المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌شكر واهداء

- ‌التقريظ بقلم الأستاذ الدكتور نور الدين عتر

- ‌المقدمة

- ‌مدخل في مفهوم الجميل عند العلماء المسلمين

- ‌الفصل الأول الجوانب الجمالية في المفردة القرآنية

- ‌1 - جمال المفردة في الأدب

- ‌ تجاوز المرحلة المعجمية:

- ‌ خصوصية المفردة القرآنية:

- ‌ الشكل والمضمون:

- ‌2 - المفردة والنظم في كتب الإعجاز

- ‌ مناهج الاهتمام بالمفردة القرآنية:

- ‌ نظرية النظم:

- ‌ حجج الدفاع عن المفردة:

- ‌3 - الترادف والفروق

- ‌ معنى الترادف:

- ‌ تأكيد الترادف:

- ‌ تأكيد الفروق:

- ‌4 - الأثر الموسيقى لمفردات القرآن

- ‌ في القرآن والحديث:

- ‌ شهادة معاصري نزول الوحي:

- ‌هذيان مسيلمة

- ‌ معارضة الشعراء للقرآن:

- ‌ الإجمال في التذوق السمعي:

- ‌الفصل الثاني إسهام المفردة القرآنية في الجمال البصري

- ‌1 - إسهام المفردة في التجسيم

- ‌ التجسيم لغة:

- ‌ التجسيم اصطلاحا:

- ‌ مع جهود القدامى:

- ‌ مع المحدثين:

- ‌2 - مفردات الطبيعة والأحياء

- ‌ الطبيعة في القرآن:

- ‌ مفردات الجماد والنبات عند القدامى:

- ‌ نظرة المحدثين:

- ‌ مفردات الجماد والنبات عند المحدثين:

- ‌ مفردات الأحياء:

- ‌3 - إسهام المفردة في التشخيص

- ‌ التشخيص لغة:

- ‌ التشخيص اصطلاحا:

- ‌ تشخيص المفردة عند القدامى:

- ‌ تشخيص المفردة عند المحدثين:

- ‌4 - جمالية الحركة في المفردة

- ‌ الحركة: القوية السريعة

- ‌ الحركة البطيئة:

- ‌ تصوير الحركة بالصوت:

- ‌الفصل الثالث إسهام المفردة القرآنية في الجمال السمعي

- ‌1 - الانسجام بين المخارج

- ‌فكرة الانسجام:

- ‌نظرة ابن سنان:

- ‌نظرة ابن الأثير:

- ‌2 - المفردات الطويلة في القرآن

- ‌ نظرة ابن سنان:

- ‌ نظرة ابن الأثير:

- ‌3 - مفهوم خفة المفردات

- ‌الذوق الفطري عند ابن الأثير:

- ‌ إضافة الرافعي على ابن الأثير:

- ‌ الخفّة عند البارزي:

- ‌ ضآلة التوضيح عند المحدثين:

- ‌4 - الحركات والمدود

- ‌ جمالية الحركات:

- ‌ جمالية المدود:

- ‌5 - مظاهر الأونوماتوبيا

- ‌ تعريف الأونوماتوبيا

- ‌ جذورها في تراثنا:

- ‌ منهج المحدثين:

- ‌الفصل الرابع ظلال المفردة والمعنى

- ‌1 - دلائل صيغ مفردات القرآن

- ‌ إشارة ابن جني:

- ‌ مع الزمخشري

- ‌ ما بعد الزمخشري:

- ‌ جهود المحدثين:

- ‌ إنصاف القدامى:

- ‌2 - الدلائل التهذيبية في مفردات القرآن

- ‌ في أمور النساء:

- ‌ نظرة جديدة:

- ‌ جوانب تهذيبية عامة:

- ‌ تأملات الزمخشري:

- ‌ ابن أبي الإصبع:

- ‌ مع المحدثين:

- ‌3 - سمة الاختزان في مفردات القرآن

- ‌ إشارة الجاحظ:

- ‌ الإيجاز عند الرماني والباقلاني:

- ‌ الاختزان في الصيغة:

- ‌ الاختزان في التهذيب:

- ‌4 - مناسبة المقام

- ‌ معيار اللغة والذوق الفني:

- ‌ الذوق الذاتي عند ابن الأثير:

- ‌ المفردة وغرابة الموقف:

- ‌ الفروق عند الزركشي:

- ‌ ظلال الدلالة الخاصة:

- ‌5 - تمكن الفاصلة القرآنية

- ‌ تعريف الفاصلة:

- ‌ السجع والفاصلة القرآنية:

- ‌ مناسبة الفاصلة لما قبلها:

- ‌ انفراد الفاصلة بمعنى جديد:

- ‌ رأي الدّاني في الفاصلة:

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس ترجمة الأعلام

الفصل: ‌ مع الزمخشري

اللغويّ، الذي لا يمسّ الوجدان، وتطول وقفتنا‌

‌ مع الزمخشري

، لأنه خير من يتأمل دقائق اللغة القرآنية بتذوق، لا بجفاف مدرسي.

