الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المصلحة المرسلة والبدعة
الملقي: طيب شيخنا نريد منكم التفريق بين المصلحة المرسلة والبدعة على غرار ما وقع عندنا أن أحد طلبة العلم جوز هذه المسيرات والمظاهرات من باب أنها من المصالح المرسلة؛ فما قولكم؟
الشيخ: نحن تكلمنا كثيراً عن المصالح المرسلة أنها تختلف عن البدعة أحياناً، وتلتقي معها أحياناً، أول مفارقة بين المصلحة والبدعة أن المصلحة لا تكون لها علاقة بالتعبديات المحضة، فمن هنا يمكن التمييز الواضح بين البدعة التي تعمها الضلالة، وبين المصلحة التي قد تعمها وقد لا تعمها، هذا أولاً، ثانياً: ليست المصلحة التي هي عن وسيلة حدثت فيظن أنها تحقق مصلحة للمسلمين مجرد كون هذه الوسيلة تحقق هذه المصلحة ليس هذا بالذي يسوغ للمسلمين أن يتشبثوا بها أو أن ينهضوا بها، ما رأيت كلاماً جامعاً مانعاً في هذا المسألة كما رأيت من شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وفي كتابه المعروف: اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، فهو يقسم المصلحة تقاسيم معقولة جداً، يقول أولاً إذا كانت المصلحة التي يراد تحقيقها بوسيلة يريد أن يتمسك بها المسلمون ينبغي النظر في هذه الوسيلة كسبب لتحقيق تلك المصلحة، هل هذا السبب كان موجوداً؟ كان قائماً في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم لا؟ فإذا هذه نوعان: سبب كان موجوداً، وسبب لم يكن موجوداً، يقول: فإن كان السبب الذي يوصل إلى مصلحة مدعاة هذا السبب كان قائماً في عهد الرسول عليه السلام ثم لم يأخذ به صلى الله عليه وآله وسلم يكون الأخذ به بدعة؛ لماذا؟ لأن المقتضي للأخذ بهذا السبب
كان قائماً في عهد الرسول عليه السلام؛ لأنه يحقق مصلحة، من الذي يُقَدِّر هذه المصلحة، لا شك أن أول من يُقَدِّرها هو الذي نزل عليه الوحي وهو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويكون تقديره لها يعني إثباتاً أو نفياً هو الصحيح مائة في المائة، أما الناس الآخرون فقد وقد، قد يصيبون وقد يخطئون، فإذا تصورنا سبباً كان قائماً في عهد الرسول عليه السلام، وهو يحقق مصلحة منطقية عقلية، لكنه ما أخذ بها، فما يجوز الأخذ بها، ويكون الأخذ بها تشريعاً من دون الله تبارك وتعالى، فيكون ولا
شك بدعة ضلالة، يمكن أن نضرب على هذا بعض الأمثلة التي تذكر في كتب الفقه وبخاصة كتب البدعة التي تحذر منها، الأذان مثلاً لصلاة العيدين، فالأذان سبب لإعلام المسلمين بدخول وقت الصلاة، هذه مصلحة، لكننا نجد الرسول عليه السلام قد سن للمسلمين الأذان للصلوات الخمس دون بقية الصلوات الأخرى، كالعيدين مثلاً، كصلاة الاستسقاء، كصلاة الكسوف والخسوف، خاصة في الليل والناس نيام، العقل بيحكم أنه لازم يكون هنا أذان؛ لأنه بيحقق مصلحة شرعية وهو تنبيه الناس من نومهم إيقاظهم لتحقيق قوله عليه السلام:«إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تنكسفان لموت أحد ولا لحياته؛ فإذا رأيتم ذلك فصلوا وتصدقوا» ؛ إذاً لتحقيق هذه العبادة التي أمر بها الرسول عليه السلام يقول العقل: نتخذ وسيلة الأذان، بل قد يقول -وهذا وقع مع الأسف بينما الأول لم يقع إلى اليوم-: نتخذ عبارة التي تسمى عند الفقهاء بالتثويب أن يقال: الصلااااااة الصلاااة، -أيضاً- هذا لم يكن حتى في الـ في العيدين كما جاء في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه أنه لم يكن يؤذن ولا ينادى بشيء لصلاة العيد، إذاً فاتخاذ أذان لصلاة مشروعة بدعوى أنه هذا الأذان يحقق مصلحة يقال: هذا الأذان بدعة، ولو أنه فعلاً بيحقق مصلحة لماذا؟ لأنه هذه السبب المقتضي للأخذ به كان قائماً في عهد الرسول -عليه
السلام-، ومع ذلك ما تبناه ولا سنه للناس، الآن الآن نأتي بمثال يتعلق بوضع الدولة الإسلامية اليوم إلا من شاء الله، معلوم أنه أكثر الدول لا تتبنى نظام جمع الأموال المفروض في الإسلام، جمع الزكوات مثلاً المواشي والثمار ونحو ذلك، فماذا يفعلون اليوم من شان إقامة الدولة وكيانها والمحافظة عليها؛ يفرضون فرائض ويضربون ضرائب على جماهير الناس، لا شك أن هذه الضرائب التي يفرضونها تحقق مصلحة الأمة، مصلحة الدولة، فهل يجوز الأخذ بها؟ الجواب: نقول: لا؛ لم؟ لأنه هناك ما يقوم مقام هذه الوسيلة
المحدثة ما هو مشروع في الإسلام، ولذلك فنعود إلى القسم الثاني؛ قلنا: إنه ابن تيمية يقول: إما أن يكون السبب كان قائماً في عهد الرسول عليه السلام ولم يسنه للناس، فلا يجوز الأخذ به، وإما أن يكون حدث المقتضي لهذا السبب الموجد للمصلحة، حينئذٍ يقول ابن تيمية: هنا -أيضاً- ينقسم الأمر إلى قسمين، إما أن يكون السبب الذي دفع المسلمين أن يأخذوا به لتحقيق مصلحة ناشئاً من تقصيرهم في تطبيق الشريعة كالمثال الذي ذكرته آنفاً، فحينئذ -أيضاً- لا يقبل هذا السبب ولو كان يحقق مصلحة؛ لأنه ناتج من تقصير المسلمين في تطبيق أحكام الدين، أما إذا كان ذلك ليس ناشئاً من تقصيرهم وإنما من ظلم بعض الدول أو الحكومات الكافرة مثلاً، حينئذٍ ينظر في الموضوع وتؤخذ بالمصلحة المرسلة في حدود دفع ذلك الذي عرض للمسلمين، ولم يكونوا هم سبباً لذلك، مثلاً مثال ذكره الشيخ الشاطبي في كتابه العظيم الاعتصام، مثلاً: دولة مسلمة هاجمها الكفار، وهو بلا شك أن هذا الهجوم بيتطلب إعداد جيش مسلم لمجابهة عدوان هؤلاء الكفار فنظروا في الخزينة فلم يكن عندهم في تقدير الخبراء ما يكفي لصد اعتداء هؤلاء الكفار، حينئذٍ يجب على الحاكم المسلم أن يفرض نسب معينة من الضرائب على الأغنياء كل بحسبه، لدفع صولة هذه الدولة الكافرة المهاجمة لبلاد
الإسلام، فإذا زال الشر أزيلت هذه الضرائب؛ لأن هذه معالجة وقتية، فهذا هو القول الفصل في اعتقادي الذي يجمع بين جلب المصلحة ودفع المفسدة في تقرير المصلحة المشروعة، والتي ليست المشروعة، هذا ما عندي والله أعلم.
(الهدى والنور/511/ 47: 12: 00)