الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - إسهام المفردة في التشخيص
-
التشخيص لغة:
لا بدّ من الرجوع إلى المعجم لمعرفة الأصل المادي للتشخيص، ومعرفة ما يحتفظ به من الحسيّة، ففي لسان العرب:«شخص بصر فلان إذا فتح عينيه، وجعل لا يطرف، وشخوص البصر ارتفاع الأجفان إلى فوق» «1» ونحن نلمس هاهنا معنى الوضوح والظهور في التشخيص، وفي المعجم الوسيط:«الشخص كل جسم له ارتفاع وظهور، وغلب في الإنسان» «2» ، وقد قال عز وجل: فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا «3» .
-
التشخيص اصطلاحا:
إن مصطلح التشخيص مصطلح بلاغي مستحدث لم يرد في كتب الإعجاز، وقد اشتقّ من فعل شخص الذي يدل على الوضوح والظّهور، «والشّخص» التي تختص بالإنسان.
ويقول صاحب المعجم الأدبي: «التشخيص إبراز الجماد أو المجرّد من الحياة من خلال الصورة بشكل كائن متميّز بالشعور والحركة والحياة» «4» .
وقد كثر هذا الفن في الشعر الأندلسي عند ما تكونت علاقة عاطفية بين المبدع والمشاهدات كأن يضفي الشاعر على مشاهد الطبيعة الشعور بالحزن فتتعاطف معه الأزاهير وتعطف عليه الأغصان إذ يملّك الشاعر مشاهد الطبيعة مشاعر إنسانية سامية. وبالمقابل عاطفة السرور التي تشعر بها الطبيعة عند ما يكون الشاعر في غبطة وسرور فيكون الضياء ابتسامة رقيقة، ويكون النسيم دغدغة لطيفة.
(1) ابن منظور، لسان العرب: مادة (ش. خ. ص): 12/ 99.
(2)
مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط: 1/ 478.
(3)
سورة الأنبياء، الآية:97.
(4)
عبد النور، جبّور، المعجم الأدبي، ص/ 67.
ونريد في هذه الصفحات أن نبيّن تأثير انتقاء المفردات التي يكمن فيها هذا الفنّ، وهو في كتب البلاغة أدخل في الاستعارة، كما سنبيّن، لأن المفردة المشخّصة تستعار من الإنسان للجماد، لبثّ روح فاعليّة الإنسان في الأشياء.
وقد رأينا في استعارة الجماد والأحياء ما يوحي بهبوط الأسس الانسانية في الكافرين، وهاهنا نرى في التشخيص صعودا بالأشياء، لتأخذ صفات بشرية، تساعدها على التأثير.
ولعل من جماليات هذا الفن أنه يلقي الطمأنينة في نفس القارئ، عند ما يقدّم له مثيله في رفع مستوى الأشياء، فيتلاشى الشعور بالغربة والانعزال، وهكذا يجعل التشخيص المعالم كائنات عاقلة أو أشخاصا، فيشعر المرء بمشاركتها الوجدانية.
ومن الدليل على بحث المرء عن قرينه في الفن، ليتوحّد مع الأشياء، أنه يشخّص الكثير من الأعمال الفنية، فيجعل لها صفات بشرية، كما جاء عن الفئة المشخّصة التي تجعل من الأعمال الفنية أشخاصا، وربّما وصف اللون بالخامل أو العنيد أو النشيط «1» .
وهذا توسّع في الكلام حتما، ومن باب المجاز المساعد على التخييل، ولعل التشخيص أبعد الفنون عن المباشرة في توصيل الكلام، بل هو نوع من التخييل البعيد كما يرى سيّد قطب «2» .
وفائدته أنه يمتلك مخزونا مؤثّرا في توسيع رقعة الخيال لدى المتلقّي، وليس تلك النّقلة العادية في مجال الاستعارة، فهذه النّقلة تعني التحوّل من مجال الإخبار إلى مجال الرؤية بواسطة الخيال، فيضاف هنا إلى المسألة الاخبار المباشر عمق التأثير.
ويقول مجيد عبد الحميد ناجي: «التشخيص ينقل الصورة من مجرّد
(1) انظر، عبد القادر، حامد، 1949، دراسات في علم النفس الأدبي، ط/ 1، المطبعة النموذجية، القاهرة، ص/ 112.
(2)
انظر كتاب قطب، سيد، التصوير الفني، ص/ 63.