الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ وَلَا يُعَامِلُ سَيِّدَهُ وَلَا رَقِيقَهُ الْمَأْذُونَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ بِبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ لِلسَّيِّدِ، وَيَدُ رَقِيقِ السَّيِّدِ كَالسَّيِّدِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ عَزْلِ نَفْسِهِ وَلَا يَصِيرُ مَأْذُونًا لَهُ بِسُكُوتِ سَيِّدِهِ، وَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِدُيُونِ الْمُعَامَلَةِ. وَمَنْ عَرَفَ رِقَّ شَخْصٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ مُعَامَلَتُهُ حَتَّى يَعْلَمَ الْإِذْنَ لَهُ بِسَمَاعِ سَيِّدِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ أَوْ شُيُوعٍ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَا يَكْفِي قَوْلُ الْعَبْدِ: أَنَا مَأْذُونٌ لِي لِأَنَّهُ رِقٌّ وَلَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ وَلَا بِتَمْلِيكِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ فَأَشْبَهَ الْبَهِيمَةَ.
فَصْلٌ: فِي الصُّلْحِ
وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ مِنْ إشْرَاعِ الرَّوْشَنِ فِي الطَّرِيقِ وَالصُّلْحُ لُغَةً قَطْعُ النِّزَاعِ وَشَرْعًا عَقْدٌ يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنْوَاعٌ: صُلْحٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ، وَبَيْنَ الْإِمَامِ وَالْبُغَاةِ، وَبَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ الشِّقَاقِ، وَصُلْحٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى:{وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] وَخَبَرُ: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» وَلَفْظُهُ يَتَعَدَّى لِلْمَتْرُوكِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
سَيِّدِهِ لِيَأْذَنَ لَهُ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ جَازَ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِالْإِنْفَاقِ لِلضَّرُورَةِ وَلَيْسَ لَهُ الِاقْتِرَاضُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، ز ي. وَيُصَدَّقُ فِي قَدْرِ مَا أَنْفَقَهُ ع ش. قَوْلُهُ:(وَلَا يَتَبَرَّعُ) وَلَوْ بِلُقْمَةٍ لِهِرَّةٍ مَا لَمْ يُعْلَمْ رِضَا السَّيِّدِ بِهِ أَيْ بِالتَّبَرُّعِ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ؛ ق ل وَع ش.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُعَامَلُ سَيِّدُهُ) أَيْ وَلَوْ وَكِيلًا مِنْ غَيْرِهِ بِمَالِ غَيْرِهِ، وَلَا وَكِيلُ سَيِّدِهِ بِمَالِ سَيِّدِهِ ق ل.
قَوْلُهُ: (وَلَا رَقِيقُهُ) أَيْ رَقِيقُ سَيِّدِهِ. وَقَوْلُهُ " بِبَيْعٍ " مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَلَا يُعَامَلُ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ) أَيْ فَيُعَامَلُ سَيِّدُهُ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ " أَيْ كِتَابَةً صَحِيحَةً، أَمَّا فَاسِدُهَا فَلَا يُعَامَلُ سَيِّدُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي، شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى يَعْلَمَ الْإِذْنَ) مُرَادُهُ بِالْعِلْمِ مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ لِثُبُوتِهِ بِعَدْلٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ بِبَيِّنَةٍ) وَلَوْ عَدْلًا وَاحِدًا، وَلَا يَبْطُلُ الْإِذْنُ بِجُنُونِ أَحَدِهِمَا أَوْ إغْمَائِهِ خِلَافًا لِلْعَبَّادِيِّ، وَلَا بِإِبَاقِ الْعَبْدِ وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيمَا أَبَقَ إلَيْهِ اهـ ق ل.
تَتِمَّةٌ: أَفْتَى السُّبْكِيُّ بِجَوَازِ بَيْعِ مَالِ الْيَتِيمِ لِنَفَقَتِهِ بِنِهَايَةِ مَا دَفَعَ فِيهِ وَإِنْ رُخِّصَ لِضَرُورَةٍ. اهـ. حَجّ. أَقُولُ: وَقَدْ يُقَالُ فِيهِ وَقْفَةٌ بَلْ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي الِاقْتِرَاضُ أَوْ الِارْتِهَانُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ مُصَوَّرٌ بِمَا إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ " لِضَرُورَةٍ " أَوْ يُقَالُ: حَيْثُ انْتَهَتْ الرَّغَبَاتُ فِيهِ بِقَدْرٍ كَانَ ثَمَنُ مِثْلِهِ وَالرُّخْصُ لَا يُنَافِيهِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ قَدْ يَكُونُ غَالِيًا وَقَدْ يَكُونُ رَخِيصًا اهـ. ع ش عَلَى م ر.
[فَصْلٌ فِي الصُّلْحِ]
ِ ذَكَرَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ لَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ مُنَاسَبَةٍ، فَكَانَ الْمُنَاسِبُ تَأْخِيرَهُ عَمَّا فِي الْكِتَابِ كُلِّهِ لِأَنَّهُ يَجْرِي فِي غَالِبِهَا فَيَكُونُ بَيْعًا وَسَلَمًا وَهِبَةً وَإِجَارَةً. وَهُوَ رُخْصَةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ هِيَ الْحُكْمُ الْمُتَغَيَّرُ إلَيْهِ السَّهْلُ لِعُذْرٍ مِنْ قِيَامِ السَّبَبِ لِلْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِتَسْمِيَتِهِ رُخْصَةُ التَّغْيِيرِ بِالْفِعْلِ بَلْ وُرُودُ الْحُكْمِ عَلَى خِلَافِ مَا تَقْتَضِيهِ الْأُصُولُ الْعَامَّةُ كَافٍ فِي كَوْنِهِ رُخْصَةً؛ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَكَرَهُ عَقِبَ الْحَجْرِ لِأَنَّ غَالِبَ وُقُوعِهِ بَعْدَ حَجْرِ الْفَلَسِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ إشْرَاعِ الرَّوْشَنِ) أَيْ وَحُكْمُ تَقْدِيمِ الْبَابِ وَتَأْخِيرِهِ.
قَوْلُهُ: (وَشَرْعًا عَقْدٌ إلَخْ) هَذَا مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ أَعَمُّ مِنْ الِاصْطِلَاحِيِّ إذْ هُمَا مُتَغَايِرَانِ هُنَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ قَطَعَ النِّزَاعَ أَيْ بِعَقْدٍ أَوْ بِغَيْرِهِ فَيَكُونُ أَعَمَّ مِنْ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الصُّلْحُ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا الْمَذْكُورُ فِي التَّرْجَمَةِ؛ لِأَنَّهُ خَاصٌّ بِالْمُعَامَلَاتِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ بَعْدُ، وَإِلَّا لَزِمَ تَقْسِيمُ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ وَإِلَى غَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ " أَنْوَاعٌ " أَيْ أَرْبَعَةٌ صُلْحٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ، وَعَقَدُوا لَهُ
بِمِنْ وَعَنْ وَلِلْمَأْخُوذِ بِعَلَى وَالْبَاءِ غَالِبًا.
وَهُوَ قِسْمَانِ صُلْحٌ عَلَى إقْرَارٍ وَصُلْحٌ عَلَى إنْكَارٍ. وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: (وَيَصِحُّ الصُّلْحُ مَعَ الْإِقْرَارِ فِي الْأَمْوَالِ الثَّابِتَةِ فِي الذِّمَّةِ) فَلَا يَصِحُّ عَلَى غَيْرِ إقْرَارٍ مِنْ إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ عَنْ سُلَيْمٍ الرَّازِيِّ وَغَيْرِهِ، كَأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ دَارًا فَأَنْكَرَ أَوْ سَكَتَ ثُمَّ تَصَالَحَا عَلَيْهَا أَوْ عَلَى بَعْضِهَا، أَوْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَثَوْبٍ أَوْ دَيْنٍ لِأَنَّهُ فِي الصُّلْحِ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى بِهِ صُلْحٌ مُحَرِّمٌ لِلْحَلَالِ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي
ــ
[حاشية البجيرمي]
بَابُ الْهُدْنَةِ وَهِيَ الصُّلْحُ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ مُدَّةَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ قُوَّتِنَا وَعَشْرِ سِنِينَ عِنْدَ ضَعْفِنَا.
قَوْلُهُ: (وَبَيْنَ الْإِمَامِ) أَوْ نَائِبِهِ وَالْبُغَاةِ، وَعَقَدُوا لَهُ بَابَ الْبُغَاةِ.
قَوْلُهُ: (وَبَيْنَ الزَّوْجَيْنِ) وَعَقَدُوا لَهُ بَابَ الْقَسَمِ وَالنُّشُوزِ.
قَوْلُهُ: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ دَلِيلٌ عَلَى الصُّلْحِ مُطْلَقًا، وَفِيهِ أَنَّ هَذَا الصُّلْحَ هُوَ الْوَاقِعُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لِأَنَّهُ أُعِيدَتْ فِيهِ النَّكِرَةُ مَعْرِفَةً، وَالنَّكِرَةُ إذَا أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً كَانَتْ عَيْنًا، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: هَذَا الصُّلْحُ أَيْ الْوَاقِعُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ خَيْرٌ ح ل.
وَقَدْ أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَغْلَبِيَّةٌ وَبِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَيَدُلُّ لِإِرَادَةِ الْعُمُومِ إعَادَتُهُ بِلَفْظِ الظَّاهِرِ لَا بِالضَّمِيرِ. قَوْلُهُ:(بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ) خَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ لِانْقِيَادِهِمْ لِلْأَحْكَامِ غَالِبًا، وَإِلَّا فَمِثْلُهُمْ الْكُفَّارُ. قَوْلُهُ:(إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا إلَخْ) أَيْ فَلَا يَجُوزُ أَيْ يَحْرُمُ وَلَا يَصِحُّ، فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ؛ ق ل، أَيْ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مَا لَيْسَ صُلْحًا لِعَدَمِ صِحَّتِهِ مِنْ الصُّلْحِ. وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ لَا يُسَمَّى صُلْحًا وَفِيهِ خِلَافٌ م د. قَوْلُهُ:(أَحَلَّ حَرَامًا) كَأَنْ صَالَحَ عَلَى نَحْوِ خَمْرٍ م ر، وَسَيَأْتِي تَمْثِيلُهُ أَيْضًا فِي الشَّرْحِ. قَوْلُهُ:(أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا) كَأَنْ صَالَحَ عَلَى أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ فِي الْمَصَالِحِ عَلَيْهِ، شَرْحُ م ر. فَإِنْ قِيلَ: الصُّلْحُ لَمْ يُحَرِّمْ الْحَلَالَ وَلَمْ يُحَلِّلْ الْحَرَامَ بَلْ هُوَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الصُّلْحَ هُوَ الْمُجَوِّزُ لَنَا الْإِقْدَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ، عَنَانِيٌّ؛ أَيْ فَلَوْ صَحَّحْنَاهُ لَكَانَ هُوَ الْمُحَلِّلُ وَالْمُحَرِّمُ فِي الظَّاهِرِ.
قَوْلُهُ: (وَلَفْظُهُ إلَخْ) وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فَقَالَ:
فِي الصُّلْحِ لِلْمَأْخُوذِ بَاءٌ وَعَلَى
…
وَالتَّرْكُ مِنْ وَعَنْ كَثِيرًا ذَا جَعْلَا
وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ أَيْضًا بِقَوْلِهِ:
بِالْبَاءِ أَوْ عَلَى يُعَدَّى الصُّلْحُ
…
لِمَا أَخَذْته فَهَذَا نُصْحُ
وَمِنْ وَعَنْ أَيْضًا لِمَا قَدْ تُرِكَا
…
فِي أَغْلَبِ الْأَحْوَالِ ذَا قَدْ سُلِكَا
قَوْلُهُ: (عَلَى إقْرَارٍ) وَمِثْلُهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ الْإِنْكَارِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا عَقْدَ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ تَنَازَعَ الْمُتَعَاقِدَانِ هَلْ وَقَعَ الْعَقْدُ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ كَمَا قَالُوهُ فِي الْبَيْعِ فَهَلَّا يَكُونُ هُنَا كَذَلِكَ، أُجِيبَ بِأَنَّ الظَّاهِرَ وَالْغَالِبَ جَرَيَانُ الْبَيْعِ عَلَى الصِّحَّةِ، وَالْغَالِبُ وُقُوعُ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ؛. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى إنْكَارٍ) أَيْ أَوْ سُكُوتٍ كَمَا يَأْتِي، وَلَوْ قَالَ عَلَى غَيْرِ إقْرَارٍ لَكَانَ أَوْلَى ق ل.
قَوْلُهُ: (مَعَ الْإِقْرَارِ) أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ أَوْ مَعَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، ق ل.
قَوْلُهُ: (الثَّابِتَةِ فِي الذِّمَّةِ) الصَّوَابُ إسْقَاطُهُ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ يَصِحُّ الصُّلْحُ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ ثَابِتَةً فِي الذِّمَّةِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ إنْكَارٍ) أَيْ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ حَيْثُ ذَهَبُوا إلَى صِحَّتِهِ، أج.
قَوْلُهُ: (كَمَا قَالَهُ إلَخْ) يَرْجِعُ لِلسُّكُوتِ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ تَصَالَحَا عَلَيْهَا) أَيْ مِنْهَا عَلَيْهَا بِأَنْ تُجْعَلَ لِلْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ م ر، كَأَنْ قَالَ: صَالَحْتُك مِنْهَا عَلَيْهَا، وَهَذَا تَصْوِيرُ الْمِنْهَاجِ الْآتِي؛ أَوْ قَالَ: صَالَحْتُك مِنْهَا عَلَى نِصْفِهَا، أَوْ قَالَ: صَالَحْتُك مِنْهَا أَوْ مِنْ بَعْضِهَا عَلَى ثَوْبٍ مَثَلًا؛ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لِأَنَّهُ عَلَى إنْكَارٍ. اهـ. شَيْخُنَا. وَحَاصِلُ مَا ذُكِرَ مِنْ صُوَرِ الصُّلْحِ الْبَاطِلَةِ أَرْبَعَةٌ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ تَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ، فَذَكَرَ الشَّارِحُ دَلِيلَ الْأَخِيرَتَيْنِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ فِي الصُّلْحِ إلَخْ، وَأَمَّا الِاثْنَانِ الْأَوَّلَانِ فَسَيَأْتِي يَقُولُ: وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (أَوْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ) سَوَاءٌ كَانَ الصُّلْحُ مِنْهَا أَوْ مِنْ بَعْضِهَا كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُهُ لِتَحْرِيمِ الْمُدَّعَى بِهِ أَوْ بَعْضِهِ، شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ:
صَادِقًا لِتَحْرِيمِ الْمُدَّعَى بِهِ أَوْ بَعْضِهِ عَلَيْهِ، أَوْ مُحَلِّلٌ لِلْحَرَامِ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي كَاذِبًا بِأَخْذِهِ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ. وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ الصُّلْحُ عَلَى الْمُدَّعَى بِهِ أَوْ بَعْضِهِ فَقَوْلُ الْمِنْهَاجِ إنْ جَرَى عَلَى نَفْسِ الْمُدَّعَى بِهِ صَحِيحٌ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُحَرَّرِ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الشَّيْخَيْنِ. وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّ عَلَى وَالْبَاءَ يَدْخُلَانِ عَلَى الْمَأْخُوذِ وَمِنْ وَعَنْ عَلَى الْمَتْرُوكِ، مَرْدُودٌ بِأَنَّ ذَلِكَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَبِأَنَّ الْمُدَّعِيَ الْمَذْكُورَ مَأْخُوذٌ وَمَتْرُوكٌ بِاعْتِبَارَيْنِ غَايَتُهُ أَنَّ إلْغَاءَ الصُّلْحِ فِي ذَلِكَ لِلْإِنْكَارِ وَلِفَسَادِ الصِّيغَةِ بِاتِّحَادِ الْعِوَضَيْنِ. وَقَوْلُهُ: صَالِحْنِي عَمَّا تَدَّعِيهِ لَيْسَ إقْرَارًا لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ بِهِ قَطْعَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
لِأَنَّهُ فِي الصُّلْحِ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى بِهِ إلَخْ) أَيْ لَوْ قُلْنَا بِصِحَّتِهِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا إلَخْ، أَيْ حَرَّمَهُ عَلَيْهِ بِصُورَةِ عَقْدٍ مَقْهُورٍ عَلَيْهِ لِإِنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلَا يُقَالُ إنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ تَرْكُ حَقِّهِ أَوْ بَعْضِهِ بِعَقْدِ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ،. اهـ. ح ل بِتَصَرُّفٍ.
