الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِزَوْجَتِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَوَجَدْت فِيهِ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِك وَلَمْ أُكَسِّرْهُ عَلَى رَأْسِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَجَدَ فِي الْبَيْتِ هُونًا لَهَا لَمْ تَطْلُقْ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيُّ وَرَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيّ لِلِاسْتِحَالَةِ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ قُبَيْلَ مَوْتِهِ أَوْ مَوْتِهَا لِلْيَأْسِ، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ قَبَّلْت ضَرَّتَك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَبَّلَهَا مَيِّتَةً لَمْ تَطْلُقْ، بِخِلَافِ تَعْلِيقِهِ بِتَقْبِيلِ أُمِّهِ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ بِتَقْبِيلِهِ لَهَا مَيِّتَةً إذْ قُبْلَةُ الزَّوْجَةِ قُبْلَةُ شَهْوَةٍ وَلَا شَهْوَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْأُمُّ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ؛ لِأَنَّ قُبْلَتَهَا قُبْلَةُ شَفَقَةٍ وَكَرَامَةٍ؛ أَكْرَمَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى وَجَمِيعَ أَهْلِنَا وَمَشَايِخِنَا وَأَصْحَابِنَا وَالْمُسْلِمِينَ بِالنَّظَرِ إلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ.
فَصْلٌ
وَالتَّرْجَمَةُ بِالْفَصْلِ سَاقِطَةٌ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ، وَهُوَ فِي الطَّلَاقِ السُّنِّيِّ وَغَيْرِهِ، وَفِيهِ اصْطِلَاحَانِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ أَضْبَطُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
نَادِرٌ لَا يُنْظَرُ إلَيْهِ فَجُعِلَ مِنْ بَابِ التَّعْلِيقِ الْمَحْضِ، وَإِذَا قَالَ لَهَا: إنْ أَبْرَأْتِينِي مِنْ صَدَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ شُرِطَ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ عِلْمُ الزَّوْجَيْنِ بِقَدْرِ الْمُبَرَّأِ مِنْهُ، فَإِنْ جَهِلَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَقَعْ. وَظَاهِرٌ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْجَهْلِ بِهِ حَالًّا وَإِنْ أَمْكَنَ الْعِلْمُ بِهِ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ وَكَوْنِهَا رَشِيدَةً وَأَنْ تُجِيبَهُ فَوْرًا فِي مَجْلِسِ التَّوَاجُبِ وَأَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِالْمَالِ الْمُبَرَّأِ مِنْهُ زَكَاةٌ، فَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ زَكَاةٌ لَمْ يَقَعْ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقِّينَ مَلَكُوا بَعْضَهُ فَلَمْ يُبَرَّأْ مِنْ كُلِّهِ، وَلَوْ أَبْرَأَتْهُ ثُمَّ ادَّعَتْ جَهْلَهَا بِقَدْرِهِ فَإِنْ زَوَّجَتْ صَغِيرَةً صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا أَوْ بَالِغَةً وَدَلَّ الْحَالُ عَلَى جَهْلِهَا لِكَوْنِهَا مُجْبَرَةً لَمْ تُسْتَأْذَنْ فَكَذَلِكَ.
فَرْعٌ: يَقَعُ كَثِيرًا أَنْ تَحْصُلَ مُشَاجَرَةٌ بَيْنَ الرَّجُلِ وَزَوْجَتِهِ فَتَقُولُ لَهُ: أَبْرَأْتُك، فَيَقُولُ لَهَا: إنْ صَحَّتْ بَرَاءَتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا إنْ أَبْرَأَتْهُ مِنْ مَعْلُومٍ وَهِيَ رَشِيدَةٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا لِتَعْلِيقِهِ عَلَى مُجَرَّدِ صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ، وَقَدْ وَجَدْت لَا بَائِنًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ عِوَضًا فِي مُقَابَلَةِ الطَّلَاقِ لِصِحَّةِ الْبَرَاءَةِ قَبْلَ وُقُوعِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُبَرَّأُ مِنْهُ مَجْهُولًا فَلَا بَرَاءَةَ وَلَا وُقُوعَ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَقَوْلُهُ لِتَعْلِيقِهِ عَلَى مُجَرَّدِ صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ إلَخْ، نَعَمْ لَوْ قَالَتْ أَرَدْت الْإِبْرَاءَ عِوَضًا عَنْ الطَّلَاقِ وَصَدَّقَهَا الزَّوْجُ عَلَى ذَلِكَ وَقَعَ بَائِنًا. اهـ. حَجّ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ مَحْضٌ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّةَ لَا غَرَضَ لَهَا فِي طَلَاقِ زَوْجَتِهِ فَكَانَ تَعْلِيقًا مَحْضًا، وَعَلَى فَرْضِ غَرَضٍ لَهَا فَهُوَ نَادِرٌ كَمَا عَلِمْت، بِخِلَافِ زَوْجَتِهِ فَإِنَّ لَهَا غَرَضًا فِي طَلَاقِ نَفْسِهَا وَمِلْكِ بُضْعِهَا فَكَانَ تَعْلِيقًا عَلَى الْبَرَاءَةِ فَكَانَ بَائِنًا.
قَوْلُهُ: (هُونًا) ضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ (هَاؤُنَا) بِهَاءٍ بَعْدَهَا أَلْفٌ وَبَعْدَ الْأَلْفِ هَمْزَةٌ مَضْمُومَةٌ وَاَلَّذِي فِي الْمِصْبَاحِ أَنَّ أَصْلَهُ هَاوُونَ بِوَاوَيْنِ لِجَمْعِهِ عَلَى هَوَاوِينَ فَخُفِّفَ بِحَذْفِ الْوَاوِ الثَّانِي ثُمَّ خُفِّفَ بِفَتْحِ الْوَاوِ فَصَارَ هَاوُنًا إذْ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ فَاعِلٌ بِالضَّمِّ وَلَامُهُ وَاوٌ فَفُقِدَ النَّظِيرُ مَعَ ثِقَلِ الضَّمَّةِ عَلَى الْوَاوِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ قِرَاءَتُهُ بِفَتْحِ الْوَاوِ بَعْدَ الْأَلْفِ لَا بِالْهَمْزَةِ فَمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ غَيْرُ صَحِيحٍ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ قِرَاءَتُهُ بِوَاوٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ الْهَاءِ بِدُونِ أَلْفٍ وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعْرَبٌ كَأَنَّهُ مِنْ الْهَوْنِ وَقَالَ فِي الْمُخْتَارِ الْهَاوَنُ بِفَتْحِ الْوَاوِ الَّذِي يُدَقُّ فِيهِ. اهـ. وَالْهَاوَنُ مِثَالٌ، فَمِثْلُهُ كُلُّ مَا يَتَعَذَّرُ كَسْرُهُ عَلَى رَأْسِهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُمْكِنُ بِرَدِّ الْهَوْنِ بِمِبْرَدٍ حَتَّى يَرِقَّ جِدًّا وَيَكْسِرَهُ فِي رَأْسِهَا فَلَا وُقُوعَ حِينَئِذٍ وَرَدَّهُ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّ مُرَادَ الْحَالِفِ الْكَسْرُ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا فِي وَقْتِ الْحَلِفِ. قَوْلُهُ: (لَمْ تَطْلُقْ) ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ حَالًا كَمَا قَالَهُ م ر فِي شَرْحِهِ، كَالتَّعْلِيقِ بِالْمُحَالِ كَأَنْ لَمْ تَصْعَدِي السَّمَاءَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَقَعُ حَالًا لِاسْتِحَالَتِهِ. اهـ. م ر. وَمَحَلُّ كَوْنِ التَّعْلِيقِ بِإِنْ فِي النَّفْيِ لِلتَّرَاخِي إذَا كَانَ الْمَنْفِيُّ مُمْكِنًا، فَإِنْ كَانَ مُسْتَحِيلًا كَمَا هُنَا وَقَعَ حَالًا.
