الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَتِمَّةٌ: لَوْ أَعْطَى شَخْصٌ آخَرَ دَابَّةً لِيَعْمَلَ عَلَيْهَا، أَوْ يَتَعَهَّدَهَا وَفَوَائِدُهَا بَيْنَهُمَا لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى يُمْكِنُهُ إيجَارُ الدَّابَّةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إيرَادِ عَقْدٍ عَلَيْهَا فِيهِ غَرَرٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ الْفَوَائِدُ لَا تَحْصُلُ بِعَمَلِهِ. وَلَوْ أَعْطَاهَا لَهُ لِيَعْلِفَهَا مِنْ عِنْدِهِ بِنِصْفِ دَرِّهَا فَفَعَلَ ضَمِنَ لَهُ الْمَالِكُ الْعَلَفَ، وَضَمِنَ الْآخَرُ لِلْمَالِكِ نِصْفَ الدَّرِّ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمَشْرُوطُ لَهُ لِحُصُولِهِ بِحُكْمِ بَيْعٍ فَاسِدٍ، وَلَا يَضْمَنُ الدَّابَّةَ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقَابَلَةٍ بَعُوضٍ. وَإِنْ قَالَ: لِتَعْلِفْهَا بِنِصْفِهَا فَفَعَلَ فَالنِّصْفُ الْمَشْرُوطُ مَضْمُونٌ عَلَى الْعَالِفِ لِحُصُولِهِ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ دُونَ النِّصْفِ الْآخَرِ.
فَصْلٌ: فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ
وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْوَاوِ الْأَرْضُ الَّتِي لَا مَالِكَ لَهَا وَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا أَحَدٌ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُوَ الَّذِي لَمْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْمَصِيرُ إلَيْهِ لِصِحَّةِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ رَحْمَةٌ وَلِلضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ لِذَلِكَ اهـ كَلَامُهُ. وَالْقَوْلُ بِالْجَوَازِ هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِهِ الْآنَ مُرَاعَاةً لِأَهْلِ هَذَا الزَّمَانِ اهـ لِكَاتِبِهِ عَمَّهُ اللَّهُ بِالْغُفْرَانِ.
قَوْلُهُ: (لَوْ أَعْطَى شَخْصٌ إلَخْ) هَذِهِ تَقَدَّمَتْ بِعَيْنِهَا فِي الْمُسَاقَاةِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ أَعَادَهَا تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهَا أج.
قَوْلُهُ: (لِيَعْمَلَ عَلَيْهَا) أَيْ وَأُجْرَةُ الْعَمَلِ بَيْنَهُمَا.
قَوْلُهُ: (وَفَوَائِدُهَا) أَيْ مَا يَحْصُلُ مِنْهَا مِنْ أُجْرَةٍ وَنَحْوِهَا ق ل.
قَوْلُهُ: (لَا تَحْصُلُ بِعَمَلِهِ) وَهُوَ التَّعَهُّدُ. قَوْلُهُ: (نِصْفَ الدَّرِّ) أَيْ بَدَلَهُ.
قَوْلُهُ: (لِحُصُولِهِ) أَيْ الدَّرِّ أَوْ الْمَذْكُورِ مِنْ الدَّرِّ وَالْعَلَفِ، وَهُوَ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ كَلَامُهُ أَظْهَرُ فِي الْأَوَّلِ ق ل.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَضْمَنُ الدَّابَّةَ) أَيْ فَهِيَ أَمَانَةٌ؛ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهَا لِأَجْلِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ اهـ م د. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقَابَلَةٍ بِعِوَضٍ) هَذَا لَا يُنَافِي كَوْنَهَا مُعَارَةً مَعَهُ لِأَخْذِ اللَّبَنِ الَّذِي هُوَ لَهُ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْهَا فَتَكُونُ مَضْمُونَةً فَرَاجِعْ وَتَأَمَّلْ ق ل؛ لَكِنْ نَحْنُ مَعَ الشَّارِحِ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ فَاسِدَ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ.
قَوْلُهُ: (فَالنِّصْفُ الْمَشْرُوطُ مَضْمُونٌ) وَيَضْمَنُ لَهُ الْمَالِكُ جَمِيعَ الْعَلَفِ بِمِثْلِهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ.
قَوْلُهُ: (دُونَ النِّصْفِ الْآخَرِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ الْأَمَانَةِ فِي يَدِهِ، وَلَعَلَّ هَذَا وَمَا قَبْلَهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَسْتَعْمِلُ الدَّابَّةَ ق ل. فَرْعٌ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: سَمِّنْ هَذِهِ الشَّاةَ وَلَك نِصْفُهَا أَوْ هَاتَيْنِ عَلَى أَنَّ لَك إحْدَاهُمَا، لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ وَاسْتَحَقَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لِلنِّصْفِ الَّذِي سَمَّنَهُ لِلْمَالِكِ. وَهَذِهِ الْحَالَةُ مِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فِي الْفَرَارِيجِ بِدَفْعِ كَاشِفِ الْبَرِيَّةِ أَوْ مُلْتَزِمِ الْبَلَدِ لِبَعْضِ أَهْلِ الْبُيُوتِ الْمِائَةَ أَوْ الْأَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، وَيَقُولُ لَهُمْ: رَبُّوهَا وَلَكُمْ نِصْفُهَا؛ فَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ وَمَنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ يَفْعَلُ هَكَذَا؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَظِيمًا عَلَى النَّاسِ اهـ خَطِيبٌ عَلَى الْمِنْهَاجِ. اهـ. .
[فَصْلٌ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ]
أَيْ عِمَارَةِ الْأَرْضِ الْخَرِبَةِ، فَشَبَّهَ الْعِمَارَةَ بِالْإِحْيَاءِ وَأَطْلَقَهُ عَلَيْهَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ التَّصْرِيحِيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالْجَامِعُ الِانْتِفَاعُ فِي كُلٍّ مِنْ الْإِحْيَاءِ وَالْعِمَارَةِ أَوْ شَبَّهَ الْأَرْضَ الْخَرِبَةَ بِالْمَيِّتِ تَشْبِيهًا مُضْمَرًا فِي النَّفْسِ. وَإِثْبَاتُ الْإِحْيَاءِ تَخَيُّلٌ، وَالْجَامِعُ عَدَمُ النَّفْعِ فِي كُلٍّ، قَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَرْضُ مِلْكٌ لِلَّهِ ثُمَّ مَلَّكَهَا لِلشَّارِعِ ثُمَّ رَدَّهَا الشَّارِعُ عَلَى أُمَّتِهِ الْمُسْلِمِينَ. وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَقِبَ الْمُزَارَعَةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُتَعَلِّقٌ بِالْأَرْضِ.
قَوْلُهُ: (لَا مَالَك لَهَا) يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا مَالِكَ لَهَا مَعْلُومٌ، فَيَكُونُ مِنْ الْمَوَاتِ مَا ظَهَرَ فِيهِ أَثَرُ مِلْكٍ كَغَرْسِ شَجَرٍ وَأَسَاسِ جُدْرَانٍ وَنَحْوِ أَوْتَادٍ، فَيَكُونُ أَعَمَّ مِنْ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ أَرَادَ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالِكٌ أَصْلًا لَمْ يَكُنْ مَا ذَكَرَ مِنْ الْمَوَاتِ، أَيْ فَلَا يَشْمَلُ الْعَامِرَ الَّذِي لَمْ يُعْلَمْ مَالِكُهُ، وَيُسَاوِي كَلَامَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَالْمُرَادُ: لَمْ يَعْمُرْ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا عِبْرَةَ بِعِمَارَتِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَمَا يَأْتِي ق ل. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي تَعْرِيفِ الْمَوَاتِ أَرْبَعُ عِبَارَاتٍ: عِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ وَعِبَارَةُ الْمَاوَرْدِيُّ وَعِبَارَةُ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَعِبَارَةُ الزَّرْكَشِيّ، وَهِيَ مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى أَوْ بَيْنَ بَعْضِهَا الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْمُطْلَقُ أَوْ التَّرَادُفُ
يَكُنْ غَامِرًا وَلَا حَرِيمًا لِعَامِرٍ قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ أَوْ بَعُدَ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ أَخْبَارٌ كَخَبَرِ: «مَنْ عَمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (وَإِحْيَاءُ الْمَوَاتِ جَائِزٌ) بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُهَذَّبِ وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ لِحَدِيثِ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ وَمَا أَكَلَتْ الْعَوَافِي» أَيْ طُلَّابُ الرِّزْقِ: " مِنْهَا فَهُوَ صَدَقَةٌ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهُوَ قِسْمَانِ: أَصْلِيٌّ وَهُوَ مَا لَمْ يُعْمَرْ قَطُّ، وَطَارِئٌ وَهُوَ مَا خَرِبَ بَعْدَ عِمَارَتِهِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ: بِقَاعُ الْأَرْضِ إمَّا مَمْلُوكَةٌ أَوْ مَحْبُوسَةٌ عَلَى الْحُقُوقِ الْعَامَّةِ أَوْ الْخَاصَّةِ، وَإِمَّا مُنْفَكَّةٌ عَنْ الْحُقُوقِ الْعَامَّةِ أَوْ الْخَاصَّةِ وَهِيَ الْمَوَاتُ.
وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْمُحَيِّي مَا أَحْيَاهُ (بِشَرْطَيْنِ) الْأَوَّلُ: (أَنْ يَكُونَ الْمُحَيِّي مُسْلِمًا) وَلَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
اهـ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا أَحَدٌ) خَرَجَ الشَّوَارِعُ وَالْمَقَابِرُ وَحَرِيمُ الْعَامِرِ.
قَوْلُهُ: (مَنْ عَمَرَ) بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ مِنْ الْعِمَارَةِ، أَمَّا عَمَّرَ بِالتَّشْدِيدِ فَمِنْ التَّعْمِيرِ بِالسِّنِّ قَالَ تَعَالَى:{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ} [التوبة: 18] وَمِنْ الثَّانِي قَوْلُهُ: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} [البقرة: 96]{أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ} [فاطر: 37] الْآيَةَ أج وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ تُعْلَمْ الرِّوَايَةُ. وللدنوشري بَيْتٌ مِنْ الطَّوِيلِ:
وَعَمَّرَ بِالتَّشْدِيدِ فِي السِّنِّ قَدْ أَتَى
…
كَمَا أَنَّ فِي الْبُنْيَانِ تَخْفِيفُهُ وَجَبْ
قَوْلُهُ: (فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا) أَيْ مُسْتَحِقٌّ لَهَا يَمْلِكُهَا كَمَا فِي رِوَايَةِ: " فَهِيَ لَهُ " ق ل، فَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ. قَوْلُهُ:(وَإِحْيَاءُ الْمَوَاتِ) أَيْ عِمَارَةُ الْأَرْضِ الْخَرِبَةِ وَإِنَّمَا أَوَّلْنَاهُ بِذَلِكَ لِيَكُونَ لِلشَّرْطِ الثَّانِي فَائِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ.
قَوْلُهُ: (فِيهَا أَجْرٌ) أَيْ فِي إحْيَائِهَا أَيْ بِسَبَبِ إحْيَائِهَا، فَ " فِي " سَبَبِيَّةٌ كَمَا فِي:«دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ» الْحَدِيثَ. قَالَ بَعْضُهُمْ: يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: " أَجْرٌ " وَمِنْ قَوْلِهِ " صَدَقَةٌ " عَدَمُ جَوَازِ إحْيَاءِ الْكَافِرِ لِعَدَمِ أَجْرِهِ وَثَوَابِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُثَابُ عَلَى صَدَقَتِهِ وَعِتْقِهِ مِنْ كُلِّ مَا لَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَعُهُ فِي الدُّنْيَا بِالْجَاهِ وَالْمَالِ وَالْأَوْلَادِ وَفِي الْآخِرَةِ يُخَفَّفُ عَنْهُ مِنْ عَذَابِ غَيْرِ الْكُفْرِ، وَمِنْ ثَمَّ جَازَ إحْيَاؤُهُ فِي دَرَاهِمِ.
