المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل: في القراض - حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب - جـ ٣

[البجيرمي]

فهرس الكتاب

- ‌ كِتَابُ الْبُيُوعِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الرِّبَا

- ‌[فَرَع لَوْ تلف الْمَبِيع بِآفَةِ فِي زَمَن الْخِيَار قَبْلَ الْقَبْضِ]

- ‌فَصْلٌ فِي السَّلَمِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الرَّهْنِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْحَجْرِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الصُّلْحِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْحَوَالَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الضَّمَانِ

- ‌فَصْلٌ: فِي كَفَالَةِ الْبَدَنِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الشَّرِكَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْوَكَالَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْإِقْرَارِ

- ‌فَصْلٌفِي الْعَارِيَّةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْغَصْبِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الشُّفْعَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْقِرَاضِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْمُسَاقَاةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْإِجَارَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْجَعَالَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمُخَابَرَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْوَقْفِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْهِبَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي اللُّقَطَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي أَقْسَامِ اللُّقَطَةِ]

- ‌فَصْلٌ: فِي اللَّقِيطِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْوَدِيعَةِ

- ‌[فَرْعٌ أَقَرَّتْ حَامِلٌ بِالرِّقِّ]

- ‌كِتَابُ بَيَانِ أَحْكَامِ الْفَرَائِضِ وَالْوَصَايَا

- ‌فَصْلٌ: فِي الْوَصِيَّةِ

- ‌كِتَابُ النِّكَاحِ

- ‌فَصْلٌ: فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْأَوْلِيَاءِ]

- ‌فَصْلٌ: فِي مُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الصَّدَاقِ

- ‌[فَرْعٌ لَوْ أَصْدَقَ حِفْظَ الْقُرْآنِ]

- ‌فَصْلٌ: فِي الْقَسْمِ وَالنُّشُوزِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْخُلْعِ

- ‌فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ

- ‌[فَصْلٌ أَقْسَام الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ حُرًّا كَانَ أَوْ رَقِيقًا مِنْ الطَّلْقَاتِ]

- ‌[فَرْعٌ لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِنَحْوِ دُخُولِهِ فَحُمِلَ سَاكِتًا قَادِرًا عَلَى الِامْتِنَاعِ وَأُدْخِلَ]

- ‌فَصْلٌ: فِي الرَّجْعَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي بَيَانِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ حِلُّ الْمُطَلَّقَةِ

الفصل: ‌فصل: في القراض

مُشْتَرٍ وَلَا رِضَاهُ كَالرَّدِّ بِعَيْبٍ. وَشَرْطٌ فِي تَمَلُّكٍ بِهَا رُؤْيَةُ شَفِيعِ الشِّقْصِ وَعِلْمُهُ بِالثَّمَنِ كَالْمُشْتَرِي، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي مَنْعُهُ مِنْ رُؤْيَتِهِ. وَشَرْطٌ فِيهِ أَيْضًا لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالتَّمَلُّكِ وَفِي مَعْنَاهُ مَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ كَتَمَلَّكْت أَوْ أَخَذْت بِالشُّفْعَةِ مَعَ قَبْضِ مُشْتَرٍ الثَّمَنَ، أَوْ مَعَ رِضَاهُ بِكَوْنِ الثَّمَنِ فِي ذِمَّةِ الشَّفِيعِ وَلَا رِبًا أَوْ مَعَ حُكْمٍ لَهُ بِالشُّفْعَةِ إذَا حَضَرَ مَجْلِسَهُ وَأَثْبَتَ حَقَّهُ فِيهَا وَطَلَبَهُ.

‌فَصْلٌ: فِي الْقِرَاضِ

وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَرْضِ وَهُوَ الْقَطْعُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمَالِكَ قَطَعَ لِلْعَامِلِ قِطْعَةً مِنْ مَالِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا وَقِطْعَةً مِنْ الرِّبْحِ وَيُسَمَّى أَيْضًا مُضَارَبَةً وَمُقَارَضَةً. وَالْأَصْلُ فِيهِ الْإِجْمَاعُ وَالْحَاجَةُ وَاحْتَجَّ لَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] «وَبِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم ضَارَبَ لِخَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - بِمَالِهَا إلَى الشَّامِ، وَأَنْفَذَتْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

شَفِيعِ الشِّقْصِ) لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ شَرِيكًا أَنْ يَرَاهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ وَكَّلَ فِي شِرَائِهِ أَوْ وَرِثَهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ. اهـ. م د، أَيْ وَقَبِلَ لَهُ وَكِيلُهُ وَقَبَضَ.

قَوْلُهُ: (وَشَرْطٌ فِيهِ) أَيْ التَّمَلُّكِ، أَيْ مِلْكِ الشَّفِيعِ لِلشِّقْصِ وَهُوَ بَعْدَ الْأَخْذِ السَّابِقِ، أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ: أَنَا طَالِبٌ لِلشُّفْعَةِ.

قَوْلُهُ: (مَعَ قَبْضِ مُشْتَرٍ الثَّمَنَ) حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ قَبْضِهِ خَلَّى الشَّفِيعُ بَيْنَهُمَا أَوْ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى حَاكِمٍ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا رِبًا) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ كَانَ بِالْمَبِيعِ صَفَائِحُ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَالثَّمَنُ مِنْ الْآخَرِ لَمْ يَكْفِ الرِّضَا بِكَوْنِ الثَّمَنِ فِي الذِّمَّةِ، بَلْ يُعْتَبَرُ التَّقَابُضُ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ بَابِ الرِّبَا شَرْحُ الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ مَعَ حُكْمٍ لَهُ إلَخْ) أَيْ وَلَا رِبًا أَيْضًا فِي الْعِوَضِ، فَقَوْلُهُ " وَلَا رِبًا " رَاجِعٌ لَهُ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَيْدَ الْمُتَوَسِّطَ يَرْجِعُ لِمَا بَعْدَهُ أَيْضًا، وَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ حُذِفَ مِنْ الثَّانِي لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ.

قَوْلُهُ: (إذَا حَضَرَ مَجْلِسَهُ) أَيْ مَجْلِسَ الْحُكْمِ. قَوْلُهُ: (حَقَّهُ فِيهَا) لَا مَعْنَى لِهَذِهِ الظَّرْفِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ هُوَ الشُّفْعَةُ فَيَلْزَمُ ظَرْفِيَّةُ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ، فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَهَا أَوْ يَأْتِي بِالضَّمِيرِ مُذَكَّرًا وَيَقُولُ فِيهِ وَيَكُونُ عَائِدًا عَلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ.

[فَصْلٌ فِي الْقِرَاضِ]

ِ ذَكَرَهُ عَقِبَ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى جَوَازِ كُلٍّ مِنْهُمَا، لَكِنَّ الْحَاجَةَ فِي الشُّفْعَةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَهُنَا لِنَفْعِ الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ. وَذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَقِبَ الْوَدِيعَةِ لِاشْتِمَالِهِمَا عَلَى دَفْعِ الْمَالِكِ عَيْنَ مَالِهِ لِغَيْرِهِ وَعَلَى تَصْدِيقِ الْآخِذِ فِيهِمَا فِي الرَّدِّ وَالتَّلَفِ. وَالْقِرَاضُ بِكَسْرِ الْقَافِ مَصْدَرُ قَارَضَ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ لِفَاعِلِ الْفِعَالِ وَالْمُفَاعَلَةِ وَهُوَ وَالْمُقَارَضَةُ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَالْمُضَارَبَةُ لُغَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ الضَّرْبِ وَهُوَ السَّفَرُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَيْهِ غَالِبًا كَمَا قَالَهُ م ر، أَيْ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ الشَّارِحُ: قَارَضَ بَدَلَ ضَارَبَ.

قَوْلُهُ: (مُشْتَقٌّ إلَخْ) وَإِنَّمَا جَازَ اشْتِقَاقُهُ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَصْدَرٌ وَالْمَصْدَرُ لَا يُشْتَقُّ مِنْ الْمَصْدَرِ؛ لِأَنَّ الْمَزِيدَ يُشْتَقُّ مِنْ الْمُجَرَّدِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاشْتِقَاقِ الْأَخْذُ.

قَوْلُهُ: (سُمِّيَ) أَيْ الْقِرَاضُ الشَّرْعِيُّ بِذَلِكَ، أَيْ لَفْظِ الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّ إلَخْ. وَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَهُ عَنْ قَوْلِهِ وَحَقِيقَتُهُ الشَّرْعِيَّةُ.

قَوْلُهُ: (أَنْ تَبْتَغُوا) أَيْ تَطْلُبُوا فَضْلًا، أَيْ زِيَادَةً عَلَى مَالِكُمْ أَوْ مَالِ غَيْرِكُمْ وَهِيَ الرِّبْحُ، فَصَحَّ الِاحْتِجَاجُ بِالْآيَةِ مِنْ حَيْثُ عُمُومُهَا. وَأَسْنَدَ الِاحْتِجَاجَ إلَى الْمَاوَرْدِيُّ لِمَا فِي الْآيَةِ مِنْ الْخَفَاءِ فِي خُصُوصِ الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ تَحْتَمِلُ الدُّعَاءَ وَغَيْرَهُ، أَيْ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ بِالدُّعَاءِ؛ وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ

ص: 188

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[حاشية البجيرمي]

مُقَارِضًا؛ لِأَنَّ خَدِيجَةَ لَمْ تَدْفَعْ لَهُ مَالًا يَشْتَرِي بِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التَّصَرُّفِ عَنْهَا فَهُوَ كَالْوَكِيلِ بِجُعْلٍ، فَقَوْلُهُ: ضَارَبَ لِخَدِيجَةَ أَيْ عَلَى سَبِيلِ الْأَمَانَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْمُقَارَضَةِ وَالْمُضَارَبَةِ الْمَعْهُودَةِ، وَإِنَّمَا دَفَعَتْهُ لَهُ لِمَا بَلَغَهَا مِنْ أَبِي طَالِبٍ بِالِاسْتِفَاضَةِ مِنْ النَّاسِ مِنْ أَمَانَتِهِ، وَفِي هَذِهِ الْمَرَّةِ كَسَبَ الْمَالَ أَضْعَافَ أَمْثَالِهِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ مَرَّةً فَكَانَ هَذَا هُوَ الْحَامِلُ وَالْبَاعِثُ لَهَا عَلَى تَزْوِيجِهَا لَهُ صلى الله عليه وسلم اهـ.