- مع الزمخشري:

هنالك وقفات يتأمل فيها الزمخشريّ المفردة القرآنية، ويتحدث بمعيار لغوي بلاغي يؤيّد المفهوم الديني، وذلك على سبيل المثال في تفسيره البسملة، إذ يقول:«وفي الرحمن من المبالغة ما ليس في الرّحيم، لذلك قالوا: رحمن الدنيا والآخرة، ورحيم الدنيا، ويقولون: إن الزيادة في البناء لزيادة المعنى» «1» .

وقرين هذا إشارته إلى موافقة الصيغة للواقع، فإن فعل «نزّل» يعني عنده التواصل بالتدريج، وفي سورة البقرة نقرأ: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ «2» ، ويقول في تفسيرها:«فإن قلت: لم قيل (مما نزّلنا) على لفظ التنزيل لا الإنزال؟ قلت: لأن المراد النزول على سبيل التدريج والتنجيم .. وذلك أنهم كانوا يقولون: لو كان هذا من عند الله مخالفا لما يكون عند الناس لم ينزل هكذا نجوما .. فقيل: إن ارتبتم في هذا الذي وقع إنزاله هكذا على مهل وتدريج، فهاتوا أنتم نوبة واحدة من نوبه، وهلمّوا نجما واحدا من نجومه سورة من أصغر السور، أو آيات شتّى مفتريات، وهذه غاية التّبكيت، ومنتهى إزاحة العلل» «3» .

ويتأمل صيغة التأنيث في «مرضعة» في قوله تعالى: يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ «4» ، وقد رجّح أبو هلال العسكري «5» جمال وجود «مرضعة» على امرأة، لإظهار ناحية العطف، إلا أن الزمخشري يتعمّق في صيغة التأنيث، فيرى للتأنيث جماله في الآية، فهو يقول: «فإن قلت: لم قيل مرضعة

(1) الزمخشري، الكشاف: 1/ 41.

(2)

سورة البقرة، الآية:23.

(3)

الزمخشري، الكشاف: 1/ 238.

(4)

سورة الحج، الآية:2.

(5)

انظر: أبو هلال العسكري، كتاب الصناعتين، ص/ 365.

ص: 243

دون مرضع، قلت: المرضعة هي التي في حال الإرضاع ملقمة ثديها الصّبيّ، والمرضع التي من شأنها أن ترضع، وإن لم تباشر الإرضاع في حال وصفها به، فقيل: مرضعة، ليدلّ على أن ذلك الهول إذا فوجئت به هذه، وقد ألقمت ثديها نزعته، لما يلحقها من الدّهشة» «1» .

وبناء على هذا يكون «المرضع» اسما عاما، وتتخذ كلمة مرضعة فاعليّة كبرى، فتناسب هول هذا اليوم، ومن عادة الزمخشري أن يقلّل من البحث في القانون اللغوي، لينتقل مباشرة إلى الإيحاء النفسي الخاص بالنصّ.

وقد قال المبرّد عن المؤنث: «فمتى أفاد الفعليّة لزمته علامة التأنيث حتى يضارع فعله، كقولك أشدنت الظّبية، فهي مشدنة، وطلّقت المرأة، فهي طالقة» «2» . ويذكر الشاهد القرآنيّ نفسه، ويقال: مشدن ومشدنة، وطالق وطالقة، ومرضع ومرضعة.

ويعلّق عليه صبحي الصالح: «وكأنّ المبرد بهذه التفرقة الدقيقة يميز الوصف القائم بالنفس من الحدث العارض الذي هو من أفعال الذّات، وفي تجشّمه هذا التعليل المنطقيّ لعلامة التأنيث في الآية إيحاء بصعوبة التّحليل فيما سمع من الشواهد الأخرى» «3» .

ونجد أنّ الزمخشري يصبّ اهتمامه على تصوير الحدث، وكأنما أدرك عدم اطّراد هذا القانون في كل تأنيث، فالحيز النفسي هو المهم عنده.

ونراه يستشفّ طبيعة الحركة المرئية في الصيغة، وكأنما يقول بالمحاكاة، من غير أن يميل إلى الوهم فيما يبدو لنا، وذلك في تفسير الآية: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ «4» ، يقول: «فإن قلت: لم قيل:

«ويقبضن» ، ولم يقل: قابضات، قلت: لأن الأصل في الطيران هو صفّ

(1) الزمخشري، الكشاف: 3/ 4، وانظر النسفي، مدراك التنزيل: 3/ 92.

(2)

مخطوطة «المذكر والمؤنث» نقلا عن صبحي الصالح، دراسات في فقه اللغة، ص/ 84.

(3)

الصالح، د. صبحي، دراسات في فقه اللغة، ص/ 84.

(4)

سورة الملك، الآية:19.

ص: 244

الأجنحة، لأن الطيران في الهواء كالسباحة في الماء، والأصل في السباحة مدّ الأطراف، وبسطها، وأما القبض فطارئ على البسط للاستظهار به على التحرّك، فجيء بما هو طارئ غير أصل بلفظ الفعل، على معنى أنّهنّ صافات، ويكون منهن القبض تارة بعد تارة، كما يكون من السّابح» «1» .