فَرْعٌ: كِتَابَةُ الْكِنَايَةِ لَا تُؤَثِّرُ لِانْضِمَامِ ضَعِيفٍ إلَى ضَعِيفٍ خِلَافًا لِلْقَاضِي. اهـ. ابْنُ الْمُلَقِّنِ. فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَقَعُ بِكِتَابَةِ الْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ كَمَا قَالَهُ م ر وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (لِلِاسْتِحَالَةِ) أَيْ اسْتِحَالَةِ كَسْرِهِ.
[فَصْلٌ أَقْسَام الطَّلَاقِ]
فَصْلٌ
ذَكَرَهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ أَقْسَامٌ خَاصَّةٌ مِنْهُ أَيْ الطَّلَاقِ.
قَوْلُهُ: (وَغَيْرُهُ) الْغَيْرُ هُوَ الْبِدْعِيُّ فَقَطْ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ
يَنْقَسِمُ إلَى سُنِّيٍّ وَبِدْعِيٍّ، وَثَانِيهِمَا وَهُوَ أَشْهَرُ يَنْقَسِمُ إلَى سُنِّيٍّ وَبِدْعِيٍّ وَلَا وَلَا وَسَيُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.
فَائِدَةٌ: يَنْقَسِمُ الطَّلَاقُ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ: وَاجِبٍ كَطَلَاقِ الْحُكْمِ فِي الشِّقَاقِ، وَمَنْدُوبٍ كَطَلَاقِ زَوْجَةٍ حَالُهَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ كَأَنْ تَكُونَ غَيْرَ عَفِيفَةٍ، وَحَرَامٍ كَالطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ كَمَا سَيَأْتِي، وَمَكْرُوهٍ كَطَلَاقِ مُسْتَقِيمَةِ الْحَالِ وَعَلَيْهِ حُمِلَ:«أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ» . وَأَشَارَ الْإِمَامُ إلَى الْمُبَاحِ بِطَلَاقِ مَنْ لَا يَهْوَاهَا الزَّوْجُ وَلَا تَسْمَحُ نَفْسُهُ بِمُؤْنَتِهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِمْتَاعٍ بِهَا. (وَالنِّسَاءُ فِيهِ) أَيْ فِي حُكْمِ الطَّلَاقِ (ضَرْبَانِ ضَرْبٌ فِي طَلَاقِهِنَّ سُنَّةٌ) أَيْ لَا تَحْرِيمَ فِيهِ (وَبِدْعَةٌ) أَيْ حَرَامٌ (وَهُنَّ
ــ
[حاشية البجيرمي]
ثُنَائِيَّةٌ أَوْ تَحْتَهُ الْبِدْعِيُّ وَاَلَّذِي لَا وَلَا عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ ثُلَاثِيَّةٌ، وَيَكُونُ الَّذِي لَا وَلَا عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ دَاخِلًا فِي السُّنِّيِّ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى.
قَوْلُهُ: (وَفِيهِ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ السُّنِّيِّ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ.
قَوْلُهُ: (أَضْبَطُ) ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ أَفْرَادًا، أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَحْرُمَ أَوْ لَا اهـ م د.
قَوْلُهُ: (إلَى سُنِّيٍّ وَبِدْعِيٍّ) وَفَسَّرَ قَائِلُهُ السُّنِّيَّ بِالْجَائِزِ وَالْبِدْعِيَّ بِالْحَرَامِ فَيَكُونُ الْقِسْمُ الثَّالِثُ عَلَى الِاصْطِلَاحِ الثَّانِي دَاخِلًا فِي السُّنِّيِّ.
قَوْلُهُ: (وَبِدْعِيٍّ) أَيْ فَيَحْرُمُ. قَوْلُهُ: (وَسَيُعْلَمُ ذَلِكَ) أَيْ الِاصْطِلَاحُ الثَّانِي مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ: وَضَرْبٌ لَيْسَ فِي طَلَاقِهِنَّ سُنَّةٌ وَلَا بِدْعَةٌ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (إلَى الْأَحْكَامِ) أَيْ إلَى ذِي الْأَحْكَامِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَتَّصِفُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ. وَفِيهِ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ عَنْ السُّنِّيِّ وَالْبِدْعِيِّ، مَثَلًا طَلَاقُ غَيْرِ الْعَفِيفَةِ إذَا وَقَعَ زَمَنَ الْبِدْعَةِ حَرَامٌ مِنْ جِهَةِ الْبِدْعَةِ مَنْدُوبٌ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ الْعِفَّةِ وَقِسْ الْبَاقِي، نَعَمْ يُسْتَثْنَى الْوَاجِبُ إذَا وَقَعَ زَمَنَ الْبِدْعَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ مِنْ حَيْثُ الْبِدْعَةُ.
قَوْلُهُ: (وَاجِبٌ) الْمُرَادُ بِهِ الْمَطْلُوبُ طَلَبًا شَدِيدًا أَيْ أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ إذَا تَرَكَهُ يُعَاقَبُ أَوْ إذَا تَرَكَهُ يُلَامُ وَإِنْ لَمْ يُعَاقَبْ فَيَشْمَلُ الْأَقْسَامَ الَّتِي ذَكَرَهَا م د وَهِيَ: طَلَاقُ الْحَكَمِ فِي الشِّقَاقِ إذَا رَأَى ذَلِكَ مَصْلَحَةً، وَطَلَاقُ الْمُوَلَّى وَمِثْلُ ذَلِكَ عَاجِزٌ عَنْ الْقِيَامِ بِحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ أَوْ بِأَمْرِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ بِهِ لِغَيْرِ تَعَنُّتٍ، وَكَذَا طَلَاقُ سَيِّئَةِ الْأَخْلَاقِ بِحَيْثُ لَا يَصْبِرُ عَلَى عِشْرَتِهَا لَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ عَدَمَ سُوءِ خُلُقِهَا مُحَالٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ:«الصَّالِحَةُ مِنْ النِّسَاءِ كَالْغُرَابِ الْأَعْصَمِ» أَيْ الْأَبْيَضِ الْجَنَاحَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا اهـ.
قَوْلُهُ: (كَطَلَاقِ الْحَكَمِ) ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ، وَالْوَكِيلُ يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ فَيَكُونُ الطَّلَاقُ وَاجِبًا حَيْثُ ظَهَرَتْ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ. وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ: الْحَكَمَيْنِ. وَلَعَلَّ عِبَارَةَ الشَّارِحِ أَوْلَى إذْ الطَّلَاقُ إنَّمَا هُوَ مِنْ حُكْمِ الزَّوْجِ فَقَطْ، نَعَمْ الطَّلَاقُ إذَا كَانَ خُلْعًا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ حُكْمِهَا فَمَنْ عَبَّرَ بِالْحُكْمَيْنِ نُظِرَ لِذَلِكَ، إلَّا أَنَّ عِبَارَتَهُ لَا تَشْمَلُ الطَّلَاقَ مَجَّانًا فَتَأَمَّلْ. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر: وَانْظُرْ مَا مَعْنَى الْوُجُوبِ عَلَى الْحَكَمَيْنِ مَعَ أَنَّهُمَا وَكِيلَانِ وَالْوَكِيلُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ حَيْثُ دَامَ عَلَى الْوَكَالَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ اهـ، أَيْ أَوْ يُقَالُ لِتَعَلُّقِ وَكَالَتِهِمَا بِنَظَرِ الْحَاكِمِ، وَلِذَلِكَ اُشْتُرِطَ فِيهِمَا الْإِسْلَامُ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجَانِ كَافِرَيْنِ اهـ.
قَوْلُهُ: (غَيْرَ عَفِيفَةٍ) أَيْ أَوْ غَيْرَ مُصَلِّيَةٍ وَطَلَاقُ مَنْ خَافَ أَنْ لَا يُقِيمَ حُدُودَ اللَّهِ فِي الزَّوْجِيَّةِ وَمَنْ رَأَى رِيبَةً يَخَافُ مَعَهَا عَلَى الْفِرَاشِ أَيْ الزَّوْجَةِ شَوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ: (وَحَرَامٌ كَالطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ) أَيْ وَكَطَلَاقِ مَنْ قَسَمَ لِغَيْرِهَا وَلَمْ يُوَفِّهَا حَقَّهَا مِنْ الْقَسْمِ وَلَمْ يَسْتَرْضِهَا شَوْبَرِيُّ.