قَوْلُهُ: (الْعَوَافِي) جَمْعُ عَافِيَةٍ. قَوْلُهُ: (مِنْهَا) أَيْ مِنْ زَرْعِهَا، فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَوْ أَنَّ مِنْ لِلتَّعْلِيلِ وَالتَّبْعِيضِ مَعًا أَيْ مِنْ أَجَلِهَا وَمِمَّا يَنْبُتُ مِنْهَا فَيَشْمَلُ أَكْلَ الْعُمْلَةِ كَمَا قَالَهُ أج؛ لِأَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ الْأُجْرَةَ مِنْ أَجَلِهَا. وَيُنَافِيهِ قَوْلُهُ بَعْدُ:«فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ» ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تَكُونُ صَدَقَةً فَالتَّبْعِيضُ أَوْلَى. وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» وَلِهَذَا لَمْ يَحْتَجْ فِي الْمِلْكِ هُنَا إلَى لَفْظٍ؛ لِأَنَّهُ إعْطَاءٌ عَامٌّ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم؛؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَقَطَعَهُ أَرْضَ الدُّنْيَا كَأَرْضِ الْجَنَّةِ لِيَقْطَعَ مِنْهُمَا مَا شَاءَ لِمَنْ شَاءَ، وَمِنْ ثَمَّ أَفْتَى السُّبْكِيُّ بِكُفْرِ مُعَارِضِ أَوْلَادِ تَمِيمٍ فِيمَا أَقَطَعَهُ صلى الله عليه وسلم لَهُ بِأَرْضِ الشَّامِ. اهـ. حَجّ. وَنُوزِعَ السُّبْكِيُّ فِيمَا أَفْتَى بِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا ثَبَتَ بِخَبَرِ الْآحَادِ وَلَا نُكَفِّرُ بِخَبَرِ الْآحَادِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا اُشْتُهِرَ عَنْ الصَّحَابَةِ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ قِسْمَانِ) هَذَا إنَّمَا يَجْرِي عَلَى طَرِيقَةِ الرَّافِعِيِّ الشَّامِلَةِ لِمَا لَمْ يَعْمُرْ قَطُّ أَوْ عَمُرَ ثُمَّ خَرِبَ، بِخِلَافِهِ عَلَى كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنَّ الثَّانِيَ مِنْ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ إلَّا أَنْ يُصَوَّرَ بِمَا عَمُرَ جَاهِلِيَّةً فَقَطْ ثُمَّ خَرِبَ. قَوْلُهُ:(بِقَاعُ الْأَرْضِ) بِكَسْرِ الْبَاءِ جَمْعُ بُقْعَةٍ مِثْلُ كَلْبَةٍ وَكِلَابٍ، وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنْ الْأَرْضِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ.
قَوْلُهُ: (الْعَامَّةِ) كَالْمَسَاجِدِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى عَامَّةِ النَّاسِ وَالْخَاصَّةِ، كَأَنْ وَقَفَ رِبَاطًا عَلَى طَائِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَهِيَ) أَيْ الْمُنْفَكَّةُ.
قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا يَمْلِكُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الشَّرْطَيْنِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِلْجَوَازِ، فَجَعْلُهُمَا لِلْمِلْكِ خُرُوجٌ عَنْ مَوْضُوعِهِ فَتَأَمَّلْ ق ل، وَإِنْ كَانَ كَلَامُ الشَّارِحِ صَحِيحًا أَيْضًا؛؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالشَّرْطَيْنِ أَيْضًا. وَلَعَلَّ الْحَامِلَ لِلشَّارِحِ عَلَى مَا صَنَعَهُ صِحَّةُ الشَّرْطِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ جَعْلُهُ شَرْطًا لِلْإِحْيَاءِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْأَرْضِ حُرَّةً هُوَ عَيْنُ الْمَوَاتِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِهِ.
قَوْلُهُ:
بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ بِحَرَمٍ، أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ أَمْ لَا بِخِلَافِ الْكَافِرِ وَإِنْ أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ كَالِاسْتِعْلَاءِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ عَلَيْهِ بِدَارِنَا. وَقَالَ السُّبْكِيُّ عَنْ الْجُورِيِّ بِضَمِّ الْجِيمِ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّ مَوَاتَ الْأَرْضِ كَانَ مِلْكًا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى أُمَّتِهِ. وَلِلذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ الِاحْتِطَابُ وَالِاحْتِشَاشُ وَالِاصْطِيَادُ بِدَارِنَا، وَلَا يَجُوزُ إحْيَاءٌ فِي عَرَفَةَ وَلَا الْمُزْدَلِفَةِ وَلَا مِنًى لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوُقُوفِ بِالْأَوَّلِ وَالْمَبِيتِ بِالْآخَرَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَيَنْبَغِي إلْحَاقُ الْمُحَصَّبِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُسَنُّ لِلْحَجِيجِ الْمَبِيتُ بِهِ اهـ. لَكِنْ قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ، فَمَنْ أَحْيَا شَيْئًا مِنْهُ مَلَكَهُ انْتَهَى، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ: أَمَّا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ بِبِلَادِهِمْ فَلَهُمْ إحْيَاؤُهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِهِمْ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْنَا فِيهِ، وَكَذَا لِلْمُسْلِمِ إحْيَاؤُهَا إنْ لَمْ يَذُبُّونَا عَنْهَا بِخِلَافِ مَا يَذُبُّونَا عَنْهَا وَقَدْ صُولِحُوا عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ
(وَ) الشَّرْطُ الثَّانِي (أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ) الَّتِي يُرَادُ مِلْكُهَا بِالْإِحْيَاءِ (حُرَّةً) وَهِيَ الَّتِي (لَمْ يَجْرِ عَلَيْهَا مِلْكٌ لِمُسْلِمٍ) وَلَا لِغَيْرِهِ. فَإِنْ جَرَى عَلَيْهِ مِلْكٌ وَإِنْ كَانَ خَرَابًا فَهُوَ لِمَالِكِهِ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، فَإِنْ جُهِلَ مَالِكُهُ وَالْعِمَارَةُ إسْلَامِيَّةٌ فَمَالٌ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَلَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ) أَيْ وَلَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ فِيمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَصْدٍ كَإِحْيَاءِ الْمَسْكَنِ وَالزَّرِيبَةِ، بِخِلَافِ حَفْرِ الْبِئْرِ فِي الْمَوَاتِ إذَا حَفَرَ بِهَا غَيْرُ الْمُمَيِّزِ فَلَا يَمْلِكُهَا؛ لِأَنَّ مِلْكَهَا يَحْتَاجُ إلَى قَصْدِ الْمِلْكِ وَقَصْدُهُ لَاغٍ. نَعَمْ تُحْمَلُ عَلَى الِارْتِفَاقِ فَيَكُونُ أَوْلَى بِهَا مِنْ غَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ) الْمُرَادُ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ مَا بَنَاهُ الْمُسْلِمُونَ كَبَغْدَادَ وَالْبَصْرَةِ، أَوْ أَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ كَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَنِ، أَوْ فُتِحَ عَنْوَةٍ كَخَيْبَرِ وَمِصْرَ وَسَوَادِ الْعِرَاقِ، أَوْ صُلْحًا. وَالْأَرْضُ لَنَا وَهُمْ يَدْفَعُونَ الْخَرَاجَ، وَفِي هَذِهِ عِمَارَتُهَا فَيْءٌ وَمَوَاتُهَا مُتَحَجِّرٌ لِأَهْلِ الْفَيْءِ، وَحِفْظُهُ عَلَى الْإِمَامِ وَإِنْ صَالَحْنَاهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ فَمَوَاتُهَا مُتَحَجِّرٌ لَهُمْ، وَمَعْمُورُهَا مِلْكٌ لَهُمْ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَرْضَ إمَّا بِدَارِ كُفْرٍ لَا أَمَانَ لِأَهْلِهَا أَوْ بِدَارِ كُفْرٍ لَهُمْ أَمَانٌ، وَعَلَى كُلٍّ فَإِمَّا إنْ تَكُونَ عَامِرَةً أَوْ خَرَابًا فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ، أَوْ بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ عَامِرَةٌ عِمَارَةً جَاهِلِيَّةٍ أَوْ عِمَارَةً إسْلَامِيَّةٍ أَوْ عِمَارَةً مَشْكُوكًا فِيهَا أَوْ خَرَابًا، فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ أَيْضًا فَالْجُمْلَةُ ثَمَانِيَةٌ، وَلَا تَخْفَى أَحْكَامُهَا؛. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِحَرَمٍ) تَعْمِيمٌ ثَانٍ أَيْ مَا لَمْ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ كَمَا يَأْتِي.
قَوْلُهُ: (كَالِاسْتِعْلَاءِ) فِي نُسْخَةٍ كَالِاسْتِيلَاءِ وَهِيَ غَيْرُ طَاهِرَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهَا تَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ نَفْسُ الِاسْتِيلَاءِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَا ذُكِرَ إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ اسْتِيلَاءٌ إلَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَأَمَّا بِإِذْنِهِ فَلَا بَلْ هُوَ كَالِاسْتِيلَاءِ، فَكَلَامُ الشَّارِحِ صَحِيحٌ. قَوْلُهُ:(عَلَى أُمَّتِهِ) أَيْ أُمَّةِ الْإِجَابَةِ لِيُلَائِمَ مَا قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ يَصِحُّ رُجُوعُهُ لِأُمَّةِ الدَّعْوَى فَيَشْمَلُ إحْيَاءَ الْكَافِرِ فِي بِلَادِهِمْ.
قَوْلُهُ: (وَلِلذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ الِاحْتِطَابُ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُخْلَفُ وَلَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ. وَخَرَجَ الْحَرْبِيُّ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ، قَالَ الْمُتَوَلِّي: إلَّا أَنَّهُ إذَا أَخَذَهُ مَلَكَهُ.
قَوْلُهُ: (لِلْحَجِيجِ) جَمْعُ حَاجٍّ، وَقَوْلُهُ: لَيْسَ ذَلِكَ أَيْ الْمَبِيتَ. قَوْلُهُ: (بِبِلَادِهِمْ) وَهِيَ مَا فُتِحَتْ صُلْحًا عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ فَعَامِرُهَا مَمْلُوكٌ لَهُمْ وَمَوَاتُهَا مُتَحَجِّرٌ لَهُمْ. قَوْلُهُ: (مَا يَذُبُّونَا) بِحَذْفِ النُّونِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِلتَّخْفِيفِ وَهُوَ بِكَسْرِ الذَّالِ وَضَمِّهَا.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَجْرِ عَلَيْهَا) أَيْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ جَرَى عَلَيْهَا مِلْكٌ لِمُسْلِمٍ أج.
