الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِفْتَاحِ الدَّارِ إلَى الْمُكْتَرِي إذَا سَلَّمَهَا إلَيْهِ لِتَوَقُّفِ الِانْتِفَاعِ عَلَيْهِ، وَإِذَا تَسَلَّمَهُ الْمُكْتَرِي فَهُوَ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ فَلَا يَضْمَنُهُ بِلَا تَفْرِيطٍ وَهَذَا فِي مِفْتَاحِ غَلْقٍ مُثَبِّتٍ. أَمَّا الْقُفْلُ الْمَنْقُولُ وَمِفْتَاحُهُ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُكْتَرِي وَإِنْ اُعْتِيدَ، وَعِمَارَتُهَا عَلَى الْمُؤَجِّرِ سَوَاءٌ أَقَارَنَ الْخَلَلُ الْعَقْدَ كَدَارٍ لَا بَابَ لَهَا أَمْ عَرَضَ لَهَا دَوَامًا، فَإِنْ بَادَرَ وَأَصْلَحَهَا فَذَاكَ وَإِلَّا فَلِلْمُكْتَرِي الْخِيَارُ وَرَفْعُ الثَّلْجِ عَنْ السَّطْحِ فِي دَوَامِ الْإِجَارَةِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ؛ لِأَنَّهُ كَعِمَارَةِ الدَّارِ وَتَنْظِيفِ عَرْصَةِ الدَّارِ مِنْ ثَلْجٍ وَكُنَاسَةٍ عَلَى الْمُكْتَرِي إنْ حَصَلَا فِي دَوَامِ الْمُدَّةِ، فَإِنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ أُجْبِرَ عَلَى نَقْلِ الْكُنَاسَةِ دُونَ الثَّلْجِ. وَلَوْ كَانَ التُّرَابُ أَوْ الرَّمَادُ أَوْ الثَّلْجُ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ كَانَتْ إزَالَتُهُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ إذْ يَحْصُلُ بِهِ التَّسْلِيمُ التَّامُّ.
فَصْلٌ: فِي الْجَعَالَةِ
وَجِيمُهَا مُثَلَّثَةٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَهُوَ لُغَةً اسْمٌ لِمَا يُجْعَلُ لِلْإِنْسَانِ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ وَشَرْعًا الْتِزَامُ عِوَضٍ مَعْلُومٍ عَلَى عَمَلٍ مُعَيَّنٍ مَعْلُومٍ أَوْ مَجْهُولٍ عَسُرَ عِلْمُهُ، وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ كَصَاحِبِ التَّنْبِيهِ وَالْغَزَالِيِّ وَتَبِعَهُمْ فِي الرَّوْضَةِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ أَوْ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهِ، بَلْ إنَّهُ إنْ تَرَكَهُ ثَبَتَ لِلْمُكْتَرِي الْخِيَارُ كَمَا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ بَادَرَ إلَخْ شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَكَذَا يُقَالُ فِي كُلِّ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَهَذَا فِي مِفْتَاحِ غَلْقٍ) كَالضَّبَّةِ، قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: أَغْلَقْت الْبَابَ بِالْهَمْزِ أَوْثَقْته بِالْغَلْقِ، وَغَلَّقْته بِالتَّشْدِيدِ مُبَالَغَةٌ وَتَكْثِيرٌ وَغَلَقَهُ غَلْقًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ. قَوْلُهُ:(فَلَا يَسْتَحِقُّهُ) أَيْ تَسْلِيمَهُمَا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ بَادَرَ) أَيْ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ اهـ م د.
قَوْلُهُ: (وَأَصْلَحَهَا) أَيْ فَذَاكَ ظَاهِرٌ، فَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ كَمَا قَالَهُ الْمَرْحُومِيُّ، أَوْ التَّقْدِيرُ: فَلَا خِيَارَ لِلْمُكْتَرِي كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَمَا بَعْدَهُ. فَرْعٌ: لَوْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ عَلَى مَتَاعِ الْمُسْتَأْجِرِ وَجَبَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ التَّنْحِيَةُ سم، أَيْ وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا مِنْ الْأَمْتِعَةِ التَّالِفَةِ وَإِنْ وَعَدَهُ بِالْإِصْلَاحِ؛ لِأَنَّا لَمْ نُوجِبْ عَلَيْهِ الْإِصْلَاحَ وَقَدْ خُيِّرَ الْمُسْتَأْجِرُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَعَدَمِهِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (عَنْ السَّطْحِ) أَيْ سَطْحٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ كَجَمَلُونٍ، كَأَنْ كَانَ عَقْدًا بِطُوبٍ.
قَوْلُهُ: (وَتَنْظِيفُ عَرْصَةِ الدَّارِ) الْعَرْصَةُ كُلُّ بُقْعَةٍ بَيْنَ الدُّورِ لَا بِنَاءَ فِيهَا، وَجَمْعُهَا عِرَاصٌ وَعَرَصَاتٌ.
قَوْلُهُ: (مِنْ ثَلْجٍ وَكُنَاسَةٍ) أَمَّا الْكُنَاسَةُ وَهِيَ مَا يَسْقُطُ مِنْ الْقُشُورِ وَالطَّعَامِ وَنَحْوِهِمَا فَلِحُصُولِهَا بِفِعْلِهِ، وَأَمَّا الثَّلْجُ فَلِلتَّسَامُحِ بِنَقْلِهِ؛ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِيهِ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُكْتَرِيَ نَقْلُهُ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُؤَجِّرَ شَرْحِ الْمَنْهَجِ؛ فَإِذَا تَرَكَ لَك الْمُؤَجِّرُ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُكْتَرِي.
قَوْلُهُ: (دُونَ الثَّلْجِ) وَمِثْلُهُ تَفْرِيغُ الْحُشِّ فَهُوَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ ق ل. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكُنَاسَةِ وَالثَّلْجِ أَنَّ الْكُنَاسَةَ يُعْتَادُ نَقْلُهَا شَيْئًا فَشَيْئًا بِخِلَافِ الثَّلْجِ.
فَرْعٌ: لَوْ امْتَلَأَ الْحُشُّ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ هَلْ يَلْزَمُ الْمُؤَجِّرَ تَفْرِيغُ الْجَمِيعِ أَوْ تَفْرِيغُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ فَقَطْ، وَالظَّاهِرُ الثَّانِي؛ وَعَلَيْهِ لَوْ تَضَرَّرَ الْمُكْتَرِي وَأَوْلَادُهُ بِرَائِحَةِ الْبَاقِي مِنْ الْحُشِّ هَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ أَوْ لَا؟ وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَإِلَّا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ اهـ ع ش عَلَى م ر مَعَ تَصَرُّفٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ التُّرَابُ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ إنْ حَصَلَ فِي دَوَامِ الْمُدَّةِ. وَأَمَّا التُّرَابُ الْحَاصِلُ مِنْ الرِّيَاحِ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ فَلَا يَلْزَمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا.
[فَصْلٌ فِي الْجِعَالَةِ]
قَوْلُهُ: (وَجِيمُهَا مُثَلَّثَةٌ) وَفِيهَا لُغَتَانِ أُخْرَيَانِ جَعِيلَةٌ وَجَعَلٌ أج. وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ؛ لِأَنَّهُ الْقِيَاسُ. قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: لِفَاعِلِ الْفِعَالِ، وَيَلِيهِ الْفَتْحُ ثُمَّ الضَّمُّ.
قَوْلُهُ: (ابْنُ مَالِكٍ) أَيْ وَغَيْرُهُ، وَاقْتَصَرَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى كَسْرِهَا سم.
قَوْلُهُ: (مَعْلُومٍ) فَلَوْ قَالَ عَلَى أَنْ أُرْضِيَك أَوْ نَحْوَهُ وَجَبَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي، " وَمَعْلُومٍ " لَيْسَ بِقَيْدٍ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْعِلْجِ الْآتِيَةِ.
قَوْلُهُ: (عَسُرَ عِلْمُهُ) فَإِنْ سَهُلَ عِلْمُهُ اُشْتُرِطَ ضَبْطُهُ بِمَا يَأْتِي ضَبْطُهُ بِهِ كَمَا فِي بِنَاءِ الْحَائِطِ وَالْخِيَاطَةِ كَمَا
عَقِبَ الْإِجَارَةِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي غَالِبِ الْأَحْكَامِ، إذْ الْجَعَالَةُ لَا تُخَالِفُ الْإِجَارَةَ إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَحْكَامٍ: صِحَّتُهَا عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ عَسُرَ عِلْمُهُ كَرَدِّ الضَّالِّ وَالْآبِقِ، وَصِحَّتُهَا مَعَ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَكَوْنُهَا جَائِزَةً وَكَوْنُ الْعَامِلِ لَا يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ. وَذَكَرَهَا فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ تَبَعًا لِلْجُمْهُورِ عَقِبَ بَابِ اللَّقِيطِ؛ لِأَنَّهَا طَلَبُ الْتِقَاطِ الضَّالَّةِ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ خَبَرُ الَّذِي رَقَاهُ الصَّحَابِيُّ بِالْفَاتِحَةِ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
ــ
[حاشية البجيرمي]
يَأْتِي.
قَوْلُهُ: (عَقِبَ الْإِجَارَةِ) وَهُوَ أَنْسَبُ مِنْ ذِكْرِهَا عَقِبَ بَابِ اللَّقِيطِ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ.