قَوْلُهُ: (كَطَلَاقِ مُسْتَقِيمَةِ الْحَالِ) أَيْ وَهُوَ يَهْوَاهَا وَيُحِبُّهَا.
قَوْلُهُ: «أَبْغَضُ الْحَلَالِ» أَفْعَلُ تَفْضِيلٌ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ اقْتَضَى أَنَّهُ الْحَلَالُ مَبْغُوضٌ وَالطَّلَاقُ أَبْغَضُ شَيْءٍ مِنْهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مِنْهُ التَّنْفِيرُ؛ لِأَنَّ الْحَلَالَ لَا يُبْغَضُ بَلْ يُحَبُّ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ. وَقَوْلُهُ " وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مِنْهُ التَّنْفِيرُ " أَيْ فَلَيْسَ الْمُرَادُ الْبُغْضُ الْحَقِيقِيُّ، وَحِينَئِذٍ لَا يُرَدُّ أَنَّ الطَّلَاقَ تَعْتَرِيه الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ. قَوْلُهُ:(وَأَشَارَ الْإِمَامُ إلَى الْمُبَاحِ) عَبَّرَ بِأَشَارَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ طَلَاقُهَا غَيْرُ مَكْرُوهٍ، وَلَيْسَ نَصًّا فِي الْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ خِلَافَ الْأَوْلَى.
قَوْلُهُ: (مَنْ لَا يَهْوَاهَا) أَيْ وَهِيَ مُسْتَقِيمَةُ الْحَالِ.
قَوْلُهُ: (أَيْ فِي حُكْمِ الطَّلَاقِ) أَيْ الْجَوَازِ وَغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (سُنَّةٌ) أَيْ خَالِيَةٌ مِنْ الثَّوَابِ.
قَوْلُهُ: (أَيْ لَا تَحْرِيمَ فِيهِ إلَخْ)
ذَوَاتُ الْحَيْضِ) وَأَشَارَ إلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ (فَالسُّنَّةُ) أَيْ السُّنِّيُّ أَنْ يُوقِعَ الطَّلَاقَ عَلَى مَدْخُولٍ بِهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ وَلَا صَغِيرَةٍ وَلَا آيِسَةٍ فِي طُهْرٍ غَيْرِ مُجَامِعٍ فِيهِ وَلَا فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ وَذَلِكَ لِاسْتِعْقَابِهِ الشُّرُوعَ فِي الْعِدَّةِ وَعَدَمِ النَّدَمِ فِيمَنْ ذَكَرْت وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] أَيْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَشْرَعْنَ فِيهِ فِي الْعِدَّةِ.
وَأَشَارَ إلَى
ــ
[حاشية البجيرمي]
فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُصَدَّقُ بِالْقَسَمِ الَّذِي لَا وَلَا، فَإِنَّهُ لَا تَحْرِيمَ فِيهِ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِأَنْ يُوقِعَ الطَّلَاقَ فِي طُهْرٍ إلَخْ، أَوْ يُقَالَ لَا تَحْرِيمَ مَعَ إمْكَانِ ذَلِكَ فِيهِ فَيَخْرُجُ الَّذِي لَا وَلَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ التَّحْرِيمُ. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: قَوْلُهُ " أَيْ لَا تَحْرِيمَ فِيهِ " هَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الَّذِي لَا وَلَا فَهُوَ أَيْضًا لَا تَحْرِيمَ فِيهِ، وَلَا يَخْلُو عَنْ وَاحِدٍ مِنْ الْأَحْكَامِ الْأَرْبَعَةِ، فَهَذَا التَّقْسِيمُ مُجَرَّدُ اصْطِلَاحٍ خَالٍ عَنْ الْمَعْنَى وَإِلَّا فَالسُّنِّيُّ وَاَلَّذِي لَا وَلَا لَا تَحْرِيمَ فِيهِمَا عَلَى مَا ذُكِرَ. وَعِبَارَةُ سم: قَوْلُهُ " لَا تَحْرِيمَ فِيهِ " أَيْ مَعَ كَوْنِهِ قَابِلًا لِلتَّحْرِيمِ لِيَخْرُجَ عَنْ هَذَا الضَّرْبِ نَحْوُ الصَّغِيرَةِ مِمَّنْ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَا تَحْرِيمَ فِي طَلَاقِهِنَّ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَحِلِّهِ قَبُولٌ لِلتَّحْرِيمِ فَإِنَّهُنَّ لَا يَحِضْنَ فَافْتَرَقَا اهـ.
وَفِيهِ أَنَّ الْمُخْتَلِعَةَ بِعِوَضٍ مِنْهَا طَلَاقُهَا قَابِلٌ لِلتَّحْرِيمِ فِي ذَاتِهِ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا فِي ذَاتِهَا فَمَا تَمَّ الْفَرْقُ إلَّا أَنَّ التَّفْرِقَةَ مَحْضُ اصْطِلَاحٍ، وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ أَيْ لَا تَحْرِيمَ فِيهِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسُّنَّةِ مَا قَابَلَ الْبِدْعَةَ وَهُوَ الْجَوَازُ لَا حَقِيقَتُهَا وَهِيَ مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ.
قَوْلُهُ: (أَيْ حَرَامٌ) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْبِدْعَةِ، وَإِنْ نُدِبَ أَوْ أُبِيحَ أَوْ كُرِهَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى.
قَوْلُهُ: (وَهُنَّ) أَيْ الضَّرْبُ، وَأَنَّثَهُ بِاعْتِبَارِ خَبَرِهِ وَهُوَ ذَوَاتُ الْحَيْضِ. قَوْلُهُ:(فَالسُّنَّةُ أَنْ يُوقِعَ إلَخْ) مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ السُّنَّةَ صِفَةُ مَحْذُوفٍ هُوَ الْمُبْتَدَأُ أَيْ فَالطَّلَاقُ. وَقَوْلُهُ " أَنْ تُوقِعَ " خَبَرٌ أَيْ الْمَصْدَرُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ وَهُوَ الْإِيقَاعُ، وَلَا يَصِحُّ هَذَا الْإِخْبَارُ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ يَكُونُ عَيْنَ الْمُبْتَدَأِ فِي الْمَعْنَى وَالْإِيقَاعُ غَيْرُ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَفْظِيٌّ وَالْإِيقَاعُ فِعْلٌ نَفْسَانِيٌّ. وَيُجَابُ بِتَقْدِيرِ الْمُضَافِ أَيْ ذُو إيقَاعٍ، وَقَوْلُهُ " أَيْ يُوقِعَ " قَيْدٌ وَعَلَى مَدْخُولٍ بِهَا قَيْدٌ، وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ وَلَا مُخْتَلِعَةٍ وَالْمَالُ مِنْ عِنْدِهَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (أَيْ السُّنِّيُّ) الْيَاءُ لَيْسَتْ لِلنَّسَبِ بَلْ هِيَ تَسْمِيَةٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ، إذْ لَوْ كَانَتْ لِلنَّسَبِ لَاقْتَضَى أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ لَا يَكُونُ إلَّا سُنَّةً مَعَ أَنَّهُ تَدْخُلُ فِيهِ الْأَحْكَامُ الَّتِي فِي الْفَائِدَةِ مَا عَدَا الْحَرَامَ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ الْجَائِزِ. وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْيَاءُ لِلنِّسْبَةِ وَالسُّنَّةُ الْمَنْسُوبُ إلَيْهَا بِمَعْنَى الطَّرِيقَةِ فَيَصْدُقُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحْكَامِ. وَالْيَاءُ فِي الْبِدْعِيِّ لَيْسَتْ لِلنَّسَبِ وَإِلَّا لَكَانَ خَاصًّا بِالْحَرَامِ مَعَ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْمَنْدُوبُ وَالْمَكْرُوهُ وَالْمُبَاحُ بَلْ وَالْوَاجِبُ أَيْ فَيَكُونُ التَّقْسِيمُ إلَى سُنِّيٍّ أَوْ بِدْعِيٍّ وَإِلَى وَاجِبٍ وَغَيْرِهِ تَقْسِيمًا اعْتِبَارِيًّا تَجْتَمِعُ فِيهِ الْأَقْسَامُ بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ لَا حَقِيقِيًّا، وَقَوْلُهُ " أَيْ السُّنِّيُّ " لَمَّا كَانَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ السُّنَّةَ يُوهِمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسُّنَّةِ مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ فَسَّرَهُ الشَّارِحُ بِمَا يَدْفَعُ ذَلِكَ فَقَالَ أَيْ السُّنِّيُّ يَعْنِي الْإِيقَاعَ الْمَنْسُوبَ لِلسُّنَّةِ بِمَعْنَى الْجَائِزِ لَا مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ.
