الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَوْ خُلِقَتْ بِلَا بَكَارَةٍ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْأَبْكَارِ كَمَا حَكَاهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ وَأَقَرَّهُ. وَتُصَدَّقُ الْمُكَلَّفَةُ فِي دَعْوَى الْبَكَارَةِ وَإِنْ كَانَتْ فَاسِقَةً قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي: بِلَا يَمِينٍ، وَكَذَا فِي دَعْوَى الثُّيُوبَةِ قَبْلَ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ تَتَزَوَّجْ وَلَا تُسْأَلُ الْوَطْءَ، فَإِنْ ادَّعَتْ الثُّيُوبَةَ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَدْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ بِغَيْرِ إذْنِهَا نُطْقًا فَهُوَ الْمُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ لِمَا فِي تَصْدِيقِهَا مِنْ إبْطَالِ النِّكَاحِ، بَلْ لَوْ شَهِدَتْ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ عِنْدَ الْعَقْدِ بِثُيُوبَتِهَا لَمْ يَبْطُلْ لِجَوَازِ إزَالَتِهَا بِأُصْبُعٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ أَنَّهَا خُلِقَتْ بِدُونِهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَإِنْ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِخِلَافِهِ.
فَصْلٌ: فِي مُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ
وَمُثْبِتَاتِ الْخِيَارِ فِيهِ (وَالْمُحَرَّمَاتُ) عَلَى قِسْمَيْنِ: تَحْرِيمٌ مُؤَبَّدٌ وَتَحْرِيمٌ غَيْرُ مُؤَبَّدٍ، وَمِنْ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخَانِ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ، فَلَا يَجُوزُ لِلْآدَمِيِّ نِكَاحُ الْجِنِّيَّةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ خِلَافًا لِلْقَمُولِيِّ قَالَ تَعَالَى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الأعراف: 189] .
ــ
[حاشية البجيرمي]
بِلَا إذْنٍ.
قَوْلُهُ: (كَمَا أَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِهِمْ) وَهُوَ التَّعْلِيلُ بِمُمَارَسَةِ الرِّجَالِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: كَمَا أَنَّ قَضِيَّتَهُ كَذَلِكَ إذَا زَالَتْ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: " كَذَلِكَ " أَيْ أَنَّهَا كَسَائِرِ الْأَبْكَارِ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ خُلِقَتْ بِلَا بَكَارَةٍ إلَخْ) مُسْتَدْرَكٌ؛ لِأَنَّهُ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ لَوْ وُطِئَتْ إلَخْ بِالْأَوْلَى. قَوْلُهُ: (عَنْ الصَّيْمَرِيِّ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا نِسْبَةً إلَى صَيْمَرَ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْعَجَمِ.
قَوْلُهُ: (فِي دَعْوَى الْبَكَارَةِ) أَيْ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ بِدَلِيلِ التَّقْيِيدِ فِيمَا بَعْدُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا، أَيْ إذَا ادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهَا ثَيِّبٌ وَأَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ وَهِيَ تَقُولُ أَنَا بِكْرٌ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ.
قَوْلُهُ: (وَكَذَا فِي دَعْوَى الثُّيُوبَةِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهَا تُصَدَّقُ بِلَا يَمِينٍ، وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ م ر أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ فَالتَّشْبِيهُ فِي أَصْلِ التَّصْدِيقِ لَا فِي كَوْنِهِ بِلَا يَمِينٍ. وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيِّ: وَتُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الثُّيُوبَةِ قَبْلَ الْعَقْدِ بِيَمِينٍ لِاقْتِضَاءِ دَعْوَاهَا إبْطَالَ حَقِّ الْوَلِيِّ مِنْ تَزْوِيجِهَا بِغَيْرِ إذْنٍ نُطْقًا.
قَوْلُهُ: (وَلَا تُسْأَلُ عَنْ الْوَطْءِ) وَلَا يُكْشَفُ عَنْهَا؛ لِأَنَّهَا أَعْلَمُ بِحَالِهَا.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ ادَّعَتْ الثُّيُوبَةَ بَعْدَ الْعَقْدِ) أَيْ ادَّعَتْ بَعْدَ الْعَقْدِ أَنَّهَا كَانَتْ ثَيِّبًا قَبْلَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (بَلْ لَوْ شَهِدَتْ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ عِنْدَ الْعَقْدِ) أَيْ بِثُيُوبَتِهَا عِنْدَ الْعَقْدِ إلَخْ؛ أَيْ شَهِدَتْ بِأَنَّهَا كَانَتْ ثَيِّبًا عِنْدَ الْعَقْدِ وَوَقَعَتْ تِلْكَ الشَّهَادَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ بِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ عِنْدَ الْعَقْدِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وَمُتَعَلِّقُ شَهِدَتْ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ شَهِدَتْ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ بَعْدَ الْعَقْدِ أَنَّهَا كَانَتْ ثَيِّبًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ.
حَادِثَةٌ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا: وَهِيَ أَنَّ بِكْرًا وُجِدَتْ حَامِلًا وَكَشَفَ عَلَيْهَا الْقَوَابِلُ فَرَأَيْنَهَا بِكْرًا هَلْ يَجُوزُ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا بِالْإِجْبَارِ مَعَ كَوْنِهَا حَامِلًا أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِوَلِيِّهَا تَزْوِيجُهَا بِالْإِجْبَارِ وَهِيَ حَامِلٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّ شَخْصًا حَكَّ ذَكَرَهُ عَلَى فَرْجِهَا. فَأَمْنَى وَدَخَلَ مَنِيُّهُ فِي فَرْجِهَا فَحَمَلَتْ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ زَوَالِ الْبَكَارَةِ فَهُوَ غَيْرُ مُحْتَرَمٍ فَيَصِحُّ نِكَاحُهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَعَ وُجُودِ الْحَمْلِ، وَاحْتِمَالُ كَوْنِهَا زَنَتْ وَأَنَّ الْبَكَارَةَ عَادَتْ وَالْتَحَمَتْ فِيهِ إسَاءَةُ ظَنٍّ بِهَا، فَعَمِلْنَا بِالظَّاهِرِ مِنْ أَنَّهَا بِكْرٌ مُجْبَرَةٌ وَأَنَّ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا بِالْإِجْبَارِ أَيْ وَلَا تُحَدُّ أَيْضًا. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
[فَصْلٌ فِي مُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ]
ِ أَيْ اللَّاتِي يَحْرُمُ نِكَاحُهُنَّ وَلَا يَصِحُّ وَالْمُرَادُ التَّحْرِيمُ الذَّاتِيُّ؛ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ هُنَا لَا الْعَارِضِيُّ بِسَبَبٍ أَوْ إحْرَامٍ أَوْ رِدَّةٍ.
