المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فرع أقرت حامل بالرق] - حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب - جـ ٣

[البجيرمي]

فهرس الكتاب

- ‌ كِتَابُ الْبُيُوعِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الرِّبَا

- ‌[فَرَع لَوْ تلف الْمَبِيع بِآفَةِ فِي زَمَن الْخِيَار قَبْلَ الْقَبْضِ]

- ‌فَصْلٌ فِي السَّلَمِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الرَّهْنِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْحَجْرِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الصُّلْحِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْحَوَالَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الضَّمَانِ

- ‌فَصْلٌ: فِي كَفَالَةِ الْبَدَنِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الشَّرِكَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْوَكَالَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْإِقْرَارِ

- ‌فَصْلٌفِي الْعَارِيَّةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْغَصْبِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الشُّفْعَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْقِرَاضِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْمُسَاقَاةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْإِجَارَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْجَعَالَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمُخَابَرَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْوَقْفِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْهِبَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي اللُّقَطَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي أَقْسَامِ اللُّقَطَةِ]

- ‌فَصْلٌ: فِي اللَّقِيطِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْوَدِيعَةِ

- ‌[فَرْعٌ أَقَرَّتْ حَامِلٌ بِالرِّقِّ]

- ‌كِتَابُ بَيَانِ أَحْكَامِ الْفَرَائِضِ وَالْوَصَايَا

- ‌فَصْلٌ: فِي الْوَصِيَّةِ

- ‌كِتَابُ النِّكَاحِ

- ‌فَصْلٌ: فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْأَوْلِيَاءِ]

- ‌فَصْلٌ: فِي مُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الصَّدَاقِ

- ‌[فَرْعٌ لَوْ أَصْدَقَ حِفْظَ الْقُرْآنِ]

- ‌فَصْلٌ: فِي الْقَسْمِ وَالنُّشُوزِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْخُلْعِ

- ‌فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ

- ‌[فَصْلٌ أَقْسَام الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ حُرًّا كَانَ أَوْ رَقِيقًا مِنْ الطَّلْقَاتِ]

- ‌[فَرْعٌ لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِنَحْوِ دُخُولِهِ فَحُمِلَ سَاكِتًا قَادِرًا عَلَى الِامْتِنَاعِ وَأُدْخِلَ]

- ‌فَصْلٌ: فِي الرَّجْعَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي بَيَانِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ حِلُّ الْمُطَلَّقَةِ

الفصل: ‌[فرع أقرت حامل بالرق]

وَلَوْ كَانَ اللَّقِيطُ امْرَأَةً مُتَزَوِّجَةً وَلَوْ مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ وَأَقَرَّتْ بِالرِّقِّ لَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهَا وَتُسَلَّمُ لِزَوْجِهَا لَيْلًا وَنَهَارًا، وَيُسَافِرُ بِهَا زَوْجُهَا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا وَوَلَدُهَا قَبْلَ إقْرَارِهَا حُرٌّ وَبَعْدَهُ رَقِيقٌ.

‌فَصْلٌ: فِي الْوَدِيعَةِ

تُقَالُ عَلَى الْإِيدَاعِ وَعَلَى الْعَيْنِ الْمُودَعَةِ

وَمُنَاسَبَةُ ذِكْرِهَا بَعْدَ اللَّقِيطِ ظَاهِرَةٌ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] وَخَبَرُ «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» وَلِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةٌ

ــ

[حاشية البجيرمي]

شَرْحِ الرَّوْضِ. وَصَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا أَوْصَى لَهُ بِشَيْءٍ لِنَفْسِهِ فَيَلْزَمُ مِنْ دَعْوَاهُ الرِّقَّ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ وَفِيهِ إضْرَارٌ بِهِ.

[فَرْعٌ أَقَرَّتْ حَامِلٌ بِالرِّقِّ]

ِّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتْبَعَهَا الْحَمْلُ، رَاجِعْهُ م ر سم عَلَى الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ اللَّقِيطُ امْرَأَةً) هَذَا يَتَفَرَّعُ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ إلَخْ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَهُ قَوْلُهُ " أَمَّا التَّصَرُّفُ الْمَاضِي " لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " فَلَوْ لَزِمَهُ دَيْنٌ " فَيَكُونُ الْمُضِرُّ بِغَيْرِهِ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِالزَّوْجِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ مِمَّنْ لَا يَحِلُّ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يُتَوَهَّمُ فِيهِ انْفِسَاخُ النِّكَاحِ.

قَوْلُهُ: (لَمْ يَنْفَسِخْ) لِأَنَّ انْفِسَاخَهُ يَضُرُّ بِالزَّوْجِ شَرْحُ الرَّوْضِ. أَيْ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالرِّقِّ، فِي تَصَرُّفٍ مَاضٍ يَضُرُّ بِغَيْرِهِ، أَيْ وَإِنْ كَانَ فَسْخُهُ مُضِرًّا بِهَا أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (وَبَعْدَهُ رَقِيقٌ) أَيْ تَبَعًا لَهَا مَمْلُوكٌ لِمَنْ أَقَرَّتْ لَهُ ق ل. قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَتَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ لِلطَّلَاقِ لِأَنَّهَا حُرَّةٌ بِالنَّظَرِ لِلزَّوْجِ لِأَنَّ إقْرَارَهَا بِالرِّقِّ لَا يُقْبَلُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، وَبِشَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ لِلْمَوْتِ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا مَاتَ حُكِمَ بِرِقِّهَا بِالنَّظَرِ لِلسَّيِّدِ لِأَصَالَتِهِ بِالنَّظَرِ لِإِقْرَارِهَا، وَعِدَّةُ الرَّقِيقَةِ مَا ذُكِرَ.

[فَصْلٌ فِي الْوَدِيعَةِ]

هِيَ بِفَتْحِ الْوَاوِ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ وَذَكَرَهَا عَقِبَ اللُّقَطَةِ وَمَا بَعْدَهَا لِمُشَارَكَتِهَا لَهُمَا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِيهِ مُعَاوَنَةٌ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَذَكَرَهَا فِي الْمَنْهَجِ عَقِبَ الْإِيصَاءِ لِأَنَّ الْمُودِعَ جَعَلَ الْوَدِيعَ وَصِيًّا عَلَى الْوَدِيعَةِ مِنْ جِهَةِ حِفْظِهَا وَتَعَهُّدِهَا وَإِنْ كَانَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَلِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ مَا يُوصَى بِهِ نَدْبًا أَوْ وُجُوبًا وَلِأَنَّ مَالَ الْمَيِّتِ بِلَا وَارِثٍ يَصِيرُ كَالْوَدِيعَةِ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِلْمُسْلِمِينَ

قَوْلُهُ تُقَالُ أَيْ تُطْلَقُ عَلَى الْإِيدَاعِ أَيْ شَرْعًا فَقَطْ وَهُوَ الْعَقْدُ وَهُوَ تَفْسِيرٌ مُرَادٌ وَإِلَّا فَهُوَ فِي الْأَصْلِ الْفِعْلُ وَهُوَ دَفْعُهَا لِلْوَدِيعِ ن ز وَقَوْلُهُ وَعَلَى الْعَيْنِ الْمُودَعَةِ أَيْ شَرْعًا وَلُغَةً وَقَدْ اُسْتُعْمِلَتْ فِي هَذَا الْبَابِ بِالْمَعْنَيَيْنِ فَمِنْ اسْتِعْمَالِهَا بِمَعْنَى الْعَيْنِ الْمُودَعَةِ قَوْلُهُ الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ وَقَوْلُهُ وَلَا تُضْمَنُ إلَّا بِالتَّعَدِّي وَمِنْ اسْتِعْمَالِهَا بِمَعْنَى الْعَقْدِ قَوْلُهُ وَأَرْكَانُهَا شَيْخُنَا وَالْإِيدَاعُ لُغَةً وَضْعُ الشَّيْءِ عِنْدَ غَيْرِ صَاحِبِهِ لِلْحِفْظِ وَشَرْعًا تَوْكِيلٌ مِنْ الْمَالِكِ أَوْ نَائِبِهِ لِآخَرَ بِحِفْظِ مَالٍ أَوْ اخْتِصَاصٍ فَخَرَجَ بِتَوْكِيلِ اللُّقَطَةِ وَالْأَمَانَاتِ الشَّرْعِيَّةِ لِأَنَّ الِائْتِمَانَ فِيهِمَا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَيَتَفَرَّغُ عَلَى كَوْنِهِ تَوْكِيلًا أَنَّ الْإِيدَاعَ عَقْدٌ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر هِيَ لُغَةً مَا وُضِعَ عِنْدَ غَيْرِ مَالِكِهِ لِحِفْظِهِ وَشَرْعًا الْعَقْدُ الْمُقْتَضِي لِلِاسْتِحْفَاظِ أَوْ الْعَيْنُ الْمُسْتَحْفَظَةُ حَقِيقَةً فِيهِمَا وَتَصِحُّ إرَادَتُهُمَا وَإِرَادَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي التَّرْجَمَةِ قَوْلُهُ ظَاهِرَةٌ لَعَلَّ وَجْهَهُ سُكُونُهَا تَحْتَ يَدِ الْوَدِيعِ كَمَا أَنَّ اللَّقِيطَ تَحْتَ يَدِ الْمُلْتَقِطِ وَرِعَايَتِهِ وَبِخَطِّ الَأُجْهُورِيُّ هُوَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَمَانَةٌ م د وَاللَّقِيطُ يُشْبِهُ الْأَمَانَةَ مِنْ جِهَةِ وُجُوبِ حِفْظِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجِبُ حِفْظُهُ

قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى إلَخْ فِيهِ أَنَّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى الرَّدِّ لَا عَلَى الْإِيدَاعِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالرَّدِّ يَسْتَلْزِمُ تَقَدُّمَ الْإِيدَاعِ قَوْلُهُ يَأْمُرُكُمْ إلَخْ أَيْ كُلُّ مَنْ كَانَ بِيَدِهِ أَمَانَةٌ وَطَلَبَهَا مَالِكُهَا وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهَا لَهُ فَالْآيَةُ مِنْ

ص: 291

بَلْ ضَرُورَةٌ إلَيْهَا وَأَرْكَانُهَا بِمَعْنَى الْإِيدَاعِ أَرْبَعَةٌ وَدِيعَةٌ بِمَعْنَى الْعَيْنِ الْمُودَعَةِ وَصِيغَةٌ وَمُودِعٌ وَوَدِيعٌ وَشُرِطَ فِي الْمُودِعِ وَالْوَدِيعِ مَا مَرَّ فِي مُوَكِّلٍ وَوَكِيلٍ لِأَنَّ الْإِيدَاعَ اسْتِنَابَةٌ فِي الْحِفْظِ فَلَوْ أَوْدَعَهُ نَحْوَ صَبِيٍّ كَمَجْنُونٍ ضَمِنَ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ وَإِنْ أَوْدَعَ شَخْصٌ نَحْوَ صَبِيٍّ إنَّمَا يَضْمَنُ بِإِتْلَافِهِ وَشُرِطَ فِي الصِّيغَةِ مَا مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ فَيُشْتَرَطُ اللَّفْظُ مِنْ جَانِبِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ فَالْآيَةُ نَزَلَتْ فِي رَدِّ مِفْتَاحِ الْكَعْبَةِ إلَى عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ وَهِيَ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْأَمَانَاتِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ قَالَ الْوَاحِدِيُّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ بِسَبَبِ مِفْتَاحِ الْكَعْبَةِ وَلَمْ يَنْزِلْ جَوْفَ الْكَعْبَةِ آيَةٌ سِوَاهَا شَرْحُ م ر وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ مِفْتَاحِ الْكَعْبَةِ لَمَّا أَخَذَهُ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رضي الله عنه مِنْ ابْنِ بَنِي شَيْبَةَ قَهْرًا وَقَالَ نَحْنُ أَحَقُّ بِسِدَانَتِهَا أَيْ خِدْمَتِهَا مِنْكُمْ وَلَيْسَ فِيهَا دَفْعٌ وَلَا أَخْذٌ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ وَإِنَّمَا فِيهَا الرَّدُّ إلَى الْأَمِينِ لِأَنَّ سَيِّدَنَا عَلِيًّا أَخَذَهُ قَهْرًا مِنْ خَادِمِهَا لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ دُخُولَهَا فَامْتَنَعَ مِنْ إعْطَاءِ الْمِفْتَاحِ لِعَلِيٍّ فَيَكُونُ عِنْدَهُ لَيْسَ بِأَمَانَةٍ

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ لِمَنْ أَخَذَهُ مِنْهُ كَانَ عِنْدَهُ كَالْأَمَانَةِ قَوْلُهُ «وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» تَسْمِيَةُ الثَّانِي خِيَانَةً مُشَاكَلَةٌ لِأَنَّ الثَّانِي اسْتِنْصَارٌ وَتَخْلِيصُ حَقٍّ وَهَذَا إذَا كَانَ الْأَمْرُ الثَّانِي مِمَّا جَوَّزَ الشَّرْعُ الْمُجَازَاةَ بِهِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُجَوِّزْ الشَّرْعُ الْمُجَازَاةَ بِهِ كَمَنْ زَنَى بِامْرَأَتِك فَزَنَيْت أَنْتَ بِامْرَأَتِهِ فَالْأَوَّلُ خِيَانَةٌ وَالثَّانِي خِيَانَةٌ أَيْضًا فَلَا مُشَاكَلَةَ وَعِبَارَةُ الْعَنَانِيِّ قَوْلُهُ «وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» وَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُشَاكَلَةِ فَهُوَ مَجَازٌ أَوْ مَعْنَاهُ لَا تَخُنْ بَعْدَ أَنْ اسْتَنْصَرْت مِنْهُ بِأَخْذِ حَقِّك إذْ مَنْ أَخَذَ حَقَّهُ لَيْسَ خَائِنًا وَإِنَّمَا الْخَائِنُ مَنْ أَخَذَ غَيْرَ حَقِّهِ أَيْ زِيَادَةً عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَلْ ضَرُورَةٌ أَيْ لِأَنَّ صَاحِبَهَا قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ بِحِفْظِهَا وَالضَّرُورَةُ الْحَاجَةُ الشَّدِيدَةُ قَوْلُهُ إلَيْهَا أَيْ الْوَدِيعَةِ قَوْلُهُ بِمَعْنَى الْإِيدَاعِ أَيْ الْعَقْدُ لَا بِمَعْنَى الْعَيْنِ الْمُودَعَةِ وَإِلَّا لَزِمَ عَلَيْهِ كَوْنُ الشَّيْءِ رُكْنًا لِنَفْسِهِ وَأَنَّ الصِّيغَةَ وَمَا بَعْدَهَا تَكُونُ أَرْكَانًا لِلْعَيْنِ الْمُودَعَةِ وَلَا مَعْنَى لَهُ وَإِذَا حُمِلَتْ الْوَدِيعَةُ فِي التَّرْجَمَةِ عَلَى الْعَيْنِ الْمُودَعَةِ كَانَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ اسْتِخْدَامٌ كَمَا لَا يَخْفَى قَوْلُهُ مَا مَرَّ فِي مُوَكِّلٍ وَوَكِيلٍ أَيْ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ بِحَيْثُ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِي الشَّيْءِ الْمُودَعِ وَهَذَا تَقَدَّمَ بِالْمَعْنَى لَا بِاللَّفْظِ فَلَا يُودَعُ كَافِرٌ مُصْحَفًا وَلَا مُسْلِمًا وَلَا مُحْرِمٌ صَيْدًا وَقَالَ شَيْخُنَا يَصِحُّ الْعَقْدُ وَلَا يُسَلَّمُ إلَيْهِ بَلْ يُوضَعُ عِنْدَ عَدْلٍ ق ل وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ فَلَا يُودَعُ كَافِرٌ مُصْحَفًا قَالَ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ اُنْظُرْهُ مَعَ قَوْلِهِ فِي الْبَيْعِ وَيَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ ارْتِهَانٌ وَاسْتِيدَاعٌ وَاسْتِعَارَةُ الْمُسْلِمِ وَنَحْوِهِ الْمُصْحَفَ وَبِكَرَاهَةٍ إجَارَةُ عَيْنِهِ وَإِعَارَتِهِ وَإِيدَاعِهِ لَكِنْ يُؤْمَرُ بِوَضْعِ الْمَرْهُونِ عِنْدَ عَدْلٍ وَيَنُوبُ عَنْهُ مُسْلِمٌ فِي قَبْضِ الْمُصْحَفِ لِأَنَّهُ مُحْدِثٌ اهـ قَالَ شَيْخُنَا ز ي وَيُحْمَلُ مَا هُنَا عَلَى وَضْعِ الْيَدِ وَمَا هُنَاكَ عَلَى الْعَقْدِ اهـ لَكِنْ يُتَأَمَّلُ هَذَا الْجَوَابُ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَدِيعَةِ فَإِنَّ الْوَدِيعَ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ فِي حِفْظِهَا اهـ بِحُرُوفِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَصِحُّ تَوْقِيتُ الْوَدِيعَةِ وَتَعْلِيقُ إعْطَائِهَا بَعْدَ تَنْجِيزِ عَقْدِهَا كَالْوَكَالَةِ بِخِلَافِ تَعْلِيقِ نَفْسِ الْوَدِيعَةِ فَلَا يَصِحُّ كَتَعْلِيقِ الْوَكَالَةِ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا فَاسِدًا وَيَجُوزُ كَوْنُ كُلٍّ مِنْ الْمُودِعِ وَالْوَدِيعِ أَعْمَى وَيُوَكِّلَانِ فِي الْإِقْبَاضِ وَالْقَبْضِ