قَوْلُهُ: (لَيْسَتْ بِحَامِلٍ إلَخْ) لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ طَلَاقَ هَؤُلَاءِ لَا يَتَّصِفُ بِسُنَّةٍ وَلَا بِبِدْعَةٍ. وَوَجْهُهُ أَنَّ مُدَّتَهُ لَا تَخْتَلِفُ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى تَقْسِيمِهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ، فَإِنْ قُسِّمَ قِسْمَيْنِ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ مِنْ السُّنِّيِّ.
(فِي طُهْرٍ) مُتَعَلِّقٌ بِيُوقِعُ أَيْ لَا مَعَ آخِرِهِ وَإِلَّا وَقَعَ بِدْعِيًّا، فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ: وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي آخِرِ طُهْرِكِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ بِدْعِيٌّ. قَوْلُهُ: (غَيْرِ مُجَامِعٍ فِيهِ) أَيْ وَقَدْ اسْتَوْفَتْ حَقَّهَا مِنْ الْقَسْمِ. أَمَّا لَوْ لَمْ تَسْتَوْفِهِ وَطَلُقَتْ فَبِدْعِيٌّ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي التَّنْبِيهِ الثَّانِي. قَوْلُهُ: (وَلَا فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ) أَيْ وَلَا مُجَامِعٍ فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ أَيْ قَبْلَ الطُّهْرِ غَيْرَ الْمُجَامِعِ فِيهِ، وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ الْبِدْعِيِّ كَمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ وَهِيَ مِمَّنْ تَحْبَلُ أَوْ فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ.
قَوْلُهُ: (وَذَلِكَ) أَيْ سَبَبُ كَوْنِهِ سُنِّيًّا لِاسْتِعْقَابِهِ، وَهُوَ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ وَالشُّرُوعُ فَاعِلُهُ، وَالتَّقْدِيرُ: أَنْ يُعْقِبَ الطَّلَاقَ الشُّرُوعُ. وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَنُصِبَ الشُّرُوعُ، وَالتَّقْدِيرُ: أَنْ يُطْلِقَ الطَّلَاقُ الشُّرُوعَ فِي الْعِدَّةِ عَقِبَهُ؛ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ، فَالسُّنِّيُّ مَا اسْتَعْقَبَتْ فِيهِ الْمُطَلَّقَةُ الْعِدَّةَ مَعَ عَدَمِ احْتِمَالِ النَّدَمِ ح ل. قَوْلُهُ (وَقَدْ قَالَ تَعَالَى إلَخْ) كَذَا لَفْظُهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ،
الْقِسْمِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: وَالْبِدْعَةُ أَنْ يُوقِعَ الطَّلَاقَ عَلَى مَدْخُولٍ بِهَا فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ وَهِيَ مِمَّنْ تَحْبَلُ أَوْ فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ، وَإِنْ سَأَلَتْهُ طَلَاقًا بِلَا عِوَضٍ أَوْ اخْتَلَعَهَا أَجْنَبِيٌّ وَذَلِكَ لِمُخَالَفَتِهِ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا فِي حَيْضٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَزَمَنُ الْحَيْضِ لَا يُحْسَبُ مِنْ الْعِدَّةِ وَمِثْلُهُ النِّفَاسُ، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ تَضَرُّرُهَا بِطُولِ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ وَلِأَدَائِهِ إلَى النَّدَمِ فِيمَنْ تَحْبَلُ إذَا ظَهَرَ حَمْلُهَا فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُطَلِّقُ الْحَائِلَ دُونَ الْحَامِلِ وَعِنْدَ النَّدَمِ قَدْ لَا يُمْكِنُهُ التَّدَارُكُ فَيَتَضَرَّرُ هُوَ وَالْوَلَدُ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْإِيقَاعِ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ فَلَا يَحْرُمُ فِي الْحَيْضِ لَكِنْ إنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ فِي الطُّهْرِ سُمِّيَ سُنِّيًّا وَإِنْ وُجِدَتْ فِي الْحَيْضِ سُمِّيَ بِدْعِيًّا، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْبِدْعِيِّ إلَّا أَنَّهُ لَا إثْمَ فِيهِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ فِي كُلِّ الطُّرُقِ كَمَا قَالَهُ فِي الزَّوَائِدِ. نَعَمْ إنْ أَوْقَعَ الصِّفَةَ فِي الْحَيْضِ بِاخْتِيَارِهِ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِإِيقَاعِهِ فِي
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ عَنْ الْعِلَّةِ قَبْلَهُ وَلَمْ يَقُلْ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُسَاوِيًا لِلْمُسْتَدَلِّ عَلَيْهِ إذْ يَدْخُلُ فِي الْآيَةِ الْقِسْمُ الَّذِي لَيْسَ فِي طَلَاقِهِنَّ سُنَّةٌ وَلَا بِدْعَةٌ، وَتَخْرُجُ عَنْهُ الْمُخْتَلِعَةُ إذَا طَلُقَتْ فِي الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَشْرَعُ فِي الْعِدَّةِ بِالطَّلَاقِ، فَمَا كَانَ يُؤْخَذُ مِنْ الْآيَةِ الْحُكْمُ فِي بَعْضٍ قَالَ: وَقَدْ قَالَ تَعَالَى إلَخْ.
قَوْلُهُ: (أَيْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَشْرَعْنَ إلَخْ) أَيْ وَفِي وَقْتٍ لَا يُؤَدِّي الطَّلَاقُ فِيهِ إلَى النَّدَمِ، فَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ هَذَا الْمَعْنَى عَلَى الْآيَةِ؛ لِأَنَّهَا بِدُونِهِ تَصْدُقُ بِأَنْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَ فِيهِ مَعَ أَنَّ هَذَا حَرَامٌ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: أَيْ وَقْتُهَا وَهُوَ الطُّهْرُ، فَإِنَّ اللَّامَ فِي الْأَزْمَانِ وَمَا يُشْبِهُهَا لِلتَّأْقِيتِ، وَظَاهِرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ بِالْأَطْهَارِ وَأَنَّ طَلَاقَ الْمُعْتَدَّةِ بِالْأَقْرَاءِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الطُّهْرِ وَأَنَّهُ يَحْرُمُ فِي الْحَيْضِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ النَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ وَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِهِ أَيْ الضِّدِّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، كَيْفَ وَقَدْ صَحَّ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه: أَنَّهُ لَمَّا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» . فَإِنْ قُلْتَ: إنَّ الْأَمْرَ لِلْمُخَاطَبِ بِالْأَمْرِ لِغَيْرِهِ بِالشَّيْءِ لَيْسَ أَمْرًا لَهُ. قُلْت: مَحِلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُخَاطَبِ مَأْمُورٌ بِهِ، وَقَدْ يُقَالُ أَمْرُ غَيْرِ الْمُخَاطَبِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ «فَلْيُرَاجِعْهَا» .