قَوْلُهُ: (إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَحْكَامٍ) بَلْ سِتَّةٌ، وَالْخَامِسُ: عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ، وَالسَّادِسُ: جَهْلُ الْعِوَضِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ اهـ م ر أج.
قَوْلُهُ: (الَّذِي رَقَاهُ الصَّحَابِيُّ) وَكَانَ الْمُرْقَى لَدِيغًا وَكَانَ رَئِيسَ الْعَرَبِ وَذَلِكَ «أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ كَانَ مَعَ جَمَاعَةٍ فَمَرَّ عَلَى مَحَلٍّ فِيهِ عَرَبٌ فَاسْتَضَافُوهُمْ فَلَمْ يُضَيِّفُوهُمْ فَبَاتُوا بِالْوَادِي، فَلُدِغَ رَئِيسُ الْعَرَبِ فَأُتِيَ لَهُ بِكُلِّ دَوَاءٍ فَلَمْ يَنْجَحْ أَيْ لَمْ يَنْفَعْ، فَقَالَ: اسْأَلُوا هَذَا الْحَيَّ الَّذِي نَزَلَ عِنْدَكُمْ، فَسَأَلُوهُمْ فَقَالُوا: نَعَمْ لَكِنْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِجُعْلٍ، فَجَعَلُوا لَهُمْ قَطِيعًا مِنْ الْغَنَمِ، فَقَرَأَ أَبُو سَعِيدٍ الْفَاتِحَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَصَارَ يَتْفُلُ فَنَشِطَ كَأَنَّمَا نَشِطَ مِنْ عِقَالِ بَعِيرٍ، فَتَوَقَّفُوا فِي قِسْمَةِ ذَلِكَ الْقَطِيعِ حَتَّى جَاءُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ: إنَّ أَحَقَّ وَفِي رِوَايَةٍ إنَّ أَحْسَنَ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» فَيَكُونُ الدَّلِيلُ قَوْلُ النَّبِيِّ وَتَقْرِيرُهُ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ فِعْلَ الصَّحَابِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ. وَلَعَلَّ الْقِصَّةَ حَصَلَ فِيهَا تَعَبٌ كَذَهَابِهِ لِمَوْضِعِ الْمَرِيضِ فَلَا يَقُولُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ لَا تَعَبَ فِيهَا فَلَا تَصِحُّ الْجِعَالَةُ عَلَيْهَا، أَوْ أَنَّهُ قَرَأَهَا سَبْعَ مَرَّاتٍ مَثَلًا. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالتَّعَبِ بِالنِّسْبَةِ لِلْفَاعِلِ بِأَنْ كَانَ يُتْعِبُهُ مَا لَا يُتْعِبُ غَيْرَهُ مَثَلًا، فَإِنْ جَعَلَ الشِّفَاءَ غَايَةً لِذَلِكَ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْجُعْلَ إلَّا إذَا وُجِدَ، وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْهُ غَايَةً كَأَنْ قَالَ لِتَقْرَأَ عَلَى عِلَّتِي كَذَا سَبْعًا اسْتَحَقَّ بِقِرَاءَتِهَا سَبْعًا وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الشِّفَاءُ. فَائِدَةٌ: مَا يَقَعُ مِنْ كَوْنِ الشَّخْصِ يَقِيسُ بِشِبْرِهِ الْعِصَابَةَ أَوْ الطَّاقِيَّةَ مَثَلًا فَهُوَ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ السِّحْرِ وَالْإِخْبَارِ بِالْمُغَيَّبَاتِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَالَ شَيْخُنَا: وَالْمُخَلِّصُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَقِيسُ وَيَكْتُبُ مَا يُنَاسِبُ مَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ هَذَا مِنْ اللَّهِ أَوْ مِنْ الْأَرْضِ اهـ.
قَالَ الشَّيْخُ الدِّيرِيّ فِي الْفَوَائِدِ: مِنْ خَوَاصِّ سُورَةِ الْهُمَزَةِ إذَا أَرَدْت أَنْ تَعْلَمَ حَالَ إنْسَانٍ هَلْ بِهِ عَيْنُ إنْسٍ أَوْ جِنٍّ أَوْ غَيْرِهِ؟ فَلْتَأْخُذْ أَثَرَهُ وَتَقِيسَهُ قِيَاسًا جَيِّدًا وَتَقْرَأَهَا عَلَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ قِرَاءَتِهَا تَقُولُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: أَقْسَمْتُ عَلَيْك يَا مَيْمُونُ يَا أَبَا نُوحٍ أَنْ تَنْزِلَ عَلَى هَذَا الْأَثَرِ وَتُبَيِّنَ مَا بِصَاحِبِهِ، إنْ كَانَ مِنْ الْجِنِّ فَقَصِّرْهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْإِنْسِ فَطَوِّلْهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ اللَّهِ فَأَبْقِهِ عَلَى حَالِهِ بِحَقِّ هَذِهِ السُّورَةِ الشَّرِيفَةِ الْوَحَا الْعِجْلَ السَّاعَةَ؛ ثُمَّ تَقِيسُ الْأَثَرَ الْمَذْكُورَ، فَإِنْ قَصُرَ تَكْتُبُ لَهُ قَوْله تَعَالَى:{وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} [الإسراء: 45] إلَى {نُفُورًا} [الإسراء: 46] وقَوْله تَعَالَى {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} [المؤمنون: 115] إلَى آخِرِ السُّورَةِ وَقَوْلَهُ: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ} [الرحمن: 33] إلَى قَوْلِهِ: {فَلا تَنْتَصِرَانِ} [الرحمن: 35] وَتَكْتُبُ لَهُ مَعَ ذَلِكَ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَالْفَاتِحَةَ وَيَحْمِلُهُ صَاحِبُ الْأَثَرِ الْمَذْكُورِ؛ وَإِنْ طَالَ يَكْتُبُ لَهُ: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] بِتَمَامِهَا أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا يُكْتَبُ لِلْعَيْنِ؛ وَإِنْ بَقِيَ بِحَالِهِ يُكْتَبُ لَهُ آيَاتُ الشِّفَاءِ وَآخِرُ سُورَةِ الْحَشْرِ: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ} [الحشر: 21] إلَخْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي مَعْرِفَةِ قِيَاسِ الْأَثَرِ: بَعْدَ قِيَاسِهِ قِيَاسًا جَيِّدًا يَقْرَأُ عَلَيْهِ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ الْمَذْكُورَةَ الَّتِي هِيَ سُورَةُ: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ} [الهمزة: 1] إلَخْ. ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ قِرَاءَتِهِمَا تَقِيسُهُ فَهُوَ إمَّا أَنْ يَقْصُرَ أَوْ يَطُولَ أَوْ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ، وَقَدْ عَرَفْتَ مَا تَكْتُبُ فِي حَالَةٍ مِنْ الْحَالَاتِ الْمَذْكُورَةِ؛ وَلَا تَقُلْ لِصَاحِبِ الْأَثَرِ هَذَا الشَّيْءُ الَّذِي بِك مِنْ الْجِنِّ أَوْ الْإِنْسِ فَإِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا اهـ بِحُرُوفِهِ.
وَالطَّلْسَمَاتُ الَّتِي تُكْتَبُ فِي الْمَنَافِعِ وَهِيَ مَجْهُولَةُ الْمَعْنَى هَلْ يَحِلُّ كِتَابَتُهَا؟ الْجَوَابُ: يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ كَمَا فِي فَتَاوَى النَّوَوِيِّ.
- رضي الله عنه، وَهُوَ الرَّاقِي كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَالْقَطِيعُ ثَلَاثُونَ رَأْسًا مِنْ الْغَنَمِ. وَأَيْضًا الْحَاجَةُ قَدْ تَدْعُو إلَيْهَا فَجَازَتْ كَالْإِجَارَةِ وَيُسْتَأْنَسُ لَهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} [يوسف: 72] وَكَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ كَالْوَسْقِ، وَلَمْ أَسْتَدِلُّ بِالْآيَةِ؛ لِأَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلِنَا لَيْسَ شَرْعًا لَنَا وَإِنْ وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ. وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ: عَمَلٌ وَجُعْلٌ وَصِيغَةٌ وَعَاقِدٌ. وَشُرِطَ فِي الْعَاقِدِ وَهُوَ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ اخْتِيَارٌ، وَإِطْلَاقُ تَصَرُّفٍ مُلْتَزِمٍ وَلَوْ غَيْرَ الْمَالِكِ، فَلَا يَصِحُّ الْتِزَامُ مُكْرَهٍ وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمَحْجُورِ سَفَهٍ وَعِلْمُ عَامِلٍ وَلَوْ مُبْهَمًا بِالِالْتِزَامِ، فَلَوْ قَالَ: إنْ رَدَّهُ زَيْدٌ فَلَهُ كَذَا. فَرَدَّهُ غَيْرَ عَالِمٍ بِذَلِكَ أَوْ: مَنْ رَدَّ آبَقِيَ فَلَهُ كَذَا فَرَدَّهُ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا. وَأَهْلِيَّةُ عَمَلِ عَامِلٍ فَيَصِحُّ مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ وَلَوْ عَبْدًا وَصَبِيًّا وَمَجْنُونًا وَمَحْجُورَ سَفَهٍ، وَلَوْ بِلَا إذْنٍ بِخِلَافِ صَغِيرٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ مَعْدُومَةٌ كَاسْتِئْجَارِ أَعْمَى لِلْحِفْظِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ) الْقَطِيعُ فِي اللُّغَةِ الطَّائِفَةُ مِنْ الْغَنَمِ أَوْ الْبَقَرِ، فَتَفْسِيرُ الشَّارِحِ لَهُ بِالثَّلَاثِينَ؛ لِأَنَّهُ الْوَاقِعُ فِي تِلْكَ الرُّقْيَةِ. وَاسْتَنْبَطَ مِنْ ذَلِكَ الزَّرْكَشِيّ جَوَازَهَا عَلَى مَا يَنْفَعُ الْمَرِيضَ مِنْ دَوَاءٍ أَوْ رُقْيَةٍ أَيْ إذَا كَانَ فِيهِ كُلْفَةٌ ز ي.