قَوْلُهُ: (ضَارَبَ لِخَدِيجَةَ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِنَحْوِ شَهْرَيْنِ وَسَنَةٍ صلى الله عليه وسلم إذْ ذَاكَ نَحْوَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، فَكَانَ وَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ أَنَّهُ حَكَاهُ مُقَرَّرًا لَهُ بَعْدَ النُّبُوَّةِ ز ي. وَتَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَشَيْءٍ، وَتُوُفِّيَتْ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى الْأَصَحِّ وَهِيَ بِنْتُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ عَمَّهُ أَبَا طَالِب قَالَ لَهُ: يَا ابْنَ أَخِي أَنَا رَجُلٌ لَا مَالَ لِي وَقَدْ اشْتَدَّ الزَّمَانُ أَيْ الْقَحْطُ وَأَقْبَلَتْ وَدَامَتْ عَلَيْنَا سِنُونَ مُنْكَرَةٌ أَيْ شَدِيدَةُ الْجَدْبِ وَلَيْسَ لَنَا مَادَّةٌ، أَيْ مَا يَمُدُّنَا وَمَا يَقُومُنَا وَلَا تِجَارَةٌ، وَهَذِهِ عِيرُ قَوْمِك وَهِيَ الْإِبِلُ الَّتِي تَحْمِلُ الْمَيْرَةَ وَقَدْ حَضَرَ خُرُوجُهَا إلَى الشَّامِ وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ تَبْعَثُ رِجَالًا مِنْ قَوْمِك فِي عِيرِهَا فَيَتَّجِرُونَ لَهَا فِي مَالِهَا وَيُصِيبُونَ مَنَافِعَ، فَلَوْ جِئْتهَا فَعَرَضْت نَفْسَك عَلَيْهَا لَأَسْرَعَتْ إلَيْك وَفَضَّلَتْك عَلَى غَيْرِك لِمَا يَبْلُغُهَا عَنْك مِنْ طَهَارَتِك، وَإِنْ كُنْت لَأَكْرَهُ أَنْ تَأْتِيَ إلَى الشَّام وَأَخَافُ عَلَيْك مِنْ الْيَهُودِ، وَلَكِنْ لَا تَجِدُ مِنْ ذَلِكَ بُدًّا. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" فَلَعَلَّهَا تُرْسِلُ إلَيَّ فِي ذَلِكَ " فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: إنِّي أَخَافُ أَنْ تُوَلِّيَ غَيْرَك فَتَطْلُبَ أَمْرًا مُدْبِرًا. فَافْتَرَقَا، فَبَلَغَ خَدِيجَةَ مَا كَانَ مِنْ مُحَاوَرَةِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ لَهُ فَقَالَتْ: مَا عَلِمْت أَنَّهُ يُرِيدُ هَذَا. ثُمَّ أَرْسَلَتْ إلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إنِّي دَعَانِي إلَى الْبَعْثِ إلَيْك مَا بَلَغَنِي مِنْ صِدْقِ حَدِيثِك وَعِظَمِ أَمَانَتِك وَكَرَمِ أَخْلَاقِك وَأَنَا أُعْطِيك ضِعْفَ مَا أُعْطِي رَجُلًا مِنْ قَوْمِك. فَرَضِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَقِيَ عَمَّهُ أَبَا طَالِبٍ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّ هَذَا لَرِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إلَيْك. فَخَرَجَ مَعَ غُلَامِهَا مَيْسَرَةَ يُرِيدُ الشَّامَ وَقَالَتْ خَدِيجَةُ لِمَيْسَرَةِ: لَا تَعْصِ لَهُ أَمْرًا وَلَا تُخَالِفْ لَهُ رَأْيًا. وَمِنْ حِينِ سَيْرِهِ صلى الله عليه وسلم أَظَلَّتْهُ الْغَمَامَةُ، فَلَمَّا قَدِمَ صلى الله عليه وسلم نَزَلَ فِي سُوقِ بُصْرَى فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ صَوْمَعَةِ رَاهِبٍ يُقَالُ لَهُ نُسْطُورًا بِالْقَصْرِ، فَاطَّلَعَ الرَّاهِبُ إلَى مَيْسَرَةَ وَكَانَ يَعْرِفُهُ فَقَالَ: يَا مَيْسَرَةُ مَنْ هَذَا الَّذِي نَزَلَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ؟ فَقَالَ مَيْسَرَةُ: رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ. فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: مَا نَزَلَ تَحْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إلَّا نَبِيٌّ، ثُمَّ قَالَ: أَفِي عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ؟ قَالَ مَيْسَرَةُ: نَعَمْ لَا تُفَارِقُهُ. قَالَ الرَّاهِبُ: هُوَ هُوَ، وَهُوَ آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ، وَيَا لَيْتَ أَنِّي أُدْرِكُهُ حِينَ يُؤْمَرُ بِالْخُرُوجِ أَيْ يُبْعَثُ فَوَعَى ذَلِكَ مَيْسَرَةُ؛ وَالْحُمْرَةُ كَانَتْ فِي بَيَاضِ عَيْنَيْهِ وَهِيَ الشَّكْلَةُ، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ فِي وَصْفِهِ صلى الله عليه وسلم: أَشْكَلُ الْعَيْنَيْنِ، وَهَذِهِ عَلَامَةٌ مِنْ عَلَامَاتِ نُبُوَّتِهِ فِي الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ. وَلَمَّا رَأَى الرَّاهِبُ الْغَمَامَةَ تُظِلُّهُ صلى الله عليه وسلم فَزِعَ فَدَنَا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسِيرًا وَقَبَّلَ رَأْسَهُ وَقَدَمَهُ وَقَالَ: آمَنْت بِك وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّك الَّذِي ذَكَرَك اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ قَدْ عَرَفْت فِيك الْعَلَامَاتِ كُلَّهَا أَيْ الْعَلَامَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى نُبُوَّتِك الْمَذْكُورَةِ فِي الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ، خَلَا خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَوْضِحْ لِي عَنْ كَتِفِك، فَأَوْضَحَ لَهُ فَإِذَا هُوَ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ يَتَلَأْلَأُ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ يُقَبِّلُهُ وَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّك رَسُولُ اللَّهِ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ الَّذِي بَشَّرَ بِك عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَنْزِلُ بَعْدِي تَحْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إلَّا النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ الْهَاشِمِيُّ الْعَرَبِيُّ الْمَكِّيُّ صَاحِبُ الْحَوْضِ وَالشَّفَاعَةِ وَصَاحِبُ لِوَاءِ الْحَمْدِ. وَكَانَتْ اسْتَأْجَرَتْهُ بِبَكْرَتَيْنِ وَكَانَتْ تُسَمَّى لِغَيْرِهِ بَكْرَةً، وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ: اسْتَأْجَرَتْهُ عَلَى أَرْبَعِ بَكَرَاتٍ اهـ مِنْ السِّيرَةِ الْحَلَبِيَّةِ، وَفِيهَا كَلَامٌ طَوِيلٌ فَارْجِعْ إلَيْهِ إنْ شِئْت. وَقَوْلُهُ " اسْتَأْجَرَتْهُ بِبَعِيرَيْنِ " يُنَافِي قَوْلَ الشَّارِحِ " ضَارَبَ لِخَدِيجَةَ إلَخْ "؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ قِرَاضٌ لَا إجَارَةٌ، وَيُمْكِنُ وُقُوعُ ذَلِكَ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ فَلْيُرَاجَعْ. وَقَوْلُهُ " الَّذِي بَشَّرَ بِك عِيسَى " أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى:{وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6] .

ص: 189

مَعَهُ عَبْدَهَا مَيْسَرَةَ.» وَحَقِيقَتُهُ تَوْكِيلُ مَالِكٍ بِجَعْلِ مَالِهِ بِيَدِ آخَرَ لِيَتَّجِرَ فِيهِ وَالرِّبْحُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا

وَأَرْكَانُهُ سِتَّةٌ: مَالِكٌ وَعَامِلٌ وَعَمَلٌ وَرِبْحٌ وَصِيغَةٌ وَمَالٌ، يُعْرَفُ بَعْضُهَا مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَبَاقِيهَا مِنْ شَرْحِهِ.

(وَلِلْقِرَاضِ أَرْبَعَةُ شَرَائِطَ) الْأَوَّلُ: (أَنْ يَكُونَ) عَقْدُهُ (عَلَى نَاضٍّ) بِالْمَدِّ وَتَشْدِيدِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ مَا ضُرِبَ (مِنْ الدَّرَاهِمِ) الْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ (وَ) مِنْ (الدَّنَانِيرِ) الْخَالِصَةِ، وَفِي هَذِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ شَرْطَ الْمَالِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْأَرْكَانِ أَنْ يَكُون نَقْدًا خَالِصًا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً؛ وَأَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا بِيَدِ الْعَامِلِ، فَلَا يَصِحُّ عَلَى عَرْضٍ وَلَوْ فُلُوسًا وَتِبْرًا وَحُلِيًّا وَمَنْفَعَةً؛ لِأَنَّ فِي الْقِرَاضِ إغْرَارًا، إذْ الْعَمَلُ فِيهِ غَيْرُ مَضْبُوطٍ وَالرِّبْحُ غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِهِ، وَإِنَّمَا جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ فَاخْتَصَّ بِمَا يَرُوجُ بِكُلِّ حَالٍ وَتَسْهُلُ التِّجَارَةُ بِهِ. وَلَا عَلَى نَقْدٍ مَغْشُوشٍ وَلَوْ رَائِجًا لِانْتِفَاءِ خُلُوصِهِ. نَعَمْ إنْ كَانَ غِشُّهُ مُسْتَهْلَكًا جَازَ قَالَهُ الْجُرْجَانِيِّ. وَلَا عَلَى مَجْهُولِ جِنْسًا أَوْ قَدْرًا أَوْ صِفَةً، وَلَا عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَأَنْ قَارَضَهُ عَلَى

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (وَأَنْفَذَتْ مَعَهُ عَبْدَهَا مَيْسَرَةَ) بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّهَا، أَيْ لِيَكُونَ مُعَاوِنًا لَهُ وَيَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْمَشَاقَّ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. وَمَيْسَرَةُ هَذَا لَمْ يُذْكَرْ مِنْ الصَّحَابَةِ بَلْ مَاتَ قَبْلَ الْمَبْعَثِ قَوْلُهُ:(وَحَقِيقَتُهُ) أَيْ شَرْعًا.

قَوْلُهُ: (تَوْكِيلُ إلَخْ) اشْتَمَلَ هَذَا التَّعْرِيفُ عَلَى الْأَرْكَانِ الْآتِيَةِ وَالصِّيغَةُ تُفْهَمُ مِنْ التَّوْكِيلِ. قَوْلُهُ: (مَالِكٍ) أَيْ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ كَالْوَلِيِّ. قَوْلُهُ: (بِجَعْلِ مَالِهِ) أَيْ مَعَ جَعْلِ أَيْ الْعَقْدِ الْمُصَاحِبِ لِلْجَعْلِ لَا الْجَعْلِ وَحْدَهُ ع ش. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبَاءَ لِلتَّصْوِيرِ، أَيْ التَّوْكِيلُ مُصَوَّرٌ بِجَعْلِ مَالِهِ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (عَمَلٌ وَرِبْحٌ) فَإِنْ قُلْت: لَا يَحْسُنُ عَدُّهَا مِنْ الْأَرْكَانِ؛ لِأَنَّهُمَا أَمْرٌ مُنْتَظَرٌ مُتَرَقَّبٌ. قُلْت: الْمُرَادُ بِعَدِّهِمَا مِنْهَا ذِكْرُهُمَا فِي الْعَقْدِ، فَالرُّكْنُ ذِكْرُهُمَا فِي الْعَقْدِ لِتُوجَدَ مَاهِيَّةُ الْقِرَاضِ، فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ الْعَمَلُ وَالرِّبْحُ إنَّمَا يُوجَدَانِ بَعْدَ عَقْدِ الْقِرَاضِ، بَلْ قَدْ يُقَارِضُ وَلَا يُوجَدُ عَمَلٌ مِنْ الْعَامِلِ أَوْ يَعْمَلُ وَلَا يُوجَدُ رِبْحٌ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَيُعْرَفُ بَعْضُهَا) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنْ يَكُونَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَيْ شُرُوطُ بَعْضِهَا. وَقَوْلُهُ " وَبَاقِيهَا " أَيْ شُرُوطُ بَاقِيهَا.

قَوْلُهُ: (أَرْبَعَةُ شَرَائِطَ) الْأُولَى حَذْفُ التَّاءِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُودَ مُؤَنَّثٌ، إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالشَّرَائِطِ الشُّرُوطُ. وَفِي نُسْخَةٍ: أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ، وَهِيَ سَالِمَةٌ مِنْ الِاعْتِرَاضِ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَا ضُرِبَ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ النَّاضَّ هُوَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ الْمَضْرُوبَةُ كَمَا مَرَّ فَ " مِنْ " بَيَانِيَّةٌ.