قَوْلُهُ: (وَلَا لِغَيْرِهِ) إلَّا جَاهِلِيًّا لَمْ يُعْرَفْ سم، وَيُعْرَفُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ حَيْثُ قَالَ:" وَالْعِمَارَةُ جَاهِلِيَّةٌ إلَخْ " فَفِي مَفْهُومِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مِلْكٌ لِمُسْلِمٍ تَفْصِيلٌ فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا جَرَى عَلَيْهَا مِلْكُ مُسْلِمٍ إنْ عُرِفَ فَهِيَ لَهُ وَإِلَّا فَمَالٌ ضَائِعٌ، وَإِنْ جَرَى عَلَيْهَا مِلْكُ كَافِرٍ فَإِنْ عُرِفَ فَهِيَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ فَإِنْ كَانَ جَاهِلِيًّا مَلَكَ بِالْإِحْيَاءِ وَإِلَّا فَمَالٌ ضَائِعٌ؛ فَالْأَقْسَامُ خَمْسَةٌ اهـ م د.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ جَرَى عَلَيْهِ) أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ الْأَرْضِ. وَفِي نُسْخَةٍ: " عَلَيْهَا " وَالْمُرَادُ عُلِمَ وَتُحُقِّقَ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ لِمَالِكِهِ) أَيْ إنْ عُرِفَ. فَرْعٌ: لَوْ رَكِبَ الْأَرْضَ مَاءٌ أَوْ رَمْلٌ أَوْ طِينٌ فَهِيَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ مِلْكٍ أَوْ وَقْفٍ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الرَّمَلُ مَثَلًا مَمْلُوكًا فَلِمَالِكِهِ أَخْذُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْحَسِرْ عَنْهَا، وَلَوْ انْحَسَرَ مَاءُ النَّهْرِ عَنْ جَانِبٍ مِنْهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ،
ضَائِعٌ الْأَمْرُ فِيهِ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ فِي حِفْظِهِ أَوْ بَيْعِهِ وَحِفْظِ ثَمَنِهِ أَوْ اقْتِرَاضِهِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ إلَى ظُهُورِ مَالِكِهِ أَوْ جَاهِلِيَّةٍ، فَيُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ كَالرِّكَازِ نَعَمْ إنْ كَانَ بِبِلَادِهِمْ وَذَبُّونَا عَنْهُ وَقَدْ صُولِحُوا عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ فَظَاهِرٌ أَنَّا لَا نَمْلِكُهُ بِالْإِحْيَاءِ، وَلَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ حَرِيمُ عَامِرٍ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِمَالِكِ الْعَامِرِ، وَحَرِيمُ الْعَامِرِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِتَمَامِ الِانْتِفَاعِ بِالْعَامِرِ، فَالْحَرِيمُ لِقَرْيَةٍ مُحَيَّاةٍ نَادٍ وَهُوَ مُجْتَمَعُ الْقَوْمِ لِلْحَدِيثِ وَمُرْتَكَضِ الْخَيْلِ وَنَحْوِهَا، وَمُنَاخُ إبِلٍ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُنَاخُ فِيهِ،
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَلَيْسَ لِلسُّلْطَانِ إقْطَاعُهُ أَيْ إعْطَاؤُهُ لِأَحَدٍ كَالنَّهْرِ وَحَرِيمِهِ. وَلَوْ زَرَعَهُ أَحَدٌ لَزِمَهُ أُجْرَتُهُ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ قَدْرُ حِصَّتِهِ إنْ كَانَتْ لَهُ فِي مَالِ الْمَصَالِحِ. نَعَمْ لِلْإِمَامِ دَفْعُهُ لِمَنْ يَرْتَفِقُ بِهِ بِمَا لَا يَضُرُّ الْمُسْلِمِينَ، وَمِثْلُهُ مَا يَنْحَسِرُ عَنْهُ الْمَاءُ مِنْ الْجَزَائِرِ فِي الْبَحْرِ وَيَجُوزُ زَرْعُهُ، وَنَحْوُهُ لِمَنْ لَمْ يَقْصِدْ إحْيَاءَهُ وَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْبِنَاءُ وَلَا الْغِرَاسُ وَلَا مَا يَضُرُّ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا مَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا تَبَعًا لِشَيْخِنَا م ر، وَبَالَغَ فِي الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ ذَكَرَ شَيْئًا مِمَّا يُخَالِفُهُ. اهـ. ق ل.
قَوْلُهُ: (أَوْ اقْتِرَاضُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ) بِأَنْ يَجْعَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ قَرْضًا عَلَيْهِ فَهُوَ قَرْضٌ حُكْمِيٌّ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: " أَوْ اقْتِرَاضُهُ " أَيْ اقْتِرَاضُ ثَمَنِهِ لَا اقْتِرَاضُ الْعَقَارِ إذْ لَا يُقْتَرَضُ.
قَوْلُهُ: (إلَى ظُهُورِ مَالِكِهِ) أَيْ إنْ رُجِيَ وَإِلَّا كَانَ مِلْكًا لِبَيْتِ الْمَالِ فَلَهُ إقْطَاعُهُ رَقَبَةً أَوْ مَنْفَعَةً إنْ لَمْ يَبِعْ، لَكِنْ يَسْتَحِقُّ فِي الْأَخِيرِ الِانْتِقَاعَ بِهِ مُدَّةَ الْإِقْطَاعِ خَاصَّةً. وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذُكِرَ مَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى مِنْ أَخْذِ الظَّلَمَةِ الْمُكُوسَ وَجُلُودَ الْبَهَائِمِ وَنَحْوَهَا كَالْأَكَارِعِ الَّتِي تُذْبَحُ وَتُؤْخَذُ قَهْرًا، وَتَعَذَّرَ رَدُّ ذَلِكَ لَهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ لِجَهْلِهِمْ وَهُوَ صَيْرُورَتُهَا لِبَيْتِ الْمَالِ، فَيَحِلُّ بَيْعُهَا وَأَكْلُهَا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ شَرْحِ م ر مُلَخَّصًا.
قُلْت: هَذَا ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ الْجُلُودِ وَالْأَكَارِعِ وَالرُّءُوسِ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّ أَصْحَابَهَا مَضْبُوطَةٌ مَعْلُومَةٌ يَعْلَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَالَهُ، وَبِفَرْضِ عَدَمِ عِلْمِهِ بِذَلِكَ صَارَ مُشْتَرَكًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا أَكْلُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ فَإِنَّهُ بَنَاهُ عَلَى التَّعَذُّرِ وَلَا تَعَذُّرَ. صَرَّحَ بِذَلِكَ كُلِّهِ سم مُتَعَقِّبًا شَيْخَهُ م ر اهـ أج.
قَوْلُهُ: (نَعَمْ إنْ كَانَ بِبِلَادِهِمْ إلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ تَقَدَّمَتْ فَهِيَ مُكَرَّرَةٌ.
قَوْلُهُ: (حَرِيمٌ إلَخْ) سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَحْرِيمِ التَّصَرُّفِ فِيهِ لِغَيْرِ صَاحِبِ الدَّارِ سم.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ) أَيْ كَالْمَمْلُوكِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ق ل: فِيهِ تَجَوُّزٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الِانْتِفَاعَ بِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُ غَيْرِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ بِمَا لَا يَضُرُّ مَالِكَ الْعَامِرِ. قَوْلُهُ:(فَالْحَرِيمُ لِقَرْيَةٍ إلَخْ) وَحَرِيمُ النَّهْرِ كَالنِّيلِ مَا تَمَسُّ الْحَاجَةُ لَهُ لِتَمَامِ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَمَا يُحْتَاجُ لَهُ لِإِلْقَاءِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ فِيهِ لَوْ أُرِيدَ حَفْرُهُ أَوْ تَنْظِيفُهُ فَيَمْتَنِعُ الْبِنَاءُ فِيهِ وَلَوْ مَسْجِدًا وَيُهْدَمُ مَا بُنِيَ فِيهِ كَمَا نُقِلَ عَنْ إجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَقَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِذَلِكَ فِي مِصْرِنَا حَتَّى أَلَّفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ وَأَطَالُوا لِيَنْزَجِرَ النَّاسُ فَلَمْ يَنْزَجِرُوا وَلَا يُغَيَّرُ هَذَا الْحُكْمُ كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ رحمه الله وَإِنْ بَعُدَ عَنْ الْمَاءِ بِحَيْثُ لَمْ يَصِرْ مِنْ حَرِيمِهِ لِاحْتِمَالِ عَوْدِهِ إلَيْهِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَا كَانَ حَرِيمًا لَا يَزُولُ وَصْفُهُ بِزَوَالِ مَتْبُوعِهِ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ اهـ شَرْحِ م ر.
وَقَوْلُهُ: " وَلَوْ مَسْجِدًا وَيُهْدَمُ " قَالَ الشَّيْخُ فِي حَاشِيَتِهِ: وَمَعَ وُجُوبِ هَدْمِهِ لَا تَحْرُمُ الصَّلَاةُ فِيهِ؛ لِأَنَّ غَايَةَ أَمْرِهِ أَنَّهَا صَلَاةٌ فِي حَرِيمِ النَّهْرِ وَهِيَ جَائِزَةٌ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ الْبِنَاءِ، فَمَعَ وُجُودِهِ كَذَلِكَ، أَيْ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ مِنْ وَاضِعِهِ؛ وَمَعْلُومٌ أَنَّ وَقْفَ الْبِنَاءِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِاسْتِحْقَاقِهِ الْإِزَالَةَ. وَبَقِيَ مَا إذَا مَاتَ الْوَاضِعُ هَلْ يُعْتَبَرُ إذْنُ كُلِّ مَنْ آلَ إلَيْهِ إرْثُ ذَلِكَ أَوْ عُلِمَ رِضَاهُ إذْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْمِلْكِ بِالْوَضْعِ الْمَذْكُورِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ؟ يَنْبَغِي نَعَمْ كَذَا ظَهَرَ لِي فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ: وَعَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ الْمَذْكُورِ إمَامٌ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ خَدَمَةِ الْمَسْجِدِ أَوْ مِمَّنْ لَهُ وَظِيفَةٌ فِيهِ كَقِرَاءَةٍ يَنْبَغِي اسْتِحْقَاقُهُمْ الْمَعْلُومَ كَمَا فِي الْمَسْجِدِ الْمَوْقُوفِ وَقْفًا صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ وَالْإِمَامَةَ وَنَحْوَهُمَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى مَسْجِدٍ وَاعْتِقَادُ الْوَاقِفِ صِحَّةَ وَقْفِيَّتِهِ مَسْجِدًا لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ الشَّرْطِ، وَتَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْقَصْرِ مُجَاوَزَةُ مَحَلِّهِ فَهُوَ كَسَاحَةٍ بَيْنَ الدُّورِ فَاحْفَظْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ اهـ. وَقَوْلُهُ:" يَنْبَغِي اسْتِحْقَاقُهُمْ الْمَعْلُومَ " لَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ اسْتِحْقَاقِهِمْ لَهُ مِنْ حَيْثُ الشَّرْطُ إذَا كَانَ الْوَاقِفُ يَسْتَحِقُّ مَنْفَعَةَ مَا جُعِلَ الْمَعْلُومُ مِنْهُ، أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ بِأَنْ جَعَلَ الْمَعْلُومَ مِنْ أَمَاكِنَ بِجَوَانِبِ الْمَسْجِدِ أَوْ أَسْفَلِهِ فِي الْحَرِيمِ أَيْضًا كَمَا هُوَ وَاقِعٌ كَثِيرًا فَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا دَخْلَ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ فِيهِ لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِ وَقْفِيَّتِهِ، ثُمَّ إنْ كَانَ مَنْ لَهُ الْمَعْلُومُ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ فِي بَيْتِ
وَمَطْرَحُ رَمَادٍ وَسِرْجِينٌ وَنَحْوُهَا كَمَرَاحِ غَنَمٍ وَمَلْعَبِ صِبْيَانٍ. وَالْحَرِيمُ لِبِئْرِ اسْتِقَاءٍ مُحَيَّاةٍ مَوْضِعُ نَازِحٍ مِنْهَا وَمَوْضِعُ دُولَابٍ إنْ كَانَ الِاسْتِقَاءُ بِهِ، وَهُوَ يُطْلَقُ عَلَى مَا يَسْتَقِي بِهِ النَّازِحُ وَمَا يَسْتَقِي بِهِ بِالدَّابَّةِ وَنَحْوِهِمَا كَالْمَوْضِعِ الَّذِي يَصُبُّ فِيهِ النَّازِحُ الْمَاءَ، وَمُتَرَدَّدُ الدَّابَّةِ إنْ كَانَ الِاسْتِقَاءُ بِهَا، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي يَطْرَحُ فِيهِ مَا يَخْرُجُ مِنْ مَصَبِّ الْمَاءِ أَوْ نَحْوِهِ، وَالْحَرِيمُ لِبِئْرٍ قَنَاةٌ مَا لَوْ حَفَرَ فِيهِ نَقَصَ مَاؤُهَا أَوْ خِيفَ انْهِيَارُهَا. وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِصَلَابَةِ الْأَرْضِ وَرَخَاوَتِهَا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْمَالِ جَازَ لَهُ تَعَاطِيهِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْحَرِيمِ تُصْرَفُ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَعَاطِيهِ اهـ رَشِيدِيٌّ عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (مُحَيَّاةٍ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ هُوَ مُضِرٌّ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْمَمْلُوكَةَ لَا حَرِيمَ لَهَا ق ل، أَوْ؛ لِأَنَّ مِثْلَهَا الْمَمْلُوكَةُ فَلَيْسَ قَيْدًا. وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْإِحْيَاءِ. قَوْلُهُ:(نَادٍ) بِالتَّخْفِيفِ.