قَوْلُهُ: (وَأَيْضًا الْحَاجَةُ إلَخْ) هَذَا دَلِيلٌ عَقْلِيٌّ بَعْدَ النَّقْلِيِّ ق ل. قَوْلُهُ " فَجَازَتْ " كَالْإِجَارَةِ وَلَمْ يُسْتَغْنَ عَنْهَا بِالْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَقَعُ عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ. اهـ. ح ل.
قَوْلُهُ: (وَيُسْتَأْنَسُ إلَخْ) الِاسْتِئْنَاسُ هُوَ الْإِشْعَارُ بِالْمَطْلُوبِ مِنْ غَيْرِ صَرَاحَةٍ فِي الدَّلَالَةِ. اهـ. م د.
قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: اسْتَأْنَسْتُ بِهِ وَتَأَنَّسْتُ إذَا سَكَنَ الْقَلْبُ وَلَمْ يَنْفِرْ اهـ. فَمَا فِي حَاشِيَةِ الْمَدَابِغِيِّ مِنْ أَنَّ الِاسْتِئْنَاسَ هُوَ الْإِشْعَارُ إلَخْ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ. قَوْلُهُ: (مَا يُقَرِّرُهُ) أَيْ يُوَافِقُهُ، إنَّمَا دَلِيلُنَا مَا وَرَدَ فِي شَرْعِنَا.
قَوْلُهُ: (عَمَلٌ) فِي عِدَّةٍ مِنْ الْأَرْكَانِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِعَدِّهِ مِنْهَا ذِكْرُهُ فَقَطْ فِي الْعَقْدِ وَالْمُتَأَخِّرُ إنَّمَا هُوَ ذَاتُ الْعَمَلِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (وَعَاقِدٌ) الْمُرَادُ بِالْعَاقِدِ مَا يَشْمَلُ الْعَامِلَ، وَلَكِنْ فِي جَعْلِ الْعَامِلِ مِنْ الْأَرْكَانِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ مِنْهُ وَلَا حُضُورُهُ وَقْتَ خِطَابِ الْمَالِكِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ جَعَلَهُ مِنْ الْأَرْكَانِ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُتَمِّمٌ لِلْمَقْصُودِ مِنْ الْعَقْدِ وَمُحَصِّلٌ لِثَمَرَتِهِ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ) أَيْ فِي الْعَدِّ لَا فِي الذِّكْرِ وَالْوَضْعِ، وَإِلَّا فَقَدْ ذَكَرَ أَوَّلًا الْعَمَلَ أج فَهُوَ أَوَّلٌ فِي عَدِّهِ الْآتِي وَإِلَّا فَهُوَ أَخِيرٌ فِي عَدِّهِ السَّابِقِ إجْمَالًا.
قَوْلُهُ: (تَصَرُّفٍ مُلْتَزِمٍ) بِالْإِضَافَةِ قَوْلُهُ: (وَلَوْ غَيْرَ الْمَالِكِ) وَاسْتَشْكَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ اسْتِحْقَاقَ الرَّادِّ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ وَضْعُ يَدِهِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ بَلْ يَضْمَنُهُ. وَأُجِيبُ بِفَرْضِهِ فِيمَا إذَا أَذِنَ الْمَالِكُ لِمَنْ شَاءَ فِي الرَّدِّ وَالْتَزَمَ الْأَجْنَبِيُّ الْجُعْلَ، فَلَوْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ مُخْتَارٌ: مَنْ رَدَّ عَبْدَ زَيْدٍ فَلَهُ كَذَا اسْتَحَقَّهُ الرَّادُّ الْعَالِمُ بِهِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ عَلَى الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّ الصِّيغَةَ مَوْضُوعَةٌ لِلِالْتِزَامِ ز ي وَمَرْحُومِيٌّ. وَقَوْلُهُ: " بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ " أَيْ فَكَيْفَ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً، وَيُصَوَّرُ أَيْضًا بِأَنْ تَكُونَ لِلْأَجْنَبِيِّ وِلَايَةٌ عَلَى الْمَالِكِ.
قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ الْتِزَامُ مُكْرَهٍ) أُخِذَ مِنْهُ أَنَّ الِاخْتِيَارَ شَرْطٌ فِي الْمُلْتَزِمِ فَقَطْ، فَيُقْرَأُ " اخْتِيَارُ " بِلَا تَنْوِينٍ مُضَافًا لِمُلْتَزِمِ.
قَوْلُهُ: (وَأَهْلِيَّةُ عَمَلِ عَامِلٍ) الْمُرَادُ بِالْأَهْلِيَّةِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْعَمَلِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ. وَفِي نُسْخَةٍ: " وَأَهْلِيَّةُ عَمَلٍ مُعَيَّنٍ " أَيْ عَمَلُ عَامِلٍ مُعَيَّنٍ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ لَا يُشْتَرَطُ أَهْلِيَّتُهُ لِلْعَمَلِ، وَلَعَلَّ صُورَتَهُ أَنْ يَكُونَ حَالَ النِّدَاءِ غَيْرَ أَهْلٍ كَصَغِيرٍ لَا يَقْدِرُ ثُمَّ يَصِيرُ أَهْلًا وَيُرَدُّ لِكَوْنِهِ سَمِعَ حِينَ النِّدَاءِ أَوْ بَلَغَهُ النِّدَاءُ حِينَ صَيْرُورَتِهِ قَادِرًا كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ:(وَمَجْنُونًا) قَالَ سم: قُلْتُ وَمَا تَضَمَّنَهُ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ اسْتِحْقَاقِ مَنْ عَمِلَ مَجْنُونًا مُعَيَّنًا كَانَ أَيْ الْعَامِلُ الْمَجْنُونُ أَوْ لَا مُخَالِفَ لِمَا قَالُوهُ مِنْ انْفِسَاخِ الْجِعَالَةِ بِجُنُونِ الْعَامِلِ، إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْجُنُونِ الْمُقَارِنِ وَالطَّارِئِ فَلَا يَضُرُّ الْأَوَّلَ وَلَا يَضُرُّ الثَّانِيَ؛ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِانْفِسَاخَ بِالْجُنُونِ يَخْتَصُّ بِالْعَامِلِ الْمُعَيَّنِ لِعَدَمِ ارْتِبَاطِ الْعَقْدِ بِغَيْرِ الْعَيْنِ، فَلَوْ طَرَأَ لِأَحَدٍ جُنُونٌ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَكَانَ الْعَامِلُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ ثُمَّ رَدَّهُ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ أَوْ قَبْلَهَا اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ إذْ لَا مَعْنَى لِانْفِسَاخِ الْعَقْدِ بِجُنُونِهِ مَعَ عَدَمِ ارْتِبَاطِهِ بِهِ. قَوْلُهُ:(وَلَوْ بِلَا إذْنٍ) أَيْ مِنْ السَّيِّدِ وَالْوَلِيِّ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ صَغِيرٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُرَدُّ مَعَ عَدَمِ قُدْرَتِهِ فَهُوَ مَعْلُومُ الِانْتِفَاءِ؛ لِأَنَّهُ مُحَالٌ، وَإِنْ
(وَالْجَعَالَةُ جَائِزَةٌ) مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَلِكُلٍّ مِنْ الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ الْفَسْخُ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ الْفَسْخُ ابْتِدَاءً مِنْ الْعَامِلِ الْمُعَيَّنِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْفَسْخُ مِنْهُ إلَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ، فَإِنْ فَسَخَ الْمَالِكُ أَوْ الْعَامِلُ الْمُعَيَّنُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ أَوْ فَسَخَ الْعَامِلُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الصُّورَتَيْنِ. أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ شَيْئًا، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ غَرَضُ الْمَالِكِ. وَإِنْ فَسَخَ الْمَالِكُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمَا عَمِلَهُ الْعَامِلُ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي التَّسْلِيطَ عَلَى رَفْعِهِ، وَإِذَا ارْتَفَعَ لَمْ يَجِبْ الْمُسَمَّى كَسَائِرِ الْفُسُوخِ لَكِنَّ عَمَلَ الْعَامِلِ وَقَعَ مُحْتَرَمًا فَلَا يَفُوتُ عَلَيْهِ فَرَجَعَ إلَى بَدَلِهِ وَهُوَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ.
