المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌خطورة الابتداع وبيان أنهلا بدعة حسنة في الإسلام - جامع تراث العلامة الألباني في المنهج والأحداث الكبرى - جـ ٨

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌الزواج في بلاد الكفروالزواج من كتابيات

- ‌الزواج في بلاد الكفر بنية الطلاق

- ‌الزواج من الكتابيات

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌‌‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌ضابط الكتابي الذي يجوز مناكحتهوالأكل من طعامه

- ‌كيف تتزوج الفتاة في الدول الكافرة

- ‌الهجرة من بلاد الكفر

- ‌الهجرة من الدار التي يكثر فيها الفسق

- ‌الهجرة من البلاد التي تُحَارب فيها الدعوة

- ‌جواز الهجرة إلى بلاد الكفرإذا عدمت البلاد الإسلامية

- ‌الرجوع من بلاد الهجرة

- ‌الهجرة من بلاد الكفر

- ‌متفرقات في أبوابالولاء والبراء

- ‌استغابة وسب المشركين

- ‌الدعاء على الكفار

- ‌حكم الأكل من طعام أهل الكتابفي أعيادهم

- ‌معاملة محسني النصارى بالحسنى

- ‌حفر قبور للنصارى

- ‌حكم الجمع بين مقابر المسلمين والنصارى

- ‌اتباع جنائز أهل الكتاب

- ‌نصرانية حامل فأين تدفن

- ‌امرأة نصرانية يُشك في إسلامهافهل تدفن في مقابر المسلمين

- ‌امرأة نصرانية تريد أن تهب مالها لمسلمةمقابل أن تحفر لها قبرها وتزينه

- ‌رجل مات في بلاد الكفرفهل يدفن في التابوت

- ‌مصاحبة الأهل الكافرين إلى المقبرة

- ‌حكم الدفن في بلاد الكفار

- ‌حكم دخول الكنيسة لرؤية الآثاروزيارة المتاحف

- ‌حكم توصيل الناس إلى الكنيسة

- ‌العمل عند أهل الكتاب

- ‌العمل تحت إمرة كافر

- ‌حكم قول المسلم: أنا نصراني

- ‌كيفية مناقشة الكفار

- ‌مواساة أهل الكتاب لدعوتهم إلى الإسلام

- ‌الاستعانة بالمشركين

- ‌حكم التهرب من الخدمة العسكرية

- ‌حكم التجنس بجنسية بلد كافر

- ‌باب منه

- ‌الحصول على جواز سفر أجنبي

- ‌دار الإسلام ودار الكفر

- ‌الفرق بين دار الإسلامودار الكفر ودار الحرب

- ‌تطبيق الأحكام الشرعية في دار الكفر

- ‌هل النصارى في هذا العصر أهل كتاب

- ‌العمل في الشرطةوما شابهها في بلاد الكفر

- ‌القوانين في بلاد الكفر

- ‌تهنئة النصارى بأعيادهم

- ‌المسلمون ومدارس التنصير

- ‌حديث: فاضطروهم إلى أضيق الطرقات

- ‌حديث: اضطروهم إلى أضيق الطرق

- ‌الفرح ببعض أخبار الغربيين

- ‌السلام على النصارى

- ‌ذبائح أهل الكتاب

- ‌العمل بسفارة أجنبية

- ‌التحاكم إلى محاكم الكفار

- ‌إهداء المصحف لكافر

- ‌استقدام الخَدَم الأجانب إلى بلاد المسلمين

- ‌استقدام الأجانب إلى البلاد الإسلامية

- ‌عيد المعلم

- ‌حكم إقامة محاضرات عن المسيحعليه السلام في رأس السنة الميلادية

- ‌حكم تحية العَلَم

- ‌كتاب أصول البدع

- ‌التحذير من البدع

- ‌ذم البدع

- ‌التحذير من الابتداع في الدين

- ‌خطر الابتداع

- ‌خطر الابتداع

- ‌خطورة الإحداث في الدين

- ‌كلمة حول معنى قوله (صلى الله عليه وآله وسلم)(كتاب الله وسنتي) وخطورة الإحداث في الدين