قَوْلُهُ: (أَوْ بَعْضِهِ) أَيْ فِيمَا إذَا صَالَحَهُ مِنْ بَعْضِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ عَلَى ثَوْبٍ مَثَلًا وَلَمْ يُصَالِحْ عَلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى بِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ الْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ " أَوْ بَعْضِهِ " لِأَنَّهُ بِصَدَدِ الصُّلْحِ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى بِهِ وَلِأَنَّهُ سَيَأْتِي فِي الْمُلْحَقِ بَعْدَهُ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ صُورَتَهُ أَنْ يَدَّعِيَ الدَّارَ مَثَلًا وَيُصَالِحَهُ مِنْ بَعْضِهَا عَلَى ثَوْبٍ مَثَلًا سَاكِتًا عَنْ الْبَعْضِ الْآخَرِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا غَيْرُ مَا يَأْتِي فَلَا تَكْرَارَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ قَوْلَهُ: أَوْ بَعْضِهِ مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي " بِهِ " بِدُونِ إعَادَةِ الْخَافِضِ. وَهُوَ بَعِيدٌ تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ) أَيْ بِالصُّلْحِ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى بِهِ الصُّلْحُ عَلَى نَفْسِ الْمُدَّعَى بِهِ أَوْ عَلَى بَعْضِهِ فِي الْبُطْلَانِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجْرِي فِيهِ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ، أَيْ قَوْلُهُ " لِأَنَّهُ فِي الصُّلْحِ إلَخْ " وَإِنَّمَا قَالَ " يَلْحَقُ " لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَعْنَى الصُّلْحِ عَلَى الْمُدَّعَى بِهِ أَنَّهُ يَتْرُكُهُ لِلْمُنْكِرِ، فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا تَحْرِيمُ الْحَلَالِ إنْ كَانَ صَادِقًا دُونَ تَحْلِيلِ الْحَرَامِ إنْ كَانَ كَاذِبًا، لِكَوْنِ الْمُدَّعِي لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا وَالْحَالَةُ هَذِهِ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَى الصُّلْحِ عَلَى الْمُدَّعَى بِهِ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ مِنْ الْمُنْكِرِ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا تَحْلِيلُ الْحَرَامِ لِأَخْذِهِ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ إنْ كَانَ كَاذِبًا؛ فَسَقَطَ قَوْلُ ق ل: لَا حَاجَةَ لِلْإِلْحَاقِ لِوُجُودِ الْمَعْنَيَيْنِ فِيهِ، اهـ. نَعَمْ يَظْهَرُ وُجُودُ الْمَعْنَيَيْنِ فِيمَا إذَا صَالَحَ عَلَى بَعْضِ الْمُدَّعَى بِهِ اهـ م د قَوْلُهُ:(فَقَوْلُ الْمِنْهَاجِ إلَخْ) مُفَرَّعٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَصْوِيرِ الصُّلْحِ الْبَاطِلِ بِمَا مَرَّ وَقَوْلُ الشَّارِحِ فَقَوْلُ الْمِنْهَاجِ مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ إنْ جَرَى مَقُولُ الْقَوْلِ، وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ أَيْ فَيَبْطُلُ. وَقَوْلُهُ " صَحِيحٌ " خَبَرُ قَوْلِ أَيْ تَصْوِيرُ الْمِنْهَاجِ لِبُطْلَانِ الصُّلْحِ بِمَا ذَكَرَهُ صَحِيحٌ. وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ: النَّوْعُ الثَّانِي الصُّلْحُ عَلَى إنْكَارٍ فَيَبْطُلُ إنْ جَرَى عَلَى نَفْسِ الْمُدَّعَى بِهِ أَوْ بَعْضِهِ، اهـ. وَتَعْبِيرُهُ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ لَكِنْ التَّقْيِيدُ بِذَلِكَ غَيْرُ مُرَادٍ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَالْأَوْلَى لِلشَّارِحِ عَدَمُ ذِكْرِ هَذَا. قَوْلُهُ:(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُحَرَّرِ إلَخْ) بَلْ الَّذِي فِيهَا لَفْظَةُ " غَيْرٍ " بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ.
قَوْلُهُ: (وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ إلَخْ) قَائِلُهُ الْإِسْنَوِيُّ: وَوَجْهُ عَدَمِ اسْتِقَامَتِهِ أَنَّ الْعَيْنَ الْمُدَّعَاةَ إمَّا مَتْرُوكَةٌ وَإِمَّا مَأْخُوذَةٌ.
فَإِنْ كَانَتْ مَتْرُوكَةً وَرَدَ عَلَيْهِ دُخُولُ عَلَى، وَإِنْ كَانَتْ مَأْخُوذَةً وَرَدَ عَلَيْهِ دُخُولُ " مِنْ " وَ " عَنْ ". قَوْلُهُ:(لِأَنَّ عَلَى إلَخْ) أَيْ وَلَيْسَ هُنَا مَتْرُوكٌ وَمَأْخُوذٌ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ وَاحِدَةٌ ق ل. وَهَذَا تَوْجِيهٌ لِلِاعْتِرَاضِ، أَيْ أَنَّ وَضْعَ الصُّلْحِ أَنْ يَكُونَ مَعَنَا شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا مَتْرُوكٌ تَدْخُلُ عَلَيْهِ " مِنْ " وَالثَّانِي مَأْخُوذٌ تَدْخُلُ عَلَيْهِ " عَلَى " وَلَيْسَ هُنَا إلَّا شَيْءٌ وَاحِدٌ دَخَلَتْ عَلَيْهِ " مِنْ " وَ " عَلَى " قَالَ م د. فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْمُدَّعِي صَادِقٌ بِتَرْكِهِ وَبِأَخْذِهِ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَ خِلَافَهُ.
قَوْلُهُ: (مَرْدُودٌ) خَبَرٌ. وَحَاصِلُ الرَّدِّ جَوَابَانِ: الْأَوَّلُ: بِالتَّسْلِيمِ، وَالثَّانِي: بِالْمَنْعِ، وَحَاصِلُهُ تَصْحِيحُ تَصْوِيرِ الْمِنْهَاجِ.
قَوْلُهُ: (جَرَى عَلَى الْغَالِبِ) أَيْ وَهَذَا مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ.
قَوْلُهُ: (بِاعْتِبَارَيْنِ) فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُدَّعِي مَتْرُوكٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَكَأَنَّ الْمُدَّعِيَ أَخَذَهَا وَتَرَكَهَا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ ح ل.
قَوْلُهُ: (أَنَّ إلْغَاءَ الصُّلْحِ) أَيْ بُطْلَانُهُ.
قَوْلُهُ: (وَلِفَسَادِ الصِّيغَةِ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا مَرَّ مِنْ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ التَّصْوِيرِ وَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ بَاطِلًا وَمَعَ الْجَوَابِ عَنْهُ الْمُقْتَضِي لِصِحَّتِهِ أَيْضًا فَتَأَمَّلْهُ، ق ل. فَكَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطَ هَذَا التَّعْلِيلِ كَمَا قَالَهُ أج؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ التَّصْوِيرِ وَالْقَصْدُ تَصْحِيحُهُ بِمَا تَقَدَّمَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ فَسَادَ الصِّيغَةِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ قَبْلَ الْجَوَابِ عَنْهَا. قَوْلُهُ:(بِاتِّحَادٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لِفَسَادِ وَقَوْلُهُ الْعِوَضَيْنِ، أَيْ الْمُصَالَحُ بِهِ وَالْمُصَالَحُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ
الْخُصُومَةِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ بُطْلَانِ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ مَسَائِلُ: مِنْهَا اصْطِلَاحُ الْوَرَثَةِ فِيمَا وُقِفَ بَيْنَهُمْ إذَا لَمْ يَبْذُلْ أَحَدُهُمْ عِوَضًا مِنْ خَالِصِ مِلْكِهِ، وَمِنْهَا مَا إذَا أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَمَاتَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ، أَوْ طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ أَوْ التَّعْيِينِ وَوُقِفَ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُنَّ فَاصْطَلَحْنَ، وَمِنْهَا مَا لَوْ تَدَاعَيَا وَدِيعَةً عِنْدَ رَجُلٍ فَقَالَ: لَا أَعْلَمُ لِأَيِّكُمَا هِيَ أَوْ دَارًا فِي يَدِهِمَا وَأَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً ثُمَّ اصْطَلَحَا، وَإِذَا تَصَالَحَا ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي أَنَّهُمَا تَصَالَحَا عَلَى إقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ، فَاَلَّذِي نَصَّ
ــ
[حاشية البجيرمي]
جَعَلَ الْعَيْنَ الْمُدَّعَاةَ مَتْرُوكَةً لِدُخُولِ " مِنْ " عَلَيْهَا وَمَأْخُوذَةً لِدُخُولِ " عَلَى " عَلَيْهَا.
قَوْلُهُ: (وَيُسْتَثْنَى إلَخْ) الِاسْتِثْنَاءُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ إذْ هُوَ مِنْ الصُّلْحِ مَعَ الْجَهْلِ لَا مَعَ الْإِنْكَارِ ق ل، كَأَنْ مَاتَ عَنْ ابْنٍ وَخُنْثَى فَأَخَذَ الِابْنُ النِّصْفَ وَالْخُنْثَى الثُّلُثَ وَاصْطَلَحَا عَلَى السُّدُسِ الْبَاقِي؛ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا لَمْ يُعْلَمْ مَا لِكُلٍّ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْإِنْكَارِ تَدَبَّرْ لِكَاتِبِهِ أج.
قَوْلُهُ: (عَلَى الْإِنْكَارِ) الْأَوْلَى: عَلَى غَيْرِ إقْرَارٍ كَمَا فِي م ر، لِيَشْمَلَ السُّكُوتَ؛ إذْ لَا إنْكَارَ هُنَا، إلَّا أَنْ يُقَالَ هُنَا إنْكَارٌ بِالْقُوَّةِ، وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: قَوْلُهُ: وَإِقْرَارُ الْخَصْمِ فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ مَعَ الْإِنْكَارِ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَكَذَا مَعَ السُّكُوتِ، وَحِينَئِذٍ فَيَحْرُمُ عَلَى نَحْوِ قَاضٍ ادَّعَى بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى آخَرَ بِنَحْوِ دَيْنٍ فَأَنْكَرَ الْأَمْرَ بِالصُّلْحِ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِبَاطِلٍ، وَكَذَا تَحْرُمُ الْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إلَّا إذَا قَلَّدَ الْآمِرُ أَوْ الْمُشِيرُ مَنْ يَرَى الصُّلْحَ عَلَى الْإِنْكَارِ؛ قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ أَرَادَ الصُّلْحَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَإِنْ أَرَادَ النَّظَرَ بَيْنَهُمَا لِيَحْصُلَ إقْرَارٌ فَلَا حُرْمَةَ،. اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (فِيمَا وَقَفَ بَيْنَهُمْ) كَأَنْ مَاتَ شَخْصٌ عَنْ جَدٍّ وَأَخٍ شَقِيقٍ وَأَخٍ لِأَبٍ مَفْقُودٍ، فَإِنَّ الْجَدَّ يَأْخُذُ اثْنَيْنِ مِنْ سِتَّةٍ لِأَنَّ لَهُ الثُّلُثَ وَالْأَخُ الشَّقِيقُ يَأْخُذُ ثَلَاثَةً وَيُوقَفُ الْوَاحِدُ إنْ تَبَيَّنَ مَوْتُ الْمَفْقُودِ أَخَذَهُ الْجَدُّ وَإِلَّا أَخَذَهُ الشَّقِيقُ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ اصْطَلَحَ الشَّقِيقُ مَعَ الْجَدِّ اج. وَفِي جَعْلِهَا مِنْ سِتَّةٍ نَظَرٌ، وَكَذَا فِي إعْطَاءِ الْأَخِ ثَلَاثَةً وَالْجَدِّ اثْنَيْنِ نَظَرٌ؛ وَالصَّوَابُ جَعْلُهَا مِنْ ثَلَاثَةٍ بِعَدَدِ الرُّءُوسِ فَيُعْطَى الْجَدُّ وَاحِدًا وَالشَّقِيقُ وَاحِدًا وَيُوقَفُ وَاحِدٌ بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأَخِ الشَّقِيقِ إنْ لَمْ يَظْهَرْ مَوْتُ الْأَخِ لِلْأَبِ وَلَا حَيَاتُهُ، فَالْأَوْلَى تَمْثِيلُ الْمَدَابِغِيِّ بِابْنٍ وَخُنْثَى مَاتَ عَنْهُمَا فَيُعْطَى الِابْنُ ثَلَاثَةً وَالْخُنْثَى اثْنَيْنِ وَيُوقَفُ وَاحِدٌ لِلِاتِّضَاحِ أَوْ الصُّلْحِ، فَإِذَا اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الِابْنُ الْوَاضِحُ نِصْفَ الْقِيرَاطِ أَيْ الْمَوْقُوفِ أَوْ ثُلُثَيْهِ مَثَلًا وَالْبَاقِي لِلْخُنْثَى صَحَّ الصُّلْحُ. وَإِنَّمَا جُعِلَتْ مِنْ سِتَّةٍ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الذُّكُورَةِ مِنْ اثْنَيْنِ وَمَسْأَلَةَ الْأُنُوثَةِ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَالْجَامِعَةُ لَهُمَا سِتَّةٌ مِنْ ضَرْبِ اثْنَيْنِ فِي ثَلَاثَةٍ، وَقَرَّرَ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ " فِيمَا وُقِفَ بَيْنَهُمْ " أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ هُنَاكَ خُنْثَى مَثَلًا كَأَنْ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ وَخُنْثَى، فَمَسْأَلَةُ الذُّكُورَةِ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَمَسْأَلَةُ الْأُنُوثَةِ مِنْ خَمْسَةٍ وَالْجَامِعَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَيُعْطَى كُلُّ ابْنٍ خَمْسَةً وَيُعْطَى الْخُنْثَى ثَلَاثَةً لِأَنَّهَا خُمُسُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَكَانَ لَهُ خُمُسُ الْخَمْسَةِ فِي الْأُولَى بِتَقْدِيرِ الْأُنُوثَةِ وَيُوقَفُ اثْنَانِ لِلِاتِّضَاحِ أَوْ الصُّلْحِ، فَإِذَا اصْطَلَحُوا صَحَّ اصْطِلَاحُهُمْ بِتَسَاوٍ أَوْ تَفَاوُتٍ مَعَ أَنَّهُ لَا إقْرَارَ اهـ.
قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ يَبْذُلْ إلَخْ) أَمَّا إذَا بَذَلَ أَحَدُهُمْ عِوَضًا مِنْ خَالِصِ مِلْكِهِ بَطَلَ الصُّلْحُ لِاقْتِضَاءِ الْمُعَاوَضَةِ الْمِلْكِيَّةِ لِلْمَوْقُوفِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ، وَلِتَوَقُّفِهِ عَلَى الْإِقْرَارِ فِي مُقَابَلَةِ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْمَوْقُوفِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ) أَيْ وَأَسْلَمْنَ قَبْلَ مَوْتِهِ، أَمَّا لَوْ لَمْ يُسْلِمْنَ أَوْ أَسْلَمْنَ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا إرْثَ لِقِيَامِ الْمَانِعِ بِهِنَّ حَالَ الْمَوْتِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ) أَيْ طَلَاقًا بَائِنًا لِأَنَّهَا لَا تَرِثُ، فَاحْتِيجَ إلَى الصُّلْحِ. أَمَّا الرَّجْعِيَّةُ فَإِنَّهَا تَرِثُ فَلَا حَاجَةَ لِلصُّلْحِ. قَوْلُهُ:(وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ) أَيْ إنْ كَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ مُعَيَّنَةً عِنْدَهُ فِي قَصْدِهِ، لَكِنْ لَمْ يُبَيِّنْهَا قَبْلَ مَوْتِهِ. وَقَوْلُهُ " أَوْ التَّعْيِينِ " إنْ كَانَتْ مُبْهَمَةً عِنْدَهُ لَكِنْ لَمْ يُعَيِّنْهَا قَبْلَ مَوْتَةِ.
قَوْلُهُ: (فَاصْطَلَحْنَ) أَيْ الْأَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَالزَّوْجَتَانِ الْمُطَلَّقَةُ إحْدَاهُمَا، أَيْ اصْطَلَحْنَ عَلَى الْقِسْمَةِ بِالتَّسَاوِي أَوْ التَّفَاوُتِ.
قَوْلُهُ: (لَا أَعْلَمُ لِأَيِّكُمَا هِيَ) بِأَنْ أَوْدَعَ شَخْصَانِ عِنْدَ آخَرَ وَدِيعَتَيْنِ فَضَاعَتْ إحْدَاهُمَا مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ وَلَمْ يُعْلَمْ لِأَيِّهِمَا هِيَ، وَادَّعَى كُلٌّ مِنْ الْمُودِعَيْنِ أَنَّ الْبَاقِيَةَ لَهُ، فَإِنَّهُمَا يَصْطَلِحَانِ عَلَى التَّفَاضُلِ أَوْ التَّسَاوِي لَا عَلَى
عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الْإِنْكَارِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا عَقْدَ، وَلَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بَعْدَ الْإِنْكَارِ جَازَ الصُّلْحُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِأَنَّ لُزُومَ الْحَقِّ بِالْبَيِّنَةِ كَلُزُومِهِ بِالْإِقْرَارِ. وَلَوْ أَقَرَّ ثُمَّ أَنْكَرَ جَازَ الصُّلْحُ، وَلَوْ أَنْكَرَ فَصُولِحَ ثُمَّ أَقَرَّ كَانَ الصُّلْحُ بَاطِلًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.