(وَهِيَ) أَيْ لَفْظُ الْجَعَالَةِ أَيْ الصِّيغَةُ فِيهَا وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي (أَنْ يَشْتَرِطَ) الْعَاقِدُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ (فِي رَدِّ ضَالَّتِهِ) الَّتِي هِيَ اسْمٌ لِمَا ضَاعَ مِنْ الْحَيَوَانِ كَمَا قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ، أَوْ فِي رَدِّ مَا سِوَاهَا أَيْضًا مِنْ مَالٍ وَأَمْتِعَةٍ وَنَحْوِهَا، أَوْ فِي عَمَلٍ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ (عِوَضًا) كَثِيرًا كَانَ أَوْ قَلِيلًا. (مَعْلُومًا) ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَافْتَقَرَتْ إلَى صِيغَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ كَالْإِجَارَةِ بِخِلَافِ طَرَفِ الْعَامِلِ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ صِيغَةٌ، فَلَوْ عَمِلَ أَحَدٌ بِقَوْلِ أَجْنَبِيٍّ قَالَ زَيْدٌ مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ كَذَا وَكَانَ كَاذِبًا فَلَا شَيْءَ لَهُ لِعَدَمِ الِالْتِزَامِ، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَهُ عَلَى زَيْدٍ مَا الْتَزَمَهُ إنْ كَانَ الْمُخْبِرُ ثِقَةً،
ــ
[حاشية البجيرمي]
كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ سَمَاعَهُ حَالَ عَدَمِ قُدْرَتِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ أَنَّهُ إذَا قَدَرَ بَعْدَ سَمَاعِ النِّدَاءِ وَرُدَّ اسْتَحَقَّ الْمَشْرُوطَ، إلَّا أَنْ يُقَالَ كَلَامُ الشَّارِحِ فِي الْعَامِلِ الْمُعَيَّنِ وَقَوْلُهُمْ إذَا قَدَرَ بَعْدَ سَمَاعِ النِّدَاءِ، وَرُدَّ اسْتَحَقَّ مَحَلُّهُ فِي الْعَامِلِ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فَلَا نَظَرَ، وَلَا مُخَالَفَةَ. اهـ. ق ل.
قَوْلُهُ: (جَائِزَةٌ) لَا يَخْفَى أَنَّ عَادَةَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَذْكُرُ الْجَوَازَ فِي مُقَابَلَةِ الْمَنْعِ وَالْفَسَادِ لَا فِي مُقَابَلَةِ اللُّزُومِ، فَمَا سَلَكَهُ الشَّارِحُ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ جَوَازِهَا قَبْلَ ذِكْرِ حَقِيقَتِهَا غَيْرُ مُنَاسِبٍ فَتَأَمَّلْ ق ل. قَوْلُهُ:(فَلِكُلٍّ مِنْ الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ) أَمَّا الْمَالِكُ وَالْعَامِلُ الْمُعَيَّنُ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَسْخُ قَبْلَ الْعَمَلِ وَبَعْدَهُ، هَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ وَأَمَّا الْعَامِلُ الْمُبْهَمُ فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ إلَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ فَالصُّوَرُ خَمْسٌ. قَوْلُهُ:(ابْتِدَاءً) أَيْ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ. قَوْلُهُ: (إلَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ كَذَا فَهُوَ تَعْلِيقٌ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْعَمَلِ، فَلَوْ قَالَ شَخْصٌ: فَسَخْتُ الْجِعَالَةَ لَغَا إذْ لَا عَقْدَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَفْسَخَ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ فَسَخَ الْمَالِكُ) أَيْ فِيمَا إذَا عَقَدَ مَعَ مُعَيَّنٍ، وَالْمُرَادُ بِالْمَالِكِ مُلْتَزِمُ الْعِوَضِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ فَسَخَ الْعَامِلُ) سَوَاءٌ كَانَ مُعَيَّنًا أَوْ لَا.
قَوْلُهُ: (فِي الصُّورَتَيْنِ) أَيْ الْفَسْخِ قَبْلَ الشُّرُوعِ مُطْلَقًا، وَالْفَسْخِ مِنْ الْعَامِلِ بَعْدَ الشُّرُوعِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى رَفْعِهِ) أَيْ فَسْخِهِ. قَوْلُهُ: (وَقَعَ مُحْتَرَمًا) أَيْ مَضْمُونًا.
قَوْلُهُ: (أَيْ لَفْظُ الْجِعَالَةِ) فِيهِ أَنَّ لَفْظَ مُذَكَّرٌ فَكَيْفَ يَجْعَلُهُ تَفْسِيرًا لِلضَّمِيرِ الْمُؤَنَّثِ؟ فَالْأَوْلَى حَذْفُ " لَفْظُ " إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ اللَّفْظَ لَمَّا كَانَ عِبَارَةً عَنْ الصِّيغَةِ كَانَ مُؤَوَّلًا بِالْمُؤَنَّثِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ أَيْ لَفْظُ الْجِعَالَةِ إلَى أَنَّ فِي كَلَامِهِ اسْتِخْدَامًا إذْ ذُكِرَتْ أَوَّلًا بِمَعْنَى الْعَقْدِ وَأَعَادَ عَلَيْهَا الضَّمِيرَ بِمَعْنَى اللَّفْظِ. قَوْلُهُ:(أَنْ يَشْتَرِطَ) أَيْ دَالٌّ أَنْ يَشْتَرِطَ، أَيْ دَالُّ الِاشْتِرَاطِ؛ وَيَشْتَرِطُ مَعْنَاهُ يَلْتَزِمُ.
قَوْلُهُ: (الْعَاقِدُ) الْمُرَادُ بِهِ الْمُلْتَزِمُ لَا مَا يَعُمُّهُ وَالْعَامِلُ.
قَوْلُهُ: (فِي رَدِّ ضَالَّتِهِ) الرَّدُّ لَيْسَ قَيْدًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: " أَوْ فِي عَمَلٍ كَخِيَاطَةٍ إلَخْ " وَلَا الضَّالَّةُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: " أَوْ فِي رَدِّ مَا سِوَاهَا مِنْ مَالٍ إلَخْ " وَلَا الْإِضَافَةُ لَهُ كَقَوْلِهِ: مَنْ رَدَّ عَبْدَ زَيْدٍ مَثَلًا فَلَهُ كَذَا لِصِحَّةِ الْتِزَامِ الْأَجْنَبِيِّ بَعْدَ إذْنِ الْمَالِكِ فِي الرَّدِّ اهـ. قَوْلُهُ: (كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ) وَيَصِفُهَا؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تُغْتَفَرُ إلَّا إذَا عَسُرَ الْعِلْمُ.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ كَاذِبًا) حَاصِلُهُ أَنَّهُ مَتَى كَانَ كَاذِبًا لَمْ يَلْزَمْ الْمَالِكَ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ عَدْلًا، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَإِنْ كَانَ ثِقَةً لَزِمَهُ لِتَرَجُّحِ طَمَاعِيَةِ الْعَامِلِ بِوُثُوقِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعَامِلُ لِضَعْفِ طَمَاعِيَتِهِ بِخَبَرِ غَيْرِ الثِّقَةِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ:(فَلَا شَيْءَ لَهُ لِعَدَمِ الِالْتِزَامِ) وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى زَيْدٍ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي تَرْوِيجِ قَوْلِهِ س ل. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَلَوْ قَالَ أَحَدُ شَرِيكَيْنِ فِي رَقِيقٍ. مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ كَذَا وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَلِيَّ فَرَدَّهُ شَرِيكُهُ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ أَيْ عَلَى الْقَائِلِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ رَدَّهُ غَيْرُ الشَّرِيكِ. وَمِنْهُ يُؤْخَذُ جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا: وَهِيَ أَنَّ شَخْصًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ شَرِكَةٌ فِي بَهَائِمَ فَسُرِقَتْ الْبَهَائِمُ أَوْ غُصِبَتْ فَسَعَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي تَخْلِيصِهَا وَرَدِّهَا وَغَرِمَ عَلَى ذَلِكَ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَلْتَزِمْ شَرِيكُهُ مِنْهَا شَيْئًا، وَهُوَ أَنَّ الْغَارِمَ لَا
وَإِلَّا فَهُوَ كَمَا لَوْ رَدَّ عَبْدَ زَيْدٍ غَيْرَ عَالَمٍ بِإِذْنِهِ وَالْتِزَامِهِ. وَلِمَنْ رَدَّهُ مِنْ أَقْرَبَ مِنْ الْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ قِسْطُهُ مِنْ الْجُعْلِ، فَإِنْ رَدَّهُ مِنْ أَبْعَدَ مِنْهُ فَلَا زِيَادَةَ لَهُ لِعَدَمِ الْتِزَامِهَا، أَوْ مِنْ مِثْلِهِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَلَهُ كُلُّ الْجُعْلِ لِحُصُولِ الْغَرَضِ. وَقَوْلُهُ عِوَضًا مَعْلُومًا إشَارَةٌ إلَى الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْجُعْلُ، فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الثَّمَنِ فَمَا لَا يَصِحُّ ثَمَنًا لِجَهْلٍ أَوْ نَجَاسَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ كَالْبَيْعِ، وَلِأَنَّهُ مَعَ الْجَهْلِ لَا حَاجَةَ إلَى احْتِمَالِهِ هُنَا كَالْإِجَارَةِ بِخِلَافِهِ فِي الْعَمَلِ وَالْعَامِلِ وَلِأَنَّهُ لَا يَكَادُ أَحَدٌ يَرْغَبُ فِي الْعَمَلِ مَعَ جَهْلِهِ بِالْجُعْلِ. فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْعَقْدِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْعِلْجِ إذَا جَعَلَ لَهُ الْإِمَامُ إنْ دَلَّنَا عَلَى قَلْعَةٍ جَارِيَةٍ مِنْهَا، وَمَا لَوْ وَصَفَ الْجُعْلَ بِمَا يُفِيدُ الْعِلْمَ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ كَوْنُهُ ثَمَنًا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ فَاحْتِيطَ لَهُ بِخِلَافِ الْجَعَالَةِ.
