المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل: في أركان النكاح - حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب - جـ ٣

[البجيرمي]

فهرس الكتاب

- ‌ كِتَابُ الْبُيُوعِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الرِّبَا

- ‌[فَرَع لَوْ تلف الْمَبِيع بِآفَةِ فِي زَمَن الْخِيَار قَبْلَ الْقَبْضِ]

- ‌فَصْلٌ فِي السَّلَمِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الرَّهْنِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْحَجْرِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الصُّلْحِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْحَوَالَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الضَّمَانِ

- ‌فَصْلٌ: فِي كَفَالَةِ الْبَدَنِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الشَّرِكَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْوَكَالَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْإِقْرَارِ

- ‌فَصْلٌفِي الْعَارِيَّةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْغَصْبِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الشُّفْعَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْقِرَاضِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْمُسَاقَاةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْإِجَارَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْجَعَالَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمُخَابَرَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْوَقْفِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْهِبَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي اللُّقَطَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي أَقْسَامِ اللُّقَطَةِ]

- ‌فَصْلٌ: فِي اللَّقِيطِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْوَدِيعَةِ

- ‌[فَرْعٌ أَقَرَّتْ حَامِلٌ بِالرِّقِّ]

- ‌كِتَابُ بَيَانِ أَحْكَامِ الْفَرَائِضِ وَالْوَصَايَا

- ‌فَصْلٌ: فِي الْوَصِيَّةِ

- ‌كِتَابُ النِّكَاحِ

- ‌فَصْلٌ: فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْأَوْلِيَاءِ]

- ‌فَصْلٌ: فِي مُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الصَّدَاقِ

- ‌[فَرْعٌ لَوْ أَصْدَقَ حِفْظَ الْقُرْآنِ]

- ‌فَصْلٌ: فِي الْقَسْمِ وَالنُّشُوزِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْخُلْعِ

- ‌فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ

- ‌[فَصْلٌ أَقْسَام الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ حُرًّا كَانَ أَوْ رَقِيقًا مِنْ الطَّلْقَاتِ]

- ‌[فَرْعٌ لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِنَحْوِ دُخُولِهِ فَحُمِلَ سَاكِتًا قَادِرًا عَلَى الِامْتِنَاعِ وَأُدْخِلَ]

- ‌فَصْلٌ: فِي الرَّجْعَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي بَيَانِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ حِلُّ الْمُطَلَّقَةِ

الفصل: ‌فصل: في أركان النكاح

الرَّأْسِ إلَّا لِقَادِمٍ مِنْ سَفَرٍ، أَوْ تَبَاعُدٍ لِقَاءً عُرْفًا فَسُنَّةٌ لِلِاتِّبَاعِ.

وَيُسَنُّ تَقْبِيلُ يَدِ الْحَيِّ لِصَلَاحٍ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ كَعِلْمٍ وَزُهْدٍ، وَيُكْرَهُ ذَلِكَ لِغِنَاهُ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ كَشَوْكَةٍ وَوَجَاهَةٍ، وَيُسَنُّ الْقِيَامُ لِأَهْلِ الْفَضْلِ إكْرَامًا لَا رِيَاءً وَتَفْخِيمًا.

‌فَصْلٌ: فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ

وَهِيَ خَمْسَةٌ: صِيغَةٌ وَزَوْجَةٌ وَزَوْجٌ وَوَلِيٌّ وَهُمَا الْعَاقِدَانِ، وَشَاهِدَانِ وَعَلَى الْأَخِيرَيْنِ وَهُمَا الْوَلِيُّ. وَالشَّاهِدَانِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

كَذَا فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ، وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ: فَيَتَصَافَحَانِ.

قَوْلُهُ: (وَتُكْرَهُ الْمُعَانَقَةُ وَالتَّقْبِيلُ) وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ مُعَانَقَةَ الْغَائِبِ إذَا قَدِمَ مِنْ السَّفَرِ سُنَّةٌ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ خَاصٍّ وَلَا دَلِيلَ هُنَا عَلَيْهَا اهـ مُنَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَتُكْرَهُ الْمُعَانَقَةُ وَالتَّقْبِيلُ) أَيْ لِغَيْرِ مُشْتَهَاةٍ، وَإِلَّا فَيَحْرُمُ كَمَا يَحْرُمُ بِغَيْرِ حَائِلٍ فِي الْأَجَانِبِ مُطْلَقًا ق ل.

قَوْلُهُ: (فَسُنَّةٌ) أَيْ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَيُسْتَثْنَى الْأَمْرَدُ كَمَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ تَقْبِيلُ يَدِ الْحَيِّ لِصَلَاحٍ وَنَحْوِهِ) الصَّالِحُ هُوَ الْقَائِمُ بِحُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ، وَنَحْوُهُ مَنْ قَرُبَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ. وَخَرَجَ بِهِمَا نَحْوُ الْأُمَرَاءِ وَالْعُظَمَاءِ فَلَا يُسَنُّ إلَّا لِحَاجَةٍ أَوْ ضَرُورَةٍ فَقَدْ يَجِبُ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ ذَلِكَ) أَيْ التَّقْبِيلُ الْمَذْكُورُ لِغَنِيٍّ لِأَجْلِ غِنَاهُ ق ل.

قَوْلُهُ: (لِأَهْلِ الْفَضْلِ) خَرَجَ غَيْرُهُمْ فَلَا يُطْلَبُ إلَّا لِحَاجَةٍ، أَيْ بِأَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَهُ حَاجَةٌ أَوْ ضَرُورَةٌ، كَأَنْ كَانَ يَضُرُّهُ إذَا لَمْ يَقُمْ لَهُ. وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ وُجُوبَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ صَارَ قَطِيعَةً وَخَرَجَ بِالْقِيَامِ نَحْوُ الرُّكُوعِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَالْأُمَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ، فَهُوَ حَرَامٌ وَلَوْ مَعَ الطَّهَارَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ؛ وَلَا يُنَافِي سَنَّ الْقِيَامِ لِمَنْ ذُكِرَ.

قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَثَّلَ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُقَامَ لَهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام: «أَنَّهُ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ لَا يَقُومُوا لَهُ إذَا مَرَّ بِهِمْ فَمَرَّ يَوْمًا بِحَسَّانَ رضي الله عنه فَقَامَ وَأَنْشَدَ:

قِيَامِي لِلْعَزِيزِ عَلَيَّ فَرْضٌ

وَتَرْكُ الْفَرْضِ مَا هُوَ مُسْتَقِيمُ

عَجِبْت لِمَنْ لَهُ عَقْلٌ وَفَهْمٌ

يَرَى هَذَا الْجَمَالَ وَلَا يَقُومُ

وَقَدْ أَقَرَّهُ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ» . وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ إنَّ مُرَاعَاةَ الْأَدَبِ خَيْرٌ مِنْ امْتِثَالِ الْأَمْرِ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّ امْتِثَالَ الْأَمْرِ أَدَبٌ وَزِيَادَةٌ؛ وَكَأَنَّ مُرَادَهُ بِالزِّيَادَةِ مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ مَعَ اسْتِلْزَامِهَا لِلْأَدَبِ مَعَهُ بِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ؛ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْحَامِلُ عَلَى هَذَا النَّهْيَ، وَأَمْثَالُهُ شِدَّةُ التَّوَاضُعِ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم وَعَدَمُ مَحَبَّتِهِ لِذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ إذَا صَحِبَتْهُ الْمَحَبَّةُ الْمَذْكُورَةُ لَمْ يُبَالَ بِالْقِيَامِ بَعْدَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَطْلُوبًا شَرْعًا مِنْ فَاعِلِهِ لِأَهْلِ الدِّينِ وَالصَّلَاحِ الَّذِينَ هُوَ سَيِّدُهُمْ، بِدَلِيلِ مَا وَرَدَ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ:«قُومُوا لِسَيِّدِكُمْ» فَأَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْ مَحَبَّتِهِ.

قَوْلُهُ: (لَا رِيَاءً) أَيْ لِنَفْسِهِ، وَلَا تَفْخِيمًا لِنَفْسِهِ.

[فَصْلٌ فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ]

ِ تَقَدَّمَ أَنَّ النِّكَاحَ مَعْنَاهُ الْعَقْدُ الْمُرَكَّبُ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي ذَكَرَهَا لَمْ تَتَرَكَّبْ مِنْهَا مَاهِيَّتُه كَمَا هُوَ مُقْتَضَى التَّعْبِيرِ بِالْأَرْكَانِ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ مَا تَتَرَكَّبُ مِنْهُ الْمَاهِيَّةُ كَأَرْكَانِ الصَّلَاةِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَرْكَانِ مَا لَا بُدَّ مِنْهَا فَيَشْمَلُ الْأُمُورَ الْخَارِجَةَ كَمَا هُنَا كَالشَّاهِدَيْنِ فَإِنَّهُمَا خَارِجَانِ عَنْ مَاهِيَّةِ النِّكَاحِ وَمِنْ ثَمَّ جَعَلَهُمَا بَعْضُهُمْ شَرْطَيْنِ.

قَوْلُهُ: (صِيغَةٌ) وَهِيَ إيجَابٌ وَقَبُولٌ وَلَوْ مِنْ هَازِلٍ شَرْحُ م ر. وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ الصَّدَاقُ رُكْنًا بِخِلَافِ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ

ص: 386

اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ مُشِيرًا إلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَصِحُّ عَقْدُ النِّكَاحِ إلَّا بِوَلِيٍّ) أَوْ مَأْذُونِهِ أَوْ الْقَائِمِ مُقَامَهُ كَالْحَاكِمِ عِنْدَ فَقْدِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ عَضْلِهِ أَوْ إحْرَامِهِ (وَ) حُضُورِ (شَاهِدَيْ عَدْلٍ) لِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ، وَمَا كَانَ مِنْ نِكَاحٍ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنْ تَشَاحُّوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» وَالْمَعْنَى فِي إحْضَارِ الشَّاهِدَيْنِ الِاحْتِيَاطُ لِلْأَبْضَاعِ وَصِيَانَةُ الْأَنْكِحَةِ عَنْ الْجُحُودِ. وَيُسَنُّ إحْضَارُ جَمْعٍ زِيَادَةً عَلَى الشَّاهِدَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالدِّينِ.

(وَيَفْتَقِرُ الْوَلِيُّ وَالشَّاهِدَانِ) الْمُعْتَبَرُونَ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ (إلَى سِتَّةِ شَرَائِطَ) بَلْ إلَى أَكْثَرَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْغَرَضَ مِنْ النِّكَاحِ الِاسْتِمْتَاعُ وَتَوَابِعُهُ وَذَلِكَ قَائِمٌ بِالزَّوْجَيْنِ فَهُمَا الرُّكْنَانِ.

قَوْلُهُ: (وَشَاهِدَانِ) عَدَّهُمَا رُكْنًا لِعَدَمِ اخْتِصَاصِ أَحَدِهِمَا بِشَرْطٍ دُونَ الْآخَرِ، بِخِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَا لَا يُعْتَبَرُ فِي الْآخَرِ؛ وَجَعَلَهُمَا ابْنُ حَجَرٍ رُكْنًا وَاحِدًا لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ بِهِمَا فَلَا تَخَالُفَ بَيْنَهُمَا ع ش عَلَى م ر. وَجَعْلُ الشَّاهِدَيْنِ شَرْطًا كَمَا قَالَ الْغَزَالِيُّ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِمَا رُكْنًا لِخُرُوجِهِمَا عَنْ الْمَاهِيَّةِ اهـ.

قَوْلُهُ: (إلَّا بِوَلِيٍّ) لَمْ يَقُلْ عَدْلٌ لِمَا يَأْتِي أَنَّهُ يُزَوِّجُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَدْلًا وَلَا فَاسِقًا، كَمَا إذَا تَابَ الْوَلِيُّ الْفَاسِقُ فَإِنَّهُ يُزَوِّجُ فِي الْحَالِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ عَدْلٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ مَلَكَةٌ تَمْنَعُهُ مِنْ ارْتِكَابِ الْكَبَائِرِ، وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ فَإِنَّهُ يُزَوِّجُ فِي الْحَالِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ عَدْلٍ لِعَدَمِ الْمَلَكَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَالشَّرْطُ فِيهِ عَدَمُ الْفِسْقِ. قَوْلُهُ:(كَالْحَاكِمِ عِنْدَ فَقْدِهِ) فِيهِ أَنَّهُ عِنْدَ فَقْدِهِ يَكُونُ وَلِيًّا لَا نَائِبًا. وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُرَادَ عِنْدَ فَقْدِهِ أَيْ الْوَلِيِّ الْخَاصِّ وَقِيَامِهِ مَقَامَهُ، أَيْ فِي التَّزْوِيجِ لَا النِّيَابَةِ وَالْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ. قَوْلُهُ:(أَوْ غَيْبَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ) أَيْ مَرْحَلَتَيْنِ فَأَكْثَرَ.

قَوْلُهُ: (أَوْ عَضْلِهِ) أَيْ عَضْلًا لَا يَفْسُقُ بِهِ كَأَنْ عَضَلَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَإِلَّا انْتَقَلَتْ لِلْأَبْعَدِ لِفِسْقِ الْعَاضِلِ حِينَئِذٍ.

قَوْلُهُ: (وَحُضُورِ شَاهِدَيْ عَدْلٍ) أَيْ بِأَنْفُسِهِمَا أَوْ بِإِحْضَارِهِمَا. وَالْإِضَافَةُ فِي قَوْلِهِ شَاهِدَيْ عَدْلٍ مِنْ إضَافَةِ الْمَوْصُوفِ لِلصِّفَةِ، وَلَمْ يُثَنِّ الصِّفَةَ؛ لِأَنَّ عَدْلًا مَصْدَرٌ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَغَيْرُهُ وَلَا بُدَّ فِي الشَّاهِدَيْنِ أَنْ يَكُونَا مِنْ الْإِنْسِ كَمَا قَالَهُ م ر لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مِنْكُمْ ثَلَاثَةٌ: الْكُفَّارُ وَالْمَلَائِكَةُ وَالْجِنُّ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنَّا. وَذَهَبَ ابْنُ حَجَرٍ إلَى أَنَّهُ يَكْفِي أَنْ يَكُونَا مِنْ الْجِنِّ وَيَكُونَانِ بِمَنْزِلَةِ عَدْلَيْنِ مِنَّا، وَرَدَّ بِأَنَّ الْعَدْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ يُمْكِنُ أَنَّهُمَا يَحْمِلَانِ اثْنَيْنِ آخَرَيْنِ غَيْرَهُمَا بِالشَّهَادَةِ الْمَذْكُورَةِ، بِخِلَافِ الْجِنِّيِّ إذَا شَهِدَ وَفَرَّ فَإِنَّ عَوْدَهُ غَيْرُ مُتَوَقَّعٍ فَالْمُعْتَمَدُ كَلَامُ م ر.

قَوْلُهُ: (وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ) نَعَمْ لَوْ تَعَذَّرَتْ الْعَدَالَةُ فِي قُطْرٍ قُدِّمَ أَقَلُّهُمْ فِسْقًا، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ حَجّ؛ كَذَا بِخَطِّ الْمَرْحُومِيِّ بِهَامِشِ نُسْخَتِهِ اهـ م د.

قَوْلُهُ: (عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ مُشْتَمِلٌ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَشَاحُّوا) أَيْ الْأَوْلِيَاءُ الْمَعْلُومُونَ مِنْ الْمَقَامِ بِأَنْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمْ لَا أُزَوِّجُ بَعْدَ أَنْ دَعَتْ إلَى كُفْءٍ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْعَضْلِ، بِهِ دَلِيلُ قَوْلِهِ: فَالسُّلْطَانُ إلَخْ. وَأَمَّا إنْ تَشَاحُّوا بِأَنْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَنَا الَّذِي أُزَوِّجُ وَاتَّحَدَ خَاطِبٌ فَإِنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ وُجُوبًا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (وَالْمَعْنَى فِي إحْضَارِ) الْأَوْلَى فِي حُضُورِ؛ لِأَنَّ الْإِحْضَارَ لَيْسَ بِشَرْطٍ.

قَوْلُهُ: (وَصِيَانَةِ الْأَنْكِحَةِ) عَطْفٌ لَازِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَطْفٌ مُسَبَّبٌ عَلَى سَبَبٍ اهـ.

قَوْلُهُ: (بَلْ إلَى أَكْثَرَ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْوَلِيِّ أَنْ لَا يَكُونَ مُخْتَلَّ النَّظَرِ بِهَرَمٍ أَوْ خَبَلٍ وَأَنْ لَا يَكُونَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ وَأَنْ لَا يَكُونَ مُحْرِمًا، وَيُشْتَرَطُ فِي كُلٍّ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ أَيْضًا السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالضَّبْطُ وَمَعْرِفَةُ لِسَانِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَكَوْنُهُ غَيْرَ مُتَعَيَّنٍ لِلْوِلَايَةِ وَأَشْيَاءٌ أُخَرُ.

وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الشُّهُودِ لِلزَّوْجَةِ وَلَا أَنَّ الْمَنْكُوحَةَ بِنْتُ فُلَانٍ بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ الْحُضُورُ، وَتُحْمَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى صُورَةِ الْعَقْدِ حَتَّى إذَا دُعُوا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَمْ يَحِلَّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّ الْمَنْكُوحَةَ بِنْتُ فُلَانٍ بَلْ يَشْهَدُونَ عَلَى جَرَيَانِ الْعَقْدِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ؛ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ شَوْبَرِيٌّ، وَهُوَ تَابِعٌ لِابْنِ حَجَرٍ. وَقَالَ م ر: لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الشُّهُودِ اسْمَهَا وَنَسَبَهَا أَوْ يَشْهَدَانِ عَلَى صُورَتِهَا بِرُؤْيَةِ وَجْهِهَا بِأَنْ تَكْشِفَ لَهُمْ النِّقَابَ، وَقَالَ عَمِيرَةُ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي انْعِقَادِ النِّكَاحِ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُنْتَقِبَةِ أَنْ يَرَاهَا الشَّاهِدَانِ قَبْلَ الْعَقْدِ، فَلَوْ عَقَدَ عَلَيْهَا وَهِيَ مُنْتَقِبَةٌ وَلَمْ يَعْرِفْهَا الشَّاهِدَانِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ اسْتِمَاعَ الشَّاهِدِ الْعَقْدَ كَاسْتِمَاعِ الْحَاكِمِ الشَّهَادَةَ؛ قَالَ الزَّرْكَشِيّ: مَحَلُّهُ إذْ كَانَتْ مَجْهُولَةَ النَّسَبِ وَإِلَّا فَيَصِحُّ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ نَفِيسَةٌ، وَالْقُضَاةُ الْآنَ لَا يَعْلَمُونَ

ص: 387

كَمَا سَيَأْتِي الْأَوَّلُ: (الْإِسْلَامُ) وَهُوَ فِي وَلِيِّ الْمُسْلِمَةِ إجْمَاعًا وَسَيَأْتِي أَنَّ الْكَافِرَ يَلِي الْكَافِرَةَ، وَأَمَّا الشَّاهِدَانِ فَالْإِسْلَامُ شَرْطٌ فِيهِمَا سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْمَنْكُوحَةُ مُسْلِمَةً أَمْ ذِمِّيَّةً إذْ الْكَافِرُ لَيْسَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ. (وَ) الثَّانِي (الْبُلُوغُ، و) الثَّالِثُ: (الْعَقْلُ) فَلَا وِلَايَةَ لِصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَلَيْسَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ. (وَ) الرَّابِعُ: (الْحُرِّيَّةُ) فَلَا وِلَايَةَ لِرَقِيقٍ وَلَا يَكُونُ شَاهِدًا (وَ) الْخَامِسُ: (الذُّكُورَةُ) فَلَا تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا بِحَالٍ لَا بِإِذْنٍ وَلَا بِغَيْرِهِ، سَوَاءٌ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ إذْ لَا يَلِيقُ بِمَحَاسِنِ الْعَادَاتِ دُخُولُهَا فِيهِ لِمَا قُصِدَ مِنْهَا مِنْ الْحَيَاءِ وَعَدَمِ ذِكْرِهِ أَصْلًا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34]

ــ

[حاشية البجيرمي]

بِهَا فَإِنَّهُمْ يُزَوِّجُونَ الْمُنْتَقِبَةَ الْحَاضِرَةَ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةِ الشُّهُودِ لَهَا اكْتِفَاءً بِحُضُورِهَا وَإِخْبَارِهَا اهـ. وَعِبَارَةُ م ر فِي الشَّهَادَاتِ: قَالَ جَمْعٌ لَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُ مُنْتَقِبَةٍ إلَّا إنْ عَرَفَهَا الشَّاهِدَانِ اسْمًا وَنَسَبًا أَوْ صُورَةً اهـ.

قَوْلُهُ: (وَسَيَأْتِي) فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ وَهُوَ فِي وَلِيِّ الْمُسْلِمَةِ، أَيْ؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي إلَخْ؛ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ أَكَانَتْ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْكُفَّارَ لَوْ تَرَافَعُوا إلَيْنَا فِي نِكَاحٍ صَدَرَ مِنْهُمْ بِلَا وَلِيٍّ وَشُهُودٍ نُقِرُّهُمْ عَلَيْهِ، فَإِذَا كَانَ صَدَرَ بِشُهُودٍ كُفَّارٍ أَوْلَى فَمَا مَعْنَى اشْتِرَاطِ إسْلَامِ الشُّهُودِ فِي أَنْكِحَتِهِمْ، إلَّا أَنْ يُقَالَ مَحَلُّ الِاشْتِرَاطِ إذَا وَقَعَ عَقْدُهُمْ بِحَضْرَتِنَا فَإِنَّا نَأْمُرُهُمْ بِإِشْهَادِ مُسْلِمَيْنِ، وَأَمَّا إذَا وَقَعَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَلَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ لَهُمْ. قَوْلُهُ:(فَلَا وِلَايَةَ لِصَبِيٍّ) أَيْ وَلَوْ لِبِنْتِهِ وَذَلِكَ بِأَنْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ فَأَتَتْ بِبِنْتٍ فِي زَمَنٍ يُولَدُ لِمِثْلِهِ فِيهِ كَابْنِ عَشْرِ سِنِينَ مَثَلًا فَإِنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ وَلَا يَثْبُتُ الْبُلُوغُ فَلَا يُزَوِّجُهَا لِسَلْبِ عِبَارَتِهِ كَالْعُقُودِ الْوَاقِعَةِ مِنْهُ وَأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ إلَّا مَا اسْتَثْنَى قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (فَلَا وِلَايَةَ لِرَقِيقٍ) نَعَمْ يَصِحُّ كَوْنُهُ وَكِيلًا فِي الْقَبُولِ لَا الْإِيجَابِ عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ فِي ضَابِطِ الْوَكِيلِ وَهُوَ صِحَّةُ مُبَاشَرَتِهِ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ لِنَفْسِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ زَوْجًا. وَالْمُرَادُ بِالرَّقِيقِ مَنْ فِيهِ رِقٌّ وَإِنْ قَلَّ، وَلَا يُرَدُّ الْمُبَعَّضُ فِيمَا مَلَكَهُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ فَإِنَّهُ يُزَوِّجُ بِالْمِلْكِ لَا بِالْوِلَايَةِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْمُكَاتَبِ لَكِنْ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ اهـ.

قَوْلُهُ: (الذُّكُورَةُ) أَيْ الْمُحَقَّقَةُ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي.

قَوْلُهُ: (فَلَا تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا إلَخْ) كَانَ الْمُنَاسِبُ: فَلَا تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا وَلَا غَيْرِهَا وَلَا تَكُونُ شَاهِدَةً، فَلَوْ خَالَفَتْ وَزَوَّجَتْ نَفْسَهَا سَوَاءٌ كَانَ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ أَوْ بِدُونِهِ أَوْ وَكَّلَتْ مَنْ يُزَوِّجُهَا وَلَيْسَ مِنْ أَوْلِيَائِهَا فَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْوَطْءِ وَلَوْ فِي الدُّبُرِ إنْ كَانَ رَشِيدًا، وَيَجِبُ أَيْضًا أَرْشُ بَكَارَةٍ إنْ كَانَتْ بِكْرًا، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنْ اعْتَقَدَ التَّحْرِيمَ سَوَاءٌ قَلَّدَ أَمْ لَا لِشُبْهَةِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ؛ وَلَكِنَّهُ يُعَزَّرُ إنْ اعْتَقَدَ التَّحْرِيمَ. وَمَحَلُّ هَذَا كُلِّهِ مَا لَمْ يَحْكُمْ حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ، فَإِنْ حَكَمَ بِهَا فَيَجِبُ الْمُسَمَّى وَلَا تَعْزِيرَ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا مَا لَمْ يَحْكُمْ حَاكِمٌ بِبُطْلَانِهِ فَإِنْ حَكَمَ بِهِ وَجَبَ الْحَدُّ اهـ شَرْحُ م ر وَحَوَاشِيه. قَوْلُهُ:(لَا بِإِذْنٍ) أَيْ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ فِي الْإِيجَابِ أَوْ هِيَ تَأْذَنُ لِأَجْنَبِيٍّ فِي الْإِيجَابِ. وَقَوْلُهُ: " وَلَا بِغَيْرِهِ " أَيْ بِأَنْ تَقُولَ لِشَخْصٍ: زَوَّجْتُك نَفْسِي. قَوْلُهُ: (الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ) الْأَوْلَى بَلْ الصَّوَابُ إسْقَاطُ هَذَا التَّعْمِيمِ؛ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ هُنَا إلَّا الْإِيجَابَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي كَوْنِهَا لَا تَمْلِكُ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا، وَهَذَا التَّعْمِيمُ سَرَى لَهُ مِنْ تَعْبِيرِ بَعْضِهِمْ بِقَوْلِهِ: لَا تَعْقِدُ امْرَأَةٌ نِكَاحًا اهـ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا تُزَوِّجُ غَيْرَهَا؛ لِأَنَّهُ يُنَاسِبُهُ، أَمَّا هُنَا فَلَا يُنَاسِبُ؛ لِأَنَّ الَّذِي مِنْ طَرَفِهَا الْإِيجَابُ فَقَطْ. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ: لَا تَعْقِدُ امْرَأَةٌ نِكَاحًا وَلَوْ بِإِذْنٍ إيجَابًا كَانَ أَوْ قَبُولًا لَا لِنَفْسِهَا وَلَا لِغَيْرِهَا اهـ. فَقَوْلُهُ: " لَا لِنَفْسِهَا إيجَابًا وَلَا لِغَيْرِهَا قَبُولًا وَإِيجَابًا " سَوَاءٌ فِي الشِّقَّيْنِ الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ، نَعَمْ لَوْ عَقَدَتْ فِي الْكُفْرِ لِنَفْسِهَا أَوْ غَيْرِهَا وَأَسْلَمُوا أُقِرُّوا عَلَى النِّكَاحِ اهـ ق ل.

قَوْلُهُ: (إذْ لَا يَلِيقُ) هَذَا عَلَى الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ شَامِلٌ لِلْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، بِخِلَافِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ خَاصٌّ بِالْإِيجَابِ. قَوْلُهُ:(بِمَحَاسِنِ الْعَادَاتِ) أَيْ بِالْعَادَاتِ الْمُسْتَحْسَنَةِ، فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ. وَالْمَحَاسِنُ جَمْعُ حُسْنٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ قَوْلُهُ:(وَعَدَمِ ذِكْرِهِ) عَطْفُ مُسَبَّبٍ عَلَى سَبَبٍ.

قَوْلُهُ: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ} [النساء: 34] إلَخْ أَيْ مُسَلَّطُونَ عَلَى النِّسَاءِ يُؤَدِّبُونَهُنَّ: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 34] أَيْ بِتَفْضِيلِهِ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ بِالْعَقْلِ وَالْعِلْمِ وَالْوِلَايَةِ وَالنَّفَقَةِ جَلَالَيْنِ،

ص: 388

وَلَا تُزَوِّجُ غَيْرَهَا بِوِلَايَةٍ وَلَا وَكَالَةٍ لِخَبَرِ: «لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ، وَلَا الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا» . نَعَمْ لَوْ اُبْتُلِينَا وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِإِمَامَةِ امْرَأَةٍ فَإِنَّ أَحْكَامَهَا تَنْفُذُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ، وَقِيَاسُهُ تَصْحِيحُ تَزْوِيجِهَا. وَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُ الْمَرْأَةِ فِي نِكَاحِ غَيْرِهَا إلَّا فِي مِلْكِهَا أَوْ فِي سَفِيهٍ أَوْ مَجْنُونٍ هِيَ وَصِيَّةٌ عَلَيْهِ، وَلَيْسَتْ الْمَرْأَةُ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ فَلَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ وَلَا بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِمْ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِخُنْثَيَيْنِ وَلَوْ بَانَا رَجُلَيْنِ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ الصِّحَّةُ فَإِنْ قِيلَ لَوْ عَقَدَ عَلَى خُنْثَى أَوْ لَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ كَوْنُهُ أُنْثَى فِي الْأَوَّلِ أَوْ ذَكَرًا فِي الثَّانِي لَا يَصِحُّ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْخُنْثَى أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ،

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَقَوْلُهُ: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ} [النساء: 34] مُتَعَلِّقٌ ب قَوَّامُونَ. وَأَصْرَحُ الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ كَمَا قَالَ إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَوْله تَعَالَى: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] إذْ لَوْ كَانَتْ تَلِي نَفْسَهَا لَمْ يَكُنْ لِلنَّهْيِ عَنْ الْعَضْلِ مَعْنًى، لَكِنْ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ الْأَوْلِيَاءُ وَهُوَ الظَّاهِرُ، بِدَلِيلِ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا حَلِفُ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه أَنْ لَا يُزَوِّجَ أُخْتَهُ مِنْ زَوْجِهَا وَكَانَ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَقِيلَ: مَرْجِعُ الضَّمِيرِ الْأَزْوَاجُ؛ لِأَنَّهُ جَوَابُ: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] اهـ سم.

قَوْلُهُ: (لِخَبَرِ لَا تُزَوِّجُ إلَخْ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوِّشٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا) تَتِمَّتُهُ: «فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا» اهـ. قَوْلُهُ: (بِإِمَامَةِ امْرَأَةٍ) وَكَذَا يُقَالُ فِي بَقِيَّةِ الْمَوَانِعِ كَالرِّقِّ وَغَيْرِهِ إلَّا الْكُفْرَ، فَقَدْ ذَكَرُوا فِي الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى أَنَّهُ لَوْ تَوَلَّاهَا كَافِرٌ لَا يُزَوِّجُ الْمُسْلِمَةَ اهـ ح ل.

قَوْلُهُ: (وَقِيَاسُهُ تَصْحِيحُ تَزْوِيجِهَا) أَيْ لِغَيْرِهَا، وَيُزَوِّجُهَا أَحَدُ نُوَّابِهَا. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ:" تَصْحِيحُ تَزْوِيجِهَا " أَيْ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهَا لَا تُزَوِّجُ بَنَاتِهَا مَثَلًا إذَا كَانَ لَهُنَّ وَلِيٌّ غَيْرُهَا كَأَبٍ وَجَدٍّ وَأَخٍ وَعَمٍّ وَنَحْوِهِمْ كَمَا قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهَا تُزَوِّجُ نَفْسَهَا وَتَرَدَّدَ فِيهِ، سم إذْ لَا ضَرُورَةَ فِي ذَلِكَ بَلْ تَأْذَنُ لِأَمِيرٍ مِنْ أُمَرَائِهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا كَالْوَلِيِّ إذَا أَرَادَ نِكَاحَ مُوَلِّيَتِهِ. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: أَمَّا هِيَ فَيُزَوِّجُهَا أَحَدُ نُوَّابِهَا اهـ. وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ تَتَوَلَّ الْإِمَامَةَ وَإِلَّا فَلَهَا تَزْوِيجُ غَيْرِهَا اهـ.

وَقَوْلُهُ: " فَلَهَا أَنْ تُزَوِّجَ غَيْرَهَا " صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا لَا تُزَوِّجُ نَفْسَهَا، وَمِثْلُهُ فِي الزِّيَادِيِّ. وَاَلَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ: فَإِنَّ أَحْكَامَهَا تَنْفُذُ وَقِيَاسُهُ تَصْحِيحُ تَزْوِيجِهَا إلَخْ، أَنَّ لَهَا أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا، وَبِهِ صَرَّحَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ حَيْثُ قَالَ: نَعَمْ إنْ وَلِيَتْ الْإِمَامَةَ الْعُظْمَى صَحَّ تَزْوِيجُهَا لِلضَّرُورَةِ لِنَفْسِهَا أَوْ غَيْرِهَا كَمَا يَشْمَلُهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر: فَتُزَوِّجُ غَيْرَهَا لَا نَفْسَهَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ شَرْحِ م ر عَدَمَ الْفَرْقِ؛ لِأَنَّهَا مُتَمَكِّنَةٌ مِنْ تَفْوِيضِ أَمْرِهَا لِمَنْ يُزَوِّجُهَا فَيَكُونُ قَاضِيًا اهـ فَحَرِّرْ الْمُعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ، هَذَا وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: مُقْتَضَاهُ إلَخْ؛؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ أَفْرَادِ قَوْلِهِ أَحْكَامُهَا تَنْفُذُ لَا مَقِيسَ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (إلَّا فِي مِلْكِهَا) بِأَنْ مَلَكَتْ أَمَةً. قَوْلُهُ: (أَوْ فِي سَفِيهٍ أَوْ مَجْنُونٍ) أَيْ فَتَأْذَنُ لِلْحَاكِمِ فِي تَزْوِيجِهَا، إذْ الْفَرْضُ أَنَّ الْأَبَ وَالْجَدَّ مَفْقُودَانِ وَلَا يُزَوِّجُ السَّفِيهَ أَوْ الْمَجْنُونَ إلَّا الْحَاكِمُ. قَوْلُهُ:(وَلَيْسَتْ الْمَرْأَةُ أَهْلًا) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَلَا تَمْلِكُ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا الْأَوَّلُ لِلْوِلَايَةِ وَالثَّانِي لِلشَّهَادَةِ، وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَلَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِشَهَادَتِهَا لِيَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِ فَلَا تَمْلِكُ إلَخْ كَمَا عَلِمْت.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِمْ) الْمُنَاسِبُ: بِقَوْلِهِنَّ.