قَوْلُهُ: (مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ) قَالَ سم: شَمَلَتْ عِبَارَتُهُ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ فِي نَاحِيَةٍ لَا يُتَعَامَلُ بِهَا فِيهَا، وَنَقَلَ الْغَزَالِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ: وَالْأَشْبَهُ جَوَازُهُ عَلَى نَقْدٍ أَبْطَلَهُ السُّلْطَانُ، وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ إذَا عَزَّ وُجُودُهُ أَوْ خِيفَ عِزَّتُهُ عِنْدَ الْمُفَاصَلَةِ؛ لَكِنْ نَقَلَ الْإِمَامُ عَنْ شَيْخِهِ إلْحَاقَهُ بِمَا يَرُوجُ مِنْ الْفُلُوسِ اهـ. وَعِبَارَةُ م ر: وَلَوْ أَبْطَلَهُ السُّلْطَانُ جَازَ عَقْدُهُ كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَتَنْظِيرُ الْأَذْرَعِيُّ فِيهِ بِأَنَّهُ قَدْ يَعِزُّ وُجُودُهُ أَوْ يُخَافُ عِزَّتُهُ عِنْدَ الْمُفَاصَلَةِ؛ يُرَدُّ بِأَنَّ الْغَالِبَ مَعَ ذَلِكَ تَعَسُّرُ الِاسْتِبْدَالِ بِهِ. وَقَوْلُهُ " لَكِنْ نَقَلَ إلَخْ " أَيْ فَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ صِحَّةِ الْقِرَاضِ عَلَيْهَا، لَكِنْ اُنْظُرْ عَلَى هَذَا عَلَى أَيِّ شَيْءٍ يُقَارِضُ. اهـ. م د، وَهَذَا يُخَالِفُ كَلَامَ م ر.

قَوْلُهُ: (أَنْ يَكُونَ نَقْدًا إلَخْ) . حَاصِلُ شُرُوطِهِ أَنْ يَكُونَ نَقْدًا مَضْرُوبًا. خَالِصًا مَعْلُومًا مُعَيَّنًا بِيَدِ عَامِلٍ.

قَوْلُهُ: (وَتِبْرًا) هُوَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ قَبْلَ الضَّرْبِ، وَجُعِلَ التِّبْرُ عَرَضًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَضْرُوبًا.

قَوْلُهُ: (وَمَنْفَعَةً) بِأَنْ يَقُولَ قَارَضْتُك عَلَى مَنْفَعَةِ هَذِهِ الدَّارِ وَتُؤَجِّرُهَا الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ وَمَا زَادَ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ يَكُونُ بَيْنَنَا نِصْفَيْنِ. اهـ. م د. وَهِيَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى عَرْضٍ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَيْسَتْ مِنْهُ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ فِي الْقِرَاضِ أَغْرَارًا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ غَرَرٍ وَأَرَادَ بِالْجَمْعِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا شَيْئَيْنِ بِقَوْلِهِ إذْ الْعَمَلُ إلَخْ وَقِيلَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَصْدَرُ أَغَرَّهُ. اهـ. ز ي بِزِيَادَةٍ.

قَوْلُهُ: (وَتَسْهُلُ التِّجَارَةُ بِهِ) أَيْ فِيهِ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ غِشُّهُ مُسْتَهْلَكًا) بِفَتْحِ اللَّامِ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ اسْتَهْلَكَهُ وَفِي

ص: 190

مَا فِي الذِّمَّةِ مِنْ دَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَكَأَنْ قَارَضَهُ عَلَى إحْدَى صُرَّتَيْنِ وَلَوْ مُتَسَاوِيَتَيْنِ، وَلَا يَصِحُّ بِشَرْطِ كَوْنِ الْمَالِ بِيَدِ غَيْرِ الْعَامِلِ كَالْمَالِكِ لِيُوفِيَ مِنْهُ ثَمَنَ مَا اشْتَرَاهُ الْعَامِلُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَجِدُهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ. وَشُرِطَ فِي الْمَالِكِ مَا شُرِطَ فِي مُوَكِّلٍ، وَفِي الْعَامِلِ مَا شُرِطَ فِي وَكِيلٍ وَهُمَا الرُّكْنَانِ الْأَوَّلَانِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ تَوْكِيلٌ وَتَوَكُّلٌ، وَأَنْ يَسْتَقِلَّ الْعَامِلُ بِالْعَمَلِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْعَمَلِ مَتَى شَاءَ، فَلَا يَصِحُّ شَرْطُ عَمَلِ غَيْرِهِ مَعَهُ؛ لِأَنَّ انْقِسَامَ الْعَمَلِ يَقْتَضِي انْقِسَامَ الْيَدِ، وَيَصِحُّ شَرْطُ إعَانَةِ مَمْلُوكِ الْمَالِكِ مَعَهُ فِي الْعَمَلِ، وَلَا يَدَ لِلْمَمْلُوكِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ فَجَعَلَ عَمَلَهُ تَبَعًا لِلْمَالِ؛ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا بِرُؤْيَةٍ أَوْ وَصْفٍ،

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْمُخْتَارِ أَهْلَكَهُ وَاسْتَهْلَكَهُ، وَمُرَادُهُ بِهِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَا يَتَحَصَّلُ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ. اهـ. م ر سم. وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ، فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ الْمُتَعَارِفَةَ الْآنَ الْمَغْشُوشَةَ يَتَحَصَّلُ مِنْهَا مَا لَهُ مَالِيَّةٌ إذَا عُرِضَ عَلَى النَّارِ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ كَثِيرَةً، فَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُسْتَهْلَكِ مَا لَا يَتَمَيَّزُ فِيهِ النُّحَاسُ مِنْ الْفِضَّةِ كَالْقُرُوشِ وَالْأَنْصَافِ الْمُتَعَامِلِ بِهَا الْآنَ. اهـ. ع ش كَالْفِضَّةِ الْمَضْرُوبَةِ بِمِصْرَ.

قَوْلُهُ: (وَلَا عَلَى مَجْهُولٍ) نَعَمْ لَوْ قَارَضَهُ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ عَيَّنَهَا فِي الْمَجْلِسِ جَازَ، وَمِثْلُهُ يَجْرِي فِي مَجْهُولِ الْقَدْرِ فَإِذَا قَارَضَهُ عَلَى مَجْهُولِ الْقَدْرِ ثُمَّ عَلِمَهُ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ، وَكَذَا الْمُبْهَمُ كَأَحَدِ هَذَيْنِ الْأَلْفَيْنِ فَيَصِحُّ إذَا عَيَّنَهُ فِي الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَلِمَ فِي الْمَجْلِسِ الْجِنْسَ وَالْقَدْرَ وَالصِّفَةَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَشْبَهِ فِي الْمَطْلَبِ، أَيْ وَكَانَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ مَجْهُولَةً عِنْدَ الْعَقْدِ. وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ دَرَاهِمُ شَرِكَةٍ فَقَالَ لَهُ: قَارَضْتُك عَلَى نَصِيبِي مِنْهَا صَحَّ؛ لِأَنَّ الْإِشَاعَةَ لَا تَمْنَعُ التَّصَرُّفَ، قَالَ الْمُتَوَلِّي سم. قَالَ ع ش: وَمِنْ ذَلِكَ مَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى مِنْ التَّعَامُلِ بِالْفِضَّةِ الْمَقْصُوصَةِ، فَلَا يَصِحُّ الْقِرَاضُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْقَصِّ وَإِنْ عُلِمَتْ، إلَّا أَنَّ مِقْدَارَ الْقَصِّ مُخْتَلِفٌ فَلَا يُمْكِنُ ضَبْطُ مِثْلِهِ عِنْدَ التَّفَاصُلِ، حَتَّى لَوْ قَارَضَهُ عَلَى قَدْرٍ مِنْهَا مَعْلُومِ الْقَدْرِ وَزْنًا فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ الرَّدِّ وَإِنْ أَحْضَرَ قَدْرَهُ وَزْنًا لَكِنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِتَفَاوُتِ الْقَصِّ قِلَّةً وَكَثْرَةً. قَوْلُهُ:(وَلَا عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ " مُعَيَّنًا ".

قَوْلُهُ: (عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ) وَيَشْمَلُ ذِمَّةَ غَيْرِ الْعَامِلِ بِأَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ إنْسَانٍ فَقَالَ لِغَيْرِهِ: قَارَضْتُك عَلَى دَيْنِي الَّذِي عَلَى فُلَانٍ فَاقْبِضْهُ وَاتَّجِرْ فِيهِ، وَيَشْمَلُ ذِمَّةَ الْعَامِلِ أَيْضًا بِأَنْ قَالَ لَهُ: قَارَضْتُك عَلَى الدَّيْنِ الَّذِي لِي عَلَيْك اهـ ز ي.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَإِنْ عَيَّنَ فِي الْمَجْلِسِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ بِكَوْنِ الْمَالِكِ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَعْيِينِ مَا فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ، وَاعْتَمَدَهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ " عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ ": أَيْ إلَّا إنْ عَيَّنَ فِي الْمَجْلِسِ فَيَصِحُّ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ.

قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الدَّيْنِ بِأَنْ يَكُونَ فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ. وَمَعْنَى كَوْنِهِ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ غَيْرُ دَيْنٍ أَنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ ح ل، كَأَنْ يُقَارِضَهُ الْمَالِكُ عَلَى أَلْفٍ فِي ذِمَّتِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ فِي الْمَجْلِسِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ:(عَلَى إحْدَى صُرَّتَيْنِ) نَعَمْ إنْ عُيِّنَتْ الْمُرَادَةُ مِنْهُمَا فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُتَسَاوِيَتَيْنِ) أَيْ فِي الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ وَالصِّفَةِ، أَيْ فَلَا يَصِحُّ وَهَذِهِ الْغَايَةُ لِلرَّدِّ. وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ لِلرَّمْلِيِّ: وَقِيلَ يَجُوزُ عَلَى إحْدَى الصُّرَّتَيْنِ إنْ عُلِمَ مَا فِيهِمَا وَتَسَاوَتَا جِنْسًا وَصِفَةً. وَقَدْرًا، فَيَتَصَرَّفُ الْعَامِلُ فِي أَيِّهِمَا شَاءَ فَتَتَعَيَّنُ لِلْقِرَاضِ وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ لِانْتِفَاءِ التَّعَيُّنِ كَالْبَيْعِ اهـ. قَوْلُهُ:(لِيُوفِيَ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: كَوْنِ الْمَالِ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (تَوْكِيلٌ وَتَوَكُّلٌ) فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ أَعْمَى دُونَ الْعَامِلِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا سَفِيهًا وَلَا صَبِيًّا وَلَا مَجْنُونًا، وَلِوَلِيِّهِمْ أَنْ يُقَارِضَ لَهُمْ مَنْ يَجُوزُ الْإِيدَاعُ عِنْدَهُ وَلَهُ أَنْ يَشْرِطَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ إنْ لَمْ يَجِدْ كَافِيًا غَيْرَهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ مُقَارَضَةُ الْأَعْمَى عَلَى مُعَيَّنٍ كَمَا يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ الْمُعَيَّنَ، وَأَنْ لَا يَجُوزَ إقْبَاضُهُ الْمُعَيَّنَ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَوْكِيلٍ سم.

وَأَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَارِضَ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا، وَيَصِحُّ الْقِرَاضُ مِنْ الْمَرِيضِ، وَلَا يُحْسَبُ مَا زَادَ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْمَحْسُوبَ مِنْهُ مَا يَفُوتُهُ مِنْ مَالِهِ وَالرِّبْحُ لَيْسَ بِحَاصِلٍ حَتَّى يَفُوتَهُ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُتَوَقَّعُ حُصُولُهُ، بِخِلَافِ مُسَاقَاتِهِ فَإِنَّهُ يُحْسَبُ فِيهَا ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الثِّمَارَ فِيهَا مِنْ عَيْنِ الْمَالِ اهـ س ل.

قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَسْتَقِلَّ الْعَامِلُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " مَا شُرِطَ فِي وَكِيلٍ ".

