: «الجنة، {وَزِيَادَةٌ}: رؤية الله» ، رفضوا هذا التفسير، قالوا: هذا حديث آحاد.

هذه الفلسفة معول هدام للسنة الصحيحة التي تلقتها الأمة بالقبول بهذه الفلسفة التي أصلها من المعتزلة، والشيعة أيضاً على هذا الاعتزال في هذه العقيدة، أي: عقيدة أن العقيدة لا تؤخذ من حديث الآحاد، فردوا لا أقول عشرات الأحاديث بل مئات الأحاديث الصحيحة، هدموها ورموها أرضاً بهذه الفلسفة الدخيلة في الإسلام، وهي: العقيدة لا تثبت إلا بنص قطعي الثبوت قطعي الدلالة.

هل كانت هذه العقيدة عليها سلفنا الصالح؟ وهنا الشاهد.

سلفنا الصالح من المقطوع لدى كل عالم درس سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما تعلق بها من تاريخ سلفنا الصالح رضي الله عنهم، من منكم لا يعلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرسل أفراداً من أصحابه يدعون إلى الله والمدعوون هم المشركون الذين عاشوا في الجاهلية كفاراً يعبدون الأصنام، كانوا بعيدين عن دعوة الرسول عليه السلام أولاً في مكة، وآخراً وأخيراً في المدينة، فلكي تنتشر الدعوة بوعد الله عز وجل في القرآن الكريم:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33].

تطبيقاً في حدود ما يمكنه عليه الصلاة والسلام يومئذ من الوسائل كان يرسل أفراداً من أصحابه عليه السلام دعاة، من منكم لا يذكر أنه أرسل علياً إلى اليمن، أرسل أبا موسى الأشعري إلى اليمن، أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن، هؤلاء

ص: 219

أفراد، فماذا كانوا يدعون المشركين إلى ماذا؟

هل كانوا يدعونهم ابتداءً إلى بعض السنن وبعض الأمور المستحبة أم كانوا يدعونهم إلى أن يعبدوا الله ويجتنبوا الطاغوت، أس الإسلام هو لا إله إلا الله والكفر بما سواه.

إذاً: هذه رأس العقائد كلها، فكان يدعو إليها أفراد من الصحابة، فمن أين جاءت هذه الفلسفة؟

العقيدة لا تثبت إلا برواية التواتر.

هذا أمر يخالف سيرة السلف الصالح في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ثم فيما بعده صلى الله عليه وآله وسلم من القرون المشهود لها بالخيرية.

لذلك فالذين تفرقوا شيعاً وكانوا أحزاباً قديماً وحديثاً هم يلتقون معنا في أن الإسلام كتاب وسنة، لكنهم يفترقون عنا ونفترق عنهم في أننا ندعو إلى اتباع السلف الصالح، في فهمهم لهذين المرجعين: الكتاب والسنة.

إذا قلت لأحد هؤلاء المخالفين للكتاب والسنة والمثال الأول قد أوردته عليكم آنفاً، وهو المثال القديم، وسأورد لكم المثال الجديد.

إذا قيل لهم: ألا تتبعون الكتاب والسنة؟ فماذا تظنهم قائلون؟ هل ينكرون أم يقرون؟ يقرون.

لو قلتم لهم: هل تتبعون السلف الصالح الصحابة والتابعين؟ قالوا لكم: لا، هم رجال ونحن رجال.

فهذا هو الفاصل بيننا وبينهم، هذا فراق بيني وبينك.

أما المثال الجديد الذي لم يمض عليه إلا أقل من قرن من الزمان، لا بد أن

ص: 220

الكثير من الحاضرين سمعوا ممن يعرفون بالقاديانيين وهم يأبون هذه النسبة تضليلاً للناس ويُسَمُّون أنفسهم بالأحمديين، وهذا له بحث طويل لبيان هذا التدليس منهم.

المهم هؤلاء القاديانيون يشهدون معنا بكل ما نشهد من الإيمان بالملائكة وما بعده، وبالإسلام الأركان الخمسة، فهم يُصَلُّون ويَحُجُّون ويزكون ويصومون .. إلى آخره، لكنهم يقولون بأن هناك أنبياء بعد محمد صلى الله عليه وآله وسلم وليس كما نعتقد نحن كما قال الله عز وجل في القرآن الكريم:{وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40].

وكما قال عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة ومن أصحها وأشهرها قوله لعلي رضي الله عنه لما خلفه خليفة من بعده في المدينة ويمم شطر تبوك، قال:«أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي» .

كيف هؤلاء يشاركوننا في كل شروط الإيمان والإسلام ومع ذلك فهم يعتقدون بمجيء أنبياء بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هذا كقاعدة.

ثم يعتقدون بأن أحدهم جاء فعلاً من الهند ومن قرية اسمها قاديان وإليها ننسبهم نحن، فنقول عنهم قاديانيون، هؤلاء يشاركوننا في كل هذه العقائدة، يفارقوننا باعتقادهم بمجيء أنبياء في المستقبل وأن أحدهم جاء منذ نحو ستين سنة تقريباً، وكان يُسَمَّى بميرزا غلام أحمد القادياني، وهذا ترجمته إلى اللغة العربية خادم أحمد، أي نبينا محمد عليه السلام، فمن مكرهم ودهائهم سحبوا هذه الإضافة خادم أحمد، فقالوا اسمه أحمد، وهذا كما أشرت آنفاً له بحث طويل.