(وَ) يَصِحُّ الصُّلْحُ أَيْضًا فِي كُلِّ (مَا يُفْضِي) أَيْ يَئُولُ (إلَيْهَا) أَيْ الْأَمْوَالِ كَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ، كَمَنْ ثَبَتَ لَهُ عَلَى شَخْصٍ قِصَاصٌ فَصَالَحَهُ عَلَيْهِ عَلَى مَالٍ بِلَفْظِ الصُّلْحِ كَصَالَحْتُك مِنْ كَذَا عَلَى مَا تَسْتَحِقُّهُ عَلَيَّ مِنْ قِصَاصٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، أَوْ بِلَفْظِ الْبَيْعِ فَلَا.
(وَهُوَ) أَيْ الصُّلْحُ ضَرْبَانِ: صُلْحٌ عَنْ دَيْنٍ وَصُلْحٌ عَنْ عَيْنٍ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا (نَوْعَانِ) فَالْأَوَّلُ مِنْ نَوْعَيْ الدَّيْنِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ (إبْرَاءٌ) وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ. وَالثَّانِي مِنْ نَوْعَيْ الدَّيْنِ وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ اخْتِصَارًا مُعَاوَضَةٌ وَهُوَ الْجَارِي عَلَى غَيْرِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ. فَإِنْ صَالَحَ عَنْ بَعْضِ أَمْوَالِ الرِّبَا عَلَى مَا يُوَافِقُهُ فِي الْعِلَّةِ اشْتَرَطَ قَبْضَ الْعِوَضِ فِي الْمَجْلِسِ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُ فِي نَفْسِ الصُّلْحِ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعِوَضَانِ رِبَوِيَّيْنِ، فَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ عَيْنًا صَحَّ الصُّلْحُ وَإِنْ لَمْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
اخْتِصَاصِ أَحَدِهِمَا بِهَا وَبَذْلِ شَيْءٍ مِنْهُ لِلْآخَرِ م د، قَوْلُهُ:(أَوْ دَارًا فِي يَدِهِمَا) يُقَالُ: أَيْ حَاجَةً لِلصُّلْحِ بَيْنَهُمَا مَعَ أَنَّهَا لَهُمَا مُنَاصَفَةً بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ؟ قَوْلُهُ: (وَأَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً) رَاجِعٌ لِلِاثْنَيْنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ إذَا لَمْ يُقِمْ أَحَدٌ بَيِّنَةً لِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ كَالْعَدَمِ لِتَعَارُضِهِمَا. قَوْلُهُ:(أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الْإِنْكَارِ) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ خَرَجَتْ عَنْ قَاعِدَةِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ فِيمَا لَوْ اخْتَلَفَا وَأَحَدُهُمَا يَدَّعِي الصِّحَّةَ وَالْآخَرُ يَدَّعِي الْفَسَادَ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ أُقِيمَتْ) فِي مَعْنَى تَعْمِيمِ الْإِقْرَارِ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ " مَعَ الْإِقْرَارِ " فَيَكُونُ الْمُرَادُ الْإِقْرَارَ وَلَوْ حُكْمًا، وَأَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ الْبَيِّنَةَ كَالْإِقْرَارِ وَمِثْلُهَا الشَّاهِدُ مَعَ الْيَمِينِ.
قَوْلُهُ: (كَانَ الصُّلْحُ بَاطِلًا) هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّ مَا وَقَعَ فَاسِدًا لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا ق ل
قَوْلُهُ: (فَصَالَحَهُ عَلَيْهِ) صَوَابُهُ " عَنْهُ " ق ل؛ لِأَنَّ عَنْ تَدْخُلُ عَلَى الْمَتْرُوكِ وَالْقِصَاصُ مَتْرُوكٌ هُنَا، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَغْلَبِيَّةٌ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْقِصَاصَ كَالْمَأْخُوذِ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَإِذَا أَخَذَهُ سَقَطَ عَنْهُ.
قَوْلُهُ: (كَصَالَحْتُك مِنْ كَذَا) هَذَا مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: " مِنْ " دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَتْرُوكِ وَعَلَى دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَأْخُوذِ، فَهَذَا مِنْ الْغَالِبِ وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ صَادِرٌ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ قَوْلِهِ: عَلَى مَا تَسْتَحِقُّهُ عَلَيَّ وَهُوَ يَأْخُذُ الْقِصَاصَ، أَيْ وَإِذَا أَخَذَهُ سَقَطَ عَنْهُ وَيُتْرَكُ غَيْرُهُ، فَمَنْ قَالَ إنَّ هَذَا مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ كَأَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّ هَذَا صَادِرٌ مِنْ الْمُدَّعِي.
قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يَصِحُّ) وَيَسْقُطُ بِهِ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِذَلِكَ، وَمَتَى مَلَكَ مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ سَقَطَ عَنْهُ.
قَوْلُهُ: (أَوْ بِلَفْظِ الْبَيْعِ فَلَا) أَيْ أَوْ صَالَحَهُ عَنْ الْقِصَاصِ عَلَى مَالٍ بِلَفْظِ الْبَيْعِ كَبِعْتُكَ الْقِصَاصَ الَّذِي أَسْتَحِقُّهُ عَلَيْك بِكَذَا فَلَا يَصِحُّ، أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ نَقْلُهُ بِالْبَيْعِ.
قَوْلُهُ: (نَوْعَانِ) وَكُلٌّ مِنْهُمَا نَوْعَانِ، فَذَكَرَ فِي الدَّيْنِ الْإِبْرَاءَ وَتَرَكَ الْمُعَاوَضَةَ لِكَوْنِهِ ذَكَرَهَا فِي الْعَيْنِ، وَذَكَرَ فِي الْعَيْنِ الْمُعَاوَضَةَ وَتَرَكَ صُلْحَ الْحَطِيطَةِ لِكَوْنِهِ ذَكَرَ نَظِيرَهُ فِي صُلْحِ الدَّيْنِ، فَيَكُونُ فِي كَلَامِ الْمَتْنِ شَبَهُ احْتِبَاكٍ.
قَوْلُهُ: (وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ) فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ قَوْلَهُ الْآتِيَ " وَالْمُعَاوَضَةُ إلَخْ " شَامِلٌ لِلْعَيْنِ وَالدَّيْنِ، شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (عَلَى غَيْرِ الْعَيْنِ) فِي هَذَا التَّعْبِيرِ نَظَرٌ، فَإِنْ فُرِضَ الْكَلَامُ فِي الصُّلْحِ عَنْ الدَّيْنِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يُقَالَ: عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الدَّيْنِ، تَأَمَّلْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَيْنِ فِي كَلَامِهِ الْمُعَيَّنِ، فَهُوَ وَاقِعٌ فِي كَلَامِهِ وَصْفٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: عَلَى غَيْرِ الدَّيْنِ الْمُعَيَّنِ وَوَصْفُهُ بِالْمُدَّعَاةِ نَظَرًا لِلَفْظِ الْعَيْنِ لَا لِمَعْنَاهَا. وَهَذَا وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا أَوْلَى مِنْ الِاعْتِرَاضِ، فَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الدَّيْنِ لَا الْعَيْنِ، وَكَانَ يَقُولُ عَلَى غَيْرِ الدَّيْنِ الْمُدَّعَى بِهِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى مَا يُوَافِقُهُ) كَأَنْ صَالَحَ عَنْ ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ أَوْ عَنْ بُرٍّ بِشَعِيرٍ اهـ أج. قَوْلُهُ: (اُشْتُرِطَ قَبْضُ إلَخْ) أَيْ حَذَرًا مِنْ التَّفَرُّقِ الْمُؤَدِّي لِلرِّبَا، فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الصُّلْحُ وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُ فِي الْعَقْدِ اهـ شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ عَيْنًا) أَيْ مُعَيَّنًا فِي الْعَقْدِ كَأَنْ صَالَحَهُ عَنْ الْأَلْفِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ بِهَذَا الْعَبْدِ، كَمَا لَوْ بَاعَ ثَوْبًا بِدَرَاهِمَ فِي الذِّمَّةِ لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ الثَّوْبِ فِي الْمَجْلِسِ.
يُقْبَضْ فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ كَانَ دَيْنًا صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُ فِي الْمَجْلِسِ.
وَالنَّوْعُ الْأَوَّلُ مِنْ نَوْعَيْ الْعَيْنِ وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ اخْتِصَارًا: صُلْحُ الْحَطِيطَةِ وَهُوَ الْجَارِي عَلَى بَعْضِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ، كَمَنْ صَالَحَ مِنْ دَارٍ عَلَى بَعْضِهَا أَوْ مِنْ ثَوْبَيْنِ عَلَى أَحَدِهِمَا وَهَذَا هِبَةٌ لِبَعْضِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ، فَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ الْقَبُولُ وَمُضِيُّ مُدَّةِ إمْكَانِ الْقَبْضِ. وَيَصِحُّ فِي الْبَعْضِ الْمَتْرُوكِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَالتَّمْلِيكِ وَشَبَهِهِمَا وَكَذَا بِلَفْظِ الصُّلْحِ عَلَى الْأَصَحِّ كَصَالَحْتُك مِنْ الدَّارِ عَلَى رُبْعِهَا، وَلَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الْبَيْعِ لِعَدَمِ الثَّمَنِ. (وَ) الثَّانِي مِنْ نَوْعَيْ الْعَيْنِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ (مُعَاوَضَةٌ) وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ (فَالْإِبْرَاءُ) الَّذِي هُوَ النَّوْعُ الْأَوَّلُ مِنْ نَوْعَيْ الدَّيْنِ (اقْتِصَارُهُ مِنْ حَقِّهِ) مِنْ الدَّيْنِ الْمُدَّعَى بِهِ (عَلَى بَعْضِهِ) وَيُسَمَّى صُلْحُ الْحَطِيطَةِ، وَيَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ وَالْحَطِّ وَنَحْوِهِمَا كَالْوَضْعِ وَالْإِسْقَاطِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ «كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ طَلَبَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ رضي الله عنهما دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى سَمِعَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَخَرَجَ إلَيْهِمَا وَنَادَى: يَا كَعْبُ فَقَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعْ الشَّطْرَ فَقَالَ: قَدْ فَعَلْت، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: قُمْ فَاقْضِهِ» وَإِذَا جَرَى ذَلِكَ بِصِيغَةِ الْإِبْرَاءِ: كَأَبْرَأْتُك مِنْ خَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْأَلْفِ الَّذِي لِي عَلَيْك أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ كَوَضَعْتُهَا أَوْ أَسْقَطْتهَا عَنْك لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ عَلَى الْمَذْهَبِ، سَوَاءٌ أَقُلْنَا الْإِبْرَاءُ إسْقَاطٌ أَمْ تَمْلِيكٌ. وَكَوْنُهُ إسْقَاطًا أَوْ تَمْلِيكًا اخْتِلَافُ تَرْجِيحٍ أَوْضَحْته فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ. وَيَصِحُّ بِلَفْظِ الصُّلْحِ فِي الْأَصَحِّ كَصَالَحْتُك عَنْ الْأَلْفِ الَّذِي لِي
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَرْعٌ: ادَّعَى عَلَيْهِ بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ وَأَقَرَّ لَهُ بِهَا فَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى خَمْسَةِ دَنَانِيرَ وَمِائَتَيْ نِصْفِ فِضَّةٍ صَحَّ، وَلَا يُقَالُ هَذَا مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ تِلْكَ مَفْرُوضَةٌ فِي بَيْعِ الْأَعْيَانِ، أَمَّا إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا هُنَا،. اهـ. عَنَانِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ دَيْنًا) كَأَنْ قَالَ: صَالَحْتُك عَنْ الْأَلْفِ الَّذِي لِي عَلَيْك بِعَبْدٍ فِي ذِمَّتِك صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا، فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْعَبْدِ فِي الْمَجْلِسِ، وَفِي قَبْضِهِ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الِاشْتِرَاطُ م د. وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر.
قَوْلُهُ: (لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ) صَوَابُهُ: لِمَنْ هِيَ أَيْ الْعَيْنُ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ ذَكَرَ الضَّمِيرَ بِتَأْوِيلِ الْعَيْنِ بِالشَّيْءِ الْمُدَّعَى، اهـ أج. وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِلْبَعْضِ لَا لِلْعَيْنِ كَمَا فَهِمَهُ الْحَوَاشِي، فَاعْتِرَاضُهُمْ عَلَى الشَّارِحِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ. قَوْلُهُ:(فَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ) أَيْ الصُّلْحِ. قَوْلُهُ: (وَمَضَى مُدَّةُ إمْكَانِ الْقَبْضِ) هَذَا فِي الْحَقِيقَةِ شَرْطٌ لِلُزُومِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْهِبَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ لَا لِأَصْلِ صِحَّةِ الْعَقْدِ، فَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ تَسَاهُلٌ، وَالْأَوْجَهُ إسْقَاطُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ وَلَا لِدَوَامِهَا، ق ل. بَلْ شَرْطٌ لِلُّزُومِ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ فِي الْقَبْضِ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (بِلَفْظِ الْهِبَةِ) أَيْ مَعَ لَفْظِ الصُّلْحِ لِيَكُونَ مِنْ أَنْوَاعِهِ، فَيُشْتَرَطُ فِيهِ سَبْقُ الْخُصُومَةِ. وَصُورَتُهُ: أَنْ يَقُولَ وَهَبْتُك نِصْفَ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ وَصَالَحْتُك عَلَى بَاقِيهَا، فَلَوْ أَسْقَطَ قَوْلَهُ " وَصَالَحْتُك إلَخْ " صَحَّ وَكَانَ هِبَةً مَحْضَةً لَا صُلْحًا فَلَا يُشْتَرَطُ سَبْقُ الْخُصُومَةِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ جَرَى بِلَفْظِ الْهِبَةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى سَبْقِ خُصُومَةٍ، وَإِنْ جَرَى بِلَفْظِ الصُّلْحِ فَقَطْ أَوْ بِلَفْظِ الصُّلْحِ مَعَ لَفْظِ الْهِبَةِ اُشْتُرِطَ سَبْقُ خُصُومَةٍ، وَأَمَّا الْقَبُولُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْكُلِّ. قَوْلُهُ:(وَشَبَهُهُمَا) كَالْإِعْطَاءِ.
قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ الثَّمَنِ) أَيْ لِأَنَّ الْعَيْنَ كُلَّهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ، فَإِذَا بَاعَهَا بِبَعْضِهَا فَقَدْ بَاعَ مِلْكَهُ بِمِلْكِهِ وَالشَّيْءَ بِبَعْضِهِ وَهُوَ مُحَالٌ، حَجّ.
قَوْلُهُ: (فَالْإِبْرَاءُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ وَنَحْوِهِ لَا يُشْتَرَطُ سَبْقُ خُصُومَةٍ وَلَا قَبُولٍ، وَإِنْ جَرَى بِلَفْظِ الصُّلْحِ وَالْإِبْرَاءِ مَعًا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلَا بُدَّ مِنْ سَبْقِ خُصُومَةٍ، وَإِنْ جَرَى بِلَفْظِ الصُّلْحِ فَقَدْ اُشْتُرِطَ الْقَبُولُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلَا بُدَّ مِنْ سَبْقِ خُصُومَةٍ. قَوْلُهُ:(وَيَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ) أَيْ مَعَ لَفْظِ الصُّلْحِ لِيَكُونَ مِنْهُ، وَعَلَى مَا مَرَّ لَا يَحْتَاجُ لِقَبُولٍ نَظَرًا لِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ، ق ل وَسَيَأْتِي. قَوْلُهُ:(فَخَرَجَ إلَيْهِمَا) أَيْ مِنْ بَيْتِهِ.
قَوْلُهُ: (قَدْ فَعَلْت) اُنْظُرْ هَلْ هُوَ إنْشَاءٌ أَوْ إخْبَارٌ عَمَّا وَقَعَ مِنْهُ. أَقُولُ: نَظَرْت فَوَجَدْت لِشَيْخِنَا الْعَشْمَاوِيِّ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ " قَدْ فَعَلْت " أَيْ أَنْشَأْت ذَلِكَ اهـ.
قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوِهَا) أَيْ صِيغَةُ الْإِبْرَاءِ. قَوْلُهُ: (الْإِبْرَاءُ إسْقَاطٌ) مُعْتَمَدٌ.
قَوْلُهُ: (اخْتِلَافُ تَرْجِيحٍ) أَيْ إنْ قُلْنَا إنَّهُ تَمْلِيكٌ تَوَقَّفَ عَلَى الْقَبُولِ وَإِلَّا فَلَا، وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ تَوَقُّفِهِ عَلَى الْقَبُولِ مُطْلَقًا كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ بِلَفْظِ الصُّلْحِ) أَيْ فَقَطْ.
عَلَيْك عَلَى خَمْسِمِائَةٍ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِيهِ خِلَافٌ مُدْرَكُهُ مُرَاعَاةُ اللَّفْظِ أَوْ الْمَعْنَى، وَالْأَصَحُّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ هُنَا اشْتِرَاطُهُ، وَلَا يَصِحُّ هُنَا الصُّلْحُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ كَنَظِيرِهِ فِي الصُّلْحِ عَنْ الْعَيْنِ (وَلَا يَجُوزُ) أَيْ وَلَا يَصِحُّ (فِعْلُهُ) أَيْ تَعْلِيقُ الصُّلْحِ بِمَعْنَى الْإِبْرَاءِ (عَلَى شَرْطٍ) كَقَوْلِهِ: إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ صَالَحْتُك.
(وَالْمُعَاوَضَةُ) الَّذِي هُوَ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ نَوْعَيْ الْعَيْنِ عُدُولُهُ عَنْ حَقِّهِ الْمُدَّعَى بِهِ إلَى غَيْرِهِ كَأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ دَارًا أَوْ شِقْصًا مِنْهَا، فَأَقَرَّ لَهُ بِذَلِكَ وَصَالَحَهُ مِنْهُ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَعَبْدٍ صَحَّ (وَيَجْرِي عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى هَذَا الصُّلْحِ (حُكْمُ الْبَيْعِ) مِنْ الرَّدِّ بِعَيْبٍ وَثُبُوتِ الشُّفْعَةِ وَمَنْعِ تَصَرُّفِهِ فِي الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَفَسَادِهِ بِالْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ وَالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، سَوَاءٌ أَعَقَدَ بِلَفْظِ الصُّلْحِ أَمْ بِغَيْرِهِ لِأَنَّ حَدَّ الْبَيْعِ يَصْدُقُ عَلَى ذَلِكَ. وَلَوْ صَالَحَ مِنْ الْعَيْنِ عَلَى دَيْنٍ فَإِنْ كَانَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً فَهُوَ بَيْعٌ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ ثَوْبًا مَثَلًا مَوْصُوفًا بِصِفَةِ السَّلَمِ فَهُوَ سَلَمٌ تَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُهُ، وَإِنْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (مُدْرَكُهِ) بِضَمِّ الْمِيمِ أَيْ مَوْضِعُ إدْرَاكِهِ، وَالْفُقَهَاءُ يَقُولُونَ:" مَدْرَكُهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ؛ وَلَيْسَ لِتَخْرِيجِهِ وَجْهٌ لِأَنَّهُ مِنْ أَدْرَكَ إدْرَاكًا، وَقَدْ نَصَّ الْأَئِمَّةُ عَلَى طَرْدِ الْبَابِ فَيُقَالُ مُفْعَلٌ بِضَمِّ الْمِيمِ مِنْ أَفْعَلَ، وَاسْتُثْنِيَتْ كَلِمَاتٌ مَسْمُوعَةٌ خَرَجَتْ عَنْ الْقِيَاسِ وَلَمْ يَذْكُرُوا مِنْهَا الْمُدْرَكَ فَالْوَجْهُ الْأَخْذُ بِالْأُصُولِ الْقِيَاسِيَّةِ حَتَّى يَصِحَّ سَمَاعُ غَيْرِهَا اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْمِصْبَاحِ. وَقَوْلُهُ: " بِلَفْظِ الْبَيْعِ " أَيْ لِعَدَمِ الثَّمَنِ.
قَوْلُهُ: (بِمَعْنَى الْإِبْرَاءِ) لَوْ أَسْقَطَهُ لَكَانَ أَوْلَى وَأَعَمُّ؛ لِأَنَّهُ يَجْرِي فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الصُّلْحِ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا قُيِّدَ بِهِ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِيهِ وَأَمَّا صُلْحُ الْمُعَاوَضَةِ فَسَيُذْكَرُ أَوْ أَنَّ صُلْحَ الْمُعَاوَضَةِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ لِأَنَّهُ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ يَكُونُ بَيْعًا فَلَهُ حُكْمُهُ، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُعَاوَضَةُ عُدُولُهُ عَنْ حَقِّهِ إلَى غَيْرِهِ) كَلَامُ الْمَتْنِ شَامِلٌ لِصُورَتَيْنِ، أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْحَقُّ الْمُدَّعَى بِهِ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَتْنُ أَسْقَطَ قِسْمًا وَاحِدًا وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عَيْنًا وَصَالَحَهُ عَلَى بَعْضِهَا، وَلَا يُقَالُ إنَّهُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ، فَالْإِبْرَاءُ اقْتِصَارُهُ مِنْ حَقِّهِ عَلَى بَعْضِهِ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الدَّيْنِ. وَعَلَى فَهْمِ الشَّارِحِ يَكُونُ الْمُصَنِّفُ أَسْقَطَ قِسْمًا ثَانِيًا وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا وَصَالَحَهُ مِنْهُ عَلَى غَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (وَصَالَحَهُ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا ذُكِرَ مِنْ الدَّارِ أَوْ بَعْضِهَا.
قَوْلُهُ: (عَلَى ثَوْبٍ) أَيْ مُعَيَّنٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ كَعَبْدٍ الْمُرَادُ مُعَيَّنٌ بِقَرِينَةٍ قَوْلُهُ فِيمَا سَيَأْتِي: وَلَوْ صَالَحَ مِنْ الْعَيْنِ عَلَى دَيْنٍ.
قَوْلُهُ: (صَحَّ) لَا مَحَلَّ لَهُ هُنَا فَالْأَوْلَى إسْقَاطُهُ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ تَصْوِيرٍ لَا بَيَانَ الْحُكْمِ.
قَوْلُهُ: (وَيَجْرِي عَلَيْهِ) الْأَنْسَبُ " عَلَيْهَا " لِأَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَثُبُوتِ الشُّفْعَةِ) أَيْ فِيمَا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ شِقْصًا مِنْ دَارٍ كَانَ غَاصِبًا لَهُ فَأَقَرَّ بِهِ ثُمَّ صَالَحَهُ مِنْهُ عَلَى ثَوْبٍ مَثَلًا فَقَدْ بَاعَهُ لَهُ بِالثَّوْبِ، فَإِذَا كَانَ لِلْمُدَّعِي شَرِيكٌ فِي الدَّارِ فَيَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَالْجَهَالَةِ) مِنْ عَطْفِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ.
قَوْلُهُ: (إلَى غَيْرِ ذَلِكَ) كَالْخِيَارِ بِأَنْوَاعِهِ الثَّلَاثَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالْإِشْرَاكِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَجْرِي فِي الْبَيْعِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: وَيَسْرِي إلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (يَصْدُقُ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى الْعَقْدِ بِأَيِّ اللَّفْظَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ صَالَحَ مِنْ الْعَيْنِ) أَتَى بِهَذَا تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ وَإِلَّا فَهُوَ مَعْلُومٌ.
قَوْلُهُ: (فَهُوَ بَيْعٌ أَيْضًا) مَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ سَلَمًا بِأَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ وَالذَّهَبُ أَوْ الْفِضَّةُ هُوَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَيْنِ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ صَالَحَ مِنْ الْعَيْنِ إلَخْ، بِالنَّظَرِ لِقَوْلِهِ: فَهُوَ بَيْعُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحَّ السَّلَمُ فِيهِمَا بِالْآخَرِ، وَالْمُرَادُ بِهَا بِالنَّظَرِ لِقَوْلِهِ:" فَهُوَ سَلَمٌ " مَا يَعُمُّ النَّقْدَ وَغَيْرَهُ، فَقَوْلُهُ:" فَهُوَ سَلَمٌ " أَيْ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بَيْعًا إذَا لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ السَّلَمِ كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ شَرْحِ حَجّ، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ: قَوْلُهُ " فَهُوَ بَيْعٌ أَيْضًا " فَيَجْرِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ، وَاشْتِرَاطُ التَّقَابُضِ وَالتَّسَاوِي إنْ كَانَ جِنْسًا رِبَوِيًّا كَمَا مُثِّلَ بِهِ، وَاشْتِرَاطُ الْقَطْعِ فِي بَيْعِ الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ وَجَرَيَانِ التَّحَالُفِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ.
قَوْلُهُ: (فَهُوَ سَلَمٌ) أَيْ حَقِيقَةً إنْ كَانَ بِلَفْظِهِ، كَأَنْ يَقُولَ: صَالَحْتُك مِنْ الدَّارِ الَّتِي أَدَّعِيهَا عَلَيْك عَلَى عَبْدٍ فِي ذِمَّتِك
صَالَحَ مِنْ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ عَلَى مَنْفَعَةٍ لِغَيْرِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ كَخِدْمَةِ عَبْدٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً فَإِجَارَةٌ تُثْبِتُ أَحْكَامَ الْإِجَارَةِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ حَدَّ الْإِجَارَةِ صَادِقٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ صَالَحَ عَلَى مَنْفَعَةِ الْعَيْنِ فَهُوَ عَارِيَّةٌ تَثْبُتُ أَحْكَامُ الْعَارِيَّةِ فِيهَا، فَإِنْ عَيَّنَ مُدَّةً فَإِعَارَةٌ مُؤَقَّتَةٌ وَإِلَّا فَمُطْلَقَةٌ. وَلَوْ قَالَ: صَالِحْنِي عَنْ دَارِك مَثَلًا بِكَذَا مِنْ غَيْرِ سَبْقِ خُصُومَةٍ فَأَجَابَهُ، فَالْأَصَحُّ بُطْلَانُهُ لِأَنَّ لَفْظَ الصُّلْحِ يَسْتَدْعِي الْخُصُومَةَ سَوَاءٌ كَانَتْ عِنْدَ حَاكِمٍ أَمْ لَا. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ أَقْسَامَ الصُّلْحِ سَبْعَةٌ: الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ وَالْعَارِيَّةُ وَالْهِبَةُ وَالسَّلَمُ وَالْإِبْرَاءُ وَالْمُعَاوَضَةُ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ. وَبَقِيَ مِنْهَا أَشْيَاءُ أُخَرُ: مِنْهَا الْخُلْعُ كَصَالَحْتُك مِنْ كَذَا عَلَى أَنْ تُطَلِّقَنِي طَلْقَةً. وَمِنْهَا الْجَعَالَةُ كَصَالَحْتُك مِنْ كَذَا عَلَى رَدِّ عَبْدِي. وَمِنْهَا: الْفِدَاءُ كَقَوْلِهِ لِلْحَرْبِيِّ: صَالَحْتُك مِنْ كَذَا عَلَى إطْلَاقِ هَذَا الْأَسِيرِ. وَمِنْهَا: الْفَسْخُ كَأَنْ صَالَحَ مِنْ الْمُسَلَّمِ فِيهِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ.
تَتِمَّةٌ: لَوْ صَالَحَ مِنْ دَيْنٍ حَالٍّ عَلَى مُؤَجَّلٍ مِثْلِهِ، أَوْ صَالَحَ مِنْ مُؤَجَّلٍ عَلَى حَالٍّ مِثْلِهِ، لَغَا الصُّلْحُ لِأَنَّهُ وَعْدٌ فِي
ــ
[حاشية البجيرمي]
صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا سَلَمًا وَتَكُونُ الْعَيْنُ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ.
قَوْلُهُ: (فَإِجَارَةٍ) فَالْعَيْنُ الْمُدَّعَاةُ مَتْرُوكَةٌ فِي نَظِيرِ الْمَنْفَعَةِ فَتَكُونُ أُجْرَةً، وَكَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَ الْعَيْنَ الَّتِي أَخَذَهَا بِالْعَيْنِ الْمُقَرِّ بِهَا. قَوْلُهُ:(فَإِنْ صَالَحَ عَلَى مَنْفَعَةِ الْعَيْنِ) كَأَنْ قَالَ الْمُدَّعِي: صَالَحْتُك مِنْ الدَّارِ الَّتِي أَدَّعِيهَا عَلَيْك عَلَى سُكْنَاهَا سَنَةً، فَالْمُعِيرُ الْمُدَّعِي وَالْمُسْتَعِيرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ عَلَى تَدْخُلُ عَلَى الْمَأْخُوذِ وَمِنْ عَلَى الْمَتْرُوكِ وَهَذَا بِالْعَكْسِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَغْلَبِيَّةٌ كَمَا تَقَدَّمَ ع ش.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَالَ صَالِحْنِي عَنْ دَارِك إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَيُشْتَرَطُ فِي الصُّلْحِ سَبْقُ الْخُصُومَةِ فَلَوْ قَالَ صَالِحْنِي إلَخْ.
قَوْلُهُ: (فَالْأَصَحُّ بُطْلَانُهُ) مَحَلُّهُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ، فَإِنْ نَوَيَا بِهِ الْبَيْعَ كَانَ كِنَايَةً مِنْ غَيْرِ شَكٍّ كَمَا قَالَاهُ وَإِنْ رَدَّهُ فِي الْمَطْلَبِ، شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (الْبَيْعُ) كَصَالَحْتُك مِنْ الدَّارِ عَلَى هَذَا الثَّوْبِ أَوْ مِنْ الْأَلْفِ الَّذِي عَلَيْك عَلَى هَذِهِ الدَّرَاهِمِ. قَوْلُهُ: (وَالْإِجَارَةُ) تَحْتَهَا صُورَتَانِ كَصَالَحْتُك مِنْ سُكْنَى الدَّارِ سَنَةً بِهَذَا الْعَبْدِ فَيَكُونُ إجَارَةً لِلْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ بِغَيْرِهَا لِغَرِيمِهِ، أَوْ صَالَحْتُك مِنْ الدَّارِ بِخِدْمَةِ عَبْدِك هَذَا إلَى سَنَةٍ فَيَكُونُ إجَارَةً لِغَيْرِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ بِهَا مِنْ غَرِيمِهِ م د.
قَوْلُهُ: (وَالْعَارِيَّةُ) أَيْ مُؤَقَّتَةً أَوْ مُطْلَقَةً، كَصَالَحْتُك مِنْ سُكْنَى الدَّارِ سَنَةً عَلَيْهَا أَوْ مِنْ سُكْنَى الدَّارِ عَلَيْهَا؛ فَلَهُ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَ. قَوْلُهُ:(وَالْهِبَةُ) كَصَالَحْتُك مِنْ الدَّارِ عَلَى نِصْفِهَا مَثَلًا.
قَوْلُهُ: (وَالسَّلَمُ) بِأَنْ تُجْعَلَ الْعَيْنُ الْمُدَّعَى بِهَا رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ بِلَفْظِ السَّلَمِ وَالْمُعَاوَضَةُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، كَقَوْلِهِ: صَالَحْتُك مِنْ كَذَا عَلَى مَا أَسْتَحِقُّهُ عَلَيْك مِنْ الْقَوَدِ،. اهـ. ز ي. وَهَذَا التَّمْثِيلُ عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ مِنْ أَنَّ مِنْ أُدْخِلَتْ عَلَى الْمَأْخُوذِ وَعَلَى عَلَى الْمَتْرُوكِ. قَوْلُهُ:(عَلَى أَنْ تُطَلِّقَنِي) أَيْ فَيَقُولُ لَهَا: " صَالَحْتُك " لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ طَلَّقْتُك فَيَحْصُلُ بِهِ الْخُلْعُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَهُ أَوْ لَفْظَ الطَّلَاقِ أَوْ قَبِلْت ذَلِكَ وَيَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. وَعِبَارَةُ أج: هَلْ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ صَالَحْتُك عَلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ هَذَا هُوَ عَيْنُ الْخُلْعِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ إنْشَاءِ طَلَاقٍ بَعْدَ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ صَالَحْتُك وَطَلَّقْتُك؟ قَالَ ع ش: يَكْفِي أَحَدُهُمَا وَقَالَ ق ل لَا بُدَّ مِنْ إنْشَاءِ طَلَاقٍ اهـ.
قَوْلُهُ: (كَأَنْ صَالَحَ مِنْ الْمُسَلَّمِ فِيهِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهُوَ صَحِيحٌ مَاشٍ عَلَى الْقَوَاعِدِ كَمَا قَالَ الْأَصْحَابُ إنَّ بَيْعَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِلْبَائِعِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ إقَالَةٌ بِلَفْظِ الْبَيْعِ، شَوْبَرِيٌّ أج.
