المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل: في الرهن - حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب - جـ ٣

[البجيرمي]

فهرس الكتاب

- ‌ كِتَابُ الْبُيُوعِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الرِّبَا

- ‌[فَرَع لَوْ تلف الْمَبِيع بِآفَةِ فِي زَمَن الْخِيَار قَبْلَ الْقَبْضِ]

- ‌فَصْلٌ فِي السَّلَمِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الرَّهْنِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْحَجْرِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الصُّلْحِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْحَوَالَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الضَّمَانِ

- ‌فَصْلٌ: فِي كَفَالَةِ الْبَدَنِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الشَّرِكَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْوَكَالَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْإِقْرَارِ

- ‌فَصْلٌفِي الْعَارِيَّةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْغَصْبِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الشُّفْعَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْقِرَاضِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْمُسَاقَاةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْإِجَارَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْجَعَالَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمُخَابَرَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْوَقْفِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْهِبَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي اللُّقَطَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي أَقْسَامِ اللُّقَطَةِ]

- ‌فَصْلٌ: فِي اللَّقِيطِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْوَدِيعَةِ

- ‌[فَرْعٌ أَقَرَّتْ حَامِلٌ بِالرِّقِّ]

- ‌كِتَابُ بَيَانِ أَحْكَامِ الْفَرَائِضِ وَالْوَصَايَا

- ‌فَصْلٌ: فِي الْوَصِيَّةِ

- ‌كِتَابُ النِّكَاحِ

- ‌فَصْلٌ: فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْأَوْلِيَاءِ]

- ‌فَصْلٌ: فِي مُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الصَّدَاقِ

- ‌[فَرْعٌ لَوْ أَصْدَقَ حِفْظَ الْقُرْآنِ]

- ‌فَصْلٌ: فِي الْقَسْمِ وَالنُّشُوزِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْخُلْعِ

- ‌فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ

- ‌[فَصْلٌ أَقْسَام الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ حُرًّا كَانَ أَوْ رَقِيقًا مِنْ الطَّلْقَاتِ]

- ‌[فَرْعٌ لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِنَحْوِ دُخُولِهِ فَحُمِلَ سَاكِتًا قَادِرًا عَلَى الِامْتِنَاعِ وَأُدْخِلَ]

- ‌فَصْلٌ: فِي الرَّجْعَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي بَيَانِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ حِلُّ الْمُطَلَّقَةِ

الفصل: ‌فصل: في الرهن

يُطَالِبُهُ بِقِيمَتِهِ، وَإِنْ امْتَنَعَ الْمُسَلِّمُ مِنْ قَبُولِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّسْلِيمِ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِهِ لِتَضَرُّرِهِ بِذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ أُجْبِرَ عَلَى قَبُولِهِ إنْ كَانَ لِلْمُؤَدِّي غَرَضٌ صَحِيحٌ كَتَحْصِيلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، وَلَوْ اتَّفَقَ كَوْنُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ بِصِفَةِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ فَأَحْضَرَهُ وَجَبَ قَبُولُهُ.

‌فَصْلٌ: فِي الرَّهْنِ

وَهُوَ لُغَةً الثُّبُوتُ وَمِنْهُ الْحَالَةُ الرَّاهِنَةُ وَشَرْعًا جَعْلُ عَيْنٍ مَالِيَّةٍ وَثِيقَةٍ بِدَيْنٍ يَسْتَوْفِي مِنْهَا عِنْدَ تَعَذُّرِ وَفَائِهِ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (لَمْ يَلْزَمْهُ الْأَدَاءُ) لِتَضَرُّرِ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا لَا مُؤْنَةَ لِنَقْلِهِ كَيَسِيرِ نَقْدٍ وَمَالُهُ مُؤْنَةٌ وَتَحَمُّلُهَا بِالْمُسَلِّمِ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ حِينَئِذٍ م ر. وَقَالَ س ل: لَمْ يَلْزَمْهُ الْأَدَاءُ أَشَارَ بِنَفْيِ الْأَدَاءِ خَاصَّةً إلَى أَنَّ لَهُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَإِلْزَامُهُ بِالسَّفَرِ مَعَهُ إلَى مَكَانِ التَّسْلِيمِ أَوْ بِالتَّوْكِيلِ وَلَا يُحْبَسُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُطَالِبُهُ بِقِيمَتِهِ) وَلَوْ لِلْحَيْلُولَةِ لِامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ كَمَا مَرَّ، فَلَهُ الْفَسْخُ وَاسْتِرْدَادُ رَأْسِ الْمَالِ كَمَا لَوْ انْقَطَعَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ أَوْ تَحَمَّلَهَا الْمُسَلِّمُ فَيَلْزَمُ الْمُسَلَّمَ إلَيْهِ الْأَدَاءُ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (لِغَرَضٍ صَحِيحٍ) كَأَنْ كَانَ لِنَقْلِهِ مِنْهُ إلَى مَحِلِّ التَّسْلِيمِ مُؤْنَةٌ وَلَمْ يَتَحَمَّلْهَا الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ، أَوْ كَانَ الْمَوْضِعُ أَوْ الطَّرِيقُ مَخُوفًا؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. فَإِنْ رَضِيَ بِأَخْذِهِ لَمْ يَجِبْ لَهُ مُؤْنَةُ النَّقْلِ، بَلْ لَوْ بَذَلَهَا لَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ قَبُولُهَا لِأَنَّهُ كَالِاعْتِيَاضِ. اهـ. م ر. فَإِنْ اسْتَأْجَرَ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ لِمَنْ يَحْمِلُهُ فَلَا اعْتِيَاضَ فَحِينَئِذٍ لِلْمُسَلِّمِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ أَخْذِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ، وَيَقُولَ لِلْمُسَلَّمِ إلَيْهِ: أَرْسِلْهُ إلَى مَحَلِّ التَّسْلِيمِ.

قَوْلُهُ: (أُجْبِرَ عَلَى قَبُولِهِ) أَيْ عَيْنًا نَظِيرَ مَا مَرَّ لِكَوْنِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التَّسْلِيمِ.

قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ لِلْمُؤَدِّي إلَخْ) لَيْسَ بِقَيْدٍ.

قَوْلُهُ: (بِصِفَةِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ) كَأَنْ أَسْلَمَ إلَيْهِ جَارِيَةً صَغِيرَةً فِي جَارِيَةٍ كَبِيرَةٍ مَوْصُوفَةٍ بِأَوْصَافٍ فَكَبِرَتْ عِنْدَهُ مُتَّصِفَةً بِالصِّفَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا حَتَّى صَارَتْ كَالْمُسَلَّمِ فِيهِ، وَإِنْ وَطِئَهَا مَا لَمْ تَحْبَلْ مِنْهُ. اهـ. ز ي وَم د.

[فَصْلٌ فِي الرَّهْنِ]

ِ قَوْلُهُ وَهُوَ لُغَةً الثُّبُوتُ هَذَا ظَاهِرٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرُ رَهَنَ لَازِمًا بِمَعْنَى دَامَ وَثَبَتَ لَكِنَّهُ لَا يُنَاسِبُ قَوْلُهُ الْآتِي مَعْنَاهُ فَارْهَنُوا أَمَّا إذَا جُعِلَ مَصْدَرًا لِرَهَنَ مُتَعَدِّيًا فَإِنَّمَا يُنَاسِبُ أَنْ يُقَالَ هُوَ لُغَةً الْإِثْبَاتُ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَطْلَقَ الثُّبُوتَ الَّذِي هُوَ أَثَرُ الْإِثْبَاتِ وَأَرَادَ الْإِثْبَاتَ نَفْسَهُ لَكِنَّهُ لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ وَمِنْهُ الْحَالَةُ الرَّاهِنَةُ وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ رَهَنَ بِمَعْنَى ثَبَتَ وَدَامَ لِأَنَّ الْأَرْكَانَ الْآتِيَةَ لَا تُنَاسِبُهُ. اهـ. ع ش وَرَهَنَ أَفْصَحُ مِنْ أَرْهَنَ بَلْ مَنَعَ الْأَزْهَرِيُّ الثَّانِيَةَ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّوْبَرِيُّ.

قَوْلُهُ: (جَعْلُ عَيْنٍ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ بَعْدَ حَذْفِ الْفَاعِلِ، تَقْدِيرُهُ: حَمْلُ الْمَالِكِ أَوْ مَنْ قَامَ مَقَامَهُ عَيْنًا وَثِيقَةً إلَخْ. وَدَخَلَ تَحْتَهُ الْعَقْدُ وَالصِّيغَةُ. وَقَوْلُهُ " عَيْنٍ مَالِيَّةٍ "، هِيَ الْمَرْهُونُ، وَقَوْلُهُ " وَثِيقَةٍ بِدَيْنٍ " هُوَ الْمَرْهُونُ بِهِ، فَاشْتَمَلَ التَّعْرِيفُ عَلَى الْأَرْكَانِ. وَقَوْلُهُ " يَسْتَوْفِي " تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ " وَثِيقَةٍ " وَخَرَجَ بِهَذَا الْقَيْدِ غَيْرُ الْمَمْلُوكِ كَالْمَوْقُوفِ وَالْمَغْصُوبِ.

قَوْلُهُ: (يَسْتَوْفِي) أَيْ الدَّيْنَ أَوْ بَعْضَهُ مِنْهَا. فَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَرْهُونِ قَدْرَ الدَّيْنِ، فَلَوْ رَهَنَ عِنْدَهُ حُجَّةَ بَيْتٍ مَثَلًا كَانَتْ تِلْكَ الْوَرَقَةُ وَحْدَهَا مَرْهُونَةً، وَأَمَّا الْبَيْتُ فَلَا يَحْصُلُ قَبْضُهُ إلَّا بِالتَّخْلِيَةِ وَهَذَا، أَعْنِي قَوْلَهُ " يَسْتَوْفِي مِنْهُ " لَيْسَ مِنْ التَّعْرِيفِ بَلْ بَيَانٌ لِغَايَتِهِ، وَقِيلَ: إنَّهُ مِنْهُ لِإِخْرَاجِ مَا لَا يَصِحُّ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ كَالْمَوْقُوفِ. قَوْلُهُ: (مِنْهَا) مِنْ ابْتِدَائِيَّةٍ فَيَشْمَلُ مَا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ مُسَاوِيَةً لَهُ. وَجَعْلُهَا تَبْعِيضِيَّةً يَقْتَضِي أَنَّ الرَّهْنَ أَكْثَرُ قِيمَةً مِنْهَا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَقَالَ ق ل: وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ كَوْنُ الْمَرْهُونِ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ إلَّا فِي رَهْنِ وَلِيٍّ عَلَى مَالِ مَحْجُورٍ اهـ. وَقَوْلُهُ " عِنْدَ تَعَذُّرِ " لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَقَوْلُهُ " وَفَائِهِ " قَالَ الرَّمْلِيُّ: لِلْحَاكِمِ تَعْزِيرُ الْمُمْتَنِعِ مِنْ أَدَاءِ دَيْنٍ عَلَيْهِ بَعْدَ طَلَبِ مُسْتَحِقِّهِ مِنْهُ بِحَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ وَإِنْ زَادَ عَلَى التَّعْزِيرِ بَلْ وَإِنْ أَدَّى إلَى مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ بِحَقٍّ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ، ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ. وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ

ص: 68

وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَاهُ فَارْهَنُوا وَاقْبِضُوا لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ جُعِلَ جَزَاءً لِلشَّرْطِ بِالْفَاءِ فَجَرَى مَجْرَى الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] . وَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ يُقَالُ لَهُ أَبُو الشَّحْمِ عَلَى ثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ لِأَهْلِهِ» . وَالْوَثَائِقُ بِالْحُقُوقِ ثَلَاثَةٌ: شَهَادَةٌ وَرَهْنٌ وَضَمَانٌ، فَالشَّهَادَةُ لِخَوْفِ الْجَحْدِ وَالْآخَرَانِ لِخَوْفِ الْإِفْلَاسِ.

وَأَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ: مَرْهُونٌ وَمَرْهُونٌ بِهِ وَصِيغَةٌ وَعَاقِدَانِ، وَقَدْ بَدَأَ بِذَكَرِ الرُّكْنِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمَرْهُونُ فَقَالَ:(وَكُلُّ مَا جَازَ بَيْعُهُ) مِنْ الْأَعْيَانِ (جَازَ رَهْنُهُ) فَلَا يَصِحُّ رَهْنُ دَيْنٍ وَلَوْ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَلَا رَهْنُ مَنْفَعَةٍ كَأَنْ يَرْهَنَ سُكْنَى دَارِهِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

عَزَّرَهُ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ إلَى أَنْ يَبِيعَهُ أَيْ الْمَرْهُونَ وَيُكَرِّرُ ضَرْبَهُ، لَكِنْ يُمْهَلُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ الْأَلَمِ الْأَوَّلِ

لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى قَتْلِهِ

؛ خِلَافًا لِمَا أَطَالَ بِهِ السُّبْكِيُّ. وَقَوْلُهُ " فَرَهْنٌ " وَقُرِئَ " فَرِهَانٌ " وَهِيَ جَمْعُ رَهْنٍ، وَقِيلَ: جَمْعُ الْجَمْعِ. اهـ. دَمِيرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (قَالَ الْقَاضِي) أَيْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ؛ لِأَنَّهُ مَتَى أُطْلِقَ يُرَادُ بِهِ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْبَيْضَاوِيُّ فَأَعْرَبَ الْآيَةَ إعْرَابًا آخَرَ حَيْثُ جَعَلَ " فَرَهْنٌ " مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ. وَالتَّقْدِيرُ عَلَى الْأَوَّلِ: فَعَلَيْكُمْ رَهْنٌ، وَعَلَى الثَّانِي: فَالْوَاجِبُ عَلَيْكُمْ رَهْنٌ. وَانْظُرْ عَلَى كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ رُفِعَ رَهْنٌ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ، قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ وُضِعَ مَوْضِعَ فِعْلِهِ فَصَارَ مَنْصُوبًا ثُمَّ عَدَلَ إلَى الرَّفْعِ كَمَا فِي " الْحَمْدُ لِلَّهِ " وَفِيهِ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا حِينَئِذٍ عَلَى الِابْتِدَاءِ، فَيَرْجِعُ إلَى كَلَامِ الْبَيْضَاوِيِّ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ) أَيْ بِاعْتِبَارِ مُفْرَدِهِ بِحَسَبِ الْأَصْلِ، فَلَا يُرَدُّ أَنَّهُ فِي الْآيَةِ جَمْعٌ وَأَنَّهُ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ أَيْ الْمَرْهُونِ، بِدَلِيلِ وَصْفِهِ بِمَقْبُوضَةٍ. يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَصْفُهُ بِمَقْبُوضَةٍ بِالنَّظَرِ لِمُتَعَلِّقِهِ، أَوْ أَنَّ فِيهِ اسْتِخْدَامًا بِمَعْنَى أَنَّهُ ذَكَرَ الرَّهْنَ أَوَّلًا بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ؛ وَأُعِيدَ عَلَيْهِ ضَمِيرُ مَقْبُوضَةٍ بِمَعْنَى الْعَيْنِ، شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.