قَوْلُهُ: (وَمُثْبِتَاتٌ) بِكَسْرِ الْبَاءِ، أَيْ فِي الْأُمُورِ الْمُثْبِتَةِ لِلْخِيَارِ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ كَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ، وَأَمَّا قَوْلُ م د عَنْ ق ل بِفَتْحِ الْبَاءِ أَيْ النِّسَاءُ اللَّاتِي يَثْبُتُ لَهُنَّ الْخِيَارُ فِيهِ فَلَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ.
قَوْلُهُ: (تَحْرِيمٌ مُؤَبَّدٌ) أَيْ ذَوَاتُ تَحْرِيمٍ مُؤَبَّدٍ، وَكَذَا يُقَدَّرُ فِي الثَّانِي لِيَصِحَّ الْإِبْدَالُ وَلِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُحَرَّمَاتِ لَا فِي التَّحْرِيمِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ قَبْلَ النِّسَاءِ أَيْ وَتَحْرِيمُ النِّسَاءِ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (اخْتِلَافُ الْجِنْسِ) هَذَا سَبَبٌ لِلتَّحْرِيمِ وَلَيْسَ تَحْرِيمًا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ فِي قَوْلِهِ وَمِنْ الْأَوَّلِ أَيْ وَمِنْ سَبَبِ الْأَوَّلِ تَأَمَّلْ. وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ صِحَّةُ مُنَاكَحَةِ كُلٍّ لِلْآخَرِ. وَعِبَارَةُ م د فِي حَاشِيَةِ التَّحْرِيرِ: الْمُعْتَمَدُ حِلُّ نِكَاحِنَا لَهُمْ وَعَكْسُهُ وَلَهُ وَطْءُ زَوْجَتِهِ مِنْهُمْ وَلَوْ عَلَى
وَالْمُؤَبَّدُ (بِالنَّصِّ) الْقَطْعِيِّ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الْآتِيَةِ عَنْ قُرْبٍ (أَرْبَعَ عَشْرَةَ) وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ: قَرَابَةٌ وَرَضَاعٌ وَمُصَاهَرَةٌ، وَقَدْ بَدَأَ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْقَرَابَةُ بِقَوْلِهِ:(سَبْعٌ) بِتَقْدِيمِ السِّينِ عَلَى الْمُوَحَّدَةِ، أَيْ يَحْرُمْنَ (بِالنَّسَبِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ} [النساء: 23] الْآيَةَ، وَلِمَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ وَالرَّضَاعِ ضَابِطَانِ: الْأَوَّلُ تَحْرُمُ نِسَاءُ الْقَرَابَةِ إلَّا مَنْ دَخَلَتْ تَحْتَ وَلَدِ الْعُمُومَةِ أَوْ وَلَدِ الْخُؤُولَةِ، وَالثَّانِي يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أُصُولُهُ وَفُصُولُهُ وَفُصُولُ أَوَّلِ أُصُولِهِ، وَأَوَّلُ فَصْلٍ مِنْ كُلِّ أَصْلٍ بَعْدَ الْأَصْلِ الْأَوَّلِ؛ فَالْأُصُولُ الْأُمَّهَاتُ وَالْفُصُولُ الْبَنَاتُ، وَفُصُولُ أَوَّلِ الْأُصُولِ الْأَخَوَاتُ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ، وَأَوَّلُ فَصْلٍ مِنْ كُلِّ أَصْلٍ بَعْدَ الْأَصْلِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
غَيْرِ صُورَةِ الْآدَمِيِّ، وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا أَنَّهَا لَا تَنْقُضُ وُضُوءُهُ حِينَئِذٍ اهـ ق ل. وَاَلَّذِي فِي حَاشِيَتِهِ إذَا تَحَقَّقَتْ الذُّكُورَةُ أَوْ الْأُنُوثَةُ نُقِضَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلَوْ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ عَلَى صُورَةِ الْكَلْبِ نَقَضَ لَمْسُهَا اهـ.
قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِلْقَمُولِيِّ) اعْتَمَدَهُ م ر. وَهَلْ يُجْبِرُهَا عَلَى مُلَازَمَةِ الْمَسْكَنِ أَوْ لَا وَهَلْ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ التَّشَكُّلِ فِي غَيْرِ صُورَةِ الْآدَمِيَّةِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَحْصُلُ النَّفْرَةُ أَوْ لَا؟ وَهَلْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِشُرُوطِ صِحَّةِ النِّكَاحِ مِنْ أَمْرِ وَلِيِّهَا وَخُلُوِّهَا عَنْ الْمَوَانِعِ أَوْ لَا؟ وَهَلْ إذَا رَآهَا فِي صُورَةٍ غَيْرَ الَّتِي أَلِفَهَا وَادَّعَتْ أَنَّهَا هِيَ فَهَلْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا وَيَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا أَوْ لَا؟ وَهَلْ يُكَلَّفُ الْإِتْيَانَ بِمَا يَأْلَفُونَهُ مِنْ قُوتِهِمْ كَالْعَظْمِ وَغَيْرِهِ إذَا أَمْكَنَ الِاقْتِيَاتُ بِغَيْرِهِ أَمْ لَا؟ وَقَوْلُهُ: " اعْتَمَدَهُ م ر " أَيْ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ، أَيْ فَيَجُوزُ لِلْآدَمِيِّ نِكَاحُ الْجِنِّيَّةِ وَعَكْسُهُ، وَيَجُوزُ وَطْؤُهَا إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ وَلَوْ عَلَى صُورَةِ حِمَارٍ مَثَلًا وَتَثْبُتُ أَحْكَامُ النِّكَاحِ لِلْإِنْسِيِّ مِنْهُمَا فَيُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ بِلَمْسِهَا وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ بِوَطْئِهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَمِنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا مَا يُنْفِقُهُ عَلَى الْآدَمِيَّةِ لَوْ كَانَتْ زَوْجَةً وَأَمَّا الْجِنِّيُّ مِنْهُمَا فَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِأَحْكَامِنَا ع ش.