قَوْلُهُ: (لَغَا الصُّلْحُ) وَصَحَّ تَعْجِيلٌ لِلْمُؤَجَّلِ، لَا إنْ ظَنَّ صِحَّةَ الصُّلْحِ فَلَا يَصِحُّ التَّعْجِيلُ فَيَسْتَرِدُّ مَا دَفَعَهُ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ وَعْدٌ فِي الْأُولَى) أَيْ وَالْوَعْدُ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ فَيَبْقَى الدَّيْنُ حَالًّا عَلَى حَالِهِ. قَوْلُهُ: (وَصِفَةُ الْحُلُولِ) مِثْلُهُ م ر، قَالَ الرَّشِيدِيُّ: صَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ " وَصِفَةُ التَّأْجِيلِ اهـ " لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ، وَالْأَنْسَبُ ذِكْرُ ذَلِكَ بَعْدَ الثَّانِيَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَصِفَةُ التَّأْجِيلِ لَا يَصِحُّ إلْحَاقُهَا لِلْحَالِّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ أَيْ إلْحَاقُهَا الْأَجَلَ
الْأُولَى مِنْ الدَّائِنِ بِإِلْحَاقِ الْأَجَلِ، وَصِفَةُ الْحُلُولِ لَا يَصِحُّ إلْحَاقُهَا وَفِي الثَّانِيَةِ وَعْدٌ مِنْ الْمَدْيُونِ بِإِسْقَاطِ الْأَجَلِ وَهُوَ لَا يَسْقُطُ، فَلَوْ صَالَحَ مِنْ عَشْرَةٍ حَالَّةٍ عَلَى خَمْسَةٍ مُؤَجَّلَةٍ بَرِئَ مِنْ خَمْسَةٍ وَبَقِيَ خَمْسَةٌ حَالَّةٌ لِأَنَّهُ سَامَحَ بِحَطِّ الْبَعْضِ وَوَعَدَ بِتَأْجِيلِ الْبَاقِي، وَالْوَعْدُ لَا يَلْزَمُ وَالْحَطُّ صَحِيحٌ. وَلَوْ عُكِسَ بِأَنْ صَالَحَ مِنْ عَشْرَةٍ مُؤَجَّلَةٍ عَلَى خَمْسَةٍ حَالَّةٍ لَغَا الصُّلْحُ لِأَنَّ صِفَةَ الْحُلُولِ لَا يَصِحُّ إلْحَاقُهَا، وَالْخَمْسَةُ الْأُخْرَى إنَّمَا تَرَكَهَا فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ الْحُلُولُ لَا يَصِحُّ التَّرْكُ.
(وَيَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُشْرِعَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَإِسْكَانِ ثَانِيهِ، أَيْ يُخْرِجُ (رَوْشَنًا) أَيْ جَنَاحًا وَهُوَ الْخَارِجُ مِنْ نَحْوِ الْخَشَبِ وَسَابَاطًا وَهُوَ السَّقِيفَةُ عَلَى حَائِطَيْنِ وَالطَّرِيقُ بَيْنَهُمَا (فِي طَرِيقٍ نَافِذٍ) وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالشَّارِعِ وَقِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ اجْتِمَاعٌ وَافْتِرَاقٌ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْبُنْيَانِ، وَلَا يَكُونُ إلَّا نَافِذًا وَالطَّرِيقُ يَكُونُ بِبُنْيَانٍ أَوْ صَحْرَاءَ وَنَافِذًا أَوْ غَيْرَ نَافِذٍ، وَيُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ بِحَيْثُ (لَا يَضُرُّ) كُلٌّ مِنْ الْجَنَاحِ وَالسَّابَاطِ (الْمَارَّةَ) فِي مُرُورِهِمْ فِيهِ فَيُشْتَرَطُ ارْتِفَاعُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَتَرْجِعُ لِمَا ذُكِرَ فِي الْمَعْنَى.
قَوْلُهُ: (وَصِفَةُ الْحُلُولِ لَا يَصِحُّ إلْحَاقُهَا) الْمَعْنَى أَنَّ الْمُؤَجَّلَ لَا يَلْحَقُهُ صِفَةُ الْحُلُولِ، وَهُوَ إنَّمَا أَسْقَطَ الْخَمْسَةَ فِي مُقَابَلَةِ حُلُولِ الْخَمْسَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ لَا تَحِلُّ فَيَلْغُو الصُّلْحُ.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ إلَخْ) أَيْ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ أَنْ يَكُونَ الْمُخْرِجُ مُسْلِمًا وَأَنْ لَا يَضُرَّ الْمَارَّةَ وَأَنْ لَا يُظْلِمَ الْمَوْضِعَ إظْلَامًا مُخَالِفًا لِلْعَادَةِ وَيَضُرَّ ضَرَرًا لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً، كَعَجْنِ طِينٍ إذَا بَقِيَ مِقْدَارُ الْمُرُورِ لِلنَّاسِ وَإِلْقَاءِ الْحِجَارَةِ فِيهِ لِلْعِمَارَةِ إذَا تُرِكَتْ بِقَدْرِ مُدَّةِ نَقْلِهَا وَرَبْطِ الدَّوَابِّ فِيهِ بِقَدْرِ حَاجَةِ النُّزُولِ وَالرُّكُوبِ؛ شَرْحُ الرَّوْضِ. أَيْ وَمَعَ جَوَازِ ذَلِكَ، فَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ بِالشَّارِعِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ؛ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْبَصِيرِ وَغَيْرِهِ، قَالَ م ر: وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ مَنْعُ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْعَلَّافِينَ مِنْ رَبْطِ الدَّوَابِّ فِي الشَّوَارِعِ لِلْكِرَاءِ فَلَا يَجُوزُ، وَعَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ مَنْعُهُمْ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَزِيدِ الضَّرَرِ،. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. وَقَوْلُهُ " دَوَابَّ الْعَلَّافِينَ " قَالَ شَيْخُنَا: وَكَذَا دَوَابُّ الْمُدَرِّسِينَ الْوَاقِفَةُ عَلَى أَبْوَابِ الْمَدَارِسِ وَنَحْوِهَا مُدَّةَ التَّدْرِيسِ، وَنُوزِعَ فِيهِ. اهـ. ق ل.
قَوْلُهُ: (رَوْشَنًا) أَيْ شَيْئًا يَئُولُ أَمْرُهُ إلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا فَالرَّوْشَنُ هُوَ الْخَارِجُ كَمَا قَالَهُ وَلَا مَعْنَى لِإِخْرَاجِ الْخَارِجِ.
قَوْلُهُ: (أَيْ جَنَاحًا) مِنْ جَنَحَ يَجْنَحُ بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّهَا: إذَا مَالَ،. اهـ. ز ي. وَقِيلَ: مِنْ جَنَاحِ الطَّيْرِ، فَتَسْمِيَتُهُ بِمَا ذُكِرَ مَجَازٌ بِالِاسْتِعَارَةِ الْمُصَرَّحَةِ بِأَنْ شُبِّهَ الْبِنَاءُ الْخَارِجُ مِنْ جَانِبِ الْجِدَارِ بِجَنَاحِ الطَّائِرِ بِجَامِعِ الِانْتِفَاعِ بِكُلٍّ وَاسْتُعِيرَ اسْمُ الْجَنَاحِ لِلْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ:(وَهُوَ الْخَارِجُ) أَيْ إلَى هَوَاءِ الطَّرِيقِ، زِيَادِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَسَابَاطًا) وَيُجْمَعُ عَلَى سَوَابِيطَ وَسَابَاطَاتٍ.
قَوْلُهُ: (وَالطَّرِيقُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْحَائِطَيْنِ تَحْتَ السَّقِيفَةِ. قَوْلُهُ: (فِي طَرِيقٍ نَافِذٍ) سَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ فِي قَوْلِهِ: وَلَا يَجُوزُ فِي الدَّرْبِ إلَخْ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي طَرِيقٍ نَافِذٍ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الشُّرُوطُ الثَّلَاثَةُ فَقَطْ، أَمَّا إذَا كَانَ فِي الدَّرْبِ الْمُشْتَرَكِ الْخَالِي عَنْ مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ فَيُزَادُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ الْإِذْنُ.
قَوْلُهُ: (وَقِيلَ بَيْنَهُ إلَخْ) فَبَيْنَهُمَا الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْمُطْلَقُ عَلَى هَذَا وَعَلَى الْأَوَّلِ مُتَرَادِفَانِ.
قَوْلُهُ: (وَبَيْنَ الطَّرِيقِ) أَيْ لَا بِقَيْدِ النُّفُوذِ.
قَوْلُهُ: (اجْتِمَاعٌ) فَيَجْتَمِعَانِ فِي نَافِذٍ بِبُنْيَانٍ وَيَنْفَرِدُ الطَّرِيقُ بِالْبُنْيَانِ الْمُنْسَدِّ أَوْ الصَّحْرَاءِ، شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (وَافْتِرَاقٌ) أَيْ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَقَوْلُهُ " لِأَنَّهُ " أَيْ الشَّارِعَ. قَوْلُهُ:(وَيُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ) فَيُقَالُ الطَّرِيقُ سَلَكْته وَسَلَكْتهَا.
قَوْلُهُ: (بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ) أَيْ ضَرَرًا لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً. وَلَا يَخْفَى أَنَّ فَاعِلَ " يَضُرُّ " فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ضَمِيرُ الرَّوْشَنِ. وَزَادَ الشَّارِحُ السَّابَاطَ، فَلَزِمَ عَلَيْهِ كَوْنُ الْفَاعِلِ مَحْذُوفًا وَهُوَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ. وَفِي نُسْخَةٍ: لَا تَسْتَضِرُّ الْمَارَّةُ بِهِ وَهِيَ سَالِمَةٌ مِنْ ذَلِكَ، ق ل. وَقَوْلُهُ " لَا يَضُرُّ " هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ هَوَاءِ الْمَسْجِدِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ أَمَّا هَوَاءُ الْمَسْجِدِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ كَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ فَلَا يَجُوزُ، وَأَمَّا الْمَقْبَرَةُ فَالْأَقْرَبُ أَنَّ مَا حَرُمَ الْبِنَاءُ فِيهَا بِأَنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً أَوْ اعْتَادَ أَهْلُ الْبَلَدِ الدَّفْنَ فِيهَا حَرُمَ الْإِشْرَاعُ فِي هَوَائِهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا، وَلَوْ أَشْرَعَ إلَى مِلْكِهِ ثُمَّ سَبِلَ مَا تَحْتَ جَنَاحِهِ وَهُوَ يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ أُمِرَ بِرَفْعِهِ أَيْ إزَالَتِهِ عَلَى مَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيّ، شَرْحُ م ر مُلَخَّصًا. أَمَّا لَوْ وَقَفَ مَا تَحْتَهُ مَسْجِدًا وَنَحْوَهُ أَوْ مَقْبَرَةً وَجَبَ الْهَدْمُ مُطْلَقًا، أَيْ
الْمَاشِي مُنْتَصِبًا مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى أَنْ يُطَأْطِئَ رَأْسَهُ لِأَنَّ مَا يَمْنَعُ ذَلِكَ إضْرَارٌ حَقِيقِيٌّ، وَيُشْتَرَطُ مَعَ هَذَا أَنْ يَكُونَ عَلَى رَأْسِهِ الْحُمُولَةُ الْعَالِيَةُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِنْ كَانَ مَمَرُّ الْفُرْسَانِ وَالْقَوَافِلِ فَلْيَرْفَعْ ذَلِكَ بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ الْمُحْمِلُ عَلَى الْبَعِيرِ مَعَ أَخْشَابِ الْمِظَلَّةِ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَتَّفِقُ وَإِنْ كَانَ نَادِرًا. وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَصَبَ بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ مِيزَابًا فِي دَارِ عَمِّهِ الْعَبَّاسِ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ. وَقَالَ: إنَّ الْمِيزَابَ كَانَ شَارِعًا لِمَسْجِدِهِ صلى الله عليه وسلم.
ــ
[حاشية البجيرمي]
سَوَاءٌ ضَرَّ الْمَارَّةَ أَوْ لَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذِهِ الْأَمَاكِنَ يَمْتَنِعُ الْإِشْرَاعُ إلَيْهَا مُطْلَقًا وَلَا كَذَلِكَ الشَّارِعُ،. اهـ. ع ش.
قَوْلُهُ: (فَيُشْتَرَطُ ارْتِفَاعُ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَخْ) وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ لَا يُظْلِمَ الْمَوْضِعَ كَمَا فِي مَتْنِ الْمَنْهَجِ، أَيْ إظْلَامًا مُخَالِفًا لِلْعَادَةِ، فَلَا تَضُرُّ الظُّلْمَةُ الْيَسِيرَةُ ح ل وم ر. قَوْلُهُ:(بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ الْمَاشِي) اُنْظُرْ لَوْ رَفَعَهُ ثُمَّ عَلَا الطَّرِيقُ هَلْ يُهْدَمُ نَظَرًا لِتَضَرُّرِ الْمَارَّةِ حِينَئِذٍ أَوْ لَا نَظَرًا لِوَضْعِهِ بِحَقٍّ؟ شَوْبَرِيٌّ. قَالَ أج: يَجِبُ عَلَيْهِ رَفْعُ مَا يَضُرُّ الْمُسْلِمِينَ مِنْ إزَالَتِهِ أَوْ قَطْعُ الْأَرْضِ، إذْ الِانْتِفَاعُ بِالشَّوَارِعِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ؛ قَالَهُ شَيْخُنَا. قُلْت: وَلَوْ قِيلَ بِوُجُوبِ قَطْعِ الْأَرْضِ عَلَى الْإِمَامِ لَمْ يَبْعُدْ تَأَمَّلْ أج. وَمِثْلُهُ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَمَرَّ فُرْسَانٍ وَقَوَافِلَ فَصَارَ كَذَلِكَ فَيُكَلَّفُ رَفْعَهُ كَمَا ذَكَرَهُ ع ش عَلَى م ر، وَقَالَ: إنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ م ر وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْجِنَايَاتِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ بَنَى جِدَارَهُ مُسْتَقِيمًا ثُمَّ مَالَ فَإِنَّهُ يُطَالَبُ بِهَدْمِهِ أَوْ إصْلَاحِهِ مَعَ أَنَّهُ وَضَعَهُ فِي الْأَصْلِ بِحَقٍّ، وَلَا يُشْكِلُ مُطَالَبَتُهُ بِهَدْمِهِ بِأَنَّهُ لَوْ انْهَدَمَ بِنَفْسِهِ فَأَتْلَفَ شَيْئًا لَا يَضْمَنُهُ مُعَلِّلِينَ لَهُ بِأَنَّهُ وُضِعَ بِحَقٍّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ عَدَمُ الْمُطَالَبَةِ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْمُتَوَقَّعِ، اهـ عَزِيزِيٌّ نَقْلًا عَنْ ع ش.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ مَا يَمْنَعُ ذَلِكَ) أَيْ مُرُورَ الْمَاشِي تَحْتَهُ مُنْتَصِبًا إلَخْ قَوْلُهُ: (الْحُمُولَةُ) بِضَمِّ الْحَاءِ اسْمٌ لِلْحِمْلِ الَّذِي عَلَى الْبَعِيرِ، وَهُوَ خَشَبٌ فِي جَانِبِ الْبَعِيرِ يُرَكَّبُ فِيهِ. وَالْحُمُولُ بِالضَّمِّ بِلَا هَاءٍ اسْمٌ لِلْإِبِلِ الَّتِي عَلَيْهَا الْهَوَادِجُ.
قَوْلُهُ: (الْعَالِيَةُ) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّحْتِيَّةِ بَعْدَ اللَّامِ أَوْ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ بَعْدَ اللَّامِ، ضَبَطَهُ بِذَلِكَ سم أَيْضًا؛ وَهَذَا أَوْجَهُ بَلْ مُتَعَيِّنٌ، قَالَ: لِأَنَّهُ يُفِيدُ عَلَى هَذَا الضَّبْطِ حُكْمًا وَهُوَ عَدَمُ تَأْثِيرِ مَا جَاوَزَ فِي عُلُوِّهِ الْعَادَةَ الْغَالِبَةَ، شَوْبَرِيٌّ. لَكِنْ قَالَ ز ي: الضَّبْطُ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْمُرْتَفِعَةِ وَلَوْ نَادِرَةً اهـ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَتَّفِقُ وَإِنْ كَانَ نَادِرًا. وَاسْتُبْعِدَ ق ل الْعَالِيَةُ بِمُهْمَلَةٍ فَمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْجَهْلِ بِقَدْرِهَا، وَعِبَارَتُهُ: الْحُمُولَةُ الْغَالِبَةُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ بَعْدَ اللَّامِ، وَهُوَ أَضْبَطُ مِنْ كَوْنِهِ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّحْتِيَّةِ بَعْدَ اللَّامِ لِأَنَّهُ لَا ضَابِطَ لَهَا.