قَوْلُهُ: (جُعِلَ جَزَاءً لِلشَّرْطِ) أَيْ مَقْرُونًا بِالْفَاءِ، يَعْنِي وَالْجَوَابُ لَا يَكُونُ إلَّا جُمْلَةً فَيُؤَوَّلُ بِفِعْلِ الْأَمْرِ لِيَصِيرَ جُمْلَةً. وَفِيهِ أَنَّ تَصْيِيرَهُ جُمْلَةً لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَأْوِيلِهِ بِالْأَمْرِ، إذْ يَجُوزُ جَعْلُهُ مُبْتَدَأً وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: تَسْتَوْثِقُونَ بِهَا كَمَا قَدَّرَهُ الْجَلَالُ، فَيَكُونُ جُمْلَةً اسْمِيَّةً؛ وَإِنَّمَا قَالَ " فَارْهَنُوا " وَاقْبِضُوا الْمَأْخُوذُ مِنْ الْمَعْنَى لِأَنَّ الرَّهْنَ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ فَلَا يَتِمُّ لُزُومُهُ إلَّا بِذِكْرِ الْقَبْضِ.

قَوْلُهُ: (رَهَنَ دِرْعَهُ إلَخْ) وَآثَرَهُ عَلَى بَعْضِ الصَّحَابَةِ لِيَسْلَمَ مِنْ نَوْعِ مِنَّةٍ أَوْ تَكَلُّفِ مَيَاسِيرِ أَصْحَابِهِ بِإِبْرَائِهِ، أَوْ عَدَمِ الْأَخْذِ مِنْهُ، أَوْ بَيَانًا لِجَوَازِ مُعَامَلَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ مَيَاسِيرِ الْمَدِينَةِ طَعَامٌ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَتِهِ غَيْرَ الْيَهُودِيِّ، دَمِيرِيٌّ عَلَى الْمِنْهَاجِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَاتَ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَفْتَكَّهُ، حَجّ، وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر. وَإِنَّمَا افْتَكَّهُ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَقِيلَ افْتَكَّهُ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَقَالَ ق ل: الرَّاجِحُ أَنَّهُ افْتَكَّهُ قَبْلَ مَوْتِهِ؛ وَلَكِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ مِنْ الْيَهُودِيِّ فَتَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ بِعَدَمِ أَخْذِهِ أَنَّهُ اسْتَمَرَّ عَلَى رَهْنِهِ، فَتَأَمَّلْ. وَمِثْلُهُ الْبِرْمَاوِيُّ عَلَى الْمَنْهَجِ؛ لَكِنَّ الَّذِي اعْتَمَدَهُ ع ش الْأَوَّلُ. وَخَبَرُ:«نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مَرْهُونَةٌ بِدَيْنِهِ» أَيْ مَحْبُوسَةٌ فِي الْقَبْرِ غَيْرَ مُنْبَسِطَةٍ مَعَ الْأَرْوَاحِ فِي عَالَمِ الْبَرْزَخِ، وَفِي الْآخِرَةِ مَعُوقَةٌ عَنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَقْضِيَ عَنْهَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً وَعَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ تَنْزِيهًا لَهُمْ وَعَلَى غَيْرِ مَنْ لَمْ يُقَصِّرْ وَهُوَ مُعْسِرٌ وَفِي عَزْمِهِ الْوَفَاءُ فَلَا تُحْبَسُ نَفْسُهُ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ اهـ ع ن عَلَى الْمَنْهَجِ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ خَلَّفَ وَفَاءً لَا يُحْبَسُ وَإِنْ لَمْ يَقْضِ؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ حِينَئِذٍ مِنْ الْوَرَثَةِ فَالْإِثْمُ عَلَيْهِمْ لِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ. قَوْلُهُ:(عَلَى ثَلَاثِينَ) أَيْ عَلَى ثَمَنِهَا. قَوْلُهُ: (لِأَهْلِهِ) أَيْ اشْتَرَاهَا لِأَهْلِهِ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ نَفَقَتَهُمْ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم، خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ وَغَيْرِهِ الْقَائِلِينَ إنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (أَرْبَعَةٌ) أَيْ إجْمَالًا، وَإِلَّا فَسِتَّةٌ تَفْصِيلًا.

قَوْلُهُ: (وَعَاقِدَانِ) لَوْ قَالَ " عَاقِدٌ " لَكَانَ أَنْسَبَ بِكَوْنِهَا أَرْبَعَةً، وَإِلَّا فَهِيَ عَلَى كَلَامِهِ خَمْسَةٌ قَوْلُهُ:(فَلَا يَصِحُّ رَهْنُ دَيْنٍ إلَى قَوْلِهِ وَلَا مَنْفَعَةٍ) أَيْ ابْتِدَاءً، فَلَا يُنَافِي كَوْنَ الْمَرْهُونِ قَدْ يَكُونُ دَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً بِلَا إنْشَاءٍ كَبَدَلِ

ص: 69

مُدَّةً لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَتْلَفُ فَلَا يَحْصُلُ بِهَا اسْتِيثَاقٌ، وَلَا رَهْنُ عَيْنٍ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا كَوَقْفٍ وَمُكَاتَبٍ وَأَمِّ وَلَدٍ

. وَيَصِحُّ رَهْنُ الْمَشَاعِ مِنْ الشَّرِيكِ وَغَيْرِهِ وَيُقْبَضُ بِتَسْلِيمِ كُلِّهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، فَيَكُونُ بِالتَّخْلِيَةِ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ وَبِالنَّقْلِ فِي الْمَنْقُولِ، وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ بِغَيْرِ إذْنِ الشَّرِيكِ، فَإِنْ أَبَى الْإِذْنَ فَإِنْ رَضِيَ الْمُرْتَهِنُ بِكَوْنِهِ فِي يَدِ الشَّرِيكِ جَازَ وَنَابَ عَنْهُ فِي الْقَبْضِ، وَإِنْ تَنَازَعَا نَصَّبَ الْحَاكِمُ عَدْلًا يَكُونُ فِي يَدِهِ لَهُمَا وَيُسْتَثْنَى مِنْ مَنْطُوقِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ صُورَتَانِ لَا يَصِحُّ رَهْنُهُمَا وَيَصِحُّ بَيْعُهُمَا: الْأُولَى الْمُدَبَّرُ رَهْنُهُ بَاطِلٌ وَإِنْ جَازَ بَيْعُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ لِأَنَّ السَّيِّدَ قَدْ يَمُوتُ فَجْأَةً فَيَبْطُلُ مَقْصُودُ الرَّهْنِ. الثَّانِيَةُ: الْأَرْضُ الْمَزْرُوعَةُ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَا يَجُوزُ رَهْنُهَا. وَمِنْ مَفْهُومِهِ صُورَةٌ يَصِحُّ رَهْنُهَا وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهَا الْأَمَةُ الَّتِي لَهَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَرْهُونِ، فَإِنَّهُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ فِي ذِمَّةِ الْجَانِي بِأَنَّهُ رَهْنٌ فَيَمْتَنِعُ عَلَى الرَّاهِنِ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ، وَمَنْ مَاتَ مَدِينًا وَلَهُ مَنْفَعَةٌ وَدَيْنٌ تَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِتَرِكَتِهِ تَعَلُّقَ رَهْنٍ وَمِنْهَا دَيْنُهُ وَمَنْفَعَتُهُ شَرْحُ م ر، وَكَمَنْفَعَةِ مُؤَجَّرٍ. وَكَتَبَ الزِّيَادِيُّ عَلَى قَوْلِ الْمَنْهَجِ " فَلَا يَصِحُّ رَهْنُ دَيْنٍ ": أَيْ ابْتِدَاءً، وَالْكَلَامُ فِي الرَّهْنِ الْجَعْلِيِّ فَلَا يُنَافِي الرَّهْنَ الشَّرْعِيَّ فِيمَا لَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَهُ دَيْنٌ، فَإِنَّ التَّرِكَةَ يَتَعَلَّقُ بِهَا الدَّيْنُ وَمِنْهُ دَيْنُهُ الَّذِي لَهُ عَلَى غَيْرِهِ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ) أَيْ وَلَوْ عِنْدَ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، كَأَنْ يَكُونَ لَك عَلَى شَخْصٍ دَيْنٌ فَتَشْتَرِيَ مِنْهُ شَيْئًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَتَرْهَنَ عَلَيْهِ الدَّيْنَ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ. وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُ الدَّيْنِ، فَيَكُونُ مِنْ الْمُسْتَثْنَيَاتِ مِنْ قَوْلِهِمْ: كُلُّ مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ رَهْنُهُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ) وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يُمْلَكُ، وَالْمَأْخُوذُ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ مِثْلُهُ لَا عَيْنُهُ، فَكَانَ غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ.

قَوْلُهُ: (كَوَقْفٍ) أَيْ مَوْقُوفٍ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ الْمِلْكِ، وَشَرْطُ الْمَرْهُونِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا

قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ الرَّهْنُ الْمَشَاعُ) أَيْ عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ، أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِ بَعْدُ، وَقَوْلُهُ: مِنْ الشَّرِيكِ، أَيْ لَهُ.

قَوْلُهُ: (فَيَكُونُ بِالتَّخْلِيَةِ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ) وَلَا بُدَّ مِنْ التَّفْرِيغِ لِيَحْصُلَ الْقَبْضُ الشَّرْعِيُّ، ز ي.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ) أَيْ فَيَحْرُمُ، وَلَكِنْ يَصِحُّ وَتَصِيرُ حِصَّةُ شَرِيكِهِ مَضْمُومَةً عَلَيْهِ، فَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ صِحَّةُ الْقَبْضِ بَلْ لِتَكُونَ حِصَّةُ الشَّرِيكِ أَمَانَةً تَحْتَ يَدِهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَنْقُولِ وَغَيْرِهِ أَنَّ وَضْعَ يَدِ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ حِسِّيٌّ وَعَلَى غَيْرِهِ حُكْمِيٌّ فَلَمْ يُحْتَجْ فِيهِ لِلْإِذْنِ فَافْهَمْ. وَقَالَ ع ش: قَوْلُهُ " وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ إلَخْ " أَيْ يَحْرُمُ وَيَصِحُّ، وَخَرَجَ بِهِ الْعَقَارُ فَيَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِ الشَّرِيكِ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ حِينَئِذٍ عُدِمَ الضَّمَانُ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْيَدَ عَلَيْهِ لَيْسَتْ حِسِّيَّةً لِأَنَّهُ لَا تَعَدِّي فِي قَبْضِهِ لِجَوَازِهِ اهـ. قَالَ السُّبْكِيُّ: النَّقْلُ يَحْصُلُ بِهِ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ أَوْ بِغَيْرِهِ، لَكِنْ لَا يَحِلُّ إلَّا بِإِذْنِ الشَّرِيكِ، فَالْمَوْقُوفُ عَلَى إذْنِ الشَّرِيكِ فِي الْمَنْقُولِ حِلُّ الْقَبْضِ لَا صِحَّتُهُ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَبَى) أَيْ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ رَضِيَ إلَخْ، فَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَنَازَعَا) أَيْ الْمُرْتَهِنُ وَشَرِيكُ الرَّاهِنِ.

قَوْلُهُ: (صُورَتَانِ) لَعَلَّ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِمَا لِعُمُومِهِمَا، وَإِلَّا فَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ لَمْ يُعْلَمْ حُلُولُ الدَّيْنِ قَبْلَهَا، بَلْ وَكَذَا مَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ إنْ لَمْ يُشْرَطْ بَيْعُهُ عِنْدَ خَوْفِ فَسَادِهِ وَجَعْلُ ثَمَنِهِ رَهْنًا مَكَانَهُ كَذَلِكَ ق ل.

قَوْلُهُ: (يَجُوزُ بَيْعُهَا) أَيْ حَيْثُ رُئِيَتْ قَبْلَ الزَّرْعِ أَوْ مِنْ خِلَالِهِ؛ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ عَلَى هَذَا أَنَّ الْبَيْعَ يُرَادُ لِلدَّوَامِ فَحَيْثُ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالزَّرْعِ حِينَ الشِّرَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَأَجَازَ الْبَيْعَ فَقَدْ رَضِيَ بِالْأَرْضِ مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ تِلْكَ الْمُدَّةَ فَكَانَ كَشِرَاءِ الْمَعِيبِ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ الرَّهْنِ التَّوَثُّقُ وَاسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ الْمَرْهُونِ عِنْدَ الْمَحِلِّ، وَالزَّرْعُ قَدْ يَتَأَخَّرُ وَقْتَ الْبَيْعِ أَوْ يُضْعِفُ الْأَرْضَ، فَلَا يَتَيَسَّرُ الْبَيْعُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَتَقِلُّ الرَّغْبَةُ فِيهَا فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الرَّهْنِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ. اهـ. ع ش.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ رَهْنُهَا) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الرَّهْنِ التَّوَثُّقُ وَتَوْفِيَةُ الدَّيْنِ عِنْدَ الْحُلُولِ، وَرُبَّمَا يَحِلُّ الدَّيْنُ قَبْلَ التَّفْرِيغِ فَيَحْصُلُ النِّزَاعُ لَا إلَى غَايَةٍ. وَكَتَبَ الْمَرْحُومِيُّ عَلَى قَوْلِهِ " وَلَا يَجُوزُ رَهْنُهَا ": كَذَا فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ وَافَقَهُ وَلَا مَنْ خَالَفَهُ، وَانْظُرْ عِلَّةَ مَنْعِ الرَّهْنِ مَعَ جَوَازِ الْبَيْعِ وَحَرَّرَهُ اهـ. قُلْت: بَلْ وَافَقَهُ الدَّمِيرِيُّ عَلَى الْمِنْهَاجِ، فَقَالَ: فَرْعُ رَهْنِ الْأَرْضِ الْمُشْتَغِلَةِ بِالزِّرَاعَةِ بَاطِلٌ، كَذَا بِخَطِّ بَعْضِهِمْ وَهَذَا ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَد أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهَا وَرَهْنُهَا؛ وَانْظُرْ هَلْ يُمْكِنُ

ص: 70

وَلَدٌ غَيْرُ مُمَيِّزٍ لَا يَجُوزُ إفْرَادُ أَحَدِهِمَا بِالْبَيْعِ، وَيَجُوزُ بِالرَّهْنِ وَعِنْدَ الْحَاجَةِ يُبَاعَانِ وَيَقُومُ الْمَرْهُونُ مِنْهُمَا مَوْصُوفًا بِكَوْنِهِ حَاضِنًا أَوْ مَحْضُونًا ثُمَّ يَقُومُ مَعَ الْآخَرِ، فَالزَّائِدُ عَلَى قِيمَتِهِ قِيمَةُ الْآخَرِ وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا بِتِلْكَ النِّسْبَةِ، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْمَرْهُونِ مِائَةً وَقِيمَتُهُ مَعَ الْآخَرِ مِائَةً وَخَمْسِينَ فَالنِّسْبَةُ بِالْأَثْلَاثِ فَيَتَعَلَّقُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِثُلُثَيْ الثَّمَنِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ الْمَرْهُونُ بِهِ فَقَالَ: (فِي الدُّيُونِ) أَيْ وَشَرْطُ الْمَرْهُونِ بِهِ كَوْنُهُ دَيْنًا، فَلَا يَصِحُّ بِالْعَيْنِ الْمَضْمُونَةِ كَالْمَغْصُوبَةِ وَالْمُسْتَعَارَةِ، وَلَا بِغَيْرِ الْمَضْمُونَةِ كَمَالِ الْقِرَاضِ وَالْمُودِعِ لِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ الرَّهْنَ فِي الْمُدَايَنَةِ فَلَا يَثْبُتُ فِي غَيْرِهَا، وَلِأَنَّهَا لَا تُسْتَوْفَى مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِغَرَضِ الرَّهْنِ عِنْدَ الْبَيْعِ. تَنْبِيهٌ: يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ وَهِيَ أَنَّ الْوَاقِفَ يَقِفُ كُتُبًا وَيَشْرِطُ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْهَا كِتَابٌ مِنْ مَكَان يَحْبِسُهَا فِيهِ إلَّا بِرَهْنٍ، وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ أَفْتَى الْقَفَّالُ بِخِلَافِهِ وَضَعَّفَ بَعْضُهُمْ مَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ بِأَنَّ الرَّاهِنَ أَحَدُ الْمُسْتَحِقِّينَ، وَالرَّاهِنُ لَا يَكُونُ مُسْتَحِقًّا إذْ الْمَقْصُودُ بِالرَّهْنِ الْوَفَاءُ مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ عِنْدَ التَّلَفِ، وَهَذَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

حَمْلُ كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى مَا إذَا رَهَنَ الْأَرْضَ مَعَ الزَّرْعِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ؟ فَإِنَّ الزَّرْعَ الْأَخْضَرَ عَلَى انْفِرَادِهِ لَا يَصِحُّ رَهْنُهُ وَإِذَا انْضَمَّ إلَى الْأَرْضِ مُنِعَ رَهْنُهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ اجْتِمَاعِ الْمَانِعِ وَالْمُقْتَضِي فَيَغْلِبُ الْمَانِعُ، حَرَّرَهُ م د.

