الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلا لغاية جمالية، فهي ترسم مشاعر من لا يعهد به إلا المشي المتعثّر، لأنه أعمى الباصرة وقد أشرق الإيمان في حنايا صدره، وليس الأمر كما نرى موافقة لرويّ الفواصل.
ومما يوحي بقوة الحركة ما جاء في قوله تعالى: لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها «1» ، فالربط يدل على القوة، كما يدل الختم على القلوب على قوة الحركة المحكمة في قوله تعالى: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ «2» .
ولا شك أن القوة مقصودة في حركة الربط بعد أن فرغ قلب هذه الأم الرءوم لدى فراق ولدها، وكأن الربط يحميها من التلاشي أو السقوط، كما أن القوة مقصودة في الختم الذي يعني استمرار الكفار في عنادهم، وإن «ختم» لتثير الذهن ليحاول الإحاطة بالختم على المشاعر والآذان والعيون، وقوة الختم تؤكد معرفة الخالق باستحالة رضوخهم للحق، وبعدم إيمانهم.
ويمكن أن تعبّر الصيغة عن حجم قوة الحركة، فنحن نقرأ مثلا قوله تعالى:
وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ «3» وصيغة الفعل المضعّف المفارقة ل «أغلقت» تعني شدّة الإحكام والتأكد الشديد من إغلاق الأبواب، وتعني ارتفاع الهمّة، وهذا يبعث في الذهن صورة الدّفع القوي للأبواب.
والجدير بالذكر أن القدامى لم يهملوا علاقة اللفظ بالمعنى، فالصيغة تتخذ معنى محدودا لا يكون في غيرها، وكثيرا ما تحدثوا عن الكثرة الناتجة عن تضعيف عين الفعل، كما سنرى في فصل لاحق مع الاستدلال بالشواهد الكافية إن شاء الله.
-
الحركة البطيئة:
الحركة في الحياة ظاهرة، وسريعة قوية وبطيئة، فالحركة البطيئة هي
(1) سورة القصص، الآية:10.
(2)
سورة البقرة، الآية:7.
(3)
سورة يوسف، الآية: 23، هيت لك: هلمّ أقبل.
الشّطر الآخر من صفة فاعليّتها الظاهرة.
وقد عني القدامى بالحركة السريعة القوية، لأنها أدعى للتذوق الجمالي لارتباطها بالاستعارة، وكأنهم مروا بجمالية البطء في بعض المفردات، ولمسوا فيها حياد المباشرة، فلم يلتفوا إليه، ونسرد هنا بعض المفردات ونبيّن ما جاء في ربطها بالمدلول النفسي وموافقتها للموقف.
وللخطّابي لمحة جيدة من خلال إحالتنا إلى الفروق اللغوية عند ما يذكر قوله تعالى حكاية عن المشركين: أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ «1» إذ يقول متملّيا جمال لفظ المشي وموافقته للموقف: «بل المشي في هذا المحلّ أولى، وأشبه بالمعنى، وذلك لأنه إنما قصد به الاستمرار على العادة الجارية، ولزوم السّجيّة المعهودة في غير انزعاج منهم، ولا انتقال عن الأمر الأول، وذلك لأن المشي أشبه بالثّبات والصبر المأمور به، وفي قوله: امضوا وانطلقوا زيادة انزعاج ليس في قوله «امشوا» والقوم لم يقصدوا ذلك» «2» .
وكأن الخطابي يريد أن يقول: إن المشي أكثر من العدو والسعي، وهو لذلك ألصق بالطبع، بالثابت، ويعبر في بطئه ونمطه المعهود عن عدم مبالاة المشركين بما سمعوا، وعن إصرارهم على الكفر.
وإنها للحركة الدالة على ارتياح، فهي توافق الدافع الشعوري، وتترجمه إلى واقع حسي، وهذه سمة رفيعة امتاز بها القرآن الذي يحيل السّرد إلى مشاهد منظورة قاصدا غاية التأثير.
وهاهنا لمسنا أن الحركة البطيئة تصوّر الحالة الشعورية، وقد قال جويو عن الحركة الانسيابية:«فما هي الحركة التي تشعرنا إذ نحدثها أو نشاهدها بأنّها رشيقة؟ إنها الحركة التي توهمنا بأنها خالية من كلّ جهد عضليّ، فنرى الأعضاء تتحرك حرة طليقة كأنما يحرّكها النسيم» «3» .
(1) سورة ص، الآية:6.
(2)
الخطابي، حمد بن محمد، ثلاث رسائل في الإعجاز، ص/ 39.
(3)
جويو، جان ماري، مسائل فلسفة الفن المعاصرة، تر: سامي الدروبي، ص/ 43.