الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المراد هذا، فإنّ القرآن أنزه معنى، وألطف إشارة» «1» .
وكأنه ينظر إلى قوله تعالى: وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ «2» الذي يعني تطهير الجسد، وعلى هذا فقد دلنا في المكان نفسه على لطيف العبارة في قوله عز وجل: وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ
شَهِدْتُمْ عَلَيْنا
«3» فقد كنّى التعبير القرآني عن الفروج الحقيقية بالجلود، وكذلك الآية: الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ «4» التي فسّرها على أنها كناية عن الزّناة، وقد نقل السيوطي شواهد الزركشي مع تعليقاته مختصرة في «إتقانه» «5» ، وهذا لا يدلّ على تحجّر فكر، بل على إجلال القدامى لجهود أسلافهم.
وقد اقتصرنا على هذه النّبذة اليسيرة من جهود العلماء خشية سرد ما هو مكرر، وهذا لا يدلّ على جفافهم، وإنما شغلوا بالصورة البصرية فاهتموا بالتشبيه والاستعارة، وقد أبرزنا بعضا من لمحاتهم الفنية في مكانها من البحث.
-
نظرة جديدة:
إن مسلك اتكاء اللاحق على السابق خلّف تكرارا كثيرا، وتجاوزا لبعض المفردات، كما في قوله تعالى: وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ «6» ، فإن من الحق والترفّع أن تذكر طهارة النساء في الجنة، لأن كثرتهن أبعد ما تكون عن كونهنّ حلّا لكلّ رجل، فلكل مؤمن زوجاته الخاصات، والتطهير هنا يدلّ على رقيّ طبيعة المرأة في الجنة عن الحيض والنّفاس، وعلى طهارة الروح أيضا.
وكذلك في الآية التي تحدّد تنزيه الخالق، إذ يقول عز وجل: أَنَّى يَكُونُ
(1) الزركشي، محمد بن عبد الله، البرهان: 2/ 318.
(2)
سورة المدّثّر، الآية:4.
(3)
سورة فصّلت، الآية:21.
(4)
سورة النور، الآية:26.
(5)
انظر السيوطي، جلال الدين، الإتقان: 2/ 102.
(6)
سورة البقرة، الآية:25.
لَهُ وَلَدٌ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ، وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ «1» فقد ذكر كلمة «صاحبة» لتدل على المصاحبة المؤقّتة بين الرجل والمرأة في الدنيا، وقصر فترتها، ولله الزّمن المطلق ولم يقل: زوجة، لأنها ربما أوحت إلى النفس بتفاصيل حسية، تبارك وتعالى الله عن هذه الطبائع البشرية.
وقد تجلّت السمة الأخلاقية في سورة يوسف في غايتها الكليّة المستمدة من سيرة هذا النبي، وفي انتقاء المفردات المعبرة عن محنته، فعلى لسان زوجة الملك يقول تعالى: وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ، وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ «2» ويتضح طابع التهذيب والسّمو في الاكتفاء بظلال كلمة «يفعل» وكلمة «ما آمره» بهاتين الكلمتين تم التعبير عن شهوة عارمة، وهذا يتمشّى وطابع الدين الإسلامي الذي يدعو إلى تهذيب الغرائز وتوجيهها، والحدّ من فاعليّتها، وليس قتلها، وكذلك يكمن هدف القصة القرآنية في الموعظة والاعتبار، ولا حاجة لتصوير يخدم الفنّ لأجل الفنّ.
ولا بأس أن نتأمل جمال التعبير عن الجماع في قوله عز وجل: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ، وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها، لِيَسْكُنَ إِلَيْها، فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً «3» ، وفيه نؤكد أنّ التعبير أبعد كلمة جامعها أو ضاجعها، وإذا أردنا أن نعود إلى الأصل اللغوي، كما صنع الزركشي نصل إلى دلالات رفيعة، فالكلمة تعني التّغطية، فكأن الرجل غطاء للمرأة، وهذا يدل على رضاها التام، فلا ترى غيره، وهذا هو المثل الأعلى للحبّ الزّوجي والإنجاب وعمارة الأرض، والسكينة شرط أساسي في حياة الرجل والمرأة، لذلك ذكر الراحة النفسية أولا.
ولم ينظر المحدثون إلى جمال الرموز في الأمور الجنسية، وكأنما وجدوا ما هو كفاية في كتب سلفهم، وقد قدّموا أفكارا جديدة في المجالات الأخرى من الحياة.
وهنالك كتاب «قصص القرآن» لأحمد موسى سالم يقول فيه عن أمور
(1) سورة الأنعام، الآية:101.
(2)
سورة يوسف، الآية:32.
(3)
سورة الأعراف، الآية:189.