قَوْلُهُ: (قَالَ تَعَالَى إلَخْ) هَذَا دَلِيلٌ لِلْقَوْلِ الضَّعِيفِ. قَوْلُهُ: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الأعراف: 189] أَيْ وَهِيَ مِنْ الْجِنْسِ. وَرُدَّ هَذَا الِاسْتِدْلَال بِأَنَّ غَايَةَ مَا تُفِيدُهُ الْآيَةُ أَنَّ زَوْجَةَ آدَمَ مِنْهُ وَلَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَةَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجِنْسِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا، وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُ بِالضَّعِيفِ بِأَنَّ النَّبِيَّ «نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْجِنِّ» وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَاللَّهُ جَعَلَ} [النحل: 72] أَيْ خَلَقَ {لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [النحل: 72] وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ ذِكْرُهَا بَدَلَ الْآيَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَامْتَنَّ عَلَيْنَا بِأَنْ خَلَقَ أَزْوَاجَنَا مِنَّا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ وَبِأَنَّ نِكَاحَ الْجِنِّيَّةِ لَا يُفَوِّتُ الِامْتِنَانَ بَلْ كَمَالُهُ، وَأَيْضًا مَنْ قَالَ بِعَدَمِ صِحَّةِ مُنَاكَحَةِ الْجِنِّ قَالَ إنَّ الْجِنَّ مِنْ النَّارِ وَالْإِنْسَ مِنْ الطِّينِ وَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَهُمَا.
قَوْلُهُ: (وَالْمُؤَبَّدُ بِالنَّصِّ إلَخْ) يَقْتَضِي أَنَّ أُخْتَ الزَّوْجَةِ مُحَرَّمَةٌ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَلَيْسَ مُرَادًا فَفِي مِثْلِ هَذَا الصَّنِيعِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَخِيرَةَ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ تَحْرِيمُهَا مُؤَبَّدًا بَلْ لِلْجَمْعِ، فَكَانَ الْأَوْلَى إبْقَاءُ الْمَتْنِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَذْفُ الْمُؤَبَّدِ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا كُلَّهَا حَرَامٌ أَعَمُّ مِنْ الْمُؤَبَّدِ وَغَيْرِهِ. وَأُجِيبَ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْمَجْمُوعِ لَا عَلَى كُلِّ فَرْدٍ؛ لِأَنَّ الْمُؤَبَّدَ ثَلَاثَ عَشَرَةَ وَهُنَّ الْمَذْكُورَاتُ فِي آيَةِ:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] مَعَ قَوْلِهِ: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] فَسَبْعٌ بِالنَّسَبِ وَاثْنَانِ بِالرَّضَاعِ وَهُمَا الْمَذْكُورَانِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] وَأَرْبَعٌ بِالْمُصَاهَرَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَهُ) أَيْ لِلتَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ.
قَوْلُهُ: (بِالنَّسَبِ وَالرَّضَاعِ) فِي إدْخَالِ الرَّضَاعِ فِي الْقَرَابَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الضَّابِطِ الْأَوَّلِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ كَمَا قَالَهُ ق ل؛ لِأَنَّ نِسَاءَ الْقَرَابَةِ لَا يَدْخُلُ فِيهِنَّ الْمُحَرَّمَاتُ بِالرَّضَاعِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ فِي الضَّابِطِ مَعْطُوفًا مَحْذُوفًا وَالتَّقْدِيرُ نِسَاءُ الْقَرَابَةِ أَيْ وَالرَّضَاعِ.
وَقَوْلُهُ: " إلَّا مَنْ دَخَلَتْ إلَخْ " اسْتِثْنَاءٌ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَالْمُرَادُ بِالثَّانِي وَلَدُ الْعُمُومَةِ أَوْ الْخُؤُولَةِ وَلَوْ مِنْ الرَّضَاعِ تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (ضَابِطَانِ) الضَّابِطُ الْأَوَّلُ لِأَبِي مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيِّ، وَالثَّانِي لِأَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ الْأَصْلِ الْأَوَّلِ) أَيْ غَيْرَ الْأَصْلِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ أَوَّلَ فَصْلٍ
الْأَوَّلُ الْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ. وَالضَّابِطُ الْأَوَّلُ أَرْجَحُ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ لِإِيجَازِهِ، وَنَصُّهُ عَلَى الْإِنَاثِ بِخِلَافِ الثَّانِي. (وَهِيَ) أَيْ السَّبْعُ مِنْ النَّسَبِ الْأَوَّلِ مِنْهَا (الْأُمُّ) أَيْ يَحْرُمُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا وَكَذَا يُقَدَّرُ فِي الْبَاقِي وَضَابِطُ الْأُمِّ هِيَ كُلُّ مَنْ وَلَدَتْك فَهِيَ أُمُّك حَقِيقَةً، أَوْ وَلَدَتْ مَنْ وَلَدَك ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى كَأُمِّ الْأَبِ (وَإِنْ عَلَتْ) وَأَمِّ الْأُمِّ كَذَلِكَ فَهِيَ أُمُّك مَجَازًا، وَإِنْ شِئْت قُلْت كُلُّ أُنْثَى يَنْتَهِي إلَيْهَا نَسَبُك بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا. (و) الثَّانِي (الْبِنْتُ) وَضَابِطُهَا كُلُّ مَنْ وَلَدْتهَا فَبِنْتُك حَقِيقَةً، أَوْ وَلَدَتْ مِنْ وَلَدِهَا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى كَبِنْتِ ابْنٍ وَإِنْ نَزَلَ وَبِنْتِ بِنْتٍ (وَإِنْ سَفَلَتْ) فَبِنْتُك مَجَازًا وَإِنْ شِئْت قُلْت: كُلُّ أُنْثَى يَنْتَهِي إلَيْك نَسَبُهَا بِالْوِلَادَةِ بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا (و) الثَّالِثُ (الْأُخْتُ) وَضَابِطُهَا كُلُّ مَنْ وَلَدَهَا أَبَوَاك أَوْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
مِنْ الْأَصْلِ الْأَوَّلِ هُمْ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ وَأَوْلَادُهُمْ وَلَا يَخْفَى أَنَّ غَيْرَ الْأَصْلِ الْأَوَّلِ هُوَ الْأَصْلُ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ وَهُمْ الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ وَإِنْ عَلَوْا. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ أَوَّلَ فَصْلٍ عَنْ ثَانِي فَصْلٍ فَلَا يَحْرُمْنَ وَهُنَّ أَوْلَادُ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ اهـ. وَأَمَّا الْأَصْلُ الْأَوَّلُ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَحْرُمُ جَمِيعُ فُصُولِهِ فِي قَوْلِهِ وَفُصُولُ أَوَّلِ إلَخْ م د.