- ‌حول ظاهرة مخالفة السنة

- ‌لا بدعة حسنة في الإسلام

- ‌خطورة الابتداع وبيان أنهلا بدعة حسنة في الإسلام

- ‌لا بدعة حسنة في الإسلام

- ‌خطورة الابتداع وبيان أنهلا بدعة حسنة في الإسلام

- ‌قول ابن عمر: من ابتدعبدعة فرآها حسنة

- ‌لا بدعة حسنة في الإسلام

- ‌لا بدعة حسنة في الإسلام

- ‌لا بدعة حسنة في الإسلام

- ‌الاستدلال بقول عمر: نعمت البدعةهي على البدعة الحسنة

- ‌لا بدعة حَسَنة في الإسلام

- ‌باب منه

- ‌قول عمر: نعمت البدعة هذه

- ‌هل في الدين بدعة حسنة

- ‌البدعة والمصالح المرسلة

- ‌المصلحة المرسلة والبدعة

- ‌متى يقال: فلان مبتدع؟ والكلام علىالفرق بين البدعة والمصلحة المرسلة

- ‌ضابط المصالح المرسلة

- ‌المصالح المرسلة

- ‌متفرقات في أصول البدع

- ‌صاحب البدعة المكفرة

- ‌الرواية عن صاحب بدعة

- ‌ضابط البدعة

- ‌هل العادات تدخل في البدع

- ‌هل قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:كل بدعة ضلالة من العام المخصوص

- ‌قاعدة: كل نص عام

- ‌الفرق بين العبادات المطلقة والمقيدة،وأثر ذلك في أبواب البدع

- ‌هل البدعة وصاحبها في النار

- ‌بين البدعة والسنة التركية

- ‌قول بعضهم: البدعة خاصةبالتغيير لا بالزيادة

- ‌الرد على أهل البدع

- ‌هل لأهل البدع توبة

- ‌هل تُترك سنة من السننإذا صارت شعارًا لأهل البدع

الفصل: ‌خطورة الابتداع وبيان أنهلا بدعة حسنة في الإسلام

‌خطورة الابتداع وبيان أنه

لا بدعة حسنة في الإسلام

الشيخ: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

لقد كان من هدي نبينا صلوات الله وسلامه عليه أن يفتتح كلامه وموعظته وخطبه بهذه الخطبة الموجزة البليغة التي سمعتموها وتسمعونها منا عادة، وفيها كما تعلمون هذه القاعدة العظيمة، خير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

نقول في هذه الخطبة المباركة، هذه القاعدة الهامة من قواعد الشريعة، ويتجلى أهميتها عند من يتفقه في كتاب الله عز وجل وبخاصة في مثل قوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3].

فإن الله عز وجل يمتن في هذه الآية الكريمة على عباده أنه أكمل لهم الدين،

ص: 242

وأتم عليهم النعمة، وكثير من الناس لا يتنبهون لهذه النعمة العظيمة، ولعظمتها امتن الله تبارك وتعالى على عباده بها، وذلك لغفلتهم عن أهمية كمال الشريعة، هذا الكمال الذي يغني الناس عن أن يتعبوا أنفسهم ما بين يوم وآخر أو أسبوع وآخر، أو شهر أو سنة وأخرى، أو قرن وآخر، أن يفكروا وأن يشغلوا أذهانهم بما يقربهم، بأن يتعرفوا على ما يقربهم إلى الله زلفى، أتمم الله عز وجل عليهم النعمة بأن أتمم لهم دينهم بهذه النكتة التي تنبأ لها بعض أحبار اليهود في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين جاء إليه ليقول له: يا أمير المؤمنين، آية في كتاب الله، لو علينا معشر اليهود نزلت، لاتخذنا يوم نزولها عيداً، قال: ما هي؟ فذكر الآية السابقة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3]. قال له عمر: لقد نزلت في يوم عيد، كأنه يقول: أبشر، فقد اتخذ المسلمون يوم نزول هذه الآية عيداً.

ذلك بأنها نزلت ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عرفة وفي يوم جمعة، ويوم الجمعة يوم عيد المسلمين الأسبوعي، يتكرر ليس في كل سنة، بل وفي كل أسبوع مرة، لماذا قال هذا الحبر اليهودي، إن هذه الآية لو نزلت عليهم لاتخذوا يوم نزولها عيداً، لما فيها من تفضل الله عز وجل على عباده بأن أتم لهم الشريعة، وأكملها فأغناهم عن الاجتهادات الشخصية التي قد يتفننون بها ويتوسعون فيها، ليتقربوا بذلك إلى الله زلفى، وقد يضلون؛ لأننا نعلم جميعاً أن المجتهد معرض للخطأ، وإن كان مأجوراً على خطئه إذا ما أفرغ جهده لمعرفة الصواب الذي أمره الله به، كما قال عليه السلام في الحديث الصحيح في البخاري وغيره:«إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا أخطأ فله أجر واحد» .