قَوْلُهُ: (الْمَحْمِلُ) كَالشُّقْدُفِ.
قَوْلُهُ: (مَعَ أَخْشَابِ الْمِظَلَّةِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُشَالَةِ وَبِالْعَكْسِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ م ر عَلَى الرَّوْضِ، وَهِيَ أَعْوَادٌ مُرْتَفِعَةٌ فَوْقَ الْمَحْمِلِ يُوضَعُ عَلَيْهَا سُتْرَةً تَقِي الرَّاكِبَ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ؛ مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ:(لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَتَّفِقُ) فِيهِ أَنَّهُ تَقَدَّمَ التَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ: إنْ كَانَ مَمَرَّ الْفُرْسَانِ إلَخْ، فَلَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَتَّفِقُ إلَخْ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ مَمَرَّ الْفُرْسَانِ وَلَوْ نَادِرًا.
قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ) أَيْ إخْرَاجِ الرَّوْشَنِ وَالسَّابَاطِ.
قَوْلُهُ: (نَصَبَ بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ مِيزَابًا فِي دَارِ عَمِّهِ) أَيْ خَارِجَ الدَّارِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: كَانَ شَارِعًا إلَخْ، قَالَ ق ل: وَفِي هَذَا الدَّلِيلِ تَأَمُّلٌ اهـ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي إخْرَاجِ الْجَنَاحِ وَالسَّابَاطِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: هَذَا يُشْبِهُ الْجَنَاحَ، أَوْ يُقَالُ: إذَا جَازَ فِي الْمِيزَابِ الَّذِي هُوَ أَكْثَرُ ضَرَرًا مِنْهُمَا جَازَ ذَلِكَ فِيهِمَا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ) أَيْ الْبَيْهَقِيُّ؛ وَلَكِنْ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ زَادَ الْحَاكِمُ: فَيَكُونُ ضَمِيرُ " قَالَ " لَهُ. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (كَانَ شَارِعًا) أَيْ فِي شَارِعٍ، وَذَلِكَ الشَّارِعُ طَرِيقٌ لِمَسْجِدِهِ صلى الله عليه وسلم؛ مَرْحُومِيٌّ.
قَوْلُهُ: (لَا ضَرَرَ) أَيْ لَا تَضُرُّ نَفْسَك، وَقَوْلُهُ " وَلَا ضِرَارَ " أَيْ لَا تَضُرُّ غَيْرَك. وَخَبَرُ " لَا " مَحْذُوفٌ، أَيْ فِي دِينِنَا أَوْ جَائِزَانِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ ذَلِكَ وَاقِعٌ وَكَوْنُ خَبَرِ " لَا " مَحْذُوفًا عَلَى النُّسْخَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا فِي الْإِسْلَامِ. وَأَمَّا هِيَ فَقَوْلُهُ " فِي الْإِسْلَامِ " هُوَ الْخَبَرُ. وَهَذَا الْحَدِيثُ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ، أَيْ لَا تَضُرَّ نَفْسَك وَلَا تَضُرَّ غَيْرَك وَقَوْلُهُ وَلَا ضِرَارَ فِعَالٌ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ لَا تُجَازِيهِ عَلَى إضْرَارِهِ بَلْ تَعْفُو وَتَصْفَحُ، أَيْ لَا يَضُرُّ مَنْ لَا يَضُرُّهُ وَلَا
فَإِنْ فَعَلَ مَا مُنِعَ أُزِيلَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» وَالْمُزِيلُ لَهُ الْحَاكِمُ لَا كُلُّ أَحَدٍ لَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَوَقُّعِ الْفِتْنَةِ لَكِنْ لِكُلِّ أَحَدٍ مُطَالَبَتُهُ بِإِزَالَتِهِ، لِأَنَّهُ مِنْ إزَالَةِ الْمُنْكَرِ.
تَنْبِيهٌ: مَا ذُكِرَ مِنْ جَوَازِ إخْرَاجِ الْجَنَاحِ غَيْرِ الْمُضِرِّ هُوَ فِي الْمُسْلِمِ، أَمَّا الْكَافِرُ فَلَيْسَ لَهُ الْإِشْرَاعُ إلَى شَوَارِعِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ جَازَ اسْتِطْرَاقُهُ، لِأَنَّهُ كَإِعْلَاءِ الْبِنَاءِ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي الْمَنْعِ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
يَضُرُّ مَنْ يَضُرُّهُ، فَالضَّرَرُ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ وَالضِّرَارُ الْجَزَاءُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: الضَّرَرُ مَا يَضُرُّ بِهِ الْإِنْسَانُ غَيْرَهُ وَيَنْتَفِعُ هُوَ بِهِ وَالضِّرَارُ أَنْ يَضُرَّهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَفِعَ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ، وَقِيلَ: الْأَوَّلُ نَهْيٌ لِلشَّخْصِ عَنْ تَعَاطِي مَا يَضُرُّ نَفْسَهُ وَالثَّانِي نَهْيٌ لَهُ عَنْ فِعْلِ مَا يَضُرُّ غَيْرَهُ، وَقِيلَ: الْأَوَّلُ عِبَارَةٌ عَنْ مَنْعِ مَا يَنْفَعُ الْغَيْرَ وَالثَّانِي عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلِ مَا يَضُرُّ بِهِ، وَقِيلَ: مَعْنَى الْأَوَّلِ لَا يَضُرُّ الشَّخْصُ أَخَاهُ فَيَنْتَقِصُ شَيْئًا مِنْ حَقِّهِ وَمَعْنَى الثَّانِي لَا يُضَارَّ الرَّجُلُ جَارَهُ بِإِدْخَالِ الضَّرَرِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: مَعْنَى الْأَوَّلِ لَا يَلْزَمُهُ الصَّبْرُ عَلَى الضَّرَرِ وَمَعْنَى الثَّانِي لَا يَجُوزُ لَهُ إضْرَارُ غَيْرِهِ؛ وَحِينَئِذٍ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِلتَّأْسِيسِ، وَقِيلَ: إنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ جُمِعَ بَيْنَهُمَا لِلتَّأْكِيدِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا تَضُرُّ.
وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إذَا أَرَادَ الْأَمْرَ بَيْنَ الْحَمْلِ عَلَى التَّأْسِيسِ وَالتَّأْكِيدِ فَحَمْلُهُ عَلَى التَّأْسِيسِ أَوْلَى لَا سِيَّمَا فِي كَلَامِ الشَّارِعِ عليه السلام وَقَوْلُهُ: «وَلَا ضِرَارَ» وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ " إضْرَارٌ " بِالْهَمْزَةِ، قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: لَا صِحَّةَ لَهَا، وَبَقِيَّةُ الْحَدِيثِ:«مَنْ ضَارَّ ضَارَّ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ» وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ تَحْرِيمُ سَائِرِ أَنْوَاعِ الضَّرَرِ مَا قَلَّ مِنْهُ وَمَا كَثُرَ إلَّا لِدَلِيلٍ؛ لِأَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ فَيَحْرُمُ عَلَى الشَّخْصِ فَتْحُ كُوَّةٍ فِي جِدَارِهِ يَطَّلِعُ مِنْهَا عَلَى عَوْرَاتِ جَارِهِ أَوْ إحْدَاثُ فُرْنٍ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ رَحًى أَوْ مَعْصَرَةٍ لِوُجُودِ الضَّرَرِ بِالدُّخَانِ وَصَوْتِ الرَّحَى وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَعْلِيَةُ بِنَائِهِ عَلَى جِدَارِ جَارِهِ وَإِنْ أَظْلَمَ عَلَيْهِ أَبْوَابُ غُرَفِهِ وَمَنَعَ الشَّمْسَ أَنْ تَقَعَ فِي حُجْرَتِهِ وَإِذَا انْهَارَتْ بِئْرُ جَارِهِ وَكَانَ لَهُ فَضْلُ مَاءٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إرْسَالُ فَضْلِ مَائِهِ إلَى زَرْعِ جَارِهِ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ قَدْ زَرَعَ عَلَى أَصْلِ مَاءٍ، الثَّانِي: أَنْ يَتَشَاغَلَ بِإِصْلَاحِ بِئْرِهِ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهَا مَا يَكْفِيهِ، الثَّالِثُ: أَنْ يَخْشَى عَلَى زَرْعِهِ الْهَلَاكَ،. اهـ. شَبْرَخِيتِيٌّ عَلَى الْأَرْبَعِينَ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُزِيلُ لَهُ الْحَاكِمُ) وَكَذَا غَيْرُهُ إنْ أَمِنَ الْفِتْنَةَ أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ. فَائِدَةٌ: نَقَلَ الْغَزِّيُّ عَنْ الْكَافِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْجَنَاحِ الْمُخْرَجِ قَدْرٌ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمِيزَابِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ نِصْفَ السِّكَّةِ. وَوَجَّهَهُ الْغَزِّيُّ بِأَنَّ الْجَنَاحَ قَدْ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَبِفَرْضِهِ هُوَ نَادِرٌ، بِخِلَافِ الْمِيزَابِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْمُتَجَاوِزَيْنِ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِخْرَاجِ الْمَاءِ، فَمُجَاوَزَةُ أَحَدِ الْمُتَجَاوِزَيْنِ بِمِيزَابِهِ لِنِصْفِ السِّكَّةِ مُبْطِلٌ لِحَقِّ الْآخَرِ الْمُقَابِلِ لَهُ. وَنَظَرَ فِيهِ ابْنُ حَجَرٍ وَقَالَ: فَالْوَجْهُ جَوَازُ إخْرَاجِهِ مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ ضَرَرٌ لِمِلْكِ الْجَارِ سَوَاءٌ أَجَاوَزَ النِّصْفَ أَمْ لَا. وَمِثْلُ سم فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهِ الضَّرَرُ بِأَنْ يُصِيبَ مَاؤُهُ جِدَارَ الْغَيْرِ بِحَيْثُ يَعِيبُهُ أَوْ يُتْلِفُهُ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (لَا كُلُّ أَحَدٍ) فَلَوْ أَزَالَهُ آحَادُ النَّاسِ لَمْ يَضْمَنْ بَلْ يُعَزَّرُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ فِيهِ افْتِيَاتًا عَلَى الْإِمَامِ أَيْ تَعَدِّيًا عَلَيْهِ. وَمَا هُنَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مَسْأَلَةُ قَتْلِ الْمُرْتَدِّ وَتَارِكِ الصَّلَاةِ بَعْدَ أَمْرِ الْإِمَامِ وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ، فَإِنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ أَنَّ الْقَاتِلَ لِهَؤُلَاءِ لَا يَضْمَنُ وَإِنَّمَا يُعَزَّرُ لِلِافْتِيَاتِ عَلَى الْإِمَامِ.
قَوْلُهُ: (لِمَا فِيهِ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ إزَالَةِ كُلِّ أَحَدٍ لَهُ، شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (مُطَالَبَتُهُ) الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْحَاكِمِ لَا عَلَى الْمُشَرِّعِ اهـ مَدَابِغِيٌّ؛ لَكِنْ الْمُتَبَادَرُ رُجُوعُهُ لِلْمُشَرِّعِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ كَإِعْلَاءِ الْبِنَاءِ) يُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ أَنَّهُ أَيْ الْكَافِرُ يُمْنَعُ مِنْ إخْرَاجِ الْجَنَاحِ فِي الدَّرْبِ غَيْرِ النَّافِذِ وَإِنْ كَانَ شَرِيكًا وَرَضِيَ أَهْلُهُ، ز ي. وَقَوْلُهُ " كَإِعْلَاءِ الْبِنَاءِ عَلَى الْمُسْلِمِ " ظَاهِرُهُ عَدَمُ الْمَنْعِ مِنْ الْمُسَاوَاةِ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ مِنْهَا أَيْضًا تَمْيِيزًا بَيْنَهُمَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بِنَاءُ الْمُسْلِمِ قَصِيرًا وَقَدَرَ عَلَى رَفْعِهِ بِلَا مَشَقَّةٍ، نَعَمْ يُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا اُعْتِيدَ مِثْلُهُ لِلسُّكْنَى وَإِلَّا لَمْ يُكَلَّفْ الذِّمِّيُّ النَّقْصَ عَنْ أَقَلِّ الْمُعْتَادِ وَإِنْ عَجَزَ الْمُسْلِمُ عَنْ تَتْمِيمِ بِنَائِهِ وَذَلِكَ لِحَقِّ اللَّهِ فَلَا يُبَاحُ بِرِضَا الْجَارِ، اهـ شَرْحُ م ر.
وَيُمْنَعُونَ أَيْضًا مِنْ آبَارِ حُشُوشِهِمْ، فِي أَفْنِيَةِ دُورِهِمْ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يُمْنَعُوا مِنْ إخْرَاجِ الْجَنَاحِ وَلَا مِنْ حَفْرِ آبَارِ حُشُوشِهِمْ فِي مَحَالِّهِمْ وَشَوَارِعِهِمْ الْمُخْتَصَّةِ بِهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، كَمَا فِي رَفْعِ الْبِنَاءِ وَهُوَ بَحْثٌ حَسَنٌ وَحُكْمُ الشَّارِعِ الْمَوْقُوفِ حُكْمُ غَيْرِهِ فِيمَا مَرَّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ. وَالطَّرِيقُ مَا جُعِلَ عِنْدَ إحْيَاءِ الْبَلَدِ أَوْ قَبْلَهُ طَرِيقًا أَوْ وَقَفَهُ الْمَالِكُ. وَلَوْ بِغَيْرِ إحْيَاءٍ كَذَلِكَ. وَصَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ فِي ذَلِكَ إلَى لَفْظٍ، قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَمَحَلُّهُ فِيمَا عَدَا مِلْكَهُ.
أَمَّا فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ يُصَيِّرُهُ بِهِ وَقْفًا عَلَى قَاعِدَةِ الْأَوْقَافِ انْتَهَى. وَهَذَا ظَاهِرٌ وَحَيْثُ وَجَدْنَا طَرِيقًا اعْتَمَدْنَا فِيهِ الظَّاهِرَ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَبْدَأِ جَعْلِهِ طَرِيقًا، فَإِنْ اخْتَلَفُوا عِنْدَ الْإِحْيَاءِ فِي تَقْدِيرِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ: جُعِلَ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي الطَّرِيقِ أَنْ يَجْعَلَ عَرْضَهُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ» وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ: مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اعْتِبَارُ قَدْرِ الْحَاجَةِ وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ أَوْ مِنْ قَدْرِ الْحَاجَةِ عَلَى مَا مَرَّ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ وَإِنْ قَلَّ، وَيَجُوزُ إحْيَاءُ مَا حَوْلَهُ مِنْ الْمَوَاتِ بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ بِالْمَارِّ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الطَّرِيقُ مَمْلُوكَةً يُسْلِيهَا مَالِكُهَا فَتَقْدِيرُهَا إلَى خِيرَتِهِ، وَالْأَفْضَلُ لَهُ تَوْسِيعُهَا.
وَيَحْرُمُ الصُّلْحُ عَلَى إشْرَاعِ الْجَنَاحِ، أَوْ السَّابَاطِ بِعِوَضٍ وَإِنْ صَالَحَ عَلَيْهِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَيُمْنَعُونَ أَيْضًا) أَيْ الْكُفَّارُ.
قَوْلُهُ: (مِنْ آبَارِ حُشُوشِهِمْ) أَيْ مِنْ حَفْرِ آبَارِ حُشُوشِهِمْ، جَمْعُ بِئْرٍ وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَنْزِلُ فِيهِ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَهِيَ الْحَاصِلُ الَّذِي تَحْتَ بَيْتِ الرَّاحَةِ الْمُسَمَّى الْآنَ بِالْقَصَبَةِ. وَقَوْلُهُ " حُشُوشُهُمْ " هِيَ بُيُوتُ الْأَخْلِيَةِ ق ل.
قَوْلُهُ: (دُورِهِمْ) أَيْ الْمُسْلِمِينَ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ، أج؛ لَكِنْ فِي سم عَلَى حَجّ: الْمُرَادُ دُورُهُمْ الَّتِي بَيْنَ دُورِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَلَيْهِ فَالضَّمِيرُ لِلْكُفَّارِ، وَكُلٌّ صَحِيحٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَالْفِنَاءُ مَا حَوْلَ الدَّارِ، فَالْمُرَادُ بِالْأَفْنِيَةِ مَا قُدَّامُ دُورِ الْمُسْلِمِينَ.