قَوْلُهُ: (وَمِنْ مَفْهُومِهِ) وَهُوَ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ. وَقَوْلُهُ " وَصُورَةٌ " اقْتَصَرَ عَلَيْهَا لِعُمُومِهَا وَإِلَّا فَرَهْنُ مُصْحَفٍ وَعَبْدٍ مُسْلِمٍ عِنْدَ كَافِرٍ وَسِلَاحٍ لِحَرْبِيٍّ صَحِيحٍ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ لَهُ، وَكَرَهْنِ الْمُسْتَعَارِ أَيْ إذَا اسْتَعَارَ شَيْئًا لِيَرْهَنَهُ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ مَعَ عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الْمُسْتَعِيرِ لَهُ ق ل.

قَوْلُهُ: (الْأَمَةُ) بَدَلٌ مِنْ صُورَةٍ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَهِيَ الْأَمَةُ.

قَوْلُهُ: (وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ إلَخْ) وَفَائِدَةُ هَذَا التَّوْزِيعِ مَعَ وُجُوبِ قَضَاءِ الدَّيْنِ بِكُلِّ حَالٍ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا تَزَاحَمَ الْغُرَمَاءُ ابْنُ حَجَرٍ مَرْحُومِيٌّ، أَوْ فِي تَصَرُّفِ الرَّاهِنِ فِي غَيْرِ الْمَرْهُونِ، شَوْبَرِيٌّ. وَقَوْلُهُ " فِيمَا إذَا تَزَاحَمَ الْغُرَمَاءُ " أَيْ فَيُقَدَّمُ الْمُرْتَهِنُ بِثَمَنِ الرَّهْنِ عَلَى بَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ، وَمَا فَضَلَ مِنْ بَقِيَّةِ دَيْنِهِ يُحَاصِصْ بِهِ مَعَهُمْ بِنِسْبَةِ مَا يَخُصُّهُ بِدَيْنِهِ إنْ قَلِيلًا فَقَلِيلٌ أَوْ كَثِيرًا فَكَثِيرٌ اهـ.

قَوْلُهُ: (بِثُلُثَيْ الثَّمَنِ) وَيُزَاحِمُ مَعَ الْغُرَمَاءِ فِي الْبَاقِي بِنِسْبَةِ الْبَاقِي مِنْ دَيْنِهِ مَعَ بَقِيَّةِ الدُّيُونِ

قَوْلُهُ: (فِي الدُّيُونِ) أَيْ عَلَى الدُّيُونِ. قَوْلُهُ: (وَشَرْطُ الْمَرْهُونِ بِهِ) أَيْ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (كَوْنُهُ دَيْنًا) أُطْلِقَ فِي الدَّيْنِ، فَشَمِلَ دَيْنَ الزَّكَاةِ إذَا تَعَلَّقَتْ بِالذِّمَّةِ لَا بِالْعَيْنِ وَشَمِلَ الْمَنْفَعَةَ إذَا تَعَلَّقَتْ بِالذِّمَّةِ لَا بِالْعَيْنِ.

قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ بِالْعَيْنِ) أَيْ عَلَيْهَا، فَالْبَاءُ بِمَعْنَى " عَلَى ". قَوْلُهُ:(وَالْمُسْتَعَارَةُ) بِأَنْ يُعِيرَهُ عَيْنًا وَيَأْخُذَ عَلَيْهَا رَهْنًا.

قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهَا لَا تُسْتَوْفَى إلَخْ) أَيْ لَيْسَتْ دُيُونًا حَتَّى تُسْتَوْفَى مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ لِيُسْتَوْفَى مِنْهُ قِيمَةُ تِلْكَ الْأَعْيَانِ إذَا تَلِفَتْ لِأَنَّهَا تَصِيرُ دُيُونًا؟ أُجِيبَ: بِأَنَّ الدَّيْنَ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا، وَهَذَا لَمْ يَثْبُتْ أَيْ لِأَنَّهَا مَا دَامَتْ بَاقِيَةً لَا يُتَصَوَّرُ اسْتِيفَاءُ ذَاتِهَا مِنْ ثَمَنِهَا، وَأَمَّا إنْ تَلِفَتْ فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَضْمُونَةٍ فَلَا دَيْنَ أَصْلًا وَإِنْ كَانَتْ مَضْمُونَةً فَيَجِبُ بَدَلُهَا وَيَصِيرُ دَيْنًا عَلَى وَاضِعِ الْيَدِ؛ لَكِنْ هَذَا الدَّيْنُ إنَّمَا وُجِدَ وَثَبَتَ بَعْدَ تَلَفِهَا وَهُوَ بَعْدَ الرَّهْنِ فَوَقْتُ الرَّهْنِ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ دَيْنٌ فَهُوَ رَهْنٌ عَلَى مَا لَمْ يَثْبُتْ.

قَوْلُهُ: (مُخَالِفٌ لِغَرَضِ الرَّهْنِ) أَيْ الْغَرَضِ مِنْهُ.

قَوْلُهُ: (يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الرَّهْنِ عَلَى الْعَيْنِ أَوْ مِنْ التَّعْلِيلِ، وَأَعْنِي قَوْلَهُ: لِأَنَّهَا إلَخْ.

قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْهَا كِتَابٌ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْوَاقِفَ إنْ أَرَادَ بِشَرْطِ الرَّهْنِ مَعْنَاهُ الشَّرْعِيَّ لَغَا الشَّرْطُ، وَلِلنَّاظِرِ إخْرَاجُ الْمَوْقُوفِ بِلَا رَهْنٍ. وَإِنْ أَرَادَ بِهِ اللُّغَوِيَّ بِمَعْنَى التَّوَثُّقِ صَحَّ الشَّرْطُ، وَلَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ إخْرَاجُهُ إلَّا بِرَهْنٍ وَافٍ بِهِ ق ل. وَإِنْ أُطْلِقَ فَفِيهِ احْتِمَالَانِ: أَقْرَبُهُمَا الصِّحَّةُ صَوْنًا لِكَلَامِهِ عَنْ الْهَذَيَانِ، وَلَا يَخْرُجُ إلَّا بِرَهْنٍ يُسَاوِي قِيمَتَهُ لَوْ أُرِيدَ بَيْعُهُ وَالْوَقْفُ صَحِيحٌ مُطْلَقًا أج. وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ: قَوْلُهُ " وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ " أَيْ الشَّرْطُ لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَرَادَ الرَّهْنَ الشَّرْعِيَّ أَوْ اللُّغَوِيَّ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، كَذَا بِخَطِّ أج.

وَصَرَّحَ بِهِ سم فَاعْتُمِدَ كَلَامُ الشَّارِحِ وَضُعِّفَ كَلَامُ ق ل.

قَوْلُهُ: (أَحَدُ الْمُسْتَحِقِّينَ) أَيْ لِلْمَوْقُوفِ.

قَوْلُهُ: (لَا يَكُونُ مُسْتَحِقًّا) أَيْ لَا يَكُون مُسْتَحِقًّا لِمَا يَرْهَنُ عَلَيْهِ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ

ص: 71

الْمَوْقُوفُ لَوْ تَلِفَ بِغَيْرِ تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْ وَعَلَى إلْغَاءِ الشَّرْطِ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ بِرَهْنٍ وَلَا بِغَيْرِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا يَخْرُجُ مُطْلَقًا. نَعَمْ إنْ تَعَذَّرَ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْمَحَلِّ الْمَوْقُوفِ فِيهِ وَوَثِقَ بِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى مَحَلِّهِ بَعْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ جَازَ إخْرَاجُهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَيُشْتَرَطُ فِي الدَّيْنِ الَّذِي يُرْهَنُ بِهِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: الْأَوَّلُ كَوْنُهُ ثَابِتًا فَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِهِ كَنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ فِي الْغَدِ لِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةُ حَقٍّ فَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: كَوْنُهُ مَعْلُومًا لِلْعَاقِدَيْنِ، فَلَوْ جَهِلَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَصِحَّ. وَالثَّالِثُ: كَوْنُهُ لَازِمًا أَوْ آيِلًا إلَى اللُّزُومِ فَلَا يَصِحُّ فِي غَيْرِ ذَلِكَ كَمَالِ الْكِتَابَةِ، وَلَا بِجَعْلِ الْجَعَالَةِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ وَيَجُوزُ الرَّهْنُ بِالثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لِأَنَّهُ آيِلٌ إلَى اللُّزُومِ، وَالْأَصْلُ فِي

ــ

[حاشية البجيرمي]

يَكُنْ مِنْ أَحَدِ الْمُسْتَحِقِّينَ بِأَنْ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى طَائِفَةٍ لَيْسَ هُوَ مِنْهَا أَنَّهُ يَصِحُّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ وَإِنْ انْتَفَتْ لَكِنْ خَلَّفَتْهَا عِلَّةٌ أُخْرَى وَهِيَ عَدَمُ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ،. اهـ. شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (إذْ الْمَقْصُودُ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ " وَلَا يَصِحُّ ". وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ وَلَا يَظْهَرُ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ وَجْهٌ ثَانٍ لِتَضْعِيفِ كَلَامِ الْقَفَّالِ، فَلَوْ قَالَ: وَلِأَنَّ إلَخْ لَكَانَ أَوْلَى.

قَوْلُهُ: (مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ) أَيْ الَّذِي رُهِنَ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ الْوَقْفِ. وَقَوْلُهُ " عِنْدَ التَّلَفِ " أَيْ تَلَفِ الَّذِي أُخِذَ مِنْ الْوَقْفِ. قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ تَعَدٍّ إلَخْ) لَيْسَ قَيْدًا، وَهَذَا إذَا كَانَ الرَّاهِنُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَهُوَ قَيْدٌ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ وَإِلَّا ضَمِنَ. قَوْلُهُ:(لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ فَلَا فَائِدَةَ لِلرَّهْنِ فَكَانَ شَرْطُهُ بَاطِلًا، وَبِفَرْضِ الضَّمَانِ لَا فَائِدَةَ لِلرَّهْنِ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَوْفَى مِنْ الْمَرْهُونِ لِأَنَّ قِيمَتَهُ بَعْدَ تَلَفِهِ دَيْنٌ حَدَثَ بَعْدَ الرَّهْنِ فَلَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ.

قَوْلُهُ: (وَعَلَى إلْغَاءِ الشَّرْطِ) أَيْ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْلِهِ " لَا يَصِحُّ " فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا يَخْرُجُ أَصْلًا، أَيْ إنْ تَيَسَّرَ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي مَحِلِّهِ وَإِلَّا أُخْرِجَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُلْغَ شَرْطُ الرَّهْنِ بِأَنْ أُرِيدَ الرَّهْنُ اللُّغَوِيُّ فَلَا يَخْرُجُ إلَّا بِرَهْنٍ وَافٍ؛ لَكِنْ لَيْسَ رَهْنًا شَرْعِيًّا بَلْ لِلتَّوَثُّقِ فَقَطْ. قَالَ السُّبْكِيُّ: إنْ عَنَى الرَّهْنَ الشَّرْعِيَّ فَبَاطِلٌ، أَوْ اللُّغَوِيَّ وَأَرَادَ أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ تَذْكِرَةً صَحَّ، وَإِنْ جَهِلَ مُرَادَهُ احْتَمَلَ بُطْلَانَ الشَّرْطِ حَمْلًا عَلَى الشَّرْعِيِّ، فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ بِرَهْنٍ لِتَعَذُّرِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ لِمُخَالَفَتِهِ الشَّرْطَ أَوْ لِفَسَادِ الِاسْتِثْنَاءِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا يَخْرُجُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ مَظِنَّةُ ضَيَاعِهِ، وَاحْتَمَلَ صِحَّتَهُ حَمْلًا عَلَى اللُّغَوِيِّ وَهُوَ أَقْرَبُ تَصْحِيحًا لِلْكَلَامِ مَا أَمْكَنَ،. اهـ. ش م ر. ثُمَّ قَالَ م ر: وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ اعْتِبَارِ شَرْطِ إخْرَاجِهِ وَإِنْ أَلْغَيْنَا شَرْطَ الرَّهْنِ مَا لَمْ يَتَعَسَّرْ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَإِلَّا جَازَ إخْرَاجُهُ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْوَقْفَ صَحِيحٌ مُطْلَقًا قُصِدَ الشَّرْعِيُّ أَوْ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ الْحَبْسُ؛ لَكِنْ مَعَ إلْغَاءِ الشَّرْطِ فَقَطْ. وَقَالَ سم عَلَى حَجّ: الْمُعْتَمَدُ بُطْلَانُ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ مُطْلَقًا، وَلَا يُعَوَّلُ عَلَى كَلَامِ السُّبْكِيّ اهـ أج.

قَوْلُهُ: (نَعَمْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ: لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (فِي الْمَحَلِّ الْمَوْقُوفِ) كَخَزَائِنِ الْأَزْهَرِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجُلُوسُ فِيهَا لِلْمُطَالَعَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَحَلُّ خَلْوَةً كَبِيرَةً فَإِنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ فِيهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ التَّعَذُّرِ مَا إذَا كَانَ الْمَحَلُّ الْمَوْقُوفُ فِيهِ خَارِجَ الْأَزْهَرِ وَأَرَادَ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْوَقْفِ لِلْحُضُورِ فِيهِ فِي الْأَزْهَرِ، أَفَادَهُ شَيْخُنَا السِّجِّينِيُّ.

قَوْلُهُ: (أَنْ يَرُدَّهُ) هُوَ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ " بِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ " أَيْ وَثِقَ بِرَدِّهِ إلَى مَحَلِّهِ.

قَوْلُهُ: (جَازَ إخْرَاجُهُ) عِبَارَةُ ق ل: وَلَا يَجُوزُ الْإِخْرَاجُ إلَّا بِرَهْنٍ وَافٍ بِهِ لِيَكُونَ بَاعِثًا عَلَى رَدِّهِ، وَلَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ الْمَوْقُوفُ لَوْ تَلِفَ.