الشاهد: كيف هؤلاء يعتقدون بمجيء أنبياء وأن أحدهم جاء وهم يؤمنون

ص: 221

بالآية السابقة: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40]، ولا ينكرون حديث علي.

يقولون: أنتم لا تفهمون القرآن، أنتم معشر العرب الذين توارثتم تفسير الآية السابقة سلفاً عن خلف ما تفهمون الآية، الذي فهمها هو الذي أوحي إليه مجدداً وهو ميرزا غلام أحمد القادياني.

فما معنى الآية إذاً: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40]؟

أي: ولكن رسول الله وزينة النبيين. قالوا: كما أن الخاتم زينة الإصبع، فرسول الله زينة الأنبياء، فليس معنى الآية كما تظنون أنتم أنه آخر الأنبياء.

فإذا قدم إليهم الحديث السابق ومثله كثير وكثير جداً، أيضاً حرفوا الحديث كما حرفوا الآية، وقالوا:«أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي» أي: معي، أما أنا بعدما أرتفع إلى الرفيق الأعلى فيأتي نبي بعدي.

فمعنى الحديث: «لا نبي بعدي» أي: معي.

وهكذا يتأولون النصوص على طريقة سلفهم من المعتزلة والخوارج ونحوهم.

إذاً: بارك الله فيكم، هنا بيت القصيد لا يكفي أن نقول الأصلان القرآن والسنة هم مرجعنا فقط؛ لأن كل الفرق الضالة يقولون هذه القولة، ويدينون بهذين الأصلين، ولكنهم إذا قيل لهم كما قلت لكم آنفاً، هل أنتم تتبعون السلف بدءاً من الصحابة إلى القرن الثاني إلى الثالث، قالوا: لا، نحن رجال وهم رجال.

فدعوتنا يجب أن تفهموا جيداً وهذا بيت القصيد من هذه الكلمة التي سنحت في خاطرتي حينما سمعت ضجتكم بآمين قبل تأميني أنا، وأنا إمامكم، وإذا بكم

ص: 222

قلبتم صرت أنا مقتدياً بكم وأنتم إمامي، هذا خلف وهذا مخالفة للسنة، سببها الغفلة عن الحديث، لكن السبب الأكبر عدم وجود من يبلغ السنة إلى عامة المسلمين حتى تشيع بينهم السنة وتصبح كالأمر المعتاد بين المسلمين.

كدت أن أنهي سانحتي أو ملاحظتي هذه، ثم سنح في بالي أيضاً مثال كيف كانت السنة تمشي بين عامة المسلمين يعرفونها كما يعرفون الصلاة ونحو ذلك من الأحكام، لا يختلف الأمي من القارئ، لا يختلف في ذلك المرأة عن الرجل، كلهم في فهمهم للإسلام سواء، لماذا؟ لأن العلم كان ينتشر على حد قوله عليه السلام:«فليبلغ الشاهد الغائب» كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ما يحضر مجلسه عامة أصحابه، كيف وهناك في بعض الأحاديث الصحيحة أن رجلاً من الصحابة كأبي هريرة يقول لرجل من كبار الصحابة كعمر، أنت شغلك الصفق في الأسواق عن أن تسمع حديث رسول الله، فما بالنا نقول عن عامة الصحابة ما كانوا يحضرون مجلس الرسول عليه الصلاة السلام، هذا في الرجال فضلاً عن النساء، فضلاً عن الإماء الجواري الذين كن يقمن بوظيفة خدمة أسيادهن وسيداتهن، مع ذلك كان العلم في العقيدة منتشراً في عامة الصحابة نساء ورجالاً، ما عدا الاختلاف في حضور العلم والذكر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كانوا في العقيدة سواء فضلاً عن ما دون ذلك.

كنت أردت آنفاً أن أنهي الكلمة السابقة، ثم خطر في بالي حديث الجارية، فتحمست لرواية هذا الحديث لسببين اثنين، أولاً: أن له علاقة بما كنت أنا في صدده، أنتم الآن سمعتم الحديث السابق، فعليكم أولاً أن تطبقوه، وأن لا تصلوا في مسجد تسمعون الإمام يؤمن فتسبقونه، لا، وإنما تنتظرون حينما يبدأ هو بالتأمين تبدؤون أنتم بالتأمين.

ص: 223

لا أريد منكم هذا فقط، بل وأن تبلغوا ذلك، ليبلغ الشاهد الغائب كما قال عليه السلام:«بلغوا عني ولو آية» والشيء بالشيء يذكر، «بلغوا عني ولو آية» لا يعني آية من القرآن؛ لأن معنى الآية في اللغة العربية هي الجملة الكاملة، ولما كانت الآيات الكريمة هي جمل كاملة اصطلح على هذا الإطلاق الآية، الآية حينما تطلق إنما يراد بها الآية الكريمة، أما هنا في الحديث:«بلغوا عني ولو آية» أي: ولو جملة كاملة من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وقد سمعتم آنفاً ومهما كان أحدكم ضعيف الحفظ نسياً مثلي، فسوف يحفظ إن شاء الله هذا الحديث الذي تلوته على مسامعكم أكثر من مرة:«إذا أمن الإمام فأمنوا؛ فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» .