قَوْلُهُ: (وَهِيَ) مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ مِنْهَا الْأُمُّ خَبَرٌ، وَلَوْ قَالَ الْأُولَى لَكَانَ أَنْسَبَ بِالْمَعْنَى وَاللَّفْظِ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ.
وَتُطْلَقُ الْأُمُّ فِي الْقُرْآنِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا الْأَصْلُ وَمِنْهُ: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ} [الزخرف: 4] أَيْ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فَإِنَّهُ أَصْلٌ لِجَمِيعِ الْكُتُبِ فَإِنَّهَا أُنْزِلَتْ مِنْهُ. ثَانِيهَا الْوَالِدَةُ وَمِنْهُ: {فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] . ثَالِثُهَا الْمُرْضِعَةُ وَمِنْهُ: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] رَابِعُهَا الْمُشَابِهَةُ لِلْأُمِّ فِي الْحُرْمَةِ وَالتَّعْظِيمِ وَمِنْهُ: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] . خَامِسُهَا الْمَرْجِعُ وَالْمَصِيرُ وَمِنْهُ: {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [القارعة: 9] وَقِيلَ: الْمُرَادُ أُمُّ رَأْسِهِ وَقِيلَ النَّارُ؛ لِأَنَّهُ يَأْوِي إلَيْهَا ق ل عَلَى الشَّيْخِ خَالِدٍ وَقَوْلُهُ: " أُمُّ رَأْسِهِ " أَيْ؛ لِأَنَّهَا حَاوِيَةٌ مَا فِيهَا مِنْ مُخٍّ وَدُهْنٍ وَعَظْمٍ.
قَوْلُهُ: (أَيْ يَحْرُمُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا) وَكَذَا يُقَدَّرُ فِي الْبَاقِي بِنَاءً عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ أَنَّ تَعَلُّقَ الْأَحْكَامِ لِلْأَفْعَالِ لَا الذَّوَاتِ، نَحْوَ:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] أَيْ تَنَاوُلُهُمَا لِأَعْيُنِهِمَا، قَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ: لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي طَاقَهُ الْمُكَلَّفُ؛ لِأَنَّ الْعَدَمَ حَاصِلٌ فَلَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ ثَانِيًا، وَأَيْضًا لَوْ كَانَ الْعَدَمُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ لَكَانَ مَوْجُودًا؛ هَذَا خُلْفٌ.
قَوْلُهُ: (وَأَمُّ الْأُمِّ كَذَلِكَ) أَيْ وَإِنْ عَلَتْ. قَوْلُهُ: (نَسَبُك) أَيْ اللُّغَوِيُّ؛ لِأَنَّ الشَّرْعِيَّ إنَّمَا يَكُونُ لِلْأَبِ.
قَوْلُهُ: (وَالْبِنْتُ) أَيْ وَلَوْ احْتِمَالًا كَالْمَنْفِيَّةِ بِلِعَانٍ، فَإِنَّ الْأَحْكَامَ ثَابِتَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّافِي فَلَا يَحُدُّ بِقَذْفِهَا وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِهَا وَلَا يُقْتَلُ بِهَا وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ نَظَرُهَا وَلَا الْخَلْوَةَ بِهَا وَلَا السَّفَرَ بِهَا؛ وَخَالَفَ حَجّ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّمْلِيِّ: وَبِنْتٌ وَلَوْ احْتِمَالًا كَالْمَنْفِيَّةِ بِلِعَانٍ وَمَعَ النَّفْيِ فَفِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ بِقَتْلِهِ لَهَا وَالْحَدِّ بِقَذْفِهِ لَهَا وَالْقَطْعِ بِسَرِقَةِ مَالِهَا وَقَبُولِ شَهَادَتِهِ لَهَا وَجْهَانِ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: أَشْبَهَهُمَا نَعَمْ، وَأَصَحُّهُمَا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ لَا. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهَلْ يَأْتِي الْوَجْهَانِ فِي انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِلَمْسِهَا وَجَوَازِ النَّظَرِ إلَيْهَا وَالْخَلْوَةِ بِهَا أَوْ لَا؟ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ الْمَحْرَمِيَّةُ كَمَا فِي الْمُلَاعِنَةِ وَأَمِّ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَبِنْتِهَا وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي ثُبُوتُ الْمَحْرَمِيَّةِ وَالْأَوْجَهُ حُرْمَةُ النَّظَرِ وَالْخَلْوَةِ بِهَا احْتِيَاطًا وَعَدَمُ نَقْضِ الْوُضُوءِ بِلَمْسِهَا لِلشَّكِّ كَمَا مَرَّ فِي أَسْبَابِ الْحَدَثِ اهـ بِحُرُوفِهِ.