قَوْلُهُ: (ثَابِتًا) أَيْ مَوْجُودًا، بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ ق ل.

قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِهِ) وَإِنْ جَرَى سَبَبُ وُجُوبِهِ كَالْعَقْدِ. قَوْلُهُ: (مَعْلُومًا) أَيْ قَدْرًا وَصِفَةً.

قَوْلُهُ: (أَوْ آيِلًا إلَى اللُّزُومِ) أَيْ بِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ مَالِ الْكِتَابَةِ وَجُعْلِ الْجَعَالَةِ فَإِنَّهُمَا وَإِنْ كَانَا يَئُولَانِ لِلُّزُومِ لَكِنْ لَا بِنَفْسِهِمَا بَلْ بِفِعْلِ فَاعِلٍ، كَدَفْعِ مَالِ الْكِتَابَةِ وَرَدِّ الضَّالَّةِ فِي الْجَعَالَةِ. وَأَيْضًا الثَّمَنُ وَضْعُهُ اللُّزُومُ بِخِلَافِهِمَا كَمَا أَشَارَ إلَى هَذَا الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَالْأَصْلُ فِي وَضْعِهِ اللُّزُومُ،. اهـ. شَيْخُنَا جَوْهَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَلَا بِجُعْلِ الْجَعَالَةِ) لِأَنَّ لَهُ فَسْخَهَا مَتَى شَاءَ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ أَنَّ مُوجِبَ الثَّمَنِ الْبَيْعُ وَقَدْ تَمَّ بِخِلَافِ مُوجِبِ الْجُعْلِ وَهُوَ الْعَمَلُ. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ: أَنْ يَقُولَ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ دِينَارٌ، فَيَقُولُ شَخْصٌ: ائْتِنِي بِرَهْنٍ وَأَنَا أَرُدُّهُ، وَمِثْلُهُ إنْ رَدَدْته فَلَكَ دِينَارٌ وَهَذَا رَهْنٌ بِهِ. أَوْ: مَنْ جَاءَ بِهِ فَلَهُ دِينَارٌ وَهَذَا رَهْنٌ بِهِ،. اهـ. عَنَانِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ الرَّهْنُ بِالثَّمَنِ) أَيْ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ) أَيْ الَّذِي لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ كَمَا

ص: 72

وَضْعِهِ اللُّزُومُ بِخِلَافِ مَالِ الْكِتَابَةِ وَجُعْلِ الْجَعَالَةِ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْكَلَامَ حَيْثُ قُلْنَا مَلَكَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ لِيَمْلِكَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ، وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ (إذَا اسْتَقَرَّ ثُبُوتُهَا) أَيْ الدُّيُونِ (فِي الذِّمَّةِ) بَلْ هُوَ مُضِرٌّ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مُسْتَقِرًّا كَثَمَنِ الْمَبِيعِ الْمَقْبُوضِ وَدَيْنِ الْمُسْلِمِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ، أَوْ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ كَالْأُجْرَةِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ. وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الرُّكْنَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ.

أَمَّا الصِّيغَةُ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا مَا مَرَّ. فِيهَا فِي الْبَيْعِ، فَإِنْ شُرِطَ فِي الرَّهْنِ مُقْتَضَاهُ كَتَقَدُّمِ الْمُرْتَهِنِ بِالْمَرْهُونِ عِنْدَ تَزَاحُمِ الْغُرَمَاءِ أَوْ شُرِطَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لَهُ كَإِشْهَادٍ بِهِ أَوْ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ كَأَنْ يَأْكُلَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ كَذَا صَحَّ الْعَقْدُ وَلَغَا الشَّرْطُ الْأَخِيرُ، وَإِنْ شُرِطَ مَا يَضُرُّ الْمُرْتَهِنَ أَوْ الرَّاهِنَ كَأَنْ لَا يُبَاعُ عِنْدَ الْمَحِلِّ أَوْ أَنَّ مَنْفَعَتَهُ لِلْمُرْتَهِنِ أَوْ أَنْ تَحْدُثَ زَوَائِدُهُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

أَشَارَ إلَيْهِ. اهـ. ق ل.

قَوْلُهُ: (وَظَاهِرٌ إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ: أَوْ آيِلٌ إلَى اللُّزُومِ.

قَوْلُهُ: (مَلَكَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ) أَيْ بِأَنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ وَحْدَهُ. قَوْلُهُ: (لِيَمْلِكَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ) أَيْ حَتَّى يَصِحَّ أَخْذُ الرَّهْنِ عَلَيْهِ، وَلَا يُبَاعُ الْمَرْهُونُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ. اهـ. ش م ر.

قَوْلُهُ: (وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ) أَيْ إنْ أُرِيدَ بِالْمُسْتَقِرِّ مَا حَصَلَ اسْتِيفَاءُ مُقَابِلِهِ كَالْأُجْرَةِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، فَتَخْرُجُ الْأُجْرَةُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، فَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ عَلَيْهَا؛ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. أَمَّا إذَا أُرِيدَ بِالِاسْتِقْرَارِ اللُّزُومُ فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ صَحِيحٌ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ كَمَا فِي ق ل، وَعِبَارَتُهُ: لَا يَخْفَى أَنَّ الِاسْتِقْرَارَ يُطْلَقُ بِمَعْنَى اللُّزُومِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الصَّدَاقُ وَلَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْمَنْفَعَةِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ وَالزَّكَاةِ بَعْدَ تَلَفِ الْمَالِ وَالْأُجْرَةِ بِالْعَقْدِ، وَقَدْ يُطْلَقُ بِمَعْنَى مَا حَصَلَ اسْتِيفَاءُ مُقَابِلِهِ كَقَوْلِهِمْ يَسْتَقِرُّ مِنْ الْأُجْرَةِ عَلَى مِلْكِ الْمُؤَجِّرِ بِقَدْرِ مَا مَضَى مِنْ زَمَنِ الْمَنْفَعَةِ. وَفَهِمَ الشَّارِحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِقْرَارِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْمَعْنَى الثَّانِي، فَرُتِّبَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَخَلَّ بِشَرْطِ اللُّزُومِ، وَذَكَرَ مَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ وَهُوَ اللُّزُومُ خُصُوصًا، وَقَدْ رَتَّبَهُ عَلَى الثُّبُوتِ لِقَوْلِهِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا، فَلَوْ حَمَلَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى ذَلِكَ لَكَانَ مُسْتَقِيمًا، فَتَأَمَّلْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ بِالْمُسْتَقِرِّ مَا يُؤْمَنُ سُقُوطُهُ كَالثَّمَنِ وَلَوْ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ سُقُوطُهُ عَنْ الْمُشْتَرِي بِدُونِ فَسْخٍ، بِخِلَافِ الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِالْفُرْقَةِ الَّتِي بِسَبَبِهَا، وَبِخِلَافِ الْأُجْرَةِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِانْهِدَامِ الدَّارِ مَثَلًا.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ شُرِطَ إلَخْ) فَلَا يَضُرُّ الْفَصْلُ بِهِ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، كَمَا لَا يَضُرُّ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ بِمَا هُوَ مِنْ مُقْتَضَاهُ. فَهَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ " فَيُشْتَرَطُ فِيهَا مَا مَرَّ إلَخْ " أَيْ عَلَى مَفْهُومِهِ، إذْ مَا مَرَّ هُوَ أَنْ لَا يَتَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا كَلَامُ أَجْنَبِيٍّ وَإِنْ قَلَّ وَلَا سُكُوتَ طَالَ عُرْفًا، فَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الْأَجْنَبِيِّ لَا يَضُرُّ الْفَصْلُ بِهِ وَهُوَ مَا كَانَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ أَوْ مَصَالِحِهِ أَوْ مُسْتَحَبَّاتِهِ؛ لَكِنْ قَوْلُهُ " أَوْ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ إلَخْ " يَقْتَضِي أَنَّ الْكَلَامَ فِي الشَّرْطِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْفَصْلَ بِهَذَا مُضِرٌّ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ، وَكَذَا قَوْلُهُ " وَإِنْ شُرِطَ مَا يَضُرُّ إلَخْ " فَإِنَّهُ يَضُرُّ مُطْلَقًا، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ " فَإِنْ شُرِطَ فِي الرَّهْنِ مُقْتَضَاهُ إلَخْ " كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ.

قَوْلُهُ: (مُقْتَضَاهُ) أَيْ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، أَيْ مَا كَانَ مَوْضُوعًا لَهُ وَالْمَصْلَحَةُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ:(مَصْلَحَةٌ لَهُ) أَيْ لِلرَّهْنِ بِمَعْنَى الْعَقْدِ. قَوْلُهُ: (كَإِشْهَادٍ بِهِ) أَيْ الْعَقْدِ. وَالْبَاءُ بِمَعْنَى " عَلَى " إذْ الْإِشْهَادُ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَى الْعَقْدِ رُبَّمَا أَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَدَّعِي أَنَّهُ وَهَبَهُ أَوْ بَاعَهُ لَهُ وَقَبَضَ ثَمَنَهُ وَفِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُرْتَهِنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْهَدْ لَرُبَّمَا يَدَّعِي الرَّاهِنُ أَنَّهُ عَارِيَّةٌ أَوْ غَصْبٌ.

قَوْلُهُ: (الْأَخِيرُ) وَالْأَوَّلُ تَأْكِيدٌ وَالثَّانِي مُعْتَبَرٌ، ق ل. وَفِي كَوْنِ الْأَخِيرِ لَا غَرَضَ فِيهِ لِلْمُرْتَهِنِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ كَسِمَنٍ. قَوْلُهُ:(كَأَنْ لَا يُبَاعَ) هَذَا يَضُرُّ الْمُرْتَهِنَ وَمَا بَعْدَهُ الرَّاهِنَ. وَصُورَتُهُ: أَنْ يَرْهَنَهُ الْبَيْتَ مَثَلًا وَيَجْعَلَ أُجْرَةَ سُكْنَاهُ لِلْمُرْتَهِنِ وَمِنْهُ رَهْنُ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ فَلَا يَصِحُّ كَالْغَارُوقَةِ، فَيَلْزَمُ مَنْ أَخَذَ الْأَرْضَ أُجْرَةُ مِثْلِهَا كُلَّ عَامٍ.

قَوْلُهُ: (أَوْ أَنَّ مَنْفَعَتَهُ لِلْمُرْتَهِنِ) هَذَا إذَا أَطْلَقَ فِي ذَلِكَ، فَلَوْ قَدَّرَهَا وَكَانَ الرَّهْنُ مَشْرُوطًا فِي بَيْعٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ جَمْعٌ

ص: 73

مَرْهُونَةً لَمْ يَصِحَّ الرَّهْنُ فِي الثَّلَاثِ لِإِخْلَالِ الشَّرْطِ بِالْغَرَضِ مِنْهُ فِي الْأُولَى، وَلِتَغَيُّرِ قَضِيَّةِ الْعَقْدِ فِي الثَّانِيَةِ، وَلِجَهَالَةِ الزَّوَائِدِ وَعَدَمِهَا فِي الثَّالِثَةِ وَأَمَّا الْعَاقِدَانِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ وَالِاخْتِبَارِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ. فَلَا يَرْهَنُ الْوَلِيُّ أَبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ مَالَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَلَا يَرْتَهِنُ لَهُمَا إلَّا لِضَرُورَةٍ أَوْ غِبْطَةٍ ظَاهِرَةٍ فَيَجُوزُ لَهُ الرَّهْنُ وَالِارْتِهَانُ فِيهِمَا دُونَ غَيْرِهِمَا، مِثَالُهُمَا لِلضَّرُورَةِ أَنْ يَرْهَنَ عَلَى مَا يَقْتَرِضُ لِحَاجَةِ الْمُؤْنَةِ لِيُوفِيَ مِمَّا يَنْتَظِرُ مِنْ غَلَّةٍ أَوْ حُلُولِ دَيْنٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَنَفَاقِ مَتَاعٍ كَاسِدٍ، وَأَنْ يَرْتَهِنَ عَلَى مَا يُقْرِضُهُ أَوْ يَبِيعُهُ مُؤَجَّلًا لِضَرُورَةِ نَهْبٍ أَوْ نَحْوِهِ. وَمِثَالُهُمَا لِلْغِبْطَةِ أَنْ يَرْهَنَ مَا يُسَاوِي مِائَةً عَلَى ثَمَنِ مَا اشْتَرَاهُ بِمِائَةٍ نَسِيئَةً وَهُوَ يُسَاوِي مِائَتَيْنِ، وَأَنْ يَرْتَهِنَ عَلَى ثَمَنِ مَا يَبِيعُهُ نَسِيئَةً لِغِبْطَةٍ. وَلَا يَلْزَمُ الرَّهْنُ إلَّا بِقَبْضِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ بِإِذْنٍ مِنْ الرَّاهِنِ أَوْ إقْبَاضٍ مِنْهُ مِمَّنْ يَصِحُّ عَقْدُهُ لِلرَّهْنِ. وَلِلْعَاقِدِ إنَابَةُ غَيْرِهِ فِيهِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

بَيْنَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ فِي صَفْقَةٍ وَهُوَ جَائِزٌ. وَصُورَتُهَا كَمَا قَالَهُ الزِّيَادِيُّ: أَنْ يَقُولَ: بِعْتُك عَبْدِي بِمِائَةٍ مَثَلًا بِشَرْطِ أَنْ تَرْهَنَنِي بِهَا دَارَك وَأَنْ تَكُونَ مَنْفَعَتُهَا لِي سَنَةً، فَبَعْضُ الْعَبْدِ مَبِيعٌ وَبَعْضُهُ أُجْرَةٌ فِي مُقَابَلَةِ مَنْفَعَةِ الدَّارِ، تَأَمَّلْ هَذَا التَّصْوِيرَ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَعْجِزُ عَنْهُ وَقَدْ ظَفِرْت بِهِ فِي بَعْضِ شُرُوحِ التَّنْبِيهِ لِلزَّنْكَلُونِيِّ بَعْدَ التَّوَقُّفِ فِيهِ كَثِيرًا وَالسُّؤَالِ عَنْهُ كَثِيرًا، فَيُوَزَّعُ الْعَبْدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَالْمِائَةِ. قَوْلُهُ:(لِإِخْلَالِ الشَّرْطِ بِالْغَرَضِ مِنْهُ) لِأَنَّ الْغَرَضَ بَيْعُهُ عِنْدَ الْمَحِلِّ ح ل.

قَوْلُهُ: (وَلِتَغَيُّرِ قَضِيَّةِ الْعَقْدِ إلَخْ) لِأَنَّ قَضِيَّةَ الْعَقْدِ أَنْ تَكُونَ مَنَافِعُ الْمَرْهُونِ لِلرَّاهِنِ ح ل؛ لِأَنَّ التَّوَثُّقَ إنَّمَا هُوَ بِالْعَيْنِ وَالْمَنَافِعُ لِلرَّاهِنِ.