إذاً: بلغوا الناس هذا الحديث حتى يصبح الناس كما أصبحت تلك الجارية، جارية ترعى الغنم، كيف عرفت العقيدة الصحيحة المتعلقة بذات الله تبارك وتعالى، والتي يجهلها حتى اليوم كبار المشائخ والدكاترة، أما الجارية راعية الغنم فقد عرفت العقيدة الصحيحة، ما هو السبب؟

السبب أن هؤلاء الأصحاب الكرام الذين كانوا يحضرون حلقات الذكر بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام، كانوا إذا انصرفوا إلى بيوتهم، إلى أهاليهم، إلى ذراريهم، إلى خدمهم، نقلوا الذكر الذي سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هكذا هذه الجارية تلقت العقيدة الصحيحة ليس مباشرة من رسول الله؛ لأنها خادمة ترعى الغنم، وإنما سيدها يلقنها وقد يكون سيدها أيضاً لم يحضر مباشرة في مجلس الرسول عليه السلام، لكن نقل إليه من جاره من صحابه .. إلى آخره.

ما هو حديث الجارية؟ وما موقف كثير من المشائخ المسلمين اليوم من هذه العقيدة؟

ص: 224

اسمعوا الحديث وطبقوه على واقعكم اليوم، فستجدون هذا الواقع مخالفاً لعقيدة الجارية، هذه العقيدة المطابقة للكتاب والسنة.

أرجو أن أنهي هذا الكلام بهذا الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث سيد الجارية واسمه معاوية بن الحكم السلمي، قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوماً، فعطس رجل بجانبي فقلت له: يرحمك الله، فنظروا إلي هكذا يسكتونه، لكني قال ما سكت، وإنما قلت، وهو يصلي ويقول لمن عطس: يرحمك الله، هذا يدل أنه كان حديث عهد بالإسلام، فلما قال لمن عطس بجانبه يرحمك الله، نظروا إليه هكذا بأطراف أعينهم مسكتين له، لكنه ما سكت بل ازداد تضجراً وصاح بأعلى صوته وهو يصلي: قال واثكل أمياه! مالكم تنظرون إلي؟ هو ما يظن أنه أساء عملاً في الصلاة. مالكم تنظرون إلي؟ فأخذوا ضرباً على أفخاذهم يسكتونه، قال: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة أقبل إلي ..

تصوروا الآن مثل هذه القصة تقع من بعض المصلين ثم يقبل الإمام إليه، ماذا يتصور أنه سيفعل به، لا بد أن ينهره على الأقل إن لم يبادره بالضرب، هكذا تصور معاوية بن الحكم السلمي، لكن والحمد لله خاب تصوره؛ لأنه عبر عن ذلك بقوله بلسان عربي مبين: فوالله! ما قهرني ولا كهرني ولا ضربني ولا شتمني.

كأن يقول له مثلاً: حيوان، ما تفهم .. جاهل من هذه الكلمات التي نسمعها من بعض المشائخ أو أئمة المساجد فيما إذا أخطأ معهم أحد المصلين.

وإنما قال لي عليه الصلاة والسلام: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس» .

مخاطبة في الصلاة.

ص: 225

«إنما هي تسبيح وتحميد وتكبير وقراءة قرآن» .

لما وجد معاوية بن الحكم السلمي وأُذَكِّركم هذا غير معاوية بن أبي سفيان الأموي، لما وجد هذا اللطف وكل شيء من معدنه الطبيعي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تفتح قلبه ليسأل نبيه صلى الله عليه وآله وسلم عما يشعر أنه بحاجة ليسأله، فقال: يا رسول الله! إن منا أقواماً يتطيرون -أي: يتشاءمون ببعض الأشياء- وهذا من جاهلية القرن العشرين، ليس في الكفار والمشركين وإنما في المسلمين أيضاً، يتطيرون من أشياء كثيرة وكثيرة جداً، وأظن أنكم تعلمون بعض الأمثلة.

إن منا أقوام يتطيرون، قال:«فلا يصدنكم» .

انظروا لم يقل لهم: لا تتطيروا، وإنما قال لهم:«لا يصدنكم» أي: إذا تطيرتهم فامضوا فيما كنتم أنتم ماضون فيه ولا ترتدوا على أعقابكم لسبب طيرة عرضت عليكم.

كلمة التطير اشتقت من الطير، كان الجاهلي إذا عزم على السفر وخرج فأول طير يراه يطير، طير حيوان يخاف من الإنسان، فإما أن يطير يميناً أو يساراً، فإن طار هذا الحيوان يميناً هذا الإنسان الذي هو أحوم مني يتفائل، فإن طار يساراً يتشاءم، ويرتد إلى داره ولا يسافر.

قال إن منا أقواماً يتطيرون، «قال فلا يصدنكم» حيوان هذا كيف يعرف الخير في المستقبل أم الشر، امض فيما خرجت إليه.

قال إن منا أقواماً يأتون الكهان، قال:«فلا تأتوهم» .

قال: إن منا أقواماً يخطون، أي: الضرب بالرمل، قال:«قد كان نبي من الأنبياء، فمن وافق خَطُّه خَطَّه فذاك» .

ص: 226

هذا كما يقول العلماء تعليق بالمحال، يقول عليه الصلاة والسلام جواباً عن ذاك السؤال: قد كان نبي من الأنبياء قبلي معجزة له يخط بالرمل، فيطلع على بعض المغيبات بواسطة الرمل، فمن وافق خطه من هؤلاء الكهان والمنجمين خط ذلك النبي الكريم فذاك أي المصيب، وهيهات أن يوافق خط الدجال خط النبي الصادق الأمين.