وَقَوْلُهُ: " وَهَلْ يَتَأَتَّى الْوَجْهَانِ إلَخْ " قَالَ الرَّشِيدِيُّ: الَّذِي يَظْهَرُ عَدَمُ تَأَتِّيهِمَا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا بِالنِّسْبَةِ لِلْبَاطِنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، فَهِيَ إنْ كَانَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ بِأُمِّهَا انْتَقَضَ الْوُضُوءُ بِلَمْسِهَا قَطْعًا وَحُرِّمَ النَّظَرُ وَالْخَلْوَةُ بِهَا كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ لَمْ يُنْتَقَضْ قَطْعًا وَحَلَّ كُلٌّ مِنْ النَّظَرِ وَالْخَلْوَةِ بِهَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا رَبِيبَةٌ فَلَا وَجْهَ لِجَرَيَانِ الْوَجْهَيْنِ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ:(ذَكَرًا) تَعْمِيمٌ فِي مِنْ الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: (يَنْتَهِي إلَيْك نَسَبُهَا بِالْوِلَادَةِ) أَيْ الْأَعَمُّ مِنْ اللُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ لِيَشْمَلَ بِنْتَ الْبِنْتِ. وَالْمُرَادُ " يَنْتَهِي " أَيْ يَصِلُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالِانْتِهَاءِ حَقِيقَتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا لِأُمِّنَا حَوَّاءَ وَلِأَبِينَا آدَمَ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ؛ (وَالثَّالِثُ الْأُخْتُ) وَلَوْ احْتِمَالًا كَالْمُسْتَلْحَقَةِ، نَعَمْ لَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ قَبْلَ
أَحَدُهُمَا فَأُخْتُك. (و) الرَّابِعُ (الْخَالَةُ) وَضَابِطُهَا كُلُّ أُخْتِ أُنْثَى وَلَدَتْك فَخَالَتُك حَقِيقَةً أَوْ بِوَاسِطَةٍ كَخَالَةِ أُمِّك فَخَالَتُك مَجَازًا، وَقَدْ تَكُونُ الْخَالَةُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ كَأُخْتِ أُمِّ الْأَبِ.
تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُؤَخِّرَ الْخَالَةَ عَنْ الْعَمَّةِ لِيَكُونَ عَلَى تَرْتِيبِ الْآيَةِ. (و) الْخَامِسُ (الْعَمَّةُ) وَضَابِطُهَا كُلُّ أُخْتِ ذَكَرٍ وَلَدَك بِلَا وَاسِطَةٍ فَعَمَّتُك حَقِيقَةً، أَوْ بِوَاسِطَةٍ كَعَمَّةِ أَبِيك فَعَمَّتُك مَجَازًا. وَقَدْ تَكُونُ الْعَمَّةُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ كَأُخْتِ أَبِي الْأُمِّ (و) السَّادِسُ وَالسَّابِعُ (بِنْتُ الْأَخِ وَبِنْتُ الْأُخْتِ) مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ وَبَنَاتِ أَوْلَادِهِمَا وَإِنْ سَفَلْنَ.
تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْبِنْتَ الْمَخْلُوقَةَ مِنْ مَاءِ زِنَاهُ سَوَاءٌ اُتُّفِقَ أَنَّهَا مِنْ مَائِهِ أُمٍّ لَا تَحِلُّ لَهُ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ إذْ لَا حُرْمَةَ لِمَاءِ الزِّنَا بِدَلِيلِ انْتِفَاءِ سَائِرِ أَحْكَامِ النَّسَبِ مِنْ إرْثٍ وَغَيْرِهِ عَنْهَا، فَلَا تُبَعَّضَ الْأَحْكَامُ كَمَا يَقُولُ الْمُخَالِفُ. فَإِنَّ مَنْعَ الْإِرْثِ إجْمَاعٌ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ: وَلَكِنْ يُكْرَهُ نِكَاحُهَا خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ حَرَّمَهَا، وَلَوْ أَرْضَعَتْ الْمَرْأَةُ بِلَبَنِ الزَّانِي صَغِيرَةً فَكَبِنْتِهِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي. وَيَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَعَلَى سَائِرِ مَحَارِمِهَا وَلَدُهَا مِنْ زِنًا بِالْإِجْمَاعِ كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى
ــ
[حاشية البجيرمي]
اسْتِلْحَاقِهَا وَلَمْ يُصَدَّقْ أَبَاهُ فِي اسْتِلْحَاقِهَا أَوْ كَانَ صَغِيرًا لَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهَا، قَالُوا: وَلَيْسَ لَنَا مَنْ يَطَأُ أُخْتَهُ فِي الْإِسْلَامِ غَيْرُ هَذَا وَلَا تَنْقُضُ وُضُوءَهُ وَإِذَا مَاتَ وَرِثَتْ مِنْهُ بِالزَّوْجِيَّةِ وَلِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْ الْأُخْتِيَّةِ فَلَوْ طَلُقَتْ مِنْهُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ عَلَيْهَا إذَا بَانَتْ وَلَهُ رَجْعَتُهَا إذَا لَمْ تَبِنْ. وَذَكَرَ حَجّ أَنَّ عَكْسَ الْمَسْأَلَةِ مِثْلُهَا بِأَنْ اسْتَلْحَقَ أَبُوهَا زَوْجَهَا وَلَمْ تُصَدِّقْهُ هِيَ، وَبَحَثَ فِيهِ بَعْضُهُمْ مِمَّا يُعْلَمُ رَدُّهُ فِي مَحَلِّهِ؛ ق ل عَلَى الْجَلَالِ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ شَرْحِ م ر.