قَوْلُهُ: (لَكِنْ الْأَصَحُّ إلَخْ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَيُقَاسُ عَلَى الْخُنْثَيَيْنِ غَيْرُهُمَا إذَا تَبَيَّنَ وُجُودُ الْأَهْلِيَّةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَصَبِيَّيْنِ بَانَا بَالِغَيْنِ، وَيَجْرِي هَذَا فِي الْوَلِيِّ لَوْ عَقَدَ وَهُوَ خُنْثَى ثُمَّ اتَّضَحَ بِالذُّكُورَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيّ عَنْ السُّبْكِيّ. وَتُشْتَرَطُ هَذِهِ الشُّرُوطُ حَالَةَ التَّحَمُّلِ، بِخِلَافِ شَاهِدِ غَيْرِ النِّكَاحِ فَإِنَّهَا تُعْتَبَرُ فِيهِ حَالَ الْأَدَاءِ اهـ ز ي. وَفَرَّقَ الدَّمِيرِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ التَّحَمُّلَ فِي النِّكَاحِ وَاجِبٌ بِخِلَافِهِ فِي غَيْرِهِ اهـ أج.

قَوْلُهُ: (الصِّحَّةُ) أَيْ فِي الشَّاهِدَيْنِ وَالْوَلِيِّ.

قَوْلُهُ: (أَوْ لَهُ) بِأَنْ كَانَ زَوْجًا، قَوْلُهُ:(أُجِيبَ إلَخْ) فِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ وَالْأَوْلَى أَنْ

ص: 389

فَإِنْ بَانَ رَجُلًا اكْتَفَيْنَا بِذَلِكَ فِي النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْعَقْدِ عَلَى الْخُنْثَى أَوْ لَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِعَقْدِ النِّكَاحِ عَلَيْهِ وَلَا لَهُ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ.

(وَ) السَّادِسُ (الْعَدَالَةُ) وَهِيَ مَلَكَةٌ فِي النَّفْسِ تَمْنَعُ مِنْ اقْتِرَافِ الذُّنُوبِ، وَلَوْ صَغَائِرَ الْخِسَّةِ وَالرَّذَائِلِ الْمُبَاحَةَ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِوَلِيٍّ فَاسِقٍ غَيْرِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ مُجْبِرًا كَانَ أَمْ لَا فَسَقَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ أَمْ لَا، أَعْلَنَ بِفِسْقِهِ أَمْ لَا لِحَدِيثِ:«لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ» . قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: وَالْمُرَادُ بِالْمُرْشِدِ الْعَدْلُ. وَأَفْتَى الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُ لَوْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

يُجَابَ بِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَفِي الثَّانِي مَعْقُودٌ لَهُ فَيُحْتَاطُ لَهُمَا اهـ ق ل بِزِيَادَةٍ. وَوَجْهُ النَّظَرِ أَنَّ الْجَوَابَ الْمَذْكُورَ عَيْنُ الدَّعْوَى فَتَأَمَّلْ. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ: نَعَمْ إنْ بَانَا ذَكَرَيْنِ صَحَّ كَمَا لَوْ بَانَ الْوَلِيُّ ذَكَرًا بِخِلَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ لَهُ كَمَا إذَا عَقَدَ عَلَى خُنْثَى أَوْ لَهُ وَبَانَ أُنْثَى أَوْ ذَكَرًا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّهَادَةَ وَالْوِلَايَةَ مَقْصُودَانِ لِغَيْرِهِمَا بِخِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فَاحْتِيطَ لَهُمَا. قَوْلُهُ:(أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ) أَيْ فِي بَابِ الْأَمْوَالِ.

قَوْلُهُ: (وَالْعَدَالَةُ) مِنْ لَازِمِهَا الْإِسْلَامُ وَالتَّكْلِيفُ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا كَالْمِنْهَاجِ كَانَ كَافِيًا، إلَّا أَنْ يُقَالَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا يُعْلَمُ نَصًّا وَمَا يُعْلَمُ الْتِزَامًا. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يُنَافِي انْعِقَادَهُ بِالْمَسْتُورَيْنِ. قُلْت: لَا مُنَافَاةَ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الرُّخْصَةِ أَوْ أَنَّ الِانْعِقَادَ بِالْعَدْلِ قَطْعًا، وَبِالْمَسْتُورِينَ عَلَى الصَّحِيحِ شَرْحُ م ر أج. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الشَّرْطَ فِي الْوَلِيِّ عَدَمُ الْفِسْقِ سَوَاءٌ كَانَ عَدْلًا أَوْ وَاسِطَةً عَلَى كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ:(وَهِيَ) أَيْ الْعَدَالَةُ الَّتِي تُقْبَلُ مَعَهَا الشَّهَادَةُ، وَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا إذَا كَانَ مَعَهَا مُرُوءَةٌ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ قَوْلَهُ وَالرَّذَائِلُ الْمُبَاحَةُ مِنْ تَعْرِيفِ الْمُرُوءَةِ لَا مِنْ تَعْرِيفِ الْعَدَالَةِ.

قَوْلُهُ: (مَلَكَةٌ) أَيْ هَيْئَةٌ رَاسِخَةٌ فِي النَّفْسِ. وَقَوْلُهُ: " تَمْنَعُ إلَخْ " أَيْ تَمْنَعُ مِنْ اقْتِرَافِ أَيْ ارْتِكَابِ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ مَا ذُكِرَ، فَبِاقْتِرَافِ الْفَرْدِ مِنْ ذَلِكَ تَنْتَفِي الْعَدَالَةُ. أَمَّا صَغَائِرُ غَيْرِ الْخِسَّةِ كَكِذْبَةٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا ضَرَرٌ وَنَظْرَةٌ إلَى أَجْنَبِيَّةٍ فَلَا يُشْتَرَطُ الْمَنْعُ مِنْ اقْتِرَافِ كُلِّ فَرْدٍ مِنْهَا اهـ م د وَغَيْرُهُ. وَهَذَا يُنَاسِبُ عِبَارَةَ جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَنَصُّهَا: مِنْ اقْتِرَافِ الْكَبَائِرِ وَصَغَائِرِ الْخِسَّةِ. وَهَذِهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ يَقْتَضِي أَنَّ صَغَائِرَ غَيْرِ الْخِسَّةِ مُخِلٌّ بِالْعَدَالَةِ. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: قَوْلُهُ: " مَلَكَةٌ " أَيْ كَيْفِيَّةٌ أَيْ صِفَةٌ رَاسِخَةٌ فِي النَّفْسِ، وَقَبْلَ رُسُوخِهَا تُسَمَّى حَالًا وَهَيْئَةً، وَهِيَ مِنْ مَقُولَةِ الْكَيْفِ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ صَغَائِرَ الْخِسَّةِ) كَسَرِقَةِ لُقْمَةٍ وَالتَّطْفِيفِ بِتَمْرَةٍ، أَيْ نَقْصِهَا مِنْ الْبَائِعِ وَزِيَادَتِهَا مِنْ الْمُشْتَرِي مَا لَمْ تَغْلِبْ طَاعَتُهُ.

قَوْلُهُ: (وَالرَّذَائِلِ) بِالْجَرِّ جَمْعُ رَذِيلَةٍ، وَهِيَ الْأَمْرُ الْمُسْتَحْسَنُ تَرْكُهُ كَمَشْيِ الْفَقِيهِ حَافِيًا أَوْ مَكْشُوفَ الرَّأْسِ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الذُّنُوبِ، وَالرَّذَائِلُ الْمُبَاحَةُ لَا تُخِلُّ بِالْعَدَالَةِ بَلْ بِالْمُرُوءَةِ.

قَوْلُهُ: (فَلَا يَنْعَقِدُ بِوَلِيٍّ فَاسِقٍ إلَخْ) خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ اهـ ق ل. وَلَوْ أَذِنَتْ لَهُ وَهُوَ عَدْلٌ ثُمَّ فَسَقَ ثُمَّ تَابَ فَقِيَاسُ مَا قِيلَ إنَّهَا أَوْ أَذِنَتْ لِلْقَاضِي فَعُزِلَ ثُمَّ وُلِّيَ احْتَاجَ إلَى إذْنٍ جَدِيدٍ لِبُطْلَانِ الْأَوَّلِ بِخُرُوجِهِ عَنْ الْوِلَايَةِ أَنَّهُ هُنَا كَذَلِكَ اهـ ع ش عَلَى م ر.

وَوَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا يَقَعُ كَثِيرًا أَنَّ مَنْ يُرِيدُ الزَّوَاجَ يَأْخُذُ حَصِيرَ الْمَسْجِدِ لِلْجُلُوسِ عَلَيْهَا فِي الْمَحَلِّ الَّذِي يُرِيدُونَ الْعَقْدَ فِيهِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ مُفَسِّقًا فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ صِحَّةُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِمْ اعْتِقَادُهُمْ إبَاحَةَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مِمَّا يُتَسَامَحُ بِهِ، وَبِتَقْدِيرِ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ فَيُمْكِنُ أَنَّ ذَلِكَ صَغِيرَةٌ لَا يُوجِبُ فِسْقًا. وَوَقَعَ السُّؤَالُ أَيْضًا عَمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى مِنْ لُبْسِ الْقَوَاوِيقِ الْقَطِيفَةِ لِلشُّهُودِ وَالْوَلِيِّ هَلْ هُوَ مُفَسِّقٌ يُفْسِدُ الْعَقْدَ أَمْ لَا؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ لَا يُحْكَمَ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ بِفَسَادِ الْعَقْدِ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلشُّهُودِ فَلِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْعَقْدَ يَحْضُرُ مَجْلِسَهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ لَابِسِينَ ذَلِكَ، فَإِنْ اتَّفَقَ أَنَّ فِيهِمْ اثْنَيْنِ سَالِمَيْنِ مِنْ ذَلِكَ اُعْتُدَّ بِشَهَادَتِهِمْ وَإِنْ كَانَ حُضُورُهُمَا اتِّفَاقًا؛ وَأَمَّا فِي الْوَلِيِّ فَإِنَّهُ إنْ اتَّفَقَ لُبْسُهُ لِذَلِكَ فَقَدْ يَكُونُ لَهُ عُذْرٌ كَجَهْلِهِ بِالتَّحْرِيمِ، وَمَعْرِفَةِ ذَلِكَ مِمَّا يَخْفَى عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ. وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ فِي الْجُلُوسِ عَلَى الْحَرِيرِ اهـ ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (مُجْبِرًا كَانَ أَمْ لَا) وَقِيلَ: يَكْفِي فِي الْمُجْبِرِ أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُجْبِرِ لِوُفُورِ شَفَقَةِ الْمُجْبِرِ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ.

قَوْلُهُ: (فَسَقَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ أَمْ لَا) وَقِيلَ إنْ فَسَقَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ ضَرَّ لِاخْتِلَالِ

ص: 390

كَانَ لَوْ سَلَبَ الْوِلَايَةَ لَانْتَقَلَتْ إلَى حَاكِمٍ فَاسِقٍ وُلِّيَ وَإِلَّا فَلَا، قَالَ: وَلَا سَبِيلَ إلَى الْفَتْوَى بِغَيْرِهِ إذْ الْفِسْقُ قَدْ عَمَّ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ، وَالْأَوْجَهُ إطْلَاقُ الْمَتْنِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ يُزَوِّجُ لِلضَّرُورَةِ وَقَضَاؤُهُ نَافِذٌ، أَمَّا الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ فَلَا يَقْدَحُ فِسْقُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِهِ فَيُزَوِّجُ بَنَاتِهِ وَبَنَاتِ غَيْرِهِ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ تَفْخِيمًا لِشَأْنِهِ، فَعَلَيْهِ إنَّمَا يُزَوِّجُ بَنَاتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلِيٌّ غَيْرُهُ كَبَنَاتِ غَيْرِهِ.

تَنْبِيهٌ: لَا يَلْزَمُ مِنْ أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يُزَوِّجُ اشْتِرَاطُ أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ عَدْلًا؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةً، فَإِنَّ الْعَدَالَةَ مَلَكَةٌ تَمْنَعُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

نَظَرِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا فَسَقَ بِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ:(أَعْلَنَ بِفِسْقِهِ أَمْ لَا) وَقِيلَ إنْ أَعْلَنَ بِفِسْقِهِ ضَرَّ وَإِلَّا فَلَا.

قَوْلُهُ: (لِحَدِيثِ إلَخْ) يَصِحُّ رُجُوعُهُ لِقَوْلِ الْمَتْنِ وَالْعَدَالَةِ، وَلِقَوْلِ الشَّارِحِ: فَلَا تَنْعَقِدُ بِوَلِيٍّ فَاسِقٍ.

قَوْلُهُ: (لَوْ كَانَ) أَيْ الْوَلِيُّ الْفَاسِقُ. وَقَوْلُهُ " وُلِّيَ " جَوَابُ " لَوْ " الْأُولَى، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرُ الْوَلِيِّ الْخَاصِّ الْفَاسِقِ. وَقَوْلُهُ " لَانْتَقَلَتْ " جَوَابُ " لَوْ " الثَّانِيَةِ، وَجُمْلَتُهَا خَبَرُ " كَانَ ". وَقَوْلُهُ " وَإِلَّا " أَيْ بِأَنْ كَانَتْ تَنْتَقِلُ لِحَاكِمٍ عَادِلٍ فَلَا، أَيْ فَلَا يَلِي الْوَلِيُّ الْخَاصُّ الْفَاسِقُ بَلْ الْوِلَايَةُ لِلْحَاكِمِ الْعَادِلِ.

قَوْلُهُ: (إذْ الْفِسْقُ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، إذْ لَا مَعْنَى لِلِانْتِقَالِ مِنْ فَاسِقٍ إلَى فَاسِقٍ.

قَوْلُهُ: (وَالْأَوْجَهُ إطْلَاقُ الْمَتْنِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ مَفْهُومِهِ، وَهُوَ أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يُزَوِّجُ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ سَلَبَ الْوِلَايَةَ لَانْتَقَلَتْ إلَى حَاكِمٍ فَاسِقٍ، أَوْ الْمُرَادُ بِإِطْلَاقِهِ اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ فِي الْوَلِيِّ الْخَاصِّ مُطْلَقًا؛ بِخِلَافِ الْحَاكِمِ فَلَا يُشْتَرَطُ عَدَالَتُهُ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ يُزَوِّجُ لِلضَّرُورَةِ وَالضَّرُورَةُ يُغْتَفَرُ فِيهَا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهَا، فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ عِلَّةٌ لِمُقَدَّرٍ. وَحَاصِلُهُ إبْدَاءُ فَرْقٍ بَيْنَ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْوَلِيِّ بِمَا ذَكَرَ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ أَيُّ فَارِقٍ بَيْنَ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ.

قَوْلُهُ: " وَقَضَاؤُهُ نَافِذٌ " الظَّاهِرُ أَنَّ ذِكْرَهُ اسْتِطْرَادِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: " غَيْرِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ " لَكِنْ يَكُونُ مُكَرَّرًا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ عُلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ مَا تَقَدَّمَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَ هُنَاكَ وَلِيٌّ فَاسِقٌ هَلْ يَنْتَقِلُ لِلْحَاكِمِ أَوْ لَا؟ وَهُنَا مَفْرُوضٌ فِي الْأَعَمِّ أَوْ عَدَمِ الْوَلِيِّ الْخَاصِّ بِالْمَرَّةِ، وَمِثْلُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ نَائِبُهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ م ر، أَوْ الْمُرَادُ الْأَعْظَمُ وَلَوْ بِنَائِبِهِ. وَلَا يُنَافِيه قَوْلُهُ الْآتِي:" فَيُزَوِّجُ بَنَاتِهِ وَبَنَاتِ غَيْرِهِ بِالْوِلَايَةِ الْعَامِلَةِ "؛ لِأَنَّ نَائِبَهُ وِلَايَتُهُ عَامَّةٌ فِي عُقُودِ النِّكَاحِ بِالنِّسْبَةِ لِنَاحِيَتِهِ، وَمَالَ م ر إلَى أَنَّ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ يُزَوِّجُ بَنَاتِهِ بِغَيْرِ الْإِجْبَارِ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ الْعَامَّةَ لَهُ فِي حَقِّهِنَّ غَيْرُ مَحْضَةٍ بِخِلَافِ بَنَاتِ غَيْرِهِ فَلَا يُزَوِّجُهُنَّ بِالْإِجْبَارِ، وَكَذَا لَا يُزَوِّجُ بَنَاتِهِ بِغَيْرِ الْإِجْبَارِ مَعَ وُجُودِ وَلِيٍّ خَاصٍّ كَجَدٍّ أَوْ عَمٍّ أَوْ نَحْوِهِ فَيُقَدَّمُ الْجَدُّ.