قَوْلُهُ: (الْمُخْتَصَّةِ بِهِمْ) بِأَنْ لَا يُسَاكِنَهُمْ فِيهَا مُسْلِمٌ، ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ. قَوْلُهُ:(كَمَا فِي رَفْعِ الْبِنَاءِ) أَيْ ابْتِدَاءً، أَمَّا الدَّوَامُ فَيُغْتَفَرُ كَأَنْ اشْتَرَى دَارَ مُسْلِمٍ عَالِيَةً فَيَجُوزُ إبْقَاؤُهَا لِأَنَّهَا وُضِعَتْ بِحَقٍّ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَنَاهَا عَالِيَةً ثُمَّ اشْتَرَاهَا الْمُسْلِمُ فَتُهْدَمُ لِأَنَّهَا وُضِعَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَوْ أَسْلَمَ هُوَ هَلْ تَبْقَى أَوْ لَا؟ الرَّاجِحُ لَا تَبْقَى، وَاعْتَمَدَ م ر أَنَّهَا تَبْقَى تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَهَذَا حُكْمُ الرَّوْشَنِ لِلْكَافِرِ، أَمَّا فَتْحُ الْبَابِ لِلْكَافِرِ فَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ غَيْرَ نَافِذٍ وَفِيهِ مَسْجِدٌ قَدِيمٌ أَوْ نَافِذٌ جَازَ فَتْحُ الْبَابِ لَهُ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الدَّرْبُ مُشْتَرَكًا وَلَيْسَ فِيهِ مَسْجِدٌ قَدِيمٌ جَازَ فَتْحُ الْبَابِ أَيْضًا بِشَرْطِ عَدَمِ الضَّرَرِ وَالْإِذْنِ. وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَشَرْطُهُ عَدَمُ الضَّرَرِ فَقَطْ، وَيَجُوزُ فِي هَذَا الثَّانِي أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَى الْفَتْحِ دُونَ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ:(وَحُكْمُ الشَّارِعِ الْمَوْقُوفِ) مُرْتَبِطٌ بِالْمَتْنِ وَالْمَوْقُوفُ ظَاهِرٌ. وَغَيْرُ الْمَوْقُوفِ هُوَ الَّذِي جُعِلَ عِنْدَ إحْيَاءِ الْبَلَدِ طَرِيقًا.
قَوْلُهُ: (فِيمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَيَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ.
قَوْلُهُ: (فِيمَا عَدَا مِلْكَهُ) وَهُوَ الْمَوَاتُ؛ لِأَنَّهُ يَكْفِي فِي الْوَقْفِ فِيهِ النِّيَّةُ وَلَوْ لِمَسْجِدٍ أَوْ نَحْوِهِ ق ل.
قَوْلُهُ: (اعْتَمَدْنَا فِيهِ الظَّاهِرَ) أَيْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ فَعَلُوهُ كَذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ، فَلَا يُوَسَّعُ وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا. وَقَوْلُهُ " وَلَا يُلْتَفَتُ إلَخْ " أَيْ لَا يُنْظَرُ لِأَصْلِ وَضْعِهِ وَلَا يُبْحَثُ عَنْهُ بِكَوْنِهِ مَوَاتًا فِي الْأَصْلِ فَتَكُونُ الطَّرِيقُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ أَوْ قَدْرَ الْحَاجَةِ،. اهـ. شَيْخُنَا عَشْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ:(فَإِنْ اخْتَلَفُوا) أَيْ الْمُشْتَرِكُونَ فِي الْإِحْيَاءِ مَثَلًا، وَهُوَ مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ: ثُمَّ إنْ اتَّفَقُوا فَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ اخْتَلَفُوا، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُمْ لَوْ اتَّفَقُوا عَلَى أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ جَازَ وَهُوَ كَذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (مَحْمُولٌ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ الْخِلَافِ فِي قَدْرِ الطَّرِيقِ الْمُتَقَدِّمِ قَرِيبًا فِي كَوْنِهَا سَبْعَةَ أَذْرُعٍ أَوْ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ وَإِنْ قَلَّ) أَيْ الشَّيْءُ، أَمَّا مِنْ تُرَابِهِ فَيَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهَةِ بِخِلَافِ تُرَابِ السُّورِ فَيَحْرُمُ؛ لِأَنَّ شَأْنَ أَخْذِ تُرَابِ السُّورِ أَنْ يَضُرَّ بِخِلَافِ تُرَابِ الطَّرِيقِ، وَيَجُوزُ أَخْذُ تُرَابِ الْخَلِيجِ بِخِلَافِ طِينِ الْبِرَكِ الْمَوْقُوفَةِ أَوْ الْمَمْلُوكَةِ إلَّا بِإِذْنِ أَصْحَابِهَا أَوْ ظَنِّ رِضَاهُمْ.
قَوْلُهُ: (وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الطَّرِيقُ مَمْلُوكَةً) هَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ " فَإِنْ اخْتَلَفُوا عِنْدَ الْإِحْيَاءِ فِي تَقْدِيرِهِ إلَخْ "
الْإِمَامَ لِأَنَّ الْهَوَاءَ لَا يُفْرَدُ بِالْعَقْدِ. وَيَحْرُمُ أَنْ يُبْنَى فِي الطَّرِيقِ دِكَّةٌ أَوْ غَيْرُهَا أَوْ يُغْرَسُ فِيهَا شَجَرَةٌ. وَلَوْ اتَّسَعَ الطَّرِيقُ وَأَذِنَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ الصُّلْحُ عَلَى إشْرَاعِ الْجَنَاحِ أَوْ السَّابَاطِ بِعِوَضٍ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي الرَّوْشَنِ، وَكَذَا السَّابَاطُ إذَا كَانَ الْعِوَضُ عَلَى أَصْلِ إخْرَاجِهِ، وَأَمَّا صَاحِبُ الْجِدَارِ فَلَهُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَى وَضْعِ الْخَشَبِ عَلَى جِدَارِهِ. وَهَذَا عَامٌّ سَوَاءٌ كَانَ الرَّوْشَنُ فِي نَافِذٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَمَّا الصُّلْحُ عَلَى فَتْحِ الْبَابِ بِعِوَضٍ فَجَائِزٌ فِي غَيْرِ النَّافِذِ دُونَ النَّافِذِ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ.
قَوْلُهُ: (الْإِمَامَ) مَفْعُولٌ، أَيْ صَالَحَ مُخْرِجُهُ الْإِمَامَ.
قَوْلُهُ: (دَكَّةٌ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ الَّذِي يُجْلَسُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمِسْطَبَةُ م ر، وَمِنْ ذَلِكَ الْمَسَاطِبُ الَّتِي تُفْعَلُ فِي تُجَاهِ الصَّهَارِيجِ الزَّائِدَةِ عَلَى الْحَاجَةِ فِي شَوَارِعِ مِصْرِنَا فَتَنَبَّهْ لَهُ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: قَالَ بَعْضُهُمْ: وَمِثْلُهَا مَا يُجْعَلُ بِالْجِدَارِ الْمُسَمَّى بِالدِّعَامَةِ إلَّا إنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ لِخَلَلِ بِنَائِهِ وَلَمْ يَضُرَّ الْمَارَّةَ؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ ع ش عَلَى م ر. وَأَمَّا التَّكَّةُ بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ الْمَفْتُوحَةِ فَهِيَ مَا تُوضَعُ فِي السَّرَاوِيلِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرُهَا) كَدِعَامَةٍ لِجِدَارِهِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الدَّكَّةِ وَنَحْوِهَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ كَانَتْ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا غَرْسُ الشَّجَرَةِ وَحَفْرُ الْبِئْرِ، فَإِنْ كَانَتْ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ تَضُرَّ بِالْمَارَّةِ جَازَ وَإِلَّا امْتَنَعَ وَغَرْسُ الشَّجَرَةِ وَحَفْرُ الْبِئْرِ فِي نَحْوِ الْمَسْجِدِ كَذَلِكَ ق ل. قَالَ حَجّ: لَوْ جَعَلَ الدَّكَّةَ لِلصَّلَاةِ وَلَا ضَرَرَ بِوَجْهٍ جَازَتْ، وَقَالَ: إنَّ الْبِئْرَ فِيهِ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ جَائِزَةٌ بِخِلَافِ الشَّجَرَةِ وَفُرِّقَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَاجَةَ لِلْمَاءِ آكَدُ سم. وَتَلَخَّصَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الْمَنْعُ مِنْ الشَّجَرَةِ وَالدَّكَّةِ مُطْلَقًا فِي الشَّارِعِ وَلَوْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ اتَّسَعَ أَمْ لَا مَا لَمْ يَقِفْهَا مَسْجِدًا. اهـ. ز ي. وَجَازَ حَفْرُ الْبِئْرِ فِيهِ وَلَوْ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ اهـ أج. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَفْرُ الْبِئْرِ فِيهِ إلَّا بِشَرْطَيْنِ أَنْ تَكُونَ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ لَا يَحْصُلَ بِهَا ضَرَرٌ لِلْمَارَّةِ، فَإِذَا قَصَدَ نَفْسُهُ بِالْغَرْسِ كَانَ مُتَعَدِّيًا فَيَقْلَعُ مَجَّانًا وَتَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ مُدَّةَ الْغَرْسِ لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ، كَمَا لَوْ وَضَعَ فِيهِ مَا لَا يَجُوزُ وَضْعُهُ فِيهِ أَيْ كَالْخَزَائِنِ وَكَالْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ مِنْ تَوَابِعِهِ كَفَسْقِيَّتِه وَحَرِيمِهِ؛ وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ حَيْثُ عُلِمَ مَا ذُكِرَ فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ كَأَنْ وَجَدْنَا شَجَرًا فِيهِ وَلَمْ نَعْلَمْ مَا قَصَدَ بِهِ وَاضِعُهُ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ فَيَنْتَفِعُونَ بِثَمَرِهِ وَمَا بَقِيَ بَعْدَ الثَّمَرِ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِقَطْعِهِ مِنْ نَحْوِ جَرِيدٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ. اهـ. ع ش.
تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِنْ هَذَا حُرْمَةُ وَضْعِ الْخَزَائِنِ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ أَوْ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا ضَرَرَ، وَيَلْزَمُ الْوَاضِعَ الْأُجْرَةُ حَيْثُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْوَضْعُ. وَعِبَارَةُ الْمُنَاوِيِّ فِي أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ: وَيَجُوزُ بِنَاءُ الْمَسْجِدِ فِي الشَّارِعِ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ، فَلَوْ تَعَثَّرَ بِهِ إنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ أَوْ سَقَطَ نَحْوُ جِدَارِهِ أَوْ عَمُودِهِ أَوْ قِنْدِيلِهِ عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ بَنَى بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ اهـ. وَيُكْرَهُ غَرْسُ الشَّجَرِ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ. قُلْت: وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْمَسْجِدِ أَوْ بِالْمُصَلِّينَ، وَلَمْ يَقْصِدْ بِهَا نَفْسَهُ وَإِلَّا حَرُمَ، فَإِنْ غَرَسَ قَلَعَ وَالْقَالِعُ لَهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ دُونَ الْآحَادِ سَوَاءٌ حَرُمَ غَرْسُهُ أَوْ كُرِهَ لِأَنَّ لَهُ إزَالَةَ الْمَكْرُوهِ نَعَمْ مَا غُرِسَ لِيَكُونَ لِلْمَسْجِدِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ لَا يَجُوزُ قَطْعُهُ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْمَسْجِدِ؛ قَالَهُ الْقَاضِي، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ لَهُ ثَمَرٌ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَسْجِدُ وَإِلَّا قُلِعَ. وَالْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ وُجُوبُ رِعَايَةِ الْأَصْلَحِ مِنْ الْإِبْقَاءِ أَوْ الْقَلْعِ، وَثَمَرَةُ مَا اسْتَحَقَّ الْقَلْعَ وَغَيْرَهُ إنْ غُرِسَ لِلْمَسْجِدِ لَمْ يَجُزْ أَكْلُهَا إلَّا بِعِوَضٍ يَصْرِفُهُ فِي مَصَالِحِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسَبَّلًا لِلْأَكْلِ أَوْ جُهِلَ قَصْدُ الْغَارِسِ جَازَ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ، وَمِثْلُهَا ثَمَرَةُ مَا فِي الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ وَكَجَهْلِ قَصْدِهِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَصْدٌ، وَمِثْلُهُ مَا إذَا نَبَتَتْ فِيهِ بِنَفْسِهَا؛ مَدَابِغِيٌّ. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ عَلَى الْمَنْهَجِ: وَلَوْ حَصَلَتْ أَغْصَانُ شَجَرَةٍ فِي هَوَاءٍ مِلْكِ غَيْرِهِ لَزِمَهُ إزَالَةُ الْأَغْصَانِ إلَّا أَنْ يَرْضَى صَاحِبُ الْمِلْكِ بِتَرْكِهَا، فَإِنْ طَالَبَهُ بِذَلِكَ فَلَمْ يَفْعَلْ فَلَهُ تَحْوِيلُ الْأَغْصَانِ عَنْ مِلْكِهِ بِتَلْيِينٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَلَهُ قَطْعُهَا وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى إذْنِ الْقَاضِي عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى إبْقَائِهَا بِعِوَضٍ، فَإِنْ لَمْ يُسْنَدْ الْغُصْنُ إلَى شَيْءٍ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ اسْتَنَدَ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْجَفَافِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ رَطْبًا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ يَزِيدُ انْتِشَارُ الْعُرُوقِ لِانْتِشَارِ الْأَغْصَانِ، وَكَذَلِكَ مَيْلُ الْجِدَارِ وَمِنْهُ مَيْلُ جِدَارِ بَعْضِ أَهْلِ السِّكَّةِ الْمُسْتَنِدَةِ إلَيْهَا فَلِغَيْرِ مَالِكِ الْجِدَارِ هَدْمُهُ وَإِنْ كَانَتْ السِّكَّةُ مُشْتَرِكَةً بَيْنَ مَالِكِ الْجِدَارِ وَبَيْنَ الْهَادِمِ.
الْإِمَامُ وَانْتَفَى الضَّرَرُ لِمَنْعِ الطُّرُوقِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ، وَلِتَعَثُّرِ الْمَارِّ بِهِمَا عِنْدَ الِازْدِحَامِ، وَلِأَنَّهُ إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ أَشْبَهَ مَوْضِعُهَا الْأَمْلَاكَ وَانْقَطَعَ أَثَرُ اسْتِحْقَاقِ الطَّرِيقِ فِيهِ بِخِلَافِ الْأَجْنِحَةِ وَنَحْوِهَا.
(وَلَا يَجُوزُ) إخْرَاجُ رَوْشَنٍ (فِي الدَّرْبِ الْمُشْتَرَكِ) وَهُوَ غَيْرُ النَّافِذِ الْخَالِي عَنْ نَحْوِ مَسْجِدٍ كَرِبَاطٍ وَبِئْرٍ مَوْقُوفَيْنِ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ لِغَيْرِ أَهْلِهِ وَلِبَعْضِهِمْ (إلَّا بِإِذْنِ الشُّرَكَاءِ) كُلِّهِمْ فِي الْأُولَى وَمِنْ بَاقِيهِمْ مِمَّنْ بَابُهُ أَبْعَدُ عَنْ رَأْسِهِ مِنْ مَحَلِّ الْمَخْرَجِ، أَوْ مُقَابِلُهُ فِي الثَّانِيَةِ. فَلَوْ أَرَادُوا الرُّجُوعَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ بِالْإِذْنِ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ. فَيُشْبِهُ مَنْعَ قَلْعِهِ لِأَنَّهُ وَضْعٌ بِحَقٍّ، وَمَنْعَ إبْقَائِهِ بِأُجْرَةٍ لِأَنَّ الْهَوَاءَ لَا أُجْرَةَ لَهُ، وَيُعْتَبَرُ إذْنُ الْمُكْتَرِي إنْ تَضَرَّرَ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ. وَأَهْلُ غَيْرِ النَّافِذِ مَنْ نَفَذَ بَابُهُ إلَيْهِ لَا مَنْ لَاصَقَ جِدَارُهُ مِنْ غَيْرِ نُفُوذِ بَابٍ إلَيْهِ، وَتَخْتَصُّ شَرِكَةُ كُلٍّ مِنْهُمْ بِمَا بَيْنَ بَابِهِ وَرَأْسِ غَيْرِ النَّافِذِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَلَوْ اتَّسَعَ الطَّرِيقُ) الْغَايَةُ لِلرَّدِّ. قَوْلُهُ: (وَلِتَعَثُّرِ الْمَارِّ بِهِمَا) أَيْ بِالْمَبْنِيِّ وَالْمَغْرُوسِ.
قَوْلُهُ: (اسْتِحْقَاقِ الطَّرِيقِ) أَيْ اسْتِحْقَاقِ طُرُوقِ الطَّرِيقِ. وَعِبَارَةُ م ر: اسْتِحْقَاقِ الطُّرُوقِ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَنَحْوِهَا) كَالسَّابَاطِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ) أَيْ يَحْرُمُ وَيُمْنَعُ مِنْهُ ق ل قَوْلُهُ: (إخْرَاجُ رَوْشَنٍ) لَوْ قَالَ الرَّوْشَنَ لَكَانَ أَوْلَى ق ل.