وَقَدْ يُقَالُ هَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي الثَّالِثَةِ أَيْضًا، فَكَانَ اللَّائِقُ أَنْ يَقُولَ: وَلِتَغَيُّرِ قَضِيَّةِ الْعَقْدِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ وَلِجَهَالَةِ الزَّوَائِدِ فِي الثَّالِثَةِ فَتَكُونُ الثَّالِثَةُ مُعَلَّلَةٌ بِعِلَّتَيْنِ وَالثَّانِيَةُ بِوَاحِدَةٍ ع ش. وَالتَّوَثُّقُ هُوَ التَّحَفُّظُ لِلدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ حِفْظٌ لِلدَّيْنِ، أَيْ صَوْنٌ لَهُ عَنْ الضَّيَاعِ. قَوْلُهُ:(فَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا) أَيْ لِيَرْهَنَ الرَّاهِنُ وَيَرْتَهِنَ الْمُرْتَهِنُ رَهْنًا مُطْلَقًا أَيْ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِضَرُورَةٍ أَوْ غِبْطَةٍ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يَرْهَنُ أَصْلًا مَالَ مُوَلِّيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ فِيهِ، وَكَذَا مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَرْتَهِنُ مُطْلَقًا مَعَ أَنَّهُ يَرْهَنُ وَيَرْتَهِنُ لِلضَّرُورَةِ وَالْغِبْطَةِ. قَوْلُهُ:(أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الرَّاهِنَ هُنَا لَمْ يَتَبَرَّعْ بِشَيْءٍ بَلْ فَوَائِدُ الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ لَهُ وَالْمُرْتَهِنُ دَيْنُهُ بِحَالَةٍ فَلَا تَبَرُّعَ هُنَا، فَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالرُّشْدِ.

قَوْلُهُ: (كَمَا فِي الْبَيْعِ) فِيهِ أَنَّ الْبَائِعَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ، بِدَلِيلِ صِحَّةِ بَيْعِ الْوَكِيلِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ أَهْلَ تَبَرُّعٍ فِي مَالِ مُوَكِّلِهِ، وَحِينَئِذٍ فَالْمُنَاسِبُ كَمَا فِي الْقَرْضِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُقْرِضِ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ التَّبَرُّعُ فِي مَالِهِ وَالْوَلِيُّ أَهْلُ تَبَرُّعٍ فِي مَالِهِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ غِبْطَةٍ ظَاهِرَةٍ) اُحْتُرِزَ بِذَلِكَ عَمَّا لَوْ اشْتَرَى مَتَاعًا بِمِائَةٍ مُؤَجَّلَةٍ وَهُوَ يُسَاوِي مِائَةً حَالَّةً، فَإِنَّ الْغِبْطَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَوْجُودَةٌ لَكِنَّهَا لَا تَظْهَرُ لِكُلِّ أَحَدٍ، شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ: أَوْ غِبْطَةٌ ظَاهِرَةٌ، سَيَأْتِي فِي الشَّرِكَةِ أَنَّ الْغِبْطَةَ مَالٌ لَهُ وَقَعَ أَيْ قَدْرٌ لَا يُتَسَامَحُ أَيْ لَا يُتَسَاهَلُ بِهِ، فَانْظُرْ مَا مُفَادُ قَوْلِهِ ظَاهِرَةً. اهـ. . وَيُجَابُ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ ظَاهِرَةً أَيْ مُتَحَقِّقَةً لِلْوَلِيِّ

قَوْلُهُ: (فَيَجُوزُ لَهُ الرَّهْنُ) هَذَا جَوَازٌ بَعْدَ امْتِنَاعٍ فَيَصْدُقُ بِالْوُجُوبِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ

لِلْمَصْلَحَةِ

. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (مِثَالُهُمَا) أَيْ الرَّهْنِ وَالِارْتِهَانِ.

قَوْلُهُ: (لِحَاجَةِ الْمُؤْنَةِ) أَيْ حَاجَةٍ شَاقَّةٍ لِيُلَائِمَ قَوْلَهُ " إلَّا لِضَرُورَةٍ إلَخْ " وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا يُقَالُ الْحَاجَةُ أَعَمُّ مِنْ الضَّرُورَةِ، فَإِنَّهَا تَشْمَلُ التَّفَكُّهَ وَثِيَابَ الزِّينَةِ، فَكَيْفَ تُفَسَّرُ الضَّرُورَةُ بِذَلِكَ؟ . اهـ. ع ش.

قَوْلُهُ: (كَنَفَاقِ) مَتَاعٍ أَيْ رَوَاجٍ يُقَالُ نَفَقَتْ السِّلْعَةُ وَالْمَرْأَةُ نَفَاقًا بِالْفَتْحِ كَثُرَ طُلَّابُهَا وَخُطَّابُهَا، وَقَوْلُهُ " (كَاسِدٍ) " أَيْ بَائِرٍ.

قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوِهِ) كَتَلَفٍ.

قَوْلُهُ: (وَمِثَالُهُمَا لِلْغِبْطَةِ إلَخْ) وَإِذَا رَهَنَ فَلَا يَرْهَنُ إلَّا مِنْ أَمِينٍ آمِنٍ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَعِبَارَةُ الْعَنَانِيِّ: وَإِنَّمَا يَجُوزُ بَيْعُ مَالِهِ مُؤَجَّلًا لِغِبْطَةٍ مِنْ أَمِينٍ غَنِيٍّ وَبِإِشْهَادٍ وَبِأَجَلٍ قَصِيرٍ عُرْفًا وَكَوْنُ الْمَرْهُونِ وَافِيًا بِالثَّمَنِ، فَإِنْ فُقِدَ شَرْطٌ بَطَلَ الْبَيْعُ. قَوْلُهُ:(مَا يُسَاوِي مِائَةً) أَيْ حَالَّةً، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فَلَوْ امْتَنَعَ الْبَائِعُ إلَّا بِرَهْنِ مَا يَزِيدُ عَلَى الْمِائَةِ تُرِكَ الشِّرَاءُ خِلَافًا لِجَمْعِ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ يُسَاوِي مِائَتَيْنِ) أَيْ حَالَّةً ع ش.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَلْزَمُ الرَّهْنُ) وَاللُّزُومُ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الرَّاهِنِ، وَأَمَّا الْمُرْتَهِنُ فَإِنَّهُ جَائِزٌ فِي حَقِّهِ فَلَهُ فَسْخُهُ مَتَى شَاءَ. قَوْلُهُ:(كَمَا مَرَّ) أَيْ قَبْضًا مِثْلُ مَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ، أَيْ مِنْ النَّقْلِ فِي الْمَنْقُولِ وَالتَّخْلِيَةِ فِي غَيْرِهِ؛ وَفِي نُسْخَةٍ:" بِمَا مَرَّ " وَهِيَ ظَاهِرَةٌ.

قَوْلُهُ: (مِمَّنْ يَصِحُّ عَقْدُهُ) مُتَعَلِّقٌ بِقَبْضٍ وَإِذْنٍ وَإِقْبَاضٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ غَيْرُ

ص: 74

كَالْعَقْدِ لَا إنَابَةُ مُقْبِضٍ مِنْ رَاهِنٍ أَوْ نَائِبِهِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى اتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ.

(وَلِلرَّاهِنِ الرُّجُوعُ فِيهِ) أَيْ الْمَرْهُونِ (مَا لَمْ يُقْبِضْهُ) الْمُرْتَهِنَ أَوْ نَائِبَهُ، وَيَحْصُلُ الرُّجُوعُ قَبْلَ قَبْضِهِ بِتَصَرُّفٍ يُزِيلُ مِلْكًا كَهِبَةٍ مَقْبُوضَةٍ لِزَوَالِ مَحِلِّ الرَّهْنِ، وَبِرَهْنٍ مَقْبُوضٍ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ وَتَقْيِيدُهُمَا بِالْقَبْضِ هُوَ مَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ ذَلِكَ بِدُونِ قَبْضٍ لَا يَكُونُ رُجُوعًا. لَكِنْ نَقَلَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ النَّصِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ رُجُوعٌ وَصَوَّبَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَيَحْصُلُ الرُّجُوعُ أَيْضًا بِكِتَابَةٍ وَتَدْبِيرٍ وَإِحْبَالٍ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا الْعِتْقُ وَهُوَ مُنَافٍ لِلرَّهْنِ، وَلَا يَحْصُلُ بِوَطْءٍ وَتَزْوِيجٍ لِعَدَمِ مُنَافَاتِهِمَا لَهُ وَلَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَلِلْعَاقِدِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ رَاهِنًا أَوْ مُرْتَهِنًا. وَقَوْلُهُ " فِيهِ " أَيْ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْقَبْضِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُرْتَهِنِ وَالْإِقْبَاضِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّاهِنِ، فَالْقَبْضُ تَنَاوَلَ الْمُرْتَهِنَ وَالْإِقْبَاضُ دَفَعَ الْمَرْهُونَ لِلْمُرْتَهِنِ. قَوْلُهُ:(لَا إنَابَةَ مُقْبِضٍ) أَيْ لَا إنَابَةَ الْمُرْتَهِنِ الْمُقْبِضَ فِي الْقَبْضِ، أَيْ إنَّ الْمُرْتَهِنَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ إنَابَةُ الرَّاهِنِ أَوْ نَائِبِهِ أَوْ عَبْدِهِ فِي الْقَبْضِ، وَأَمَّا عَكْسُهُ وَهُوَ إنَابَةُ الرَّاهِنِ الْمُرْتَهِنَ فِي الْإِقْبَاضِ فَيَصِحُّ وَكَأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِهِ لِأَنَّهُ كَالْإِقْبَاضِ.

قَوْلُهُ: (الرُّجُوعُ فِيهِ) أَيْ فِي الرَّهْنِ بِفَسْخِهِ أَوْ فِي الْمَرْهُونِ بَعْدَ فَسْخِ عَقْدِهِ. وَسَلَكَ الشَّارِحُ الثَّانِيَ لِمُنَاسَبَةِ الضَّمِيرِ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ رَاجِعٌ لِلْمَرْهُونِ، وَفَاعِلُ يَقْبِضُ إمَّا الرَّاهِنُ بِجَعْلِهِ مِنْ أَقْبَضَ وَهُوَ أَوْلَى، أَوْ الْمُرْتَهِنُ بِجَعْلِهِ مِنْ قَبْضَ، وَسَلَكَ الشَّارِحُ الثَّانِيَ لِيَدْخُلَ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ ق ل؛ لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ حَذْفُ الْفَاعِلِ وَهُوَ الْمُرْتَهِنُ لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ لَا مِنْ كَلَامِ الْمَاتِنِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ أَيْ الْمَرْهُونِ الْمُنَاسِبِ أَيْ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ الْمُتَقَدِّمُ، نَعَمْ ضَمِيرُ يَقْبِضُهُ رَاجِعٌ لِلْمَرْهُونِ فَيَكُونُ فِي كَلَامِهِ اسْتِخْدَامٌ.

قَوْلُهُ: (مَقْبُوضَةٍ) لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ، أَيْ مَقْبُوضٌ مُتَعَلِّقُهَا وَهُوَ الْمَوْهُوبُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ اسْمٌ لِلْعَقْدِ وَهُوَ لَا يُقْبَضُ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الرَّهْنِ.

قَوْلُهُ: (وَبِرَهْنٍ) أَعَادَ الْعَامِلَ إشَارَةً إلَى اسْتِقْلَالِهِ، أَيْ فَلَيْسَ مَعْطُوفًا عَلَى الْهِبَةِ لِأَنَّ هَذَا لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ، شَوْبَرِيٌّ؛ بَلْ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِتَصَرُّفٍ.

قَوْلُهُ: (مَقْبُوضٍ) لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ.

قَوْلُهُ: (لَا يَكُونُ رُجُوعًا) زَادَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِتَخْرِيجِ الرَّبِيعِ اهـ. وَقَوْلُهُ " لِتَخْرِيجِ الرَّبِيعِ " أَيْ عَلَى الْهِبَةِ لِلْفَرْعِ؛ فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا وَهَبَهَا الْأَصْلَ لِفَرْعِهِ لَا يَكُونُ رُجُوعًا إلَّا بِالْقَبْضِ فَجَرَى ذَلِكَ فِي نَظِيرِهَا كَمَا هُوَ شَأْنُ التَّخْرِيجِ عِنْدَهُمْ. وَأَشَارَ ابْنُ السُّبْكِيّ إلَى ضَابِطِ التَّخْرِيجِ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لِلْمُجْتَهِدِ قَوْلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ لَكِنْ عُرِفَ لَهُ قَوْلٌ فِي نَظِيرِهَا فَهُوَ قَوْلُهُ الْمُخَرَّجُ فِيهَا عَلَى الْأَصَحِّ اهـ. وَحَاصِلُهُ كَمَا أَوْضَحَهُ شَارِحُهُ وَحَوَاشِيهِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَسْأَلَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ فَيَنُصُّ الْمُجْتَهِدُ فِي كُلٍّ حُكْمًا غَيْرَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُخْرَى، فَيُخَرِّجُ الْأَصْحَابُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا قَوْلًا آخَرَ اسْتِنْبَاطًا لَهُ مِنْ الْمَنْصُوصِ فِي الْأُخْرَى. وَهُنَا قَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الرُّجُوعِ عَنْ الرَّهْنِ بِهِبَةٍ أَوْ رَهْنٍ عَلَى أَنَّهُ يَحْصُلُ الرُّجُوعُ بِهِمَا وَلَوْ بِلَا قَبْضٍ، وَنَصَّ فِي نَظِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ هِبَةُ الْأَصْلِ لِفَرْعِهِ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الرُّجُوعُ عَنْهَا بِهِبَةٍ أُخْرَى أَوْ رَهْنٍ إلَّا مَعَ الْقَبْضِ؛ فَخَرَّجَ الرَّبِيعُ فِي مَسْأَلَتِنَا لِلشَّافِعِيِّ رضي الله عنه قَوْلًا آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الرُّجُوعُ بِهِمَا إلَّا مَعَ الْقَبْضِ اسْتِنْبَاطًا مِنْ الْمَنْصُوصِ فِي مَسْأَلَةِ الْهِبَةِ لِلْفَرْعِ؛ وَمُقْتَضَى الضَّابِطِ أَنَّ الرَّبِيعَ خَرَّجَ لِلشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْهِبَةِ لِلْفَرْعِ قَوْلًا بِأَنَّهُ يَحْصُلُ الرُّجُوعُ بِهَا وَلَوْ بِدُونِ قَبْضٍ اسْتِنْبَاطًا مِمَّا هُنَا، فَتَدَبَّرْ.

قَوْلُهُ: (لَكِنْ نَقَلَ السُّبْكِيُّ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِنَظِيرِهِ فِي الْوَصِيَّةِ اهـ، أَيْ فِيمَا إذَا قَالَ: أَوْصَيْت بِهَذَا الْعَبْدِ لِزَيْدٍ ثُمَّ وَهَبَهُ لِعَمْرٍو فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْعَبْدَ الْمَوْهُوبَ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ) اعْتَمَدَهُ م ر.

قَوْلُهُ: (بِكِتَابَةٍ) وَلَوْ فَاسِدَةً، حَجّ.

قَوْلُهُ: (وَإِحْبَالٍ) أَيْ مِنْهُ أَوْ مِنْ أَصْلِهِ. وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الرَّهْنِ طَرَيَانُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ يُبْطِلُ الرَّهْنَ، وَكُلَّ تَصَرُّفٍ لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَهُ لَا يَفْسَخُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَّا الرَّهْنَ وَالْهِبَةَ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ اهـ شَرْحُ م ر. قُلْتُ: اقْتِصَارُهُ عَلَى إحْبَالِهِ وَأَصْلُهُ يُخْرِجُ إحْبَالَ فَرْعِهِ. وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْأَصْلَ لَهُ فِي مَالٍ فَرْعُهُ شُبْهَةُ الْإِعْفَافِ دُونَ عَكْسِهِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (بِوَطْءٍ) أَيْ وَإِنْ أَنْزَلَ أَوْ أَزَالَ الْبَكَارَةَ، سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ.