قَوْلُهُ: (فَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى كَوْنِهِ يُزَوِّجُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ.

قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ يَكُنْ إلَخْ) فَإِنْ كَانَ فَلَا يُزَوِّجُ. وَهَذَا إذَا كَانَ فَاسِقًا، فَإِنْ كَانَ عَدْلًا فَإِنَّهُ يُزَوِّجُ بَنَاتِهِ بِالْوِلَايَةِ الْخَاصَّةِ وَبِالْإِجْبَارِ إنْ كُنَّ مُجْبَرَاتٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فَاسِقًا وَآلَ الْأَمْرُ إلَيْهِ فِي تَزْوِيجِ بَنَاتِهِ فَإِنَّهُ لَا يُجْبِرُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي بَنَاتِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ الْعَامَّةَ لَا إجْبَارَ فِيهَا. وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا م د: قَوْلُهُ: " إذَا لَمْ يَكُنْ إلَخْ " أَيْ فَمَحَلُّ تَزْوِيجِهِ لِبَنَاتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ جَدٌّ أَوْ عَمٌّ أَوْ نَحْوُهُ بِصِفَةِ الْوِلَايَةِ؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَهُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ وَالْوِلَايَةُ الْخَاصَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهَا، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ بَنَاتِهِ لَوْ كُنَّ أَبْكَارًا لَمْ يَكُنْ لَهُ إجْبَارٌ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ الْعَامَّةَ لَا إجْبَارَ فِيهَا، لَكِنْ مَالَ م ر فِي غَيْرِ شَرْحِهِ لِتَزْوِيجِهِ بِالْإِجْبَارِ وَنَظَرَ فِيهِ سم: وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر، نَصُّهَا: وَلَوْ كُنَّ أَبْكَارًا هَلْ يُجْبِرُهُنَّ؛ لِأَنَّهُ أَبٌ جَازَ لَهُ التَّزْوِيجُ أَوْ لَا وَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِئْذَانِ؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَهُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ لَا الْخَاصَّةِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَمَالَ م ر لِلْأَوَّلِ اهـ سم عَلَى حَجّ؛ لَكِنْ مُقْتَضَى قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلِيٌّ خَاصٌّ الثَّانِي، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ فِي تَزْوِيجِهِ فَقْدَ الْقَرِيبِ الْعَدْلِ بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهَا أَخٌ أَوْ نَحْوُهُ فَتَمَحَّضَ تَزْوِيجُهُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ وَهِيَ لَا تَقْتَضِي الْإِجْبَارَ بَلْ عَدَمَهُ.

قَوْلُهُ: (كَبَنَاتِ غَيْرِهِ) أَيْ فَإِنَّهُ أَعْنِي الْإِمَامَ لَا يُزَوِّجُهُنَّ إلَّا عِنْدَ فَقْدِ الْوَلِيِّ الْخَاصِّ لَهُنَّ. قَوْلُهُ: (تَنْبِيهٌ إلَخْ) غَرَضُهُ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْمَتْنِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ فِي الشَّاهِدَيْنِ لَا الْوَلِيِّ، بَلْ شَرْطُهُ عَدَمُ

ص: 391

صَاحِبَهَا مِمَّا مَرَّ، وَالصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ وَلَمْ تَصْدُرْ مِنْهُ كَبِيرَةٌ وَلَمْ تَحْصُلْ لَهُ تِلْكَ الْمَلَكَةُ لَا عَدْلٌ وَلَا فَاسِقٌ. وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْمَسْتُورَ يَلِي وَحَيْثُ مَنَعْنَا وِلَايَةَ الْفَاسِقِ فَقَالَ الْبَغَوِيّ: إذَا تَابَ زَوَّجَ فِي الْحَالِ وَوَجْهُهُ بِأَنَّ الشَّرْطَ فِي وَلِيِّ النِّكَاحِ عَدَمُ الْفِسْقِ لَا قَبُولُ الشَّهَادَةِ، وَلَا يَنْعَقِدُ بِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهِمَا وَيَنْعَقِدُ بِمَسْتُورَيْ الْعَدَالَةِ وَهُمَا الْمَعْرُوفَانِ بِهَا ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا بِأَنْ عُرِفَتْ بِالْمُخَالَطَةِ دُونَ التَّزْكِيَةِ عِنْدَ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْعَدَالَةُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْقِدَ بِهِمَا الْحَاكِمُ أَوْ غَيْرُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لَا بِمَسْتُورَيْ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ بِأَنْ يَكُونَا فِي مَوْضِعٍ يَخْتَلِطُ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ بِالْكُفَّارِ وَالْأَحْرَارِ بِالْأَرِقَّاءِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ حَالِهِمَا بَاطِنًا لِسُهُولَةِ الْوُقُوفِ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الْعَدَالَةِ وَالْفِسْقِ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْفِسْقِ سَوَاءٌ كَانَ عَدْلًا أَوْ وَاسِطَةً بَيْنَهُمَا؛ وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَادُ بِالْعَدَالَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَلِيِّ مَا يَشْمَلُ الْوَاسِطَةَ.

قَوْلُهُ: (لَا يَلْزَمُ مِنْ أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يُزَوِّجُ) أَيْ الْمُشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِوَلِيٍّ فَاسِقٍ اشْتِرَاطُ أَنْ لَا يَكُونَ الْوَلِيُّ عَدْلًا كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْمَتْنِ حَيْثُ قَالَ: وَالْعَدَالَةُ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْعَدَالَةَ لَيْسَ شَرْطًا فِي الْوَلِيِّ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ عَدَمُ الْفِسْقِ وَهُوَ يَصْدُقُ بِالْوَاسِطَةِ، فَاشْتِرَاطُ الْمُصَنِّفِ الْعَدَالَةَ فِي الْوَلِيِّ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهِ اهـ شَيْخُنَا. وَعِبَارَةُ ق ل: قَوْلُهُ لَا يَلْزَمُ فِيهِ أَنَّ هَذَا غَيْرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ الْعَدَالَةَ فِي الْوَلِيِّ، وَلَا يَسْتَقِيمُ مَعَهُ؛ فَلَعَلَّهَا عِبَارَةُ غَيْرِهِ، فَذِكْرُهُ لَهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ. قَوْلُهُ:(لَا عَدْلٌ وَلَا فَاسِقٌ) أَيْ مَعَ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا. قَالَ م د: وَاعْتَرَضَهُ ق ل، وَقَالَ: بَلْ هُوَ مَسْتُورُ الْعَدَالَةِ، وَعَلَيْهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَلِيِّ وَالشَّاهِدِ إلَّا فِيمَا إذَا تَابَ الْوَلِيُّ زَوَّجَ حَالًا. وَالظَّاهِرُ كَلَامُ الشَّارِحِ.

قَوْلُهُ: (وَقَدْ نَقَلَ إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ الْمَسْتُورَ مِنْ الْوَاسِطَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ الْمَسْتُورُ هُوَ ظَاهِرُ الْعَدَالَةِ وَهُوَ فَرْقُ الْوَاسِطَةِ؛ وَحِينَئِذٍ فَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى، إلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ الْقِيَاسُ عَلَى الْمَسْتُورِ إلَّا أَنَّهُ قِيَاسُ أَدْنَى عَلَى أَعْلَى؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ مُتَّصِفٌ بِالْعَدَالَةِ وَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً وَالْأَوَّلُ لَا يُقَالُ لَهُ عَدْلٌ وَلَا فَاسِقٌ، فَمُرَادُ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ إلَخْ التَّقْوِيَةَ لِمَا قَبْلَهُ وَقِيَاسُ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ كَمَا عَلِمْت.

قَوْلُهُ: (إذَا تَابَ زَوَّجَ فِي الْحَالِ) وَلَوْ كَانَ فِسْقُهُ بِالْعَضْلِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ وَاسِطَةٌ لَا عَدْلٌ وَلَا فَاسِقٌ.

قَوْلُهُ: (لَا قَبُولُ الشَّهَادَةِ) كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ لَا الْعَدَالَةُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ غَيْرُهُ. نَعَمْ قَبُولُ الشَّهَادَةِ لَازِمٌ لِلْعَدَالَةِ، عَلَى أَنَّ قَبُولَ الشَّهَادَةِ شَامِلٌ لِلْمُرُوءَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِنَفْيِ الرَّذَائِلِ الْمُبَاحَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّرْطَ فِي الْوَلِيِّ عَدَمُ الْفِسْقِ لَا الْعَدَالَةُ، بِخِلَافِ الشَّاهِدِ فَإِنَّ الشَّرْطَ فِيهِ الْعَدَالَةُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ سَنَةً بَعْدَ التَّوْبَةِ، فَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ الْوِلَايَةِ وَالشَّهَادَةِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَلِيَ وَلَا يَشْهَدَ وَذَلِكَ فِيمَا إذَا تَابَ الْوَلِيُّ الْفَاسِقُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ حَالًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ، وَكَذَا لَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُمَا مُفَسِّقٌ يُزَوِّجَانِ وَلَا يَشْهَدَانِ لِعَدَمِ عَدَالَتِهِمَا أَوْ لِعَدَمِ الْمَلَكَةِ، فَفِي ذَلِكَ إثْبَاتُ الْوَاسِطَةِ بَيْنَ الْفِسْقِ وَالْعَدَالَةِ. وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأُسْتَاذِ الْبَكْرِيِّ أَنَّهُمَا يَتَّصِفَانِ بِالْعَدَالَةِ فَتَصِحُّ شَهَادَتُهُمَا كَمَا نَقَلَهُ ح ل.

قَوْلُهُ: (بِمَسْتُورَيْ الْعَدَالَةِ) أَيْ عِنْدَ الزَّوْجَيْنِ، أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ إذَا وَقَعَ نِزَاعٌ فِي الْعَقْدِ أَوْ فِي الْمَهْرِ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا كَمَا قَالَهُ الرَّمْلِيُّ فِي الْفَتَاوَى اهـ م د.

قَوْلُهُ: (وَهُمَا الْمَعْرُوفَانِ بِهَا ظَاهِرًا) وَقِيلَ الْمَسْتُورُ هُوَ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُفَسِّقٌ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ؛ وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الثَّانِي لِصِدْقِ الثَّانِي بِمَنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ فِسْقٌ وَلَا طَاعَةٌ وَالْأَوَّلُ لَا يُصَدَّقُ بِهَذَا. قَوْلُهُ:(لَا بِمَسْتُورَيْ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ) كَأَنْ وُجِدَ لَقِيطٌ وَلَمْ يُعْرَفْ حَالُهُ إسْلَامًا وَلَا رِقًّا فَلَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِشَهَادَتِهِ، نَعَمْ لَوْ عُقِدَ بِهِمَا فَبَانَا مُسْلِمَيْنِ حُرَّيْنِ صَحَّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ز ي. وَقَوْلُهُ:" وَالْحُرِّيَّةِ " الْوَاوُ بِمَعْنَى " أَوْ " قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَكَمَسْتُورِ الْإِسْلَامِ مَسْتُورَا الْبُلُوغِ، قَالَ الرُّويَانِيُّ: فَلَوْ عَقَدَ بِمَجْهُولِ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ فَبَانَا مُسْلِمَيْنِ حُرَّيْنِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُمَا كَالْخُنْثَيَيْنِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَصِحُّ بِهِمَا إذَا بَانَا ذَكَرَيْنِ وَيُعْتَدُّ بِقَوْلِ الشَّاهِدِ إنَّهُ مُسْلِمٌ أَوْ حُرٌّ أَوْ بَالِغٌ.

قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَكُونَا فِي مَوْضِعٍ إلَخْ) أَيْ وَلَا غَالِبَ فِي أَحَدِ الْمُتَقَابِلَيْنِ، فَإِنْ غَلَبَ الْمُسْلِمُونَ أَوْ الْأَحْرَارُ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا الْآنَ مِنْ الظَّاهِرِ لَا مِنْ الْمَسْتُورِ اهـ ق ل.

قَوْلُهُ: (لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ حَالِهِمَا بَاطِنًا) لَيْسَ الْمُرَادُ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ، بَلْ الْمُرَادُ الْوُقُوفُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ. قَوْلُهُ:(عَلَى ذَلِكَ) أَيْ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ.

ص: 392

ثُمَّ شَرَعَ فِي كَوْنِ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ يَلِي الْكَافِرَةَ الْأَصْلِيَّةَ بِقَوْلِهِ: (إلَّا أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ نِكَاحُ الذِّمِّيَّةِ إلَى إسْلَامِ الْوَلِيِّ) وَلَوْ كَانَتْ الذِّمِّيَّةُ عَتِيقَةَ مُسْلِمٍ وَاخْتَلَفَ اعْتِقَادُ الزَّوْجَةِ وَالْوَلِيِّ فَيُزَوِّجُ الْيَهُودِيُّ نَصْرَانِيَّةً وَالنَّصْرَانِيُّ يَهُودِيَّةً كَالْإِرْثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] وَقَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ بِالْإِرْثِ أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِحَرْبِيٍّ عَلَى ذِمِّيَّةٍ وَبِالْعَكْسِ، وَأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ كَالذِّمِّيِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا صَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَمُرْتَكِبُ الْمُحَرَّمِ الْمُفَسَّقُ فِي دِينِهِ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْكَافِرَةِ كَالْفَاسِقِ عِنْدَنَا فَلَا يُزَوِّجُ مُوَلِّيَتَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَرْتَكِبْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مَسْتُورًا فَيُزَوِّجُهَا كَمَا تَقَرَّرَ. وَفَرَّقُوا بَيْنَ وِلَايَتِهِ وَشَهَادَتِهِ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُرْتَكِبًا ذَلِكَ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ مَحْضُ وِلَايَةٍ عَلَى الْغَيْرِ فَلَا يُؤَهَّلُ لَهَا الْكَافِرُ، وَالْوَلِيُّ فِي التَّزْوِيجِ كَمَا يُرَاعِي حَظَّ مُوَلِّيَتِهِ يُرَاعِي حَظَّ نَفْسِهِ أَيْضًا فِي تَحْصِينِهَا وَدَفْعِ الْعَارِ عَنْ النَّسَبِ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ زَوْجُ الْكَافِرَةِ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ لَا يُزَوِّجُ الْمُسْلِمَ قَاضِيهِمْ بِخِلَافِ الزَّوْجِ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْكَافِرِ مَحْكُومٌ بِصِحَّتِهِ وَإِنْ صَدَرَ مِنْ قَاضِيهِمْ، أَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلَا يَلِي مُطْلَقًا لَا عَلَى مُسْلِمَةٍ وَلَا عَلَى مُرْتَدَّةٍ وَلَا عَلَى غَيْرِهِمَا لِانْقِطَاعِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (وَالْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ إلَخْ) سَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ، وَلَمْ يَأْخُذْ مُحْتَرَزَ الْأَصْلِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ فَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ:(إلَّا أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ فِي الْوَلِيِّ. وَقَوْلُهُ: " وَلَا نِكَاحُ الْأَمَةِ " اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْعَدَالَةِ فِي الْوَلِيِّ، إلَّا أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ صُورِيٌّ؛ لِأَنَّهُ بِالْمِلْكِ لَا بِالْوِلَايَةِ وَالشُّرُوطُ لِلْوِلَايَةِ بِالنَّسَبِ.

قَوْلُهُ: (إلَى إسْلَامِ الْوَلِيِّ) يُوهِمُ أَنَّ الْوَلِيَّ الْمُسْلِمَ يَلِي نِكَاحَ الذِّمِّيَّةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي كَالْإِرْثِ مَعَ قَوْلِهِ وَقَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ إلَخْ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَعِبَارَةُ م د: قَوْلُهُ إلَى إسْلَامِ الْوَلِيِّ أَيْ فَيَلِيهَا الْعَدْلُ فِي دِينِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمَا لَا بِالْحِرَابَةِ وَغَيْرِهَا كَالْإِرْثِ، نَعَمْ الْمُرْتَدُّ لَا وِلَايَةَ لَهُ مُطْلَقًا وَلَا يَصِحُّ مِنْ قَاضِي الْكُفَّارِ أَنْ يُزَوِّجَ الْمَرْأَةَ الْكَافِرَةَ مِنْ مُسْلِمٍ.

قَوْلُهُ: (كَالْإِرْثِ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُزَوِّجُ الْكَافِرَةَ وَبِالْعَكْسِ، بَلْ تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ الْمُوَافِقِ فِي الدِّينِ.