وَشُرِطَ فِي الْعَمَلِ وَهُوَ الرُّكْنُ الرَّابِعُ كُلْفَةٌ وَعَدَمُ تَعَيُّنِهِ، فَلَا جُعْلَ فِيمَا لَا كُلْفَةَ فِيهِ وَلَا فِيمَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ كَأَنْ قَالَ: مَنْ دَلَّنِي عَلَى مَالِي فَلَهُ كَذَا وَالْمَالُ بِيَدِ غَيْرِهِ، أَوْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الرَّدُّ لِنَحْوِ غَصْبٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ كُلْفَةٌ؛ لِأَنَّ مَا لَا كُلْفَةَ فِيهِ وَمَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ شَرْعًا لَا يُقَابَلَانِ بِعِوَضٍ، وَمَا لَا يَتَعَيَّنُ شَامِلٌ لِلْوَاجِبِ عَلَى الْكِفَايَةِ كَمَنْ حُبِسَ ظُلْمًا فَبَذَلَ مَالًا لِمَنْ يَتَكَلَّمُ فِي خَلَاصِهِ بِجَاهِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ، وَعَدَمُ تَأْقِيتِهِ؛ لِأَنَّ تَأْقِيتَهُ قَدْ يُفَوِّتُ الْغَرَضَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
رُجُوعَ لَهُ عَلَى شَرِيكِهِ بِشَيْءٍ مِمَّا غَرِمَهُ، وَمِنْ الِالْتِزَامِ مَا لَوْ قَالَ كُلُّ شَيْءٍ غَرِمْته أَوْ صَرَفْته كَانَ عَلَيْنَا، وَيُغْتَفَرُ الْجَهْلُ فِي مِثْلِهِ لِلْحَاجَةِ. اهـ. ع ش عَلَيْهِ. قَوْلُهُ:(كَمَا لَوْ رَدَّ عَبْدَ زَيْدٍ) أَيْ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ، إلَّا أَنْ يَعْتَقِدَ صِدْقَ الْقَائِلِ فِيمَا يَظْهَرُ سم. لَا يُقَالُ لَا وَجْهَ لِهَذَا مَعَ قَوْلِ الشَّارِحِ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ صَادِقًا فِي الْوَاقِعِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ الْعَامِلُ، وَإِنَّمَا اعْتَقَدَهُ اهـ.
قَوْلُهُ: (قِسْطُهُ مِنْ الْجُعْلِ) فَإِنْ رَدَّهُ مِنْ نِصْفِ الطَّرِيقِ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْجُعْلِ، أَوْ مِنْ ثُلُثِهِ اسْتَحَقَّ ثُلُثَهُ؛ وَمَحَلُّهُ إذَا تَسَاوَتْ الطَّرِيقُ سُهُولَةً وَحُزُونَةً أَيْ صُعُوبَةً، وَإِلَّا كَأَنْ كَانَتْ أُجْرَةُ النِّصْفِ ضِعْفَ أُجْرَةِ النِّصْفِ الْآخَرِ اسْتَحَقَّ ثُلُثَيْ الْجُعْلِ شَرْحِ م ر.
قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ الْتِزَامِهَا) مَحَلُّ اسْتِحْقَاقِ كُلِّ الْجُعْلِ إذَا قَطَعَ الْمَسَافَةَ الْمُعَيَّنَةَ، فَلَوْ رَدَّهُ وَرَأَى الْمَالِكَ فِي نِصْفِ الطَّرِيقِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْجُعْلِ شَرْحِ م ر.
قَوْلُهُ: (يُفْسِدُ الْعَقْدَ) وَلِلْعَامِلِ فِي جُعْلٍ فَاسِدٍ يَقْصِدُ أُجْرَةَ مِثْلٍ كَالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، بِخِلَافِ مَا لَا يُقْصَدُ كَالدَّمِ؛ شَرْحِ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (بِخِلَافِهِ فِي الْعَمَلِ وَالْعَامِلِ) أَيْ فَيُغْتَفَرُ فِيهِمَا لِلْحَاجَةِ.
قَوْلُهُ: (الْعِلْجِ) هُوَ فِي الْأَصْلِ الْكَافِرُ الْغَلِيظُ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْكَافِرُ مُطْلَقًا، قَوْلُهُ:(جَارِيَةٍ مِنْهَا) لَيْسَتْ قَيْدًا. وَعِبَارَةُ م ر: وَيُسْتَثْنَى مِنْ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِالْجُعْلِ مَا لَوْ جَعَلَ الْإِمَامُ لِمَنْ يَدُلُّ عَلَى قَلْعَةٍ جُعْلًا كَجَارِيَةٍ مِنْهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ مَعَ جَهَالَةِ الْعِوَضِ أج.
قَوْلُهُ: (بِمَا يُفِيدُ الْعِلْمَ) أَيْ وَكَانَ مُعَيَّنًا، كَأَنْ قَالَ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ الثَّوْبُ الَّذِي صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا، فَاسْتَغْنَى بِوَصْفِهِ عَنْ مُشَاهَدَتِهِ، فَيَصِحُّ هَهُنَا دُونَ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَقُومُ فِيهِ وَصْفُ الْمُعَيَّنِ مَقَامَ التَّعَيُّنِ م د.
قَوْلُهُ: (كَأَنْ قَالَ مَنْ دَلَّنِي إلَخْ) هَكَذَا بِخَطِّ الْمُؤَلِّفِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِيهِ سَقْطًا كَمَا يَدُلُّ لَهُ عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ، وَهِيَ: فَلَا جُعْلَ فِيمَا لَا كُلْفَةَ فِيهِ كَأَنْ قَالَ: مَنْ دَلَّنِي عَلَى مَالِي فَلَهُ كَذَا فَدَلَّهُ وَالْمَالُ بِيَدِ غَيْرِهِ، وَلَا كُلْفَةَ وَلَا فِيمَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ كَأَنْ قَالَ: مَنْ رَدَّ مَالِي فَلَهُ كَذَا فَرَدَّهُ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ وَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الرَّدُّ لِنَحْوِ غَصْبٍ إلَخْ مَرْحُومِيٌّ. وَأَجَابَ أج بِأَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ: " وَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ " بِمَعْنَى " أَوْ " فَيَكُونُ تَصْوِيرًا لِمَا فِيهِ كُلْفَةٌ، وَلَكِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ وَمَا قَبْلَهُ تَصْوِيرٌ لِمَا لَا كُلْفَةَ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (كَمَنْ حُبِسَ ظُلْمًا) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا حُبِسَ بِحَقٍّ لَا يَسْتَحِقُّ مَا جُعِلَ لَهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: فِيهِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمَحْبُوسَ إذَا جَاعَلَ الْعَامِلَ عَلَى أَنْ يَتَكَلَّمَ مَعَ مَنْ يُطْلِقُهُ عَلَى وَجْهٍ جَائِزٍ كَأَنْ يَتَكَلَّمَ مَعَهُ عَلَى أَنْ يَنْتَظِرَ الْمَدِينُ إلَى أَنْ يَبِيعَ غِلَالَهُ مَثَلًا اسْتَحَقَّ مَا جُعِلَ لَهُ وَإِلَّا فَلَا. وَوَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا يَقَعُ كَثِيرًا بِمِصْرِنَا مِنْ أَنَّ الزَّيَّاتِينَ وَالطَّحَّانِينَ وَنَحْوَهُمْ، كَالْمَرَاكِبِيَّةِ يَجْعَلُونَ لِمَنْ يَمْنَعُ عَنْهُمْ الْمُحْتَسِبَ وَأَعْوَانَهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ كَذَا هَلْ ذَلِكَ مِنْ الْجِعَالَةِ أَوْ لَا؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ مِنْ الْجِعَالَةِ؛ لِأَنَّ دَفْعَ مَا يَلْتَزِمُهُ مِنْ الْمَالِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ مَا يَلْتَزِمُهُ الْإِنْسَانُ فِي مُقَابَلَةِ تَخْلِيصِهِ مِنْ الْحَبْسِ، وَهَذَا مِثْلُهُ ع ش عَلَى م ر. وَمِنْ ذَلِكَ الْحِمَايَةُ الَّتِي تَقَعُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ. قَوْلُهُ:(لِمَنْ يَتَكَلَّمُ فِي خَلَاصِهِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا تَكَلَّمَ فِي خَلَاصِهِ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقْ إطْلَاقُ الْمَحْبُوسِ بِكَلَامِهِ. وَقِيَاسُ
فَيَفْسُدُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْعَمَلُ الَّذِي يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا عَسُرَ عِلْمُهُ لِلْحَاجَةِ كَمَا فِي الْقِرَاضِ بَلْ أَوْلَى، فَإِنْ لَمْ يَعْسُرْ عِلْمُهُ اُعْتُبِرَ ضَبْطُهُ إذْ لَا حَاجَةَ إلَى احْتِمَالِ الْجَهْلِ. فَفِي بِنَاءِ حَائِطٍ يَذْكُرُ مَوْضِعَهُ وَطُولَهُ وَعَرْضَهُ وَارْتِفَاعَهُ وَمَا يَبْنِي بِهِ، وَفِي الْخِيَاطَةِ يُعْتَبَرُ وَصْفُهَا وَوَصْفُ الثَّوْبِ.