ونستطيع أن نقول بعد ملاحظته دلالة الاسم والفعل: إن طول المدّين في «صافّات» يمثّل بسط الأجنحة، وتمثّل الوقفتان في «يقبضن» التحرك الطارئ، وزمن المدّ أطول من زمن التحرك في الطيران، وفي المفردتين.

وهكذا نتبين أن الزمخشري لا يكتفي بجوانب النّظم، بل يلاحظ بذوقه جزئيات النّظم، ويشدّ الانتباه إليها، وفي هذا يقول درويش الجندي:«إن الزمخشري يختلف عن عبد القاهر في كونه بالإضافة إلى نحويّته لغويا شديد الحساسية باللغة، عارفا بالفروق الدقيقة في بنيات النظم فوق تحليله البلاغي للتراكيب النّحوية» «2» .

ومثل هذا واضح في تفريقه بين طاهرة ومطهّرة في الآية الكريمة: وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ «3» فهو يقول: «فإن قلت: هلّا قيل طاهرة؟ قلت: في «مطهّرة» فخامة لصفتهنّ، ليست في طاهرة، وهي الإشعار بأنّ مطهّرا طهّرهنّ، وليس ذلك إلّا الله عز وجل» «4» .

وهذا واضح من الصّيغة الصّرفية، فكلمة «مطهّرة» تدلّ على التعدية، أما «طاهرة» فتدلّ على اللزوم.

إن التذوق الشخصي لدى الزمخشري قد يبتعد به أحيانا عن الصواب، ومن هذا وقفته التي هي أعلق بالنظم لدى تفسيره للآية: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ «5» ، فهو يقول عن تنكير حياة: «أراد حياة مخصوصة، وهي

(1) الزمخشري، الكشاف: 4/ 138، وانظر النسفي، مدارك التنزيل: 4/ 277، وأبو السعود، إرشاد العقل: 9/ 8.

(2)

الجندي، د. درويش، 1969، النظم القرآني في الكشاف، ط/ 1، مكتبة نهضة مصر، القاهرة، ص/ 27.

(3)

سورة البقرة، الآية:25.

(4)

الزمخشري، الكشاف: 1/ 62، وانظر النسفي: 1/ 35، وأبو السعود: 1/ 70.

(5)

سورة البقرة، الآية:96.

ص: 245

الحياة المتطاولة .. لأن معنى أحرص الناس أحرص من الناس» «1» .

ونجد أن تعليله لا يناسب المقام، فلا يكون ذمّهم في طول الحياة، ويمكن أن نجد إيحاء هذا التّنكير عند ضياء الدين عتر، إذ يقول:«يورد الكتاب المبين الألفاظ موارد حسّاسة، فلا تراها قاصرة على المعنى المتبادر منها للبال عادة، بل تتّسع دلالتها حتى توحي بمعنى أجلّ وأدقّ، خذ كلمة «حياة» أنت تشعر بأن كلمة «حياة» قد عبّرت بدقّة مرهفة عن حرص أولئك اليهود على أدنى قدر ممكن من الحياة، ومهما كان يسيرا خاويا من أية قيمة كريمة، فأثار ورودها بالتنكير معنى التحقير، وأفادت بالتالي أنّ

اليهود أشدّ حرصا على الحياة المتطاولة من باب أولى، فعبرت كلمة «حياة» في هذا المورد بآن واحد عن ضآلة قيمة الحياة الدنيا، وشدّة تكالب اليهود عليها» «2» .

فالزمخشري فهم طول الحياة فقط، وتبعه في هذا الفهم من نقل عنه «3» ، مثل النسفي «4» وأبو السعود.

ويستخلص الزمخشري من الآية الكريمة: لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ «5» مفهوما دينيا، إذ يقول:«لم خصّ الخير بالكسب، والشر بالاكتساب؟ قلت: في الاكتساب اعتمال، فلمّا كان الشرّ مما تشتهيه النفس، وهي منجذبة إليه، وأمّارة به، كانت في تحصيله أعمل وأجدّ، فجعلت لذلك مكتسبة فيه، ولمّا لم تكن كذلك في باب الخير وصفت بما لا دلالة فيه على الاعتمال» «6» .

فإذا كانت صيغة «اكتسب» تدلّ على الاعتمال الذي يناسب الشر، فإننا

(1) الزمخشري، الكشاف: 1/ 298.

(2)

عتر، د. حسن ضياء الدين، بينات المعجزة الخالدة، ص/ 253.

(3)

انظر تفسير النسفي: 1/ 63، وتفسير أبي السعود: 1/ 132.

(4)

هو أبو البركات عبد الله بن أحمد النّسفي نسبة إلى نسف بالهند، فقيه حنفي، توفي في أصبهان سنة 710 هـ، له مصنفات جليلة منها تفسيره «مدارك التنزيل» و «كنز الدقائق» في الفقه، و «المنار» في أصول الفقه وغيرها، وانظر الأعلام: 4/ 192.

(5)

سورة البقرة، الآية:286.

(6)

الزمخشري، الكشاف: 1/ 408.

ص: 246