قَوْلُهُ: (مَمْلُوكِ الْمَالِكِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ حُرٌّ يَسْتَحِقُّ الْمَالِكُ مَنْفَعَتَهُ، وَيُمْكِنُ شُمُولُ كَلَامِهِ لَهُ بِأَنْ يُرَادَ مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ ق ل. وَالْمُرَادُ بِالْمَمْلُوكِ وَلَوْ بَهِيمَةً كَمَا فِي ع ش.

ص: 191

وَإِنْ شُرِطَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ جَازَ.

(وَ) الشَّرْطُ الثَّانِي (أَنْ يَأْذَنَ رَبُّ الْمَالِ لِلْعَامِلِ فِي التَّصَرُّفِ) فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ (مُطْلَقًا) وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى الرُّكْنِ الرَّابِعِ وَهُوَ الْعَمَلُ، فَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ فِي تِجَارَةٍ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: مُطْلَقًا إلَى اشْتِرَاطِ أَنْ لَا يُضَيِّقَ الْعَمَلَ عَلَى الْعَامِلِ، فَلَا يَصِحُّ عَلَى شِرَاءِ بُرٍّ يَطْحَنُهُ وَيَخْبِزُهُ، أَوْ غَزْلٍ يَنْسِجُهُ وَيَبِيعُهُ؛ لِأَنَّ الطَّحْنَ وَمَا مَعَهُ أَعْمَالٌ لَا تُسَمَّى تِجَارَةً بَلْ أَعْمَالٌ مَضْبُوطَةٌ يُسْتَأْجَرُ عَلَيْهَا، وَلَا عَلَى شِرَاءِ مَتَاعٍ مُعَيَّنٍ كَقَوْلِهِ: وَلَا تَشْتَرِ إلَّا هَذِهِ السِّلْعَةَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعَقْدِ حُصُولُ الرِّبْحِ، وَقَدْ لَا يَحْصُلُ فِيمَا يُعَيِّنُهُ فَيَخْتَلُّ الْعَقْدُ (أَوْ) أَيْ لَا يَضُرُّ فِي الْعَقْدِ إذْنُهُ (فِيمَا لَا يَنْقَطِعُ وُجُودُهُ غَالِبًا) كَالْبُرِّ، وَيَضُرُّ فِيمَا يَنْدُرُ وُجُودُهُ كَالْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ وَالْخَيْلِ الْبَلَقِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الرِّبْحُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَلَا يَصِحُّ عَلَى مُعَامَلَةِ شَخْصٍ كَقَوْلِهِ: وَلَا تَبِعْ إلَّا لِزَيْدٍ أَوْ لَا تَشْتَرِ إلَّا مِنْهُ.

(وَ) الشَّرْطُ الثَّالِثُ وَهُوَ الرُّكْنُ الْخَامِسُ (أَنْ يَشْتَرِطَ) الْمَالِكُ (لَهُ) أَيْ لِلْعَامِلِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ. (جُزْءًا) وَلَوْ قَلِيلًا

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (وَشَرْطُهُ) أَيْ الْمَمْلُوكِ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ شُرِطَتْ نَفَقَتُهُ) أَيْ الْمَمْلُوكِ وَالْأَوْجَهُ اشْتِرَاطُ تَقْدِيرِهَا وَكَأَنَّ الْعَامِلَ اسْتَأْجَرَهُ بِهَا م ر. وَلَا يُقَاسُ عَلَى الْحَجِّ بِالنَّفَقَةِ الْغَيْرِ الْمُقَدَّرَةِ لِخُرُوجِهَا عَنْ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى التَّوْسِعَةِ فِي تَحْصِيلِ تِلْكَ الْعِبَادَةِ الْمَشَقَّةِ.

قَوْلُهُ: (أَنْ يَأْذَنَ رَبُّ الْمَالِ) أَوْ وَكِيلُهُ أَوْ وَلِيُّهُ.

قَوْلُهُ: (فِي الْبَيْعِ) بَدَلٌ مِنْ التَّصَرُّفِ بَدَلُ جَارٍ وَمَجْرُورٍ مِنْ جَارٍ وَمَجْرُورٍ، أَوْ أَنَّ " فِي " بِمَعْنَى " الْبَاءِ " وَلَمَّا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ التَّصَرُّفَ فَكَانَ شَامِلًا لِنَحْوِ شِرَاءِ بُرٍّ يَطْحَنُهُ وَيَخْبِزُهُ إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ التِّجَارَةِ فِي شَيْءٍ، قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ: فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِيَكُونَ الْعَمَلُ تِجَارَةً.

قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ إذْنًا مُطْلَقًا أَيْ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِنَوْعٍ، أَوْ تَصَرُّفًا مُطْلَقًا أَوْ حَالٌ مِنْ التَّصَرُّفِ.

قَوْلُهُ: (إلَى الرُّكْنِ الرَّابِعِ) صَوَابُهُ: إلَى الرُّكْنِ الثَّالِثِ.

قَوْلُهُ: (فِي تِجَارَةٍ)" فِي " ظَرْفِيَّةُ الْعَامِّ وَهُوَ الْعَمَلُ فِي الْخَاصِّ، أَوْ أَنَّ " فِي " زَائِدَةٌ.

قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ عَلَى شِرَاءِ بُرٍّ إلَخْ) مُحْتَرَزُ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ إذَا فَعَلَ مَا ذَكَرَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ م ر.

قَوْلُهُ: (وَيَخْبِزُهُ) بِكَسْرِ الْبَاءِ. وَقَوْلُهُ " يَنْسِجُهُ " بَابُهُ ضَرَبَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ.

قَوْلُهُ: (لَا تُسَمَّى تِجَارَةً) بَلْ حِرْفَةً.

قَوْلُهُ: (وَلَا عَلَى شِرَاءِ مَتَاعٍ مُعَيَّنٍ) مُحْتَرَزُ الشَّرْطِ الثَّانِي، وَهُوَ أَنْ لَا يُضَيِّقَ الْعَمَلَ عَلَى الْعَامِلِ، وَلَوْ قَارَضَهُ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ الْحِنْطَةَ وَيَخْزُنَهَا مُدَّةً فَإِذَا ارْتَفَعَ سِعْرُهَا بَاعَهَا لَمْ يَصِحَّ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ غَيْرُ حَاصِلٍ مِنْ جِهَةِ التَّصَرُّفِ. وَفِي الْبَحْرِ نَحْوُهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، بَلْ لَوْ قَالَ: عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ حِنْطَةً وَتَبِيعَهَا فِي الْحَالِ لَمْ يَصِحَّ اهـ شَرْحُ م ر، أَيْ لِتَضْيِيقِهِ عَلَيْهِ بِطَلَبِ الْفَوْرِيَّةِ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ " فِي الْحَالِ " كَانَ قِرَاضًا صَحِيحًا ع ش. وَظَاهِرُ أَنَّهُ لَوْ قَارَضَهُ وَلَمْ يَشْرِطْ الْخَزْنَ فَاشْتَرَى هُوَ وَخَزَنَهُ بِاخْتِيَارِهِ إلَى ارْتِفَاعِ السِّعْرِ لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ لَمْ يَجْعَلْ التَّصَرُّفَ إلَى رَأْيِ الْعَامِلِ، بِخِلَافِهِ إذَا لَمْ يَشْرِطْ. اهـ. س ل. قَوْلُهُ:(إلَّا هَذِهِ السِّلْعَةَ) فَتَكُونُ مُعَيَّنَةً بِالشَّخْصِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُرَادُ تَعْيِينَ النَّوْعِ وَكَانَ هَذَا النَّوْعُ لَا يَنْقَطِعُ وُجُودُهُ غَالِبًا كَالْبُرِّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا يَأْتِي، وَيَجُوزُ مَنْعُ شِرَاءِ الْمُعَيَّنِ بِأَنْ يَقُولَ: وَلَا تَشْتَرِ الْمَتَاعَ الْفُلَانِيَّ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعَقْدِ) أَيْ عَقْدِ الْقِرَاضِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ فِيمَا لَا يَنْقَطِعُ) مَعْنَاهُ أَيْ أَوْ يَأْذَنُ لَهُ إذْنًا مُقَيَّدًا فِيمَا لَا يَنْقَطِعُ. وَالشَّارِحُ قَدَّرَ غَيْرَ ذَلِكَ، أَيْ لَا يَضُرُّ فِي الْعَقْدِ، وَهُوَ غَيْرُ مُلَائِمٍ لِكَلَامِ الْمَتْنِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ. وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ " فِي حِلِّ كَلَامِهِ " أَيْ أَوْ أَنْ يَأْذَنَ فِي مُقَيَّدٍ لَا يَنْقَطِعُ وُجُودُهُ لِأَجْلِ الْمُقَابَلَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِطْلَاقِ.

قَوْلُهُ: (فِي الْأَوَّلِ) وَهُوَ مَا لَا يَنْقَطِعُ، وَالثَّانِي: وَهُوَ مَا يَعِزُّ وُجُودُهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ عَلَى مُعَامَلَةِ شَخْصٍ) كَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُ عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ " وَلَا عَلَى شِرَاءِ مَتَاعٍ إلَخْ "؛ لِأَنَّهُمَا خَارِجَانِ بِقَوْلِهِ أَنْ لَا يُضَيِّقَ، وَالْمُرَادُ شَخْصٌ مُعَيَّنٌ بِخِلَافِ أَشْخَاصٍ مُعَيَّنِينَ يَتَأَتَّى مِنْ جِهَتِهِمْ الرِّبْحُ فَيَصِحُّ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ الرُّكْنُ الْخَامِسُ) وَهُوَ الرِّبْحُ وَهُوَ خَامِسٌ بِالنِّسْبَةِ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَانَ رَابِعًا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ

ص: 192

(مَعْلُومًا) لَهُمَا (مِنْ الرِّبْحِ) بِجُزْئِيَّتِهِ كَنِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ، فَلَا يَصِحُّ الْقِرَاضُ عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا مُعَيَّنًا أَوْ مُبْهَمًا مِنْ الرِّبْحِ، أَوْ أَنَّ لِغَيْرِهِمَا مِنْهُ شَيْئًا لِعَدَمِ كَوْنِهِ لَهُمَا. وَالْمَشْرُوطُ لِمَمْلُوكِ أَحَدِهِمَا كَالْمَشْرُوطِ لَهُ، فَيَصِحُّ فِي الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى، أَوْ عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا شَرِكَةً أَوْ نَصِيبًا فِيهِ لِلْجَهْلِ بِحِصَّةِ الْعَامِلِ، أَوْ عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا عَشْرَةً أَوْ رِبْحَ صِنْفٍ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْجُزْئِيَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ لَا يَرْبَحُ غَيْرَ الْعَشَرَةِ أَوْ غَيْرَ رِبْحِ ذَلِكَ الصِّنْفِ فَيَفُوزُ أَحَدُهُمَا بِجَمِيعِ الرِّبْحِ، أَوْ عَلَى أَنَّ لِلْمَالِكِ النِّصْفَ مَثَلًا؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ فَائِدَةُ رَأْسِ الْمَالِ فَهُوَ لِلْمَالِكِ إلَّا مَا يُنْسَبُ مِنْهُ لِلْعَامِلِ وَلَمْ يُنْسَبْ لَهُ شَيْءٌ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ النِّصْفَ مَثَلًا فَيَصِحُّ، وَيَكُونُ الْبَاقِي لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ مَا لِلْعَامِلِ وَالْبَاقِي لِلْمَالِكِ بِحُكْمِ الْأَصْلِ. وَصَحَّ فِي قَوْلِهِ: قَارَضْتُك وَالرِّبْحُ بَيْنَنَا وَكَانَ نِصْفَيْنِ كَمَا لَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو. وَشَرْطٌ فِي الصِّيغَةِ وَهُوَ الرُّكْنُ السَّادِسُ مَا مَرَّ فِيهَا فِي الْبَيْعِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَقَارَضْتُكَ أَوْ عَامَلْتُك فِي كَذَا عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَنَا، فَقَبِلَ الْعَامِلُ لَفْظًا.