قَوْلُهُ: (وَالْبِدْعَةُ) أَنْ يُوقِعَ الطَّلَاقَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَمْ بَائِنًا. وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ أَنْ يُوقِعَ قَيْدٌ يُخْرِجُ التَّعْلِيقَ، وَالطَّلَاقُ قَدْ يُخْرِجُ الْفَسْخَ وَالْحَيْضَ، وَالطُّهْرُ الْمَوْصُوفُ بِالْجِمَاعِ فِيهِ قَيْدٌ يُخْرِجُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ فَهُوَ سُنِّيٌّ، وَكُلُّهُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ؛ وَسَيَأْتِي أَيْضًا فِي ثَالِثِ التَّنْبِيهَاتِ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ الْحُكْمِ عَلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ بِأَنَّهُ بِدْعِيٌّ سَبْعُ صُوَرٍ لَا يَكُونُ فِيهَا بِدْعِيًّا. اهـ. م د. قَوْلُ:(مَدْخُولٍ بِهَا) أَيْ لَيْسَتْ بِحَامِلٍ إلَى آخِرِ مَا سَبَقَ، فَفِي كَلَامِهِ اكْتِفَاءٌ، أَيْ وَلَيْسَتْ مُخْتَلِعَةً أَيْ وَعِوَضُ الْخُلْعِ مِنْ مَالِهَا. وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَذْكُرَ الْقُيُودَ السَّابِقَةَ هُنَا أَيْضًا أَوْ يَذْكُرَهَا فِي الْقِسْمِ وَيَسْتَغْنِي عَنْ ذِكْرِهَا فِي كُلٍّ مِنْ الْقِسْمَيْنِ، فَكَانَ يَقُولُ عَقِبَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَهُنَّ ذَوَاتُ الْحَيْضِ الْمَدْخُولُ بِهِنَّ الْغَيْرُ الْآيِسَاتُ إلَخْ؛ عَلَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ فِي قَوْلِهِ: وَضَرْبٌ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (فِي الْحَيْضِ) أَيْ فِي أَثْنَاءِ الْحَيْضِ لَا فِي آخِرِهِ وَإِلَّا كَانَ سُنِّيًّا.
قَوْلُهُ: (أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ) وَهَذَا الطُّهْرُ يُحْسَبُ لَهَا مِنْ الْعِدَّةِ، وَإِنَّمَا حَرُمَ الطَّلَاقُ فِيهِ لِأَدَائِهِ إلَى النَّدَمِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ فَلَيْسَ كُلَّمَا اسْتَعْقَبَ الطَّلَاقُ الْعِدَّةَ تَنْتَفِي عَنْهُ الْحُرْمَةُ.
قَوْلُهُ: (وَهِيَ مِمَّنْ تَحْبَلُ) قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ فَقَطْ، فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحْبَلُ لِكَوْنِهَا صَغِيرَةً أَوْ آيِسَةً وَجَامَعَهَا فِي طُهْرٍ طَلَّقَهَا فِيهِ لَمْ يَكُنْ سُنِّيًّا وَلَا بِدْعِيًّا كَمَا سَيَذْكُرُهُ. قَوْلُهُ:(وَذَلِكَ) أَيْ سَبَبُ كَوْنِهِ بِدْعِيًّا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَدَارَ كَوْنِهِ بِدْعِيًّا عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا تَأَخُّرِ الشُّرُوعِ فِي الْعِدَّةِ عَنْ الطَّلَاقِ أَوْ النَّدَمِ عِنْدَ ظُهُورِ الْحَمْلِ وَإِنْ شَرَعَتْ فِي الْعِدَّةِ. قَوْلُهُ: (وَلِأَدَائِهِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِمُخَالَفَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَزَمَنُ الْحَيْضِ) مِنْ تَمَامِ الْعِلَّةِ.
قَوْلُهُ: (قَدْ لَا يُمْكِنُهُ التَّدَارُكُ) لِكَوْنِهِ اسْتَوْفَى عَدَدَ الطَّلَاقِ، أَوْ لِعَدَمِ الرِّضَا بِهِ، أَيْ بِالتَّدَارُكِ، أَيْ عَدَمِ الرِّضَا مِنْهَا بِرَدِّهَا لَهُ بِنِكَاحٍ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا بَيْنُونَةً صُغْرَى.
قَوْلُهُ:
الْحَيْضِ كَإِنْشَائِهِ الطَّلَاقَ فِيهِ. وَخَرَجَ بِقَيْدِ الطَّلَاقِ فِي السُّنِّيِّ وَالْبِدْعِيِّ الْفُسُوخُ فَإِنَّهَا لَا تَنْقَسِمُ إلَى سُنِّيٍّ وَلَا إلَى بِدْعِيٍّ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ:؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِدَفْعِ مَضَارَّ زَائِدَةٍ فَلَا يَلِيقُ بِهَا تَكْلِيفُ مُرَاقَبَةِ الْأَوْقَاتِ، وَبِقَيْدِ قَوْلِهِ فِي الْحَيْضِ مَا إذَا وَافَقَ قَوْلَهُ:(أَنْتِ) زَمَنَ الطُّهْرِ (وَطَالِقٌ) زَمَنَ الْحَيْضِ فَهَلْ يَكُونُ سُنِّيًّا أَوْ بِدْعِيًّا، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ عَزِيزَةُ النَّقْلِ ذَكَرَهَا ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي غَيْرِ مَظِنَّتِهَا فِي بَابِ الْكَفَّارَاتِ وَنَقَلَ فِيهَا عَنْ ابْنِ شُرَيْحٍ وَأَقَرَّهُ أَنَّهُ قَالَ: يَحْسِبُ لَهَا الزَّمَنَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ قَوْلُهُ أَنْتِ فَقَطْ قَرْءًا وَيَكُونُ الطَّلَاقُ سُنِّيًّا، قَالَ: وَهُوَ مِنْ بَابِ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى أَوَّلِ أَجْزَائِهِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ بِمُفْرَدِهِ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا يَقَعُ بِمَجْمُوعِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ انْتَهَى.
تَنْبِيهَاتٌ: أَحَدُهَا: قَضِيَّةُ تَقْيِيدِ الْمُصَنِّفِ بِالْجِمَاعِ قَصَرَ الْحُكْمَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَوْ اسْتَدْخَلَتْ مَاءَهُ الْمُحْتَرَمَ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ. وَكَذَا الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لِثُبُوتِ النَّسَبِ وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ بِهِ.
التَّنْبِيهُ الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِهِ حَصْرُ الْبِدْعِيِّ فِيمَا ذَكَرَهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ بَقِيَ مِنْهُ قِسْمٌ آخَرُ مَذْكُورٌ فِي الرَّوْضَةِ وَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ زَوْجَتَانِ وَقَسَمَ لِأَحَدِهِمَا ثُمَّ طَلَّقَ الْأُخْرَى قَبْلَ الْمَبِيتِ عِنْدَهَا وَلَوْ نَكَحَ حَامِلًا مِنْ زِنًا ثُمَّ دَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَخَرَجَ) الْأَوْلَى وَخَرَجَ بِالْوَاوِ.
قَوْلُهُ: (وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْبِدْعِيِّ) أَيْ مِنْ نَدْبِ الرَّجْعَةِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ الطُّرُقِ) أَيْ طُرُقِ نَقْلِ الْمَسَائِلِ عَنْ الْإِمَامِ، فَإِنَّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ لَهَا طَرِيقٌ فِي النَّقْلِ. قَوْلُهُ:(إنْ أَوْقَعَ الصِّفَةَ إلَخْ) أَيْ كَأَنْ عَلَّقَ بِدُخُولِهِ نَفْسِهِ دَارَ زَيْدٍ ثُمَّ إنَّهُ دَخَلَ زَمَنَ الْحَيْضِ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهَا) أَيْ الْفُسُوخُ. وَقَوْلُهُ " لِدَفْعِ مَضَارَّ " أَيْ يَتَضَرَّرُ بِهَا الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ.
وَقَوْلُهُ " زَائِدَةٍ " أَيْ عَنْ مَضَارِّ طُولِ الْعِدَّةِ وَالنَّدَمِ. " فَلَا يَلِيقُ بِهَا " أَيْ بِالْمَضَارِّ الْمَذْكُورَةِ أَوْ فَلَا يَلِيقُ بِالْفُسُوخِ. وَقَوْلُهُ " تَكْلِيفُ الْمُرَاقَبَةِ " أَيْ تَكْلِيفُهُ الْمُرَاقَبَةَ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ أَوْ تَكْلِيفُهَا إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهَا.