الآن يأتي الشاهد، قال: يا رسول الله! عندي جارية ترعى غنماً لي في أحد، عند جبل أحد في المدينة، فسطا الذئب يوماً على غنمي، وأنا بشر أغضب كما يغضب البشر فصككتها صكة، وعلي عتق رقبة، فقال عليه السلام له: ائت بها، فلما جاءت إليه قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهنا الشاهد:«أين الله؟ قالت: في السماء. قال لها: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، فالتفت إلى سيدها وقال له: اعتقها فإنها مؤمنة» .

شهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهذه الجارية التي كانت ترعى الغنم لسيدها ومن غفلتها وضعفها سطا الذئب على غنمها الأمر الذي أغضب سيدها فصكها، وصفعها تلك الصفعة على خذها، فامتحنها الرسول عليه السلام بهذين السؤالين: أين الله؟ قالت: في السماء. قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال لسيدها: اعتقها.

أي: إذا أعتقتها فقد وفيت بنذرك؛ فإنها مؤمنة.

الآن اسألوا الناس ليس عامة الناس، فإنكم تسمعون عامة الناس في مجالسهم يقولون: الله موجود في كل الوجود، الله موجود في كل مكان.

إذاً: الجارية التي كانت ترعى الغنم هي أفقه منهم.

ليت الأمر وقف أفقه من هؤلاء العامة الذين يتكلمون بهذه الجاهلية في مجالسهم، لو أنت سألت الدكاترة إلا من شاء الله وقليل ما هم، أين الله؟ قال

ص: 227

لك: لا يجوز يا أخي هذا السؤال. الله في كل مكان. أو يقول لك: الله موجود في كل الوجود، أو يقول: ليس لله مكان.

هذه كله خلاف القرآن والسنة، والجارية التي نطقت حقاً إنما نطقت بآية من آيات الله الكثيرة بمعناها:{أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ* أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} [الملك: 16 - 17].

إذاً: الجارية عرفت العقيدة الصحيحة فما بالنا نحن اليوم ما نعرف هذه العقيدة الصحيحة، الأمر يعود إلى شيئين اثنين، الشيء الأول الجهل بالسنة الصحيحة، والشيء الثاني أن الجماهير غفلت عن الأصل الثالث وهو على ما كان عليه السلف الصالح، وعلى ما كان السلف الصالح في الجواب عن سؤال أين الله، الجارية أجابت وأقرها الرسول عليه السلام وعلى هذا كان سلفنا الصالح كما قال الإمام عبد الله بن المبارك من كبار شيوخ إمام السنة أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه وعن من جاهد في سبيل الله عن العقيدة والسنة، قال عبد الله بن المبارك رحمه الله: الله تبارك وتعالى فوق عرشه بذاته ..

ليس في كل مكان كما يقول الجهلة.

الله تبارك وتعالى فوق عرشه بذاته، بائن من خلقه ..

ليس كما يقول الصوفية: الله مخالط للكون، وما الله في التمثال إلا كثلجة بها الماء، هذه عقيدة الصوفية القائلون بوحدة الوجود.

الله تبارك وتعالى فوق عرشه بذاته بائن من خلفه وهو معهم بعلمه.

فعلمه في كل مكان، أما الله عز وجل فكما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ

ص: 228

اسْتَوَى} [طه: 5]، والآيات كثيرة، وبهذا القدر كفاية، فقد استطردت كثيراً لكن أرجو أن أكون قد أوضحت عن دعوتنا وعن الفرق بين دعوتنا ودعوة الآخرين الذين يشاركوننا، أما الذين لا يشاركوننا فلا نتحدث عنهم، الذين يشاركوننا في الدعوة إلى الكتاب والسنة، فنحن نختلف عنهم وهم يختلفون عنا أننا لا نرضى أن نفهم الكتاب والسنة إلا على ما كان عليه السلف الصالح وبذلك ننجو من أن ننحرف يميناً ويساراً كما ينحرف كثير ممن أيضاً ينتمون إلى الكتاب والسنة ..

تحدثتم جزاكم الله خير عن المعادين للسنة، وها أنا سأضرب لكم بعض الأمثلة وأسألكم الأسئلة إن شاء الله رب العالمين.

الشيخ: تفضل.

مداخلة: يقول المدعو زاهد الكوثري وأنا ألقبه دائماً بالبائد، تعليقاً على الحديث الصحيح الذي رواه مسلم رحمه الله ورواه البيهقي وغيرهم:«خلق الله التربة يوم السبت» . قال: واتفق الناس على أن السبت لم يقع فيه خلق، وأن ابتداء الخلق يوم الأحد كما ذكره الحافظ عبد القادر القرشي في الجامع من طبقاته مؤاخذاً لمسلم في تخريجه .. إلى آخره.

ثم نقل الإمام البيهقي يقول في آية: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16]، عن الأستاذ أبو بكر بن فورك،

إن كان صحيح هذا ..

الشيخ: نعم.

مداخلة: قال: ولكن يريد معنى قول الله عز وجل: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} أي: من فوقها، ووضع أيضاً علامة 2 على هذه الكلمة، وقال: وهذا إخراج للآية على ظاهرها من غير داع، فليكن من في السماء هو خاسف سدوم بأمر الله سبحانه.