قَوْلُهُ: (وَتَزْوِيجٍ) سَوَاءٌ كَانَ لِعَبْدٍ أَوْ

ص: 75

بِمَوْتِ عَاقِدٍ وَجُنُونِهِ وَإِغْمَائِهِ وَتَخَمُّرِ عَصِيرٍ وَإِبَاقِ رَقِيقٍ، وَلَيْسَ لِرَاهِنٍ مَقْبِضُ رَهْنٍ وَلَا وَطْءٌ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا تَحْبَلُ، وَلَا تَصَرُّفَ يُزِيلُ مِلْكًا كَوَقْفٍ أَوْ يَنْقُصُهُ كَتَزْوِيجٍ فَلَا يَنْفُذُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ إلَّا إعْتَاقُ مُوسِرٍ وَإِيلَادُهُ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ وَقْتَ إعْتَاقِهِ وَإِحْبَالِهِ وَتَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ بِغَيْرِ عَقْدٍ لِقِيَامِهَا مَقَامَهُ، وَالْوَلَدُ الْحَاصِلُ مِنْ وَطْءِ الرَّاهِنِ حُرٌّ نَسِيبٌ وَلَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ. وَإِذَا لَمْ يَنْفُذْ الْعِتْقُ وَالْإِيلَادُ لِكَوْنِهِ مُعْسِرًا فَانْفَكَّ الرَّهْنُ نَفَذَ الْإِيلَادُ لَا الْإِعْتَاقُ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ قَوْلٌ فَإِذَا رُدَّ لَغَا،

ــ

[حاشية البجيرمي]

أَمَةٍ أج.

قَوْلُهُ: (وَلَا بِمَوْتِ عَاقِدٍ) مِنْ رَاهِنٍ أَوْ مُرْتَهِنٍ، أَيْ فَيَقُومُ فِي الْمَوْتِ وَرَثَةُ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ مَقَامَهُمَا فِي الْقَبْضِ وَالْإِقْبَاضِ وَفِي غَيْرِهِ مَنْ يَنْظُرُ فِي حَالِ الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ مِنْ وَلِيٍّ أَوْ حَاكِمٍ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ يَنْتَظِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف.

قَوْلُهُ: (وَتَخَمُّرِ عَصِيرٍ) لَكِنْ لَا يُعْتَدُّ بِقَبْضِهِ حَالَ التَّخَمُّرِ فَيَقْبِضُ بَعْدَ تَخَلُّلِهِ ق ل، فَإِنْ قَبَضَ حَالَ التَّخَمُّرِ اُسْتُؤْنِفَ الْقَبْضُ بَعْدَ التَّخَلُّلِ لِفَسَادِ الْقَبْضِ الْأَوَّلِ م ر وَح ل.

قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لِرَاهِنٍ مَقْبِضُ إلَخْ) مَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " مَا لَمْ يُقْبِضْهُ " أَيْ أَمَّا إذَا أَقْبَضَهُ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا بِغَيْرِهَا.

قَوْلُهُ: (رَهْنٍ) لِئَلَّا يُزَاحِمَ الْمُرْتَهِنَ. وَهَذِهِ الْعِلَّةُ قَاصِرَةٌ عَلَى رَهْنِهِ لِغَيْرِ الْمُرْتَهِنِ، وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا الْمَدَابِغِيِّ: قَوْلُهُ: " رَهْنٍ " أَيْ لِغَيْرِ الْمُرْتَهِنِ وَلَا لَهُ بِدَيْنٍ آخَرَ وَإِنْ وَفَّى أَيْ لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ وَالْمَشْغُولُ لَا يُشْغَلُ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَوْقَ الرَّهْنِ بِدَيْنٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ شَغْلُ فَارِغٍ. قَوْلُهُ:(وَلَا وَطْءٌ) لِخَوْفِ الْإِحْبَالِ فِيمَنْ تَحْبَلُ وَحَسْمًا لِلْبَابِ فِي غَيْرِهَا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. نَعَمْ لَوْ خَافَ الزِّنَا لَوْ لَمْ يَطَأْ فَلَهُ وَطْؤُهَا فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّهُ كَالْمُضْطَرِّ، وَمَحَلُّ عَدَمِ الْوَطْءِ إذَا كَانَ مُعْسِرًا كَمَا قَالَهُ ح ل. وَخَرَجَ بِالْوَطْءِ بَقِيَّةُ التَّمَتُّعَاتِ فَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: تَحْرُمُ. وَجَمَعَ الشَّيْخُ يَعْنِي شَيْخَ الْإِسْلَامِ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الثَّانِي عَلَى مَا لَوْ خَافَ الْوَطْءَ وَالْأَوَّلُ عَلَى مَا لَوْ أَمِنَهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ اهـ مِنْ شَرْحِ م ر.

قَوْلُهُ: (مِمَّا لَا تَحْبَلُ) الْأَوْلَى مِمَّنْ كَمَا فِي نُسْخَةِ لِأَنَّ " مَا " لِغَيْرِ الْعَاقِلِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَمَةَ تُشْبِهُ غَيْرَ الْعَاقِلِ وَالْوَطْءُ حَرَامٌ، وَلَوْ كَانَ الرَّاهِنُ زَوْجًا كَأَنْ اسْتَعَارَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ مِنْ سَيِّدِهَا لِيَرْهَنَهَا فَرَهَنَهَا. وَبِهِ يُلْغَزُ فَيُقَالُ: لَنَا زَوْجٌ لَا يَجُوزُ وَطْؤُهُ لِزَوْجَتِهِ إلَّا بِإِذْنِ أَجْنَبِيٍّ وَهُوَ الْمُرْتَهِنُ.

قَوْلُهُ: (كَوَقْفٍ إلَخْ) نَعَمْ لَهُ قَتْلُهُ قَوَدًا وَدَفْعًا لَهُ إذَا كَانَ صَائِلًا، وَكَذَا لِنَحْوِ رِدَّةٍ إذَا كَانَ وَالِيًا اهـ م ر وأ ج.

قَوْلُهُ: (أَوْ يَنْقُصُهُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْقَافِ وَالصَّادِ. قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا} [التوبة: 4] . وَبِضَمِّ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ الْمَكْسُورَةِ، وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ لِمَجِيءِ الْقُرْآنِ بِهِ. وَأَمَّا " يُنْقِصُ " بِضَمِّ الْيَاءِ وَسُكُونِ النُّونِ وَكَسْرِ الْقَافِ فَلَمْ يَثْبُتْ، وَجَاءَ " نَقَصَ " بِالتَّخْفِيفِ لَازِمًا يُقَالُ نَقَصَ الْمَالُ. قَوْلُهُ:(فَلَا يَنْفُذُ) فَالتَّزْوِيجُ بَاطِلٌ وَكَذَا الْإِجَارَةُ وَالدَّيْنُ حَالٌّ أَوْ يَحِلُّ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّتِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْقُصُ الْقِيمَةَ وَيُقَلِّلُ الرَّغْبَةَ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ يَحِلُّ بَعْدَ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَوْ مَعَ فَرَاغِهَا جَازَتْ، وَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ الْمَذْكُورُ مَعَ الْمُرْتَهِنِ وَمَعَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ كَمَا سَيَأْتِي شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ:(مُوسِرٍ) الْمُرَادُ يَسَارُهُ بِأَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَةِ الْمَرْهُونِ وَالدَّيْنِ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، م ر ز ي وع ش.

قَوْلُهُ: (وَإِيلَادُهُ) وَإِقْدَامُ الْمُوسِرِ عَلَيْهِمَا جَائِزٌ ح ل.

قَوْلُهُ: (وَتَكُونُ رَهْنًا إلَخْ) وَقَبْلَ الْغُرْمِ يَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِأَنَّهَا مَرْهُونَةٌ، أَيْ فِي ذِمَّتِهِ، وَهَذَا رَهْنٌ فِي الدَّوَامِ فَلَا يُنَافِي مَا سَبَقَ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ رَهْنِ الدَّيْنِ لِأَنَّ مَحِلَّهُ فِي الِابْتِدَاءِ. وَفَائِدَةُ ذَلِكَ تَقْدِيمُ الْمُرْتَهِنِ بِذَلِكَ عَلَى الْغُرَمَاءِ وَعَلَى مُؤْنَةِ التَّجْهِيزِ وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ، وَلَيْسَ لَهُ سِوَى قَدْرِ الْقِيمَةِ ح ل. قَوْلُهُ:(وَالْوَلَدُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْفُذْ إيلَادُهُ، ابْنُ حَجَرٍ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ) وَلَا حَدَّ وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ؛ لَكِنْ يَغْرَمُ أَرْشَ الْبَكَارَةِ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الْجُزْءِ الذَّاهِبِ وَتَكُونُ رَهْنًا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (لِكَوْنِهِ مُعْسِرًا) وَيُبَاعُ عَلَى الْمُعْسِرِ مِنْهَا بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَإِنْ نَقَصَتْ بِالتَّشْقِيصِ رِعَايَةً لِحَقِّ الْإِيلَادِ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْأَعْيَانِ الْمَرْهُونَةِ حَيْثُ يُبَاعُ كُلُّهُ رِعَايَةً لِحَقِّ الْمَالِكِ؛ لَكِنْ لَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْهَا إلَّا بَعْدَ وَضْعِ وَلَدِهَا لِحَمْلِهَا بِحُرٍّ بَلْ وَبَعْدَ أَنْ تَسْقِيَهُ اللِّبَأَ وَيُوجَدُ مَنْ يَسْتَغْنِي بِهِ عَنْهَا، فَإِنْ اسْتَغْرَقَهَا الدَّيْنُ أَوْ عَدِمَ مُشْتَرِي الْبَعْضِ بِيعَتْ كُلُّهَا لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي الْأُولَى وَلِلضَّرُورَةِ فِي الثَّانِيَةِ، وَلَا يَضُرُّ التَّفْرِيقُ حِينَئِذٍ لِأَنَّ الْوَلَدَ حُرٌّ اهـ شَرْحُ م ر.

قَوْلُهُ: (فَانْفَكَّ الرَّهْنُ) أَيْ بِغَيْرِ بَيْعٍ، فَإِنْ انْفَكَّ

ص: 76

وَالْإِيلَادُ فِعْلٌ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ فَإِذَا زَالَ الْحَقُّ ثَبَتَ حُكْمُهُ.

وَلِلرَّاهِنِ انْتِفَاعٌ بِالْمَرْهُونِ لَا يَنْقُصُهُ كَرُكُوبٍ وَسُكْنَى لَا بِنَاءٌ وَغِرَاسٌ لِأَنَّهُمَا يَنْقُصَانِ قِيمَةَ الْأَرْضِ ثُمَّ إنْ أَمْكَنَ بِلَا اسْتِرْدَادِ الْمَرْهُونِ انْتِفَاعٌ يُرِيدُهُ الرَّاهِنُ مِنْهُ لَمْ يَسْتَرِدَّ وَإِلَّا فَيَسْتَرِدُّهُ كَأَنْ يَكُونَ دَارًا يَسْكُنُهَا وَيَشْهَدُ عَلَيْهِ بِالِاسْتِرْدَادِ إنْ اتَّهَمَهُ وَلَهُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ مَا مَنَعْنَاهُ مِنْهُ، وَلَهُ رُجُوعٌ عَنْ الْإِذْنِ قَبْلَ تَصَرُّفِ الرَّاهِنِ كَمَا لِلْمُوَكِّلِ الرُّجُوعُ قَبْلَ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ، فَإِنْ تَصَرَّفَ بَعْدَ رُجُوعِهِ لَغَا تَصَرُّفُهُ كَتَصَرُّفِ وَكِيلٍ عَزَلَهُ مُوَكِّلُهُ.

وَعَلَى الرَّاهِنِ الْمَالِكِ مُؤْنَةُ الْمَرْهُونِ كَنَفَقَةِ رَقِيقٍ وَعَلْفِ دَابَّةٍ وَأُجْرَةِ سَقْيِ أَشْجَارٍ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْمَرْهُونِ كَفَصْدٍ وَحِجَامَةٍ وَهُوَ أَمَانَةٌ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ. (وَلَا يَضْمَنُهُ الْمُرْتَهِنُ) بِمِثْلٍ وَلَا قِيمَةٍ إذَا تَلِفَ (إلَّا بِالتَّعَدِّي) بِالتَّفْرِيطِ فَيَضْمَنُهُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

بِبَيْعٍ لَمْ يَنْفُذْ الْإِيلَادُ إلَّا إنْ مَلَكَ الْأَمَةَ بَعْدُ، فَإِنْ مَلَكَ بَعْضَهَا نَفَذَ الْإِيلَادُ فِيهِ وَسَرَى النُّفُوذُ إلَى الْبَاقِي إنْ كَانَ مُوسِرًا حِينَئِذٍ فِيمَا يَظْهَرُ، فَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَ الْمِلْكِ فَفِيهِ نَظَرٌ. وَيَظْهَرُ النُّفُوذُ لِلْحُكْمِ بِثُبُوتِ الْإِيلَادِ فِي حَقِّهِ بِمُجَرَّدِ الْإِحْبَالِ، وَإِنَّمَا تَخَلَّفَ لِمَانِعٍ وَقَدْ زَالَ؛ سم.

قَوْلُهُ: (وَالْإِيلَادُ فِعْلٌ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ) وَإِنَّمَا يُمْنَعُ حُكْمُهُ فِي الْحَالِ لِحَقِّ الْغَيْرِ، فَإِذَا زَالَ إلَخْ شَرْحُ الْمَنْهَجِ، فَفِيهِ حَذْفٌ.

قَوْلُهُ: (لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ) بِدَلِيلِ نُفُوذِهِ مِنْ السَّفِيهِ وَالْمَجْنُونِ، فَهُوَ أَقْوَى دُونَ إعْتَاقِهِمَا ز ي.

قَوْلُهُ: (فَإِذَا زَالَ الْحَقُّ) وَهُوَ تَعَلُّقُ حَقِّ الرَّهْنِ بِهِ، وَقَوْلُهُ " ثَبَتَ حُكْمُهُ " أَيْ الْإِيلَادِ وَهُوَ صَيْرُورَتُهَا أُمَّ وَلَدٍ وَعَدَمُ صِحَّةِ نَحْوِ بَيْعِهَا، فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (وَلِلرَّاهِنِ انْتِفَاعٌ) فَإِنْ تَلِفَ بِالِانْتِفَاعِ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ يَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ، فَإِنْ ادَّعَى رَدَّهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ نَظِيرَ عَكْسِهِ، أَفَادَهُ شَيْخُنَا ح ف.