قَوْلُهُ: (وَقَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَيْضًا أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُزَوِّجُ كَافِرَةً كَمَا أَنَّهُ لَا يَرِثُهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ الْمُسْلِمُ قَاضِيًا فَيُزَوِّجُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ. قَوْلُهُ:(وَمُرْتَكِبُ الْمُحَرَّمِ الْمُفَسَّقُ إلَخْ) غَرَضُهُ تَقْيِيدُ الْمَتْنِ، أَيْ أَنَّ مَحَلَّ تَزْوِيجِ الْكَافِرِ إنْ كَانَ عَدْلًا فِي دِينِهِمْ وَإِلَّا فَلَا يُزَوِّجُ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَيَلِي كَافِرٌ لَمْ يَرْتَكِبْ مَحْظُورًا فِي دِينِهِ كَافِرَةً وَلَوْ كَانَتْ عَتِيقَةَ مُسْلِمَةٍ أَوْ اخْتَلَفَ اعْتِقَادُهُمَا فَيَلِي الْيَهُودِيُّ النَّصْرَانِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيُّ الْيَهُودِيَّةَ كَالْإِرْثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] اهـ وَقَوْلُهُ: " لَمْ يَرْتَكِبْ " أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ غَيْرُهُ عَدْلٌ فِي دِينِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عَدَمُ الْفِسْقِ لَا الْعَدَالَةُ كَمَا فِي الْمُسْلِمِ، وَيُعْرَفُ أَنَّهُ كَذَلِكَ بِإِخْبَارِ عَدَدٍ تَوَاتَرَ أَوْ شَهَادَةِ اثْنَيْنِ أَسْلَمَا مِنْهُمْ كَانَا يَعْرِفَانِهِ كَمَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُرْتَكِبًا ذَلِكَ) أَيْ الْمُحَرَّمُ الْمُفَسَّقُ فِي دِينِهِ.

قَوْلُهُ: (مَحْضُ وِلَايَةٍ إلَخْ) الْمُرَادُ أَنَّ الشَّاهِدَ لَا حَظَّ لَهُ فِي الشَّهَادَةِ بَلْ الْحَظُّ لِلْمَشْهُودِ لَهُ، فَاعْتَبَرْنَا الْعَدَالَةَ لِأَجْلِ حَقِّ الْغَيْرِ، فَقَوْلُهُ عَلَى الْغَيْرِ وَهُوَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْوَلِيُّ فَالْحَظُّ لَهُ وَلِمُوَلِّيَتِهِ فَاكْتَفَيْنَا بِعَدَالَتِهِ فِي دِينِهِمْ دُونَ شَهَادَةِ أَهْلِ دِينِهِمْ.

قَوْلُهُ: (عَلَى الْغَيْرِ) وَهُوَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (وَالْوَلِيُّ فِي التَّزْوِيجِ إلَخْ) وَحَيْثُ كَانَ يُرَاعِي حَظَّ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَكْفِيه ذَلِكَ عَنْ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ.

قَوْلُهُ: (فِي تَحْصِينِهَا) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ.

قَوْلُهُ: (لَكِنْ لَا يُزَوِّجُ الْمُسْلِمَ قَاضِيهِمْ) أَيْ بَلْ يُزَوِّجُهُ وَلِيُّهَا الْكَافِرُ الْخَاصُّ، وَلِقَاضِينَا أَنْ يُزَوِّجَهُ الْكَافِرَةَ عِنْدَ فَقْدِ وَلِيِّهَا الْخَاصِّ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ نِكَاحَ الْكُفَّارِ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِعَدَمِ الْفَرْقِ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا اخْتِلَافَ الدَّارِ كَاخْتِلَافِ الدِّينِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الْمُرْتَدُّ) مُحْتَرَزُ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ.

ص: 393

(وَلَا) يَفْتَقِرُ (نِكَاحُ الْأَمَةِ) مِنْ عَبْدٍ أَوْ حُرٍّ بِشَرْطِهِ (إلَى عَدَالَةِ السَّيِّدِ) ؛ لِأَنَّهُ يُزَوِّجُ بِالْمِلْكِ لَا بِالْوِلَايَةِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّمَتُّعَ بِهَا فِي الْجُمْلَةِ وَالتَّصَرُّفَ فِيمَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ، وَنَقْلُهُ إلَى الْغَيْرِ يَكُونُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ كَاسْتِيفَاءِ سَائِرِ الْمَنَافِعِ، وَنَقْلِهَا بِالْإِجَارَةِ، فَيُزَوِّجُ مُسْلِمٌ وَلَوْ فَاسِقًا أَوْ مُكَاتَبًا أَمَتَهُ الْكَافِرَةَ الْأَصْلِيَّةَ، بِخِلَافِ الْكَافِرِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ الْمُسْلِمَةَ إذْ لَا يَمْلِكُ التَّمَتُّعَ بِهَا أَصْلًا بَلْ وَلَا سَائِرَ التَّصَرُّفَاتِ فِيهَا سِوَى إزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْهَا وَكِتَابَتِهَا، بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ فِي الْكَافِرَةِ وَإِذَا مَلَكَ الْمُبَعَّضُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ أَمَةً زَوَّجَهَا كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي تَهْذِيبِهِ وَإِنْ خَالَفَ فِي فَتَاوِيهِ كَالْمُكَاتَبِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ تَامٌّ وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ.

تَنْبِيهٌ: مِمَّا تَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ شُرُوطِ الْوَلِيِّ أَنْ لَا يَكُونَ مُخْتَلَّ النَّظَرِ بِهِرَمٍ أَوْ خَبْلٍ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ، وَمَتَى كَانَ الْأَقْرَبَ بِبَعْضِ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْمَانِعَةِ لِلْوِلَايَةِ فَالْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ، وَأَمَّا الْإِغْمَاءُ فَنَنْتَظِرُ إفَاقَتَهُ مِنْهُ

وَلَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (وَلَا نِكَاحَ الْأَمَةِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً حَيْثُ كَانَ السَّيِّدُ مُسْلِمًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ.

قَوْلُهُ: (مِنْ عَبْدٍ) أَيْ لِعَبْدٍ وَكَذَا قَوْلُهُ أَوْ حُرٍّ أَيْ لِحُرٍّ.

قَوْلُهُ: (بِشَرْطِهِ) مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ، وَإِلَّا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الشُّرُوطَ ثَلَاثَةٌ.

قَوْلُهُ: (إلَى عَدَالَةِ السَّيِّدِ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ الْفَاسِقَ يُزَوِّجُ أَمَتَهُ سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا وَهِيَ مُسْلِمَةٌ أَوْ كَانَتْ كَافِرَةً أَوْ كَانَ السَّيِّدُ كَافِرًا وَهِيَ كَافِرَةٌ، أَمَّا إذَا كَانَتْ مُسْلِمَةً وَالسَّيِّدُ كَافِرٌ فَلَا يُزَوِّجُهَا بَلْ يُزَوِّجُهَا السُّلْطَانُ.

قَوْلُهُ: (فِي الْجُمْلَةِ) قَيَّدَ بِهِ لِإِدْخَالِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَيْهِ بِتَوَثُّنٍ أَوْ نَحْوِهِ كَالْمَحْرَمِيَّةِ. قَوْلُهُ: (فِيمَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ) وَهُوَ التَّمَتُّعُ. قَوْلُهُ: (وَنَقْلُهُ إلَخْ) أَيْ بِتَزْوِيجِهَا.

قَوْلُهُ: (وَنَقْلِهَا) أَيْ الْمَنَافِعِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ مُكَاتَبًا) وَيُزَوِّجُ أَمَتَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ.

قَوْلُهُ: (الْكَافِرَةَ الْأَصْلِيَّةَ) وَلَوْ غَيْرَ كِتَابِيَّةٍ؛ لِأَنَّ لَهُ بَيْعَهَا وَإِجَارَتَهَا وَعَدَمُ جَوَازِ التَّمَتُّعِ بِهَا لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ كَمَا فِي أَمَتِهِ الْمَحْرَمِ كَأُخْتِهِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (بَلْ وَلَا سَائِرَ التَّصَرُّفَاتِ) كَالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ وَالرَّهْنِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا مَلَكَ الْمُبَعَّضُ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: نَعَمْ لَوْ مَلَكَ الْمُبَعَّضُ أَمَةً زَوَّجَهَا كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهُ يُزَوِّجُ بِالْمِلْكِ لَا بِالْوِلَايَةِ خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ اهـ. وَقَوْلُهُ: " خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ " مِنْ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُ أَصْلًا.

قَوْلُهُ: (كَالْمُكَاتَبِ بَلْ أَوْلَى) لَكِنْ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ كَمَا فِي ز ي وم ر. قَالَ ع ش: قَدْ تُدْفَعُ الْأَوْلَوِيَّةُ بِأَنَّ مِلْكَ الْمُكَاتَبِ مُعَرَّضٌ لِلزَّوَالِ وَلَا كَذَلِكَ الْمُبَعَّضُ. وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ تَعْلِيلًا لِصِحَّتِهِ مِنْ الْمُبَعَّضِ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا بِالْوِلَايَةِ وَكَالْمُكَاتَبِ بِالْإِذْنِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَيْ الْمُبَعَّضَ تَامُّ الْمِلْكِ، فَجَعْلُ الصِّحَّةِ فِي الْمُبَعَّضِ أَوْلَى مِنْهَا فِي الْمُكَاتَبِ. وَقَوْلُهُ:" لَكِنْ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ " أَيْ فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ ثُمَّ لَوْ وَطِئَ الزَّوْجُ مَعَ اعْتِقَادِهِ الصِّحَّةَ فَلَا حَدَّ لِلشُّبْهَةِ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَهَلْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ بِالْفَسَادِ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ كَذَلِكَ إذْ قِيلَ بِجَوَازِهِ عِنْدَ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ اهـ.

قَوْلُهُ: (مُخْتَلَّ النَّظَرِ) أَيْ بِمَعْرِفَةِ الْأُمُورِ. قَوْلُهُ: (بِهِرَمٍ) بِكَسْرِ الْهَاءِ وَهُوَ الْكِبَرُ، وَبِفَتْحِهَا الشَّيْبُ. وَقِيَاسُهُ الْفَتْحُ بِمَعْنَى الْكِبَرِ، يُقَالُ: هَرِمَ هَرَمًا كَفَرِحَ فَرَحًا. قَالَ ابْنُ مَالِكٍ:

وَفَعِلَ اللَّازِمُ بَابُهُ فَعَلٌ

قَوْلُهُ: (أَوْ خَبْلٍ) الْخَبْلُ بِسُكُونِ الْبَاءِ فَسَادُ الْعَقْلِ، وَبِفَتْحِهَا شَيْءٌ مِنْ الْأَرْضِ مِنْ جِهَةِ الْجِنِّ أَيْ وَإِنْ قَلَّ الْخَبَلُ كَمَا فِي م ر اهـ.

قَوْلُهُ: (وَأَنْ لَا يَكُونَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ) بِأَنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ أَوْ بَذَّرَ بَعْدَ رُشْدِهِ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لِنَقْصِهِ لَا يَلِي أَمْرَ نَفْسِهِ فَلَا يَلِي أَمْرَ غَيْرِهِ. وَمُقْتَضَى الْعِلَّةِ أَنَّ السَّفِيهَ الْمُهْمَلَ يَلِي، وَخَرَجَ حَجْرُ الْفَلَسِ فَلَا يَمْنَعُ الْوِلَايَةَ لِكَمَالِ نَظَرِهِ وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ لَا لِنَقْصٍ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ م د. قَالَ شَيْخُنَا: قَدْ يُقَالُ هَذَا عُلِمَ مِنْ شَرْطِ الْعَدَالَةِ الشَّامِلَةِ لِلْوَاسِطَةِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ التَّبْذِيرُ لِلْمَالِ صَادِقٌ بِصَغِيرَةٍ أَوْ صَغَائِرَ مَعَ غَلَبَةِ الطَّاعَاتِ اهـ. وَقَوْلُهُ:" بِأَنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ " أَيْ فِي مَالِهِ، وَالْمُرَادُ بِبُلُوغِهِ رَشِيدًا أَنْ يَمْضِيَ لَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ زَمَنٌ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ مَا يُنَافِي الرُّشْدَ بِحَيْثُ تَقْضِي الْعَادَةُ بِرُشْدِ مَنْ مَضَى عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَعَاطِي مَا يَحْصُلُ بِهِ لَا مُجَرَّدَ كَوْنِهِ لَمْ يَتَعَاطَ مُنَافِيًا وَقْتَ الْبُلُوغِ بِخُصُوصِهِ؛ قَالَهُ ع ش عَلَى م ر. وَقَوْلُهُ: " ثُمَّ حُجِرَ

ص: 394

يَقْدَحُ الْعَمَى فِي وِلَايَةِ التَّزْوِيجِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَحْثِ وَالسَّمَاعِ وَإِحْرَامُ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ إنْ وُلِّيَ وَلَوْ حَاكِمًا أَوْ زَوْجٍ أَوْ وَكِيلٍ عَنْ أَحَدِهِمَا، أَوْ يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ لِحَدِيثِ:«الْمُحْرِمُ لَا يَنْكِحُ وَلَا يُنْكِحُ» الْكَافُ مَكْسُورَةٌ فِيهِمَا، وَالْيَاءُ مَفْتُوحَةٌ

ــ

[حاشية البجيرمي]

عَلَيْهِ " فَإِنْ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ صَحَّ تَزْوِيجُهُ كَبَقِيَّةِ تَصَرُّفَاتِهِ، وَهَذَا يُسَمَّى بِالسَّفِيهِ الْمُهْمَلِ.

قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْإِغْمَاءُ) وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ الصَّرْعُ، فَتُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ مِنْهُ أَيْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ، أَمَّا إذَا كَانَ الِانْتِظَارُ أَكْثَرَ فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ لِلْأَبْعَدِ. وَمِثْلُ الْإِغْمَاءِ فِيمَا ذَكَرَ السُّكْرُ بِلَا تَعَدٍّ، أَمَّا إذَا كَانَ بِهِ فَقَدْ فَسَقَ بِذَلِكَ فَتَنْتَقِلُ لِلْأَبْعَدِ. وَعِبَارَةُ الْحَلَبِيِّ: الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى الثَّلَاثِ انْتَظَرَ وَإِنْ كَانَ فَوْقَهَا انْتَقَلَتْ لِلْأَبْعَدِ وَإِنْ تَضَرَّرَتْ فِي مُدَّةِ الِانْتِظَارِ زَوَّجَهَا السُّلْطَانُ اهـ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي م ر، وَعِبَارَتُهُ: فَإِنْ دَعَتْ حَاجَتُهَا إلَى النِّكَاحِ فِي زَمَنِ الْإِغْمَاءِ أَوْ السُّكْرِ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِمَا عَدَمُ تَزْوِيجِ الْحَاكِمِ لَهَا وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِلْمُتَوَلِّي اهـ. وَالْجُنُونُ لَا تُنْتَظَرُ الْإِفَاقَةُ مِنْهُ مُطْلَقًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ م د. وَيُشْتَرَطُ بَعْدَ إفَاقَتِهِ صَفَاؤُهُ مِنْ أَثَرِ خَبْلٍ يُحْمَلُ عَلَى حِدَّةِ خُلُقٍ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ:" أَنْ يَكُونَ مُخْتَلَّ النَّظَرِ ". قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: جَعَلُوا الْإِغْمَاءَ فِي الْوَكَالَةِ مِنْ السَّوَالِبِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ طُولِ الْمُدَّةِ وَقِصَرِهَا، وَهُنَا انْتَظَرُوا وَرُبَّمَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْوَكِيلَ يَتَصَرَّفُ لِغَيْرِهِ وَالْوَلِيُّ يَتَعَاطَى حَقَّ نَفْسِهِ، فَاحْتِيطَ فِي حَقِّ الْوَلِيِّ مَا لَمْ يُحْتَطْ فِي حَقِّ الْوَكِيلِ إذْ الْمُوَكِّلُ إمَّا أَنْ يَفْعَلَ بِنَفْسِهِ وَإِمَّا أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ بِانْعِزَالِ الْوَكِيلِ، بِخِلَافِ الْوَلِيِّ قَدْ لَا يَجِدُ مَنْ يَعْتَنِي بِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ النَّسَبِ كَهُوَ اهـ. وَلَوْ أَخْبَرَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ بِأَنَّ مُدَّتَهُ تَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةٍ زَوَّجَ الْأَبْعَدُ مِنْ أَوَّلِ الْمُدَّةِ، فَلَوْ زَوَّجَ الْأَبْعَدُ اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَزَالَ الْمَانِعُ قَبْلَ مُضِيِّ الثَّلَاثَةِ بَانَ بُطْلَانُهُ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ زَوَّجَ الْحَاكِمُ لِغَيْبَةِ الْأَقْرَبِ فَبَانَ عَدَمُهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِأَهْلِ الْخِبْرَةِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَقْدَحُ الْعَمَى) أَيْ فِي الْوِلَايَةِ الْخَاصَّةِ، وَأَمَّا مَنْ وَلَّاهُ الْقَاضِي فَإِنَّ الْعَمَى يَمْنَعُ الْوِلَايَةَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ، فَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِ أَيْ الْأَعْمَى وِلَايَةَ عَقْدٍ مِنْ الْعُقُودِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ وَلَّيْتُك أَمْرَ هَذَا الْعَقْدِ، بِخِلَافِ تَوْكِيلِهِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ وَكَّلْتُك فِي هَذَا الْعَقْدِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ عَقْدَهُ بِمَهْرٍ مُعَيَّنٍ لَا يُشْبِهُ شِرَاءَهُ بِمُعَيَّنٍ أَوْ بَيْعَهُ بِهِ اهـ يَعْنِي أَنَّ الْأَعْمَى إذَا عَقَدَ بِمَهْرٍ مُعَيَّنٍ صَحَّ الْعَقْدُ وَلَغَا الْمُسَمَّى وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، كَمَا إذَا عَقَدَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، أَيْ كَأَنْ قَالَ الْأَعْمَى: زَوَّجْتُك بِنْتِي مَثَلًا بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَكَانَتْ مَهْرَ الْمِثْلِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهَا وَيُوَكِّلُ فِي قَبْضِ الْمَهْرِ، بِخِلَافِ شِرَائِهِ بِمُعَيَّنٍ أَوْ بَيْعِهِ بِهِ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الثَّمَنَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْبَيْعِ، بِخِلَافِ الْمَهْرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ مَحْضَةٍ فَلَا يَفْسُدُ بِفَسَادِ الْمُقَابِلِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ مُعَاوَضَةٌ مَحْضَةٌ فَلِذَلِكَ كَانَ يَفْسُدُ بِفَسَادِ الْمُقَابِلِ اهـ.

