الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالصّواعق» «1» .
فقد فهم الربط بين معنى الجماد وأهمية وجوده في الصورة البصرية مشيرا إلى ظاهرة مطّردة في أسلوب القرآن، وهي تبيان المعاني المجرّدة وجلاؤها بماديّات مشاهدة من مثل النور والظلام والمطر، فيجسم الهدى مثلا بالنور، ويجسّم الضلال بالظلمات.
وهذا ما سمّاه ابن الأثير تمثيلا في تفسير الآية: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ «2» ، وعدّه أحسن أنواع التشبيه قائلا:«تشبيه معنى بصورة، وهذا القسم أبلغ الأقسام الأربعة لتمثيله المعاني الموهومة بالصّور المشاهدة» «3» .
ولا شك في أن كلمة «المشاهدة» في عبارته تنمّ على معنى الطبيعة المستمرة التي اختارها البيان القرآني، وتدلّ على أن القدامى أدركوا هذه السّمة، ونكتفي بهذه النّبذة نموذجا من جهد القدامى، لننتقل إلى ما ذكره المعاصرون.
-
نظرة المحدثين:
نبدأ هذه الفقرة بتنويه المحدثين بإسهام الطبيعة في الصورة البصرية بعد أن ذكرنا نماذج من وقفات القدامى الذين توصلوا إلى غير قليل من أهميّة استخدام مفردات الأحياء، وذلك من خلال دراستهم للتشبيهات والاستعارات القرآنية، ونلفت النظر بعدئذ إلى تطبيقات المحدثين.
وغايتنا تبيين منهج الدارس، وما نقتبسه يعدّ تفردا بعيدا عن التقليد كي نستطيع معرفة تباين الأذواق واختلاف النّظرات.
وضع بدوي في منتصف هذا القرن تقريبا كتابه «من بلاغة القرآن» ولفت النظر فيه إلى هذه الناحية في ألفاظ القرآن، فهو منظّر هذه الظاهرة، وقد سار
(1) الزمخشريّ، الكشّاف: 1/ 208 - 209.
(2)
سورة النّور، الآية:39. والقيعة: جمع قاع أي فلاة.
(3)
ابن الأثير، المثل السائر: 2/ 142.
من تلاه على هديه لاكتشاف الدّلالة النفسية المقصودة في مفردات الطبيعة داخل الصورة، يقول: «أوّل ما يسترعي النظر من خصائص التشبيه في القرآن أنه يستمدّ عناصره من الطبيعة، وذلك هو سرّ خلوده، فهو باق ما بقيت الطبيعة، وسرّ عمومه للناس جميعا
…
فلا تجد في القرآن تشبيها مصنوعا يدرك جماله فرد دون آخر» «1» .
ويفسر حفني شرف ومحمد المبارك هذه العمومية، بكونها تتجاوز البيئة الجاهلية الظاهرة في الشعر، ففي الشعر نزعت الصورة إلى الإقليمية، وفي رأيهما أنه لا يفهمها إلا من عاش في تلك البيئة «2» .
ويبرهن عدنان زرزور على شمول الطبيعة القرآنية بقوله: «لا يمكن أن يقال في تشبيه ما إنّه من البيئة العربية، إلا ما كان من خصائص تلك البيئة وحدها، بحيث لا يشاركها فيه بيئة أخرى، أو بحيث يصعب فهمه ومعرفة مغزاه أو معناه على غير العربي» «3» .
وهو يقول هذا بصدد دحضه لتعسّف كتاب واحدة عبد المجيد التي تردّ تشبيهات القرآن إلى خصوصية البيئة العربية.
ولا شك في أن الطبيعة المختارة لإبراز جوانب الصورة الفنية هي شاملة، لأنها من حيث تأثيرها قائمة في أذهان كلّ مجتمع، فلا اختلاف في بلادة الحمار وغبائه، ومكر الثعلب، وصبر الجمل، ودناءة الكلب.
وقد ألبس القرآن هذه المفردات لبوسا جديدا في خضمّ التأثير الوجداني المنبث في الصورة، وقد كان القصد الفني سببه، وعلى الرغم من وجود الجراد والفراش والعنكبوت في البيئة العربية، فإننا نجد في القرآن مجاوزة للبيئة
(1) بدوي، د. أحمد، من بلاغة القرآن، ص/ 196، وانظر الشيخ أمين، التعبير الفني، ص/ 192، وكذلك المبارك، د. محمد، 1964، دراسات أدبية لنصوص من القرآن، ط/ 2، دار الفكر دمشق، ص/ 60 - 76.
(2)
شرف، د. حفني محمد، الإعجاز البياني، ص/ 337، وانظر المبارك، د. محمد، دراسات أدبية لنصوص من القرآن، ص/ 89.
(3)
زرزور، د. عدنان، 1980، القرآن ونصوصه، ط/ 1، جامعة دمشق، ص/ 288.