(وَ) الرَّابِعُ مِنْ الشُّرُوطِ (أَنْ لَا يُقَدِّرَ) أَحَدُهُمَا الْعَمَلَ (بِمُدَّةٍ) كَسَنَةٍ سَوَاءٌ أَسَكَتَ أَمْ مَنَعَهُ التَّصَرُّفَ أَمْ الْبَيْعَ بَعْدَهَا أَمْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْمُتَقَدِّمِ. وَوَجْهُ كَوْنِهِ خَامِسًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ ذَكَرَ الْمَالَ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ: أَنْ يَكُونَ عَلَى نَاضٍّ إلَخْ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَخِيرُ فِي عَدِّ الْأَرْكَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَرْتِيبَ بَيْنَهَا. وَقَوْلُهُ:" أَنْ يَأْذَنَ رَبُّ الْمَالِ " اشْتَمَلَ عَلَى أَرْكَانٍ ثَلَاثَةٍ، وَهِيَ: الْمَالِكُ وَالْعَامِلُ وَالْعَمَلُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ فِي التَّصَرُّفِ فَيَكُونُ الرِّبْحُ هُوَ الرُّكْنُ الْخَامِسُ فِي كَلَامِهِ. وَاعْتَرَضَ ق ل قَوْلَهُ: " وَالرُّكْنُ الْخَامِسُ " بِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الشُّرُوطِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ مُتَضَمِّنٌ لِذِكْرِ الرُّكْنِ تَأَمَّلْ. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ شَرْطُ الرُّكْنِ.

قَوْلُهُ: (بِجُزْئِيَّتِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِ " مَعْلُومًا " فَخَرَجَ مَا لَوْ كَانَ مَعْلُومًا بِغَيْرِهَا كَالْقَدْرِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ. وَقَدْ أَغْفَلَ الشَّارِحُ هُنَا شَرْطًا تَقْدِيرُهُ كَمَا فِي الْمَنْهَجِ: وَكَوْنُ الرِّبْحِ لَهُمَا مَعْلُومًا إلَخْ، أَشَارَ لِذَلِكَ الشَّارِحُ بَعْدُ بِقَوْلِهِ: لِعَدَمِ كَوْنِهِ لَهُمَا.

قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ الْقِرَاضُ إلَخْ) فَرَّعَ هَذَا فِي الْمَنْهَجِ عَلَى قَوْلِهِ وَشَرْطٌ فِي الرِّبْحِ كَوْنُهُ لَهُمَا، فَلَعَلَّهُ مُقَدَّرٌ هُنَا أَوْ سَقْطٌ مِنْ الْكَاتِبِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ لِعَدَمِ كَوْنِهِ لَهُمَا. وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَفَادَ مِنْ كَلَامِهِ بِتَكَلُّفٍ بِأَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ لَهُمَا حَالًا مِنْ الرِّبْحِ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ:(أَوْ أَنَّ لِغَيْرِهِمَا) كَأَنْ يَقُولَ قَارَضْتُك عَلَى أَنَّ لِي الثُّلُثَ وَلَك الثُّلُثُ وَلِزَوْجَتِي أَوْ ابْنِي الثُّلُثُ ح ل، أَوْ لِفُلَانٍ الْأَجْنَبِيِّ؛ أَيْ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَامِلٍ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ جَعَلَ لِغَيْرِهِمَا مِنْهُ شَيْئًا مَعَ عَدَمِ الْعَمَلِ، فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ الْعَمَلَ فَهُوَ قِرَاضٌ لِاثْنَيْنِ كَمَا قَالَهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ، فَإِذَا قَالَ وَلِمَمْلُوكِي الثُّلُثُ صَحَّ كَمَا سَيَأْتِي.

قَوْلُهُ: (لِمَمْلُوكٍ إلَخْ) خَرَجَ بِهِ مَا شَرَطَ لِأَجِيرِهِ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ لَهُ يَدًا وَمِلْكًا بِخِلَافِ مَمْلُوكِهِ فَإِنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ. اهـ. ع ش. وَفِي م د عَلَى التَّحْرِيرِ: فَمَا شُرِطَ لَهُ أَيْ لِعَبْدِ أَحَدِهِمَا فَهُوَ لِسَيِّدِهِ، فَلَوْ صَرَّحَا بِكَوْنِهِ لِلْعَبْدِ نَفْسِهِ قَالَ الْقَمُولِيُّ: يَنْبَغِي بُطْلَانُهُ عَلَى الصَّحِيحِ إذْ الْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ وَإِنْ مَلَكَهُ سَيِّدُهُ اهـ. قَوْلُهُ: (فِي الثَّانِيَةِ) وَهِيَ قَوْلُهُ: أَوْ أَنَّ لِغَيْرِهِمَا مِنْهُ شَيْئًا، دُونَ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا مُعَيَّنًا أَوْ مُبْهَمًا الرِّبْحَ؛ فَإِنَّهُ إذَا شَرَطَ لِلْمَالِكِ نِصْفَ الرِّبْحِ وَلِمَمْلُوكِهِ النِّصْفَ الْآخَرَ كَانَ كَمَا لَوْ شَرَطَ كُلَّ الرِّبْحِ لِلْمَالِكِ وَإِنْ شَرَطَ لِلْعَامِلِ نِصْفَ الرِّبْحِ وَلِمَمْلُوكِهِ النِّصْفَ الْآخَرَ كَانَ كَمَا لَوْ شَرَطَ جَمِيعَ الرِّبْحِ لِلْعَامِلِ ح ل وز ي. وَقَوْلُهُ: " فَإِنَّهُ إذَا شَرَطَ لِلْمَالِكِ إلَخْ " الْأَوْلَى أَنْ يُصَوَّرَ بِأَنْ يُجْعَلَ الرِّبْحُ كُلُّهُ لِمَمْلُوكِ أَحَدِهِمَا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُ: " عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا إلَخْ " وَإِذَا قَالَ: قَارَضْتُك عَلَى أَنَّ لِي الثُّلُثَ وَلِمَمْلُوكِي الثُّلُثَ وَلَك الثُّلُثَ، فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ جَعَلَ لَهُ الثُّلُثَيْنِ.

فَرْعٌ: يَقَعُ السُّؤَالُ كَثِيرًا عَنْ شَرْطِ جُزْءٍ لِلْمَالِكِ وَجُزْءٍ لِلْعَامِلِ وَجُزْءٍ لِلْمَالِ أَوْ الدَّابَّةِ الَّتِي يَدْفَعُهَا الْمَالِكُ لِلْعَامِلِ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مَالَ الْقِرَاضِ مَثَلًا هَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَوْ بَاطِلٌ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ الظَّاهِرَ صِحَّتُهُ، وَكَأَنَّ الْمَالِكَ شَرَطَ لِنَفْسِهِ جُزْأَيْنِ وَلِلْعَامِلِ جُزْءًا وَهُوَ صَحِيحٌ ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (فَقَبِلَ) إتْيَانُهُ بِالْفَاءِ يَقْتَضِي الْفَوْرِيَّةَ، وَهُوَ كَذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يُقَدِّرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ عَلَى حَلَّ الشَّارِحِ وَبِالْبِنَاءِ

ص: 193

الشِّرَاءَ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الرِّبْحُ فِيهَا، فَإِنْ مَنَعَهُ الشِّرَاءَ فَقَطْ بَعْدَ مُدَّةٍ كَقَوْلِهِ: وَلَا تَشْتَرِ بَعْدَ سَنَةٍ صَحَّ لِحُصُولِ الِاسْتِرْبَاحِ بِالْبَيْعِ الَّذِي لَهُ فِعْلُهُ بَعْدَهَا، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ يَتَأَتَّى فِيهَا الشِّرَاءُ لِغَرَضِ الرِّبْحِ بِخِلَافِ نَحْوِ سَاعَةٍ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِنْ امْتِنَاعِ التَّأْقِيتِ امْتِنَاعُ التَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّ التَّأْقِيتَ أَسْهَلُ مِنْهُ بِدَلِيلِ احْتِمَالِهِ فِي الْإِجَارَةِ وَالْمُسَاقَاةِ، وَيَمْتَنِعُ أَيْضًا تَعْلِيقُ التَّصَرُّفِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ لِمُنَافَاتِهِ غَرَضَ الرِّبْحِ، وَيَجُوزُ تَعَدُّدُ كُلٍّ مِنْ الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُقَارِضَ اثْنَيْنِ مُتَفَاضِلًا وَمُتَسَاوِيًا فِي الْمَشْرُوطِ لَهُمَا مِنْ الرِّبْحِ كَأَنْ يَشْرِطَ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثَ الرِّبْحِ وَلِلْآخَرِ الرُّبُعَ، أَوْ يَشْرِطَ لَهُمَا النِّصْفَ بِالسَّوِيَّةِ سَوَاءٌ أَشَرَطَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مُرَاجَعَةَ الْآخَرِ أَمْ لَا، وَلِمَالِكَيْنِ أَنْ يُقَارِضَا وَاحِدًا وَيَكُونَ الرِّبْحُ بَعْدَ نَصِيبِ الْعَامِلِ بَيْنَهُمَا بِحَسَبِ الْمَالِ. فَإِذَا شَرَطَا لِلْعَامِلِ نِصْفَ الرِّبْحِ وَمَالُ أَحَدِهِمَا مِائَتَانِ وَمَالُ الْآخَرِ مِائَةٌ اقْتَسَمَا النِّصْفَ الْآخَرَ أَثْلَاثًا، فَإِنْ شَرَطَا غَيْرَ مَا تَقْتَضِيهِ النِّسْبَةُ فَسَدَ الْعَقْدُ وَإِنْ فَسَدَ قِرَاضٌ صَحَّ تَصَرُّفُ الْعَامِلِ لِلْإِذْنِ فِيهِ، وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ إنْ لَمْ يَقُلْ وَالرِّبْحُ لِي أُجْرَةُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ مَجَّانًا وَقَدْ فَاتَهُ الْمُسَمَّى،

ــ

[حاشية البجيرمي]

لِلْمَفْعُولِ عَلَى حَلَّ سم وَعِبَارَتُهُ. وَالرَّابِعُ: أَنْ لَا يُقَدِّرَ أَيْ الْقِرَاضَ أَوْ التَّصَرُّفَ بِمُدَّةٍ. وَقَوْلُهُ: " بِمُدَّةٍ " احْتَرَزَ بِهِ عَنْ التَّقْدِيرِ بِمَشِيئَةِ أَحَدِهِمَا كَقَارَضْتُكَ مَا شِئْت أَوْ مَا شِئْت، فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ: لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ.

قَوْلُهُ: (أَمْ الشِّرَاءَ) أَيْ إذَا تَرَاخَى قَوْلُهُ وَلَا تَشْتَرِ بَعْدَهَا بَعْدَ قَوْلِهِ قَارَضْتُك سَنَةً سم ع ش، لِقُوَّةِ التَّأْقِيتِ حِينَئِذٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا ذَكَرَ مَنْعَ الشِّرَاءِ مُتَّصِلًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا يَأْتِي لِضَعْفِ التَّأْقِيتِ حِينَئِذٍ؛ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ بَعْدُ: وَلَا تَشْتَرِ بَعْدَ سَنَةٍ، فَإِنَّهُ صَحِيحٌ سَوَاءٌ ذُكِرَ مُتَّصِلًا أَوْ مُتَرَاخِيًا؛ لِأَنَّ هَذَا فِيمَا لَوْ أَقَّتَ الْقِرَاضَ كَأَنْ قَالَ قَارَضْتُك سَنَةً وَلَا تَشْتَرِ بَعْدَهَا، وَمَا بَعْدَهَا فِيمَا لَمْ يُؤَقَّتْ كَأَنْ قَالَ قَارَضْتُك وَلَا تَشْتَرِ بَعْدَ سَنَةٍ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. وَهَذَا جَوَابٌ آخَرُ وَكَلَامُ الشَّارِحِ يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصِّيَغَ سِتٌّ، فَيَصِحُّ الْعَقْدُ فِي ثِنْتَيْنِ، وَهِيَ مَا إذَا قَالَ قَارَضْتُك سَنَةً وَلَا تَشْتَرِ بَعْدَهَا أَيْ وَكَانَ مُتَّصِلًا بِالْعَقْدِ، وَمَا إذَا قَالَ قَارَضْتُك وَلَا تَشْتَرِ بَعْدَ سَنَةٍ؛ بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَارَضْتُك سَنَةً أَوْ زَادَ وَلَا تَتَصَرَّفْ أَوْ قَالَ وَلَا تَبِعْ بَعْدَهَا أَوْ قَالَ بَعْدَ مُدَّةٍ مُزَارَعَةً وَلَا تَشْتَرِ بَعْدَهَا.