قَوْلُهُ: (لَا بِنَاءٌ وَغِرَاسٌ) هَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا تَصَرُّفٌ إلَخْ. وَهُوَ مَرْفُوعٌ مَعْطُوفٌ عَلَى انْتِفَاعٍ، قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: بَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ اسْتِثْنَاءَ بِنَاءٍ خَفِيفٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بِاللَّبِنِ كَمِظَلَّةِ النَّاظُورِ؛ لِأَنَّهُ يُزَالُ عَنْ قُرْبٍ كَالزَّرْعِ وَلَا تَنْقُصُ بِهِ الْقِيمَةُ وَلَهُ زَرْعُ مَا يُدْرَكُ قَبْلَ حُلُولِ الدَّيْنِ أَوْ مَعَهُ وَلَمْ تَنْقُصْ بِهِ قِيمَةُ الْأَرْضِ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُمَا يُنْقِصَانِ قِيمَةَ الْأَرْضِ) أَيْ إذَا بِيعَتْ فِي الدَّيْنِ لِأَنَّهَا تُبَاعُ خَالِيَةً عَنْهُمَا. مَعَ شَغْلِهَا بِهِمَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ قِيمَتَهَا وَحْدَهَا مَعَ اشْتِغَالِهَا بِهِمَا أَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهَا خَالِيَةً عَنْهُمَا.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ إنْ أَمْكَنَ بِلَا اسْتِرْدَادٍ) كَأَنْ يَكُونَ عَبْدًا يَخِيطُ وَأَرَادَ مِنْهُ الْخِيَاطَةَ. وَقَوْلُهُ " وَإِلَّا فَيَسْتَرِدُّهُ كَأَنْ يَكُونَ دَارًا يَسْكُنُهَا " أَوْ عَبْدًا يَخْدُمُهُ أَوْ دَابَّةً يَرْكَبُهَا أَيْ لِغَيْرِ سَفَرٍ وَإِنْ قَصَرَ، وَيَرُدُّ الدَّابَّةَ وَالْعَبْدَ إلَى الْمُرْتَهِنِ لَيْلًا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ وح ل.

قَوْلُهُ: (وَيَشْهَدُ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي الرَّدِّ وَلَا يَجِبُ الْإِشْهَادُ إلَّا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا قَالَهُ م ر. وَعِبَارَةُ س ل: وَيُشْهِدُ عَلَيْهِ أَيْ يُشْهِدُ شَاهِدَيْنِ وَإِنْ لَمْ تُشْتَهَرْ عَدَالَتُهُ، أَمَّا مَشْهُورُ الْخِيَانَةِ فَلَا يُسَلَّمُ لَهُ أَصْلًا وَإِنْ أَشْهَدَ.

قَوْلُهُ: (بِالِاسْتِرْدَادِ) وَشَرْطُ اسْتِرْدَادِ الْأَمَةِ أَمْنُ وَطْئِهَا لِكَوْنِهَا مَحْرَمًا لَهُ أَوْ كَوْنِهِ ثِقَةً وَلَهُ أَهْلٌ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (وَلَهُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ مَا مَنَعْنَاهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ تَصَرُّفٍ وَانْتِفَاعٍ فَيَحِلُّ الْوَطْءُ، فَإِنْ لَمْ تَحْبَلْ فَالرَّهْنُ بِحَالِهِ، وَإِنْ أَحْبَلَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ بَاعَ نَفَذَتْ وَبَطَلَ الرَّهْنُ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَإِنْ رَدَّ الْإِذْنَ لَمْ يَرْتَدَّ عَلَى الْأَوْجَهِ؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ لَا تَرْتَدُّ بِالرَّدِّ. وَفَارَقَتْ الْوَكَالَةُ بِأَنَّهَا عَقْدٌ س ل.

قَوْلُهُ: (قَبْلَ تَصَرُّفِ) وَكَذَا مَعَهُ عَلَى الْأَوْجَهِ لِبَقَاءِ حَقِّهِ،. اهـ. شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَصَرَّفَ) وَلَوْ جَاهِلًا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (بَعْدَ رُجُوعِهِ) أَيْ بِغَيْرِ إعْتَاقٍ وَإِيلَادٍ مِنْ الْمُوسِرِ.

قَوْلُهُ: (وَعَلَى الرَّاهِنِ الْمَالِكِ إلَخْ) خَرَجَ مُؤْنَةُ الْمَرْهُونِ الْمُسْتَعَارِ فَإِنَّهَا عَلَى مَالِكِهِ لَا عَلَى الرَّاهِنِ م ر.

قَوْلُ: (وَلَا يَضْمَنُهُ) أَيْ لَا قَبْلَ الْبَرَاءَةِ مِنْ الدَّيْنِ وَلَا بَعْدَهَا. وَلَوْ اسْتَعَارَهُ الْمُرْتَهِنُ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْعَوَارِيِّ، وَلَوْ ارْتَهَنَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَضْمَنَهُ فَسَدَ الرَّهْنُ وَلَا ضَمَانَ إذْ فَاسِدُ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ؛ سم. قَوْلُهُ:(إلَّا بِالتَّعَدِّي) أَوْ الِامْتِنَاعِ مِنْ رَدِّهِ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ مِنْ الدَّيْنِ. وَمِنْ التَّعَدِّي رُكُوبُ الدَّابَّةِ وَالْحَمْلُ عَلَيْهَا وَاسْتِعْمَالُ الْإِنَاءِ وَنَحْوُ ذَلِكَ

ص: 77

حِينَئِذٍ لِخُرُوجِ يَدِهِ عَنْ الْأَمَانَةِ، وَلَا يَسْقُطُ بِتَلَفِهِ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ وَيُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ فِي دَعْوَى التَّلَفِ بِيَمِينِهِ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي الرَّدِّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ

ضَابِطٌ: كُلُّ أَمِينٍ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إلَّا الْمُرْتَهِنَ وَالْمُسْتَأْجِرَ.

(وَإِذَا قَضَى) بِمَعْنَى أَدَّى، الرَّاهِنُ (بَعْضَ الْحَقِّ) أَيْ الدَّيْنِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الرَّهْنُ (لَمْ يَخْرُجْ) أَيْ لَمْ يَنْفَكَّ (شَيْءٌ مِنْ الرَّهْنِ حَتَّى يَقْضِيَ) أَيْ يُؤَدِّيَ (جَمِيعَهُ) لِتَعَلُّقِهِ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ الدَّيْنِ كَرَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ، وَيَنْفَكُّ أَيْضًا بِفَسْخِ الْمُرْتَهِنِ وَلَوْ بِدُونِ الرَّاهِنِ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، وَبِالْبَرَاءَةِ مِنْ جَمِيعِ الدَّيْنِ. وَلَوْ رَهَنَ نِصْفَ عَبْدٍ بِدَيْنٍ وَنِصْفَهُ بِآخَرَ فِي صَفْقَةٍ أُخْرَى فَبَرِئَ مِنْ أَحَدِهِمَا انْفَكَّ قِسْطُهُ لِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ بِتَعَدُّدِ الْعَقْدِ. وَلَوْ رَهَنَاهُ بِدَيْنٍ فَبَرِئَ أَحَدُهُمَا مِمَّا عَلَيْهِ انْفَكَّ نَصِيبُهُ لِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ بِتَعَدُّدِ الْعَاقِدِ. وَلَوْ رَهَنَهُ عِنْدَ اثْنَيْنِ فَبَرِئَ مِنْ دَيْنِ أَحَدِهِمَا انْفَكَّ قِسْطُهُ لِتَعَدُّدِ مُسْتَحِقِّ الدَّيْنِ.

فُرُوعٌ: لَوْ رَهَنَ شَخْصٌ آخَرَ عَبْدَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَسَلَّمَ أَحَدَهُمَا لَهُ كَانَ مَرْهُونًا عَلَى جَمِيعِ الْمَالِ كَمَا لَوْ سَلَّمَهُمَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

م د.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَسْقُطُ بِتَلَفِهِ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: " فَلَا " بِالْفَاءِ وَهِيَ أَحْسَنُ، وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: إنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ وَيَسْقُطُ بِتَلَفِهِ قَدْرُهُ مِنْ الدَّيْنِ،. اهـ. ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ.

قَوْلُهُ: (وَيُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ) وَكَذَا بَقِيَّةُ الْأُمَنَاءِ، وَكَذَا كُلُّ ضَامِنٍ كَالْغَاصِبِ؛ لَكِنْ الْأَمِينُ يُصَدَّقُ وَلَا يَضْمَنُ، وَالْغَاصِبُ يُصَدَّقُ وَيَضْمَنُ الْبَدَلَ.

قَوْلُهُ: (فِي دَعْوَى التَّلَفِ) أَيْ إذَا لَمْ يَتَذَكَّرْ سَبَبًا، أَوْ ذَكَرَ سَبَبًا خَفِيًّا كَسَرِقَةٍ، أَوْ سَبَبًا ظَاهِرًا كَحَرِيقٍ عُرِفَ دُونَ عُمُومِهِ أَوْ عُرِفَ هُوَ وَعُمُومُهُ وَاتُّهِمَ، فَإِنْ لَمْ يُتَّهَمْ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ، فَإِنْ ادَّعَى سَبَبًا ظَاهِرًا لَمْ يُعْرَفْ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى السَّبَبِ وَيَمِينٍ عَلَى التَّلَفِ، فَهُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْوَدِيعَةِ.

قَوْلُهُ: (كُلُّ أَمِينٍ) خَرَجَ الْغَاصِبُ وَالْمُسْتَعِيرُ وَالْمُسْتَامُ. قَوْلُهُ: (إلَّا الْمُرْتَهِنَ وَالْمُسْتَأْجِرَ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْأُمَنَاءِ أَنَّهُمَا يَقْبِضَانِ الْعَيْنَ لِغَرَضِ أَنْفُسِهِمَا، الْمُرْتَهِنُ لِلتَّوَثُّقِ وَالْمُسْتَأْجِرُ لِلِانْتِفَاعِ بِالْمُؤَجَّرِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا فَكَانَا كَالْمُسْتَعِيرِ لِأَنَّهُ يَقْبِضُ لِغَرَضِ نَفْسِهِ. اهـ. م د. بِخِلَافِ الْأَجِيرِ كَالْخَيَّاطِ وَالطَّحَّانِ وَالصَّبَّاغِ، فَإِنَّهُمْ يُصَدَّقُونَ فِي دَعْوَى الرَّدِّ بِيَمِينِهِمْ لِدُخُولِهِمْ فِي الْقَاعِدَةِ.

قَوْلُهُ: (بِمَعْنَى أَدَّى) فَالْقَضَاءُ بِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ.

قَوْلُهُ: (الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الرَّهْنُ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَيْ الدَّيْنُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِالرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ هُوَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالرَّهْنِ لَا الْعَكْسُ، فَلَعَلَّ فِي الْعِبَارَةِ قَلْبًا. قَوْلُهُ:(لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ مِنْ الرَّهْنِ) أَيْ الَّذِي فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَاَلَّذِي لَمْ يَتَعَدَّدْ فِيهِ الرَّاهِنُ وَلَا الْمُرْتَهِنُ ابْتِدَاءً، أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِ بَعْدُ.

قَوْلُهُ: (لِتَعَلُّقِهِ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ الدَّيْنِ) لَوْ قَالَ " لِتَعَلُّقِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الدَّيْنِ بِجَمِيعِ الرَّهْنِ " لَكَانَ أَوْضَحَ، مَرْحُومِيٌّ؛ فَالْعِبَارَةُ فِيهَا قَلْبٌ.

قَوْلُهُ: (وَيَنْفَكُّ أَيْضًا) أَيْ كَمَا يَنْفَكُّ بِقَضَاءِ جَمِيعِ الْحَقِّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ) أَيْ لِلْمُرْتَهِنِ، فَهُوَ جَائِزٌ مِنْ جِهَتِهِ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ رَهَنَ نِصْفَ عَبْدٍ إلَخْ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ كَلَامَ الْمَتْنِ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا اتَّحَدَتْ الصَّفْقَةُ وَفِيمَا إذَا كَانَ الرَّاهِنُ وَاحِدًا وَالْمُرْتَهِنُ وَاحِدًا فَهُوَ تَقْيِيدٌ لِلْمَتْنِ، أَوْ هَذِهِ الصُّوَرُ الثَّلَاثُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ كَلَامِ الْمَتْنِ. وَقَدْ صَرَّحَ فِي مَتْنِ الْمَنْهَجِ بِالِاسْتِثْنَاءِ فَقَالَ: وَيَنْفَكُّ بِفَسْخِ مُرْتَهِنٍ وَبِبَرَاءَةٍ مِنْ الدَّيْنِ لَا بَعْضِهِ، فَلَا يَنْفَكُّ شَيْءٌ إلَّا إنْ تَعَدَّدَ عَقْدٌ أَوْ مُسْتَحِقٌّ أَوْ مَدِينٌ. قَوْلُهُ:(وَلَوْ رَهَنَاهُ) أَيْ الْعَبْدَ

قَوْلُهُ: (فُرُوعٌ) أَيْ ثَلَاثَةٌ. وَهَذِهِ الْفُرُوعُ مِنْ مَعْنَى الْمَتْنِ، وَحَاصِلُهَا أَنَّ مَا أَصْلُهُ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يَصِيرُ صَفْقَتَيْنِ بِتَغَيُّرِ الْحَالِ فِي الدَّوَامِ نَظَرًا لِأَصْلِهِ، وَالْفَرْعَانِ الْأَخِيرَانِ دَاخِلَانِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَإِذَا قَضَى بَعْضَ الْحَقِّ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (آخَرَ) بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ، أَيْ شَخْصًا آخَرَ.

قَوْلُهُ: (كَانَ مَرْهُونًا عَلَى جَمِيعِ الْمَالِ) لَا عَلَى نِصْفِهِ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ رَهْنٌ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ الدَّيْنِ.

قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ سَلَّمَهُمَا) هَذِهِ نُسْخَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَهُنَاكَ نُسْخَةٌ " سَلَّمَهُمَاهُ " فَضَمِيرُ الْمُثَنَّى رَاجِعٌ لِلْعَبْدَيْنِ،

ص: 78

وَتَلِفَ أَحَدُهُمَا، وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ عَنْ وَرَثَةٍ فَفَدَى أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ لَمْ يَنْفَكَّ كَمَا فِي الْمُوَرِّثِ، وَلَوْ مَاتَ الْمُرْتَهِنُ عَنْ وَرَثَةٍ فَوَفَّى أَحَدُهُمَا مَا يَخُصُّهُ مِنْ الدَّيْنِ لَمْ يَنْفَكَّ نَصِيبُهُ كَمَا لَوْ وَفَّى مُوَرِّثُهُ بَعْضَ دَيْنِهِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ.