ص: 229

الشيخ: يعني الملائكة.

مداخلة: نعم، وأبو بكر بن فورك على جلالة قدره في علم أصول الدين كثيراً ما يطيش سهمه في هذا التأويل، هذا واحد.

ثانياً: الذي لم يبد إلى الآن وهو الضال الموجود حالياً في مصر محمد الغزالي يقول: كثيراً من المحدثين لا يعرفون الفقه، ويضرب على هؤلاء الذين لا يعرفون الفقه بفضيلتكم، يقول: محمد ناصر الدين الألباني مثلاً الذي يصحح حديث: «لولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر، ولولا بني إسرائيل لم يخنث اللحم» .

الشيخ: أي نعم.

مداخلة: يزعم سد الله فاه بأنك ليس عندك فقه؛ لأنك صححت هذا الحديث، ويقول: لو وجدت علة في حديث مثلاً: «لا يقتل مسلم بكافر» ، قال لوجدت علة قادحة في هذا الحديث، ماذا أفعل، سألوه الذين يناظرونه، ما هي هذه العلة؟ قال: لو قتل عربي مسلم مهندساً أمريكياً أو يهودياً فماذا أفعل؟ هل أطبق هذا الحديث، يعتبر هذه علة.

الشيخ: لا يطبق؛ لأنه أمريكي.

مداخلة: أجرى لقاء في مجلة الشرق الأوسط العدد 173 يوم 18 أكتوبر 1989 م يقول: أفهم من ذلك أنك تحب النكتة وتضحك منها، قال: نعم أحب النكتة وأضحك لها من كل قلبي، فقال له المحرر هل تحفظ نكتة أو أكثر فتذكرها لنا؟ قال: هناك نكتة أعجبتني جداً عن إخواننا المتدينين المشتددين تقول: رؤي أحد المتدينين المتشددين وفي يده قفاز ملاكمة، فقيل له: ما هذا؟ فقال: أسوي بين الصفوف. يقول المحرر استغرقنا معه في الضحك ويستأنف فضيلته الحديث وهو يضحك، جاءني رجل ..

ص: 230

الشيخ: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [المطففين: 29].

مداخلة: نعم، سأكمل لك يا شيخ.

الشيخ: نعم.

مداخلة: جاءني رجل ورأى مجموعة من العصي المعلقة هذه، يعني هو يحتفظ بعصي على جدار بيته، وأنا أحب الضحك من إخواننا المتشددين في الدين، فقال هذا الرجل: ما هذه العصي يا شيخ؟ فقلت له: هذه هي وسائل الإيضاح أخذتها من بعض إخواننا المتشددين وهم يعلمون بها الناس الإسلام.

سؤالي: البائد والضلالي الحالي ما حكمهما في الإسلام وهما يستهزئان بالسنة ويردناها لعقلهما ولسفاهتهما، ومع ذلك يقولون عن أهل السنة أنهم هم الضالون، فجزاكم الله خيراً سؤالي، ما حكمهما في الإسلام، الكوثري والغزالي، ما هو حكمهما في الإسلام.

وسؤالي الثاني أنه في هذه المناظرة في جريدة المسلمين أكثر من قول أن أبا حنيفة رحمه الله كان يأخذ القياس ويقدمه على حديث الآحاد، ويقول أن مالكاً كان يقدم عمل أهل المدينة أيضاً على حديث الآحاد، فنريد جواباً على هذين السؤالين جزاكم الله كل خير؟ ؟

الشيخ: بارك الله فيك، أنت مبين رجل جوعان، وأجوبتك هذه تحتاج إلى سهرة خاصة.

مداخلة: هذا الذي نريده.

الشيخ: أولاً أنا أقول: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8].

ص: 231

وأرجو من إخواننا الحاضرين جميعاً وبخاصة من كان منهم طالباً للعلم أن لا يؤخذ بالعاطفة، وأن لا ينساق معها بحيث أنها تهوي به في واد سحيق خلاف ما يريد من التمسك بالكتاب والسنة، فالكتاب والسنة فيها العدل والحكمة، والآية التي ابتدأت جوابي بها أولاً، هي التي تناسب المقام الذي أنا في صدد الكلام فيه والجواب عن بعض تلك الأسئلة التي جاءت فيما سمعنا من كلام هذا الذي ابتلي المسلمون به اليوم المسمى بمحمد الغزالي، أقول:{وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} ولكي نكون مع هذا الآية وليس عليها وليس مخالفين لها، أريد أن تفرقوا معي بين من ينكر السنة جملة وتفصيلاً، وبين من ينكر أطرافاً منها أو أفراداً منها، الذي ينكر السنة جملة وتفصيلاً فهو كافر لا يؤمن بالله ورسوله، وإن زعم بأنه يؤمن بالله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فإنما يكون منافقاً يقول بلسانه ما ليس في قلبه، لكن ليس كذلك من أنكر أحاديث قلت أو كثرت من السنة، ولكنه في واقع أمره أنه يؤمن بالكثير الطيب منها، فهذا في اعتقادي جازماً لا يجوز تكفيره وحسبنا أننا نحكم بضلاله؛ لأن الذي ينكر أولاً حديثاً من أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إن كان من أهل العلم بالحديث وانتبهوا جيداً حتى تكونوا فقهاء حقاً، ولو في مسألة واحدة كهذه المسألة، لو أنكر رجل حديثاً ما، وقال هذا حديث غير صحيح، ضعيف أو موضوع، وكان إنكاره قائماً على قواعد علماء الحديث، فهذا أولاً لا يجوز تكفيره بل لا يجوز تضليله، بل يجب علينا أن نُؤَجِّره وأن نُثَيْبه خيراً؛ لأنه مجتهد وتعلمون قوله عليه السلام:«إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد» ، هذا حكم من أنكر حديثاً وهو هذا الحديث في واقع أمره صحيح، لكن المُنْكِر لم تتبين له صحته بناءً على قواعد علماء الحديث، فهذا مأجور غير مأزور.