قَوْلُهُ: (لِلْحَدِيثِ) وَإِنْ لَمْ يَتَحَدَّثُوا، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ:(وَمُرْتَكَضُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ خَيْلٌ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا حَدَثَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَكَذَا يُقَالُ فِي مُنَاخِ الْإِبِلِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر.
قَوْلُهُ: (وَمُنَاخُ) بِضَمِّ الْمِيمِ.
قَوْلُهُ: (وَمَطْرَحُ رَمَادٍ) أَيْ مَا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ، أَيْ بِأَنْ لَا يَكُونَ ثَمَّ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ. أَمَّا لَوْ اتَّسَعَ الْحَرِيمُ وَاعْتِيدَ طَرْحُ الرَّمَادِ فِي مَوْضِعٍ مِنْهُ ثُمَّ اُحْتِيجَ إلَى عِمَارَةِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَعَ بَقَاءِ مَا زَادَ عَلَيْهِ فَيَجُوزُ عِمَارَتُهُ لِعَدَمِ تَفْوِيتِ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ، وَأَمَّا لَوْ أُرِيدَ عِمَارَةُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِتَمَامِهِ وَتَكْلِيفُهُمْ طَرْحَ الرَّمَادِ فِي غَيْرِهِ بِجِوَارِهِ وَلَوْ قَرِيبًا مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ؛ لِأَنَّهُ بِاعْتِيَادِهِمْ الرَّمْيَ فِيهِ صَارَ مِنْ الْحُقُوقِ الْمُشْتَرَكَةِ. وَكَذَا يَجُوزُ الْغِرَاسُ فِيهِ بِمَا لَا يَمْنَعُ مِنْ انْتِفَاعِهِمْ بِالْحَرِيمِ كَأَنْ غَرَسَ فِي مَوَاضِعَ يَسِيرَةٍ بِحَيْثُ لَا يُفَوِّتُ مَنَافِعَهُمْ الْمَقْصُودَةَ مِنْ الْحَرِيمِ. وَفِي سم عَلَى حَجّ فَرْعَانِ: أَحَدُهُمَا: الِانْتِفَاعُ بِحَرِيمِ الْأَنْهَارِ كَحَافَّاتِهَا بِوَضْعِ الْأَحْمَالِ وَالْأَثْقَالِ وَجَعْلِ زَرْبِيَةٍ مِنْ قَصَبٍ وَنَحْوِهِ لِحِفْظِ الْأَمْتِعَةِ فِيهَا كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ الْيَوْمَ فِي سَاحِلِ بُولَاقَ وَمِصْرَ الْقَدِيمَةِ وَنَحْوِهَا، يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِيهِ إنْ فَعَلَهُ لِلِارْتِفَاقِ بِهِ وَلَمْ يَضُرَّ بِانْتِفَاعِ غَيْرِهِ وَلَا ضَيِّقَ عَلَى الْمَارَّةِ وَنَحْوِهِمْ وَلَا عَطَّلَ أَوْ نَقَصَ مَنْفَعَةَ النَّهْرِ كَانَ جَائِزًا وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ عِوَضٍ مِنْهُ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا حَرُمَ وَلَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ لِلْمَصَالِحِ. وَالثَّانِي: مَا يَحْدُثُ فِي خِلَالِ النَّهْرِ مِنْ الْجَزَائِرِ، وَالْوَجْهُ الَّذِي لَا يَصِحُّ غَيْرُهُ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ لِبَعْضِهِمْ امْتِنَاعُ أَحْيَائِهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ النَّهْرِ أَوْ حَرِيمِهِ لِاحْتِيَاجِ رَاكِبِ الْبَحْرِ وَالْمَارِّ بِهِ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا لِوَضْعِ الْأَحْمَالِ وَالِاسْتِرَاحَةِ وَالْمُرُورِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، بَلْ هِيَ أَوْلَى بِمَنْعِ إحْيَائِهَا مِنْ الْحَرِيمِ الَّذِي يَتَبَاعَدُ عَنْهُ الْمَاءُ، وَقَدْ تَقَرَّرَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ بِذَلِكَ. اهـ. م ر. وَهَلْ يَتَوَقَّفُ الِانْتِفَاعُ بِهَا عَلَى إذْنِ الْإِمَامِ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي فَلَا إثْمَ بِذَلِكَ وَإِنْ لَزِمَتْ الْأُجْرَةُ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (وَنَحْوُهَا) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى " نَادٍ " وَمِنْهُ مَرْعَى الْبَهَائِمِ إنْ قَرُبَ عُرْفًا وَاسْتَقَلَّ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَكَذَا إنْ بَعُدَ وَمَسَّتْ حَاجَتُهُمْ لَهُ وَلَوْ فِي بَعْضِ السَّنَةِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ الْمُحْتَطَبُ. وَلَيْسَ لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ مَنْعُ الْمَارَّةِ مِنْ رَعْيِ مَوَاشِيهِمْ فِي مَرَافِقِهَا الْمُبَاحَةِ شَرْحِ م ر. وَقَوْلُهُ:" وَاسْتَقَلَّ " أَيْ بِأَنْ كَانَ مَقْصُودًا لِلرَّعْيِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَسْتَقِلَّ مَرْعَى وَإِنْ كَانَتْ الْبَهَائِمُ تَرْعَى فِيهِ عِنْدَ الْخَوْفِ مِنْ الْإِبْعَادِ. اهـ. رَشِيدِيٌّ.
قَوْلُهُ: (مَوْضِعُ نَازِحٍ) وَهُوَ الشَّخْصُ الْقَائِمُ عَلَى رَأْسِ الْبِئْرِ لِيَسْتَقِيَ كَمَا قَالَهُ الْخَطِيبُ عَلَى الْمِنْهَاجِ، قَالَ م ر: وَهَلْ يُعْتَبَرُ قَدْرُ مَوْقِفِ النَّازِحِ مِنْ سَائِرِ جَوَانِبِ الْبِئْرِ أَوْ مِنْ أَحَدِهَا فَقَطْ؟ الْأَقْرَبُ اعْتِبَارُ الْعَادَةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ.
قَوْلُهُ: (وَنَحْوُهُمَا) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى مَوْضِعُ، أَيْ نَحْوُ مَوْضِعِ النَّازِحِ وَمَوْضِعِ الدُّولَابِ.
قَوْلُهُ: (وَمُتَرَدَّدُ الدَّابَّةِ) بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ، أَيْ مَحَلُّ تَرَدُّدِهَا وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمَدَارِ. قَوْلُهُ:(لِبِئْرِ قَنَاةٍ) قَالَ الشرنبلالي: الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِئْرُ الْقَنَاةِ حُفْرَةٌ فِي الْأَرْضِ تَنْبُعُ مِنْهَا عَيْنٌ وَتَسِيلُ فِي الْقَنَاةِ، وَقَالَ ع ن: بِأَنْ
مَوْضِعٍ نَازِحٍ وَلَا غَيْرِهِ مِمَّا مَرَّ فِي بِئْرِ الِاسْتِقَاءِ، وَالْحَرِيمُ لِدَارٍ مَمَرٌّ وَفِنَاءٌ لِجُدْرَانِهَا وَمَطْرَحٌ نَحْوُ رَمَادٍ كَكُنَاسَةٍ وَثَلْجٍ. وَلَا حَرِيمَ لِدَارٍ مَحْفُوفَةٍ بِدُورٍ بِأَنْ أُحْيِيَتْ كُلُّهَا مَعًا؛ لِأَنَّ مَا يُجْعَلُ حَرِيمًا لَهَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ حَرِيمًا لِأُخْرَى، وَيَتَصَرَّفُ كُلٌّ مِنْ الْمُلَّاكِ فِي مِلْكِهِ عَادَةً وَإِنْ أَدَّى إلَى ضَرَرِ جَارِهِ أَوْ إتْلَافِ مَالِهِ كَمَنْ حَفَرَ بِئْرَ مَاءٍ أَوْ حَشٍّ فَاخْتَلَّ بِهِ جِدَارُ جَارِهِ، أَوْ تَغَيَّرَ بِمَا فِي الْحَشِّ مَاءُ بِئْرِهِ، فَإِنْ جَاوَزَ الْعَادَةَ فِيمَا ذُكِرَ ضَمِنَ بِمَا جَاوَزَ فِيهِ كَأَنْ دَقَّ دَقًّا عَنِيفًا أَزْعَجَ الْأَبْنِيَةَ، أَوْ حَبَسَ الْمَاءَ فِي مِلْكِهِ فَانْتَشَرَتْ النَّدَاوَةُ إلَى جِدَارِ جَارِهِ. وَلَهُ أَنْ يَتَّخِذَ مِلْكَهُ وَلَوْ بِحَوَانِيتَ بَزَّازِينَ حَمَّامًا وَإِصْطَبْلًا وَطَاحُونَةً وَحَانُوتَ حَدَّادٍ إنْ أَحْكَمَ جُدْرَانَهُ بِمَا يَلِيقُ بِمَقْصُودِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ الْمِلْكَ وَإِنْ ضَرَّ الْمَالِكَ بِنَحْوِ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ.
(وَصِفَةُ الْإِحْيَاءِ) الَّذِي يُمْلَكُ بِهِ الْمَوَاتُ شَرْعًا (مَا كَانَ فِي الْعَادَةِ) الَّتِي هِيَ الْعُرْفُ الَّذِي يَعُدُّ مِثْلَهُ (عِمَارَةً لِلْمُحْيَا)
ــ
[حاشية البجيرمي]
كَانَ الْمَاءُ يَأْتِي فِي تِلْكَ الْقَنَاةِ إلَى تِلْكَ الْبِئْرِ فَيَجْتَمِعُ فِيهَا ثُمَّ يَعْلُو وَيَطْلُعُ.
قَوْلُهُ: (انْهِيَارُهَا) أَيْ سُقُوطُهَا. قَوْلُهُ: (وَالْحَرِيمُ) أَيْ لِدَارٍ أُحْيِيَتْ فِي مَوَاتٍ وَأَمَّا مَا بَيْنَ الْأَزِقَّةِ فَلَا يَخْتَصُّ بِدَارٍ دُونَ أُخْرَى فَهُوَ مُشْتَرَكٌ كَالشَّارِعِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَفِنَاءٌ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَالْمَدَّةِ أَيْ مَا حَوَالَيْهَا.