وَلَا يَقْدَحُ الْخَرَسُ إنْ كَانَ لَهُ إشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ أَوْ كِتَابَةٌ وَإِلَّا زَوَّجَ الْأَبْعَدُ، ثُمَّ إنْ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ، فَإِنْ لَمْ يَخْتَصَّ بِفَهْمِ إشَارَتِهِ فَطِنٌ بِأَنْ فَهِمَهَا كُلُّ أَحَدٍ بَاشَرَ الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ وَإِلَّا وَكَّلَ بِإِشَارَةٍ وَكِتَابَةٍ وَإِنْ كَانَا كِنَايَتَيْنِ، وَلَا يُبَاشِرُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ بِالْكِنَايَةِ؛ وَكَتَزْوِيجِهِ تَزَوُّجُهُ اهـ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. وَعِبَارَةُ ع ش: أَمَّا إذَا فَهِمَهَا الْفَطِنُ دُونَ غَيْرِهِ سَاوَتْ الْكِنَايَةَ فَيَصِحُّ نِكَاحُهُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا حَيْثُ تَعَذَّرَ تَوْكِيلُهُ، وَلَيْسَ لَنَا نِكَاحٌ يَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ إلَّا بِالْكِتَابَةِ وَإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ إذَا اخْتَصَّ بِفَهْمِهَا الْفَطِنُ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَهُ التَّوْكِيلُ بِالْكِتَابَةِ أَوْ الْإِشَارَةِ الَّتِي يَخْتَصُّ بِفَهْمِهَا الْفَطِنُ تَعَيَّنَ لِصِحَّةِ نِكَاحِهِ تَوْكِيلُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كِنَايَةً أَيْضًا فَهِيَ فِي التَّوْكِيلِ وَهُوَ يَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَإِحْرَامُ) مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ أَوْ الزَّوْجَةُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ، وَقَوْلُهُ بِنُسُكٍ مُتَعَلِّقٌ بِإِحْرَامٍ، وَقَوْلُهُ يَمْنَعُ إلَخْ خَبَرٌ؛ أَيْ فَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْمُحْرِمِ، بِخِلَافِ الْمُصَلِّي إذَا نَكَحَ نَاسِيًا أَوْ عَقَدَ وَكِيلُهُ؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْمُحْرِمِ فِي النِّكَاحِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، وَعِبَارَةُ الْمُصَلِّي صَحِيحَةٌ. قَوْلُهُ:(الْعَاقِدَيْنِ) وَكَذَا مَنْ أُذِنَ لَهُمَا كَسَيِّدِ عَبْدٍ أَذِنَ لَهُ وَوَلِيِّ سَفِيهٍ أَذِنَ لَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ السَّيِّدُ وَالْوَلِيُّ، أَيْ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ عَقْدُ الْعَبْدِ وَالسَّفِيهِ بَعْدَ إحْرَامِ السَّيِّدِ وَالْوَلِيِّ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ حَاكِمًا) عِبَارَةُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي التَّحْرِيرِ: وَإِنْ عَقَدَ الْإِمَامُ؛ وَهِيَ غَايَةُ الرَّدِّ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ، قَالَ الْمُنَاوِيُّ: وَقَوْلُ اللُّبَابِ يُسْتَثْنَى مِنْ الْوَلِيِّ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ فَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَ حَالَ إحْرَامِهِ مُرَادُهُ بِهِ كَمَا فِي التَّنْقِيحِ أَنَّ لِلْقُضَاةِ تَزْوِيجَ مَنْ هُوَ فِي وِلَايَتِهِ الْعَامَّةِ حَالَ إحْرَامِهِ أَيْ إحْرَامِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ فَاسِدًا) وَصُورَةُ الْفَاسِدِ أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ يُفْسِدَهَا بِأَنْ يُجَامِعَ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ أَعْمَالَهَا ثُمَّ يَدْخُلَ عَلَيْهَا بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا، خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ حَيْثُ قَالَ: صُورَتُهُ أَنْ يُحْرِمَ بِهِ

ص: 395

فِي الْأَوَّلِ مَضْمُومَةٌ فِي الثَّانِي، وَلَا يَنْقُلُ الْإِحْرَامُ الْوِلَايَةَ لِلْأَبْعَدِ فَيُزَوِّجُ السُّلْطَانُ عِنْدَ إحْرَامِ الْوَلِيِّ الْأَقْرَبَ لَا الْأَبْعَدَ.

وَمِمَّا تَرَكَهُ مِنْ شُرُوطِ الشَّاهِدَيْنِ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالضَّبْطُ وَلَوْ مَعَ النِّسْيَانِ عَنْ قُرْبٍ وَمَعْرِفَةِ لِسَانِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَكَوْنُهُ غَيْرَ مُتَعَيِّنٍ لِلْوِلَايَةِ كَأَبٍ وَأَخٍ مُنْفَرِدٍ وَكَّلَ وَحَضَرَ مَعَ الْآخَرِ، وَيَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِابْنَيْ الزَّوْجَيْنِ وَعَدُوَّيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَيَنْعَقِدُ بِهِمَا النِّكَاحُ فِي الْجُمْلَةِ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

مُجَامِعًا وَهَذَا بَاطِلٌ لَا فَاسِدٌ اهـ عَبْدُ الْبَرِّ. وَلَوْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ أَوْ الْقَاضِي فَلِنُوَّابِهِ تَزْوِيجُ مَنْ فِي وِلَايَتِهِ حَالَ إحْرَامِهِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمْ بِالْوِلَايَةِ لَا الْوَكَالَةِ. وَلَوْ أَحْرَمَ وَتَزَوَّجَ وَلَمْ يَدْرِ هَلْ أَحْرَمَ قَبْلَ تَزَوُّجِهِ أَمْ بَعْدَهُ فَفِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ صِحَّةُ تَزْوِيجِهِ، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ فِي تَزْوِيجِ مُوَلِّيَتِهِ فَزَوَّجَهَا وَكِيلُهُ ثُمَّ بَانَ مَوْتُ مُوَكِّلِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ مَاتَ قَبْلَ تَزْوِيجِهَا أَمْ بَعْدَهُ. وَلَوْ عَقَدَ الْوَكِيلُ ثُمَّ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ هَلْ وَقَعَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ أَوْ بَعْدَهُ صُدِّقَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ بِيَمِينِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مُدَّعِي الْبُطْلَانِ هُوَ الزَّوْجَ، وَإِلَّا رَفَعْنَا الْعَقْدَ بِالنِّسْبَةِ لَهُ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ، وَلَوْ وَكَّلَهُ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ لِيَعْقِدَ لَهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ أَوْ أَطْلَقَ وَعَقَدَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ جَازَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ؛ وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ: لَوْ وَكَّلَ حَلَالٌ مُحْرِمًا فِي أَنْ يُوَكِّلَ حَلَالًا لِيَعْقِدَ لَهُ وَلَمْ يَقُلْ عَنْ نَفْسِك وَلَا عَنَّا فِيمَا يَظْهَرُ فَيَصِحُّ مُطْلَقًا، فَإِنْ قَالَ عَنْ نَفْسِك أَوْ عَنَّا لَمْ يَصِحَّ وَبِهَذَا يَجْمَعُ التَّنَاقُضَ.

قَوْلُهُ: (وَالْيَاءُ مَفْتُوحَةٌ فِي الْأَوَّلِ مَضْمُومَةٌ فِي الثَّانِي) وَيَجُوزُ عَكْسُهُ، فَلَوْ قَالَ: مَفْتُوحَةٌ فِي أَحَدِهِمَا مَضْمُومَةٌ فِي الْآخَرِ لَكَانَ أَوْلَى؛ ذَكَرَهُ ق ل. قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: وَلَعَلَّ اقْتِصَارَهُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ الرِّوَايَةُ.

قَوْلُهُ: (وَالضَّبْطُ) أَيْ لِأَلْفَاظِ وَلِيِّ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ، فَلَا يَكْفِي سَمَاعُ أَلْفَاظِهِمَا فِي ظُلْمَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْوَاتَ تَشْتَبِهُ وَيَنْبَغِي لِلشَّاهِدَيْنِ ضَبْطُ سَاعَةِ الْعَقْدِ لِأَجْلِ لُحُوقِ الْوَلَدِ.

قَوْلُهُ: (وَكَوْنِهِ) أَيْ الشَّاهِدِ غَيْرَ مُتَعَيَّنٍ لِلْوِلَايَةِ.

قَوْلُهُ: (كَأَبٍ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: فَلَوْ وَكَّلَ الْأَبُ وَالْأَخُ الْمُنْفَرِدُ فِي النِّكَاحِ أَوْ حَضَرَ مَعَ آخَرَ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ وَلِيٌّ عَاقِدٌ فَلَا يَكُونُ شَاهِدًا اهـ، وَهِيَ أَوْلَى اهـ. وَقَوْلُهُ:" الْمُنْفَرِدُ " قَضِيَّةُ قَوْلِهِ: " الْمُنْفَرِدُ " أَنَّ الْأَخَ لَوْ لَمْ يَتَعَيَّنْ كَوَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةِ إخْوَةٍ أَذِنَتْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا إذَا وَكَّلَ أَجْنَبِيًّا صَحَّ أَنْ يَحْضُرَ مَعَ آخَرَ؛ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ عَدَمُ الصِّحَّةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ زَوَّجَ أَحَدُهُمْ بِإِذْنِهَا وَحَضَرَ الْآخَرَانِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ اهـ ح ل. وَقَوْلُهُ:" عَاقِدٌ "؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ سَفِيرٌ مَحْضٌ فَكَانَ الْوَلِيُّ هُوَ الْعَاقِدَ.

قَوْلُهُ: (وَكَّلَ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا.

قَوْلُهُ: (وَحَضَرَ مَعَ الْآخَرِ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ وَلِيٌّ عَاقِدٌ فَلَا يَكُونُ شَاهِدًا. قَوْلُهُ: (بِابْنَيْ الزَّوْجَيْنِ) صَادِقٌ بِأَرْبَعِ صُوَرٍ: بِابْنَيْ الزَّوْجِ أَوْ ابْنَيْ الزَّوْجَةِ أَوْ ابْنِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ بِأَنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهَا وَابْنِ الزَّوْجَةِ وَحْدَهَا أَوْ ابْنَيْهِمَا مَعًا، وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ:" وَعَدُوَّيْهِمَا " وَالْوَاوُ بِمَعْنَى " أَوْ " وَبِجَدَّيْهِمَا وَبِجَدِّهَا وَأَبِيهِ لَا أَبِيهَا؛ لِأَنَّهُ عَاقِدٌ أَوْ مُوَكِّلُهُ. نَعَمْ يُتَصَوَّرُ شَهَادَتُهُ لِاخْتِلَافِ دِينٍ أَوْ رِقٍّ بِأَنْ كَانَ الزَّوْجُ أَمَةً وَأَبُوهَا مُسْلِمٌ فَيُزَوِّجُهَا السَّيِّدُ وَيَحْضُرُ أَبُوهَا شَاهِدًا كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ.

وَعِبَارَةُ أج: مِثْلُهُمَا الْأَجْدَادُ، وَكَذَا أَبُو الزَّوْجِ، وَأَمَّا أَبُو الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ وَلِيٌّ؛ نَعَمْ يُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِأَنْ تَكُونَ أَمَةً زَوَّجَهَا السَّيِّدُ اهـ. وَصُورَةُ مَا إذَا كَانَ ابْنَاهُمَا شَاهِدَيْنِ أَنْ يَتَزَوَّجَ شَخْصٌ بِامْرَأَةٍ وَيَأْتِيَ مِنْهَا بِابْنَيْنِ ثُمَّ يُطَلِّقَهَا وَيُرِيدَ نِكَاحَهَا ثَانِيًا بِشَهَادَةِ وَلَدَيْهِمَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَنْعَقِدُ بِأَبَوَيْهِمَا. وَصُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ أَبَوَاهُمَا مُسْلِمَيْنِ وَالزَّوْجَانِ كَافِرَيْنِ وَلِلزَّوْجَةِ أَخٌ كَافِرٌ فَيُحْضِرُهُمَا وَيُزَوِّجُ الْأَخُ، أَوْ تَكُونَ أَمَةً وَيُزَوِّجُهَا السَّيِّدُ؛ وَإِلَّا فَالْمُزَوِّجُ مَتَى كَانَ وَلِيًّا لَمْ يَكْفِ حُضُورُهُ شَاهِدًا وَإِنْ وَكَّلَ فِي نِكَاحِهَا؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ سَفِيرٌ مَحْضٌ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَرِّ. وَكِلَا التَّصْوِيرَيْنِ صَحِيحٌ، أَمَّا الثَّانِي فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْأَبِ الْمُسْلِمِ حَيْثُ كَانَتْ كَافِرَةً بَلْ لِلْأَخِ الْكَافِرِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ الْمَنْهَجِ يَمْنَعُ الْوِلَايَةَ رِقٌّ وَصِبًا وَجُنُونٌ وَفِسْقُ غَيْرِ الْإِمَامِ وَحَجْرُ سَفَهٍ وَاخْتِلَالُ نَظَرٍ، أَيْ رَأْيٍ، وَاخْتِلَافُ دِينٍ وَيَنْقُلُهَا كُلٌّ لِأَبْعَدَ لَا أَعْمَى إلَخْ؛ هَذَا وَمَعَ كَوْنِهِ يَنْعَقِدُ بِمَا ذَكَرَ إذَا وَقَعَ نِزَاعٌ فِيهِ أَوْ فِي الْمَهْرِ لَا يَثْبُتُ بِهِمَا عَلَى تَفْصِيلٍ.

قَوْلُهُ: (وَيَنْعَقِدُ بِهِمَا النِّكَاحُ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَيَثْبُتُ النِّكَاحُ بِهِمَا فِي الْجُمْلَةِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ حَيْثُ قَالَ: لِثُبُوتِ النِّكَاحِ بِهِمَا فِي الْجُمْلَةِ اهـ، أَيْ وَيَنْعَقِدُ بِهِمَا فِي كُلِّ الصُّوَرِ لَا فِي الْجُمْلَةِ. وَالْمُرَادُ يَنْعَقِدُ بِهِمَا فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ بِأَنْ يَكُونَا فِي تَزْوِيجِ أَجْنَبِيَّيْنِ. وَقَالَ ق ل: قَوْلُهُ: " فِي الْجُمْلَةِ " أَيْ فِي غَيْرِ نِكَاحِهِمَا، وَأَمَّا فِي خُصُوصِ نِكَاحِهِمَا فَلَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ بِمَنْ ذَكَرَ، فَلَوْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ زَوْجِيَّةً وَأَنْكَرَ وَأَقَامَتْ ابْنَيْهِمَا أَوْ عَدُوَّيْهِمَا شُهَدَاءَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ

ص: 396

وَمِمَّا تَرَكَهُ مِنْ الْأَرْكَانِ الصِّيغَةُ، وَشَرَطَ فِيهَا مَا شَرَطَ فِي صِيغَةِ الْبَيْعِ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ. وَمِنْهُ عَدَمُ التَّعْلِيقِ وَالتَّأْقِيتِ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

شَهَادَتُهُمَا لِوُجُودِ الْمَانِعِ وَهُوَ الْعَدَاوَةُ وَشَهَادَةُ الِابْنِ لِأُمِّهِ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهَا زَوْجِيَّةً وَأَنْكَرَتْ وَأَقَامَ مَنْ ذَكَرَ لَمْ تُقْبَلْ أَيْضًا لِوُجُودِ الْمَانِعِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ:" فِي الْجُمْلَةِ " أَيْ إذَا شَهِدَا فِي نِكَاحٍ غَيْرِ ذَلِكَ فَيَثْبُتُ بِمَا ذَكَرَ، وَأَمَّا إذَا شَهِدَ لِلزَّوْجِ أَوْلَادُهُ أَوْ لِلزَّوْجَةِ أَوْلَادُهَا فَلَا يَثْبُتُ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ عَلَى الزَّوْجِ عَدُوَّاهُ أَوْ عَلَيْهَا عَدُوَّاهَا فَلَا يَثْبُتُ، أَمَّا لَوْ شَهِدَ عَلَى الزَّوْجِ ابْنَاهُ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهَا ابْنَاهَا أَوْ شَهِدَ لِلزَّوْجِ عَدُوَّاهُ أَوْ لِلزَّوْجَةِ عَدُوَّاهَا فَيَثْبُتُ ح ل.