(وَإِذَا رَدَّهَا) أَيْ الضَّالَّةَ، أَوْ رَدَّ غَيْرَهَا مِنْ الْمَالِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ فَرَغَ مِنْ عَمَلِ الْخِيَاطَةِ مَثَلًا (اسْتَحَقَّ) الْعَامِلُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
نَظَائِرِهِ أَنَّهُ إنْ جَعَلَ الْخَلَاصَ غَايَةً لِلتَّكَلُّمِ لَمْ يَسْتَحِقَّ إلَّا بِالْخَلَاصِ، وَفِي كَلَامِ سم جَوَازُ الْجِعَالَةِ عَلَى رَدِّ الزَّوْجَةِ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهَا نَقْلًا عَنْ الرَّافِعِيِّ ثُمَّ تَوَقَّفَ فِيهِ. وَأَقُولُ: الْأَقْرَبُ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَنْ حُبِسَ ظُلْمًا ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ) أَيْ الْبَذْلُ جَائِزٌ، أَيْ إذَا كَانَ فِي ذَلِكَ كُلْفَةٌ تُقَابَلُ بِمَالٍ مَرْحُومِيٌّ وم ر.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ تَأْقِيتَهُ قَدْ يُفَوِّتُ الْغَرَضَ) فَلَوْ قَالَ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي إلَى شَهْرٍ فَلَهُ كَذَا لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْمُدَّةِ يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْعَقْدِ فَقَدْ لَا يَظْفَرُ بِهِ فِيهَا فَيَضِيعُ سَعْيُهُ، وَلَا يَحْصُلُ الْغَرَضُ سَوَاءٌ أَضُمُّ إلَيْهِ مِنْ مَحَلِّ كَذَا أَمْ لَا شَرْحِ م ر.
قَوْلُهُ: (بَلْ أَوْلَى) ؛ لِأَنَّهُ إذَا اُغْتُفِرَ الْجَهْلُ فِي الْقِرَاضِ مُطْلَقًا فَلَأَنْ يُغْتَفَرَ الْجَهْلُ الَّذِي عَسُرَ عِلْمُهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ح ل
قَوْلُهُ: (اسْتَحَقَّ إلَخْ) وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ هُنَا وَفِي الْمُسَاقَاةِ كَمَا أَفَادَهُ السُّبْكِيُّ جَوَازُ الِاسْتِنَابَةِ فِي الْإِمَامَةِ وَالتَّدْرِيسِ وَسَائِرِ الْوَظَائِفِ الَّتِي تَقْبَلُ النِّيَابَةَ، أَيْ وَلَوْ بِدُونِ عُذْرٍ فِيمَا يَظْهَرُ، وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ الْوَاقِفُ إذَا اسْتَنَابَ مِثْلَهُ أَوْ خَيْرًا مِنْهُ، وَيَسْتَحِقُّ الْمُسْتَنِيبُ أَيْ صَاحِبُ الْوَظِيفَةِ جَمِيعَ الْمَعْلُومِ، وَإِنْ أَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، إذْ الْمُسْتَنِيبُ لَمْ يُبَاشِرْ وَالنَّائِبُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ النَّاظِرُ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ، شَرْحِ م ر. وَقَوْلُهُ:" الَّتِي تَقْبَلُ النِّيَابَةَ " أَيْ بِخِلَافِ مَا لَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ، كَالْمُتَفَقِّهِ أَيْ طَالِبِ الْفِقْهِ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ حَتَّى عِنْدَ السُّبْكِيّ إذْ لَا يُمْكِنُ أَحَدٌ أَنْ يَتَفَقَّهَ عَنْ غَيْرِهِ؛ ابْنُ حَجَرٍ. أَيْ إذَا كَانَ مُدَرِّسٌ لَهُ طَلَبَةٌ طَالِبُونَ لِلْفِقْهِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يُنِيبَ غَيْرَهُ عَلَى كَلَامِهِ. قَالَ سم: اعْتَمَدَ م ر جَوَازَ الِاسْتِنَابَةِ لِلْمُتَفَقِّهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إحْيَاءُ الْبُقْعَةِ بِتَعَلُّمِ الْفِقْهِ فِيهَا وَذَلِكَ حَاصِلٌ مَعَ الِاسْتِنَابَةِ، وَيَجُوزُ الِاسْتِنَابَةُ لِلْأَيْتَامِ الْمُنْزَلِينَ بِمَكَاتِبِ الْأَيْتَامِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ يَتِيمًا مِثْلَهُ اَ هـ. وَقَوْلُهُ:" أَوْ خَيْرًا مِنْهُ " أَيْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ الْوَظِيفَةِ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِرَاءَةَ جُزْءٍ مَثَلًا وَكَانَ الْمُسْتَنِيبُ عَالِمًا لَا يُشْتَرَطُ فِي النَّائِبِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بَلْ يَكْفِي كَوْنُهُ يُحْسِنُ قِرَاءَةَ الْجُزْءِ كَقِرَاءَةِ الْمُسْتَنِيبِ لَهُ اهـ. وَقَوْلُهُ:" وَيَسْتَحِقُّ الْمُسْتَنِيبُ جَمِيعَ الْمَعْلُومِ " أَيْ وَالنَّائِبُ مَا الْتَزَمَهُ لَهُ صَاحِبُ الْوَظِيفَةِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ بَاشَرَ شَخْصٌ بِلَا اسْتِنَابَةٍ مِنْ صَاحِبِهَا لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمُبَاشِرُ لَهَا عِوَضًا لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ لَهُ، وَكَذَا صَاحِبُ الْوَظِيفَةِ حَيْثُ لَمْ يُبَاشِرْ لَا شَيْءَ لَهُ، إلَّا إذَا مَنَعَهُ النَّاظِرُ وَنَحْوُهُ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ فَيَسْتَحِقُّ لِعُذْرِهِ بِتَرْكِ الْمُبَاشَرَةِ. وَمِنْ هَذَا يُؤْخَذُ جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا، وَهِيَ: أَنَّ رَجُلًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ إمَامَةُ شَرِكَةٍ بِمَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ مَاتَ الْأَخُ، ثُمَّ إنَّ الرَّجُلَ صَارَ يُبَاشِرُ الْإِمَامَةَ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَابَةٍ مِنْ وَلَدِ أَخِيهِ وَهُوَ أَنَّ وَلَدَ الْأَخِ لَا شَيْءَ لَهُ لِعَدَمِ مُبَاشَرَتِهِ لَهُ وَلَا شَيْءَ لِلْعَمِّ زِيَادَةً عَلَى مَا يُقَابِلُ نِصْفَهُ الْمُقَرَّرَ لَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْعَمَّ حَيْثُ عَمِلَ بِلَا اسْتِنَابَةٍ كَانَ مُتَبَرِّعًا وَوَلَدُ الْأَخِ حَيْثُ لَمْ يُبَاشِرْ وَلَمْ يَسْتَنِبْ لَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ إنَّمَا جَعَلَ الْمَعْلُومَ فِي مُقَابَلَةِ الْمُبَاشَرَةِ، فَمَا يَخُصُّ وَلَدَ الْأَخِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ النَّاظِرُ لِمَصَالِح الْمَسْجِدِ؛ فَتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ يَقَعُ كَثِيرًا. وَوَقَعَ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعَصْرِ إفْتَاءٌ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَاحْذَرْهُ فَإِنَّهُ خَطَأٌ،. اهـ. ع ش عَلَى م ر. فَرْعٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ أَنَّ صَاحِبَ الْخَطَابَةِ يَسْتَنِيبُ خَطِيبًا يَخْطُبُ عَنْهُ، ثُمَّ إنَّ النَّائِبَ يَسْتَنِيبُ آخَرَ؛ هَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَيَسْتَحِقُّ مَا جَعَلَهُ لَهُ صَاحِبُ الْوَظِيفَةِ أَمْ لَا؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يُقَالَ فِيهِ إنْ حَصَلَ لَهُ عُذْرٌ مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ وَعَلِمَ بِهِ الْمُسْتَنِيبُ أَوْ دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى رِضَا صَاحِبِ الْوَظِيفَةِ بِذَلِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مِثْلَهُ وَيَسْتَحِقَّ مَا جُعِلَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ذَلِكَ وَلَمْ تَدُلَّ الْقَرِينَةُ عَلَى الرِّضَا بِغَيْرِهِ لَا تَجُوزُ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى صَاحِبِ الْوَظِيفَةِ