فتمام الشريعة إذاً يغنيهم عن مثل هذه الاجتهادات التي يراد بها توسيع دائرة

ص: 243

التقرب إلى الله عز وجل، فقد سدت وأغلقت وأتمت هذه الدائرة، فلم يبق للناس حاجة إلى أن يجتهدوا فيما يقربهم إلى الله عز وجل؛ لأن الله عز وجل قد أتم النعمة بذلك، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام:«ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به، وما تركت شيئاً يبعدكم عن الله ويقربكم إلى النار إلا ونهيتكم عنه» ، لذلك جاء عن بعض السلف وهو بالضبط حذيفة بن اليمان أنه قال: كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا تعبدوها، أي: فلا تتعبدوا بها.

وقد تلقى هذا المعنى الخلف الأول عن السلف الأول في عبارات متنوعة من أهمها قول مالك رحمه الله: من ابتدع بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم خان الرسالة، اقرءوا قول الله تبارك وتعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3]. قال ذلك، فما لم يكن يومئذ ديناً، لا يكون اليوم ديناً، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

هذه الكلمة من إمام دار الهجرة رحمه الله هي بحق كما كانوا يقولون قديما: تكتب بماء الذهب؛ لأنها وضحت لنا المقصود من هذه الآية التي تمنى ذلك اليهودي أنها لو نزلت عليهم لاتخذوها عيداً، والمسلمون والحمد لله اتخذوها أيضاً عيداً، كما سمعتم من عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنها نزلت يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عرفة.

فهو يقول على صيغة التنكير الذي يفيد الشمول: من ابتدع بدعة واحدة يراها حسنة، فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم خان الرسالة.

من هنا ينبغي على كل مسلم عرف هذه الحقيقة وهذه المنة التي امتن الله بها على عباده بإكماله دينه ألَّا يتجرأ على مقام الشريعة، فيستحسن ما شاء له عادته

ص: 244

أو هواه، أو أي شيء آخر من البدع ومحدثات الأمور بحجة، وهذه الحجة حجة داحضة طالما نسمعها من كثير من الناس وقد يكون فيهم من ينسب إلى العلم إذا ما أُنكر عليه بدعة لم تكن من هدي الرسول عليه السلام، ولم تكن في عهد السلف الصالح، يكون الجواب: شوف يا أخي؟ ! يغفلون جميعاً هؤلاء الناس عن الآية السابقة؟ وتفسير الإمام مالك لها، بقوله: من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة، فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم خان الرسالة، فهؤلاء الذين يقولون حينما تقيم الحجة عليهم بأن هذا الذي تفعله، يبادرونك بقولهم: شو فيها؟ الجواب: فيها نسبة الجهل، إلى الشارع الحكيم، وهو الله تبارك وتعالى الذي أنزل هذه الآية، أو فيها نسبة كتمان العلم إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، الذي أمر بتبليغ كل ما أوحي إليه مما يتعلق بشرع الله عز وجل، كما قال عز وجل:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67].

(الهدى والنور /61/ 34: .. : .. )

السؤال: عندما نبين لبعض الناس مثل هذا الكلام الذي تفضلت به جزاك الله خيراً، يقول: يستشهد بحديث عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «من سن في الإسلام سنة حسنة .. » فحبذا لو توضح لنا، كيف نرد عليه الرد الصحيح السليم؟

الشيخ: الحقيقة أن هذا السؤال بالنسبة لكثير من الناس مهم جداً، ذلك لأن له علاقة قوية بما أشرت في تضاعيف كلامي السابق أنه ليس لنا أن نستحسن، فقد يقول قائل: كيف هذا، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:«من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، دون أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها، ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أوزارهم شيء» .