قَوْلُهُ: (فَهَلْ يَكُونُ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ: فَفِيهِ تَرَدُّدٌ قِيلَ سُنِّيٌّ وَقِيلَ بِدْعِيٌّ. وَقَوْلُهُ " سُنِّيًّا " أَيْ نَظَرًا لِقَوْلِهِ أَنْتِ. وَقَوْلُهُ " أَوْ بِدْعِيًّا " أَيْ نَظَرًا لِقَوْلِهِ طَالِقٌ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِلشَّارِحِ.
قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ مَظِنَّتِهَا) أَيْ مَوْضِعِهَا وَقَوْلُهُ فِي بَابِ الْكَفَّارَاتِ بَدَلٌ مِنْ غَيْرِ.
قَوْلُهُ: (يُحْسَبُ لَهَا إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَحْسِبُ لَهَا قَرْءًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِقَوْلِهِ طَالِقٌ وَإِنَّ الطَّلَاقَ بِدْعِيٌّ لَا إثْمَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَظُنُّ دَوَامَ طُهْرِهَا. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا يَقَعُ بِمَجْمُوعِ إلَخْ) أَيْ فَتَبَيَّنَ بِآخِرِهِ الْوُقُوعُ بِأَوَّلِهِ كَمَا يَتَبَيَّنُ بِآخِرِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ بِأَوَّلِهَا، وَهَذَا مُسَلَّمٌ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ لَا فِي الْمَقِيسِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا بِآخِرِ الصِّيغَةِ فِي الطَّلَاقِ.
وَقَوْلُهُ " بِمَجْمُوعِ إلَخْ " هَذَا يَرُدُّ عَلَى الْقَائِلِ بِأَنَّهُ سُنِّيٌّ وَأَنَّ زَمَنَ أَنْتِ يُحْسَبُ قَرْءًا فَكَيْفَ يَكُونُ قَرْءًا مَعَ أَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يَقَعُ بَعْدَهُ فَيَكُونُ بَعْضُ الْعِدَّةِ مُتَقَدِّمًا عَلَى الطَّلَاقِ؟ فَالْحُكْمُ بِأَنَّهُ سُنِّيٌّ مِنْ أَعْجَبْ الْعَجَائِبِ.
قَوْلُهُ: (كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ خَوْفُ الْحَمْلِ، أَيْ حَيْثُ كَانَ عَالِمًا بِاسْتِدْخَالِهَا لَهُ وَإِلَّا لَمْ يَحْرُمْ زي. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ اسْتِدْخَالِهَا فِي الْقُبُلِ أَوْ فِي الدُّبُرِ.
قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ وَطِئَ فِي الدُّبُرِ) هُوَ مِنْ أَفْرَادِ الْجِمَاعِ، وَلَعَلَّهُ ذَكَرَهُ لِلْخِلَافِ فِيهِ ق ل.
قَوْلُهُ: (لِثُبُوتِ النَّسَبِ) الَّذِي اعْتَمَدَهُ م ر فِي بَابِ الِاسْتِبْرَاءِ أَنَّ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ لَا يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ وَلَا الِاسْتِيلَادُ، أَيْ وَإِنْ وَجَبَتْ بَيْنَ الْعِدَّةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ فَهَذِهِ مُنَاقَشَةٌ فِي الْعِلَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِثُبُوتِ النَّسَبِ، وَأَمَّا الْحُكْمُ وَهُوَ أَنَّهُ بِدْعِيٌّ فَمُسَلَّمٌ؛ لِأَنَّهُ تَجِبُ بِهِ الْعِدَّةُ.
قَوْلُهُ: (فِي حَقِّ مَنْ لَهُ زَوْجَتَانِ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْحُرْمَةَ فِيهِ لِمَعْنًى غَيْرِ الْمُرَادِ هُنَا الَّذِي هُوَ عَدَمُ الشُّرُوعِ فِي الْعِدَّةِ؛ قَالَهُ ق ل.
وَقَوْلُهُ " فَإِنَّهُ بِدْعِيٌّ " لِعَدَمِ شُرُوعِهَا فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهَا تُقَدَّمُ عِدَّةُ وَطْءِ الشُّبْهَةِ حِينَئِذٍ؛ قَالَهُ شَيْخُنَا م د. قِيلَ: وَمِنْهُ مَا لَوْ طَلَّقَهَا حَالَ مَرَضِهِ طَلَاقًا بَائِنًا قَاصِدًا حِرْمَانَهَا مِنْ الْإِرْثِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَالزَّكَاةِ إذَا أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْ النِّصَابِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ قَاصِدًا الْفِرَارَ مِنْ الزَّكَاةِ فَهُمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ. قَوْلُهُ:(وَلَوْ نَكَحَ حَامِلًا مِنْ زِنًا) أَيْ وَهِيَ مِمَّنْ تَحِيضُ. وَيُلْغَزُ بِهَا وَيُقَالُ: لَنَا امْرَأَةٌ تَزَوَّجَتْ وَهِيَ حَامِلٌ وَصَحَّ ذَلِكَ. وَصُورَتُهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ نَكَحَ حَامِلًا إلَخْ، ثُمَّ فَرْضُهُمْ ذَلِكَ فِيمَنْ نَكَحَهَا حَامِلًا مِنْ الزِّنَا قَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهَا لَوْ زَنَتْ وَهِيَ فِي نِكَاحِهِ فَحَمَلَتْ جَازَ لَهُ طَلَاقُهَا وَإِنْ طَالَتْ عِدَّتُهَا لِعَدَمِ صَبْرِ النَّفْسِ عَلَى عِشْرَتِهَا حِينَئِذٍ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ غَيْرَ أَنَّ كَلَامَهُمْ يُخَالِفُهُ اهـ. قَالَ سم: قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَشْرَعُ فِي الْعِدَّةِ إلَّا بَعْدَ الْوَضْعِ أَيْ؛ لِأَنَّ الرَّحِمَ مَعْلُومُ الشُّغْلِ، فَلَا مَعْنًى لِلشُّرُوعِ فِي الْعِدَّةِ
نُظِرَ إنْ لَمْ تَحِضْ فَبِدْعِيٌّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَشْرَعُ فِي الْعِدَّةِ إلَّا بَعْدَ الْوَضْعِ وَالنِّفَاسِ، وَإِلَّا فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ فَسُنِّيٌّ أَوْ فِي الْحَيْضِ فَبِدْعِيٌّ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ. وَأَمَّا الْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ إذَا حَبِلَتْ مِنْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا طَاهِرًا فَإِنَّهُ بِدْعِيٌّ.
التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ: يُسْتَثْنَى مِنْ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ صُوَرٌ: مِنْهَا الْحَامِلُ إذَا حَاضَتْ فَلَا يَحْرُمُ طَلَاقُهَا؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا بِالْوَضْعِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَمَةً وَقَالَ لَهَا سَيِّدُهَا إنْ طَلَّقَكِ الزَّوْجُ الْيَوْمَ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَسَأَلَتْ الزَّوْجَ الطَّلَاقَ لِأَجْلِ الْعِتْقِ فَطَلَّقَهَا لَمْ يَحْرُمْ، فَإِنَّ دَوَامَ الرِّقِّ أَضَرُّ بِهَا مِنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ وَقَدْ لَا يَسْمَحُ بِهِ السَّيِّدُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ يَمُوتُ فَيَدُومُ أَسْرُهَا بِالرِّقِّ؛ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ بَحْثًا وَهُوَ حَسَنٌ. وَمِنْهَا طَلَاقُ الْمُتَحَيِّرَةِ فَلَيْسَ بِسُنِّيٍّ وَلَا بِدْعِيٍّ. وَمِنْهَا طَلَاقُ الْحَكَمَيْنِ فِي صُورَةِ الشِّقَاقِ، وَمِنْهَا طَلَاقُ الْمَوْلَى إذَا طُولِبَ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ الرَّافِعِيُّ، وَمِنْهَا مَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ طَلْقَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي
ــ
[حاشية البجيرمي]
مَعَ ذَلِكَ إذْ لَا دَلَالَةَ لِمُضِيِّ الزَّمَنِ مَعَ ذَلِكَ عَلَى الْبَرَاءَةِ، وَإِنَّمَا شَرَعَتْ فِيهَا مَعَهُ إذَا حَاضَتْ لِمُعَارَضَةِ الْحَيْضِ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ الدَّلَالَةُ عَلَى الْبَرَاءَةِ لِحَمْلِ الزِّنَا فَلَمْ يُنْظَرْ إلَيْهِ مَعَ وُجُودِ الْحَيْضِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ دَخَلَ بِهَا) هَذَا الْقَيْدُ لِأَجْلِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: (نَظَرَ إنْ لَمْ تَحِضْ) أَيْ فِي حَالَةِ الْحَمْلِ فَلَوْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ أَبَدًا وَطَلَّقَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا يَكُونُ الطَّلَاقُ بِدْعِيًّا؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا بِالْأَشْهُرِ وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِذَلِكَ مَعَ وُجُودِ الْحَمْلِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا لَا تَشْرَعُ فِي الْعِدَّةِ) هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ فِيهَا فِي الْعَدَدِ أَنَّ زَمَنَ الطُّهْرِ يُحْسَبُ قَرْءًا إذَا تَقَدَّمَ عَلَى الْحَمْلِ حَيْضٌ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُسْقِطَ قَوْلَهُ إلَّا بَعْدَ الْوَضْعِ وَالنِّفَاسِ لِمَا عَلِمْتَ، وَيَصِحُّ حَمْلُ كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى صُورَةِ مَا إذَا لَمْ يَسْبِقْ لَهَا حَيْضٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الطُّهْرَ الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ لَا يُسَمَّى قَرْءًا لِأَنَّ الْقَرْءَ طُهْرٌ بَيْنَ دَمَيْنِ. وَذَكَرَ الْحَلَبِيُّ عَلَى الْمَنْهَجِ مَا يُؤَيِّدُهُ، لَكِنَّ كَلَامَ م ر فِي شَرْحِهِ يُوَافِقُ مَا هُنَا مَعَ الْإِشْكَالِ.
قَوْلُهُ: (إلَّا بَعْدَ الْوَضْعِ) أَيْ إنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ بِالْأَقْرَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ بِالْأَشْهُرِ فَمِنْ حِينِ الطَّلَاقِ.
قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَتْ تَحِيضُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ ظَاهِرُهُ وَإِنْ وَطِئَ فِيهِ فَرَاجِعْهُ. اهـ. م د. وَقَدْ رَاجَعْتُهُ فَوَجَدْتُهُ كَذَلِكَ فَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِهِ فَقَالَ: قَوْلُهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ أَيْ وَإِنْ جَامَعَهَا فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ فِيهَا الْمَعْنَى السَّابِقَ مِنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا، يَعْنِي إذَا وُطِئَتْ الزَّوْجَةُ بِشُبْهَةٍ فَحَمَلَتْ مِنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ وَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ طَاهِرًا فَهُوَ بِدْعِيٌّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَشْرَعُ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ عِدَّةَ الْحَمْلِ مُقَدَّمَةٌ مُطْلَقًا. وَيُلْغَزُ بِذَلِكَ وَيُقَالُ: لَنَا رَجُلٌ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ وَلَا فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ وَهُوَ بِدْعِيٌّ.
قَوْلُهُ: (إذَا حَبِلَتْ مِنْهُ) أَيْ مِنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ طَلَّقَهَا) أَيْ زَوْجُهَا طَاهِرًا أَيْ وَلَوْ جَامَعَهَا فِيهِ وَفِي الْحَيْضِ بِالْأَوْلَى، وَسَوَاءٌ كَانَتْ تَحِيضُ أَوْ لَا لِتَقَدُّمِ عِدَّةِ الشُّبْهَةِ مُطْلَقًا؛ وَبِذَلِكَ فَارَقَتْ الَّتِي قَبْلَهَا.
قَوْلُهُ: (يُسْتَثْنَى مِنْ الطَّلَاقِ إلَخْ) أَيْ مِنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ بِدْعِيٌّ وَحَرَامٌ، فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ لَا يُقَالُ لَهَا بِدْعِيٌّ وَلَا تَحْرُمُ بَلْ يُقَالُ لَهَا لَا سُنِّيٌّ وَلَا بِدْعِيٌّ وَيَجْرِي فِيهَا النَّدْبُ وَالْإِبَاحَةُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْوُجُوبُ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: (إذَا حَاضَتْ) أَيْ فِي حَالَةِ الْحَمْلِ.
قَوْلُهُ: (؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا بِالْوَضْعِ) فَلَا أَثَرَ لِلْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ بِالْوَضْعِ.
قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَمَةً إلَخْ) وَيُلْغَزُ بِذَلِكَ وَيُقَالُ: لَنَا رَجُلٌ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فِي الْحَيْضِ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ بَلْ يُثَابُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: (فَسَأَلَتْ الزَّوْجَ إلَخْ) لَيْسَ قَيْدًا بَلْ الْمَدَارُ عَلَى عِلْمِ الزَّوْجِ بِالتَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ، أَيْ وَكَانَتْ حَائِضًا كَمَا هُوَ الْفَرْضُ.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ هَذَا التَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ.
قَوْلُهُ: (طَلَاقُ الْمُتَحَيِّرَةِ) يُتَأَمَّلُ فِيهِ، إذْ لَيْسَ هُنَا حَيْضٌ مُحَقَّقٌ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْمُتَحَيِّرَةَ الَّتِي رُدَّتْ لِعَادَتِهَا قَدْرًا وَوَقْتًا فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ طَلَاقَهَا فِي زَمَنِ عَادَةِ الْحَيْضِ بِدْعِيٌّ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ زَمَنَ الْبِدْعَةِ وَلَوْ احْتِمَالًا. وَعِبَارَةُ م د: مَحِلُّهُ إذَا وَقَعَ طَلَاقُهَا أَوَّلَ الشَّهْرِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ وَبَقِيَ مِنْهُ مَا يَسَعُ حَيْضًا وَطُهْرًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْعِدَدِ وَإِلَّا فَبِدْعِيٌّ.
قَوْلُهُ: (طَلَاقُ الْحَكَمَيْنِ) أَيْ حَيْثُ رَأَيَاهُ مَصْلَحَةً وَالْمُرَادُ أَحَدُ الْحَكَمَيْنِ، بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ فِيمَا سَبَقَ بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ.
قَوْلُهُ: (طَلَاقُ الْمَوْلَى) أَيْ الْمَوْلَى الَّذِي لَمْ يُرِدْ الْوَطْءَ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ) أَيْ فِي اسْتِثْنَائِهِ، الرَّافِعِيُّ وَجْهُ التَّوَقُّفِ أَنَّ سَبَبَهُ إيلَاؤُهُ فَكَانَ
الْحَيْضِ ثَانِيَةً. وَمِنْهَا مَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى عِوَضٍ، لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى:{فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] وَلِحَاجَتِهَا إلَى الْخَلَاصِ بِالْمُفَارَقَةِ مِنْ حَيْثُ افْتَدَتْ بِالْمَالِ، وَهَذَا لَيْسَ بِسُنِّيٍّ وَلَا بِدْعِيٍّ وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (وَضَرْبٌ لَيْسَ فِي طَلَاقِهِنَّ سُنَّةٌ وَلَا بِدْعَةٌ) عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ (وَهُنَّ أَرْبَعٌ) الْأُولَى (الصَّغِيرَةُ) الَّتِي لَمْ تَحِضْ (وَ) الثَّانِيَةُ (الْآيِسَةُ) ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهُمَا بِالْأَشْهُرِ فَلَا ضَرَرَ يَلْحَقُهُمَا (وَ) الثَّالِثَةُ (الْحَامِلُ) الَّتِي ظَهَرَ حَمْلُهَا؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا بِوَضْعِهَا فَلَا تَخْتَلِفُ الْمُدَّةُ فِي حَقِّهَا وَلَا نَدَمَ بَعْدَ ظُهُورِ الْحَمْلِ (وَ) الرَّابِعَةُ (الْمُخْتَلِعَةُ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا) إذْ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا.