قَوْلُهُ فَلَوْ أَوْدَعَهُ أَيْ الشَّخْصُ سَوَاءٌ كَانَ كَامِلًا أَوْ نَاقِصًا كَصَبِيٍّ ع ش وَعِبَارَةُ ق ل فَلَوْ أَوْدَعَهُ نَحْوَ صَبِيٍّ إلَخْ إذَا أُودِعَ نَاقِصٌ كَامِلًا فَهُوَ ضَامِنٌ مُطْلَقًا أَوْ عَكْسُهُ فَلَا ضَمَانَ إلَّا بِالْإِتْلَافِ اهـ وَالْكَامِلُ يَضْمَنُ مَا أَخَذَهُ مِنْ نَحْوِ صَبِيٍّ بِأَقْصَى الْقِيَمِ كَالْغَاصِبِ وَلَا يَزُولُ الضَّمَانُ إلَّا بِالرَّدِّ لِوَلِيِّ أَمْرِهِ نَعَمْ إنْ أَخَذَهُ مِنْهُ خَوْفًا عَلَى تَلَفِهِ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ فَإِنْ رَدَّهُ لِلصَّبِيِّ ضَمِنَ وَلَا يُخَلِّصُهُ إلَّا الرَّدُّ لِوَلِيِّهِ ز ي وسم قَوْلُهُ وَإِنْ أُوْدَعَ شَخْصٌ نَحْوَ صَبِيٍّ هَذِهِ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ أَنَّ الْمُودِعَ كَامِلٌ وَالْوَدِيعَ نَاقِصٌ وَبَقِيَ صُورَةٌ رَابِعَةٌ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَامِلًا فَلَا ضَمَانَ إلَّا بِالتَّقْصِيرِ قَوْلُهُ إنَّمَا يَضْمَنُ بِإِتْلَافِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّطْهُ عَلَى إتْلَافِهِ وَخَرَجَ التَّلَفُ فَلَا يَضْمَنُ بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ حِفْظَهُ لِإِلْغَاءِ الْتِزَامِهِ وَتَلَخَّصَ أَنَّ الصُّوَرَ أَرْبَعٌ لِأَنَّ الْمُودِعَ إمَّا نَاقِصٌ أَوْ كَامِلٌ وَالْمُودَعَ كَذَلِكَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يُودِعَ كَامِلٌ كَامِلًا فَهِيَ الْوَدِيعَةُ الشَّرْعِيَّةُ فَلَا يَضْمَنُ إلَّا بِالتَّفْرِيطِ أَوْ يُودِعَ نَاقِصٌ نَاقِصًا فَيَضْمَنُ بِالتَّلَفِ كَالْإِتْلَافِ أَوْ يُودِعَ كَامِلٌ نَاقِصًا فَلَا يَضْمَنُ إلَّا بِالْإِتْلَافِ لَا بِالتَّلَفِ أَوْ عَكْسُهُ فَيَضْمَنُ بِالتَّلَفِ كَالْإِتْلَافِ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَوْدَعَ نَاقِصٌ نَاقِصًا لَكِنْ فِي صُورَةِ الْعَكْسِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا يَضْمَنُ بِالتَّلَفِ إنْ لَمْ

ص: 292

الْمُودِعِ وَعَدَمُ الرَّدِّ مِنْ جَانِبِ الْوَدِيعِ نَعَمْ لَوْ قَالَ الْوَدِيعُ أَوْدَعَنِيهِ مَثَلًا فَدَفَعَهُ لَهُ سَاكِتًا فَيُشْبِهُ أَنْ يَكْفِيَ ذَلِكَ كَالْعَارِيَّةِ

وَعَلَيْهِ فَالشَّرْطُ اللَّفْظُ مِنْ أَحَدِهِمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيّ وَالْإِيجَابُ إمَّا صَرِيحٌ كَأَوْدَعْتُكَ هَذَا أَوْ اسْتَحْفَظْتُكَهُ أَوْ كِنَايَةٌ مَعَ النِّيَّةِ كَخُذْهُ

(الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ) أَصَالَةً فِي يَدِ الْوَدِيعِ (يُسْتَحَبُّ) لَهُ (قَبُولُهَا) أَيْ أَخْذُهَا (لِمَنْ قَامَ بِالْأَمَانَةِ فِيهَا) بِأَنْ قَدَرَ عَلَى

ــ

[حاشية البجيرمي]

يَأْخُذْهَا حِسْبَةً أَيْ احْتِسَابًا وَطَلَبًا لِلْأَجْرِ أَوْ خَوْفًا عَلَيْهَا فَلَا يَضْمَنُ بِوَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى وَلِيِّ أَمْرِ النَّاقِصِ وَقَوْلُهُ إنَّمَا يَضْمَنُ بِإِتْلَافِهِ الصَّوَابُ فَإِنَّمَا بِالْفَاءِ وَإِسْقَاطُهَا سَرَى لَهُ مِنْ قَوْلِ الْمَنْهَجِ وَفِي عَكْسِ ذَلِكَ إنَّمَا يَضْمَنُ إلَخْ وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُودِعِ وَالْوَدِيعِ إمَّا كَامِلٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مُكْرَهٌ أَوْ عَبْدٌ وَالْحَاصِلُ مِنْ ضَرْبِ سَبْعَةٍ فِي سَبْعَةٍ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ تَتْلَفَ الْوَدِيعَةُ بِنَفْسِهَا أَوْ يُتْلِفَهَا الْمُودِعُ أَوْ الْوَدِيعُ وَالْحَاصِلُ مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي تِسْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ مِائَةٌ وَسَبْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ

قَوْلُهُ مِنْ جَانِبِ الْمُودِعِ إلَخْ لَوْ قَالَ فَيُشْتَرَطُ اللَّفْظُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَعَدَمُ الرَّدِّ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ لَكَانَ أَوْلَى وَيُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ ق ل وَمَعَ ذَلِكَ فَالشَّرْطُ اللَّفْظُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْفِعْلُ أَوْ اللَّفْظُ مِنْ الْآخَرِ وَلَا يَكْفِي السُّكُوتُ وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ كَمَا مَرَّ فِي الْعَارِيَّةِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِاللَّفْظِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَالْفِعْلُ مِنْ الْآخَرِ أَوْ بِاللَّفْظِ مِنْهُمَا مَعًا فَلَا يَكْفِي غَيْرُ ذَلِكَ فَلَوْ قَالَ لَهُ احْفَظْ مَتَاعِي فَأَشَارَ أَنْ نَعَمْ لَمْ يَكُنْ وَدِيعًا لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ قَبُولٌ بِاللَّفْظِ وَلَا بِالْفِعْلِ وَإِشَارَةُ النَّاطِقِ لَا يُعْتَدُّ بِهَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَضَعْ يَدَهُ عَلَيْهِ قَالَ شَيْخُنَا وَلَا يَقُومُ أَخْذُ أُجْرَةٍ قِيَامَ الْقَبُولِ وَخَالَفَهُ بَعْضُهُمْ اهـ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ الْحَمَّامَ وَاسْتَحْفَظَ عَلَى حَوَائِجِهِ فَقَبِلَ أَوْ أَعْطَاهُ الْأُجْرَةَ أَوْ قَبَضَ الْعَيْنَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحِفْظُ وَإِلَّا فَلَا يُضْمَنُ وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ الْبَوَّابُ فِي الْخَانِ إذَا أَخَذَ الدَّابَّةَ أَوْ الْأُجْرَةَ أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي إدْخَالِهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ اهـ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ فَيَكْفِي قَبْضُهُ وَلَا يَكْفِي الْوَضْعُ بَيْنَ يَدَيْهِ مَعَ السُّكُوتِ اهـ وَقَوْلُهُ فَيَكْفِي قَبْضُهُ أَيْ وَإِنْ لَمْ يُنْقَلْ اهـ وَعِبَارَةُ ع ش قَوْلُهُ فَالشَّرْطُ اللَّفْظُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا حَمَّلَ دَابَّتَهُ حَطَبًا وَطَلَبَ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ أَنْ يَأْخُذُوهَا مَعَهُمْ إلَى مِصْرَ وَيَبِيعُوا الْحَطَبَ لَهُ فَامْتَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَقْبَلُوهَا مِنْهُ فَتَخَلَّفَ عَنْهُمْ عَلَى نِيَّةِ أَنْ يَأْتِيَ بِأَقْوَاتِ السَّفَرِ وَيَلْحَقَهُمْ فِي الطَّرِيقِ فَلَمْ يَفْعَلْ ثُمَّ إنَّهُمْ حَضَرُوا بِهَا إلَى مِصْرَ وَتَصَرَّفُوا فِي الْحَطَبِ لِغَيْبَةِ صَاحِبِهِ وَوَضَعُوا الدَّابَّةَ عِنْدَ دَوَابِّهِمْ فَضَاعَتْ بِلَا تَقْصِيرٍ وَهُوَ عَدَمُ الضَّمَانِ اهـ كَيْفَ هَذَا مَعَ وَضْعِ يَدِهِمْ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا لِرَدِّهِمْ لِإِذْنِهِ

قَوْلُهُ: (أَمَانَةٌ) أَيْ إذَا كَانَتْ مِنْ غَيْرِ وَلِيٍّ أَوْ وَكِيلٍ، أَمَّا وَدِيعُهُمَا فَضَامِنٌ زي فَإِذَا كَانَ الْمُودِعُ وَلِيًّا أَوْ وَكِيلًا ضَمِنَهَا الْآخِذُ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ. وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ بَيْنَ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ. وَفِي الْكَافِي: لَوْ أَوْدَعَهُ بَهِيمَةً وَأَذِنَ لَهُ فِي رُكُوبِهَا أَوْ ثَوْبًا وَأَذِنَ لَهُ فِي لُبْسِهِ فَهُوَ إيدَاعٌ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِيهِ مَا يُنَافِي مُقْتَضَاهُ؛ فَإِذَا تَلِفَتْ قَبْلَ الرُّكُوبِ وَالِاسْتِعْمَالِ لَمْ يَضْمَنْ أَوْ بَعْدَهُ ضَمِنَ لِأَنَّهُ عَارِيَّةٌ فَاسِدَةٌ؛ عَزِيزِيٌّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى ابْنِ قَاسِمٍ الْغَزِّيِّ وَالْمُرَادُ الْوَدِيعَةِ هُنَا الْعَيْنُ الْمُودَعَةُ لَا الْعَقْدُ.

قَوْلُهُ: (أَصَالَةً) أَيْ فَالْقَصْدُ مِنْهَا الْحِفْظُ، فَإِنْ طَرَأَ فِعْلٌ مُضَمَّنٌ فَعَلَى خِلَافِ وَضْعِهَا بِخِلَافِ الرَّهْنِ، فَإِنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ التَّوَثُّقُ وَالْأَمَانَةُ فِيهِ تَابِعَةٌ، وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ ادَّعَى الرَّدَّ مِنْ الْوَدِيعِ وَالْمُرْتَهِنِ هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَوْ لَا؟ فَفِي الْوَدِيعَةِ يُقْبَلُ لِأَنَّ وَضْعَهَا الْأَمَانَةُ وَفِي الرَّهْنِ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ وَضْعَهُ التَّوَثُّقُ الْمُنَافِي لِلرَّدِّ فَلَا يَصْدُقُ فِيهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَوْ صَدَرَ مِنْهُ أَمْرٌ مُضَمَّنٌ لَمْ يَلْزَمْهُ الرَّدُّ فَوْرًا لِأَنَّ مَقْصُودَهُ التَّوَثُّقُ لَا الْحِفْظُ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ فَيَلْزَمُهُ بِالْأَمْرِ الْمُضَمَّنِ الرَّدَّ فَوْرًا لِأَصَالَةِ الْأَمَانَةِ فِيهَا لِأَنَّ مَقْصُودَهَا الْحِفْظُ، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ بِالضَّمَانِ وَجَبَ الرَّدُّ فَوْرًا. اهـ. مَدَابِغِيٌّ.