ص: 245

فجواباً على ذلك أقول: لقد تعلمنا من كتب علماء التفسير أن من الطرق التي يتمكن بها طالب العلم من فهم الآية فهماً سليماً وصحيحاً أن يتعرف على سبب نزولها، إذا كان لها سبب نزول؛ فإن ذلك يساعد مساعدة قوية للوصول إلى الفهم الصحيح لها بعد أن يستعمل مع التعرف على سبب النزول، استعمال الآداب العربية التي تساعد على فهم الكلام العربي، وبخاصة كلام رب العالمين تبارك وتعالى.

تعلمنا هذا منهم، فاقتبست أنا فائدة، فقلت كما قالوا هم فيما عُرِف في أسباب نزول الآية إنها مساعدة كبيرة لفهم الآية فهماً صحيحاً، اقتبست من ذلك فقلت: كذلك مما يساعد على فهم الحديث النبوي فهماً صحيحاً، أن تتعرف على سبب ورود الحديث، هناك في القرآن سبب النزول، أما في الحديث فسبب الورود، أي: أن نعرف المناسبة التي قال الرسول عليه السلام الحديث فيها، وستعلمون جيداً أهمية هذه القاعدة، أن نعرف سبب ورود الحديث، فسيتبين لكم، كم الفرق بين من عرف سبب الورود، ومن غفل عن هذا السبب ولم يعرفه.

هذا الحديث: «من سن في الإسلام سنة حسنة .. » مما رواه الإمام مسلم في صحيحه من رواية جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: «كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فجاءه أعراب مجتابي النمار، متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تَمَعَّر وجهه .. » .

تمعر وجهه: يعني تَغَيَّرت ملامح وجهه إلى ما يدل على حزنه عليه السلام حينما رأى علامات الفقر على هؤلاء الناس الذين قدموا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

«فقام في الصحابة خطيباً، وقرأ قول الله تبارك وتعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ

ص: 246

فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون: 10]، ثم وعظهم وكان من وعظه إياهم أن قال لهم: تصدق رجل بدرهمه، بديناره، بصاع بره، بصاع شعيره.

تصدق: فعل ماض كما يقول علماء النحو، لكنه بمعنى الأمر، أي: ليتصدق.

(تصدق رجل) أي: ليتصدق الرجل منكم بما يتسير له من الصدقات من نقود، دراهم أو دنانير، من طعام، قمح أو شعير، تمر .. أو نحو ذلك.

فتحرك أول من تحرك رجل من الذين سمعوا خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذهب سريعاً إلى داره ليعود وقد حمل بطرف ثوبه ما تيسر له من الصدقات، فوضعها أمام الرسول عليه السلام، فقام الآخرون، وذهب أيضاً كل منهم ليعود بما تيسر له من صدقات، فاجتمع أمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات كأكوام الجبال، أكوام، فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تنور وجهه كأنه مذهبة، والمذهبة هي الفضة المطلية بالذهب، فيتلألأ جمالاً، هكذا يشبه راوي الحديث وهو جرير بن عبد الله البجلي، كيف اختلفت انطباعات الرسول عليه السلام أخيراً على انطباعاته الأولى.

يقول في الأول: تمعر وجهه عليه الصلاة والسلام، يقول أخيراً عنه: تنور وجهه عليه الصلاة والسلام كأنه مذهبة، وهذا التغير والتنور سبب واضح؛ لأنه فرح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باستجابة أصحابه لأمره إياهم بالصدقة، فسعوا على أولئك الأعراب الذين جاؤوا إليه عليه السلام في حالة فقر مدقع.

تَنَوَّر وجهه عليه السلام وكأنه مذهبة، ثم قال:«من سن في الإسلام سنة حسنة .. » إلى آخر الحديث.

انظروا الآن: كم يخطئ هؤلاء الناس الذين يستدلون بهذا الحديث على بدعهم التي استحسنوها بمجرد عقولهم إن لم نقل اتباعاً منهم لأهوائهم، أين

ص: 247

للبدعة مكان في هذه الحادثة التي سمعتموها منقولة عن صحيح الإمام مسلم، لا تجدون هنا شيئاً يمكن أن يذكر أو أن يوصف ببدعة إطلاقاً، إنما هو الصدقة، والصدقة كانت مشروعة قبل أن يخطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصحابة حاثاً لهم على الصدقة؛ لأنكم سمعتم أن من خطبته عليه السلام في هذه الحادثة أن تلا عليهم الآية الكريمة:{وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [المنافقون: 10] .. إلى آخرها.