حِينَئِذٍ عَلَى الْجَاعِلِ (ذَلِكَ الْعِوَضَ الْمَشْرُوطَ لَهُ) فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الْجُعْلِ الَّذِي شَرَطَهُ لِلْعَامِلِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ، أَوْ بِتَغْيِيرِ جِنْسِهِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ عَمَلِ الْعَامِلِ سَوَاءٌ أَكَانَ قَبْلَ الشُّرُوعِ أَمْ بَعْدَهُ، كَمَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ بَلْ أَوْلَى كَأَنْ يَقُولَ مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ عَشَرَةٌ. ثُمَّ يَقُولَ فَلَهُ خَمْسَةٌ أَوْ عَكْسَهُ أَوْ يَقُولَ: مَنْ رَدَّهُ فَلَهُ دِينَارٌ، ثُمَّ يَقُولَ فَلَهُ دِرْهَمٌ فَإِنْ سَمِعَ الْعَامِلُ ذَلِكَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ اُعْتُبِرَ النِّدَاءُ الْأَخِيرُ، وَلِلْعَامِلِ مَا ذُكِرَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ الْعَامِلُ أَوْ كَانَ بَعْدَ الشُّرُوعِ اسْتَحَقَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ النِّدَاءَ الْأَخِيرَ فَسْخٌ لِلْأَوَّلِ، وَالْفَسْخُ مِنْ الْمَالِكِ فِي أَثْنَاءِ الْعَمَلِ يَقْتَضِي الرُّجُوعَ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَلَوْ عَمِلَ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ الْأَوَّلَ خَاصَّةً وَمَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ الثَّانِيَ اسْتَحَقَّ الْأَوَّلُ نِصْفَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
لِعَدَمِ مُبَاشَرَتِهِ، وَعَلَيْهِ لِمَنْ اسْتَنَابَهُ مِنْ بَاطِنِهِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ. اهـ. ع ش. وَوَقَعَ السُّؤَالُ فِيهِ أَيْضًا عَنْ مَسْجِدٍ انْهَدَمَ وَتَعَطَّلَتْ شَعَائِرُهُ هَلْ يَسْتَحِقُّ أَرْبَابُ الشَّعَائِرِ الْمَعْلُومَ أَمْ لَا؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ: الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ إنَّ مَنْ تُمْكِنُهُ الْمُبَاشَرَةُ مَعَ الِانْهِدَامِ كَقِرَاءَةِ حِزْبِهِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ ذَلِكَ، فَلَوْ صَارَ كَوْمًا اسْتَحَقَّ الْمَعْلُومَ إنْ بَاشَرَ، وَمَنْ لَا تُمْكِنُهُ الْمُبَاشَرَةُ كَبَوَّابِ الْمَسْجِدِ وَفَرَّاشِهِ اسْتَحَقَّ كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى عَدَمِ الْمُبَاشَرَةِ وَيَجِبُ عَلَى إمَامِهِ الصَّلَاةُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ فِيهِ أَحَدٌ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ الصَّلَاةُ فِيهِ وَكَوْنُهُ إمَامًا، وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ عَوْدُهُ وَإِلَّا وَجَبَ عَلَى النَّاظِرِ الْقَطْعُ عَلَى الْمُسْتَحَقِّينَ وَعَوْدُهُ وَإِلَّا نَقَلَ مَعْلُومَهُمْ لِأَقْرَبَ الْمَسَاجِدِ إلَيْهِ. اهـ. ع ش.
قَوْلُهُ: (فِي الْجُعْلِ) وَمِثْلُهُ الْعَمَلُ.
قَوْلُهُ: (كَمَا لَا يَجُوزُ) أَيْ التَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ.
قَوْلُهُ: (بَلْ أَوْلَى) وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَجَازَ فِيهِ ذَلِكَ، فَهَذَا أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ) أَيْ النِّدَاءَ الْأَخِيرَ، أَيْ أَصْلًا، سَوَاءٌ كَانَ التَّغْيِيرُ قَبْلَ الشُّرُوعِ أَوْ بَعْدَهُ؛ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ:" لِأَنَّ النِّدَاءَ الْأَخِيرَ إلَخْ " عِلَّةٌ قَاصِرَةٌ لِعَدَمِ شُمُولِهَا لِمَا إذَا كَانَ التَّغْيِيرُ قَبْلَ الشُّرُوعِ، وَلِهَذَا جَعَلَ هَذَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ مُلْحَقًا بِالتَّغْيِيرِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ:(وَمَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ الثَّانِيَ) أَيْ عَمِلَا مَعًا بِأَنْ رَدَّا مَعًا الضَّالَّةَ مَثَلًا ق ل. وَلَوْ قَالَ لِوَاحِدٍ: إنْ رَدَدْته فَلَكَ دِينَارٌ وَلِآخَرَ إنْ رَدَدْته أَرْضَيْتُك فَرَدَّاهُ فَلِلْأَوَّلِ نِصْفُ الدِّينَارِ وَلِلْآخَرِ نِصْفُ أُجْرَةِ عَمَلٍ مِثْلِهِ، فَلَوْ قَالَ: إنْ رَدَدْت عَبْدِي فَلَكَ كَذَا فَأَمَرَ رَقِيقَهُ بِرَدِّهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ فِي أَثْنَاءِ الْعَمَلِ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ رحمه الله، تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْإِعْتَاقِ؛ وَلَا يَضُرُّ فِي اسْتِحْقَاقِ الْجُعْلِ طَرَيَانُ حُرِّيَّتِهِ أَيْ عَدَمُ أَصَالَتِهَا كَمَا لَوْ أَعَانَهُ أَجْنَبِيٌّ فِيهِ وَلَمْ يَقْصِدْ الْمَالِكَ. وَأَفْتَى أَيْضًا فِي وَلَدٍ قَرَأَ عِنْدَ فَقِيهٍ مُدَّةً ثُمَّ نُقِلَ إلَى فَقِيهٍ آخَرَ فَطَلَعَ عِنْدَهُ سُورَةٌ يَعْمَلُ لَهَا سُرُورٌ كَالْأَصَارِيفِ مَثَلًا وَحَصَلَ لَهُ فُتُوحٌ بِأَنَّهُ لِلثَّانِي وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ الْأَوَّلُ، اهـ شَرْحِ م ر اهـ.
فِي فَتَاوَى الْكَفُورِيِّ الْمَالِكِيِّ مَا نَصُّهُ: مَسْأَلَةٌ: هَلْ لِمُعَلِّمِ الْأَطْفَالِ أَخْذُ الصِّرَافَةِ وَإِنْ لَمْ تُشْرَطْ هُنَاكَ أَمْ لَا؟ الْجَوَابُ: لَهُ أَخْذُهَا وَإِنْ لَمْ تُشْرَطْ، أَيْ يُقْضَى لَهُ بِهَا عَلَى الْأَبِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَخْذِهَا مِنْهُ إذَا امْتَنَعَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرَطَ حَيْثُ جَرَى الْعُرْفُ بِهَا زِيَادَةً عَلَى الْأُجْرَةِ وَلَا حَدَّ فِيهَا وَأَنَّهَا رَاجِعَةٌ إلَى حَالِ الْأَبِ فِي يُسْرِهِ وَعُدْمِهِ، وَيُنْظَرُ فِيهَا أَيْضًا إلَى حَالِ الصَّبِيِّ فَإِنْ كَانَ حَافِظًا فَتَكُونُ حِذْقَتُهُ أَيْ صِرَافَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الَّذِي لَا يَحْفَظُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْأَبُ تَرْكَهَا؛ وَمَحَلُّ الْحِذْقَةِ مِنْ السُّوَرِ مَا تَقَرَّرَ بِهِ الْعُرْفُ بَيْنَ النَّاسِ مِثْلَ " لَمْ يَكُنْ " وَ " عَمَّ " وَ " تَبَارَكَ " وَ " الْفَتْحِ " وَ " الصَّافَّاتِ ". وَالْعُرْفُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ، وَلَا يَقْضِي بِهَا فِي مِثْلِ الْأَعْيَادِ وَالْمَوَاسِمِ وَتُسْتَحَبُّ هُنَاكَ أَيْضًا. قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: وَإِذَا قُلْنَا يَقْضِي بِالْحِذْقَةِ فَمَاتَ الْأَبُ قَبْلَ أَخْذِهَا وَالْقَضَاءِ بِهَا فَلَا شَيْءَ لِلْمُعَلِّمِ عَلَى الْوَرَثَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا مَاتَ الْمُعَلِّمُ فَلَا شَيْءَ لِوَرَثَتِهِ عَلَى الْأَبِ، إذَا وَقَفَ الصَّبِيُّ فِي غَيْرِ الْمُتَشَابِهِ فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَمْ يَضُرُّ بِالْحِذْقَةِ وَإِلَّا ضَرَّ وَلَا حِذْقَةَ فَإِنْ أَخْرَجَ الْوَالِدُ وَلَدَهُ مِنْ عِنْدِ الْمُعَلِّمِ وَالْبَاقِي عَلَى مَحَلِّ الْحِذْقَةِ يَسِيرٌ فَهِيَ لَازِمَةٌ، وَإِنْ بَقِيَ كَالسُّدُسِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُعَلِّمُ أَيْضًا فَيَلْزَمُ الْأَبَ بِحِسَابِ مَا مَضَى، اهـ وَهُوَ كَلَامٌ نَفِيسٌ فَاحْفَظْهُ.
أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَالثَّانِي نِصْفَ الْمُسَمَّى الثَّانِي. وَالْمُرَادُ بِالسَّمَاعِ الْعِلْمُ وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ فِيمَا ذُكِرَ لِجَمِيعِ الْعَمَلِ لَا لِلْمَاضِي خَاصَّةً.