قَوْلُهُ: (وَلَا حَرِيمَ لِدَارٍ) فِيهِ تَنَافٍ؛ لِأَنَّهُ نَفَى الْحَرِيمَ، ثُمَّ أَثْبَتَهُ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ مَا يُجْعَلُ إلَخْ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ هُنَاكَ حَرِيمًا. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَنْفِيَّ فِي الْأَوَّلِ الِاخْتِصَاصُ وَالثَّابِتُ الْمُشْتَرَكُ وَالتَّقْدِيرُ، وَلَا حَرِيمَ مُخْتَصٌّ أَيْ بَلْ مُشْتَرَكٌ؛ لِأَنَّ مَا يُجْعَلُ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (مَعًا) أَوْ جُهِلَ الْحَالُ م ر.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَدَّى) أَيْ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ عَادَةً. وَالْحَاصِلُ أَنْ يُمْنَعُ مَا يَضُرُّ بِالْمِلْكِ دُونَ الْمَالِكِ كَتَأَذِّيه بِرَائِحَةِ الْمَدْبَغَةِ وَدُخَانِ الْحَمَّامِ وَنَحْوِهِمَا. وَاخْتَارَ الرُّويَانِيُّ فِي الْجَمِيعِ أَنَّ الْحَاكِمَ يَجْتَهِدُ وَيَمْنَعُ مِمَّا ظَهَرَ فِيهِ قَصْدُ التَّعَنُّتِ، وَمِنْهُ إطَالَةُ الْبِنَاءِ وَمَنْعُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَهُوَ حَسَنٌ. وَاخْتَارَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَابْنُ رَزِينٍ فِي فَتَاوِيهِمَا مَنْعَهُ مِنْ كُلِّ مُؤْذٍ لَمْ تَجْرِ بِهِ الْعَادَةُ،. اهـ. إسْعَادٌ. اهـ. زي
قَوْلُهُ: (أَوْ حَشٍّ) هُوَ بَيْتُ الْخَلَاءِ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا. اهـ. مُخْتَارٌ ع ش. قَالَ فِي التَّقْرِيبِ الْحُشُّ الْبُسْتَانُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ حَشًّا؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَتَغَوَّطُونَ فِيهِ فَلَمَّا اتَّخَذُوا الْكُنُفَ وَجَعَلُوهَا خَلَفًا عَنْهُ أَطْلَقُوا عَلَيْهَا ذَلِكَ الِاسْمَ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ جَاوَزَ الْعَادَةَ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ: " عَادَةً ".
قَوْلُهُ: (فِيمَا ذَكَرَ) أَيْ فِي مِلْكِهِ.
قَوْلُهُ: (ضَمِنَ) أَيْ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ قَطْعًا أَوْ ظَنًّا قَوِيًّا، كَأَنْ شَهِدَ بِهِ خَبِيرَانِ لِتَقْصِيرِهِ؛ وَلِهَذَا أَفْتَى الْوَالِدُ بِضَمَانِ مَنْ جَعَلَ دَارِهِ بَيْنَ النَّاسِ مَعْمَلُ نَشَادِرٍ وَشَمَّهُ أَطْفَالٌ وَمَاتُوا بِسَبَبِ ذَلِكَ لِمُخَالَفَتِهِ الْعَادَةَ، شَرْحِ م ر. وَمِثْلُهُ فَتْحُ السَّرَابِ فَيَضْمَنُ السِّرَابَاتِيِّ، أَيْ إذَا كَانَ بِغَيْرِ إنْذَارٍ، فَإِنْ أَنْذَرَ وَلَوْ بِوَكِيلِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَصَّرَ الْوَكِيلُ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْوَكِيلِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ إطْفَاءُ الْجِيرِ وَمَعْمَلُ بَارُودٍ. وَالضَّابِطُ: أَنَّهُ يُمْنَعُ مِمَّا خَالَفَ الْعَادَةَ مِمَّا يَضُرُّ دُونَ مَا هُوَ عَلَى الْعَادَةِ. وَإِذَا عَمِلَ شَخْصٌ طَعَامًا وَكَانَتْ تَتَأَذَّى مِنْهُ حَامِلٌ كَسَمَكٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ لَهَا شَيْئًا مِنْهُ، لَكِنْ لَا مَجَّانًا بَلْ بِثَمَنِهِ، وَمِثْلُهُ فِي الضَّمَانِ كُلُّ مَا لَهُ رَائِحَةٌ وَيَتْلَفُ بِهِ شَيْءٌ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِتَقْصِيرِهِ،. اهـ. عَبْدُ رَبِّهِ الدَّيْوِيُّ. وَيَنْفَعُ الْحَامِلَ مِنْ شَمِّ الْأَطْعِمَةِ الْمُضِرَّةِ فِي الْإِجْهَاضِ أَوْ شَمِّ السَّرَابِ أَوْ الْجِيرِ أَنْ تُحْرِقَ قِطْعَةً خِرْقَةً مِنْ صُوفٍ وَتَشُمُّهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ نَافِعٌ مِنْ الْإِجْهَاضِ. قَوْلُهُ:(بِمَا جَاوَزَ فِيهِ) أَيْ بِسَبَبِ مَا جَاوَزَ إلَخْ، أَوْ الْبَاءُ زَائِدَةٌ كَمَا سَقَطَتْ مِنْ شَرْحِ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (وَلَهُ أَنْ يَتَّخِذَ إلَخْ) مِنْهُ مَا لَوْ اتَّخَذَهُ مَسْجِدًا وَحَمَّامًا وَخَانًا وَسَبِيلًا وَهُوَ فِي دَرْبٍ مُنْسَدٍّ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الشُّرَكَاءُ كَمَا اعْتَمَدَهُ ابْنُ حَجٍّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَاعْتَمَدَهُ زي فِي حَاشِيَتِهِ، خِلَافًا لِمَا فِي الْإِسْعَادِ اهـ أج.
قَوْلُهُ: بَزَّازِينَ جَمْعُ بَزَّازٍ نِسْبَةٌ إلَى الْبَزِّ بِالْفَتْحِ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الثِّيَابِ وَقِيلَ الثِّيَابُ خَاصَّةً مِنْ أَمْتِعَةِ الْبَيْتِ وَقِيلَ أَمْتِعَةُ التَّاجِرِ مِنْ الثِّيَابِ. اهـ. مِصْبَاحٌ. قَوْلُهُ (جُدْرَانَهُ) أَيْ كُلًّا مِنْهَا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ الْمِلْكَ) عِبَارَةُ م ر لِتَصَرُّفِهِ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ وَلَمَا فِي مَنْعِهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهِ.
قَوْلُهُ: (وَصِفَةُ الْإِحْيَاءِ إلَخْ) مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ:" مَا كَانَ إلَخْ " وَاقِعَةٌ عَلَى فِعْلٍ، وَجُمْلَةُ:" كَانَ عِمَارَةً " فِي مَحَلِّ رَفْعٍ صِفَةٌ لِمَا.
قَوْلُهُ: (يُعَدُّ مِثْلُهُ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ يَعُودُ لِلْعُرْفِ، وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ لَا: يُعِدُّ الْعُرْفُ مِثْلَهُ عِمَارَةً.
قَوْلُهُ: (عِمَارَةً) بِالنَّصْبِ خَبَرُ كَانَ؛ لِأَنَّ اسْمَهَا ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى " مَا ". قَوْلُهُ: (لِلْمُحْيَا) هُوَ بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ بَعْدَ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى
وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْغَرَضِ مِنْهُ. وَضَابِطُهُ أَنْ يُهَيِّئَ الْأَرْضَ لِمَا يُرِيدُهُ، فَيُعْتَبَرُ فِي مَسْكَنٍ تَحْوِيطٌ لِلْبُقْعَةِ بِآجُرٍّ أَوْ لَبِنٍ أَوْ طِينٍ أَوْ أَلْوَاحِ خَشَبٍ بِحَسَبِ الْعَادَةِ، وَنَصْبُ بَابِ وَسَقْفِ بَعْضِ الْبُقْعَةِ لِيُهَيِّئَهَا لِلسُّكْنَى. وَفِي زَرِيبَةٍ لِلدَّوَابِّ أَوْ غَيْرِهَا كَثِمَارٍ وَغِلَالٍ التَّحْوِيطُ وَنَصْبُ الْبَابِ لَا السَّقْفِ عَمَلًا بِالْعَادَةِ، وَلَا يَكْفِي التَّحْوِيطُ بِنَصْبِ سَعَفٍ أَوْ أَحْجَارٍ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ. وَفِي مَزْرَعَةِ جَمْعٍ نَحْوَ تُرَابٍ كَقَصَبٍ وَشَوْكٍ حَوْلَهَا لِيَنْفَصِلَ الْمُحْيَا عَنْ غَيْرِهِ، وَتَسْوِيَتُهَا بِطَمٍّ مُنْخَفِضٍ وَكَسْحٍ مُسْتَعْلٍ وَيُعْتَبَرُ حَرْثُهَا إنْ لَمْ تُزْرَعْ إلَّا بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ. إلَّا بِمَا يُسَاقُ إلَيْهَا فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِتَتَهَيَّأَ لِلزِّرَاعَةِ وَتَهْيِئَةُ مَاءٍ لَهَا إنْ لَمْ يَكْفِهَا مَطَرٌ مُعْتَادٌ، وَفِي بُسْتَانٍ تَحْوِيطٌ وَلَوْ بِجَمْعِ تُرَابٍ حَوْلَ أَرْضِهِ وَتَهْيِئَةِ مَاءٍ لَهُ بِحَسَبِ الْعَادَةِ وَغَرْسٌ لِيَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ اسْمُ الْبُسْتَانِ. وَمَنْ شَرَعَ فِي إحْيَاءِ مَا يَقْدِرُ عَلَى إحْيَائِهِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى كِفَايَتِهِ، أَوْ نَصَبَ عَلَيْهِ عَلَامَةً كَنَصْبِ أَحْجَارٍ أَوْ أَقَطَعَهُ لَهُ إمَامٌ فَمُتَحَجِّرٌ لِذَلِكَ الْقَدْرِ، وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ، وَلَكِنْ لَوْ أَحْيَاهُ آخَرُ مَلَكَهُ وَلَوْ طَالَتْ عُرْفًا مُدَّةُ تَحَجُّرِهِ بِلَا عُذْرٍ
ــ
[حاشية البجيرمي]
اسْمِ الْمَفْعُولِ.
قَوْلُهُ: (وَضَابِطُهُ) أَيْ الْإِحْيَاءِ.
قَوْلُهُ: (تَحْوِيطٌ لِلْبُقْعَةِ) وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ لِلْبُقْعَةِ أَرْبَعَ حِيطَانٍ.
قَوْلُهُ: (بِحَسَبِ الْعَادَةِ) وَلَا يَكْتَفِي بِمُجَرَّدِ التَّحْوِيطِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْبِنَاءِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ فِي الْمَسْكَنِ؛ وَلَوْ شَرَعَ فِي الْإِحْيَاءِ لِنَوْعٍ فَأَحْيَاهُ لِنَوْعٍ آخَرَ كَأَنْ قَصَدَ إحْيَاءَهُ لِلزِّرَاعَةِ بَعْدَ أَنْ قَصَدَهُ لِلسُّكْنَى مَلَكَهُ اعْتِبَارًا بِالْقَصْدِ الطَّارِئِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ نَوْعًا وَأَحْيَاهُ بِمَا لَا يُقْصَدُ بِهِ نَوْعٌ آخَرُ كَأَنْ حَوَّطَ الْبُقْعَةَ بِحَيْثُ تَصْلُحُ زَرِيبَةً بِقَصْدِ السُّكْنَى لَمْ يَمْلِكْهَا، خِلَافًا لِلْإِمَامِ اهـ أج. وَعِبَارَةُ الْعَبَّادِيِّ: وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ صِفَةَ الْإِحْيَاءِ مُخْتَلِفَةٌ بِاعْتِبَارِ مَا يَقْصِدُهُ الْمُحْيِي مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ طُرُقُ الْأَصْحَابِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ، وَزَادَ الْإِمَامُ شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقَصْدَ إلَى الْإِحْيَاءِ هَلْ يُعْتَبَرُ لِحُصُولِ الْمِلْكِ فَقَالَ مَا لَا يَفْعَلُهُ فِي الْعَادَةِ إلَّا الْمُتَمَلِّكُ كَبِنَاءِ الدَّارِ وَاِتِّخَاذِ الْبُسْتَانِ يُفِيدُ الْمِلْكَ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ قَصْدٌ وَمَا يَفْعَلُهُ الْمُتَمَلِّكُ وَغَيْرُهُ كَحَفْرِ الْبِئْرِ فِي الْمَوَاتِ وَكَزِرَاعَةِ قِطْعَةٍ مِنْ الْمَوَاتِ اعْتِمَادًا عَلَى مَاءِ السَّمَاءِ إنْ انْضَمَّ إلَيْهِ قَصْدٌ أَفَادَ الْمِلْكَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا يُفِيدُهُ، وَمَا لَا يَكْتَفِي بِهِ الْمُتَمَلِّكُ كَتَسْوِيَةِ مَوْضِعِ النُّزُولِ وَتَنْقِيَتِهِ عَنْ الْحِجَارَةِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ وَإِنْ قَصَدَهُ.