فإذاً: ليس هناك ما يمكن أن يدخل في باب البدعة الحسنة زعموا؛ لأن الصدقة مشروعة بنص القرآن الكريم والسنة وإجماع الأمة.

إذاً: حينما يفسرون قوله عليه السلام: «من سن في الإسلام سنة حسنة .. » بقولهم: من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة، اصطدم هذا التفسير وليس الحديث، اصطدم هذا التفسير بالواقع، لأن الواقع لا يوجد فيه ما يمكن أن يسمى بدعة إطلاقاً، أما إذا فسر بالمعنى العربي، سن بمعنى: فتح طريقاً، فهذا واضح جداً؛ لأن ذلك الرجل الأول هو الذي فتح الطريق بين يدي الصحابة الآخرين، حينما ذهب ليرجع بما تيسر له من الصدقة، فاتبعه الآخرون على ذلك، فكان هو قد سن له الصدقة، في ذلك المجلس، أما الذي حسنها والذي شرعها، وجعلها للناس ديناً ليس هو، ولا الرسول عليه السلام، وإنما هو رب العالمين؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس له من التشريع شيء، إنما هو كما قال تعالى مخاطباً إياه، الآية

(حصل هنا انقطاع صوتي)

ولذلك من الخطأ الفاحش جداً، الخطأ اللفظي ما نقرؤه في الجرائد وبعض المجلات وبعض المحاضرات، قال المشرع .. من هو المشرع؟ يعني المقنن، لا يقصدون بذلك رب العالمين، وهنا نذكر قول ربنا عز وجل:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21]، فالله عز وجل هو وحده

ص: 248

المشرع، والشاهد أن ذاك الصحابي الأول لم يكن له شيء في هذه الحادثة سوى أنه فتح الطريق، ذكر الآخرين بأن عليهم أن يستجيبوا لما حضهم الرسول عليه السلام من الصدقة، فكان له أجر هذه الصدقة، وأجر الصدقات الأخرى التي تصدق بها الذين ساروا مسيرته، واقتدوا به رضي الله عنهم جميعاً.

هذا فيما يتعلق بمعرفة سبب ورود الحديث، وأننا إذا عرفنا هذا السبب، حينئذ ضربنا بتأويلهم للحديث بمعنى: من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة، ضربنا بهذا التفسير عرض الحائط، وقلنا لهم: هاتوا، وين البدعة في هذه الحادثة؟

ولذلك قلت مرة أو أكثر من مرة: إذا لم يكن في الحادثة كما سمعتم حادث حدث يمكن أن لا يكون شرعاً معروفاً من قبل، وإنما هو شيء حسن استحسنه أحد الحاضرين، فيكون بدعة، قلنا حينئذ: لا يتخذ قوله عليه السلام: «من سن في الإسلام سنة حسنة .. » هو قد قالها بمناسبة الصدقة مع التفسير الذي يقوله بعض الخلف: من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة.

كنت أقول، وأكرر ذلك أحياناً: لا يمكن لرجل عربي، بل لا يمكن لرجل أعجمي مثلي أنا ألباني، أن يقول: من سن في الإسلام سنة حسنة، بمعنى من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة، بمناسبة الصدقة، هذا رجل عربي مستعرب، أصله عجمي، عار عليه أن يقول مثل هذا الكلام: من سن في الإسلام سنة حسنة بمعنى: من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة، بمناسبة الحادثة التي لم يقع فيها إلا الصدقة، فكيف ينسب هذا المعنى الأعجمي الذي يرفضه حتى الأعجمي المستعرب، كيف ينسب هذا المعنى إلى أفصح من نطق بالضاد، هذا خطأ فادح جداً، فاعتبروا يا أولي الأبصار.

هذا شيء نستفيده فقط من معرفتنا لسبب الحديث، وكما قلت لكم آنفاً علماء

ص: 249

التفسير يقولون: معرفة سبب نزول الآية يساعد على معرفة معناها، والباقي من اللغة العربية وآدابها، كذلك معرفة سبب ورود الحديث يساعد على معرفة الحديث، ثم الباقي من الآداب العربية ولغتها.