تَتِمَّةٌ: لَوْ تَلِفَ الْمَرْدُودُ قَبْلَ وُصُولِهِ كَأَنْ مَاتَ الْآبِقُ بِغَيْرِ قَتْلِ الْمَالِكِ لَهُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ وَلَوْ بِقُرْبِ دَارِ سَيِّدِهِ، أَوْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (الْعِلْمُ) وَلَوْ بِوَاسِطَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ فِيمَا ذُكِرَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ اسْتَحَقَّ الْأَوَّلُ نِصْفَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَالْمُرَادُ بِهِ نِصْفُ أُجْرَةِ الْمُدَّةِ بِكَمَالِهَا لَا الْمَاضِي قَبْلَ النِّدَاءِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا مِنْ ابْتِدَاءِ الْعَمَلِ إلَى تَمَامِهِ، فَلَوْ اشْتَرَكَا فِي بَعْضِهِ فَلَهُ نِصْفُ أُجْرَةِ مِثْلِ قِسْطِ مَا عَمِلَ. اهـ. ق ل.
قَوْلُهُ: (تَتِمَّةٌ) نَاقَشَ ق ل فِي جَعْلِ مَا ذَكَرَ تَتِمَّةً مَعَ كَوْنِهِ مَفْهُومَ الْمَتْنِ، فَإِنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ إذَا رَدَّهَا اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَرُدَّهَا لَا يَسْتَحِقُّهُ.
قَوْلُهُ: (لَوْ تَلِفَ الْمَرْدُودُ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَخْ) قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَيَدُ الْعَامِلِ عَلَى الْمَأْخُوذِ إلَى رَدِّهِ يَدُ أَمَانَةٍ، وَلَوْ رَفَعَ يَدَهُ عَنْهُ وَخَلَّاهُ بِتَفْرِيطٍ كَأَنْ خَلَّاهُ بِمَضْيَعَةٍ ضَمِنَهُ لِتَقْصِيرِهِ، وَإِنْ خَلَّاهُ بِلَا تَفْرِيطٍ كَأَنْ خَلَّاهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ لَمْ يَضْمَنْهُ وَنَفَقَتُهُ عَلَى مَالِكِهِ، فَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مُدَّةَ الرَّدِّ فَمُتَبَرِّعٌ إلَّا إنْ أَذِنَ لَهُ الْحَاكِمُ أَوْ أَشْهَدَ عِنْدَ فَقْدِهِ لِيَرْجِعَ.
وَلَوْ كَانَ رَجُلَانِ بِبَادِيَةٍ وَنَحْوِهَا فَمَرِضَ أَحَدُهُمَا أَوْ غُشِيَ عَلَيْهِ وَعَجَزَ عَنْ السَّيْرِ وَجَبَ عَلَى الْآخَرِ الْمُقَامُ عِنْدَهُ إلَّا إنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ نَحْوِهَا فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَإِذَا أَقَامَ مَعَهُ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ، فَإِنْ مَاتَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَخْذُ مَالِهِ وَإِيصَالُهُ إلَى وَرَثَتِهِ إنْ كَانَ ثِقَةً، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَأْخُذْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثِقَةً لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْأَخْذُ وَإِنْ جَازَ لَهُ وَلَا يَضْمَنُهُ فِي الْحَالَيْنِ، وَالْحَاكِمُ يَحْبِسُ الْآبِقَ إذَا وَجَدَهُ انْتِظَارًا لِسَيِّدِهِ، فَإِنْ أَبْطَأَ سَيِّدُهُ بَاعَهُ الْحَاكِمُ وَحَفِظَ ثَمَنَهُ، فَإِذَا جَاءَ سَيِّدُهُ فَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ الثَّمَنِ وَإِنْ سَرَقَ الْآبِقُ قُطِعَ كَغَيْرِهِ، وَلَوْ عَمِلَ شَخْصٌ حُرٌّ لِغَيْرِهِ عَمَلًا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْجَارٍ وَلَا جَعَالَةً فَدَفَعَ عَلَيْهِ مَالًا عَلَى ظَنِّ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ لَمْ يَحِلَّ لِلْعَامِلِ أَخْذُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَذْلُ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَذْلُ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ هَدِيَّةً حَلَّ، وَلَوْ أُكْرِهَ مُسْتَحِقٌّ عَلَى عَدَمِ مُبَاشَرَةِ وَظِيفَتِهِ اسْتَحَقَّ الْمَعْلُومَ كَمَا أَفْتَى بِهِ التَّاجُ الْفَزَارِيّ.
وَاعْتِرَاضُ الزَّرْكَشِيّ لَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ مَا شُرِطَ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يَسْتَحِقُّ حِينَئِذٍ؟ يُرَدُّ بِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى شَرْعًا وَعُرْفًا مِنْ تَنَاوُلِ الشَّرْطِ لَهُ لِعُذْرِهِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى مِنْ مُدَرِّسٍ يَحْضُرُ مَوْضِعَ الدَّرْسِ وَلَا يَحْضُرُ أَحَدٌ مِنْ الطَّلَبَةِ، أَوْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ لَا يَحْضُرُونَ؛ بَلْ يَظْهَرُ الْجَزْمُ بِالِاسْتِحْقَاقِ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ يُمْكِنُهُ الِاسْتِنَابَةُ فَيَحْصُلُ غَرَضُ الْوَاقِفِ بِخِلَافِ الْمُدَرِّسِ، نَعَمْ لَوْ أَمْكَنَهُ إعْلَامُ النَّاظِرِ بِهِمْ وَعَلِمَ أَنَّهُ يَجْبُرُهُمْ عَلَى الْحُضُورِ فَالظَّاهِرُ وُجُوبُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ. وَقَدْ أَفَادَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ ذَلِكَ أَيْضًا، بَلْ جَعَلَهُ أَصْلًا مَقِيسًا عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّ الْإِمَامَ أَوْ الْمُدَرِّسَ لَوْ حَضَرَ وَلَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ اسْتَحَقَّ؛ لِأَنَّ حُضُورَ الْمُصَلِّي وَالْمُتَعَلِّمِ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الِانْتِصَابُ لِذَلِكَ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْإِمَامَ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ مِنْ الْمُصَلِّينَ دُونَ الْمُدَرِّسِ.
وَأَفْتَى أَيْضًا فِيمَنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ قَطْعَهُ عَنْ وَظِيفَتِهِ إنْ غَابَ، أَيْ لَمْ يُبَاشِرْ وَظِيفَتَهُ فَغَابَ لِعُذْرٍ كَخَوْفِ طَرِيقٍ بِعَدَمِ سُقُوطِ حَقِّهِ بِغَيْبَتِهِ، قَالَ: وَلِذَلِكَ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ. وَأَفْتَى الْوَالِدُ بِحِلِّ النُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ بِالْمَالِ لِمَنْ هُوَ مِثْلُهُ أَوْ خَيْرٌ مِنْهُ، أَيْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَقْسَامِ الْجِعَالَةِ، فَيَسْتَحِقُّهُ النَّازِلُ وَيَسْقُطُ حَقُّهُ وَإِنْ لَمْ يُقَرِّرْ النَّاظِرُ الْمَنْزُولَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ اهـ شَرْحِ م ر. وَإِنْ لَمْ يُقَرِّرْ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُ إلَّا إنْ شَرَطَهُ. وَقَوْلُ م ر: وَلَوْ أُكْرِهَ عَنْ مُبَاشَرَةِ وَظِيفَتِهِ اسْتَحَقَّ الْمَعْلُومَ، وَمِثْلُ الْإِكْرَاهِ مَا لَوْ عُزِلَ عَنْ وَظِيفَتِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقُرِّرَ فِيهَا غَيْرُهُ إذْ لَا يَنْفُذُ عَزْلُهُ، نَعَمْ إنْ تَمَكَّنَ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا فَيَنْبَغِي تَوَقُّفُ اسْتِحْقَاقِ الْمَعْلُومِ عَلَيْهَا، سم عَلَى حَجّ. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا: وَهِيَ أَنَّ طَائِفَةً مِنْ شُيُوخِ الْعُرْبَانِ شُرِطَ لَهُمْ طِينٌ مُرْصَدٌ عَلَى خَفْرِ مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ وَفِيهِمْ كِفَايَةٌ لِذَلِكَ وَقُوَّةٌ وَبِيَدِهِمْ تَقْرِيرٌ بِذَلِكَ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّقْرِيرِ كَالْبَاشَا وَتَصَرَّفُوا فِي الطِّينِ الْمُرْصَدِ مُدَّةً، ثُمَّ إنَّ مُلْتَزِمَ الْبَلَدِ أَخْرَجَ الْمَشْيَخَةَ عَنْهُمْ ظُلْمًا وَدَفَعَهَا لِغَيْرِهِمْ، وَهُوَ أَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمْ مِثْلَهُمْ فِي الْكِفَايَةِ بِالْقِيَامِ بِذَلِكَ بَلْ وَإِنْ كَانُوا أَقْوَى مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورِينَ حَيْثُ صَحَّ تَقْرِيرُهُمْ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ ذَلِكَ عَنْهُمْ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
وَقَوْلُهُ: " وَلَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ مِنْ الطَّلَبَةِ " أَيْ لَمْ يَحْضُرْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمُقَرَّرِينَ فِي وَظِيفَةِ الطَّلَبِ