قَوْلُهُ: (قَبُولُهَا) أَيْ قَبُولُ إيدَاعِهَا أَوْ أَخْذُهَا أَوْ عَدَمُ رَدِّهَا وَاقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى الثَّانِي وَالضَّمِيرُ فِي قَبُولِهَا إلَخْ لِلْوَدِيعَةِ بِمَعْنَى الْإِيدَاعِ أَوْ بِمَعْنَى الْعَيْنِ مَعَ حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ إيدَاعِهَا اهـ ابْنُ قَاسِمٍ. وَقَالَ شَيْخُنَا: إنَّمَا قَالَ أَيْ أَخْذُهَا لِأَنَّ

ص: 293

حِفْظِهَا وَوَثِقَ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ فِيهَا، هَذَا إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ أَخْذُهَا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ:«وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» فَإِنْ تَعَيَّنَ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ غَيْرُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَخْذُهَا، لَكِنْ لَا يُجْبَرُ عَلَى إتْلَافِ مَنْفَعَتِهِ وَمَنْفَعَةِ حِرْزِهِ مَجَّانًا، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ حِفْظِهَا حَرُمَ عَلَيْهِ قَبُولُهَا لِأَنَّهُ يُعَرِّضُهَا لِلتَّلَفِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكُ بِحَالِهِ وَإِلَّا فَلَا تَحْرِيمَ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الزَّرْكَشِيّ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْحِفْظِ، وَهُوَ فِي الْحَالِ أَمِينٌ وَلَكِنْ لَمْ يَثِقْ بِأَمَانَتِهِ بَلْ خَافَ الْخِيَانَةَ مِنْ نَفْسِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كُرِهَ لَهُ قَبُولُهَا خَشْيَةَ الْخِيَانَةِ فِيهَا، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكُ الْحَالَ وَإِلَّا فَلَا تَحْرِيمَ وَلَا كَرَاهَةَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ.

تَنْبِيهٌ: أَحْكَامُ الْوَدِيعَةِ ثَلَاثَةٌ: الْحُكْمُ الْأَوَّلُ الْأَمَانَةُ، وَالْحُكْمُ الثَّانِي الرَّدُّ، وَالْحُكْمُ الثَّالِثُ الْجَوَازُ. وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ وَقَدْ تَصِيرُ مَضْمُونَةً بِعَوَارِضَ غَالِبُهَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (وَلَا يَضْمَنُ إلَّا بِالتَّعَدِّي) فِي

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْوَدِيعَةَ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى الْعَيْنِ الْمُودَعَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ أَمَانَةٌ وَالْعَيْنُ لَا قَبُولَ فِيهَا وَإِنَّمَا الْقَبُولُ فِي الْإِيدَاعِ وَعَلَى كَلَامِ ابْنِ قَاسِمٍ يَكُونُ فِي كَلَامِ الْمَتْنِ اسْتِخْدَامٌ تَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (أَيْ أَخْذُهَا) يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الْوَدِيعَةِ هُنَا أَحَدُ جُزْأَيْ الْعَقْدِ الَّذِي هُوَ الْإِيجَابُ حَتَّى يُرَادَ بِالْقَبُولِ الْجُزْءُ الْآخَرُ مِنْ الْعَقْدِ.

قَوْلُهُ: (بِأَنْ قَدَرَ عَلَى حِفْظِهَا وَوَثِقَ) أَيْ حَالًا وَمَآلًا لَا فِيهِمَا، أَيْ الْقُدْرَةُ عَلَى الْحِفْظِ وَالْوُثُوقُ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي، أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ؛ فَالْقُيُودُ ثَلَاثَةٌ، وَقَدْ أَخَذَ الشَّارِحُ مُحْتَرَزَاتِهَا عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُشَوَّشِ.

قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ الِاسْتِحْبَابُ. قَوْلُهُ: (مَجَّانًا) وَقَدْ تُؤْخَذُ الْأُجْرَةُ عَلَى الْوَاجِبِ كَتَعْلِيمِ الْفَاتِحَةِ وَسَقْيِ اللُّبَا وَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ وَتَعْلِيمِ نَحْوِ الْفَاتِحَةِ، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ قَبُولِهَا أَيْ الْوَدِيعَةِ مَعَ دَفْعِ الْأُجْرَةِ لَهُ أَثِمَ وَلَا ضَمَانَ، فَإِنْ تَعَدَّدَ الْأُمَنَاءُ الْقَادِرُونَ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ كَالْأَذْرَعِيِّ: تَعَيَّنَتْ عَلَى مَنْ عُرِضَتْ عَلَيْهِ كَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ زِيَادِيٌّ، فَيَتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ مَنْ سَأَلَهُ مِنْهُمْ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى التَّوَاكُلِ فَتَتْلَفَ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَجَزَ) شُرُوعٌ فِي مُحْتَرَزِ شُرُوطِ الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّ الشَّارِحَ قَيَّدَهُ بِقُيُودٍ ثَلَاثَةٍ.

قَوْلُهُ: (حَرُمَ عَلَيْهِ قَبُولُهَا) أَيْ وَالْإِيدَاعُ صَحِيحٌ فَتَكُونُ أَمَانَةً. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الِاسْتِحْبَابُ، وَقَدْ تَخْرُجُ عَنْهُ إلَى الْوُجُوبِ أَوْ الْحُرْمَةِ أَوْ الْكَرَاهَةِ لِعَوَارِضَ إنْ تَعَيَّنَ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ هُنَا غَيْرُهُ وَلَا يُجْبَرُ حِينَئِذٍ عَلَى إتْلَافِ مَنْفَعَتِهِ وَمَنْفَعَةِ حِرْزِهِ مَجَّانًا أَيْ بِلَا عِوَضٍ، وَتَحْرُمُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْحِفْظِ لِأَنَّهُ يُعَرِّضُهَا لِلتَّلَفِ، وَتُكْرَهُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ لِمَنْ لَمْ يَثِقْ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ. هَذَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمَالِكُ وَإِلَّا فَتُبَاحُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ.

قَوْلُهُ: (وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكُ) أَيْ الرَّشِيدُ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَلَا تَحْرِيمَ) أَيْ وَلَا كَرَاهَةَ فَتَكُونُ مُبَاحَةً فَتَعْتَرِيهَا الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الزَّرْكَشِيّ) حَيْثُ قَالَ الْوَجْهُ تَحْرِيمُهُ عَلَيْهِمَا، أَمَّا عَلَى الْمَالِكِ فَلِإِضَاعَتِهِ مَالَهُ، وَأَمَّا عَلَى الْمُودَعِ فَلِإِعَانَتِهِ عَلَى ذَلِكَ وَعِلْمُ الْمَالِكِ بِعَجْزِهِ لَا يُبِيحُ لَهُ الْقَبُولَ.

قَوْلُهُ: (أَحْكَامُ الْوَدِيعَةِ ثَلَاثَةٌ) الْمُرَادُ بِالْأَحْكَامِ الْأَحْوَالُ وَالصِّفَاتُ وَإِلَّا فَالْمَذْكُورُ لَيْسَ حُكْمًا شَرْعِيًّا، أَوْ يُرَادُ بِالْأَحْكَامِ اللُّغَوِيَّةِ وَهِيَ النِّسَبُ التَّامَّةُ كَثُبُوتِ الْأَمَانَةِ وَثُبُوتِ قَبُولِ قَوْلِهِ فِي الرَّدِّ وَثُبُوتِ جَوَازِ الرَّدِّ لِكُلٍّ مِنْ الْمُودِعِ وَالْوَدِيعِ.

قَوْلُهُ: (الْجَوَازُ) أَيْ عَدَمُ لُزُومِهَا مِنْهُمَا، فَلِكُلٍّ فَسْخُهَا.

قَوْلُهُ: (وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْجُمْلَةَ هُنَا غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَتْنِ، وَلَعَلَّ الشَّارِحَ وَقَعَ لَهُ نُسْخَةٌ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ مُكَرَّرَةً، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ يَحْتَاجُ لِتَقْدِيرٍ أَيْ أَشَارَ بِقَوْلِهِ الْمَارِّ الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (بِعَوَارِضَ) أَيْ ضَمَانِ يَدٍ لَا ضَمَانِ جِنَايَةٍ أَيْ فِي غَيْرِ مِثَالَيْ الشَّارِحِ، فَهُمَا مِنْ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ. وَيَنْبَنِي عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِمَا تَعَدَّى بِهِ وَبِغَيْرِهِ بِخِلَافِهِ عَلَى الثَّانِي لَا يَضْمَنُ إلَّا بِمَا تَعَدَّى بِهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّقْصِيرِ وَعَدَمِهِ وَإِنَّمَا يُفَرَّقُ بِمَا تَقَدَّمَ. وَجُمْلَةُ الْعَوَارِضِ الْمَذْكُورَةِ عَشَرَةٌ ذَكَرَ الشَّارِحُ سَبْعَةً خَمْسَةٌ أَدْخَلَ عَلَيْهَا كَأَنَّ وَاثْنَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي قَوْلِهِ أَوْ دَلَّ عَلَيْهَا مَنْ يُصَادِرُ الْمَالِكَ أَوْ دَلَّ عَلَيْهَا سَارِقًا، وَذَكَرَ فِي الْمَتْنِ اثْنَيْنِ فِي قَوْلِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَحْفَظَهَا إلَخْ. وَقَوْلُهُ:" وَإِذَا طُولِبَ بِهَا إلَخْ " وَقَدْ نَظَمَهَا الدَّمِيرِيُّ فَقَالَ:

ص: 294

تَلَفِهَا كَأَنْ نَقَلَهَا مِنْ مَحَلَّةٍ وَدَارٍ لِأُخْرَى دُونَهَا حِرْزًا، وَإِنْ لَمْ يَنْهَهُ الْمُودِعُ عَنْ نَقْلِهَا لِأَنَّهُ عَرَّضَهَا لِلتَّلَفِ. نَعَمْ إنْ نَقَلَهَا يَظُنُّ أَنَّهَا مِلْكَهُ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا لَمْ يَضْمَنْ.

وَكَأَنْ يُودِعَهَا غَيْرَهُ وَلَوْ قَاضِيًا بِلَا إذْنٍ مِنْ الْمُودِعِ وَلَا عُذْرَ لَهُ لِأَنَّ الْمُودِعَ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْدَعَهَا غَيْرَهُ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ وَسَفَرٍ، وَلَهُ اسْتِعَانَةٌ بِمَنْ يَحْمِلُهَا لِحِرْزٍ أَوْ يَعْلِفُهَا أَوْ يَسْقِيهَا لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِذَلِكَ، وَعَلَيْهِ لِعُذْرٍ كَإِرَادَةِ سَفَرٍ وَمَرَضٍ رَدُّهَا لِمَالِكِهَا أَوْ وَكِيلِهِ فَإِنْ فَقَدَهُمَا رَدَّهَا لِلْقَاضِي، وَعَلَيْهِ أَخْذُهَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

عَوَارِضُ التَّضْمِينِ عَشْرٌ وَدْعُهَا

وَسَفَرٌ وَنَقْلُهَا وَجَحْدُهَا

وَتَرْكُ إيصَاءٍ وَدَفْعُ مُهْلِكِ

وَمَنْعُ رَدِّهَا وَتَضْيِيعٌ حُكِيَ

وَالِانْتِفَاعُ وَكَذَا الْمُخَالَفَهْ

فِي حِفْظِهَا إنْ لَمْ يَزِدْ مَا خَالَفَهْ

أَيْ الَّذِي خَالَفَهُ كَأَنْ قَالَ لَا تَقْفِلْ عَلَيْهِ قُفْلًا فَأَقْفَلَ، وَأَخْصَرُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ ق ل:

عَوَارِضُهَا عَشْرٌ ضَيَاعُ وَدِيعَةٍ

وَنَقْلٌ وَجَحْدٌ مَنْعُ رَدٍّ لِمَالِكٍ

مُخَالَفَةٌ فِي الْحِفْظِ تَرْكُ وَصِيَّةٍ

وَسَفَرٌ بِهَا نَفْعٌ بِهَا تَرْكُ هَالِكٍ

أَيْ تَرْكُ الْمُهْلِكِ لَهَا وَلَمْ يَدْفَعْهُ.

قَوْلُهُ: (كَأَنْ نَقَلَهَا) أَيْ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ. قَوْلُهُ: (دُونَهَا حِرْزًا) أَيْ وَقَدْ عَيَّنَ لَهُ الْمُودِعُ الْحِرْزَ الْأَوَّلَ كَمَا فِي م ر، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الزِّيَادِيِّ: قَوْلُهُ دُونَهَا حِرْزًا أَيْ وَلَوْ حِرْزُ مِثْلِهَا اهـ. وَقَالَ أج: قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ نَقَلَهَا مِنْ حِرْزٍ إلَى آخَرَ وَالْأَوَّلُ أَحْرَزُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الضَّمَانُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا نَقَلَهَا إلَى دُونِ حِرْزِهَا أَيْ الْعَيْنَ الْمُودَعَةَ اهـ. وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ الْمُودِعُ الْحِرْزَ الْأَوَّلَ. وَعِبَارَةُ ق ل: قَوْلُهُ " دُونَهَا " أَيْ دُونَ الْمَحَلَّةِ أَوْ الدَّارِ أَوْ دُونَ الْوَدِيعَةِ وَهَذَا قَرِيبٌ إلَى كَلَامِهِ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَنْهَهُ) الصَّوَابُ حَذْفُ الْوَاوِ لِأَنَّهُ مَعَ النَّهْيِ يَضْمَنُ بِنَقْلِهَا مُطْلَقًا وَلَوْ إلَى حِرْزِ مِثْلِهَا أَوْ أَحْرَزَ ق ل. وَيُمْكِنُ جَعْلُ الْوَاوِ لِلْحَالِ. وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ: نَعَمْ إنْ كَانَ الثَّانِي حِرْزَ مِثْلِهَا وَلَمْ يَنْهَهُ الْمَالِكُ فَلَا ضَمَانَ.

قَوْلُهُ: (لَمْ يَضْمَنْ) لِعُذْرِهِ.

قَوْلُهُ: (غَيْرَهُ) أَيْ وَلَوْ وَلَدَهُ. أَوْ زَوْجَتَهُ أَوْ عَبْدَهُ. فَرْعٌ: لَوْ أَخَذَ الظَّافِرُ غَيْرَ جِنْسِ حَقِّهِ وَأَوْدَعَهُ إنْسَانًا فَرَدَّهُ عَلَى مَالِكِهِ لَمْ يَضْمَنْ أَوْ جِنْسِ حَقِّهِ ضَمِنَ. اهـ. ق ل.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمُودِعَ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر: لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَرْضَ بِأَمَانَةِ غَيْرِهِ وَلَا يَدِهِ، أَيْ فَيَكُونُ طَرِيقًا فِي ضَمَانِهَا وَالْقَرَارُ عَلَى مَنْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ وَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ مَنْ شَاءَ، فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الثَّانِي وَيَرْجِعُ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى الْأَوَّلِ إنْ كَانَ جَاهِلًا، أَمَّا الْعَالِمُ فَلَا لِأَنَّهُ غَاضِبٌ أَوْ الْأَوَّلَ رَجَعَ عَلَى الثَّانِي إنْ عَلِمَ لَا إنْ جَهِلَ اهـ بِحُرُوفِهِ.

قَوْلُهُ: (وَلَهُ اسْتِعَانَةٌ) تَقْيِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ أَمَانَةِ الْمُسْتَعَانِ بِهِ أَوْ مُبَاشَرَتِهِ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمِينًا وَلَمْ يُبَاشِرْهُ ضَمِنَهَا م ر. وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَهَا مَنْ يَسْقِيَهَا وَهُوَ غَيْرُ ثِقَةٍ ضَمِنَهَا. اهـ. س ل. قَوْلُهُ:(بِمَنْ يَحْمِلْهَا) وَلَوْ خَفِيفَةً أَمْكَنَهُ حَمْلُهَا بِلَا مَشَقَّةٍ فِيمَا يَظْهَرُ، شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ:(وَعَلَيْهِ لِعُذْرٍ) هَذَا لَيْسَ مِنْ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ بَلْ مِنْ الثَّانِي.