أقول شيء آخر بغض النظر عن هذا الأمر الأول، وهو سبب ورود الحديث، الحديث يقول:«من سن في الإسلام سنة حسنة .. » ثم في الفقرة الثانية: «من سن في الإسلام سنة سيئة .. » نسأل هؤلاء الناس الذين يتجرؤون على مقام الشارع الحكيم الذي امتن علينا بالآية التي بدأنا الكلام حولها: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3]، فيحسنون ويطلقون من الدين ما أغلق بابه وختمت النوافل وكل المقربات إلى الله عز وجل كما ذكرنا في الحديث السابق.

نقول لهؤلاء: ما هو سبيل معرفة السنة الحسنة، ومعرفة السنة السيئة، آلعقل، أم الشرع؟

هذا سؤال مهم جداً، وهو في اعتقادي إن كانوا منصفين مبتغين طالبين للحق، سيقولون أحد شيئين، وحينذاك يتبين ما في نفوس هؤلاء أو قلوب هؤلاء من علم أو جهل.

السنة الحسنة والسنة السيئة، معرفة ذلك أهو طريقه النقل أم طريق العقل؟ فإن قالوا طريق النقل: قلنا لهم أصبتم، فلنقف هاهنا لنبحث.

وإن قالوا طريق العقل خرجوا عن أهل السنة والجماعة، وألحقوا ببعض الفرق الضالة التي منها المعتزلة، الذين يظن كثيراً من الناس أنها فرقة مضت وانقضت وانقرضت، والواقع أن هذه الفرقة لا تزال آثارها منبثة في جماهير الناس حتى من أهل السنة زعموا، لأن منهج أولئك منهج هؤلاء، منهج هؤلاء في تحكيمهم لعقولهم، هو منهج أولئك تماماً، قلت لكم آنفاً في أثناء الكلام عن

ص: 250

هذا الموضوع الهام، إذا أنكر على بعضهم بدعة من هذه البدع، سيقول لك: شو فيها يا أخي، أترون هذا حكم النقل، أم حكم العقل؟

أما أنا فأقول: لا العقل ولا النقل، وإنما حكم أهوائهم وعاداتهم، فإذا أصابوا في الجواب وقالوا: لا، معرفة السنة الحسنة والسنة السيئة مرجعنا في ذلك إلى الشرع، إلى النقل.

إذاً: قفوا معنا هاهنا، إذا قلنا هذا الأمر هو من السنة الحسنة، إذا اتفقنا على أن معرفة ذلك يكون بالنقل، فهات النقل الذي يدل على أن هذا الشيء الذي أنت تستحسنه، جاء به النقل وليس العقل، وهنا تنقطع المجادلة مع هؤلاء؛ لأن مصيرهم سيكون إما الخضوع للحق حينما يعجزون عن الإتيان بالنقل الذي يحسن بدعتهم، وإما أن يكابروا وأن يجادلوا بالباطل، حينئذ نقول لهم كما قال تعالى:{وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان: 63].

إذاً: التحسين هنا للشيء واستقباحه، فإنما يكون بالرجوع للنقل، وإذا رجعنا إلى النقل استرحنا جميعاً، وارتفع الخلاف، أنا أضرب لكم مثلاً بسيطاً جداً، غير المسألة التي طرحناها سابقاً، وقدمنا لها هذه الكلمة.

المصافحة التي يفعلها الناس بعد الصلاة، نكون أنا والشيخ داخلين المسجد، تلاقينا وتصافحنا وتحادثنا وكل شيء فعلناه، صلينا، تقبل الله .. تقبل الله .. ما هذا؟ بدعة حسنة، طيب شو الدليل أن هذه بدعة حسنة، سوف لا يقول لك إن الرسول كان يفعل هذا؛ لأنه يعرف أن هذه بدعة، وسوف لا يقول إن الرسول عليه السلام أمر بذلك؛ لأنه لا سبيل إلى التعرف على مثل هذا الأمر.

إذاً: حجتهم كحجة الأولين، كما قال تعالى:{قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء: 74].

ص: 251

فهذا جواب السؤال السابق أن حديث: «من سن في الإسلام سنة حسنة .. » إلى آخره، لا يدلل على أن في الإسلام بدعة حسنة، وإنما في الإسلام سنة حسنة، ومعرفة السنة الحسنة هو من طريق السنة وليس من طريق العقل أو العادة أو الهوى.

(الهدى والنور /61/ 49: 21: .. )

ص: 252