قَوْلُهُ: (وَمَحَلُّهُ) أَيْ مَحَلُّ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ.

قَوْلُهُ: (بِدَلِيلِ احْتِمَالِهِ) الْأَوْلَى اشْتِرَاطُهُ. وَعِبَارَةُ ش قَوْلُهُ: " بِدَلِيلِ احْتِمَالِهِ " أَيْ جَوَازِهِ، وَالْجَوَازُ يُصَدَّقُ بِالْوُجُوبِ فَلَا يُقَالُ التَّأْقِيتُ شَرْطٌ فِيهِمَا؛ اهـ بِحُرُوفِهِ.

قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهَا تَعْلِيقُ التَّصَرُّفِ.

قَوْلُهُ: (وَالْعَامِلُ) أَيْ ابْتِدَاءً، أَمَّا دَوَامًا فَإِنْ قَارَضَ الْعَامِلُ آخَرَ لِيُشَارِكَهُ فِي الْعَمَلِ وَالرِّبْحِ لَمْ يَصِحَّ سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ أَوْ لَا، فَإِنْ قَارَضَهُ لِيَنْفَرِدَ بِالْعَمَلِ وَالرِّبْحِ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَتَصَرُّفُ الْعَامِلِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ غَصْبٌ، فَإِنْ اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِ الْقِرَاضِ لَمْ يَصِحَّ أَوْ فِي ذِمَّةٍ لَهُ أَيْ لِلْعَامِلِ الْأَوَّلِ فَالرِّبْحُ لِلْأَوَّلِ مِنْ الْعَامِلَيْنِ وَعَلَيْهِ لِلثَّانِي أُجْرَتُهُ إنْ عَمِلَ طَامِعًا، وَهَذَا إذَا نَوَى بِالشِّرَاءِ فِي الذِّمَّةِ الْعَامِلَ الْأَوَّلَ أَوْ أَطْلَقَ فَإِنْ نَوَى نَفْسَهُ كَانَ الرِّبْحُ لَهُ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ عَلَى الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ:(فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُقَارِضَ اثْنَيْنِ) وَلَا يُعَامِلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ إذَا شَرَطَ عَلَيْهِمَا الِاشْتِرَاكَ، فَإِنْ انْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَالٍ وَثَبَتَ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ جَازَ لَهُ الشِّرَاءُ مِنْ الْآخَرِ. وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ ز ي.

قَوْلُهُ: (بِحَسَبِ الْمَالِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهِ كَمَا فِي الشَّرِكَةِ ح ل.

قَوْلُهُ: (وَإِذَا فَسَدَ قِرَاضٌ) أَيْ لِفَوَاتِ شَرْطٍ مِنْ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ لِصِحَّتِهِ مِنْ أَوَّلِ الْبَابِ إلَى هُنَا، أَيْ وَكَانَ الْمُقَارِضُ مَالِكًا مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ فَإِنْ كَانَ وَكِيلًا عَنْ غَيْرِهِ أَوْ وَلِيًّا وَفَسَدَ الْقِرَاضُ فَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْعَامِلِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعَاقِدُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ سَفِيهًا فَالْمُرَادُ فَسَدَ بِغَيْرِ عَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْمَالِكِ. وَعِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ: قَوْلُهُ وَإِذَا فَسَدَ قِرَاضٌ أَيْ لِفَوَاتِ شَرْطٍ كَكَوْنِهِ غَيْرَ نَقْدٍ وَالْمُقَارِضُ مَالِكٌ، أَمَّا إذَا فَسَدَ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْعَاقِدِ أَوْ الْمُقَارِضُ وَلِيٌّ أَوْ وَكِيلٌ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ اهـ. قَوْلُهُ:(أُجْرَةُ مِثْلِهِ) وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ رِبْحٌ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ طَامِعًا فِي الْمُسَمَّى وَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ، فَرَجَعَ إلَى الْأُجْرَةِ م ر ع ش قَوْلُهُ:

ص: 194

وَيَتَصَرَّفُ الْعَامِلُ وَلَوْ بِعَرْضٍ

بِمَصْلَحَةٍ

؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الْحَقِيقَةِ وَكِيلٌ لَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَلَا بِنَسِيئَةٍ بِلَا إذْنٍ. وَلِكُلٍّ مِنْ الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ رَدٌّ بِعَيْبٍ إنْ فُقِدَتْ مَصْلَحَةُ الْإِبْقَاءِ، فَإِنْ اخْتَلَفَا عُمِلَ

بِالْمَصْلَحَةِ

فِي ذَلِكَ، وَلَا يُعَامِلُ الْعَامِلُ الْمَالِكَ كَأَنْ يَبِيعَهُ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَهُ، وَلَا يَشْتَرِي بِأَكْثَرَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ رَأْسَ مَالٍ وَرِبْحًا، وَلَا يَشْتَرِي زَوْجُ الْمَالِكِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَلَا مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ بَعْضَهُ بِلَا إذْنٍ مِنْهُ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ فِي غَيْرِ الْأُولَى وَلَا فِي الزَّائِدِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِي الزَّائِدِ فِيهَا، وَلِتَضَرُّرِهِ بِانْفِسَاخِ النِّكَاحِ وَتَفْوِيتِ الْمَالِ فِي غَيْرِهَا إلَّا إنْ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ فَيَقَعُ لِلْعَامِلِ. وَلَا يُسَافِرُ بِالْمَالِ بِلَا إذْنٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ جَازَ لَكِنْ يَجُوزُ فِي الْبَحْرِ إلَّا بِنَصٍّ عَلَيْهِ، وَلَا يُمَوِّنُ مِنْهُ نَفْسَهُ حَضَرًا وَلَا سَفَرًا، وَعَلَيْهِ فِعْلُ مَا يُعْتَادُ فِعْلُهُ كَطَيِّ ثَوْبٍ وَوَزْنٍ خَفِيفٍ كَذَهَبٍ.

(وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْعَامِلِ) بِتَلَفِ الْمَالِ أَوْ بَعْضِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَلَا يَضْمَنُ (إلَّا بِعُدْوَانٍ) مِنْهُ كَتَفْرِيطٍ أَوْ سَفَرٍ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَلَوْ بِعَرْضٍ) بِخِلَافِ غَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ؛ وَفَرَّقَ بِأَنَّ نَقْدَ غَيْرِهَا لَا يَرُوجُ فِيهَا، وَمَفْهُومُ هَذَا أَنَّهُ إنْ رَاجَ جَازَ التَّصَرُّفُ. اهـ. س ل. قَوْلُهُ:(بِمَصْلَحَةٍ) وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا بِثَمَنٍ وَهُوَ لَا يَرْجُو حُصُولَ رِبْحٍ فِيهِ س ل. قَوْلُهُ: (وَكِيلٌ) أَيْ يُشْبِهُ الْوَكِيلَ، فَلَيْسَ وَكِيلًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَلَا يُنَافِي مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ يَبِيعُ بِالْعَرْضِ ح ل.

قَوْلُهُ: (إنْ فُقِدَتْ مَصْلَحَةُ الْإِبْقَاءِ) بِأَنْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي الرَّدِّ أَوْ انْتَفَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي الرَّدِّ وَالْإِبْقَاءِ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: بِأَنْ اسْتَوَى الْحَالُ فِي الرَّدِّ وَالْإِبْقَاءِ فَفِي الْمَطْلَبِ يُجَابُ الْعَامِلُ اهـ. فَقَوْلُ الشَّارِحِ: " إنْ فُقِدَتْ مَصْلَحَةُ الْإِبْقَاءِ " أَيْ وَلَوْ مَعَ فَقْدِ مَصْلَحَةِ الرَّدِّ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ فِي الرَّدِّ أَيْ أَرَادَهُ أَحَدُهُمَا وَأَبَاهُ الْآخَرُ، وَهَذَا مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: ثُمَّ إنْ اتَّفَقَا فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، فَإِنْ اخْتَلَفَا بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا الْمَصْلَحَةُ فِي الرَّدِّ فَأَرُدُّ وَقَالَ الْآخَرُ فِي الْإِبْقَاءِ فَلَا أَرُدُّ

عَمِلَ بِالْمَصْلَحَةِ

، أَيْ عَمِلَ الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّ نَظَرَهُ أَوْسَعُ مِنْهُمَا وَكَذَا الْمُحْكَمُ.

قَوْلُهُ: (الْمَالِكَ) وَلَا وَكِيلَهُ بِمَالِهِ.

قَوْلُهُ: (كَأَنْ يَبِيعَهُ شَيْئًا) بِخِلَافِ شِرَاءِ الْعَامِلِ مَالَ الْقِرَاضِ مِنْ الْمَالِكِ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ فَإِنَّهُ لَا مَحْذُورَ فِيهِ لِتَضَمُّنِهِ فَسْخَ الْقِرَاضِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِشَرْطِ بَقَاءِ الْقِرَاضِ بَطَلَ س ل.

قَوْلُهُ: (وَلَا فِي الزَّائِدِ فِيهَا) أَيْ وَالصُّورَةُ أَنَّ الْعَقْدَ تَعَدَّدَ وَإِلَّا فَيَبْطُلُ الشِّرَاءُ فِي الْجَمِيعِ كَمَا فِي ح ل، وَعِبَارَتُهُ: قَوْلُهُ وَلَا فِي الزَّائِدِ فِيهَا أَيْ فِي الْأُولَى فَلَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ بِالزَّائِدِ لِلْقِرَاضِ وَلَا يَقَعُ لِلْعَامِلِ. وَصُورَةُ الشِّرَاءِ بِأَكْثَرَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ أَنْ يَقَعَ الشِّرَاءُ فِي عَقْدَيْنِ بِأَنْ كَانَ مَالُ الْقِرَاضِ مِائَةً وَاشْتَرَى سِلْعَةً بِمِائَةٍ أَوْ بِعَيْنِ تِلْكَ الْمِائَةِ أَوْ فِي الذِّمَّةِ وَلَمْ يَنْقُدْهَا ثُمَّ اشْتَرَى بِخَمْسِينَ مِنْ تِلْكَ الْمِائَةِ أَوْ بِهَا، فَإِنَّ الشِّرَاءَ الثَّانِيَ بَاطِلٌ لِمَحَلِّ الْمِائَةِ لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ:(فَيَقَعُ لِلْعَامِلِ) وَإِنْ صَرَّحَ بِالْوَكَالَةِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَجُوزُ شِرَاءُ الشَّيْءِ لِلْقِرَاضِ وَاشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِ الْقِرَاضِ كَانَ لِلْقِرَاضِ وَإِنْ نَوَى نَفْسَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ كَزَوْجِ الْمَالِكِ وَمَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ مَثَلًا، فَإِنْ كَانَ بِعَيْنِ مَالِ الْقِرَاضِ بَطَلَ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ وَقَعَ لَهُ أَيْ لِلْعَامِلِ مُطْلَقًا، وَإِنْ نَوَى الْقِرَاضَ وَإِنْ كَانَ الشِّرَاءُ فِي الذِّمَّةِ وَكَانَ يَجُوزُ شِرَاؤُهُ لِلْقِرَاضِ، فَإِنْ نَوَى الْقِرَاضَ أَوْ أَطْلَقَ كَانَ لَهُ وَإِنْ نَوَى نَفْسَهُ كَانَ لَهُ.