قَوْلُهُ: (وَفِي زَرِيبَةٍ لِلدَّوَابِّ) الزَّرِيبَةُ فِي الْأَصْلِ حَظِيرَةُ الْغَنَمِ. وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْعُمُومُ لِجَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ، وَجَمْعُهَا زَرَائِبَ مِثْلُ كَرِيمَةٍ وَكَرَائِمَ. اهـ. مِصْبَاحٌ.
قَوْلُهُ: (وَنَصْبُ) بِالرَّفْعِ، وَكَذَا سَقْفٌ وَالْمُرَادُ بِنَصْبِ الْبَابِ تَرْكِيبُهُ. قَوْلُهُ:(سَعَفٍ) هُوَ جَرِيدُ النَّخْلِ زي وَعِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ السَّعَفُ أَغْصَانُ النَّخْلَةِ مَا دَامَتْ بِالْخُوصِ فَإِنْ زَالَ الْخُوصُ عَنْهَا قِيلَ لَهُ جَرِيدٌ وَالْوَاحِدَةُ سَعَفَةٌ مِثْلُ قَصَبٍ وَقَصَبَةٍ. قَوْلُهُ: (مَزْرَعَةٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهَا وَكَسْرِهَا، فَهُوَ مُثَلَّثُ الرَّاءِ.
قَوْلُهُ: (وَكَسَحٍّ مُسْتَعْلٍ) أَيْ إزَالَتُهُ.
قَوْلُهُ: (وَتَهْيِئَةُ مَاءٍ لَهَا) بِشِقِّ سَاقِيَةٍ مِنْ نَهْرٍ أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ أَوْ قَنَاةٍ إنْ لَمْ يَكْفِهَا مَطَرٌ مُعْتَادٌ، وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ إلَى تَهْيِئَةِ مَاءٍ، فَلَا تُعْتَبَرُ الزِّرَاعَةُ؛ لِأَنَّهَا اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَةٍ وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الْإِحْيَاءِ، وَكَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِي إحْيَاءِ الْمَسْكَنِ أَنْ يَسْكُنَهُ، فَإِحْيَاءُ الْمَزْرَعَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَوْ أَرْبَعَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِجَمْعِ إلَخْ) فَأَحَدُهُمَا أَعْنِي التَّحْوِيطَ أَوْ الْجَمْعَ كَافٍ، خِلَافًا لِمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْمِنْهَاجِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا.
قَوْلُهُ: (وَتَهْيِئَةُ مَاءٍ لَهُ) إنْ لَمْ يَكْفِهِ مَطَرٌ كَالْمَزْرَعَةِ، م ر. قَوْلُهُ:(لِيَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ) وَبِهَذَا فَارَقَ عَدَمَ اعْتِبَارِ الزَّرْعِ فِي الْمَزْرَعَةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْوَجْهُ اعْتِبَارُ غَرْسٍ يُسَمَّى بِهِ بُسْتَانًا، فَلَا تَكْفِي شَجَرَةٌ وَلَا شَجَرَتَانِ فِي الْمَكَانِ الْوَاسِعِ. قَوْلُهُ:(مَا يَقْدِرُ إلَخْ) وَأَمَّا لَوْ شَرَعَ فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى إحْيَائِهِ أَوْ زَادَ عَلَى كِفَايَتِهِ فَلِغَيْرِهِ أَنْ يُحْيِيَ الزَّائِدَ.
قَوْلُهُ: (أَوْ أَقَطَعَهُ لَهُ إمَامٌ) أَيْ لَا لِتَمْلِيكِ رَقَبَتِهِ، أَمَّا لَوْ أَقَطَعَهُ لِتَمْلِيكِ رَقَبَتِهِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ، ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ. وَسَكَتُوا عَنْ الْإِقْطَاعَاتِ الْمَعْرُوفَةِ لِلْجُنْدِيِّ فِي أَرْضٍ عَامِرَةٍ لِلِاسْتِغْلَالِ بِحَيْثُ تَكُونُ مَنَافِعُهَا لَهُ مَا لَمْ يَنْزِعْهَا الْإِمَامُ مِنْهُ، وَسَكَتُوا عَنْ مِلْكِهِ الْمَنْفَعَةَ؛ لَكِنْ فِي فَتَاوَى النَّوَوِيِّ جَوَازُ إجَارَتِهَا، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْجُنْدِيَّ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَمَا يَحْصُلُ لِلْجُنْدِيِّ مِنْ الْفَلَّاحِ مِنْ مُغَلٍّ وَغَيْرِهِ فَحَلَالٌ بِطَرِيقِهِ. اهـ. زي بِأَنْ كَانَ بِاخْتِيَارِهِ.
وَلَمْ يُحْيِ قَالَ لَهُ الْإِمَامُ: أَحْيِ أَوْ اُتْرُكْ، فَإِنْ اسْتَمْهَلَ بِعُذْرٍ أُمْهِلَ مُدَّةً قَرِيبَةً.
تَنْبِيهٌ: مَنْ أَحْيَا مَوَاتًا فَظَهَرَ فِيهِ مَعْدِنٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ بِلَا عِلَاجٍ كَنِفْطٍ وَكِبْرِيتٍ وَقَارٍ وَمُومْيَا، أَوْ مَعْدِنٌ بَاطِنٌ، وَهُوَ مَا لَا يَخْرُجُ إلَّا بِعِلَاجٍ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَحَدِيدٍ مَلَكَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، وَقَدْ مَلَكَهَا بِالْإِحْيَاءِ. وَخَرَجَ بِظُهُورِهِ مَا لَوْ عَلِمَهُ قَبْلَ الْإِحْيَاءِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ الْمَعْدِنَ الْبَاطِنَ دُونَ الظَّاهِرِ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وَأَقَرَّ النَّوَوِيُّ عَلَيْهِ صَاحِبَ التَّنْبِيهِ. أَمَّا بُقْعَتُهُمَا فَلَا يَمْلِكُهَا بِإِحْيَائِهَا مَعَ عِلْمِهِ بِهِمَا لِفَسَادِ قَصْدِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدِنَ لَا يُتَّخَذُ دَارًا وَلَا بُسْتَانًا وَلَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَرْعٌ: فِي فَتَاوَى السُّيُوطِيّ رَجُلٌ بِيَدِهِ رِزْقَةٌ اشْتَرَاهَا ثُمَّ مَاتَ فَوَضَعَ شَخْصٌ يَدَهُ عَلَيْهَا بِتَوْقِيعٍ سُلْطَانِيٍّ فَهَلْ لِلْوَرَثَةِ مُنَازَعَتُهُ. الْجَوَابُ: إنْ كَانَتْ الرِّزْقَةُ وَصَلَتْ إلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ بِأَنْ أَقَطَعَهُ السُّلْطَانُ إيَّاهَا أَيْ مَلَّكَهُ إيَّاهَا وَمَنَعَ مِنْهُ غَيْرَهُ وَهِيَ أَرْضٌ مَوَاتٌ فَهُوَ يَمْلِكُهَا وَيَصِحُّ مِنْهُ بَيْعُهَا وَيَمْلِكُهَا الْمُشْتَرِي مِنْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَهِيَ لِوَرَثَتِهِ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ وَضْعُ الْيَدِ عَلَيْهَا لِأَمْرٍ سُلْطَانِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ. وَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ أَقَطَعَهُ إيَّاهَا وَهِيَ غَيْرُ مَوَاتٍ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ الْآنَ فَإِنَّ الْمُقْطَعُ لَا يَمْلِكُهَا بَلْ يَنْتَفِعُ بِهَا بِحَسَبِ مَا يُقِرُّهَا السُّلْطَانُ وَلِلسُّلْطَانِ انْتِزَاعُهَا مَتَى شَاءَ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُقْطَعِ بَيْعُهَا، فَإِنْ بَاعَ فَفَاسِدٌ. وَإِذَا أَعْطَاهَا السُّلْطَانُ لِأَحَدٍ نَفَذَ وَلَا يُطَالَبُ اهـ. وَأَقُولُ: مَا تَضَمَّنَهُ كَلَامُهُ مِنْ أَنَّ إقْطَاعَ السُّلْطَانِ لِغَيْرِ الْمَوَاتِ لَا يَكُونُ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ مَمْنُوعٌ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ، وَحِينَئِذٍ فَإِذَا أَقَطَعَهُ غَيْرَ الْمَوَاتِ تَمْلِيكًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُجِيبُ فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ. اهـ. سم عَلَى حَجّ. وَبَقِيَ مَا لَوْ شَكَّ هَلْ هُوَ إقْطَاعُ تَمْلِيكٍ أَوْ إرْفَاقٌ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّمْلِيكِ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (فَمُتَحَجِّرٌ) أَيْ مَانِعُ لِغَيْرِهِ مِنْهُ بِمَا فَعَلَهُ م ر، وَلَكِنْ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ: وَلَكِنْ لَوْ أَحْيَاهُ آخَرُ مَلَكَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَانِعٌ مِنْ جَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى إحْيَائِهِ اهـ قَالَ ع ش: وَهَلْ يَلْزَمُ الثَّانِيَ لِلْأَوَّلِ شَيْءٌ فِي مُقَابَلَةِ آلَاتِهِ وَمَا صَرَفَهُ عَلَيْهِ أَوْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ خُذْ بِنَاءَك أَوْ اُتْرُكْهُ، فَإِذَا تَرَاضَيَا عَلَى شَيْءٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ اهـ.
قَوْلُهُ: (لَوْ أَحْيَاهُ آخَرُ مَلَكَهُ) إلَّا أَنَّهُ يَأْثَمُ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ اسْتَمْهَلَ) أَيْ طَلَبَ الْإِمْهَالَ.
قَوْلُهُ: (مُدَّةً قَرِيبَةً) أَيْ يَتَأَتَّى فِيهَا الْعِمَارَةُ عَادَةً يُقَدِّرُهَا الْإِمَامُ بِرَأْيِهِ، فَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ يَشْتَغِلْ بِالْعِمَارَةِ بَطَلَ حَقُّهُ؛ شَرْحِ الْمَنْهَجِ
قَوْلُهُ: (بِلَا عِلَاجٍ) أَيْ بَعْدَ الْوُصُولِ إلَيْهِ بِنَحْوِ حَفْرٍ. سم.