قَوْلُهُ: (وَمِنْهُ عَدَمُ التَّعْلِيقِ إلَخْ) وَمِنْهُ: " إنْ شِئْت " كَمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ، وَكَذَا:" إنْ شَاءَ اللَّهُ " إنْ قَصَدَ التَّعْلِيقَ، فَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّبَرُّكَ فَلَا يَضُرُّ وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ فِي الْإِطْلَاقِ، فَانْظُرْهُ مَعَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْإِطْلَاقَ فِي الْعُقُودِ لَا يَضُرُّ بِخِلَافِ الْعِبَادَاتِ لِمَكَانِ النِّيَّةِ الْوَاجِبِ فِيهَا الْجَزْمُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَلَوْ قَالَ زَوَّجْتُك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَصَدَ التَّعْلِيقَ أَوْ أَطْلَقَ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ قَصَدَ التَّبَرُّكَ أَوْ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى صَحَّ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ فِي الْوُضُوءِ.

قَوْلُهُ: (وَالتَّأْقِيتِ) وَلَوْ إلَى مَا لَا يَبْقَى كُلٌّ مِنْهُمَا إلَيْهِ كَأَلْفِ سَنَةٍ، خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ حَيْثُ قَالَ: إذَا أَقَمْت بِمُدَّةِ عُمُرِهِ أَوْ عُمُرِهَا صَحَّ؛ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْوَاقِعِ، وَرَدَّ بِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِذَلِكَ يَقْتَضِي رَفْعَ آثَارِ النِّكَاحِ بِالْمَوْتِ وَآثَارُ النِّكَاحِ لَا تَرْتَفِعُ بِالْمَوْتِ فَرَفْعُهَا بِهِ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى النِّكَاحِ فَالْمُعْتَمَدُ الْبُطْلَانُ مُطْلَقًا وَلَوْ بِأَلْفِ سَنَةٍ؛ قَالَهُ ع ش.

وَمَحَلُّ عَدَمِ صِحَّةِ التَّأْقِيتِ إذَا وَقَعَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، أَمَّا إذَا تَوَافَقَا عَلَيْهِ قَبْلُ وَتَرَكَاهُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ، لَكِنْ يَنْبَغِي كَرَاهَتُهُ أَخْذًا مِنْ نَظِيرِهِ فِي الْمُحَلَّلِ. وَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ وَهِيَ نِكَاحُ الْمَرْأَةِ إلَى مُدَّةٍ، لَكِنْ لَوْ نَكَحَ بِهِ شَخْصٌ لَمْ يُحَدَّ لِشُبْهَةِ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي مَتْنِ الرَّوْضِ، وَعِبَارَتُهُ: نِكَاحُ الْمُتْعَةِ وَهُوَ الْمُؤَقَّتُ بِهِ كَمَا قَالَهُ عَبْدُ الْبَرِّ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَتَّعُ بِهَا مُدَّةً ثُمَّ يَنْقَطِعُ وَلِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ مُجَرَّدُ التَّمَتُّعِ لَا التَّوَالُدُ وَالتَّوَارُثُ اللَّذَانِ هُمَا الْغَرَضُ مِنْ النِّكَاحِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ كَانَ مُبَاحًا ثُمَّ نُسِخَ يَوْمَ خَيْبَرَ ثُمَّ أُبِيحَ يَوْمَ الْفَتْحِ ثُمَّ نُسِخَ فِي أَيَّامِ الْفَتْحِ وَاسْتَمَرَّ تَحْرِيمُهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَكَانَ فِيهِ خِلَافٌ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ ثُمَّ ارْتَفَعَ وَأَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِهِ؛ قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمًا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ وَهُوَ يَقُولُ:«أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي كُنْت أَذِنْت لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ أَلَا وَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا» لَكِنْ فِي مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «اسْتَمْتَعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» وَعَنْ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: لَا أَعْلَمُ شَيْئًا حُرِّمَ ثُمَّ أُبِيحَ ثُمَّ حُرِّمَ إلَّا الْمُتْعَةَ، وَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ جَوَازِهَا رَجَعَ عَنْهُ، فَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَاَللَّهِ مَا فَارَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ الدُّنْيَا حَتَّى رَجَعَ إلَى قَوْلِ الصَّحَابَةِ فِي تَحْرِيمِ الْمُتْعَةِ. وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَامَ خَطِيبًا يَوْمَ عَرَفَةَ وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ الْمُتْعَةَ حَرَامٌ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْخِنْزِيرِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُتْعَةَ مِنْ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي نُسِخَتْ، الثَّانِي: لُحُومُ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، الثَّالِثُ: الْقِبْلَةُ اهـ. وَقَوْلُهُ: " لَا أَعْلَمُ شَيْئًا حُرِّمَ إلَخْ " أَيْ فَقَدْ حُرِّمَتْ مَرَّتَيْنِ، نَقَلَ السُّهَيْلِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهَا أُبِيحَتْ وَحُرِّمَتْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَلْيُنْظَرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّ أَوَّلَ مَنْ حَرَّمَ الْمُتْعَةَ سَيِّدُنَا عُمَرُ، وَقِيلَ: لَمْ يُحَرِّمْهَا صلى الله عليه وسلم مُطْلَقًا بَلْ عِنْدَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا وَأَبَاحَهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، أَيْ خَوْفَ الزِّنَا، وَبِذَلِكَ كَانَ يُفْتِي ابْنُ عَبَّاسٍ وَفِي كَلَامِ فُقَهَائِنَا. وَالنَّهْيُ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ الَّذِي لَوْ بَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَسْتَمِرَّ عَلَى الْقَوْلِ بِإِبَاحَتِهَا لِمَنْ خَافَ الزِّنَا مُخَالِفًا فِي ذَلِكَ لِكَافَّةِ الْعُلَمَاءِ. وَقَدْ وَقَعَتْ مُنَاظَرَةٌ بَيْنَ الْقَاضِي يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ وَأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمَأْمُونِ، فَإِنَّ الْمَأْمُونَ نَادَى بِإِبَاحَةِ الْمُتْعَةِ فَدَخَلَ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ وَهُوَ مُتَغَيِّرٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَجَلَسَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُونُ: مَا لِي أَرَاك مُتَغَيِّرًا؟ قَالَ: لِمَا حَدَثَ فِي الْإِسْلَامِ، قَالَ: وَمَا حَدَثَ؟ قَالَ: النِّدَاءُ بِتَحْلِيلِ الزِّنَا، قَالَ: الْمُتْعَةُ زِنًا؟ قَالَ: نَعَمْ الْمُتْعَةُ زِنًا، قَالَ: وَمِنْ أَيْنَ لَك هَذَا؟ قَالَ: مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] إلَى قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5]

ص: 397

وَلَفْظُ مَا يُشْتَقُّ مِنْ تَزْوِيجٍ أَوْ إنْكَاحٍ وَلَوْ بِعَجَمِيَّةٍ يَفْهَمُ مَعْنَاهَا الْعَاقِدَانِ وَالشَّاهِدَانِ وَإِنْ أَحْسَنَ الْعَاقِدَانِ الْعَرَبِيَّةَ اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى، فَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَلَفْظِ بَيْعٍ وَتَمْلِيكٍ وَهِبَةٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ:«اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ» وَصَحَّ النِّكَاحُ بِتَقْدِيمِ قَبُولٍ، وَبِزَوِّجْنِي مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ، وَبِتَزَوَّجْتَهَا مِنْ قِبَلِ الْوَلِيِّ مَعَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7] يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ زَوْجَةُ الْمُتْعَةِ مِلْكٌ بِيَمِينٍ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَقَدْ صَارَ مُتَجَاوِزُ هَذَيْنِ مِنْ الْعَادِينَ. وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَدْ رَوَى الزُّهْرِيُّ بِسَنَدٍ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أُنَادِيَ بِالنَّهْيِ عَنْ الْمُتْعَةِ وَتَحْرِيمِهَا بَعْدَ أَنْ كَانَ أَمَرَ بِهَا» فَالْتَفَتَ الْمَأْمُونُ لِلْحَاضِرِينَ وَقَالَ: أَتَحْفَظُونَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ الْمَأْمُونُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ نَادُوا بِتَحْرِيمِ الْمُتْعَةِ، ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ فِي السِّيرَةِ. قَالَ السَّيِّدُ النَّسَّابَةُ فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ الْأَنْكِحَةِ لِابْنِ الْعِمَادِ: وَلَوْ قَالَ زَوَّجْتُكهَا مُدَّةَ حَيَاتِك أَوْ مُدَّةَ عُمُرِك صَحَّ وَلَيْسَ هَذَا نِكَاحَ مُتْعَةٍ بَلْ هُوَ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قَالَ: وَهَبْتُك أَوْ أَعَمَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ مُدَّةَ حَيَاتِك، وَنَظِيرُهُ مِنْ الْجِزْيَةِ قَوْلُ الْإِمَامِ أُقِرُّكُمْ بِدَارِ الْإِسْلَامِ مُدَّةَ حَيَاتِكُمْ أَوْ إلَى أَنْ يَنْزِلَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَنْ تَبْذُلُوا الْجِزْيَةَ.

قَوْلُهُ: (وَلَفْظُ مَا يُشْتَقُّ مِنْ تَزْوِيجٍ) كَزَوَّجْتُكَ أَوْ أَنْكَحْتُك. وَقَوْلُهُ: " وَلَفْظُ " مَعْطُوفٌ عَلَى " مِنْ " مِنْ قَوْلِهِ: " مَا شَرَطَ ". وَأَطْلَقَ الْبُلْقِينِيُّ عَنْهُمْ عَدَمَ الصِّحَّةِ فِي مُضَارِعِهِمَا، ثُمَّ بَحَثَ الصِّحَّةَ إذَا انْسَلَخَ عَنْ مَعْنَى الْوَعْدِ بِأَنْ قَالَ الْآنَ وَكَأَنَا مُزَوِّجُك وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الْآنَ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَقِيقَةٌ فِي حَالِ التَّكَلُّمِ عَلَى الرَّاجِحِ فَلَا يُوهِمُ الْوَعْدَ حَتَّى يَحْتَرِزَ عَنْهُ بِخِلَافِ الْمُضَارِعِ. قَوْلُهُ:(وَلَوْ بِعَجَمِيَّةٍ) أَيْ مَا يَكُونُ صَرِيحًا فِي هَذِهِ اللُّغَةِ ح ل. وَالْمُرَادُ بِالْعَجَمِيَّةِ مَا عَدَا الْعَرَبِيَّةِ وَلَوْ غَيْرَ لُغَةِ الْعَاقِدِ، وَالْغَايَةُ لِلرَّدِّ.

قَوْلُهُ: (يَفْهَمُ مَعْنَاهَا الْعَاقِدَانِ) وَلَوْ بِإِخْبَارِ ثِقَةٍ عَارِفٍ أَيْ أَخْبَرَهُ بِمَعْنَاهَا قَبْلَ إتْيَانِهِ بِهَا كَمَا فِي شَرْحِ م ر.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَحْسَنَ الْعَاقِدَانِ الْعَرَبِيَّةَ) الْغَايَةُ فِيهِ أَيْضًا لِلرَّدِّ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَلَفْظِ بَيْعٍ إلَخْ) خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ يَنْعَقِدُ بِكُلِّ لَفْظٍ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ عَلَى التَّأْبِيدِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ، حَتَّى إنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ فِي لَفْظِ الْإِجَارَةِ رِوَايَتَانِ؛ وَقَالَ مَالِكٌ: يَنْعَقِدُ بِذَلِكَ مَعَ ذِكْرِ الْمَهْرِ اهـ. وَفِي الْخَصَائِصِ: وَاخْتَصَّ بِإِبَاحَةِ النِّكَاحِ أَيْ عَقْدُهُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَبِمَعْنَاهَا إيجَابًا مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً} [الأحزاب: 50] الْآيَةُ، لَا قَبُولًا مِنْ جِهَتِهِ عليه الصلاة والسلام فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظِ النِّكَاحِ أَوْ التَّزْوِيجِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ تَرْجِيحِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ، لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى:{إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} [الأحزاب: 50] وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَحِلُّ لَهُ بِتَزْوِيجِ اللَّهِ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ بِعَقْدٍ كَمَا فِي قِصَّةِ امْرَأَةِ زَيْدٍ. وَإِذَا عَقَدَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ مَهْرٌ إلَّا بِالْعَقْدِ وَلَا بِالدُّخُولِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ الْهِبَةِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ إذَا عَقَدَ بِلَا مَهْرٍ ثُمَّ وَطِئَ وَجَبَ عَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ.

فَرْعٌ: لَوْ قَالَ جَوَّزْتُك بِالْجِيمِ بَدَلَ الزَّايِ أَوْ أَنَأَحْتُكَ بِالْهَمْزَةِ بَدَلَ الْكَافِ صَحَّ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لُغَتَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (بِأَمَانَةِ اللَّهِ) أَيْ بِجَعْلِهِنَّ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ كَالْأَمَانَاتِ الشَّرْعِيَّةِ اهـ عِ ش عَلَى م ر. وَقِيلَ: هِيَ قَوْله تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] قَوْلُهُ: (بِكَلِمَةِ اللَّهِ) وَكَلِمَةُ اللَّهِ مَا وَرَدَ فِي كِتَابِهِ مِنْ قَوْلِهِ: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] قَوْلُهُ: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ غَيْرُ اللَّفْظَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَهُمَا التَّزْوِيجُ وَالْإِنْكَاحُ، فَالْقِيَاسُ مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّ فِي النِّكَاحِ ضَرْبًا مِنْ التَّعَبُّدِ ز ي. قَوْلُهُ:(بِتَقْدِيمِ قَبُولٍ) كَأَنْ يَقُولَ قَبِلْت نِكَاحَ فُلَانَةَ أَوْ تَزْوِيجَهَا أَوْ رَضِيت نِكَاحَ فُلَانَةَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيَغَ كَافِيَةٌ فِي الْقَبُولِ، لَا فَعَلْت وَلَا يَضُرُّ مِنْ عَامِّيٍّ فَتْحُ التَّاءِ، وَكَذَا مِنْ الْعَالِمِ

ص: 398

قَوْلِ الْآخَرِ عَقِبَهُ زَوَّجْتُك فِي الْأَوَّلِ أَوْ تَزَوَّجْتهَا فِي الثَّانِي لِوُجُودِ الِاسْتِدْعَاءِ الْجَازِمِ الدَّالِّ عَلَى الرِّضَا.

لَا بِكِنَايَةٍ فِي الصِّيغَةِ كَأَحْلَلْتُكَ بِنْتِي إذْ لَا بُدَّ فِي الْكِنَايَةِ مِنْ النِّيَّةِ وَالشُّهُودُ رُكْنٌ فِي النِّكَاحِ كَمَا مَرَّ وَلَا اطِّلَاعَ لَهُمْ عَلَى النِّيَّةِ. أَمَّا الْكِنَايَةُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ: زَوَّجْتُك بِنْتِي فَقَبِلَ وَنَوَيَا مُعَيَّنَةً فَيَصِحُّ النِّكَاحُ بِهَا.

وَمِمَّا تَرَكَهُ مِنْ الْأَرْكَانِ أَيْضًا الزَّوْجَةُ،

ــ

[حاشية البجيرمي]

عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ شَيْخِنَا؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ فِي الصِّيغَةِ إذَا لَمْ يُخِلَّ بِالْمَعْنَى يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْخَطَأِ فِي الْإِعْرَابِ وَالتَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يُخِلُّ؛ وَخَالَفَ حَجّ فِي الْعَالِمِ. وَعِبَارَةُ م ر: وَلَا يَضُرُّ فَتْحُ تَاءِ الْمُتَكَلِّمِ وَلَوْ مِنْ عَارِفٍ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ عَدَّهُمْ أَنْعَمْت بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِهَا مُخِلًّا لِلْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِي الصِّيغَةِ عَلَى الْمُتَعَارَفِ فِي مُحَاوَرَاتِ النَّاسِ وَلَا كَذَلِكَ الْقِرَاءَةُ، وَلَا يَضُرُّ إبْدَالُ الزَّايِ جِيمًا وَعَكْسُهُ وَالْكَافُ هَمْزَةً اهـ أج. وَقَوْلُهُ:" وَلَوْ مِنْ عَارِفٍ " خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ فِي الْعَارِفِ، وَقَوْلُهُ:" وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ " أَيْ عَدَمَ الضَّرَرِ هُنَا، وَقَوْلُهُ:"؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِي الصِّيغَةِ عَلَى الْمُتَعَارَفِ " قَالَ ع ش: فِي كَوْنِ فَتْحِ تَاءِ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ الْمُتَعَارَفِ فِي مُحَاوَرَاتِ النَّاسِ وَلَوْ مِنْ الْعَارِفِ نَظَرٌ، فَالْقَلْبُ إلَى مَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ أَمْيَلُ.

