الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خطر الابتداع
الشيخ: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله جملة جامعة لفضل الإسلام، وهذه الجملة مستنبطة أصالةً من الشهادة التي هي الركن الأول من الإسلام، حيث قال ابن
تيمية رحمه الله: الإسلام أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً هذا قسم، والقسم الثاني: ألا نعبده إلا بما شرع لنا، فالإسلام اجتمع في هاتين الكلمتين: أن نعبده تبارك وتعالى وحده لا شريك له، وألا نعبده إلا بما شرع، هذا من تمام التوحيد.
وهذا اصطلاح علمي دقيق لشيخ الإسلام ابن تيمية، فإن المشهور أن التوحيد إنما هو ذو أقسام ثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية أو العبادة، وتوحيد الصفات، فجاء ابن تيمية بهذا التعبير الوجيز: ألا نعبد إلا الله ولا نعبده إلا بما شرع، فألا نعبد الله إلا بما شرع هنا ينطوي تحته بحث علمي خطير جداً طالما اختلف فيها المتأخرون ولم ينجوا من الاختلاف الممقوت منهم إلا الأقلون أعني بذلك: اختلافهم في هل يوجد في الإسلام بدعة حسنة أم لا؟ فجماهير المتأخرين مع الأسف الشديد يذهبون قولاً وأصلاً واعتقاداً إلى أن هناك في الإسلام بدعة حسنة.
ويقابلهم من أشرنا إليهم ألا وهم الأقلون الذين يقولون بما قال به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الأحاديث الكثيرة والتي منها ما سمعتموه في مطلع كلمتنا هذه الليلة وهي التي تتردد دائماً في خطبة الحاجة التي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمها أصحابه نفتتح عادةً خطبنا وكلماتنا بهذه الخطبة ثم نتبعها بما كان الرسول عليه السلام يتبع خطبة الحاجة في خطب الجمعة، حيث كان عليه الصلاة والسلام يقول في خطبة الجمعة: أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
فقد كان الرسول صلوات الله وسلامه عليه يكرر هذه الجملة الجامعة: كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار لكي تتركز في الأذهان، الأقلون قد اهتدوا بهدي الله تبارك وتعالى فتمسكوا بكلام الرسول عليه السلام على عمومه
وشموله فقالوا كما قال هو عليه السلام: كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، لكن الشيء المهم الذي ينبغي أن نلاحظه هو أنه يوجد في هؤلاء الأقلون على سبيل الحكاية كثير ممن يقع في الابتداع في الدين؛ وما ذلك إلا لأنه لم يضبط قاعدة البدعة ويقول في نفسه: كل بدعة ضلالة كما قال الرسول عليه السلام؛ لأنه من الفريق القليل الذين اهتدوا بأحاديث الرسول عليه السلام التي أطلقت الضلالة على كل بدعة، ولكن لكي لا يقع هؤلاء الأقلون في البدعة التي يفرون منها بتبنيهم القاعدة العامة: كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، يجب أن يتقنوا بحث البدعة ليميزوها بين ما يدخل في عموم النص فلا يعملون به؛ لأن قوله: كل بدعة ضلالة شمله وإن كان هذا الذي دخل في هذا النص العام له أصل في الشريعة.
يشتبه الأمر على كثير من الناس حينما يرون بعض النصوص الحاضة على بعض الأعمال الصالحة فيأخذون بعمومها ولا يلاحظون أن بعض هذا العموم يشمله ذلك النص العام: كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، فالتفريق بين هذا الشمول وهو قوله عليه السلام: كل بدعة ضلالة وبين الشمول في نصوص أخرى: حيث تأمر في بعض العبادات أو تحض على بعض العبادات حضاً عاماً هنا يقع كثير من الخلط واللبس على بعض الناس.
وأنا قبل أن أذكر ما عندي
…
في هذا الصدد، أريد أن أنصحكم بصفتكم مثلي طلاباً للعلم أن تدرسوا لأجل هذه المسألة فقط ولتتفهموها فهماً صحيحاً، ولتكونوا على ما كان عليه السلف الصالح من الابتعاد عن الابتداع في الدين ولو كان هذا الابتداع في الدين مستنداً إلى نص عام من أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام لكي لا تقعوا في الابتداع في الدين أنصح بأن تقرؤوا كتاباً هو أعظم
كتاب عرفته في هذا الموضوع ألا وهو كتاب: «الاعتصام» للإمام الشاطبي رحمه الله، فهذا كتاب مختص في هذا الموضوع لا مثل له فيما علمت، وكل من جاء بعده إنما هو عالة عليه وإنما هو يستقي منه.
وإلا فصل خاص يجب أيضاً أن تقرؤوه لشيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله في كتابه العظيم: «اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم» ، ففي هذا الكتاب طرق شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الموضوع الهام الخطير فانتهى من حيث الجملة إلى ما يدل عليه الحديث السابق وما في معناه: كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، ولكنه نظر إلى المسألة من زاوية أخرى وهي: أنه قد تحدث بعض الأمور ويرى أهل العلم أنها أمور مشروعة ومع ذلك فهي لم تكن في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام فكيف لم يطبق عليها القاعدة: بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، بينما حدثت محدثات كثيرة وكثيرة جداً فاعتبر أهل العلم والتحقيق: كالشاطبي وابن تيمية وغيرهما من المحدثات.
فما هو الفصل .. ما هو الحكم الفصل بين ما يحدث ويكون مشروعاً وبين ما يحدث ولا يكون مشروعاً؟ هذا ما فصل القول فيه الإمام الشاطبي في الكتاب السابق: الاعتصام وجمعه وأوجز الكلام فيه شيخ الإسلام في الكتاب المذكور آنفا.
فأنا أوجز لكم القول: لا أريد في طبيعة الحال أن أذكركم بالنصوص التي تؤكد هذه القاعدة الإسلامية العظيمة: كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار؛ لأنني أعتقد أنكم على علم بذلك كما أظن وأرجو، ولكن أريد في الواقع أن أبين لكم أمرين اثنين لتتحققوا من معنى هذا الحديث الصحيح: كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار فلا تقعون في إفراط ولا في تفريط؛ لأن بعض الناس لجهلهم بما
سيأتي ذكره عن الشيخين يحدث محدثات ويتمسك بها؛ لأنها دخلت في نصوص عامة، وناس آخرون ينكرون أموراً حدثت بحجة أنها حدثت وهي ليست بالمحدثات من الأمور، هذا التفصيل الدقيق نحن جميعاً بحاجة إليه.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله في الكتاب السابق الذكر ..
وقد انتهى الشريط إلى هذا الحد.
(الهدى والنور /804/ 00: 46: 00)