قَوْلُهُ: (فَأُخْتُك) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ) أَيْ جِهَةِ الْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْ أَحَدِهِمَا. قَوْلُهُ: (وَبَنَاتُ أَوْلَادِهِمَا) أَيْ الْأَخِ وَالْأُخْتِ، فَيَدْخُلُ بَنَاتُ الذُّكُورِ مِنْ أَوْلَادِ الْأَخِ وَمِنْ أَوْلَادِ الْأُخْتِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ سَفَلْنَ) الْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرُ بِالتَّرَاخِي فِي جَانِبِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ. وَالتَّعْبِيرُ بِالتَّسَفُّلِ فِي الْفُرُوعِ كَمَا هُوَ قَاعِدَةُ الْفَرْضِيَّيْنِ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ بِالنَّسَبِ فَإِنَّ بِنْتَ الزِّنَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ مَاءِ زِنَاهُ) أَيْ وَلَوْ احْتِمَالًا بِأَنْ تَعَاقَبَ عَلَيْهَا رَجُلَانِ، وَاحْتَمَلَ كَوْنَ الْبِنْتِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَيَحِلُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نِكَاحُهَا فَيَكُونُ قَوْلُهُ سَوَاءٌ أَتَحَقَّقَ إلَخْ غَيْرَ مُنَافٍ لَهُ. قَوْلُهُ:(سَوَاءٌ أَتَحَقَّقَ أَنَّهَا مِنْ مَائِهِ) أَيْ بِأَنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ مَعْصُومٌ كَسَيِّدِنَا عِيسَى عليه السلام. قَوْلُهُ: (تَحِلُّ لَهُ) أَيْ حَيْثُ وَلَدَتْهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ سَاحَقَتْ الْمَرْأَةُ الْمَزْنِيُّ بِهَا زَوْجَةَ الزَّانِي أَوْ أُخْتَهُ أَوْ أُمَّهُ أَوْ بِنْتَه وَخَرَجَ مَاءُ الزِّنَا مِنْ الْمَرْأَةِ الْمَزْنِيِّ بِهَا فِي فَرْجِ الزَّوْجَةِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهَا وَعَلِقَتْ بِهِ وَوَلَدَتْ بِنْتًا فَلَا تَحِلُّ لَهُ بَلْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ لَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مَاءُ زِنًا؛ لِأَنَّ مَاءَ الزِّنَا لَا حُرْمَةَ لَهُ عَلَى الزَّانِي وَالْعِبْرَةُ بِالْحُرْمَةِ وَعَدَمِهَا حَالَ خُرُوجِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ م ر، حَتَّى لَوْ أَخْرَجَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِ أَجْنَبِيَّةٍ وَاسْتَدْخَلَهُ زَوْجَتَهُ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهَا فَهُوَ لَا حُرْمَةَ لَهُ لَوْ أَتَتْ مِنْهُ بِبِنْتٍ فَكَانَتْ تَحِلُّ لَهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ، وَأَمَّا لَوْ أَخْرَجَهُ بِيَدِ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ فَهُوَ حِينَئِذٍ مُحْتَرَمٌ، فَإِذَا اسْتَدْخَلَهُ أَجْنَبِيَّةً فَعَلِقَتْ بِهِ وَأَتَتْ بِبِنْتٍ فَهِيَ حِينَئِذٍ مُحْتَرَمَةٌ؛ وَأَمَّا حَجّ فَيَشْتَرِطُ أَنْ يَكُونَ مُحْتَرَمًا حَالَةَ الْخُرُوجِ وَحَالَةَ الِاسْتِدْخَالِ أَيْضًا اهـ.
قَوْلُهُ: (وَغَيْرِهِ) أَيْ كَجَوَازِ الْخَلْوَةِ وَجَوَازِ النَّظَرِ لِمَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ اهـ شَيْخُنَا. قَالَ ع ش عَلَى م ر: فَلَوْ وَطِئَ كَافِرَةً بِالزِّنَا فَهَلْ يَلْحَقُ الْوَلَدُ الْمُسْلِمَ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ يَلْحَقُ الْكَافِرَةَ؟ ذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ إلَى الْأَوَّلِ، وَاعْتَمَدَ م ر تَبَعًا لِوَالِدِهِ الثَّانِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي بَابِ اللَّقِيطِ اهـ.
قَوْلُهُ: (كَمَا يَقُولُ الْمُخَالِفُ) وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يَقُولُ إنَّ الْبِنْتَ الْمَخْلُوقَةَ مِنْ مَاءِ زِنَاهُ لَا تَحِلُّ لَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ قَالَ: لَا تَرِثُهُ فَكَوْنُهَا لَا تَحِلُّ لَهُ فِيهِ إثْبَاتُ الْمَحْرَمِيَّةِ لَهَا وَكَوْنُهَا لَا تَرِثُهُ فِيهِ إلْحَاقُهَا بِالْأَجَانِبِ فَفِيهِ تَبْعِيضُ الْأَحْكَامِ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ يُكْرَهُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ كَرَاهَةَ نِكَاحِ بِنْتِ الزِّنَا لَا يَتَقَيَّدُ بِصَاحِبِ الْمَاءِ، بَلْ كُلُّ شَخْصٍ يُكْرَهُ لَهُ نِكَاحُهَا، فَمَا وَجْهُ هَذَا التَّقْيِيدِ هُنَا اهـ خ ض (قَوْلُهُ فَكَبِنْتِهِ) أَيْ الَّتِي مِنْ الزِّنَا فَهِيَ كَالْأَجْنَبِيَّاتِ، أَوْ الضَّمِيرُ لِلزِّنَا أَيْ فَيَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا. وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَكَالْبِنْتِ الْمَخْلُوقَةِ مِنْ مَاءِ زِنَاهُ الْمُرْتَضِعَةِ بِلَبَنِ زِنَاهُ. وَعِبَارَةُ سم: وَكَالْمَخْلُوقَةِ مِنْ مَاءِ زِنَاهُ الْمُرْتَضِعَةِ بِلَبَنِ زِنَاهُ اهـ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ: فَكَبِنْتِهَا فَالْإِضَافَةُ فِي قَوْلِهِ فَكَبِنْتِهِ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ أَيْ تَعَلُّقٍ؛ لِأَنَّهَا مِمَّا تَجَنَّاهُ.
قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ
أَنَّهُ يَرِثُهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الِابْنَ كَالْعُضْوِ مِنْهَا، وَانْفَصَلَ مِنْهَا إنْسَانًا وَلَا كَذَلِكَ النُّطْفَةُ الَّتِي خُلِقَتْ مِنْهَا الْبِنْتُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَبِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبَبِ الثَّانِي وَهُوَ الرَّضَاعُ بِقَوْلِهِ: (وَاثْنَانِ بِالرَّضَاعِ وَهُمَا الْأُمُّ الْمُرْضِعَةُ وَالْأُخْتُ مِنْ الرَّضَاعِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] فَمَنْ ارْتَضَعَ مِنْ امْرَأَةٍ صَارَتْ بَنَاتُهَا الْمَوْجُودَاتُ قَبْلَهُ وَالْحَادِثَاتُ بَعْدَهُ أَخَوَاتٌ لَهُ، وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ ذَلِكَ مَعَ وُضُوحِهِ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ جَهَلَةِ الْعَوَامّ يَظُنُّونَ أَنَّ الْأُخْتَ مِنْ الرَّضَاعِ هِيَ الَّتِي ارْتَضَعَتْ مَعَهُ دُونَ غَيْرِهَا وَيَسْأَلُونَ عَنْهُ كَثِيرًا فَمُرْضِعَتُك وَمَنْ أَرْضَعْتهَا أَوْ وَلَدْتهَا أَوْ أَبًا مِنْ رَضَاعٍ وَهُوَ الْفَحْلُ أَوْ أَرْضَعْته أَوْ أُرْضِعَتْ مِنْ وَلَدِك بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَمُّ رَضَاعٍ، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ الْبَاقِيَ مِنْ السَّبْعِ بِالرَّضَاعِ بِمَا ذَكَرَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
عَلَى الْمَرْأَةِ وَعَلَى سَائِرِ مَحَارِمِهَا إلَخْ) حَتَّى الزَّانِي مِنْهُمْ كَأَنْ زَنَى بِأُخْتِهِ فَأَتَتْ بِبِنْتٍ فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا بِنْتُ أُخْتِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.