قَوْلُهُ: (مِنْ الْخَطَرِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْخَطَرُ الْإِشْرَافُ عَلَى الْهَلَاكِ أَوْ خَوْفُ التَّلَفِ.

قَوْلُهُ: (جَازَ) ثُمَّ إنْ عَيَّنَ بَلَدًا تَعَيَّنَ، وَإِلَّا مَا اُعْتِيدَ لِأَهْلِ بَلَدِ الْقِرَاضِ السَّفَرُ إلَيْهِ س ل.

قَوْلُهُ: (فِي الْبَحْرِ) وَمِثْلُهُ الْأَنْهَارُ الْعَظِيمَةُ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يُمَوِّنُ مِنْهُ نَفْسَهُ) فَلَوْ شَرَطَ الْمُؤْنَةَ فِي الْعَقْدِ فَسَدَ وَإِنْ قُدِّرَتْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُخَالِفُ مُقْتَضَاهُ وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا مَا شَرَطَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ.

قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ فِعْلُ إلَخْ) مَعْنَى كَوْنِهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ اكْتَرَى مِنْ فِعْلِهِ فَالْأُجْرَةُ فِي مَالِهِ وَلَهُ اكْتِرَاءٌ لِغَيْرِ مَا عَلَيْهِ فِعْلُهُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ، وَلَوْ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ شَرْحُ الْمَنْهَجِ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ:(وَوَزْنٍ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى طَيٍّ وَضَبَطَهُ الْمَحَلِّيُّ بِالرَّفْعِ، وَمُقْتَضَاهُ وُجُوبُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُعْتَدَّ وَعِبَارَةُ م ر، وَوَزْنُ الْخَفِيفِ وَإِنْ لَمْ يُعْتَدَّ فَرَفْعُهُ مُتَعَيِّنٌ كَمَا ضَبَطَهُ الشَّارِحُ.

قَوْلُهُ: (إلَّا بِعُدْوَانٍ) فَإِنْ قَصَّرَ فِي حِفْظِهِ أَوْ اسْتَعْمَلَهُ لِغَيْرِ جِهَةِ الْقِرَاضِ أَوْ سَافَرَ بِهِ بِلَا إذْنٍ أَوْ فِي الْبَحْرِ بِلَا نَصٍّ وَخَلَطَ مَالَ الْقِرَاضِ بِمَالِ نَفْسِهِ أَوْ بِمَالِ مُقَارِضٍ لَهُ آخَرُ أَوْ بِمَالِ آخَرَ لِذَلِكَ الْمُقَارِضِ وَقَدْ قَارَضَهُ عَلَيْهِمَا فِي عَقْدَيْنِ أَوْ أَخَذَ لِلْقِرَاضِ مَا عَسُرَ عَنْهُ أَوْ قَصَّرَ ثَوْبَ الْقِرَاضِ أَوْ صَبَغَهُ بِلَا

ص: 195

بِغَيْرِ إذْنٍ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي التَّلَفِ إذَا أَطْلَقَ، فَإِنْ أَسْنَدَهُ إلَى سَبَبٍ فَعَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي فِي الْوَدِيعَةِ، وَيَمْلِكُ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ بِقِسْمَةٍ لَا بِظُهُورٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَهَا بِالظُّهُورِ لَكَانَ شَرِيكًا فِي الْمَالِ فَيَكُونُ النَّقْصُ الْحَاصِلُ بَعْدَ ذَلِكَ مَحْسُوبًا عَلَيْهِمَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ إنَّمَا يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ بِالْقِسْمَةِ إنْ نَضَّ رَأْسُ الْمَالِ وَفُسِخَ الْعَقْدُ حَتَّى لَوْ حَصَلَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَقَطْ نَقْصٌ جُبِرَ بِالرِّبْحِ الْمَقْسُومِ، وَيَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ أَيْضًا بِنَضُوضِ الْمَالِ وَالْفَسْخِ بِلَا قِسْمَةٍ، وَلِلْمَالِكِ مَا حَصَلَ مِنْ مَالِ قِرَاضٍ كَثَمَرٍ وَنِتَاجٍ

ــ

[حاشية البجيرمي]

إذْنٍ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ، وَلَوْ مَاتَ الْعَامِلُ لَمْ تُسْمَعْ الدَّعْوَى عَلَى وَرَثَتِهِ إلَّا إنْ ادَّعَى تَفْرِيطَ مُوَرِّثِهِمْ أَوْ أَنَّ الْمَالَ بِأَيْدِيهِمْ فَيَحْلِفُونَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ فِي الْأُولَى وَعَلَى الْبَتِّ فِي الثَّانِيَةِ؛ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ. فَرْعٌ: لَوْ اسْتَعْمَلَ الْعَامِلُ دَوَابَّ الْقِرَاضِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ مِنْ مَالِهِ لِلْمَالِكِ، وَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ دَوَابِّ الْقِرَاضِ إلَّا بِإِذْنِ الْعَامِلِ فَإِنْ خَالَفَ فَلَا شَيْءَ فِيهِ سِوَى الْإِثْمِ اهـ سم. فَرْعٌ: يَحْرُمُ وَطْءُ جَارِيَةِ الْقِرَاضِ وَتَزْوِيجُهَا، وَلَيْسَ وَطْءُ الْمَالِكِ لَهَا فَسْخًا وَلَا مُوجِبًا مَهْرًا، وَاسْتِيلَادُهُ كَإِعْتَاقِهِ وَيَغْرَمُ لِلْعَامِلِ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ، فَإِنْ وَطِئَ الْعَامِلُ عَالِمًا وَلَا رِبْحَ حُدَّ وَإِلَّا فَلَا وَيَثْبُتُ الْمَهْرُ وَيُجْعَلُ فِي مَالِ الْقِرَاضِ، أَيْ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِفِعْلِهِ؛ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ وَغَيْرِهِ حَيْثُ اعْتَمَدَ أَنَّهُ لِلْمَالِكِ وَقَالَ: إنَّ الْأَوَّلَ طَرِيقَةٌ عِنْدَهُمَا ز ي. قَوْلُهُ: (وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي التَّلَفِ إذَا أَطْلَقَ) نَعَمْ لَوْ أَخَذَ مَا لَا يُمْكِنُهُ الْقِيَامُ بِهِ فَتَلِفَ بَعْضُهُ ضَمِنَهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَاعْتَمَدَهُ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ؛ لِأَنَّهُ فَرَّطَ بِأَخْذِهِ وَيَتَعَيَّنُ طَرْدُهُ فِي الْوَكِيلِ وَالْوَدِيعِ وَالْوَصِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأُمَنَاءِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ كَالْأَذْرَعِيِّ شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ: " فَتَلِفَ " أَيْ بَعْدَ عَمَلِهِ فِيهِ كَمَا هُوَ نَصُّ الْبُوَيْطِيِّ، وَقَوْلُهُ:" ضَمِنَهُ " أَيْ وَإِنْ عَلِمَ الْمَالِكُ كَمَا نَقَلَهُ سم عَنْ شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِابْنِ حَجَرٍ؛ كَذَا بِخَطِّ الرَّشِيدِيِّ، وَفِي شَرْحِ الْمُنَاوِيِّ عَلَى مَتْنِ عِمَادِ الرِّضَا فِي آدَابِ الْقَضَاءِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ مَا نَصُّهُ: وَقَيَّدَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِمَا إذَا ظَنَّ الْمَالِكُ قُدْرَتَهُ عَلَى جَمِيعِهِ أَوْ جَهِلَ أَمَّا إذَا عَلِمَ فَلَا ضَمَانَ اهـ بِحُرُوفِهِ.

قَوْلُهُ: (فَعَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي فِي الْوَدِيعَةِ) وَهُوَ أَنْ يُصَدَّقَ بِيَمِينِهِ فِي أَرْبَعِ صُوَرٍ إذَا لَمْ يَذْكُرْ سَبَبًا، أَوْ ذَكَرَ سَبَبًا خَفِيًّا كَسَرِقَةٍ، أَوْ ظَاهِرًا كَحَرِيقٍ عُرِفَ دُونَ عُمُومِهِ، أَوْ عُرِفَ هُوَ وَعُمُومُهُ وَاتُّهِمَ. وَيُصَدَّقُ بِلَا يَمِينٍ فِي صُورَةٍ، وَهِيَ مَا إذَا ذَكَرَ سَبَبًا ظَاهِرًا عُرِفَ هُوَ وَعُمُومُهُ وَلَمْ يُتَّهَمْ، وَيُصَدَّقُ بِالْيَمِينِ وَالْبَيِّنَةِ مَعًا فِي صُورَةٍ وَهِيَ مَا إذَا جَهِلَ السَّبَبَ الظَّاهِرَ فَإِنَّهُ يُطَالِبُ بِالْبَيِّنَةِ بِوُجُودِهِ ثُمَّ يَحْلِفُ أَنَّ التَّلَفَ بِهِ. فَالصُّوَرُ سِتَّةٌ، لَكِنْ هَلْ مِنْ السَّبَبِ الْخَفِيِّ مَا لَوْ ادَّعَى مَوْتَ الْحَيَوَانِ أَمْ لَا بَلْ هُوَ مِنْ الظَّاهِرِ لِإِمْكَانِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ إنْ غَلَبَ حُصُولُ الْعِلْمِ بِمَوْتِهِ لِأَهْلِ مَحَلَّتِهِ كَمَوْتِ جَمَلٍ فِي قَرْيَةٍ أَوْ مَحَلَّةٍ كَانَ مِنْ الظَّاهِرِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَإِلَّا كَأَنْ كَانَ بِبَرِّيَّةٍ أَوْ كَانَ الْحَيَوَانُ صَغِيرًا لَا يُعْلَمُ مَوْتُهُ عَادَةً كَدَجَاجَةٍ قُبِلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْخَفِيِّ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ:(بِقِسْمَةٍ لَا بِظُهُورٍ) لَكِنْ يَثْبُتُ لَهُ فِيهِ حَقٌّ مُؤَكَّدٌ فَيُوَرَّثُ عَنْهُ وَيَتَقَدَّمُ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ وَيَصِحُّ إعْرَاضُهُ عَنْهُ وَيَغْرَمُهُ الْمَالِكُ بِإِتْلَافِهِ لِلْمَالِ شَرْحُ م ر. قَالَ م د: عُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي مَقَامَيْنِ، مَقَامِ مِلْكٍ فَقَطْ وَمَقَامِ اسْتِقْرَارِ مِلْكٍ، فَبِالْقِسْمَةِ يَمْلِكُ حِصَّتَهُ حَتَّى لَوْ حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ نَقْصٌ كَانَ مَحْسُوبًا عَلَيْهِمَا وَالِاسْتِقْرَارُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَ نَضُوضِ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ فَسْخِ الْعَقْدِ أَوْ بِنَضُوضِ الْمَالِ وَالْفَسْخِ وَلَوْ بِلَا قِسْمَةٍ؛ هَذَا حَاصِلُ كَلَامِهِ اهـ.

قَوْلُهُ: (مَحْسُوبًا عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ.

قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ كَذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ بِالرِّبْحِ فَهُوَ مَحْسُوبٌ عَلَى الرِّبْحِ، مِثَالُ ذَلِكَ الْمَالِ مِائَةٌ وَالرِّبْحُ مِائَةٌ ثُمَّ حَصَلَ خُسْرُ مِائَةٍ فَتَكُونُ هِيَ الرِّبْحُ فَيَرْجِعُ الْمَالُ إلَى مِائَةٍ، فَلَوْ مَلَكَ الْعَامِلُ حِصَّتَهُ بِالظُّهُورِ لَكَانَ لَهُ نِصْفُ الرِّبْحِ فَإِذَا حَصَلَ خُسْرُ مِائَةٍ عَلَى مَا مَرَّ كَانَ ذَلِكَ الْخُسْرُ مُوَزَّعًا عَلَى الرِّبْحِ وَأَصْلُ الْمَالِ فَيَخُصُّ الْمَالِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْخُسْرِ وَالْعَامِلَ رُبُعُ الْخُسْرِ؛ لِأَنَّ حِصَّةَ الْعَامِلِ حِينَئِذٍ خَمْسُونَ وَهِيَ رُبُعُ الْمَالِ فَيَخُصُّهُ مِنْ الْخُسْرَانِ رُبْعُهُ وَهُوَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَالْبَاقِي وَهُوَ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ عَلَى الْمَالِكِ.

قَوْلُهُ: (إنْ نَضَّ) أَيْ صَارَ نَاضًّا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ.

قَوْلُهُ: (فَقَطْ) أَيْ بِلَا تَنْضِيضٍ وَلَا فَسْخٍ.

قَوْلُهُ: (مَا حَصَلَ) خَرَجَ بِمَا

ص: 196

وَكَسْبٍ وَمَهْرٍ وَغَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الزَّوَائِدِ الْعَيْنِيَّةِ الْحَاصِلَةِ بِغَيْرِ تَصَرُّفِ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فَوَائِدِ التِّجَارَةِ

(وَإِذَا حَصَلَ) فِيمَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ (رِبْحٌ وَخُسْرَانٌ) بَعْدَهُ بِسَبَبِ رُخْصٍ أَوْ عَيْبٍ حَادِثٍ (جُبِرَ الْخُسْرَانُ) الْحَاصِلُ بِرُخْصٍ أَوْ عَيْبٍ حَادِثٍ (بِالرِّبْحِ) لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ ذَلِكَ. وَكَذَا لَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ بَعْدَ تَصَرُّفِ الْعَامِلِ بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ قِيَاسًا عَلَى مَا مَرَّ. وَلَوْ أَخَذَ الْمَالِكُ بَعْضَهُ قَبْلَ ظُهُورِ رِبْحٍ وَخُسْرٍ رَجَعَ رَأْسُ الْمَالِ لِلْبَاقِي بَعْدَ الْمَأْخُوذِ، أَوْ أَخَذَ بَعْضَهُ بَعْدَ ظُهُورِ رِبْحٍ فَالْمَالُ الْمَأْخُوذُ رِبْحٌ وَرَأْسُ مَالٍ؛ مِثَالُهُ الْمَالُ مِائَةٌ وَالرِّبْحُ عِشْرُونَ، وَأَخَذَ عِشْرِينَ فَسُدُسُهَا وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ سُدُسُ الْمَالِ فَيَسْتَقِرُّ لِلْعَامِلِ الْمَشْرُوطِ لَهُ مِنْهُ، وَهُوَ وَاحِدٌ وَثُلُثَانِ إنْ شَرَطَ لَهُ نِصْفَ الرِّبْحِ أَوْ أَخَذَ بَعْضَهُ بَعْدَ ظُهُورِ خُسْرٍ فَالْخُسْرُ مُوَزَّعٌ عَلَى الْمَأْخُوذِ، وَبِالْبَاقِي مِثَالُهُ الْمَالُ مِائَةٌ وَالْخُسْرُ عِشْرُونَ، وَأَخَذَ عِشْرِينَ فَحِصَّتُهَا مِنْ الْخُسْرِ رُبُعُ الْخُسْرِ فَكَأَنَّهُ أَخَذَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، فَيَعُودُ رَأْسُ الْمَالِ إلَى خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ وَيُصَدَّقُ الْعَامِلُ فِي عَدَمِ الرِّبْحِ وَفِي قَدْرِهِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

حَصَلَ مِنْهُ الظَّاهِرُ فِي حُدُوثِهِ مِنْهُ مَا لَوْ اشْتَرَى حَيَوَانًا حَامِلًا أَوْ شَجَرًا عَلَيْهِ ثَمَرٌ غَيْرُ مُؤَبَّرٍ، فَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْوَلَدَ وَالثَّمَرَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ شَرْحُ م ر.

قَوْلُهُ: (وَمَهْرٍ) أَيْ بِغَيْرِ وَطْءِ الْعَامِلِ وَإِلَّا فَهُوَ مَالُ قِرَاضٍ كَمَا قَالَهُ ق ل، لِكَوْنِهِ تَرَتَّبَ عَلَى فِعْلِهِ، وَاعْتَمَدَهُ ز ي. وَقَالَ ح ل: وَمَهْرٍ، أَيْ وَلَوْ بِفِعْلِ الْعَامِلِ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ إنْ كَانَ ثَمَّ رِبْحٌ وَإِلَّا حُدَّ اهـ. وَالْمَهْرُ عَلَى مَنْ وَطِئَ أَمَةَ الْقِرَاضِ بِشُبْهَةٍ مِنْهَا أَوْ زِنًا مُكْرَهَةً أَوْ مُطَاوِعَةً وَهِيَ مِمَّنْ لَا يُعْتَبَرُ مُطَاوَعَتُهَا أَوْ نِكَاحُهَا. اهـ. سم.

قَوْلُهُ: (بَعْدَهُ) أَوْ قَبْلَهُ سم. قَوْلُهُ: (أَوْ عَيْبٍ حَادِثٍ) صُورَةُ هَذِهِ أَنَّهُ اشْتَرَى عَرْضًا بِعِشْرِينَ فَصَارَ يُسَاوِي ثَلَاثِينَ، ثُمَّ رَجَعَ لِلْعِشْرِينِ بِالرُّخْصِ فَكَأَنَّ الْمَالَ لَمْ يَرْبَحْ.

قَوْلُهُ: (جُبِرَ الْخُسْرَانُ بِالرِّبْحِ) أَيْ إذَا تَأَكَّدَ الْعَمَلُ بِأَنْ دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا فَاشْتَرَى بِهِ شَيْئًا فَتَلِفَ بَعْضُهُ أَوْ رَخُصَ السِّعْرُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَامِلِ، إذْ الرِّبْحُ هُنَا وِقَايَةٌ لِرَأْسِ الْمَالِ، أَمَّا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ مِائَتَيْنِ مَثَلًا فَتَلِفَتْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ التَّصَرُّفِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تَتْلَفُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَيَكُونُ رَأْسُ الْمَالِ مِائَةً، شَرْحُ الدِّمْيَاطِيِّ. وَقَدْ أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَكَذَا لَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ بِجِنَايَةٍ وَتَعَذَّرَ أَخْذُ بَدَلِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (الْحَاصِلُ إلَخْ) الْأَنْسَبُ وَالْأَخْصَرُ أَنْ يَقُولَ: الْمَذْكُورُ ق ل. قَوْلُهُ: (بِآفَةٍ أَوْ بِجِنَايَةٍ) كَغَصْبٍ وَتَعَذَّرَ أَخْذُ بَدَلِهِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ، فَإِنْ أَخَذَ بَدَلَهُ اسْتَمَرَّ فِيهِ الْقِرَاضُ.

قَوْلُهُ: (بَعْدَ تَصَرُّفِ الْعَامِلِ) فَإِنْ تَلِفَ بِذَلِكَ قَبْلَهُ فَلَا يُجْبَرُ بِهِ بَلْ يُحْسَبُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَأَكَّدْ بِالْعَمَلِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ النَّقْصُ بِرُخْصٍ أَوْ عَيْبٍ حَادِثٍ. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: " لَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ " مَا لَوْ تَلِفَ كُلُّهُ فَإِنَّ الْقِرَاضَ يَرْتَفِعُ سَوَاءٌ كَانَ التَّلَفُ بِآفَةٍ أَمْ بِإِتْلَافِ الْمَالِكِ أَمْ الْعَامِلِ أَمْ أَجْنَبِيٍّ، لَكِنْ يَسْتَقِرُّ نَصِيبُ الْعَامِلِ مِنْ الرِّبْحِ فِي إتْلَافِ الْمَالِكِ وَيَبْقَى الْقِرَاضُ فِي الْبَدَنِ إنْ أَخَذَهُ فِي إتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ وَكَذَا الْعَامِلُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ بِإِتْلَافِهِ. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (فَالْمَالُ الْمَأْخُوذُ رِبْحٌ إلَخْ) هَذَا إنْ أَخَذَ بِغَيْرِ رِضَا الْعَامِلِ أَوْ بِرِضَاهُ وَصَرَّحَا بِالْإِشَاعَةِ أَوْ أَطْلَقَا، فَإِنْ قَصَدَ الْأَخْذَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ اخْتَصَّ بِهِ أَوْ مِنْ الرِّبْحِ فَكَذَلِكَ يَمْلِكُ الْعَامِلُ مِمَّا بِيَدِهِ قَدْرَ حِصَّتِهِ عَلَى الْإِشَاعَةِ؛ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمَطْلَبِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. فَإِنْ اخْتَلَفَ قَصْدُهُمَا عَمِلَ بِقَصْدِ الْمَالِكِ، شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ:(رِبْحٌ وَرَأْسُ مَالٍ) أَيْ عَلَى النِّسْبَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ مَجْمُوعِهِمَا فَلَا يُجْبَرُ بِالرِّبْحِ خُسْرٌ يَقَعُ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ الْأَخْذِ.

قَوْلُهُ: (فَيَسْتَقِرُّ لِلْعَامِلِ) أَيْ وَهُوَ قَرْضٌ فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ، وَلِلْعَامِلِ أَنْ يَمْلِكَ مِمَّا فِي يَدِهِ قَدْرَ ذَلِكَ ح ل، قَوْلُهُ:(الْمَشْرُوطُ لَهُ إلَخْ) فَعُلِمَ أَنَّ بَاقِيَ الْمَأْخُوذِ وَهُوَ سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَيَعُودُ إلَى ثَلَاثَةٍ وَثَمَانِينَ وَثُلُثٍ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (فَحِصَّتُهَا مِنْ الْخُسْرِ رُبُعُ الْخُسْرِ) ؛ لِأَنَّ الْخُسْرَانَ إذَا وُزِّعَ عَلَى الثَّمَانِينَ خَصَّ كُلَّ عِشْرِينَ خَمْسَةٌ، فَالْعِشْرُونَ الْمَأْخُوذَةُ حِصَّتُهَا خَمْسَةٌ شَرْحُ م ر، وَالسِّتُّونَ الْبَاقِيَةُ عِنْدَ الْعَامِلِ يَخُصُّهَا مِنْ الْخُسْرَانِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَالْجُمْلَةُ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا حَصَلَ رِبْحٌ جَبَرْنَا السِّتِّينَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ الَّتِي تَخُصُّهَا فَيَصِيرُ رَأْسُ الْمَالِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ.

قَوْلُهُ: (فَيَعُودُ رَأْسُ الْمَالِ إلَى خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ) أَيْ حُكْمًا؛ لِأَنَّ كُلَّ عِشْرِينَ مِنْ السِّتِّينَ الْبَاقِيَةِ مُتَحَمِّلَةٌ خَمْسَةً مِنْ الْخُسْرِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا حَصَلَ رِبْحٌ بَعْدَ ذَلِكَ أُخِذَ مِنْهُ خَمْسَةٌ وَجُعِلَتْ رَأْسَ مَالٍ مَضْمُومَةً إلَى السِّتِّينَ الْبَاقِيَةِ فَيَكُونُ رَأْسُ الْمَالِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ بِالْقُوَّةِ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْعِشْرِينَ الْمَأْخُوذَةِ. وَالْعِشْرِينَ الْخُسْرِ سِتُّونَ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: حَتَّى لَوْ بَلَغَ ثَمَانِينَ لَمْ يَأْخُذْ الْمَالِكُ الْجَمِيعَ بَلْ تُقَسَّمُ الْخَمْسَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ إنْ شَرَطَا

ص: 197