قَوْلُهُ: (الْخَالِي عَنْ نَحْوِ مَسْجِدٍ) أَيْ قَدِيمٍ. وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَسْجِدُ وَنَحْوُهُ قَدِيمًا اُشْتُرِطَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَسْجِدًا أَصْلًا أَوْ كَانَ حَادِثًا بَعْدَ جَعْلِهِ دَرْبًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ زِيَادَةً عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَحُكْمُ فَتْحِ الْبَابِ فِيهِ أَنَّهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ يَجُوزُ فَتْحُ الْبَابِ بِشَرْطِ عَدَمِ الضَّرَرِ، وَفِي الثَّانِي بِشَرْطِ عَدَمِ الضَّرَرِ وَالْإِذْنِ. وَلَا فَرْقَ فِي الْبَابِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، بِخِلَافِ الرَّوْشَنِ فَخَاصٌّ جَوَازُهُ بِالْمُسْلِمِ كَمَا مَرَّ. وَقَالَ سم عَلَى الْمَنْهَجِ: حَاصِلُ مَا قَرَّرَهُ الرَّمْلِيُّ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَسْجِدُ قَدِيمًا اُشْتُرِطَ أَمْرٌ وَاحِدٌ لِجَوَازِ الْإِشْرَاعِ وَهُوَ عَدَمُ الضَّرَرِ لِلْمَارَّةِ، أَوْ حَادِثًا اُشْتُرِطَ أَمْرَانِ عَدَمُ الضَّرَرِ وَرِضَا أَهْلِ السِّكَّةِ؛ وَأَمَّا الْمُرُورُ فَهُوَ جَائِزٌ كَمَا تَقَدَّمَ. وَهَذَا التَّفْصِيلُ يَجْرِي فِي فَتْحِ الْبَابِ وَالدَّارِ وَالرِّبَاطِ الْمَوْقُوفَيْنِ عَلَى مُعَيَّنٍ.
قَوْلُهُ: (لِغَيْرِ أَهْلِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِلَا يَجُوزُ. قَوْلُهُ: (إلَّا بِإِذْنِ الشُّرَكَاءِ) الْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي مَحَلِّ الْإِشْرَاعِ.
قَوْلُهُ: (كُلِّهِمْ فِي الْأَوْلَى) وَهِيَ مَا إذَا كَانَ الْمُخْرِجُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ بَابُهُ أَقْرَبُ إلَى رَأْسِ الدَّرْبِ أَيْ أَوَّلِهِ؛ مَرْحُومِيٌّ. وَقَدْ تَبِعَ الشَّارِحُ فِي ذَلِكَ الْمَنْهَجِ. وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ الزِّيَادِيُّ وَالشَّوْبَرِيُّ أَنَّ الْأَوْلَى كَالثَّانِيَةِ فِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إلَّا إذْنُ الْمُقَابِلِ وَاَلَّذِي يَمُرُّ تَحْتَهُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ إذْنُ مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْمُرُورِ تَحْتَ الرَّوْشَنِ أَوْ بَابُهُ مُقَابِلُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُخْرِجُ مِنْ أَهْلِ الدَّرْبِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ، أَيْ لِأَنَّ شَرِكَةَ كُلٍّ مِنْهُمْ تَخْتَصُّ بِمَا بَيْنَ دَارِهِ وَرَأْسِ غَيْرِ النَّافِذِ كَمَا سَيَأْتِي، فَيَكُونُ الْخَارِجُونَ عَنْ الْجَنَاحِ لَا حَقَّ لَهُمْ.
قَوْلُهُ: (وَمِنْ بَاقِيهِمْ) الْمُنَاسِبُ حَذْفُ " مِنْ ". وَقَوْلُهُ: " عَنْ رَأْسِهِ " الْمُرَادُ بِرَأْسِهِ أَوَّلُهُ الَّذِي فِيهِ الْبَوَّابَةُ.
قَوْلُهُ: (مِنْ مَحَلِّ الْمُخْرِجِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ " أَبْعَدُ ". قَوْلُهُ: (أَوْ مُقَابِلُهُ) أَيْ أَوْ بَابُهُ مُقَابِلٌ مَحَلَّ الْمُخْرِجِ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ أَرَادُوا الرُّجُوعَ إلَخْ) حَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ الرُّجُوعُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُخْرِجُ لِلرَّوْشَنِ مِنْ الشُّرَكَاءِ امْتَنَعَ الرُّجُوعُ وَإِبْقَاؤُهُ بِأُجْرَةٍ بَلْ يَبْقَى مَجَّانًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الشُّرَكَاءِ جَازَ الرُّجُوعُ وَيَغْرَمُونَ أَرْشَ النَّقْصِ. وَأَمَّا الرُّجُوعُ فِي فَتْحِ الْبَابِ فَيَجُوزُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الشُّرَكَاءِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ، أَيْ وَكَانَ فَتْحُ الْبَابِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ وَإِلَّا فَلَا رُجُوعَ لِأَنَّهُ بَيْعٌ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرَّوْشَنِ وَالْبَابِ أَنَّ الرَّوْشَنَ شَأْنُهُ عَدَمُ الضَّرَرِ، فَلَمَّا أَذِنُوا لَهُ وَوَرَّطُوهُ غَرِمُوا عِنْدَ الرُّجُوعِ لِتَقْصِيرِهِمْ. وَأَمَّا الْبَابُ فَشَأْنُهُ الضَّرَرُ فَإِذَا رَجَعُوا كَانُوا مَعْذُورِينَ، فَيُحْمَلُ رُجُوعُهُمْ عَلَى الْعُذْرِ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِمْ سَوَاءٌ كَانَ الْفَاتِحُ مِنْ الشُّرَكَاءِ أَوْ لَا، شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ الْإِخْرَاجِ) هُوَ قَيْدٌ، وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَهُمْ الرُّجُوعُ وَيُمْنَعُ مِنْ الْإِخْرَاجِ ع ش.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْهَوَاءَ إلَخْ) أَيْ فَيَبْقَى بِلَا مُقَابِلٍ ع ش.
قَوْلُهُ: (وَيُعْتَبَرُ إذْنُ الْمُكْتَرِي إلَخْ) وَمِثْلُهُ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ شَرْحُ م ر. وَيُعْتَبَرُ إذْنُ الْمُؤَجِّرِ وَالْمُعِيرِ لَا الْمُسْتَعِيرِ وَيُعْتَبَرُ إذْنُ غَيْرِ الْكَامِلِ بِنَحْوِ صِبَا بَعْدَ كَمَالِهِ ق ل.
قَوْلُهُ: (مَنْ نَفَذَ بَابُهُ إلَخْ) قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَالْمُرَادُ مَنْ لَهُ الْمُرُورُ فِيهِ إلَى مِلْكِهِ مِنْ دَارٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ فُرْنٍ أَوْ حَانُوتٍ، شَرْحُ م ر أج.
قَوْلُهُ: (لَا مَنْ لَاصَقَ) أَيْ الدَّرْبُ جِدَارَهُ، وَيَصِحُّ رَفْعُ الْجِدَارِ أَيْ لَاصَقَ جِدَارَهُ
تَرَدُّدِهِ.
(وَيَجُوزُ) لِمَنْ لَهُ بَابٌ (تَقْدِيمُ الْبَابِ) بِغَيْرِ إذْنِ بَقِيَّةِ الشُّرَكَاءِ (فِي الدَّرْبِ الْمُشْتَرَكِ) إذَا سَدَّ الْبَابَ الْقَدِيمَ لِأَنَّهُ تَرَكَ بَعْضَ حَقِّهِ، فَإِنْ لَمْ يَسُدَّهُ فَلِشُرَكَائِهِ مَنْعُهُ لِأَنَّ انْضِمَامَ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ يُورِثُ زَحْمَةً، وَوُقُوفُ الدَّوَابِّ فِي الدَّرْبِ فَيَتَضَرَّرُونَ بِهِ. وَلَوْ كَانَ بَابُهُ آخِرَ الدَّرْبِ فَأَرَادَ تَقْدِيمَهُ وَجَعَلَ الْبَاقِيَ دِهْلِيزًا لِدَارِهِ جَازَ (وَلَا يَجُوزُ) لِمَنْ لَهُ بَابٌ فِي رَأْسِ الدَّرْبِ الْمُشْتَرَكِ (تَأْخِيرُهُ) أَيْ الْبَابِ الْجَدِيدِ إلَى أَسْفَلِ الدَّرْبِ سَوَاءٌ أَقَرُبَ مِنْ الْقَدِيمِ أَمْ بَعُدَ عَنْهُ، وَسَوَاءٌ أَسَدَّ الْأَوَّلَ أَمْ لَا (إلَّا بِإِذْنٍ) مِمَّنْ تَأَخَّرَ بَابُ دَارِهِ (مِنْ الشُّرَكَاءِ) عَنْ بَابِ دَارِ الْمُرِيدِ لِذَلِكَ، لِأَنَّ الْحَقَّ فِي زِيَادَةِ الِاسْتِطْرَاقِ لِمَنْ تَأَخَّرَ دَارُهُ فَجَازَ لَهُ إسْقَاطُهُ بِخِلَافِ مَنْ بَابُهُ بَيْنَ الْمَفْتُوحِ وَرَأْسِ الدَّرْبِ، أَوْ مُقَابِلٌ لِلْمَفْتُوحِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ أَيْ الْمَفْتُوحُ الْقَدِيمُ كَمَا فَهِمَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ. وَفَهِمَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ الْجَدِيدُ فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُقَابِلَ لِلْمَفْتُوحِ مُشَارِكٌ فِي الْقَدْرِ الْمَفْتُوحِ فِيهِ، فَلَهُ الْمَنْعُ. وَخَرَجَ بِالْخَالِي عَنْ نَحْوِ مَسْجِدٍ مَا لَوْ كَانَ بِهِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ الْإِخْرَاجُ بِقَيْدِهِ السَّابِقِ عِنْدَ الْإِضْرَارِ وَإِنْ أَذِنَ الْبَاقُونَ، وَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ بِمَالٍ عَلَى إخْرَاجِ جَنَاحٍ أَوْ فَتْحِ بَابٍ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الِاسْتِطْرَاقِ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ.
تَتِمَّةٌ: يَجُوزُ لِمَنْ لَاصَقَ جِدَارُهُ الدَّرْبَ الْمَسْدُودَ أَنْ يَفْتَحَ فِيهِ بَابًا لِاسْتِضَاءَةٍ وَغَيْرِهَا، سَوَاءٌ أَسْمَرَهُ أَمْ لَا، لِأَنَّ لَهُ رَفْعَ الْجِدَارِ فَبَعْضُهُ أَوْلَى لَا فَتْحُهُ لِتَطَرُّقٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ لِتَضَرُّرِهِمْ بِمُرُورِ الْفَاتِحِ أَوْ بِمُرُورِهِمْ عَلَيْهِ. وَلَهُمْ بَعْدَ الْفَتْحِ بِإِذْنِهِمْ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءُوا وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِمْ، وَلِلْمَالِكِ فَتْحُ الطَّاقَاتِ لِاسْتِضَاءَةٍ وَغَيْرِهَا، بَلْ لَهُ " إزَالَةُ بَعْضِ الْجِدَارِ وَجَعْلُ شِبَاكٍ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الدَّرْبَ
قَوْلُهُ: (تَقْدِيمُ الْبَابِ) أَيْ لِجِهَةِ رَأْسِ الدَّرْبِ. قَوْلُهُ: (إذَا سَدَّ الْبَابَ الْقَدِيمَ) بِمَعْنَى عَدَمِ اسْتِطْرَاقِهِ مِنْهُ وَلَوْ بِتَسْمِيرِهِ ق ل.
قَوْلُهُ: (بَيْنَ الْمَفْتُوحِ) أَيْ الْقَدِيمِ كَمَا يَأْتِي.
قَوْلُهُ: (فَاعْتَرَضَ) أَيْ الْبُلْقِينِيُّ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى النَّوَوِيِّ فِي الرَّوْضَةِ النَّاقِلِ عَنْ الْإِمَامِ، وَقِيلَ: الضَّمِيرُ لِلْإِمَامِ. وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ مَدْفُوعٌ لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى فَهْمٍ سَقِيمٍ. قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِالْخَالِي عَنْ نَحْوِ مَسْجِدٍ إلَخْ) نَعَمْ لَيْسَ ذَلِكَ عَامًّا فِي كُلِّهِ بَلْ مِنْ رَأْسِ الدَّرْبِ إلَى نَحْوِ الْمَسْجِدِ اهـ ابْنُ حَجَرٍ مَرْحُومِيٌّ. وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى فَتْحِ الْبَابِ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْكَلَامِ عَلَى الرَّوْشَنِ لَا عَلَى فَتْحِ الْبَابِ. قَوْلُهُ: (بِقَيْدِهِ السَّابِقِ) أَيْ مِنْ كَوْنِ الْبَابِ أَبْعَدَ عَنْ رَأْسِ الدَّرْبِ أَوْ أَقْرَبَ مَعَ التَّطَرُّقِ مِنْ الْقَدِيمِ، كَذَا قَالَهُ الْمَرْحُومِيُّ. وَهَذَا لَا يَظْهَرُ لِأَنَّ الْقَيْدَ الْمَذْكُورَ فِي فَتْحِ الْبَابِ لَا فِي إخْرَاجِ الرَّوْشَنِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: فَلَا يَجُوزُ الْإِخْرَاجُ وَلَا الْفَتْحُ بِقَيْدِهِ السَّابِقِ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ مُعْتَبَرٌ فِيهِ، فَكَلَامُ الْمَرْحُومِيِّ لَا يَظْهَرُ إلَّا لَوْ زَادَ الشَّارِحُ الْفَتْحَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ؛ فَلَعَلَّهُ سَقْطٌ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ. وَوُجِدَ بِخَطِّ الْمَيْدَانِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَيْدِ السَّابِقِ كَوْنُ الْمُخْرِجِ مُسْلِمًا. وَقَوْلُهُ بِقَيْدِهِ السَّابِقِ فِيهِ أَنَّ قَيْدَهُ السَّابِقَ الْإِضْرَارُ. قَوْلُهُ:(عِنْدَ الْإِضْرَارِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَمَفْهُومُهُ جَوَازُ الْإِشْرَاعِ الَّذِي لَا يَضُرُّ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ أَهْلُهَا، وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَسْجِدُ حَادِثًا وَإِلَّا فَإِنْ رَضِيَ بِهِ أَهْلُهَا فَذَاكَ وَإِلَّا فَلَهُمْ الْمَنْعُ مِنْ الْإِشْرَاعِ إذْ لَيْسَ لِأَحَدِ الشُّرَكَاءِ إبْطَالُ حَقِّ الْبَقِيَّةِ مِنْ ذَلِكَ،. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. وَعِبَارَةُ ق ل: نَعَمْ إنْ كَانَ فِيهِ مَسْجِدٌ أَوْ نَحْوُ بِئْرٍ مَوْقُوفٍ عَلَى الْعُمُومِ أَوْ نَحْوُ حَمَّامٍ فَكَالشَّارِعِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْقُوفِ بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ الْمَارَّ، أَيْ إضْرَارًا بَيِّنًا مُخَالِفًا لِلْعَادَةِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى إخْرَاجِ جَنَاحٍ إلَخْ) أَيْ فِي الدَّرْبِ الْمَسْدُودِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى نَحْوِ مَسْجِدٍ، فَهَذَا غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ إذْ ذَاكَ فِي الطَّرِيقِ النَّافِذِ فَلَا تَكْرَارَ.
قَوْلُهُ: (فَبَعْضُهُ أَوْلَى) أَيْ فَرَفْعُ بَعْضِهِ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (لَا فَتْحَهُ لِتَطَرُّقٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ) أَيْ إذْنِ الْجَمِيعِ، أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِهِ لِأَنَّ الدَّاخِلِينَ يَتَضَرَّرُونَ بِمُرُورِهِمْ عَلَيْهِ وَالْخَارِجِينَ يَتَضَرَّرُونَ بِمُرُورِهِ عَلَيْهِمْ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِمْ) عَزَاهُ فِي م ر لِلْإِمَامِ، وَعِبَارَتُهُ: قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا يَغْرَمُونَ شَيْئًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعَارَ أَرْضًا لِبِنَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ حَيْثُ لَا يُقْلَعُ مَجَّانًا.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْفَرْقِ. وَفَرَّقَ فِي الْمَطْلَبِ بِأَنَّهُ هُنَا بَنَى فِي مِلْكِهِ وَالْمَبْنَى بَاقٍ بِحَالِهِ لَا يَزَالُ فَلَا غُرْمَ، بِخِلَافِ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَرْضِ فَإِنَّ الْمُعِيرَ يَقْلَعُ فَغَرِمَ أَرْشَ النَّقْصِ. وَأَوْضَحَهُ الشَّيْخُ بِأَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