قَوْلُهُ: (بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَبِ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّ بِنْتَ الزِّنَا لَا أَبَ لَهَا، وَالْأَوْلَى لِمَنْ خَرَجَتْ مِنْهُ النُّطْفَةُ. وَعِبَارَةُ ع ش: وَلَا كَذَلِكَ النُّطْفَةُ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُلِ أَيْ لَيْسَ مِثْلُ ذَلِكَ الْمَنِيَّ يَعْنِي لَمْ يَنْفَصِلْ إنْسَانًا اهـ.
قَوْلُهُ: (وَاثْنَانِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ: " وَاثْنَتَانِ " وَهُوَ أَوْفَقُ بِالْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْمَعْدُودَ مُؤَنَّثٌ. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَيَحْرُمْنَ أَيْ السَّبْعَةُ بِالرَّضَاعِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَيْنِ تَأَسِّيًا بِالْآيَةِ، وَسَيَأْتِي يَقُولُ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ وَيَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ.
قَوْلُهُ: (فَمُرْضِعَتُك) مُبْتَدَأٌ. وَقَوْلُهُ: " أَوْ وَلَدْتهَا " مَعْطُوفٌ عَلَى أَرْضَعْتهَا. وَقَوْلُهُ: " أَوْ أَبًا " مَعْطُوفٌ عَلَى الْهَاءِ فِي وَلَدْتهَا. وَقَوْلُهُ: " أَوْ أَرْضَعْته " مَعْطُوفٌ عَلَى وَلَدْتهَا، وَالْخَبَرُ قَوْلُهُ:" أُمُّ رَضَاعٍ ". وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: " فَمُرْضِعَتُك " أَيْ الَّتِي بَلَغَتْ تِسْعَ سِنِينَ تَقْرِيبًا وَإِلَّا فَلَبَنُهَا لَا يَحْرُمُ ق ل بِزِيَادَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْفَحْلُ) الَّذِي هُوَ حَلِيلُ الْمُرْضِعَةِ الَّذِي اللَّبَنُ لَهُ كَمَا قَالَهُ الْحَلَبِيُّ. وَقَوْلُهُ: " الَّذِي اللَّبَنُ " لَهُ احْتَرَزَ بِذَلِكَ عَمَّا لَوْ كَانَ اللَّبَنُ لِغَيْرِهِ كَأَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً تُرْضِعُ فَإِنَّ الزَّوْجَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ صَاحِبَ اللَّبَنِ اهـ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (بِوَاسِطَةٍ إلَخْ) يَرْجِعُ إلَى الْخَمْسَةِ الَّتِي قَبْلَهُ سِوَى الْأُولَى، فَاشْتَمَلَتْ عِبَارَتُهُ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ فَرْدًا لِلْأُمِّ.
قَوْلُهُ: (وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ الْبَاقِيَ) فِيهِ أَنَّ الْبَاقِيَ سَيُذْكَرُ فِيمَا يَأْتِي، فَالْمُنَاسِبُ ذِكْرُ هَذَا هُنَاكَ. وَمَعْنَى وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ أَيْ تَصْوِيرًا لَا حُكْمًا، إذْ الْحُكْمُ ثَابِتٌ بِالْحَدِيثِ، فَقَوْلُهُ:" لِقَوْلِهِ إلَخْ " أَيْ فَثَبَتَ التَّحْرِيمُ بِالنَّصِّ وَأَمَّا التَّصْوِيرُ فَيُقَاسَ عَلَى مَا سَبَقَ، فَالْمُرْتَضِعَةُ بِلَبَنِك أَوْ لَبَنِ فُرُوعِك نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا وَبِنْتُهَا كَذَلِكَ وَإِنْ سَفَلَتْ بِنْتُ رَضَاعٍ وَالْمُرْتَضِعَةُ بِلَبَنِ أَحَدِ أَبَوَيْك نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا أُخْتُ رَضَاعٍ، وَكَذَا مَوْلُودَةُ أَحَدِ أَبَوَيْك رَضَاعًا وَبِنْتُ وَلَدِ الْمُرْضِعَةِ أَوْ الْفَحْلِ نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا وَإِنْ سَفَلَتْ، وَمَنْ أَرْضَعَتْهَا أُخْتُك أَوْ ارْتَضَعَتْ بِلَبَنِ أَخِيك وَبِنْتِهَا نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا وَإِنْ سَفَلَتْ، وَبِنْتُ وَلَدٍ أَرْضَعَتْهُ أُمُّك أَوْ ارْتَضَعَ بِلَبَنِ أَبِيك نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا وَإِنْ سَفَلَتْ بِنْتُ أَخٍ أَوْ أُخْتُ رَضَاعٍ، وَأُخْتُ الْفَحْلِ أَوْ أَبِيهِ أَوْ أَبَى أُمِّهِ أَوْ أَبِي الْمُرْضِعَةِ بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا عَمَّةُ رَضَاعٍ، وَأُخْتُ الْمُرْضِعَةِ أَوْ أُمُّهَا أَوْ أُمُّ الْفَحْلِ بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا خَالَةُ رَضَاعٍ. اهـ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ.