مرتبة أخرى: زيد من الناس أنكر حديثاً وهو ليس من أهل الحديث، بل ولا

ص: 232

من أهل الفقه والعلم، إنما هو من عامة الناس، كيف أنكر الحديث؟ سأل شيخاً يظنه عالماً ما رأي الشيخ في هذا الحديث؟ قال له لا هذا حديث باطل، هذا حديث موضوع، فاعتقد هذا الرجل العامي ما سمعه من ذاك الشيخ فهذا ليس آثماً، يعود البحث على الشيخ فتطبق عليه المراحل الثلاثة، فأيها صدقت فيه، أي إن كان ينكر السنة جملة وتفصيلاً فهو في الجملة أنكر هذا الحديث لهذا السائل، أو يؤمن كأصل بالسنة ولكنه أنكر حديثاً ليس من طريقة علماء الحديث، وإنما من طريقة الهوى فهذا ضال كما ذكرنا آنفاً أو أنكر هذا الحديث بناء على اجتهاد علمي منه فقد عرفتم، هذه المراتب لا بد من أن تكون راسخة في أذهاننا وعلى استعراضها دائماً يجب أن نحكم على الكوثري وعلى الغزالي والذين ينحون منحاهم في إنكار الأحاديث.

أنا أُفَرِّق جداً بين الكوثري وبين الغزالي، الكوثري حقيقة وهذا أقوله انطلاقاً من الآية السابقة:{وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} هذا الشيخ زايد الكوثري كان في زمانه أخشى أن أقول أعلم أهل الأرض بالحديث خاصة بالمصطلح والرجال، قد لا يكون له سعة اطلاع على متون الأحاديث وطرق الأحاديث والحكم على كل حديث بالصحة والضعف الذي يقتضيه أفقه العلمي الواسع، واطلاعه المديد الطويل بسبب إقامته في عاصمة الإسلام يومئذ، ألا وهي اسطانبول التي فيها من كتب الحديث المخطوطة ما لم يخطر على بال بشر، هذا الرجل إن لم أقل إنه كان أعلم زمانه بهذا التحديد، فهو لا شك من أعلم أهل زمانه، ولكنه أضله الله على علم، أي: إنه لم يستفد من علمه بالحديث ورجاله وكتبه؛ لأنه غلبت عليه آفتان اثنتان: الآفة الأولى هي العصبية المذهبية، والآفة الأخرى هي الشعوبية، أي: ضد العربية، أي: العرب أنفسهم، فمن هنا أوتي الرجل ولذلك تجد منه انحرافاً خطيراً جداً

ص: 233

جداً في العقيدة وفي السنة في الأحاديث أما الغزالي فليس في العير ولا في النفير كما يقال، لا يعرف شيئاً من علم الحديث، الحديث عنده هواه، الحديث عنده عقله، وليت عقله كان عقل إنسان وصل في الدرجة العليا من الكمال، وليس ذلك إلا لإنسان واحد هو محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا سمعتم طعناً من هذا الرجل في حديث من أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام كالحديث الذي تلي علينا وعلى مسامعنا آنفاً، حديث لولا بني إسرائيل ولولا حواء، اتهم الذي صحح هذا الحديث وسمى الألباني بأنه لا فقه عنده.

أنا أقول أولاً: ليته اتهم الألباني؛ فإنه رجل أعجمي لعل أصله أصلي أنا أعجمي أيضاً، فلو أنه اتهمني أنا وحدي بقلة الفقه لهان الأمر، رجل إنسان من المسلمين، لكن أنا ما صححت هذا الحديث وحدي، هذا الحديث مروي في الصحيح، مروي أظن الآن إما في البخاري أو في مسلم.

مداخلة: في البخاري.

الشيخ: هذا هو، وأنا أتحفظ الآن، فهو مروي في الصحيح، فإذاً: هو لا يطعن في الألباني بل يطعن في البخاري الذي هو سلف الألباني، ويطعن في الأمة التي تلقت هذا الحديث بالقبول ولم يرفض الحديث هذا إلا من كان مثله في منهجه اللاعقلي ولا أقول العقلي؛ لأن هؤلاء الذين ينكرون الحديث بعقولهم لا عقول عندهم سليمة، لذلك فالرجل في الواقع أنا أعتبره داعية ضلال، لكن ليس عندي من الجرأة العلمية ما يمكنني أو يساعدني على الحكم عليه بالتكفير؛ لأن أصعب شيء بالنسبة للعالم المسلم هو أن يكفر مسلماً يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولا ينكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة.