قَوْلُهُ: (كَإِرَادَةِ سَفَرٍ) وَإِنْ قَصُرَ وَكَانَ مُبَاحًا ز ي.

قَوْلُهُ: (وَمَرَضٍ) أَيْ مَخُوفٍ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ أَوْ حَبْسٍ لِقَتْلٍ. وَأَلْحَقَ الْأَذْرَعِيُّ بِذَلِكَ كُلَّ حَالَةٍ يُعْتَبَرُ فِيهَا التَّبَرُّعُ مِنْ الثُّلُثِ كَوُقُوعِ الطَّاعُونِ بِالْبَلَدِ، نَعَمْ الْحَبْسُ لِلْقَتْلِ فِي حُكْمِ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ هُنَا لَا ثَمَّ لِأَنَّ هَذَا حَقٌّ آدَمِيٌّ نَاجِزٌ فَاحْتِيطَ لَهُ أَكْثَرَ بِجَعْلِ مُقَدِّمَةِ مَا يُظَنُّ بِهِ الْمَوْتُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ؛ شَوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ:(فَإِنْ فَقَدَهُمَا) أَيْ لِغَيْبَتِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَكُونَا بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ. وَقَالَ م د: لَعَلَّ ضَابِطَ الْفَقْدِ مَسَافَةُ الْعَدْوَى. وَقَالَ م ر. لَا بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ. وَمِثْلُ الْفَقْدِ حَبْسُهُمَا وَلَوْ فِي الْبَلَدِ وَعَسُرَ الْوُصُولُ إلَيْهِمَا. وَتَرْتِيبُ مَا ذُكِرَ وَاجِبٌ، فَلَوْ تُرِكَ ضَمِنَ كَأَنْ رَدَّهَا لِأَمِينٍ مَعَ إمْكَانِهِ لِقَاضٍ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ بِرْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (رَدَّهَا لِلْقَاضِي) أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ جَائِزًا كَقُضَاةِ زَمَانِنَا. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَمَتَى تُرِكَ هَذَا التَّرْتِيبُ حَيْثُ قَدَرَ عَلَيْهِ ضَمِنَ قَالَ الْفَارِقِيُّ إلَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا

ص: 295

فَإِنْ فَقَدَهُ رَدَّهَا الْأَمِينُ وَلَا يُكَلَّفُ تَأْخِيرَ السَّفَرِ. وَيُغْنِي عَنْ الرَّدِّ إلَى الْقَاضِي أَوْ الْأَمِينِ الْوَصِيَّةُ بِهَا إلَيْهِ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ عِنْدَ فَقْدِ الْمَالِكِ وَوَكِيلِهِ بَيْنَ رَدِّهَا لِلْقَاضِي وَالْوَصِيَّةِ بِهَا إلَيْهِ، وَعِنْدَ فَقْدِ الْقَاضِي بَيْنَ رَدِّهَا لِلْأَمِينِ وَالْوَصِيَّةِ بِهَا إلَيْهِ. وَالْمُرَادُ بِالْوَصِيَّةِ بِهَا الْإِعْلَامُ بِهَا، وَالْأَمْرُ بِرَدِّهَا مَعَ وَصْفِهَا بِمَا تَتَمَيَّزُ بِهِ أَوْ الْإِشَارَةُ لِعَيْنِهَا، وَمَعَ ذَلِكَ يَجِبُ الْإِشْهَادُ كَمَا فِي الرَّافِعِيِّ عَنْ الْغَزَالِيِّ، فَإِنْ لَمْ يَرُدَّهَا وَلَمْ يُوصِ بِهَا لِمَنْ ذُكِرَ كَمَا ذُكِرَ ضَمِنَ إنْ تَمَكَّنَ مِنْ رَدِّهَا أَوْ الْإِيصَاءِ بِهَا لِأَنَّهُ عَرَّضَهَا لِلْفَوَاتِ، وَكَأَنْ يَدْفِنَهَا بِمَوْضِعٍ وَيُسَافِرَ وَلَمْ يُعْلِمْ بِهَا أَمِينًا يُرَاقِبُهَا لِأَنَّهُ عَرَّضَهَا لِلضَّيَاعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْلَمَ بِهَا مَنْ ذَكَرَ لِأَنَّ إعْلَامَهُ بِهَا بِمَنْزِلَةِ إيدَاعِهِ فَشَرْطُهُ فَقْدُ الْقَاضِي.

وَكَأَنْ لَا يَدْفَعَ مُتْلِفَاتِهَا كَتَرْكِ تَهْوِيَةِ ثِيَابٍ صُوفٍ أَوْ تَرْكِ لُبْسِهَا عِنْدَ حَاجَتِهَا لِذَلِكَ وَقَدْ عَلِمَهَا لِأَنَّ الدُّودَ يُفْسِدُهَا بِتَرْكِ ذَلِكَ، وَكُلٌّ مِنْ الْهَوَاءِ وَعُبُوقِ رَائِحَةِ الْآدَمِيِّ بِهَا يَدْفَعُهُ، أَوْ تَرْكِ عَلْفِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

يَضْمَنُ بِالْإِيدَاعِ لِثِقَةٍ مَعَ وُجُودِ الْقَاضِي قَطْعًا لِمَا ظَهَرَ مِنْ فَسَادِ الْحُكَّامِ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَالْوَصِيَّةِ بِهَا إلَيْهِ) أَيْ الْأَحَدِ. وَقَوْلُهُ: " وَالْوَصِيَّةُ بِهَا إلَيْهِ " أَيْ الْأَمِينِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَمْرُ بِرَدِّهَا) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ الْإِعْلَامِ ق ل؛ أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ رَدَّهَا لِمَالِكِهَا. وَنَظَرَ فِيهِ شَيْخُنَا بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إعْلَامِهِ بِهَا أَمْرُهُ بِرَدِّهَا لِمَالِكِهَا مَعَ أَنَّهُ الْمَقْصُودُ. قَوْلُهُ: (أَوْ الْإِشَارَةُ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى " وَصْفِهَا ".

قَوْلُهُ: (وَمَعَ ذَلِكَ) أَيْ مَعَ الْوَصِيَّةِ بِهَا. وَقَوْلُهُ: " يَجِبُ الْإِشْهَادُ " ضَعَّفَهُ الْمَرْحُومِيُّ وَاعْتَمَدَ عَدَمَ وُجُوبِ الْإِشْهَادِ؛ لَكِنَّ الَّذِي فِي شَرْحِ م ر مِثْلُ الشَّارِحِ. وَقَوْلُهُ " ضَعَّفَهُ الْمَرْحُومِيُّ " أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّدِّ إلَى الْقَاضِي أَوْ الْأَمِينِ، فَإِنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِشْهَادُ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَصِيَّةِ لِمَنْ ذُكِرَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ وُجُوبًا كَمَا نَقَلَهُ م ر وَنَقَلَهُ عَنْهُ سم، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَلَامُ الشَّارِحِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا ضَعْفَ فِي كَلَامِهِ كَمَا قَالَهُ الْعَزِيزِيُّ وَالْعَشْمَاوِيُّ.

قَوْلُهُ: (لِمَنْ ذُكِرَ) أَيْ لِلْقَاضِي فَالْأَمِينُ. وَقَوْلُهُ " كَمَا ذُكِرَ " أَيْ مِنْ الْبُدَاءَةِ أَوَّلًا بِالْقَاضِي.

قَوْلُهُ: (ضَمِنَ) أَيْ إنْ تَلِفَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ، بِرْمَاوِيٌّ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَمَحَلُّ الضَّمَانِ أَيْ فِي الْمَرَضِ بِغَيْرِ إيصَاءٍ وَإِيدَاعٍ إذَا تَلِفَتْ الْوَدِيعَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ كَالسَّفَرِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الضَّمَانُ إلَّا بِهِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ اهـ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ حَيًّا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَفْرِيطٌ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ الْوَدِيعَةُ وَلِأَنَّ مُدَّةَ الْمَرَضِ كَإِرَادَةِ السَّفَرِ.

قَوْلُهُ: (لِلْفَوَاتِ) أَيْ فَوَاتِهَا عَلَى مَالِكِهَا؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَدَّعِي أَنَّهَا مِنْ مَالِ مُوَرِّثِهِ اعْتِمَادًا عَلَى ظَاهِرِ الْيَدِ. قَوْلُهُ: (وَكَأَنْ يَدْفِنَهَا إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: " كَأَنْ نَقَلَهَا " وَكَذَا مَا بَعْدَهُ.

قَوْلُهُ: (بِمَوْضِعٍ) أَيْ حِرْزٍ لَهَا اهـ.

قَوْلُهُ: (أَمِينًا) أَيْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَظَنُّ الْأَمَانَةِ لَا يَكْفِي لَوْ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ ح ل.

قَوْلُهُ: (يُرَاقِبُهَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُرِهِ إيَّاهَا بِرْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ عَرَّضَهَا لِلضَّيَاعِ) وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ هَجَمَ عَلَيْهِ الْقُطَّاعُ فَطَرَحَهَا بِمَضْيَعَةٍ لِيَحْفَظَهَا فَضَاعَتْ ضَمِنَ، وَكَذَا لَوْ دَفَنَهَا خَوْفًا مِنْهُمْ عِنْدَ إقْبَالِهِمْ ثُمَّ ضَلَّ مَوْضِعَهَا؛ إذْ كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى تُؤْخَذَ مِنْهُ فَتَصِيرَ مَضْمُونَةً عَلَى آخِذِهَا شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ:(بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْلَمَ بِهَا) اقْتِصَارُهُ عَلَى الْإِعْلَامِ هُنَا يُؤَيِّدُ كَلَامَ الْقَلْيُوبِيِّ السَّابِقِ، فَلْيُحَرَّرْ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ إعْلَامَهُ) يُفِيدُ أَنَّ السُّكْنَى غَيْرُ قَيْدٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ اهـ ق ل.

قَوْلُهُ: (بِمَنْزِلَةِ إيدَاعِهِ) فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ ائْتِمَانٌ فَتَكْفِي فِيهِ الْمَرْأَةُ وَلَيْسَ بِإِشْهَادٍ حَتَّى يَشْتَرِطَ أَنْ يَكُونَ شَهَادَةً. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (فَشَرْطُهُ) أَيْ شَرْطُ إعْلَامِهِ بِهَا.

قَوْلُهُ: (وَكَأَنْ لَا يَدْفَعَ مُتْلِفَاتِهَا) بِكَسْرِ اللَّامِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ وَقَعَ فِي خِزَانَةِ الْوَدِيعِ حَرِيقٌ فَبَادَرَ لِنَقْلِ أَمْتِعَتِهِ فَاحْتَرَقَتْ الْوَدِيعَةُ لَمْ يَضْمَنْ إلَّا إنْ أَمْكَنَهُ إخْرَاجُ الْكُلِّ دُفْعَةً أَيْ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً لِمِثْلِهِ، أَوْ كَانَتْ فَوْقَ فَنَحَّاهَا وَأَخْرَجَ مَالَهُ الَّذِي تَحْتَهَا وَتَلِفَتْ بِسَبَبِ التَّنْحِيَةِ كَمَا اسْتَوْجَهَهُ ابْنُ حَجَرٍ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا وَدَائِعُ فَبَادَرَ بِنَقْلِ بَعْضِهَا فَاحْتَرَقَ مَا تَأَخَّرَ نَقْلُهُ. اهـ. س ل عَلَى الْمَنْهَجِ. وَمِثْلُهُ ق ل، أَيْ إذَا أَمْكَنَ نَقْلُهَا دُفْعَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ قَالَ: وَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى عَدَمِ التَّمَكُّنِ فِي هَذِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ اهـ.

قَوْلُهُ: (أَوْ تَرَكَ لُبْسَهَا عِنْدَ حَاجَتِهَا لِذَلِكَ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ اللُّبْسِ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَإِلَّا ضَمِنَ، وَيُوَجَّهُ فِي حَالِ الْإِطْلَاقِ بِأَنَّ الْأَصْلَ الضَّمَانُ حَتَّى يُوجَدَ صَارِفٌ. وَعِبَارَةُ م ر. وَكَذَا عَلَيْهِ لُبْسُهَا بِنَفْسِهِ إنْ لَاقَ بِهِ عِنْدَ حَاجَتِهَا بِأَنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِدَفْعِ الدُّودِ بِسَبَبِ عُبُوقِ رِيحِ الْآدَمِيِّ لَهَا، نَعَمْ إنْ لَمْ يَلْقَ بِهِ لُبْسُهَا أَلْبَسَهَا مَنْ يَلِيقُ بِهَذَا الْقَصْدِ قَدْرَ الْحَاجَةِ مَعَ مُلَاحَظَتِهِ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ ضَمِنَ مَا لَمْ يَنْهَهُ. نَعَمْ لَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ لَهُ لُبْسُهَا كَثَوْبِ حَرِيرٍ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَلْبَسُهُ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ لُبْسُهُ أَوْ وَجَدَهُ وَلَمْ يَرْضَ إلَّا بِأُجْرَةٍ فَالْأَوْجَهُ الْجَوَازُ، بَلْ الْوُجُوبُ وَلَوْ كَانَتْ الثِّيَابُ كَثِيرَةً بِحَيْثُ يَحْتَاجُ لُبْسُهَا إلَى مُضِيِّ زَمَنٍ يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ فَالْأَقْرَبُ أَنَّ لَهُ رَفْعَ

ص: 296

دَابَّةٍ بِسُكُونِ اللَّامِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْحِفْظِ لَا إنْ نَهَاهُ عَنْ التَّهْوِيَةِ وَاللُّبْسِ وَالْعَلْفِ فَلَا يَضْمَنُ لَكِنَّهُ يَعْصِي

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْأَمْرِ لِلْحَاكِمِ لِيَفْرِضَ لَهُ أُجْرَةً فِي مُقَابَلَةِ لُبْسِهَا لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَبْذُلَ مَنْفَعَتَهُ مَجَّانًا كَالْحِرْزِ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ عَلِمَهَا) أَيْ الثِّيَابَ أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْهَا كَأَنْ كَانَتْ فِي صُنْدُوقٍ مُقْفَلٍ فَلَا ضَمَانَ، أَوْ عَلِمَ وَلَمْ يُعْطِهِ مِفْتَاحَ الْقُفْلِ وَفَتْحُهُ لِذَلِكَ غَيْرُ مُضَمَّنٍ، وَإِنْ نَهَى لِكَرَاهَةِ الِامْتِثَالِ. وَلَا يَحْرُمُ تَرْكُ التَّهْوِيَةِ إذْ لَا رُوحَ، وَإِضَاعَةُ الْمَالِ إنَّمَا تَحْرُمُ إذَا كَانَ سَبَبُهَا فِعْلًا لَا تَرْكًا، وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا تَسْيِيرُ الدَّابَّةِ قَدْرًا يَمْنَعُ بِهِ زَمَانَتَهَا. اهـ. ز ي.