تَتِمَّةٌ: لَوْ اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي أَصْلِ الرَّهْنِ أَوْ فِي قَدْرِهِ صُدِّقَ الرَّاهِنُ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا يَدَّعِيهِ الْمُرْتَهِنُ هَذَا إنْ كَانَ رَهْنَ تَبَرُّعٍ، أَمَّا الرَّهْنُ الْمَشْرُوطُ فِي بَيْعٍ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي اشْتِرَاطِهِ فِيهِ أَوْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَاخْتَلَفَا فِي شَيْءٍ مِمَّا مَرَّ غَيْرَ الْأُولَى فَيَتَحَالَفَانِ فِيهِ كَسَائِرِ صُوَرِ الْبَيْعِ إذَا اخْتَلَفَا فِيهَا، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُمَا رَهَنَاهُ عَبْدَهُمَا بِمِائَةٍ وَأَقْبَضَاهُ وَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا، فَنَصِيبُهُ رَهْنٌ بِخَمْسِينَ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ وَحَلَفَ الْمُكَذِّبُ لِمَا مَرَّ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُصَدَّقِ عَلَيْهِ لِخُلُوِّهَا عَنْ التُّهْمَةِ. وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَبْضِ الْمَرْهُونِ وَهُوَ بِيَدِ رَاهِنٍ أَوْ مُرْتَهِنٍ وَقَالَ الرَّاهِنُ: غَصَبْته أَوْ أَقَبَضْته عَلَى جِهَةٍ أُخْرَى كَإِعَارَةٍ، صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. وَمَنْ عَلَيْهِ أَلْفَانِ مَثَلًا بِأَحَدِهِمَا رَهْنٌ فَأَدَّى أَلْفًا وَقَالَ: أَدَّيْته عَنْ أَلْفِ الرَّهْنِ، صُدِّقَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَالْمُفْرَدُ الَّذِي بَعْدَهُ لِلْمُرْتَهِنِ، وَهُمَا ضَمِيرَا غَيْبَةٍ، فَكَانَ الْوَاجِبُ الْفَصْلَ فِي الثَّانِي بِأَنْ يَقُولَ: سَلَّمَهُمَا إيَّاهُ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ الْوَصْلُ عِنْدَ اتِّحَادِ الرُّتْبَةِ كَمَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ:

وَفِي اتِّحَادِ الرُّتْبَةِ الْزَمْ فَصْلَا

وَقَدْ يُبِيحُ الْغَيْبَ فِيهِ وَصْلَا

قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَاتَ إلَخْ) هَذَا وَمَا بَعْدَهُ شَمِلَهُمَا قَوْلُ الْمَتْنِ: وَإِذَا قُضِيَ بَعْضُ الْحَقِّ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فَفَدَى إلَخْ) فِي نُسْخَةٍ " فَوَفَّى " وَهِيَ أَظْهَرُ.

قَوْلُهُ: (لَوْ اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ) تَسْمِيَتُهُمَا رَاهِنًا وَمُرْتَهِنًا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى بِحَسَبِ الدَّعْوَى. اهـ. ق ل، وَإِلَّا فَالرَّاهِنُ يُنْكِرُ الرَّهْنَ؛ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ أُطْلِقَ عَلَيْهِ رَاهِنٌ بِالنَّظَرِ لِزَعْمِ الْمُرْتَهِنِ.

قَوْلُهُ: (فِي أَصْلِ الرَّهْنِ) كَأَنْ قَالَ: رَهَنْتنِي كَذَا، فَأَنْكَرَ. وَقَوْلُهُ " أَوْ فِي قَدْرِهِ " أَيْ الرَّهْنِ بِمَعْنَى الْمَرْهُونِ فَفِيهِ اسْتِخْدَامٌ، كَأَنْ قَالَ: رَهَنْتنِي الْأَرْضَ بِشَجَرِهَا، فَقَالَ: بَلْ وَحْدَهَا. زَادَ فِي الْمَنْهَجِ: أَوْ عَيَّنَهُ كَهَذَا الْعَبْدِ، فَقَالَ: بَلْ الثَّوْبُ، أَوْ: قُدِّرَ مَرْهُونٌ بِهِ كَبِأَلْفَيْنِ، فَقَالَ: بَلْ أَلْفٌ،. اهـ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (الْمَالِكُ) لَيْسَ قَيْدًا أَوْ الْمُرَادُ بِهِ وَاضِعُ الْيَدِ فَيَشْمَلُ الْمُسْتَعِيرَ لِلرَّهْنِ اهـ د م. قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ تَصْدِيقُ الرَّاهِنِ.

قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ رَهْنَ تَبَرُّعٍ) أَيْ لَمْ يُشْرَطْ فِي بَيْعٍ أَخْذًا مِنْ الْمُقَابَلَةِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الرَّهْنُ الْمَشْرُوطُ فِي بَيْعٍ) كَأَنْ قَالَ: بِعْتُك هَذَا بِكَذَا بِشَرْطِ أَنْ تَرْهَنَ عَلَيْهِ عَبْدَك.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي اشْتِرَاطِهِ) أَيْ الرَّهْنِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ) أَيْ الِاشْتِرَاطِ.

قَوْلُهُ: (وَاخْتَلَفَا فِي شَيْءٍ مِمَّا مَرَّ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ الْأُولَى غَيْرُ الْقَدْرِ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَاخْتَلَفَا فِي الْقَدْرِ. نَعَمْ هَذَا التَّعْبِيرُ يُنَاسِبُ كَلَامَ الْمَنْهَجِ لِأَنَّهُ قَالَ: اخْتَلَفَا فِي رَهْنِ تَبَرُّعٍ أَوْ قَدْرِهِ أَوْ عَيْنِهِ أَوْ قَدْرِ مَرْهُونٍ بِهِ حَلَفَ رَاهِنٌ، فَالشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سَرَى عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ شَرْحِ الْمَنْهَجِ لَا أَنَّ ذَاكَ ذَكَرَ جُمْلَةَ مَسَائِلَ كَمَا عَرَفْت.

قَوْلُهُ: (غَيْرُ الْأَوْلَى) أَمَّا الْأَوْلَى وَهِيَ اخْتِلَافُهُمَا فِي أَصْلِ الرَّهْنِ بِأَنْ اتَّفَقَا عَلَى الِاشْتِرَاطِ أَوْ اخْتَلَفَا فِي إيجَادِ الرَّهْنِ وَالْوَفَاءِ بِهِ بِأَنْ ادَّعَاهُ الْمُرْتَهِنُ أَيْ قَالَ: وَفَّيْت بِالشَّرْطِ؛ وَأَنْكَرَهُ الرَّاهِنُ، أَيْ قَالَ: لَمْ أَعْقِدْ الرَّهْنَ وَلَمْ أُوفِ بِالِاشْتِرَاطِ، لِيَأْخُذَ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ بِأَنْ كَانَ عِنْدَهُ غَصْبًا أَوْ إعَارَةً، فَلَا تَخَالُفَ فِيهَا بَلْ الْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ وَلِلْمُرْتَهِنِ فَسْخُ الْبَيْعِ إنْ لَمْ يَرْهَنْ الْمَشْرُوطَ رَهْنُهُ، ز ي. قَوْلُهُ:(فَيَتَحَالَفَانِ فِيهِ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " فِي شَيْءٍ " وَإِذَا تَحَالَفَا يَفْسَخَانِهِ أَيْ عَقْدَ الرَّهْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا أَوْ الْحَاكِمُ كَمَا فِي بَابِ التَّحَالُفِ فِي الْبَيْعِ. اهـ. ح ل.

قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا يَدَّعِيهِ الْمُرْتَهِنُ، شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُصَدَّقِ إلَخْ) شَهِدَ مَعَهُ آخَرُ أَوْ حَلَفَ الْمُدَّعِي ثَبَتَ رَهْنُ الْجَمِيعِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ الرَّاهِنُ إلَخْ) يَرْجِعُ لِلثَّانِيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ " أَوْ مُرْتَهِنٌ " بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ وَوَافَقَهُ الرَّاهِنُ عَلَى إذْنِهِ لَهُ فِي قَبْضِهِ عَنْهُ، لَكِنَّهُ قَالَ: إنَّك لَمْ تَقْبِضْهُ عَنْ الرَّهْنِ أَوْ رَجَعْت عَنْ الْإِذْنِ، فَيَحْلِفُ الْمُرْتَهِنُ.

قَوْلُهُ: (كَإِعَارَةٍ) أَيْ وَإِجَارَةٍ وَإِيدَاعٍ. قَوْلُهُ: (صُدِّقَ) أَيْ

ص: 79

بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ وَكَيْفِيَّةِ أَدَائِهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا جَعَلَهُ عَمَّا شَاءَ مِنْهَا

وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ تَعَلَّقَ بِتَرِكَتِهِ كَمَرْهُونٍ وَلَا يَمْنَعُ التَّعَلُّقُ إرْثًا فَلَا يَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ بِزَوَائِدِ التَّرِكَةِ، وَلِلْوَارِثِ إمْسَاكُهَا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهَا وَالدَّيْنِ، وَلَوْ تَصَرَّفَ الْوَارِثُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الرَّاهِنُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ لُزُومِ الرَّهْنِ وَعَدَمُ إذْنِهِ فِي الْقَبْضِ عَنْ الرَّهْنِ قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ) وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ اقْتَرَضَ شَيْئًا وَنَظَرَ أَنَّ لِلْمُقْرِضِ كَذَا مَا دَامَ الْمَالُ فِي ذِمَّتِهِ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ ثُمَّ دَفَعَ لَهُ قَدْرًا يَفِي بِجَمِيعِ الْمَالِ وَقَالَ: قَصَدْت بِهِ الْأَصْلَ، فَيُصَدَّقُ وَلَوْ كَانَ الْمَدْفُوعُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ ع ش.

قَوْلُهُ: (جَعَلَهُ عَمَّا شَاءَ مِنْهُمَا) كَمَا فِي زَكَاةِ الْمَالَيْنِ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ، فَإِنْ جَعَلَهُ عَنْهُمَا قَسَّطَ عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ لَا بِالْقِسْطِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ التَّعْيِينِ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ) هَذَا شُرُوعٌ فِي الرَّهْنِ الشَّرْعِيِّ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الرَّهْنِ الْجَعْلِيِّ. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ دَيْنٌ) أَيْ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ غَيْرُهُ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْآدَمِيِّ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " وَعَلَيْهِ دَيْنٌ " أَيْ غَيْرِ لُقَطَةٍ تَمَلَّكَهَا وَتَلِفَتْ؛ لِأَنَّهُ لَا غَايَةَ لِتَعَلُّقِهِ، لِأَنَّ صَاحِبَهَا قَدْ لَا يَظْهَرُ فَيَلْزَمُ دَوَامُ الْحَجْرِ لَا إلَى غَايَةٍ. وَقَدْ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ بِهَا فِي الْآخِرَةِ لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَهَا مِنْ جُمْلَةِ كَسْبِهِ، بِخِلَافِ دَيْنِ مَنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ لِانْتِقَالِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ بَعْدَ مُضِيِّ الْعُمُرِ الْغَالِبِ بِشَرْطِهِ وَهُوَ انْتِظَامُهُ، فَيُدْفَعُ لِإِمَامٍ عَادِلٍ فَقَاضٍ أَمِينٍ فَثِقَةٍ وَلَوْ مِنْ الْوَرَثَةِ يَصْرِفُهُ كُلٌّ مِنْهُمْ فِي مَصَارِفِهِ. وَشَمِلَ الدَّيْنُ مَا بِهِ رَهْنٌ أَوْ كَفِيلٌ، وَشَمِلَ دَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْهُ الْحَجُّ، فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى يُتِمَّ الْحَجَّ، وَلَا يَكْفِي الِاسْتِئْجَارُ وَدَفْعُ الْأُجْرَةِ. وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِوَارِثٍ سَقَطَ مِنْهَا بِقَدْرِهِ أَيْ فَيَكُونُ لِلْوَارِثِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الرَّهْنُ الشَّرْعِيُّ،. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَقَوْلُهُ " مَا بِهِ رَهْنٌ " أَيْ وَيَكُونُ لَهُ تَعَلُّقَانِ تَعَلُّقٌ خَاصٌّ وَتَعَلُّقٌ عَامٌّ، وَفَائِدَةُ الثَّانِي أَنَّ الرَّهْنَ إذَا لَمْ يَفِ بِهِ أَيْ بِالدَّيْنِ يُزَاحِمُ بِمَا بَقِيَ لَهُ، شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (تَعَلَّقَ بِتَرِكَتِهِ كَمَرْهُونٍ) لِأَنَّ ذَلِكَ أَحْوَطُ لِلْمَيِّتِ وَأَقْرَبُ لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ، فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْوَارِثِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا غَيْرِ إعْتَاقِهِ وَإِيلَادِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا كَالْمَرْهُونِ سَوَاءٌ أَعَلِمَ الْوَارِثُ الدَّيْنَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِالْحُقُوقِ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ أَيْ بِالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ " فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْوَارِثِ " ظَاهِرُهُ وَإِنْ قَلَّ الدَّيْنُ وَكَثُرَتْ التَّرِكَةُ، وَهُوَ كَذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (بِتَرِكَتِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمَرْهُونِ مِنْهَا، لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ؛ فَإِنْ انْفَكَّ تَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِهِ. اهـ. ق ل.

قَوْلُهُ: (كَمَرْهُونٍ) أَيْ كَتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِالْمَرْهُونِ، فَتَكُونُ التَّرِكَةُ كَالْمَرْهُونِ. وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الدَّيْنَ لَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ التَّرِكَةِ فَوَفَّى الْوَارِثُ قَدْرَهَا فَقَطْ أَنَّهَا لَا تَنْفَكُّ مِنْ الرَّهْنِيَّةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا عَنَانِيٌّ، إلَّا أَنْ يُقَالَ التَّشْبِيهُ فِي مُطْلَقِ التَّعَلُّقِ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَمْنَعُ التَّعَلُّقُ إرْثًا) بِدَلِيلِ نُفُوذِ إعْتَاقِ الْوَارِثِ الْمُوسِرِ وَإِيلَادِهِ وَتَقْدِيمِ الدَّيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى قِسْمَةِ التَّرِكَةِ لَا عَلَى الْإِرْثِ.

قَوْلُهُ: (فَلَا يَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ بِزَوَائِدِ التَّرِكَةِ) أَيْ الَّتِي حَدَثَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ كَوَلَدٍ حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَثَمَرٍ وَمَهْرٍ وَكَسْبٍ فَهِيَ لِلْوَارِثِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا بِأَنْوَاعِ التَّصَرُّفَاتِ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ فِي مِلْكِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ مَاتَ عَنْ زَرْعٍ أَخْضَرَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّ الدَّيْنَ يَتَعَلَّقُ بِقَدْرِ مَا كَانَ مَوْجُودًا مِنْ الزَّرْعِ وَقْت الْمَوْتِ، وَمَا زَادَ حَتَّى السَّنَابِلَ فَهِيَ لِلْوَارِثِ اهـ ع ش. قَوْلُهُ:(وَلِلْوَارِثِ إمْسَاكُهَا إلَخْ) حَتَّى لَوْ كَانَ الدَّيْنُ أَكْثَرَ مِنْ التَّرِكَةِ وَقَالَ الْوَارِثُ: آخُذُهَا بِقِيمَتِهَا، وَأَرَادَ الْغُرَمَاءُ بَيْعَهَا لِتَوَقُّعِ زِيَادَةِ رَاغِبٍ أُجِيبَ الْوَارِثُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا لَا تَزِيدُ عَلَى الْقِيمَةِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَلَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ مَا زَادَ عَلَى قِيمَةِ التَّرِكَةِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ " وَلِلْوَارِثِ إمْسَاكُهَا إلَخْ " نَعَمْ لَوْ وَصَّى بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهَا بَعْدَ بَيْعِهَا أَوْ مِنْ عَيْنِهَا أَوْ بِدَفْعِهَا بَدَلًا عَنْهُ أَوْ تَعَلَّقَ بِعَيْنِهَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَارِثِ إمْسَاكُهَا وَالْقَضَاءُ مِنْ غَيْرِهَا اهـ ق ل وَح ل. قَالَ ع ش: فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ، وَإِنْ أَثِمَ بِإِمْسَاكِهَا لِرِضَا الْمُسْتَحِقِّ بِمَا بَذَلَهُ الْوَارِثُ وَوُصُولُهُ إلَى حَقِّهِ مِنْ الدَّيْنِ وَيُحْتَمَلُ فَسَادُ الْقَبْضِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِهِ غَرَضَ الْمُوَرِّثِ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. وَكَذَا لَوْ اشْتَمَلَتْ

ص: 80