ولذلك فرقت بين من ينكر السنة وهؤلاء موجودون اليوم، وهم الذين يسمون

ص: 234

أنفسهم بالقرآنيين وهؤلاء نبعوا من باكستان، منبع مدعي النبوة الذي ذكرته لكم آنفاً، ثم سرت عدواهم إلى مصر، ثم انتقل بعض عدواهم إلى سوريا، والتقيت مع بعضهم وناقشتهم وجادلتهم، هؤلاء ينكرون السنة، وإذا أنكر منكر السنة فلا فرق بينه وبين نصراني أو يهودي أو بهائي أو لاديني فكل هؤلاء يفسرون القرآن حسب أهوائهم؛ لذلك فمن أنكر السنة كأصل فهو كافر، أما من أنكر أجزاء من السنة فهو التفصيل السابق الذي ذكرته يجب أن تستحضروه، والآن آتي بتفصيل موجز جداً: من كان يعتقد في حديث أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قاله ولو كان حديثاً واحداً، ومع ذلك هو يقول هذا الحديث لم يدخل في عقلي، وأنا لا أؤمن به فهذا كافر؛ لأنه جمع بين نقيضين من ناحية اعتقد أن الرسول تكلم بهذا الحديث، ومن ناحية أخرى قال ما دخل في عقله فهو ينكره.

أما إنسان آخر كهذا الغزالي أنا لا أستطيع أن أقول أن الإنسان الأول هو الغزالي يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال هذا الحديث وأنا لا أؤمن به، ما ظهر منه فيما علمنا شيء من هذا، أما هو فيشك في صحة هذا الحديث الذي رواه البخاري ويغمز من قناة أحد الرواة ولو بكلمة يا أخي البخاري معصوم؟ الألباني معصوم؟ شيوخ السلف معصومين؟ الجواب: لا، لا، هو ينكر الحديث غير معتقد أن الرسول قاله ومن هنا ينجو من التكفير الذي يجوز للعالم المسلم أن يوجهه إلى مسلم مثل هذا الغزالي، لكنه يضلل؛ الحقيقة أن هؤلاء الذين يذكرون اليوم في زمرة الدعاة إلى الإسلام ونحمد الله أنهم لا يحشرون في زمرة الدعاة إلى الكتاب والسنة وإنما إلى الإسلام، أما هذا الإسلام هو شيعي هو خارجي، هو إباضي هو كذا، كله إسلام فهم يدعون إلى الإسلام، لكن هل هو إسلام حقيقة، هل هو إسلام سلفي، هل هو إسلام خلفي، هل هو إسلام بريطاني، هل هو إسلام أمريكي، إسلام.

ص: 235

إذاً: ليس مُهِمَّاً أن يكون المسلم داعية إلى الإسلام ولنقل إلى إسلام، وإنما المهم يدعو إلى الكتاب والسنة، وليس أيضاً من المهم أن يدعو إلى الكتاب والسنة، وإنما المهم أن يدعو إلى الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح.

إذاً: نحن نُفَرِّق بين رجلين اثنين أحدهما ينكر حديثاً ويعتقد في قرارة قلبه أن الرسول قاله، ثم هو لا يؤمن به فهو كاليهود يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، فهو كافر، ورجل آخر لا يعتقد أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قاله، عنده شك بسبب أو آخر أن هذا الحديث الذي صححه زيد وبكر وعمرو من علماء الحديث وهموا في تصحيحه، فهو ينكر على الذين صححوا وليس على النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي قاله، فقلت آنفاً: هذا ضال وليس بكافر كالأول، وسبب ضلاله أن هذا الرجل وأمثاله ينكرون على بعض إخواننا وأنا معهم انتبهوا، الذين يتسرعون وهم من عامة المسلمين، فيقول: أنا أفهم من الحديث الفلاني كذا، هو ليس عالماً وليس طالب علم، لكن يقول أنا أفهم هكذا يا أخي، وأنا اجتهدت هكذا، طيب أنت لست من أهل الاجتهاد، وابتلي الغزالي بأمثال هؤلاء فسحب الجهلة على الآخرين من النابغين في العلم والمتفقهين في الكتاب والسنة وفقه السلف الصالح، فاتهمهم بأنهم لا فقه عندهم.

هذا الغزالي وأمثاله ينكر على هؤلاء؛ لأنه يوجب عليهم ما نحن نوجبه عليهم انطلاقاً من قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].

هذا الغزالي وأمثاله وقعوا فيما ينكرون على غيرهم، الغزالي أمي في علم الحديث، كذاك الأمي في علم الفقه، فما ينكره الغزالي على الأمي الذي يدعي الفقه في آية أو في حديث هو يرد عليه أيضاً حينما يصحح ويضعف وهو أمي في علم الحديث، إذاً: هو خالف قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا

ص: 236

تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، هو وكل من كان عنده ذرة من علم وفقه يعترف ويشهد بحقيقة لا مجال لإنكارها، أن العلوم على أنواعها وأشكالها سواء كانت علوماً في الشرع أو في الأدب أو في اللغة أو في التاريخ، كل هذه العلوم مرجعها إلى أهل الاختصاص، فلا يجوز مثلاً بجاهل بالطب أن يتطبب، ولا يجوز بجاهل في الفقه أن يتفقه، ولا يجوز بالتالي لجاهل بالحديث أن يتحدث تصحيحاً وتضعيفاً، هذا الذي وقع فيه الغزالي نحوه أنكره على غيره، فهو وقع فيما ينكره على العامة وهو من الخاصة، وذنب الخاصة أشد عند الله عز وجل من ذنب العامة؛ لهذا أقول: الغزالي لا شك أنه يعيش في ضلال مبين؛ لأنه كما قال تعالى في حق المشركين: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل: 14]، أي: هو جحد ما يقرره أن العلوم اختصاصات وما لهؤلاء الجهلة يتعالون ويتسلطون على الكتاب والسنة وهم لا يفقهون شيئاً، هذا الذي أنكره على العامة وقع هو في مثل ما وقع العامة الذين ينكر عليهم؛ لأنه لا يعرف، وقد يجادل بعضهم في ذلك فأُذَكِّركم بالمثل الواقع الذي لا يستطيع هو أن ينكره، أنا قبل أن أعرفه بواسطة من كان من عارفي بل ومن أصحابي، وكان الله عز وجل أنقذه من الطريقة الشاذلية ومن التعصب بالمذهب الحنفي وهو الشيخ زهري النجار، هذا الرجل أرسل إلي من مصر وكان عندنا في سوريا، كان حنفياً متعصباً وطرقياً شاذلياً، فهداه الله إلى السنة ثم سافر إلى مصر ودخل الأزهر وأخذ الشهادة، كتب إلي بأن الشيخ الغزالي عنده كتاب اسمه فقه السيرة، فهو طلب مني أن تتطوع لتخريج أحاديث

كتابي، وكنت يومئذ على شيء من الفراغ والنشاط أكثر من نشاط الشيخوخة كما ترون فوافقت، وكتب مقدمة لعلكم اطلعتم عليها، فهو لماذا كلفني أن أخرج كتابه؛ لأنه ليس من أهل الحديث.

فإذاً: لماذا هو يتسلط على علم الحديث تصحيحاً وتضعيفاً وقد أفصح عن

ص: 237

منهجه في نفس المقدمة التي قرضني فيها ومنهجي وعلمي بالحديث، قال هو ينظر في الحديث فإن كان معناه صحيحاً ولو كان سنده ضعيفاً، وضرب على ذلك مثلاً حديثاً كنت أنا ضعفته قال: هذا معناه صحيح، ولذلك كون سنده صحيح فأنا أصححه، وأنكر حديثاً صحيحاً وهو إغارة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على بني قريظة، قال هذا وإن كان سنده صحيح .. إلى آخره، المهم لو كان هو من أهل الحديث لما تواضع وكلف غيره أن يخرج أحاديث كتابي.

إذاً: هو ليس من أهل الحديث، فأين القاعدة التي يتبجح بها وينكر على عامة المسلمين الذين يخالفونها، أصبح الأمر هوىً، فالحديث الذي يعجبه يصححه، والذي لا يعجبه يضعفه، فنسأل الله عز وجل أن يحفظنا من الهوى، وأن نتبع الهوى فيضلنا عن سواء الصراط، وقد جاء عن الرسول عليه السلام:«ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب كل ذي رأي برأيه» .

فنسأل الله عز وجل أن يحفظنا ولعل في هذا القدر كفاية، فالساعة الحادية عشر والربع تقريباً.

مداخلة: بقية السؤال.

الشيخ: وهو؟

مداخلة: زعمه بأن مالكاً كان يقدم عمل أهل المدينة أيضاً على حديث الآحاد، وأبا حنيفة يقدم القياس على أحاديث الآحاد.

الشيخ: والله آسف أن هذا أمر واقع، لكن هذا ليس على منهج الغزالي؛ لأن الإمام مالك عاش في المدينة حيث كان فيها جماهير الصحابة الذين ورثوا علم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ونشروه بين الأمة كما ضربنا على ذلك مثلاً بقصة الجارية وهو كان من أتباع التابعين رحمه الله، فقد روى كثيراً من الأحاديث من طريق نافع عن ابن

ص: 238

عمر، فهو كان يعلم بأن عمل أهل المدينة كانوا على الهدي النبوي، فإذا جاءه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولو بسند صحيح فهو يقدم عمل أهل المدينة؛ لأنه قائم عنده على السنة، وليس قدم هواه على الحديث، فليس له متمسك فيما يؤيد به انحرافه عن السنة.

مداخلة: الآية: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا} [المائدة: 8]، في هذه الآية نذكر محاسن الرجل بعض محاسنه، ولا نقول أنه داعية ضلالة على الإطلاق كما ذكرتم آنفاً.

الشيخ: كيف قلت داعية ضلالة؟

مداخلة: قبل قليل، الغزالي هو داعية ضلالة.

الشيخ: فيما كنا نتحدث به.

مداخلة: أعلم هذا.

الشيخ: طبعاً

مداخلة: وقد يفهم شيخنا

الشيخ: لا يا أخي،

مداخلة: أنا فهمت والله.

الشيخ: طيب هذا السياق بين السباق، لما قلنا هو يدعو إلى الإسلام ..

مداخلة: .. الغزالي

قال: قديماً كان رجل عام أحبب أنه

الشيخ: ما أعتقد هذا.

مداخلة: أحسن الله إليك، ما رأيك في كتبه.

ص: 239

الشيخ: كتبه أكثرها فيها أشياء من الانحرافات ..

مداخلة: هل ترى أنه يبث ما يجد في عقله في هذه الكتب يعني.

الشيخ: لا، فيه انحرافات كثيرة. تفضل.

(الهدى والنور /630/ 02: 02: 00)

(الهدى والنور /631/ 51: 00: 00)

(الهدى والنور /631/ 01: 29: 00)

ص: 240