قَالَ فِي الْكَافِي: لَوْ أَوْدَعَهُ بَهِيمَةً وَأَذِنَ لَهُ فِي رُكُوبِهَا أَوْ ثَوْبًا وَأَذِنَ لَهُ فِي لُبْسِهِ فَهُوَ إيدَاعٌ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِيهِ مَا يُخَالِفُ مُقْتَضَاهُ، فَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَالِاسْتِعْمَالِ لَمْ يَضْمَنْ أَوْ بَعْدَهُ ضَمِنَ لِأَنَّهَا عَارِيَّةٌ فَاسِدَةٌ. اهـ. دَمِيرِيٌّ. فَهُمَا عَقْدَانِ فَاسِدَانِ. قَوْلُهُ:(لِأَنَّ الدُّودَ) جَمْعُ دُودَةٍ، وَيُجْمَعُ عَلَى دِيدَانٍ بِالْكَسْرِ اهـ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ:(بِتَرْكِ ذَلِكَ) أَيْ التَّهْوِيَةِ وَاللُّبْسِ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْهَوَاءِ) بِالْمَدِّ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَصْرِ هَوَى النَّفْسِ بِمَيْلِهَا لِمَا تُحِبُّهُ. اهـ. ق ل.

قَوْلُهُ: (وَعُبُوقٌ) يُقَالُ عَبِقَ بِمَعْنَى فَاحَ. قَوْلُهُ: (يَدْفَعُهُ) أَيْ الدُّودَ. فَرْعٌ: لَوْ أَوْدَعَ شَخْصٌ عَنْ آخَرَ بُرًّا أَوْ فُولًا فَدَخَلَهُ السُّوسُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَرُدَّهُ لِصَاحِبِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ بَيْعُهُ بِإِذْنِ حَاكِمٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ تَوَلَّى بَيْعَهُ وَأَشْهَدَ، وَمَتَى تَرَكَ الْوَدِيعُ شَيْئًا مِمَّا لَزِمَهُ لِجَهْلِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ وَعُذْرٍ لِنَحْوِ بُعْدِهِ عَنْ الْعُلَمَاءِ فَفِي تَضْمِينِهِ وَقْفَةٌ لَكِنَّهُ مُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ. اهـ. م ر. فَرْعٌ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: لَوْ رَأَى أَمِينٌ كَوَدِيعٍ وَرَاعٍ مَأْكُولًا تَحْتَ يَدِهِ وَقَعَ فِي مِلْكِهِ فَذَبَحَهُ جَازَ وَإِنْ تَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ لَمْ يَضْمَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي عَدَمِ الضَّمَانِ إذَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ بِلَا كُلْفَةٍ نَظَرٌ وَاسْتَشْهَدَ غَيْرُهُ لِلضَّمَانِ بِقَوْلِ الْأَنْوَارِ وَتَبِعَهُ الْغَزِّيُّ. وَلَوْ أَوْدَعَهُ بُرًّا أَيْ مَثَلًا فَوَقَعَ فِيهَا السُّوسُ لَزِمَهُ الدَّفْعُ عَنْهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ بَاعَهُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ تَوَلَّى بَيْعَهُ وَأَشْهَدَ.

وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ يُشْهِدُهُ عَلَى سَبَبِ الذَّبْحِ فَتَرَكَهُ ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا لِعُذْرِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قَوْلَهُ ذَبَحْتهَا لِذَلِكَ لَا يُقْبَلُ. ثُمَّ رَأَيْته مُصَرِّحًا بِهِ فِيمَا يَأْتِي. وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَبُولِ قَوْلِهِ فِي نَحْوِ لَبِسْتهَا لِدَفْعِ الدُّودِ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ قَبُولُهُ، ثُمَّ رَأَيْت مَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الْخَاتَمِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيهِ بِأَنَّ مَا هُنَا فِيهِ إذْهَابٌ لِعَيْنِهَا الْمَقْصُودَةِ بِالْكُلِّيَّةِ فَاحْتِيطَ لَهُ أَكْثَرَ.

وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا مَرَّ فِي تَعْيِيبِ الْوَصِيِّ لِلْمَالِ خَشْيَةَ ظَالِمٍ، وَيَظْهَرُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَبْحِهَا لَمْ أَجِدْ شُهُودًا عَلَى سَبَبِهِ، وَكَذَا بَعْدَ الْبَيْعِ لِنَحْوِ السُّوسِ احْتِيَاطًا لِإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ. نَعَمْ إنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى مَا قَالَهُ اُحْتُمِلَ صِدْقُهُ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ اهـ.

قَوْلُهُ: (أَوْ تَرْكِ عَلْفِ دَابَّةٍ) أَيْ مُدَّةً يَمُوتُ مِثْلُهَا فِيهَا غَالِبًا بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَإِنْ مَاتَتْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ بِهَا جُوعٌ سَابِقٌ وَعَلِمَهُ، فَإِنْ كَانَ بِهَا جُوعٌ سَابِقٌ وَعَلِمَهُ فَيَضْمَنُهَا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا، وَقِيلَ: يَضْمَنُ الْقِسْطَ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي. وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا لَوْ جَوَّعَ إنْسَانًا وَبِهِ جُوعٌ سَابِقٌ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ أَوْ الشَّرَابَ مَعَ عِلْمِهِ بِالْحَالِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ. اهـ. رَمْلِيٌّ زي. وَمِثْلُ الْعَلْفِ السَّقْيُ. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: أَوْ تَرَكَ عَلْفَ دَابَّةٍ، أَيْ إنْ مَضَتْ مُدَّةٌ يَمُوتُ مِثْلُهَا فِيهَا غَالِبًا أَوْ دُونَهَا وَبِهَا جُوعٌ سَابِقٌ وَعَلِمَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ أَصْلًا، وَفَارَقَ ضَمَانَ الْقِسْطِ فِي الْجِنَايَاتِ، أَيْ إذَا حَبَسَهُ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ حَتَّى مَاتَ وَقَدْ مَضَتْ مُدَّةٌ بِلَا تَنَاوُلِ ذَلِكَ قَبْلَ الْحَبْسِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْقِسْطَ بِتَعَدِّيهِ، نَعَمْ يَضْمَنُ الْأَرْشَ هُنَا.

قَوْلُهُ: (لَا إنْ نَهَاهُ) أَيْ وَكَانَ مَالِكًا لَا وَلِيًّا وَلَا وَكِيلًا وَإِلَّا ضَمِنَ الْوَدِيعُ، وَبَقِيَ مَا لَوْ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَخَالَفَ وَلَبِسَهَا أَوْ هَوَّاهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَهَلْ يَضْمَنُ إذَا تَلِفَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْ لَا لِمَا فِي فِعْلِهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ لِلْمَالِكِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى نَهْيِهِ عَنْهُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي كَمَا لَوْ نَهَاهُ عَنْ الْإِقْفَالِ فَأَقْفَلَ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَلَوْ نَهَاهُ عَنْ عَلْفِهَا لِنَحْوِ تُخَمَةٍ بِهَا لَزِمَهُ الِامْتِثَالُ، فَإِنْ عَلَفَهَا مَعَ بَقَاءِ الْعِلَّةِ ضَمِنَ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِعِلَّتِهَا خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ اهـ م ر. قَوْلُهُ:(فَلَا يَضْمَنُ) كَمَا لَوْ قَالَ أَتْلِفْ الثِّيَابَ أَوْ الدَّابَّةَ فَفَعَلَ، وَلَوْ أَخْرَجَ الْفَأْرُ الْوَدِيعَةَ مِنْ الْحِرْزِ لَمْ يَضْمَنْ الْوَدِيعُ، وَإِنْ أَدْخَلَهَا فِي جِدَارِ الْوَدِيعِ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَتَسَلَّطْ الْمَالِكُ عَلَى هَدْمِهِ لِأَنَّ مَالِكَ الْجِدَارِ لَمْ يَتَعَدَّ بِإِدْخَالِ مِلْكِ غَيْرِهِ فِي مِلْكِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا

ص: 297

فِي مَسْأَلَةِ الدَّابَّةِ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ، فَإِنْ أَعْطَاهُ الْمَالِكُ عَلَفًا عَلَفَهَا مِنْهُ وَإِلَّا رَاجَعَهُ أَوْ وَكِيلَهُ لِيَعْلِفَهَا أَوْ يَسْتَرِدَّهَا، فَإِنْ فَقَدَهُمَا رَاجَعَ الْقَاضِي لِيَقْتَرِضَ عَلَى الْمَالِكِ أَوْ يُؤَجِّرَهَا أَوْ يَبِيعَ جُزْءًا مِنْهَا فِي عَلَفِهَا بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ.

وَكَأَنْ تَلِفَتْ بِمُخَالَفَةِ حِفْظٍ مَأْمُورٍ بِهِ كَقَوْلِهِ: لَا تَرْقُدْ عَلَى الصُّنْدُوقِ الَّذِي فِيهِ الْوَدِيعَةُ فَرَقَدَ وَانْكَسَرَ بِثِقَلِهِ وَتَلِفَ مَا فِيهِ بِانْكِسَارِهِ، لَا إنْ تَلِفَ بِغَيْرِهِ كَسَرِقَةٍ فَلَا يَضْمَنُ، وَلَا إنْ نَهَاهُ عَنْ قُفْلَيْنِ فَأَقْفَلَهُمَا لِأَنَّ رُقَادَهُ وَقَفْلَهُ ذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي الْحِفْظِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْحُكْمِ الثَّانِي وَهُوَ الرَّدُّ بِقَوْلِهِ: (وَقَوْلُ الْمُودَعِ) بِفَتْحِ الدَّالِ (مَقْبُولٌ فِي رَدِّهَا عَلَى الْمُودِعِ) بِكَسْرِهَا بِيَمِينِهِ وَإِنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ بِهَا عِنْدَ دَفْعِهَا لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

تَعَدَّى نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِي دِينَارٍ وَقَعَ بِمِحْبَرَةٍ أَوْ فَصِيلٍ بِبَيْتٍ وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهُ إلَّا بِكَسْرِهَا أَوْ هَدْمِهِ يُكْسَرُ وَيُهْدَمُ بِالْأَرْشِ إنْ لَمْ يَتَعَدَّ مَالِكُ الظَّرْفِ وَإِلَّا فَلَا أَرْشَ اَ هـ م ر. وَقَوْلُهُ: " أَوْ هَدْمِهِ " يُكْسَرُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُفْتَى بِجَوَازِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يُقَالُ لِصَاحِبِ الْفَصِيلِ وَالدِّينَارِ: إنْ هَدَمْت الْبَيْتَ وَكَسَرْت الدَّوَاةَ غَرِمْت الْأَرْشَ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ الْمَالِكَ إتْلَافُ مَالِهِ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (لَكِنَّهُ يَعْصِي فِي مَسْأَلَةِ الدَّابَّةِ) نَعَمْ إنْ كَانَ لِعِلَّةٍ بِهَا تَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ الْإِطْعَامِ كَقُولَنْجَ بِرَقِيقٍ فَلَا حُرْمَةَ، وَإِذَا أَطْعَمَهُ وَالْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فَمَاتَ نُظِرَ، فَإِنْ عَلِمَ بِهَا ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ.

قَوْلُهُ: (لِيَقْتَرِضَ عَلَى الْمَالِكِ) فَإِنْ عَجَزَ الْقَاضِي بِأَنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ اقْتِرَاضٌ وَلَا إجَارَةٌ بَاعَ بَعْضَهَا أَوْ كُلَّهَا بِالْمَصْلَحَةِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَاَلَّذِي يُنْفِقُهُ عَلَى الْمَالِكِ هُوَ الَّذِي يَحْفَظُهَا مِنْ التَّعْيِيبِ لَا الَّذِي يُسَمِّنُهَا، وَلَوْ كَانَتْ سَمِينَةً عِنْدَ الْإِيدَاعِ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ عَلْفُهَا بِمَا يَحْفَظُ نَقْصَهَا عَنْ عَيْبٍ يُنْقِصُ قِيمَتَهَا. وَلَوْ فَقَدْ الْحَاكِمُ أَنْفَقَ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ إنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا رُجُوعَ فِي الْأَوْجَهِ. نَعَمْ لَوْ كَانَتْ رَاعِيَةً فَالظَّاهِرُ وُجُوبُ تَسْرِيحِهَا مَعَ ثِقَةٍ، فَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا لَمْ يَرْجِعْ أَيْ إنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ عَلَيْهِ مَنْ يُسَرِّحُهَا مَعَهُ وَإِلَّا فَيَرْجِعُ، وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَيْ الْوَدِيعِ نَحْوُ الْبَيْعِ أَوْ الْإِيجَارِ أَوْ الِاقْتِرَاضِ كَالْحَاكِمِ، وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا مُطْلَقًا إلَّا بِذَلِكَ اهـ شَرْحُ م ر. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ: رَاجَعَ الْقَاضِي فَإِنْ فَقَدَهُ أَنْفَقَ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ إنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ أَشْهَدَ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا نَوَى الرُّجُوعَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي نِيَّةُ الرُّجُوعِ وَإِنْ تَعَذَّرَ الْإِشْهَادُ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ اهـ.

قَوْلُهُ: (أَوْ يُؤَجِّرُهَا إلَخْ) أَوْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ فَيَفْعَلُ الْأَصْلَحَ اهـ أج.

قَوْلُهُ: (أَوْ يَبِيعَ جُزْءًا مِنْهَا فِي عَلْفِهَا) أَيْ إنْ رَأَى مَنْ يَشْتَرِيهِ وَلَمْ تَسْتَغْرِقْ نَفْسَهَا بِأَنْ رَجَا حُضُورَ مَالِكِهَا عَنْ قُرْبٍ، وَإِلَّا بَاعَهَا كُلَّهَا.

قَوْلُهُ: (عَلَى الصُّنْدُوقِ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَقَدْ يُفْتَحُ. وَلَوْ أَمَرَهُ بِالرُّقَادِ أَمَامَهُ فَرَقَدَ فَوْقَهُ فَسُرِقَ مِنْ أَمَامِهِ ضَمِنَهُ. اهـ. م ر.

قَوْلُهُ: (وَانْكَسَرَ بِثِقَلِهِ) أَيْ فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الرَّاقِدَ ثَقِيلٌ وَأَنَّ خَشَبَ الصُّنْدُوقِ رَقِيقٌ جِدًّا وَأَنَّ الصُّنْدُوقَ مُشْتَمِلٌ عَلَى نَحْوِ زُجَاجٍ مِمَّا يَنْكَسِرُ بِالثِّقَلِ الْمَذْكُورِ اهـ. خ ض.

قَوْلُهُ: (وَتَلِفَ مَا فِيهِ بِانْكِسَارِهِ) أَيْ فَيَضْمَنُ، وَمَفْهُومُهُ عَدَمُ الضَّمَانِ إذَا لَمْ يَتْلَفْ سم.