قَوْلُهُ: (كَنِفْطٍ) بِكَسْرِ النُّونِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا مَا يُرْمَى بِهِ كَالْبَارُودِ. قَوْلُهُ: (وَكِبْرِيتٍ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَهِيَ عَيْنٌ تَجْرِي تُضِيءُ فِي الْمَعْدِنِ فَإِذَا فَارَقَهُ وَجَمَدَ مَاؤُهَا زَالَ ضَوْءُهُ وَصَارَ كِبْرِيتًا أَحْمَرَ وَأَبْيَضَ وَأَصْفَرَ وَكَدُرَا، وَالْأَحْمَرُ مِنْهُ يُضْرَبُ بِهِ الْمِثْلُ فِي الْعِزَّةِ فَيُقَالُ: أَعَزُّ مِنْ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ؛ زِيَادِيٌّ. وَيُقَالُ إنَّ مَعْدِنَهُ بِلَادُ وَادِي النَّمْلِ الَّذِي مَرَّ بِهِ سَيِّدُنَا سُلَيْمَانُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ. اهـ. زي.
قَوْلُهُ: (وَقَارٍ) أَيْ زِفْتٍ. قَوْلُهُ: (وَمُومْيَا) بِضَمِّ أَوَّلِهِ يُمَدُّ وَيُقْصَرُ وَهُوَ شَيْءٌ يُلْقِيهِ الْبَحْرُ إلَى السَّاحِلِ فَيَجْمُدُ وَيَصِيرُ كَالْقَارِ وَقِيلَ حِجَارَةٌ سُودٌ بِالْيَمَنِ وَمِنْهُ نَوْعٌ مِنْ عِظَامِ مَوْتَى الْكُفَّارِ وَهُوَ مُتَنَجِّسٌ. اهـ. م ر.
قَوْلُهُ: (إنَّمَا يَمْلِكُ الْمَعْدِنَ الْبَاطِنَ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَعْدِنِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ فِي حَالَةِ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ، فَإِنْ عَلِمَهُمَا لَمْ يَمْلِكْهُمَا وَلَا بُقْعَتَهُمَا، وَإِنْ جَهِلَهُمَا مَلَكَهُمَا وَبُقْعَتَهُمَا زي. وَوَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ الْمَعْدِنِ الْبَاطِنِ كَالْمِلْحِ وَنَحْوِهِ إذَا كَانَ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا بِعَمَلٍ، وَاعْتَادَ الْوُلَاةُ الِاسْتِيلَاءَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ إذَا هَلَكَ الْوَالِي الْمُسْتَوْلِي عَلَيْهِ خَلَفَهُ مَنْ بَعْدَهُ فَمَرَّةً يَسْتَأْجِرُ الْوَالِي عُمَّالًا يَعْمَلُونَ فِي الْمَعْدِنِ الْمَذْكُورِ وَمَرَّةً يُكْرِهُهُمْ عَلَى الْعَمَلِ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ فَلِمَنْ يَكُونُ الْمُتَحَصِّلُ مِنْ الْمَعْدِنِ لِلْوَالِي أَمْ لِلْعُمَّالِ. وَلَوْ جَاءَ رَجُلٌ لِصٌّ وَأَخَذَ مِنْ الْمَعْدِنِ بِنَفْسِهِ فَهَلْ يَمْلِكُهُ؟ فَأَجَابَ ابْنُ حَجَرٍ بِأَنَّ مَنْ أَخَذَ مِنْ مَعْدِنٍ شَيْئًا لَمْ يَرَهُ غَيْرُهُ مَلَكَهُ مَا لَمْ يَنْوِ بِهِ غَيْرَهُ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْأَجِيرِ بِأَنْ نَوَى نَفْسَهُ أَوْ أَطْلَقَ وَمَا لَمْ يَنْوِ نَفْسَهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَجِيرِ. اهـ. عَنَانِيٌّ اهـ. قَوْلُهُ:(صَاحِبَ التَّنْبِيهِ) هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ.
مَزْرَعَةً أَوْ نَحْوَهَا، وَالْمِيَاهُ الْمُبَاحَةُ مِنْ الْأَوْدِيَةِ كَالنِّيلِ وَالْفُرَاتِ وَالْعُيُونِ فِي الْجِبَالِ وَغَيْرِهَا وَسُيُولِ الْأَمْطَارِ يَسْتَوِي النَّاسُ فِيهَا لِخَبَرِ:«النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ فِي الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ» فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ تَحَجُّرُهَا وَلَا لِلْإِمَامِ إقْطَاعُهَا بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ أَرَادَ قَوْمٌ سَقْيَ أَرْضِهِمْ مِنْ الْمِيَاهِ الْمُبَاحَةِ فَضَاقَ الْمَاءُ عَنْهُمْ سَقَى الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى، وَحَبَسَ كُلٌّ مِنْهُمْ الْمَاءَ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ فِي أَرْضٍ ارْتِفَاعٌ وَانْخِفَاضٌ أُفْرِدَ كُلُّ طَرَفٍ بِسَقْيٍ وَمَا أُخِذَ مِنْ هَذَا الْمَاءِ الْمُبَاحِ فِي إنَاءٍ أَوْ بِرْكَةٍ أَوْ حُفْرَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِلْكٌ عَلَى الصَّحِيحِ كَالِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ. وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، وَحَافِرُ بِئْرٍ بِمَوَاتٍ لَا لِلتَّمْلِيكِ بَلْ لِلِارْتِفَاقِ بِهَا لِنَفْسِهِ مُدَّةَ إقَامَتِهِ هُنَاكَ أَوْلَى بِهَا مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى يَرْتَحِلَ لِحَدِيثِ:«مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» وَالْبِئْرُ الْمَحْفُورَةُ فِي الْمَوَاتِ لِلتَّمَلُّكِ أَوْ فِي مِلْكِهِ يَمْلِكُ الْحَافِرُ مَاءَهَا؛ لِأَنَّهَا نَمَاءُ مِلْكِهِ كَالثَّمَرَةِ وَاللَّبَنِ.
(وَيَجِبُ) عَلَيْهِ (بَذْلُ الْمَاءِ بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ بَلْ بِسِتَّةٍ كَمَا سَتَعْرِفُهُ) الْأَوَّلُ (أَنْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (لِفَسَادِ قَصْدِهِ) أَيْ بِسَبَبِ مَنْعِهِ لِلْغَيْرِ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ الْعَامِّ النَّفْعِ كَالْمَاءِ، فَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ عِلَّةُ فَسَادِ قَصْدِهِ. وَقَوْلُهُ:"؛ لِأَنَّ الْمَعْدِنَ " أَيْ هَذِهِ الْبُقْعَةَ لَا يُتَّخَذُ دَارًا أَيْ؛ لِأَنَّ مَا فِيهَا عَامُّ النَّفْعِ كَمَحَلِّ الْمِيَاهِ الْمُبَاحَةِ كَنِيلِ مِصْرَ، شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (وَلَا بُسْتَانًا) فِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْبُقْعَةِ وَهِيَ يُمْكِنُ اتِّخَاذُهَا دَارًا مَثَلًا، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمَعْنَى لَا تُتَّخَذُ أَيْ عَادَةً.
قَوْلُهُ: (وَالْمِيَاهُ الْمُبَاحَةُ) دُخُولٌ عَلَى كَلَامِ الْمَتْنِ؛ لِأَنَّ الْمَتْنَ بَيَّنَ حُكْمَ الْمَاءِ الْمَمْلُوكِ الْفَاضِلِ عَنْ حَاجَتِهِ، فَكَمَّلَ الشَّارِحُ الْفَائِدَةَ بِبَيَانِ حُكْمِ الْمُبَاحِ. قَوْلُهُ:(فِي الْمَاءِ) أَيْ مَاءِ السَّمَاءِ وَمَاءِ الْعُيُونِ الَّتِي لَا مَالِكَ لَهَا، وَالْكَلَأُ مَرَاعِي الْأَرْضِ الَّتِي لَا مَالِكَ لَهَا، وَالنَّارُ الَّتِي ضُرِبَتْ فِي حَطَبٍ مُبَاحٍ. اهـ. ح ل. أَمَّا الْمَمْلُوكُ فَالْجَمْرُ نَفْسُهُ لَا يَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنٍ، وَأَمَّا الْجُرْمُ الْمُضِيءُ فَالْوَجْهُ عَدَمُ مَنْعِ مَنْ يَقْتَبِسُ مِنْهُ ضَوْءًا زي وَسَيَأْتِي.
قَوْلُهُ: (فَضَاقَ إلَخْ) خَرَجَ مَا إذَا كَانَ يَفِي بِالْجَمِيعِ، فَيَسْقِي مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ مَتَى شَاءَ شَرْحِ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (سَقَى الْأَعْلَى) أَيْ الْأَوَّلُ، فَالْأَوَّلُ حَالَ الْإِحْيَاءِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمَنْهَجِ فَإِنَّهُ قَالَ عَقِبَ " فَضَاقَ الْمَاءُ عَنْهُمْ " وَبَعْضُهُمْ أَحْيَا أَوَّلًا سَقَى الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ أَيْ وَإِنْ زَادَ عَلَى مَرَّةٍ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مَا لَمْ يُجَاوِزْ أَرْضَهُ هُوَ أَحَقُّ بِهِ مَا دَامَتْ لَهُ حَاجَةٌ، وَإِنْ هَلَكَ زَرْعُ الْأَسْفَلِ قَبْلَ انْتِهَاءِ النَّوْبَةِ إلَيْهِ، فَإِنْ أَحْيَوْا مَعًا أَوْ جَهِلَ السَّابِقُ أَقْرَعَ، قَالَ ق ل: وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْأَعْلَى؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمُحْيِيَ يَحْرِصُ عَلَى الْقُرْبِ مِنْ الْمَاءِ م د. وَمَحَلُّ الْإِقْرَاعِ فِي ذَلِكَ إذَا اسْتَوَوْا فِي الْقُرْبِ إلَى الْمَاءِ، أَمَّا إذَا قَرُبَ أَحَدُهُمْ إلَى الْمَاءِ فَهُوَ الْأَحَقُّ بِالسَّقْيِ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ) أَيْ إنْ اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ ح ل.
وَقَالَ ق ل: قَوْلُهُ: " حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ " لَيْسَ قَيْدًا بَلْ الْمُعْتَبَرُ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ.
قَوْلُهُ: (وَمَا أُخِذَ) الْأَخْذُ قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ، وَخَرَجَ بِهِ الْمَاءُ الدَّاخِلُ فِي نَهْرٍ حَفَرَهُ فَإِنَّهُ بَاقٍ عَلَى إبَاحَتِهِ، لَكِنَّ مَالِكَ النَّهْرِ أَحَقُّ بِهِ كَالسَّبِيلِ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ، شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَقَوْلُهُ: " أَوْ حُفْرَةٍ أَيْ بِمِلْكِهِ، فَإِنَّهُ بَاقٍ عَلَى إبَاحَتِهِ، فَإِنْ سَدَّ عَلَيْهِ مَثَلًا أَوْ قَصَدَ تَمَلُّكَهُ مَلَكَهُ ق ل.