وَقَوْلُهُ: وَالْكَافُ هَمْزَةً ظَاهِرُهُ وَلَوْ مِنْ عَارِفٍ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لُغَتَهُ وَيَصِحُّ أَزْوَجْتُكَ وَلَوْ مِنْ عَالِمٍ. وَنُقِلَ فِي الدَّرْسِ عَنْ م ر مَا يُوَافِقُهُ، وَوَجْهُهُ أَنَّ مَعْنَى أَزْوَجْتُكَ فُلَانَةَ صَيَّرْتُك زَوْجًا لَهَا وَهُوَ مُسَاوٍ فِي الْمَعْنَى لِزَوَّجْتُكَهَا، وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ مَا يُخَالِفُهُ اهـ ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (أَوْ تَزَوَّجْتهَا فِي الثَّانِي) أَتَى بِالضَّمِيرِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِدَالٍّ عَلَيْهَا كَضَمِيرِهَا أَوْ اسْمِهَا أَوْ اسْمِ إشَارَةٍ لَهَا أَوْ قَصْدِهَا، وَيُلْغَى الِاسْمُ إذَا عَارَضَهُ الْقَصْدُ أَوْ الْوَصْفُ نَحْوُ زَيْنَبَ الْكَبِيرَةِ وَكَانَ قَصْدُهُ الصَّغِيرَةَ، فَإِنْ تَعَارَضَ وَصْفَانِ كَصَغِيرَةٍ طَوِيلَةٍ تَسَاقَطَا وَبَطَلَ الْعَقْدُ؛ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ قَالَ زَوَّجْتُك بِنْتِي الصَّغِيرَةَ الطَّوِيلَةَ وَكَانَتْ الطَّوِيلَةَ الْكُبْرَى فَالتَّزْوِيجُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ لَازِمٌ، وَلَيْسَ اعْتِبَارُ أَحَدِهِمَا فِي غَيْرِ الْمَنْكُوحَةِ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ الْآخَرِ فَصَارَتْ مُبْهَمَةً اهـ أج مَعَ زِيَادَةٍ. قَالَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: وَلَا يَكْفِي الْإِضَافَةُ إلَى جُزْئِهَا وَإِنْ لَمْ تَعِشْ بِهِ كَقَلْبِهَا أَوْ رَأْسِهَا أَوْ يَدِهَا، نَعَمْ قَدْ اعْتَمَدَ شَيْخُنَا صِحَّةَ الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ إنْ قُصِدَ بِهِ الْجُمْلَةُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِمِثْلِهِ هُنَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرِّقَ وَهُوَ أَقْرَبُ اهـ.

قَوْلُهُ: (لِوُجُودِ الِاسْتِدْعَاءِ الْجَازِمِ) بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ الزَّوْجُ تُزَوِّجْنِي أَوْ زَوَّجْتنِي أَوْ زَوِّجْهَا مِنِّي، وَمَا لَوْ قَالَ الْوَلِيُّ تَزَوَّجْهَا أَوْ تَزَوَّجْتهَا، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْجَزْمِ. وَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ لِلزَّوْجِ قُلْ تَزَوَّجْتهَا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ اسْتِدْعَاءٌ لِلَّفْظِ لَا لِلتَّزْوِيجِ.

تَنْبِيهٌ: سُئِلَ شَيْخُنَا م ر عَنْ الْأَنْكِحَةِ الْوَاقِعَةِ بَيْنَ الْعَوَامّ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ شُرُوطَ الْأَنْكِحَةِ وَالْغَالِبُ فَسَادُهَا، هَلْ يَحْتَاجُونَ إلَى تَحْلِيلٍ إذَا وَقَعَ مِنْهُمْ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ سَأَلَ وَالِدَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَقَدْ سُئِلْت عَنْ ذَلِكَ وَأَفْتَيْت بِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ التَّحْلِيلِ وَلَا تَجُوزُ بِغَيْرِهِ اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ.

قَوْلُهُ: (لَا بِكِنَايَةٍ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَأَتَّى فِي لَفْظِ التَّزْوِيجِ وَالْإِنْكَاحِ، وَالنِّكَاحُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِهِمَا وَمِنْ الْكِنَايَةِ زَوَّجَك اللَّهُ بِنْتِي، وَلَوْ قَالَ الْمُتَوَسِّطُ زَوِّجْ بِنْتَك لِفُلَانٍ فَقَالَ زَوَّجْتهَا وَلَمْ يَقُلْ لِفُلَانٍ أَوْ لَهُ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ، وَإِذَا قَالَ الزَّوْجُ قَبِلْت وَلَمْ يَقُلْ نِكَاحَهَا لِنَفْسِي فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَيْضًا فَلَا يَكْفِي الْإِتْيَانُ بِهَاءِ الضَّمِيرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ زَوَّجْتهَا لَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ؛ قَالَهُ الْعَلَّامَةُ الْبَابِلِيُّ: وَفِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: وَلَوْ قَالَ الْمُتَوَسِّطُ لِلْوَلِيِّ زَوَّجْته ابْنَتَك فَقَالَ زَوَّجْتهَا ثُمَّ قَالَ لِلزَّوْجِ قُلْ قَبِلْت نِكَاحَهَا فَقَالَ قَبِلْت نِكَاحَهَا انْعَقَدَ لِوُجُودِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مُرْتَبِطَيْنِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَا أَوْ أَحَدُهُمَا نَعَمْ اهـ.

قَوْلُهُ: (كَأَحْلَلْتُكَ بِنْتِي) فِيهِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ النِّكَاحِ ح ل. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكِنَايَةَ لَا يَصِحُّ بِهَا النِّكَاحُ وَلَوْ تَوَفَّرَتْ الْقَرَائِنُ عَلَى النِّكَاحِ وَلَوْ قَالَ نَوَيْت بِهَا النِّكَاحَ.

قَوْلُهُ: (وَنَوَيَا مُعَيَّنَةً فَيَصِحُّ النِّكَاحُ بِهَا) وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّ الشُّهُودَ لَا يَطَّلِعُونَ عَلَى النِّيَّةِ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالِاعْتِرَاضُ قَوِيُّ عَمِيرَةَ لَكِنْ الْمُعْتَمَدُ الصِّحَّةُ؛ عَبْدُ الْبَرِّ. قَالَ ع ش عَلَى م ر: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي النِّيَّةِ بَطَلَ الْعَقْدُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَكَتَبَ ع ش عَلَى قَوْلِ م ر: " وَغَيْرُ مُعَيَّنٍ إلَخْ ": كَأَنْ قَالَ زَوَّجْت ابْنَتِي أَحَدَكُمَا فَلَا يَصِحُّ مُطْلَقًا نَوَى الْوَلِيُّ مُعَيَّنًا مِنْهُمَا أَمْ لَا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُ، وَعَلَيْهِ فَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ زَوَّجْتُك إحْدَى بَنَاتِي وَنَوَيَا مُعَيَّنَةً حَيْثُ صَحَّ ثَمَّ لَا هُنَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ الزَّوْجِ الْقَبُولُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ لِيَقَعَ الْإِشْهَادُ عَلَى قَبُولِهِ الْمُوَافِقِ لِلْإِيجَابِ، وَالْمَرْأَةُ لَيْسَ الْعَقْدُ

ص: 399

وَشُرِطَ فِيهَا حِلٌّ وَتَعْيِينٌ وَخُلُوٌّ مِنْ نِكَاحٍ وَعِدَّةٍ فَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ مُحْرِمَةٍ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ، وَلَا إحْدَى امْرَأَتَيْنِ لِلْإِبْهَامِ، وَلَا مَنْكُوحَةٍ وَلَا مُعْتَدَّةٍ مِنْ غَيْرِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهَا.

وَمِمَّا تَرَكَهُ مِنْ الْأَرْكَانِ أَيْضًا الزَّوْجُ، وَشُرِطَ فِيهِ حِلٌّ وَاخْتِيَارٌ وَتَعْيِينٌ وَعِلْمٌ بِحِلِّ الْمَرْأَةِ لَهُ، فَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ مُحْرِمٍ وَلَوْ بِوَكِيلٍ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ، وَلَا مُكْرَهٍ وَغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْبَيْعِ وَلَا مَنْ جَهِلَ حِلَّهَا لَهُ احْتِيَاطًا لِعَقْدِ النِّكَاحِ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَالْخِطَابُ مَعَهَا، وَالشَّهَادَةُ تَقَعُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْوَلِيُّ، فَاغْتُفِرَ فِيهَا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الزَّوْجِ. وَبَقِيَ مَا لَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ ثُمَّ مَاتَ وَاخْتَلَفَتْ الزَّوْجَةُ مَعَ الزَّوْجِ أَنَّهَا الْمُسَمَّاةُ فَهَلْ الْعِبْرَةُ بِقَوْلِهَا أَوْ بِقَوْلِ الشُّهُودِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ؛ لَكِنْ الْأَقْوَى قَوْلُ الشُّهُودِ. وَبَقِيَ أَيْضًا مَا لَوْ قَالَتْ لَسْت الْمُسَمَّاةَ فِي الْعَقْدِ وَقَالَ الشُّهُودُ بَلْ أَنْتِ الْمَقْصُودَةُ بِالتَّسْمِيَةِ وَإِنَّمَا الْوَلِيُّ سَمَّى غَيْرَك فِي الْعَقْدِ خَطَأً، فَهَلْ الْعِبْرَةُ بِقَوْلِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النِّكَاحِ أَوْ الْعِبْرَةُ بِقَوْلِ الشُّهُودِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْغَلَطِ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَشُرِطَ فِيهَا حِلٌّ) خَرَجَ مَنْ شُكَّ فِي حِلِّهَا كَالْخُنْثَى أَوْ الْمُعْتَدَّةِ، حَتَّى لَوْ اعْتَقَدَ أَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ وَإِنْ تَبَيَّنَ عَدَمُ الْعِدَّةِ لِعَدَمِ تَيَقُّنِ الْحِلِّ. فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَمْ يَقُلْ فِيهَا كَمَا فِي الزَّوْجِ وَعَلِمَ بِحِلِّ الزَّوْجِ لَهَا؟ أُجِيبَ بِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ مَعْقُودًا عَلَيْهَا شَرَطَ فِيهَا مَا ذَكَرَ دُونَهُ.

قَوْلُهُ: (وَتَعْيِينٌ) فَزَوَّجْتُك إحْدَى بَنَاتِي أَوْ زَوَّجْت بِنْتِي أَحَدَكُمَا بَاطِلٌ وَلَوْ مَعَ الْإِشَارَةِ كَالْبَيْعِ، وَيَكْفِي التَّعْيِينُ بِوَصْفٍ أَوْ رُؤْيَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا كَزَوَّجْتُكَ ابْنَتِي وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا أَوْ الَّتِي فِي الدَّارِ وَلَيْسَ فِيهَا غَيْرُهَا أَوْ هَذِهِ وَإِنْ سَمَّاهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا فِي الْكُلِّ وَكَزَوَّجْتُكِ هَذَا الْغُلَامَ. وَأَشَارَ لِبِنْتِهِ تَعْوِيلًا عَلَى الْإِشَارَةِ، وَلِأَنَّ الْبِنْتِيَّةَ صِفَةٌ لَازِمَةٌ مُمَيِّزَةٌ فَاعْتُبِرَتْ وَلُغِيَ الِاسْمُ ابْنُ حَجَرٍ عَلَى الْإِرْشَادِ اهـ أج.

فَرْعٌ: سُئِلَ شَيْخُنَا ز ي عَنْ رَجُلٍ خَطَبَ امْرَأَةً وَعَقَدَ ثُمَّ أُتِيَ لَهُ بِامْرَأَةٍ غَيْرِ الْمَخْطُوبَةِ. فَأَجَابَ بِأَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مَعَهَا. قَوْلُهُ: (وَخُلُوٌّ عَنْ نِكَاحٍ) وَلَوْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهَا خَلِيَّةٌ عَنْ نِكَاحٍ وَعِدَّةٍ قُبِلَ قَوْلُهَا وَجَازَ لِلْوَلِيِّ اعْتِمَادُ قَوْلِهَا سَوَاءٌ كَانَ خَاصًّا أَوْ عَامًّا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ كُنْت زَوْجَةً لِفُلَانٍ وَطَلَّقَنِي أَوْ مَاتَ عَنِّي فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا بِالنِّسْبَةِ لِلْوَلِيِّ الْعَامِّ بِخِلَافِ الْخَاصِّ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ اهـ ز ي.

قَوْلُهُ: (وَعِدَّةٍ) أَيْ عِدَّةِ غَيْرِهِ، أَمَّا الْمُعْتَدَّةُ مِنْهُ فَفِيهَا تَفْصِيلٌ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا بِدُونِ الثَّلَاثِ وَاللِّعَانِ صَحَّ نِكَاحُهَا فِي الْعِدَّةِ وَإِلَّا فَلَا، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا أَيْضًا الِاخْتِيَارُ إلَّا فِي الْمُجْبَرَةِ.

قَوْلُهُ: (وَعِلْمٌ بِحِلِّ الْمَرْأَةِ) خَرَجَ مَنْ شُكَّ فِي حِلِّهَا كَالْخُنْثَى أَوْ الْمُعْتَدَّةِ. وَخُرُوجُ هَذَيْنِ مِمَّا ذَكَرَ أَوْلَى مِنْ إخْرَاجِ الْمُحَشِّي لَهُمَا بِقَوْلِهِ فِي شُرُوطِ الزَّوْجَةِ حِلٌّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خَرَجَ بِهِ الْمُحَرَّمَةُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. وَاَلَّذِي انْحَطَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْحَلَبِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ لِجَوَازِ الْإِقْدَامِ، فَلَوْ عَقَدَ عَلَى مَنْ اعْتَقَدَ حُرْمَتَهَا عَلَيْهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعُقُودِ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ وَقَوْلُ الشَّارِحِ:" وَلَا مَنْ جَهِلَ حِلَّهَا " يَعْنِي بِهِ أَنْ لَا يَحْكُمَ بِالصِّحَّةِ حَالَ الْعَقْدِ، فَلَا يُنَافِي تَبَيُّنُ الصِّحَّةِ بِتَبَيُّنِ خِلَافِ مَا ظَنَّ عِنْدَ الْعَقْدِ؛ لَكِنْ هَذَا كُلُّهُ رُبَّمَا يُنَافِيه مَا صَرَّحُوا بِهِ فِيمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا رَضَاعٌ وَشُكَّ هَلْ هُوَ خَمْسٌ أَوْ أَقَلُّ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ عَالِمًا بِحِلِّهَا فَحَرِّرْ ذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ لِجَوَازِ الْإِقْدَامِ لَا لِصِحَّةِ الْعَقْدِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا مُكْرَهٍ) أَيْ بِغَيْرِ حَقٍّ أَمَّا إذَا كَانَ بِحَقٍّ كَأَنْ أُكْرِهَ عَلَى نِكَاحِ الْمَظْلُومَةِ فِي الْقَسْمِ، فَيَصِحُّ بِأَنْ ظَلَمَهَا هُوَ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا لِيَبِيتَ عِنْدَهَا مَا فَاتَهَا اهـ ح ل. قَوْلُهُ:(وَغَيْرِ مُعَيَّنٍ) كَالْبَيْعِ ظَاهِرُهُ وَإِنْ نَوَاهُ وَقُبِلَ. وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي زَوَّجْتُك بِنْتِي وَنَوَى مُعَيَّنَةً الصِّحَّةُ؛ لَكِنْ مُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ الْبُطْلَانُ، وَعَلَيْهِ فَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ زَوَّجْتُك إحْدَى بَنَاتِي وَنَوَيَا مُعَيَّنَةً حَيْثُ صَحَّ ثَمَّ لَا هُنَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ الزَّوْجِ الْقَبُولُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ لِيَقَعَ الْإِشْهَادُ عَلَى قَبُولِهِ الْمُوَافِقِ لِلْإِيجَابِ وَالْمَرْأَةُ لَيْسَ الْعَقْدُ وَالْخِطَابُ مَعَهَا وَالشَّهَادَةُ تَقَعُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْوَلِيُّ فَاغْتُفِرَ فِيهَا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الزَّوْجِ ع ش.

قَوْلُهُ: (وَلَا مَنْ جَهِلَ حِلَّهَا لَهُ) كَمَنْ ظَنَّهَا أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَوْ تَبَيَّنَ الْحِلُّ م ر. وَخَالَفَهُ حَجّ؛ لَكِنْ الَّذِي فِي شَرْحِ م ر مَا يُوَافِقُ حَجّ، وَهُوَ أَنَّ الْعِلْمَ بِحِلِّ الْمَرْأَةِ لَهُ شَرْطٌ

ص: 400