قَوْلُهُ: (وَلَا إنْ نَهَاهُ إلَخْ) أَيْ وَكَذَا لَوْ نَهَاهُ عَنْ قَفْلٍ فَأَقْفَلَ عَلَيْهِ فَلَا يَضْمَنُ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَقِيلَ يَضْمَنُ لِأَنَّ فِيهِ إغْرَاءَ السَّارِقِ عَلَى السَّرِقَةِ مِنْهُ. قَوْلُهُ:(فَأَقْفَلَهُمَا) فَلَوْ لَمْ يُقْفِلْ عَلَيْهِ أَصْلًا هَلْ يَضْمَنُ لِأَنَّ مُقْتَضَى اللَّفْظِ أَنْ يَكُونَ الْقَفْلُ مَأْمُورًا بِهِ أَوَّلًا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الضَّمَانِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ الرَّدُّ) أَيْ حُكْمُ الرَّدِّ، وَهُوَ قَبُولُ قَوْلِ الْمُودِعِ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (وَقَوْلُ الْمُودَعِ) قَيْدٌ أَوَّلُ وَقَوْلُهُ عَلَى الْمُودِعِ قَيْدٌ ثَانٍ، وَقَدْ أَخَذَ الشَّارِحُ مُحْتَرَزًا عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُشَوَّشِ.

قَوْلُهُ: (فِي رَدِّهَا) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى التَّخْلِيَةَ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ التَّخْلِيَةَ، فَلَوْ قَالَ: خَلَّيْت بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَالِكِ فَأَخَذَهَا قُبِلَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ رَدَدْتهَا عَلَى الْمَالِكِ بِنَفْسِي أَوْ بِوَكِيلِي؛ هَكَذَا فِي حَوَاشِي الْبَكْرِيّ عَلَى الرَّوْضَةِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (بِيَمِينِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَقْبُولٍ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ إلَخْ) عِبَارَةُ سم: وَإِنْ تَشَهَّدَ عَلَيْهِ عِنْدَ الدَّفْعِ أَوْ وَقَعَ النِّزَاعُ مَعَ وَارِثِهِ بِأَنْ ادَّعَى الْوَارِثُ أَنَّ مُوَرِّثَهُ رَدَّهَا لِمَالِكِهَا فَأَنْكَرَ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْيَمِينِ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ وَانْدَفَعَتْ الْمُطَالَبَةُ بِيَمِينِهِ اهـ. وَسُئِلَ م ر عَمَّنْ دَفَعَ لِآخَرَ مَبْلَغًا بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ هَلْ هُوَ قَرْضٌ أَوْ وَدِيعَةٌ ثُمَّ إنَّهُ دَفَعَ ذَلِكَ الْمَبْلَغَ لِصَاحِبِهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ؟ فَأُجَاب بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَالِكِ الْمُدَّعِي الْقَرْضَ

ص: 298

تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ يَجْرِي فِي كُلِّ أَمِينٍ كَوَكِيلٍ وَشَرِيكٍ وَعَامِلِ قِرَاضٍ وَجَابٍ فِي رَدِّ مَا جَبَاهُ عَلَى الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ لِلْجِبَايَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ. وَضَابِطُ الَّذِي يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي الرَّدِّ هُوَ كُلُّ أَمِينٍ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، إلَّا الْمُرْتَهِنُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فَإِنَّهُمَا لَا يَصْدُقَانِ فِي الرَّدِّ لِأَنَّهُمَا أَخَذَا الْعَيْنَ لِغَرَضِ أَنْفُسِهِمَا، فَإِنْ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى غَيْرِ مَنْ ائْتَمَنَهُ كَوَارِثِ الْمَالِكِ، أَوْ ادَّعَى وَارِثُ الْمُودَعِ بِفَتْحِ الدَّالِ رَدَّ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمَالِكِ، أَوْ أَوْدَعَ الْمُودِعُ عِنْدَ سَفَرِهِ أَمِينًا فَادَّعَى الْأَمِينُ الرَّدّ عَلَى الْمَالِكِ، طُولِبَ كُلٌّ مِمَّنْ ذَكَرَ بِبَيِّنَةٍ بِالرَّدِّ عَلَى مَنْ ذُكِرَ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الرَّدِّ وَلَمْ يَأْتَمِنْهُ.

(وَعَلَيْهِ) أَيْ الْوَدِيعِ (أَنْ يَحْفَظَهَا) أَيْ الْوَدِيعَةَ لِمَالِكِهِ أَوْ وَارِثِهِ (فِي حِرْزِ مِثْلِهَا) فَإِنْ أَخَّرَ إحْرَازَهَا مَعَ التَّمَكُّنِ أَوْ دَلَّ

ــ

[حاشية البجيرمي]

بِيَمِينِهِ، وَحِينَئِذٍ فَيُصَدَّقُ فِي عَدَمِ رَدِّهِ عَلَيْهِ اهـ. وَالْحُكْمُ بِأَنَّهُ قَرْضٌ مِنْ غَيْرِ صِيغَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ بَعِيدٌ إلَّا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَتَى بِصِيغَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (عَلَى الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ لِلْجِبَايَةِ) خَرَجَ بِهِ رَدُّهُ عَلَى الْمُسْتَحَقِّينَ وَعَلَى الْوَاقِفِ الَّذِي لَمْ يَسْتَأْجِرْهُ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي رَدِّ مَا جَبَاهُ عَلَيْهِمْ أَيْ دَفَعَهُ لَهُمْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ:(وَالْمُسْتَأْجِرُ) بِخِلَافِ الْأَجِيرِ لِلْخِيَاطَةِ أَوْ لِلصَّبْغِ مَثَلًا، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي رَدِّهِ عَلَى الْمَالِكِ اهـ أج.

قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُمَا لَا يُصَدَّقَانِ فِي الرَّدِّ) وَإِنْ صُدِّقَا فِي التَّلَفِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، بَلْ التَّصْدِيقُ فِي التَّلَفِ لَا يَخْتَصُّ بِالْأَمِينِ بَلْ يَجْرِي فِي غَيْرِهِ كَالْغَاصِبِ لَكِنَّهُ يَغْرَمُ الْبَدَلَ اهـ سم.

وَالضَّابِطُ أَنْ يُقَالَ: كُلُّ مَنْ ادَّعَى التَّلَفَ صُدِّقَ وَلَوْ غَاصِبًا وَمَنْ ادَّعَى الرَّدَّ، فَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ يَدُ ضَمَانٍ كَالْمُسْتَامِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَإِنْ كَانَ أَمِينًا ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى غَيْرِ مَنْ ائْتَمَنَهُ فَكَذَلِكَ أَوْ عَلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إلَّا الْمُكْتَرِي وَالْمُرْتَهِنِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر، وَهُوَ ضَابِطٌ حَسَنٌ فَاحْفَظْهُ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى غَيْرِ مَنْ ائْتَمَنَهُ) مُحْتَرَزُ الثَّانِي.

وَقَوْلُهُ: " أَوْ ادَّعَى وَارِثُ الْمُودَعِ " مُحْتَرَزُ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: (مِمَّنْ ذُكِرَ) هُوَ الرَّدُّ عَلَى وَارِثِ الْمَالِكِ وَوَارِثُ الْمُودَعِ وَالْأَمِينِ.

وَقَوْلُهُ: " عَلَى مَنْ ذُكِرَ " هُوَ وَارِثُ الْمَالِكِ فِي الْأُولَى وَالْمَالِكُ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ.

قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ أَنْ يَحْفَظَهَا) هَذَا لَيْسَ مِنْ الْحُكْمِ الثَّانِي الَّذِي ذَكَرَهُ بَلْ مِنْ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَمَانَةُ، فَكَانَ الْمُنَاسِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْحُكْمِ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ:" وَقَوْلُ الْمُودِعِ إلَخْ ". قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَخَّرَ إحْرَازَهَا) التَّأْخِيرُ لَيْسَ قَيْدًا، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَضَعْهَا فِي حِرْزِ مِثْلِهَا ضَمِنَ سَوَاءٌ أَخَّرَ أَوْ لَمْ يُؤَخِّرْ وَكَانَ الْأَوْضَحُ، فَإِنْ لَمْ يَحْفَظْهَا فِي حِرْزِ مِثْلِهَا إلَخْ. وَلَيْسَ مِنْ الْعُذْرِ فِي تَأْخِيرِ إحْرَازِهَا مَا لَوْ جَرَتْ عَادَتُهُ أَنْ لَا يَذْهَبَ مِنْ حَانُوتِهِ مَثَلًا إلَّا آخِرَ النَّهَارِ وَإِنْ كَانَ حَانُوتُهُ حِرْزًا لَهَا، بِرْمَاوِيٌّ. وَعِبَارَةُ م ر: وَلَوْ قَالَ لَهُ وَهُوَ فِي حَانُوتِهِ احْمِلْهَا إلَى بَيْتِك لَزِمَهُ أَنْ يَقُومَ فِي الْحَالِ وَيَحْمِلَهَا إلَيْهِ، فَلَوْ تَرَكَهَا فِي حَانُوتِهِ وَلَمْ يَحْمِلْهَا إلَى الْبَيْتِ مَعَ الْإِمْكَانِ ضَمِنَ وَهُوَ الْأَوْجَهُ، وَلَا اعْتِبَارَ بِعَادَتِهِ لِأَنَّهُ وَرَّطَ نَفْسَهُ بِقَبُولِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ خَسِيسَةً أَمْ لَا اهـ. وَلَوْ أَوْدَعَهُ دَرَاهِمَ فِي سُوقٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ كَيْفِيَّةَ حِفْظِهَا فَرَبَطَهَا فِي كُمِّهِ وَأَمْسَكَهَا بِيَدِهِ أَوْ حَفِظَهَا فِي جَيْبِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ أَمْسَكَهَا بِيَدِهِ بِلَا رَبْطٍ فِي كُمِّهِ وَأَخَذَهَا غَاصِبٌ لَمْ يَضْمَنْ، أَوْ ضَاعَتْ فِي غَفْلَةٍ أَوْ نَوْمٍ ضَمِنَ وَلَوْ نَامَ وَمَعَهُ الْوَدِيعَةُ فَضَاعَتْ فَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ مَنْ يَحْفَظُهَا أَوْ فِي مَحَلٍّ حِرْزٍ لَهَا لَمْ يَضْمَنْ وَإِلَّا ضَمِنَ. اهـ. شَرْحُ م ر. وَلَوْ قَالَ لَهُ: ارْبِطْ الدَّرَاهِمَ، فِي كُمِّك فَأَمْسَكَهَا مُدَّةً فَتَلِفَتْ فَإِنْ ضَاعَتْ بِنَوْمٍ أَوْ نِسْيَانٍ ضَمِنَ، أَوْ بِأَخْذِ غَاصِبٍ فَلَا، وَلَوْ جَعَلَهَا فِي جَيْبِهِ بَدَلًا مِنْ الرَّبْطِ فِي الْكُمِّ لَمْ يَضْمَنْ إلَّا إنْ كَانَ الْجَيْبُ وَاسِعًا غَيْرَ مَزْرُورٍ، أَوْ رَبَطَهَا فِي كُمِّهِ بَدَلًا مِنْ جَعْلِهَا فِي جَيْبِهِ ضَمِنَ إلَّا إنْ أَمْسَكَهَا بِيَدِهِ مَعَ الرَّبْطِ فِي الْكُمِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: اسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ مَا إذَا رَبَطَهَا بَيْنَ عَضُدِهِ وَجَنْبِهِ فَلَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ بَيْنَ ثِيَابِهِ أَحْرَزَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَلَوْ امْتَثَلَ قَوْلَهُ ارْبِطْهَا فِي كُمِّك فَإِنْ جَعَلَ الْخَيْطَ خَارِجًا فَضَاعَتْ بِأَخْذِ طَرَّارٍ أَيْ شُرْطِيٍّ ضَمِنَ أَوْ بِاسْتِرْسَالٍ فَلَا، وَإِنْ جَعَلَهُ دَاخِلًا فَضَاعَتْ بِاسْتِرْسَالٍ ضَمِنَ أَوْ بِأَخْذِ طَرَّارٍ فَلَا. هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَرْجِعْ إلَى بَيْتِهِ، فَإِنْ رَجَعَ لِبَيْتِهِ لَزِمَهُ إحْرَازُهَا فِيهِ وَلَا يَكُونُ مَا ذُكِرَ حِرْزًا لَهَا حِينَئِذٍ لِأَنَّ بَيْتَهُ أَحْرَزُ اهـ سم. وَقَوْلُهُ:" إلَّا إنْ كَانَ الْجَيْبُ وَاسِعًا " أَفَادَ بِهِ أَنَّ مَحِلَّ عَدَمِ الضَّمَانِ إذَا كَانَ

ص: 299

عَلَيْهَا سَارِقًا بِأَنْ عَيَّنَ لَهُ مَكَانَهَا وَضَاعَتْ بِالسَّرِقَةِ، أَوْ دَلَّ عَلَيْهَا مَنْ يُصَادِرُ الْمَالِكَ بِأَنْ عَيَّنَ لَهُ مَوْضِعَهَا فَضَاعَتْ بِذَلِكَ ضَمِنَهَا لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ لِلْحِفْظِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْلَمَ بِهَا غَيْرَهُ.