قَوْلُهُ: (مِنْ هَذَا الْمَاءِ) وَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ الْمُبَاحَاتِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ بِرْكَةٍ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: بِرْكَةُ الْمَاءِ مَعْرُوفَةٌ وَالْجَمْعُ بِرَكٌ مِثْلُ سِدْرَةٍ وَسِدَرٍ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ ع ش عَلَى الْمَنْهَجِ أَنَّ السُّيُوطِيّ نَقَلَ عَنْهُ أَنَّ فِيهَا لُغَةً بِضَمِّ الْبَاءِ. قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ) كَيَدٍ وَلَوْ رَدَّهُ إلَى مَحَلِّهِ لَمْ يَصِرْ شَرِيكًا بِهِ بَلْ هُوَ عَلَى إبَاحَتِهِ، أَيْ فَهُوَ. بَاقٍ عَلَى إبَاحَتِهِ، وَلَا يَحْرُمُ إعَادَتُهُ لِلْمَاءِ عَلَى الْأَوْجُهِ عِنْدَ شَيْخِنَا. اهـ. ح ل. وَقَالَ الْخَطِيبُ: وَسَأَلْت عَنْ شَخْصٍ أَخَذَ مَاءً مِنْ النَّهْرِ ثُمَّ صَبَّهُ فِيهِ هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالِهِ؟ فَتَوَقَّفْت فِي ذَلِكَ مُدَّةً طَوِيلَةً، ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ هُنَاكَ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ مَاءَ النَّهْرِ لَا يُمْلَكُ وَلِأَنَّ الْمَاءَ الْمَصْبُوبَ مَوْجُودٌ فِي النَّهْرِ لَمْ يَتْلَفْ. قَوْلُهُ:(بِلَا لِلِارْتِفَاقِ) أَيْ الِانْتِفَاعِ. قَوْلُهُ: (حَتَّى يَرْتَحِلَ) فَإِذَا ارْتَحَلَ صَارَ كَغَيْرِهِ فَيَسْقُطُ حَقُّهُ وَإِنْ عَادَ إلَيْهَا، كَمَا لَوْ حَفَرَهَا بِقَصْدِ ارْتِفَاقِ الْمَارَّةِ أَوْ لَا بِقَصْدِ شَيْءٍ فَإِنَّهُ فِيهَا كَغَيْرِهِ كَمَا فُهِمَ مِنْ ضَمِيرِ لِارْتِفَاقِهِ شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ:(لِلتَّمَلُّكِ) أَيْ بِقَصْدِهِ.
قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَالِكِ الْمَاءِ ق ل. وَفِيهِ قُصُورٌ، وَالْأَوْلَى قَوْلُ سم عَلَى مُسْتَحِقِّهِ كَأَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مَوَاتٍ لِلتَّمَلُّكِ أَوْ فِي مِلْكِهِ أَوْ انْفَجَرَ فِيهِ عَيْنٌ أَوْ اخْتِصَاصٌ كَأَنْ حَفَرَهَا فِي مَوَاتٍ لِلِارْتِفَاقِ بِهَا.
قَوْلُهُ: (بَذْلُ الْمَاءِ) أَيْ التَّمْكِينُ مِنْهُ بِأَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَالْمَاءُ قَيْدٌ، وَخَرَجَ الدَّلْوُ وَنَحْوُهُ فَلَا يَجِبُ. وَقَوْلُهُ " بِثَلَاثَةِ " الْأَوْلَى حَذْفُ التَّاءِ.
قَوْلُهُ: (بَلْ بِسِتَّةٍ) وَنَظَمَهَا الْمَدَابِغِيُّ بِقَوْلِهِ:
يَفْضُلَ عَنْ حَاجَتِهِ) لِنَفْسِهِ وَمَاشِيَتِهِ وَشَجَرِهِ وَزَرْعِهِ (وَ) الشَّرْطُ الثَّانِي (أَنْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ غَيْرُهُ لِنَفْسِهِ) فَيَجِبُ بَذْلُ الْفَاضِلِ مِنْهُ عَنْ شُرْبِهِ لِشُرْبِ غَيْرِهِ الْمُحْتَرَمِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَقَوْلُهُ: (أَوْ لِبَهِيمَتِهِ) أَيْ يَجِبُ بَذْلُ مَا فَضَلَ عَنْ مَاشِيَتِهِ وَزَرْعِهِ لِبَهِيمَةِ غَيْرِهِ الْمُحْتَرَمَةِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «لَا تَمْنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ الْكَلَأَ» . تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْحَاجَةَ وَقَيَّدَهَا الْمَاوَرْدِيُّ بِالنَّاجِزَةِ، قَالَ: فَلَوْ فَضَلَ عَنْهُ الْآنَ وَاحْتَاجَ إلَيْهِ فِي ثَانِي الْحَالِ وَجَبَ بَذْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَخْلَفُ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْمُحْتَرَمِ غَيْرُهُ كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ وَتَارِكِ الصَّلَاةِ وَكَذَا تَارِكُ الْوُضُوءِ فِي الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمُرْتَدُّ وَالْحَرْبِيُّ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ وَالْبَهِيمَةُ الْمَأْكُولَةُ إذَا وُطِئَتْ مُحْتَرَمَةً، فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا لَا تُذْبَحُ فَيَجِبُ الْبَذْلُ لَهَا. (وَ) الشَّرْطُ الثَّالِثُ (أَنْ يَكُونَ) الْمَاءُ الْفَاضِلُ عَمَّا تَقَدَّمَ (مِمَّا يُسْتَخْلَفُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ يَخْلُفُهُ مَاءٌ غَيْرُهُ (فِي بِئْرٍ أَوْ عَيْنٍ) فِي جَبَلٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَمَّا الَّذِي لَا يُخْلَفُ كَالْقَارِ فِي إنَاءٍ أَوْ حَوْضٍ مَسْدُودٍ فَلَا يَجِبُ بَذْلُ فَضْلِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي صُورَةِ الِاسْتِخْلَافِ لَا يَلْحَقُهُ، ضَرَرٌ بِالِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِخِلَافِهِ فِي غَيْرِهِ. وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ بِقُرْبِ الْمَاءِ كَلَأٌ مُبَاحٌ تَرْعَاهُ الْمَوَاشِي، وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَذْهَبِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ:«لَا تَمْنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ الْكَلَأَ» أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَاشِيَةَ إنَّمَا تَرْعَى بِقُرْبِ الْمَاءِ، فَإِذَا مُنِعَ مِنْ الْمَاءِ فَقَدْ مُنِعَ مِنْ الْكَلَإِ وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ أَنْ لَا يَجِدَ مَالِكُ الْمَاشِيَةِ عِنْدَ الْكَلَإِ مَاءً مُبَاحًا، وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ بَذْلُهُ. وَالشَّرْطُ السَّادِسُ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى صَاحِبِ الْبِئْرِ فِي وُرُودِ الْمَاشِيَةِ إلَى مَائِهِ ضَرَرٌ فِي زَرْعٍ وَلَا مَاشِيَةٍ، فَإِنْ لَحِقَهُ فِي وُرُودِهَا ضَرَرٌ مُنِعَتْ، لَكِنْ يَجُوزُ لِلرُّعَاةِ اسْتِقَاءُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَوَاجِبٌ بِذَلِكَ لِلْمَا الْفَاضِلِ
…
لِحُرْمَةِ الرُّوحِ بِلَا مُقَابِلِ
إنْ كَانَ فِي بِئْرٍ وَنَحْوِهَا وَثَمْ
…
كَلَأٌ مُبَاحٌ قَدْ رَعَاهُ الْمُحْتَرَمْ
وَلَمْ يَكُنْ مَاءٌ مُبَاحٌ وَالضَّرَرْ
…
قَدْ انْتَفَى عَنْ صَاحِبِ الْمَا فِي الشَّجَرْ
قَوْلُهُ: (وَزَرْعِهِ) اقْتَضَى هَذَا تَقْدِيمَ زَرْعِ صَاحِبِ الْمَاءِ عَلَى نَفْسِ غَيْرِهِ وَمَاشِيَتِهِ، الْأَوْجَهُ تَقْدِيمُ ذِي رُوحٍ لِغَيْرِهِ عَلَى زَرْعِهِ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ ق ل.
قَوْلُهُ: (مِنْ الْآدَمِيِّينَ) أَيْ وَغَيْرِهِمْ، بِدَلِيلِ إخْرَاجِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ بَعْدَ مِنْ غَيْرِ الْمُحْتَرَمِ.
قَوْلُهُ: (وَقَوْلُهُ: إلَخْ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ أَيْ يَجِبُ تَقْدِيرُهُ، مَعْنَاهُ يَجِبُ، فَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ لَفْظِ " أَيْ "؛ لِأَنَّهَا مُؤَوَّلَةٌ بِمَعْنَاهُ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (أَوْ لِبَهِيمَتِهِ) خَرَجَ بِهِ زَرْعُ الْغَيْرِ، فَلَا يَجِبُ بَذْلُ الْمَاءِ لِأَجْلِهِ مُطْلَقًا كَمَا سَيَذْكُرُهُ ق ل.
قَوْلُهُ: (لِتَمْنَعُوا) مُتَعَلِّقٌ بِالْمَنْفِيِّ وَاللَّامُ لِلْعَاقِبَةِ، وَالْمَعْنَى إنْ مَنَعْتُمْ فَضْلَ الْمَاءِ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَنْعُ الْكَلَإِ؛ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ إذَا عَطِشَتْ لَا تَأْكُلُ وَهِيَ عَطْشَانَةُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَطَشَ يَسُدُّ مُنَافِسَ شَهْوَةِ الْأَكْلِ وَقَدْ يَجِدُ الْإِنْسَانُ ذَلِكَ عِنْدَ مَا يَقُومُ بِهِ الْعَطَشُ لِوُجُودِ الْحَرَارَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ الْعَطَشِ وَمِثْلُ الْعَطَشِ حَرَارَةُ الْحَرِّ أَوْ الْبَرْدِ أَوْ تَعَبُ أَوْ مَرَضٌ، شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (وَكَذَا تَارِكُ الْوُضُوءِ) كَأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِلَا طَهَارَةٍ، فَهُوَ فِي الْمَعْنَى تَارِكٌ الصَّلَاةَ، فَلَا يَجِبُ بَذْلُ الْمَاءِ لَهُ لِإِهْدَارِهِ. فَإِنْ قُلْتَ: يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ الْوُضُوءِ تَرْكُ الصَّلَاةِ فَلِمَ فَصَلَهُ عَنْهَا وَقَالَ فِي الْأَصَحِّ؟ قُلْت: لَعَلَّ صُورَتَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالتَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ بِغَيْرِ عُذْرٍ، فَيَكُونُ لَهُ شُبْهَةٌ حَيْثُ اسْتَعْمَلَ أَحَدَ الطَّهُورَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَالْبَهِيمَةُ) مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ مُحْتَرَمَةٌ خَبَرٌ وَقَوْلُهُ إذَا وُطِئَتْ مُعْتَرِضٌ بَيْنَهُمَا أَيْ وَطِئَهَا آدَمِيٌّ.
قَوْلُهُ: (لَا تُذْبَحُ) أَيْ بِسَبَبِ الْوَطْءِ، أَيْ لَا يَجِبُ ذَبْحُهَا بَلْ يُسْتَحَبُّ خِلَافًا لِبَعْضِ الْأَئِمَّةِ الْقَائِلِ بِوُجُوبِ ذَبْحِهَا سَتْرًا عَلَى الْوَاطِئِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (فَلَا يَجِبُ بَذْلُ فَضْلِهِ) أَيْ مَجَّانًا، وَإِلَّا فَيَجِبُ بَذْلُهُ لِلْمُضْطَرِّ بِعِوَضٍ.
قَوْلُهُ: (أَنْ يَكُونَ إلَخْ) هَلْ هَذَا قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ فَلَا يَجِبُ بَذْلُ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ يُعْلَفُ بِعَلَفٍ مَمْلُوكٍ أَوْ يَرْعَى فِي كَلَإٍ مَمْلُوكٍ، وَلَعَلَّهُ؛ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ حَيْثُ لَمْ يَعُدَّ الْمَاءَ أَيْ يُهَيِّئُ الْمَاءَ كَالْعَلَفِ مَثَلًا ح ل وَشَرْحِ م ر كَالشَّارِحِ، وَاسْتَظْهَرَ الرَّشِيدِيُّ أَنَّهُ أَيْ الْمُبَاحَ لَيْسَ بِقَيْدٍ فَلْيُرَاجَعْ.
قَوْلُهُ: (لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ) أَتَى بِهِ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ وَإِنْ تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (عَلَى صَاحِبِ الْبِئْرِ)