تَتِمَّةٌ: مَنْ طَلَّقَ بِدْعِيًّا سُنَّ لَهُ الرَّجْعَةُ ثَمَّ بَعْدَهَا إنْ شَاءَ طَلَّقَ بَعْدَ تَمَامِ طُهْرٍ، لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
يُقَالُ بِدْعِيٌّ لِلتَّغْلِيظِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ ثَانِيَةً) وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ هَذَا بِدْعِيًّا؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَأْنِفُ لِلطَّلَاقِ الثَّانِي عِدَّةً لِعَدَمِ لُزُومِهَا بِهِ مَرْحُومِيٌّ.
قَوْلُهُ: (مَا لَوْ خَالَعَهَا) أَيْ وَكَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا؛ لِأَنَّ الَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهَا سَتَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا فِيهِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى عِوَضٍ) أَيْ مِنْهَا وَكَانَتْ رَشِيدَةً أَيْ سَوَاءٌ بَاشَرَتْ الْخُلْعَ أَوْ أَذِنَتْ لِأَجْنَبِيٍّ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَجْنَبِيُّ يُخَالِعُ مِنْ مَالِهِ فَبِدْعِيٌّ وَلَوْ بِإِذْنِهَا.
قَوْلُهُ: (لِإِطْلَاقِ) أَيْ فَهُوَ شَامِلٌ لِزَمَنِ الْحَيْضِ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ طَلَاقُ الْحَكَمَيْنِ وَمَا بَعْدَهُ، أَيْ مَا ذَكَرَ فِي التَّنْبِيهِ الثَّالِثِ مِنْ الْأَقْسَامِ السَّبْعِ. قَوْلُهُ:(وَهُوَ وَارِدٌ إلَخْ) فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ انْحِصَارُ هَذَا الضَّرْبِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِمَا فِي التَّنْبِيهِ الثَّالِثِ أَوْ رَاجِعٌ لِلْأَخِيرِ فَقَطْ، وَإِنَّمَا كَانَ الْأَخِيرُ وَارِدًا مَعَ أَنَّ الْمَتْنَ ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَهُ بِاَلَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهَا وَهَذَا أَعَمُّ.
قَوْلُهُ: (لَيْسَ فِي طَلَاقِهِنَّ سُنَّةٌ إلَخْ) أَيْ لَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ سُنِّيًّا وَلَا بِدْعِيًّا وَإِنْ كَانَ جَائِزًا. قَوْلُهُ: (وَهُنَّ) أَيْ هَذَا الضَّرْبُ وَأَنَّثَهُ وَجَمَعَهُ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ.
قَوْلُهُ: (الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَمْ تَحِضْ) سَوَاءٌ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ أَمْ لَا بِأَنْ اسْتَدْخَلَتْ مَاءَهُ الْمُحْتَرَمَ لِتَكُونَ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْآيِسَةِ وَالْحَامِلِ اهـ ب ش.
قَوْلُهُ: (الَّتِي لَمْ تَحِضْ) كَأَنَّهُ تَفْسِيرٌ مُرَادٌ لِلصَّغِيرَةِ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي هَذَا التَّعْمِيمِ مُسَلَّمٌ.
قَوْلُهُ: (الَّتِي ظَهَرَ حَمْلُهَا) أَيْ مِنْهُ لَا مِنْ شُبْهَةٍ وَلَا مِنْ زِنًا. وَقَيَّدَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ طَلَاقَ الْحَامِلِ الَّتِي لَمْ يَظْهَرْ حَمْلُهَا بِدْعِيٌّ لِمَا فِيهِ مِنْ النَّدَمِ، قَالَ ق ل: وَهُوَ تَصْوِيرٌ لِقَوْلِهِ وَلَا نَدَمَ وَإِلَّا فَلَا يَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (الْمُخْتَلِعَةُ) هِيَ مَحَلُّ الْقِسْمِ الرَّابِعِ وَلَا حَاجَةَ لِتَقْيِيدِهَا بِعَدَمِ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا مِنْ هَذَا الْقِسْمِ مُطْلَقًا بِخُلْعٍ أَوْ لَا، قَالَ سم: وَلَعَلَّ الْعَدَدَ كَانَ خَمْسًا بَدَلَ قَوْلِهِ أَرْبَعٌ وَكَانَ قَوْلُهُ: الَّتِي إلَخْ مَقْرُونًا بِالْوَاوِ لِإِتْمَامِ الْخَمْسِ فَغَيَّرَهُ النُّسَّاخُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الَّتِي دَخَلَ بِهَا أَوْ يَقُولَ وَاَلَّتِي إلَخْ بِزِيَادَةِ الْوَاوِ وَيَقُولَ خَمْسٌ بَدَلَ أَرْبَعٍ.
قَوْلُهُ: (تَتِمَّةٌ مَنْ طَلَّقَ بِدْعِيًّا) أَيْ بِسَبَبِ الْحَيْضِ سُنَّ لَهُ الرَّجْعَةُ، وَكُرِهَ تَرْكُهَا مَا دَامَ زَمَنُ الْبِدْعَةِ فَيَنْتَهِي سَنُّ الرَّجْعَةِ بِزَوَالِ زَمَنِ الْبِدْعَةِ وَهُوَ فِي طُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ أَوْ فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ بِفَرَاغِهِ مَعَ زَمَنِ الْحَيْضِ بَعْدَهُ وَفِي حَيْضٍ خَالٍ عَنْ الْوَطْءِ بِفَرَاغِهِ وَبِالرَّجْعَةِ سَقَطَ الْإِثْمُ؛ لِأَنَّهُ لَحِقَهَا وَقَدْ وَفَّاهُ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ وَإِنْ كَانَتْ تَوْبَةً خِلَافًا لِمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ نَظَرًا لِمَا ذُكِرَ وَهُوَ انْتِهَاءُ زَمَنِ الْبِدْعَةِ وَلِأَنَّ التَّوْبَةَ لَا تَنْحَصِرُ فِي الرَّجْعَةِ لِحُصُولِهَا بِمُسَامَحَتِهَا مَثَلًا. وَقَوْلُهُ:" أَيْ بِسَبَبِ الْحَيْضِ " لَيْسَ قَيْدًا بَلْ كُلُّ مَنْ طَلَّقَ طَلَاقًا بِدْعِيًّا أَعَمُّ أَنْ يَكُونَ بِسَبَبِ حَيْضٍ أَوْ كَانَ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ وَهِيَ مِمَّنْ تَحْبَلُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ؛ لَكِنَّ كَوْنَ الرَّجْعَةِ سُنَّةً فِي حَقِّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ هُوَ الْوَارِدُ فِي السُّنَّةِ فِي خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فِي غَيْرِهِ فَهِيَ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ، فَلَعَلَّ الْمُحَشِّي قَيَّدَ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ الْوَارِدَ فِي الْحَدِيثِ: وَقَوْلُهُ: " وَهُوَ فِي طُهْرٍ أَيْ وَزَوَالِ زَمَنِ الْبِدْعَةِ فِي طُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ إلَخْ، وَقَوْلُهُ: " مَعَ زَمَنِ الْحَيْضِ " أَيْ مَعَ فَرَاغِ زَمَنِ الْحَيْضِ أَيْضًا وَالشُّرُوعِ فِي الطُّهْرِ.
قَوْلُهُ: (سُنَّ لَهُ الرَّجْعَةُ) أَوْ تَجْدِيدُ النِّكَاحِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا اهـ إمْدَادٌ.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ تَمَامِ طُهْرٍ) الْأَوْلَى حَذْفُ تَمَامٍ