فَلَوْ أَكْرَهَ الْوَدِيعَ ظَالِمٌ عَلَى تَسْلِيمِ الْوَدِيعَةِ حَتَّى سَلَّمَهَا إلَيْهِ فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ الْوَدِيعِ لِتَسْلِيمِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الظَّالِمِ لِاسْتِيلَائِهِ عَلَيْهَا، وَيَجِبُ عَلَى الْوَدِيعِ إنْكَارُ الْوَدِيعَةِ مِنْ ظَالِمٍ وَالِامْتِنَاعُ مِنْ إعْلَامِهِ بِهَا جُهْدَهُ، فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ضَمِنَ وَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ حِفْظِهَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُتَّجَهُ وُجُوبُ الْحَلِفِ إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ رَقِيقًا وَالظَّالِمُ يُرِيدُ قَتْلَهُ أَوْ الْفُجُورَ بِهِ، وَيَجِبُ أَنْ يُوَرِّيَ فِي يَمِينِهِ إذَا حَلَفَ وَأَمْكَنَهُ التَّوْرِيَةُ وَكَانَ يَعْرِفُهَا لِئَلَّا يَحْلِفَ كَاذِبًا، فَإِنْ لَمْ يُوَرِّ كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ كَاذِبٌ فِيهَا. فَإِنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ مُكْرَهًا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى اعْتِرَافِهِ فَحَلَفَ حَنِثَ لِأَنَّهُ فَدَى الْوَدِيعَةَ بِزَوْجَتِهِ أَوْ رَقِيقِهِ، إنْ اعْتَرَفَ بِهَا وَسَلَّمَهَا ضَمِنَهَا لِأَنَّهُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْجَيْبُ ضَيِّقًا أَوْ وَاسِعًا مَزْرُورًا. وَقَوْلُهُ: " فَإِنْ جَعَلَ الْخَيْطَ خَارِجًا " هَذَا إنْ كَانَ لَهُ ثَوْبٌ فَقَطْ أَوْ جَعَلَهَا فِي الْأَعْلَى، أَمَّا لَوْ كَانَتْ فِي الثَّوْبِ الْأَسْفَلِ فَلَا فَرْقَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَقَوْلُهُ بِأَخْذِ طَرَّارٍ لِأَنَّ فِي الرَّبْطِ خَارِجًا إغْرَاءُ الطَّرَّارِ عَلَيْهَا لِسُهُولَةِ الْقَطْعِ أَوْ الْحَلِّ، عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ. اهـ. حَجّ زي. وَقَوْلُهُ:" أَوْ بِاسْتِرْسَالٍ فَلَا " أَيْ بِأَنْ كَانَتْ ثَقِيلَةً، أَيْ بِأَنْ يُحِسَّ بِهَا إذَا وَقَعَتْ وَإِلَّا ضَمِنَ؛ لِأَنَّ وُقُوعَهَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ إحْكَامِ الرَّبْطِ بِخِلَافِ الثَّقِيلَةِ. اهـ. ح ل. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَوْ أَرَادَ وَضْعَهَا فِي الْجَيْبِ فَوَضَعَهَا بَيْنَ الثِّيَابِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ فَضَاعَتْ ضَمِنَ، وَلَوْ كَانَ الْجَيْبُ مَثْقُوبًا وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ فَسَقَطَتْ الدَّرَاهِمُ ضَمِنَهَا فِي سم؛ وَلَا فَرْقَ فِي الْجَيْبِ بَيْنَ الَّذِي فِي فَتْحَةِ الْقَمِيصِ وَاَلَّذِي بِجَانِبِهِ أَيْ إنْ غَطَّى بِثَوْبٍ فَوْقَهُ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ بَعْضُهُمْ اهـ شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (أَوْ دَلَّ عَلَيْهَا) أَيْ وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْغَيْرَ لَمْ يَلْتَزِمْ حِفْظَهَا بِخِلَافِهِ هُوَ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. قَالَ حَجّ: وَقَضِيَّةُ ضَمَانِهِ بِمُجَرَّدِ الدَّلَالَةِ إنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِهَا، وَبِهِ صَرَّحَ جَمْعٌ. لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي تَرْكِ الْعَلَفِ وَتَأْخِيرِ الذَّهَابِ لِلْبَيْتِ عُدْوَانًا بِأَنَّ كُلًّا مِنْ ذَيْنِك سَبَبٌ فِيهِ لِإِذْهَابِ عَيْنِهَا بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ الدَّلَالَةِ هُنَا فَلَمْ تَدْخُلْ بِهَا فِي ضَمَانِهِ س ل. وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ م ر. قَالَ ع ش عَلَيْهِ: قَوْلُهُ " لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ إلَخْ " وَلَا يُنَافِي هَذَا أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ الدَّابَّةَ فِي زَمَنِ الْخَوْفِ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ وَإِنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ الْخَوْفِ، لِأَنَّ إخْرَاجَ الدَّابَّةِ جِنَايَةٌ عَلَيْهَا نَفْسِهَا فَاقْتَضَتْ الضَّمَانَ، بِخِلَافِ الدَّلَالَةِ فَإِنَّهَا لِخُرُوجِهَا عَنْ الْوَدِيعَةِ لَا تُعَدُّ جِنَايَةً عَلَيْهَا اهـ.

قَوْلُهُ: (مَنْ يُصَادِرُ الْمَالِكَ) أَيْ يَطْمَعُ فِي مَالِهِ. قَوْلُهُ: (غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ مَنْ ذَكَرَ مِنْ السَّارِقِ وَالْمُصَادِرِ، وَقِيلَ: أُفْرِدَ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ بِهَا مِنْ الْعِلْمِ وَغَيْرُهُ فَاعِلٌ وَهِيَ أَوْلَى، وَمَعْنَاهَا أَنَّ غَيْرَ الْوَدِيعِ عَلِمَ بِهَا مِنْ غَيْرِ إعْلَامِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَدِيعِ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ فَافْهَمْ. اهـ. م ر.

قَوْلُهُ: (حَتَّى سَلَّمَهَا إلَيْهِ) أَوْ إلَى شَخْصٍ آخَرَ. وَاحْتَرَزَ بِسَلَّمَهَا إلَيْهِ عَمَّا لَوْ أَخَذَهَا بِنَفْسِهِ قَهْرًا مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ فَإِنَّ الضَّمَانَ عَلَى الظَّالِمِ فَقَطْ.

قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ عَلَى الْوَدِيعِ إنْكَارُ الْوَدِيعَةِ مِنْ ظَالِمٍ) هَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الْكَذِبُ، فَإِنَّهُ فِي الْأَصْلِ حَرَامٌ؛ وَقَدْ يَجُوزُ كَالزَّوْجَةِ حِفْظًا لِحُسْنِ عِشْرَتِهَا وَكَإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَيَلْزَمُ الْوَدِيعَ دَفْعُ الظَّالِمِ بِمَا أَمْكَنَهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِالْحَلِفِ جَازَ وَكَفَّرَ إنْ كَانَ بِاَللَّهِ تَعَالَى دُونَ الطَّلَاقِ، نَعَمْ يَتَّجِهُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ الْوُجُوبُ إنْ كَانَ حَيَوَانًا يُرِيدُ قَتْلَهُ أَوْ قِنًّا يُرِيدُ الْفُجُورَ بِهِ اهـ. وَبَقِيَ مَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى الْحَلِفِ فَقَطْ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِاَللَّهِ فَهَلْ يَحْنَثُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ فِي حَلِفِهِ بِأَحَدِهِمَا اخْتِيَارًا لَهُ فَحَنِثَ إذْ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ تَحْصِيلُ مَاهِيَّةِ الْحَلِفِ وَالْمَاهِيَّةُ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُوجَدُ إلَّا فِي ضِمْنِ جُزْئِيَّاتِ الْحَلِفِ فَفَرْدٌ مِنْهَا بِخُصُوصِهِ لَيْسَ مُكْرَهًا عَلَيْهِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (وَالِامْتِنَاعُ) بِالرَّفْعِ أَيْ وَيَجِبُ الِامْتِنَاعُ، وَقَوْلُهُ:" مِنْ إعْلَامِهِ " بِهَا أَيْ بِمَحِلِّهَا شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.

قَوْلُهُ: (وَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ الْإِنْكَارِ وَالِامْتِنَاعِ بِأَنْ يَقُولَ: " وَاَللَّهِ إنَّهَا لَيْسَتْ عِنْدِي وَلَا أَعْلَمُ بِهَا.

قَوْلُهُ: (أَنْ يُوَرِّي) بِأَنْ يَقْصِدَ غَيْرَ مَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَكَانَ يَعْرِفُهَا) أَيْ التَّوْرِيَةَ وَهِيَ قَصْدُ مَجَازٍ هُجِرَ لَفْظُهُ دُونَ حَقِيقَتِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: عِنْدِي قَمِيصٌ أَيْ غِشَاءُ الْقَلْبِ أَوْ ثَوْبٌ أَيْ رُجُوعٌ مِنْ ثَابَ إذَا رَجَعَ. اهـ. م ر.

قَوْلُهُ: (مُكْرَهًا عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ، فَقَوْلُهُ:" أَوْ عَلَى اعْتِرَافِهِ " إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَى أَحَدِ

ص: 300

فَدَى زَوْجَتَهُ أَوْ رَقِيقَهُ بِهَا، وَلَوْ أَعْلَمَ اللُّصُوصَ بِمَكَانِهَا فَضَاعَتْ بِذَلِكَ ضَمِنَ لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ لِلْحِفْظِ لَا إنْ أَعْلَمَهُمْ بِأَنَّهَا عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَكَانِهَا فَلَا يَضْمَنُ بِذَلِكَ

(وَإِذَا طُولِبَ) أَيْ طَلَبَ الْمَالِكُ أَوْ وَارِثَهُ الْوَدِيعَ أَوْ وَارِثَهُ (بِهَا) أَيْ بِرَدِّهَا (لَمْ يُخْرِجْهَا) أَيْ لَمْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ (مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا) وَقْتَ طَلَبِهَا (حَتَّى تَلِفَتْ ضَمِنَهَا) بِبَدَلِهَا مِنْ مِثْلٍ إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً، أَوْ قِيمَةٍ إنْ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِرَدِّ الْوَدِيعَةِ حَمْلَهَا إلَى مَالِكِهَا، بَلْ يَحْصُلُ بِأَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَقَطْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَ الْمَالِكَ الْإِشْهَادَ وَإِنْ كَانَ أَشْهَدَ عَلَيْهِ عِنْدَ الدَّفْعِ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي الدَّفْعِ بِيَمِينِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَبهَا وَكِيلُ الْمُودِعِ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي دَفْعِهَا إلَيْهِ.

وَلَوْ قَالَ مَنْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ لِمَالِكِهَا: خُذْ وَدِيعَتَك. لَزِمَهُ أَخْذُهَا كَمَا فِي الْبَيَانِ، وَعَلَى الْمَالِكِ مُؤْنَةُ الرَّدِّ. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا مَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ لِعُذْرٍ كَأَنْ كَانَ فِي جُنْحِ لَيْلٍ الْوَدِيعَةُ فِي خِزَانَةٍ لَا يَتَأَتَّى فَتْحُ بَابِهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَوْ كَانَ مَشْغُولًا بِصَلَاةٍ أَوْ قَضَاءِ حَاجَةٍ، أَوْ فِي حَمَّامٍ أَوْ بِأَكْلِ طَعَامٍ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْحَلِفِ أَوْ الِاعْتِرَافِ فَلَيْسَ إكْرَاهًا حَقِيقَةً.

قَوْلُهُ: (حَنِثَ) أَيْ لِفَقْدِ شُرُوطِ الْإِكْرَاهِ إذْ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، وَهَذَا إكْرَاهٌ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الِاعْتِرَافِ بِهَا وَالطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ قَوْلُ:(وَسَلَّمَهَا) قَيْدٌ مُضِرٌّ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ ق ل، أَيْ لِأَنَّ الِاعْتِرَافَ كَافٍ فِي تَضْمِينِهِ. وَبِخَطِّ الْمَيْدَانِيِّ: تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ إذَا سَلَّمَ ضَمِنَ وَلَوْ مُكْرَهًا لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي إكْرَاهِهِ بِاعْتِرَافِهِ بِهَا وَإِنْ كَانَ لَا إثْمَ فِيهِ فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهَا وَلَمْ يُسَلِّمْهَا فَلَا ضَمَانَ فَتَأَمَّلْ م ر. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَعْلَمُ اللُّصُوصَ) هَذَا تَقَدَّمَ، لَكِنْ أَعَادَهُ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ.

قَوْلُهُ: (الْمَالِكُ) أَيْ الْمُطْلَقُ التَّصَرُّفِ وَلَوْ كَانَ سَكْرَانًا إلْحَاقًا لَهُ بِالْمُكَلَّفِ. أَمَّا مَالِكٌ حُجِرَ عَلَيْهِ بِنَحْوِ فَلَسٍ أَوْ سَفَهٍ فَلَا يُرَدُّ إلَّا لِوَلِيِّهِ وَإِلَّا ضَمِنَ كَالرَّدِّ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ اهـ م د.

قَوْلُهُ: (أَيْ لَمْ يَرُدَّهَا) لَوْ قَالَ: أَيْ لَمْ يُخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا لَكَانَ مُسْتَقِيمًا؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ. وَلَعَلَّهُ رَاعَى كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَلِذَلِكَ احْتَاجَ لِبَيَانِهِ بَعْدَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (ضَمِنَهَا) أَيْ مَعَ الْإِثْمِ لِأَنَّ طَلَبَ الْمَالِكِ قَرِينَةٌ عَلَى عَدَمِ الرِّضَا بِبَقَاءِ الْيَدِ، وَهُوَ ضَمَانُ غَصْبٍ فِي هَذِهِ وَفِي صُوَرِ التَّعَدِّي كُلِّهَا، فَيَضْمَنُ الْوَدِيعُ ضَمَانَ الْغَصْبِ مِنْ وَقْتِ التَّعَدِّي.

قَوْلُهُ: (بَلْ يَحْصُلُ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ بَلْ التَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يُخَلِّي بَيْنَهُ) أَيْ فَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ، وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ نَحْوَ خَاتِمٍ أَمَانَةً لِقَضَاءِ حَاجَةٍ وَأَمَرَهُ بِرَدِّهِ بَعْدَ قَضَائِهَا فَتَرَكَهُ فِي حِرْزِهِ فَضَاعَ لَمْ يَضْمَنْهُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ سِوَى التَّخْلِيَةِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ:(فَتَرَكَهُ) أَيْ مَنْ أَخَذَهُ. وَقَوْلُهُ: " فِي حِرْزِهِ " أَيْ الْخَاتِمِ، أَيْ حِرْزِ مِثْلِهِ اهـ.

قَوْلُهُ: (أَنْ يُلْزِمَ الْمَالِكَ الْإِشْهَادَ) أَيْ لَيْسَ لَهُ أَيْ لِلْوَدِيعِ أَنْ يُلْزِمَ الْمَالِكَ بِتَأْخِيرِ أَخْذِهَا حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهِ ق ل. بِأَنْ يَقُولَ: لَا تَأْخُذْهَا إلَّا إنْ أَشْهَدْت عَلَى أَخْذِهَا مِنِّي.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ أَشْهَدَ إلَخْ) الْغَايَةُ فِيهِ وَفِيمَا تَقَدَّمَ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَقَوْلُ الْمُودِعِ إلَخْ، لِلرَّدِّ عَلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ؛ قَالَ فِي الْمِيزَانِ: قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ: إنَّهُ إذَا قَبَضَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ بِلَا بَيِّنَةٍ، وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَوَجْهُ الْأَوَّلُ أَنَّ الْمُودِعَ ائْتَمَنَهُ أَوَّلًا وَمُقْتَضَى ذَلِكَ قَبُولُ قَوْلِهِ فِي الرَّدِّ. وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ قَدْ يَطْرَأُ عَلَيْهِ الْخِيَانَةُ بَعْدَ أَنْ اسْتَأْمَنَهُ فَيَدَّعِيَ الرَّدَّ كَذِبًا وَقِلَّةَ دِينٍ اهـ. قَوْلُهُ:(وَكِيلُ الْمُودِعِ) . بِكَسْرِ الدَّالِ، أَيْ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ بِالْإِشْهَادِ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَالَ مَنْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ) هَذَا مِنْ الْحُكْمِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْجَوَازُ، فَلَوْ أَخَّرَهُ إلَى قَوْلِهِ الْآتِي الثَّالِثُ الْجَوَازُ لَكَانَ أَوْلَى.

قَوْلُهُ: (فِي جُنْحِ لَيْلٍ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا أَيْ ظُلْمَتِهِ وَاخْتِلَاطِهِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ.

قَوْلُهُ: (بِصَلَاةٍ) عِبَارَةُ م ر.

بِخِلَافِهِ لِنَحْوِ طُهْرٍ وَصَلَاةٍ وَأَكْلٍ دَخَلَ وَقْتُهَا وَهِيَ بِغَيْرِ مَجْلِسِهِ وَمُلَازَمَةِ غَرِيمٍ وَلَوْ طَالَ زَمَنُ الْعُذْرِ كَنَذْرِ اعْتِكَافِ شَهْرٍ مُتَتَابِعٍ وَإِحْرَامٍ يَطُولُ زَمَنُهُ، فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَوْكِيلُ أَمِينٍ يَرُدُّهَا إنْ وَجَدَهُ وَإِلَّا بَعَثَ لِلْحَاكِمِ لِيَرُدَّهَا، فَإِنْ تَرَكَ أَحَدَ هَذَيْنِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ضَمِنَ اهـ.

ص: 301

الْحُكْمُ الثَّالِثُ الْجَوَازُ فَلِلْمُودِعِ الِاسْتِرْدَادُ وَلِلْوَدِيعِ الرَّدُّ فِي كُلِّ وَقْتٍ، أَمَّا الْمُودِعُ فَلِأَنَّهُ الْمَالِكُ، وَأَمَّا الْوَدِيعُ فَلِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالْحِفْظِ. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ جَوَازُ الرَّدِّ لِلْوَدِيعِ بِحَالَةٍ لَا يَلْزَمُهُ فِيهَا الْقَبُولُ وَإِلَّا حَرُمَ الرَّدُّ فَإِنْ كَانَ بِحَالَةٍ يُنْدَبُ فِيهَا الْقَبُولُ فَالرَّدُّ خِلَافُ الْأَوْلَى إنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ الْمَالِكُ. وَتَنْفَسِخُ بِمَا تَنْفَسِخُ بِهِ الْوَكَالَةُ مِنْ مَوْتِ أَحَدِهِمَا أَوْ جُنُونِهِ أَوْ إغْمَائِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا مَرَّ فِيهَا.

خَاتِمَةٌ: لَوْ ادَّعَى الْوَدِيعُ تَلَفَ الْوَدِيعَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ سَبَبًا، أَوْ ذَكَرَ لَهُ سَبَبًا خَفِيًّا كَسَرِقَةٍ صُدِّقَ فِي ذَلِكَ بِيَمِينِهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعُ، وَلَا يَلْزَمُهُ بَيَانُ السَّبَبِ فِي الْأَوْلَى، نَعَمْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَحْلِفَ لَهُ أَنَّهَا تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ وَإِنْ ذَكَرَ سَبَبًا ظَاهِرًا كَحَرِيقٍ، فَإِنْ عُرِفَ الْحَرِيقُ وَعُمُومُهُ وَلَمْ يُحْتَمَلْ سَلَامَةُ الْوَدِيعَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَالِ يُغْنِيهِ عَنْ الْيَمِينِ، أَمَّا إذَا اُحْتُمِلَ سَلَامَتُهَا بِأَنْ عَمَّ ظَاهِرًا لَا يَقِينًا فَيَحْلِفُ لِاحْتِمَالِ سَلَامَتِهَا فَإِنْ عُرِفَ الْحَرِيقُ دُونَ عُمُومِهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِاحْتِمَالِ مَا ادَّعَاهُ، وَإِنْ جَهِلَ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الظَّاهِرِ طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ عَلَيْهِ ثُمَّ يَحْلِفُ عَلَى التَّلَفِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا لَمْ تَتْلَفْ بِهِ، وَلَا يُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ عَلَى التَّلَفِ بِهِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى.

وَلَوْ أَوْدَعَهُ وَرَقَةً مَكْتُوبًا فِيهَا الْحَقُّ الْمَقَرُّ بِهِ كَمِائَةِ دِينَارٍ وَتَلِفَتْ بِتَقْصِيرِهِ ضَمِنَ قِيمَتَهَا مَكْتُوبَةً وَأُجْرَةَ الْكِتَابَةِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَتْلَفَ ثَوْبًا مُطَرَّزًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ التَّطْرِيزِ لِأَنَّ التَّطْرِيزَ يَزِيدُ قِيمَةَ الثَّوْبِ غَالِبًا، وَلَا كَذَلِكَ الْكِتَابَةُ فَإِنَّهَا قَدْ تُنْقِصُهَا.

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (مُتَبَرِّعٌ بِالْحِفْظِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِأُجْرَةٍ لَزِمَتْ، فَلْيُرَاجَعْ.

قَوْلُهُ: (يُنْدَبُ فِيهَا الْقَبُولُ) بِأَنْ كَانَ ثِقَةً قَادِرًا عَلَى حِفْظِهَا وَأَمِنَ الْخِيَانَةَ.

قَوْلُهُ: (وَعُمُومُهُ) أَيْ لِلْمَحِلِّ.

قَوْلُهُ: (طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ عَلَيْهِ) وَلَوْ وَقَعَتْ دَابَّةٌ فِي مَهْلَكَةٍ وَهِيَ مَعَ رَاعٍ أَوْ وَدِيعٍ فَتَرَكَ تَخْلِيصَهَا مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ بِلَا كَبِيرِ مَشَقَّةٍ أَوْ ذَبَحَهَا بَعْدَ تَعَذُّرِ تَخْلِيصِهَا فَمَاتَتْ ضَمِنَهَا، وَلَا يُصَدَّقُ فِي ذَبْحِهَا لِذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَمَا فِي دَعْوَاهُ خَوْفًا أَلْجَأَهُ إلَى إيدَاعِ غَيْرِهِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر، وَفِيهِ أَيْضًا؛ وَلَوْ دُفِعَ لَهُ مِفْتَاحُ نَحْوِ بَيْتِهِ فَدَفَعَهُ لِآخَرَ فَفَتَحَ وَأَخَذَ الْمَتَاعَ لَمْ يَضْمَنْهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَ حِفْظَ الْمِفْتَاحِ لَا الْمَتَاعِ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ الْتَزَمَهُ ضَمِنَهُ اهـ. قَوْلُهُ:" وَلَا يُصَدَّقُ فِي ذَبْحِهَا لِذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ " قَالَ ع ش عَلَيْهِ: بَقِيَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ رَاعِيًا وَلَا مُودِعًا وَرَأَى نَحْوَ مَأْكُولٍ لِغَيْرِهِ وَقَعَ فِي مَهْلَكَةٍ وَأَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَبْحُهُ بِبَيِّنَةٍ بِهِ وَحِفْظُهُ لِمَالِكِهِ وَإِذَا تَرَكَهُ مِنْ غَيْرِ ذَبْحٍ لَا يَضْمَنُ أَوْ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَبْحُهُ وَلَهُ تَرْكُهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالتَّرْكِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِلْقَطْعِ بِرِضَا مَالِكِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ إتْلَافَ مَالِهِ، لَكِنْ لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ إلَّا بِبَيِّنَةِ مَا قَالُوهُ فِي الرَّاعِي، فَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ اُحْتُمِلَ تَصْدِيقُهُ كَمَا قَالَهُ حَجّ فِي الرَّاعِي، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكَلَامَ كُلَّهُ مَفْرُوضٌ فِي عَارِفٍ يُمَيِّزُ بَيْنَ الْأَسْبَابِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْهَلَاكِ وَغَيْرِهَا.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَحْلِفُ عَلَى التَّلَفِ) أَيْ بِهِ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ.

قَوْلُهُ: (مَكْتُوبًا فِيهَا) فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ مَكْتُوبٌ بِالرَّفْعِ وَالصَّوَابُ النَّصْبُ صِفَةً لِوَرَقَةٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَالْحَقُّ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِوَرَقَةٍ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ، أَوْ أَنَّهُ عَلَى لُغَةِ رَبِيعَةَ الَّذِينَ يَرْسُمُونَ الْمَنْصُوبَ بِصُورَةِ الْمَرْفُوعِ وَالْمَجْرُورِ.

قَوْلُهُ: (مَكْتُوبَةً) حَالٌ أَيْ لَا بَيْضَاءَ لِأَنَّ قِيمَتَهَا مَكْتُوبَةً دُونَ قِيمَتِهَا خَالِيَةً عَنْ الْكِتَابَةِ وَقَدْ جُبِرَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ أُجْرَةِ الْكِتَابَةِ. قَوْلُهُ: (وَأُجْرَةُ الْكِتَابَةِ) أَيْ الْمُعْتَادَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ الْحُجَجُ الْمَعْرُوفَةُ وَالتَّذَاكِرُ الدِّيوَانِيَّةُ وَنَحْوُهَا؛ وَلَا نَظَرَ لِمَا يَغْرَمُ عَلَى مِثْلِهَا حِينَ أَخَذَهَا لِتَعَدِّي آخِذِيهِ ع ش عَلَى م ر، أَيْ فَلَا عِبْرَةَ بِمَا اُعْتِيدَ فِي مُقَابَلَةِ كِتَابَةِ الْحُجَجِ مِنْ أَخْذِ قَدْرٍ زَائِدٍ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَلَا يَغْرَمُ الْمُتْلِفُ لِحُجَّةِ تَمَلُّكِ دَارٍ مَثَلًا اشْتَمَلَتْ عَلَى حُكْمِ قَاضٍ قَدْ أَخَذَ فِي نَظِيرِ الْحُكْمِ دَرَاهِمَ وَإِنْ جَازَ لَهُ أَخْذُهَا ضَمَانَ مَا أَخَذَهُ الْقَاضِي، بَلْ أُجْرَةُ مِثْلِ كِتَابَةِ تِلْكَ الْوَرَقَةِ فَقَطْ مَعَ قِيمَةِ الْوَرَقَةِ مَكْتُوبَةً كَمَا ذَكَرَهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. اهـ. م د. وَقَوْلُهُ: وَإِنْ جَازَ لَهُ أَخْذُهَا " وَمَحَلُّ جَوَازِ أَخْذِهِ إذَا كَانَ مَا يَأْخُذُهُ هُوَ الَّذِي جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهُ: لَا أَكْتُبُهَا بَلْ حَتَّى تُعْطِينِي كَذَا وَكَذَا زِيَادَةً عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ. وَأَمَّا صَاحِبُ الْوَرَقَةِ فَيَجُوزُ لَهُ الْإِعْطَاءُ وَلَوْ كَانَ زِيَادَةً عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ لِحَاجَتِهِ وَاضْطِرَارِهِ إلَى ذَلِكَ كَمَا يَجُوزُ الْإِعْطَاءُ لِلشَّاعِرِ خَوْفًا مِنْ هَجْوِهِ. وَقَوْلُهُ: " ضَمَانَ مَا أَخَذَهُ " الْأَوْلَى حَذْفُ " ضَمَانَ ".

قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ) أَيْ مُطَرَّزًا، وَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ لُزُومِ أُجْرَةِ

ص: 302

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[حاشية البجيرمي]

التَّطْرِيزِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهَا لَمَّا كَانَتْ قَدْ تُنْقِصُ قِيمَةَ الْوَرَقَةِ لَزِمَتْ أُجْرَتُهَا.

فَرْعٌ: لَا عِبْرَةَ بِكِتَابَةِ الْمَيِّتِ عَلَى شَيْءٍ أَوْ فِي جَرِيدَتِهِ هَذَا وَدِيعَةُ فُلَانٍ ق ل. وَعِبَارَةُ سم: وَلَا عِبْرَةَ بِكِتَابَةِ الْمَيِّتِ عَلَى شَيْءٍ هَذَا وَدِيعَةُ فُلَانٍ أَوْ جَرِيدَتُهُ لِفُلَانٍ عِنْدِي كَذَا وَدِيعَةً، حَتَّى لَوْ أَنْكَرَ الْوَارِثُ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّسْلِيمُ بِذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُوَرِّثَ أَوْ غَيْرَهُ كَتَبَ ذَلِكَ تَلْبِيسًا أَوْ أَنَّهُ اشْتَرَى الشَّيْءَ وَعَلَيْهِ الْكِتَابَةُ فَلَمْ يَمْحُهَا أَوْ أَرَادَ الْوَدِيعَةَ بَعْدَ كِتَابَتِهَا فِي الْجَرِيدَةِ وَلَمْ يَمْحُهَا، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ أَوْ إقْرَارِ مُوَرِّثِهِ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ بَيِّنَةٍ اهـ. وَسُئِلَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ عَنْ رَجُلٍ تَحْتَ يَدِهِ وَدِيعَةٌ وَمَضَتْ عَلَيْهَا مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ وَلَمْ يَعْرِفْ صَاحِبَهَا وَأَيِسَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بَعْدَ الْبَحْثِ التَّامِّ، فَقَالَ: يَصْرِفُهَا فِي أَهَمِّ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَيُقَدِّمُ أَهْلَ الضَّرُورَةِ وَلَا يَبْنِي بِهَا مَسْجِدًا وَلَا يَصْرِفُهَا إلَّا فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ الْعَادِلِ صَرْفُهَا فِيهَا، فَإِنْ جَهِلَ فَلْيَسْأَلْ أَوْرَعَ الْعُلَمَاءِ وَأَعْرَفَهُمْ بِالْمَصَالِحِ الْوَاجِبَةِ التَّقْدِيمِ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ أج.

خَاتِمَةٌ: قَالَ فِي الْعُبَابِ: وَلَوْ ادَّعَى اثْنَانِ عَلَى مَنْ بِيَدِهِ مَالُ كُلٍّ أَنَّهُ مِلْكَهُ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ فَإِنْ أَنْكَرَهُمَا وَادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ صُدِّقَ فَيَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِأَحَدِهِمَا مُعَيَّنًا أَخَذَهُ وَلِلْآخَرِ تَحْلِيفُ الْمُقِرِّ، فَإِنْ حَلَفَ لَهُ سَقَطَتْ دَعْوَاهُ وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْآخَرُ وَغَرِمَ لَهُ الْقِيمَةَ وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لَهُمَا فَالْيَدُ لَهُمَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ وَحَلَفَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ أَخَذَهُ وَلَا يَدَّعِي الْآخَرُ عَلَى الْوَدِيعِ، وَإِنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا أَخَذَاهُ نِصْفَيْنِ ثُمَّ حَكَمَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ الْآخَرِ حُكْمَهُمَا فِي الْكُلِّ فِي غَيْرِ الْمُقَرِّ لَهُ وَقَدْ مَرَّ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِأَحَدِهِمَا وَقَالَ نَسِيته ضَمِنَ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِثَالِثٍ حَلَفَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ لَا أَنَّهُ لِغَيْرِهِمَا وَلَا يَلْزَمُهُ بَيَانُ الثَّالِثِ، وَإِذَا حَلَفَا أَقَرَّ الْمَالَ بِيَدِهِ، وَكَذَا إنْ نَكَلَ وَنَكَلَا، وَإِنْ نَكَلَ فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ أَخَذَهُ وَطُولِبَ بِكَفِيلٍ إنْ لَمْ يَكُنْ أَمِينًا الْوَدِيعَةُ مَنْقُولَةٌ، وَإِنْ حَلَفَ فَهَلْ يَقْسِمَانِهِ وَيَطْلُبَانِ بِكَفِيلٍ أَوْ يَبْقَى مَعَ الْمُقِرِّ؟ وَجْهَانِ، أَرْجَحُهُمَا أَوَّلُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَأْمَنَاهُ ضُمَّ إلَيْهِ أَمِينٌ وَيَلْزَمُهُ هُنَا بَيَانُ الْمُقَرِّ لَهُ لِيُخَاصِمَاهُ، فَإِنْ امْتَنَعَ حُبِسَ، وَإِنْ قَالَ لَا أَدْرِي لِمَنْ الْمَالُ وَادَّعَيَا عِلْمَهُ حَلَفَ عَلَى نَفْيِهِ وَأَقَرَّ بِيَدِهِ وَلَا يُحَلِّفُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ اهـ.

ص: 303