وَقَوْلُهُ: " فَالْمُرْتَضِعَةُ بِلَبَنِك " أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُرْضِعَةُ زَوْجَةً أَوْ أَمَةً أَوْ مَوْطُوءَةً بِشُبْهَةٍ. وَقَدْ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ عَلَى عَشَرَةِ أَفْرَادٍ لِلْبِنْتِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَالْمُرْتَضِعَةُ بِلَبَنِك صُورَةٌ. وَقَوْلُهُ: " أَوْ لَبَنُ فُرُوعِك فِيهِ " أَرْبَعُ صُوَرٍ؛ لِأَنَّ الْفُرُوعَ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ، وَيَرْجِعُ لَهُمَا قَوْلُهُ نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا. وَقَوْلُهُ:" وَبِنْتُهَا " كَذَلِكَ فِيهِ خَمْسُ صُوَرٍ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي بِنْتِهَا يَرْجِعُ لِلْمُرْتَضِعَةِ بِلَبَنِك وَلِلْمُرْتَضِعَةِ بِلَبَنِ فُرُوعِك، وَتَقَدَّمَ أَنَّ فِي الْأُولَى وَاحِدَةٌ وَفِي الثَّانِيَةِ أَرْبَعٌ. وَقَوْلُهُ:" وَكَذَا مَوْلُودَةُ أَحَدِ أَبَوَيْك إلَخْ " فِيهِ صُورَتَانِ، فَأَفْرَادُ الْأُخْتِ سِتَّةٌ وَقَوْلُهُ نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا تَعْمِيمٌ فِي الْبِنْتِ وَالْوَلَدِ. وَقَوْلُهُ:" وَمَنْ أَرْضَعَتْهَا أُخْتُك " أَيْ مِنْ نَسَبٍ.
لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «مِنْ النَّسَبِ» وَفِي أُخْرَى: «حَرِّمُوا مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْك مُرْضِعَةُ أَخِيك أَوْ أُخْتِك، وَلَوْ كَانَتْ أُمَّ نَسَبٍ حُرِّمَتْ عَلَيْك؛ لِأَنَّهَا أُمُّك أَوْ مَوْطُوءَةُ أَبِيك وَلَا مُرْضِعَةُ نَافِلَتِك وَهُوَ وَلَدُ الْوَلَدِ وَلَوْ كَانَتْ أُمَّ نَسَبٍ حُرِّمَتْ عَلَيْك؛ لِأَنَّهَا بِنْتُك أَوْ مَوْطُوءَةُ ابْنِك، وَلَا أُمُّ مُرْضِعَةِ وَلَدِك وَلَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَقَوْلُهُ: " أَوْ ارْتَضَعَتْ بِلَبَنِ أَخِيك " أَيْ مِنْ النَّسَبِ. وَقَوْلُهُ: " بِنْتُ أَخٍ " خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ، وَهُوَ قَوْلُهُ:" وَبِنْتُ وَلَدِ الْمُرْضِعَةِ ". وَقَوْلُهُ: " وَبِنْتُ وَلَدٍ أَرْضَعَتْهُ أُمُّك " أَيْ مِنْ النَّسَبِ. وَقَوْلُهُ: " أَوْ ارْتَضَعَ بِلَبَنِ أَبِيك " أَيْ مِنْ النَّسَبِ. وَقَوْلُهُ: " نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا " تَعْمِيمٌ فِي الْبِنْتِ، فَالْأَفْرَادُ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ. وَقَوْلُهُ:" بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا " تَعْمِيمٌ فِي الْأَبِ بِقِسْمَيْهِ. وَقَوْلُهُ: " نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا " تَعْمِيمٌ فِي أُخْتِ الْفَحْلِ وَفِي الْأَبِ بِقِسْمَيْهِ، فَأَفْرَادُ الْعَمَّةُ عَشْرَةٌ مِنْ ضَرْبِ اثْنَيْنِ فِي خَمْسَةٍ.
وَقَوْلُهُ: " بِوَاسِطَةٍ " تَعْمِيمٌ فِي الْأُمِّ بِقِسْمَيْهَا، فَأَفْرَادُ الْخَالَةِ عَشْرَةٌ. وَقَوْلُهُ:" نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا " رَاجِعٌ لِأُخْتِ الْمُرْضِعَةِ وَلِلْأُمِّ بِقِسْمَيْهِمَا اهـ. وَرَأَيْت لِبَعْضِهِمْ مَا نَصُّهُ: اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ أَعْنِي قَوْلَهُ وَبِنْتُ وَلَدِ الْمُرْضِعَةِ إلَخْ اشْتَمَلَتْ عَلَى وَاحِدٍ وَعِشْرِينَ مِنْ أَفْرَادِ بِنْتِ الْأَخِ وَوَاحِدٍ وَعِشْرِينَ مِنْ أَفْرَادِ بِنْتِ الْأُخْتِ، جُمْلَةُ ذَلِكَ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ، أَخْبَرَ عَنْهَا بِقَوْلِهِ: بِنْتُ أَخٍ أَوْ أُخْتِ رَضَاعٍ؛ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَبِنْتُ وَلَدِ الْمُرْضِعَةِ فِيهِ ثَمَانُ صُوَرٍ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الْمُرْضِعَةِ صَادِقٌ بِالذَّكَرِ وَبِالْأُنْثَى، وَقَوْلُهُ الْآتِي: نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا تَعْمِيمٌ فِي كُلٍّ مِنْ بِنْتٍ وَوَلَدٍ فَالْبِنْتُ لَهَا صُورَتَانِ فِي صُورَتَيْ الْوَلَدِ أَيْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ ثَمَانِ صُوَرٍ أَيْضًا تُعْلَمُ بِالْبَيَانِ السَّابِقِ؛ فَتُضَمُّ الثَّمَانِيَةُ لِلثَّمَانِيَةِ بِسِتَّةَ عَشَرَ نِصْفُهَا لِبِنْتِ الْأَخِ وَنِصْفُهَا لِبِنْتِ الْأُخْتِ كَمَا عَلِمْت مِنْ كَوْنِ الْوَلَدِ صَادِقًا بِالذَّكَرِ وَبِالْأُنْثَى.
وَقَوْلُهُ وَمَنْ أَرْضَعَتْهَا أُخْتُك فِيهِ ثَلَاثُ صُوَرٍ لِبِنْتِ الْأُخْتِ؛ لِأَنَّ الْأُخْتَ إمَّا لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ، وَقَوْلُهُ أَوْ ارْتَضَعَتْ بِلَبَنِ أَخِيك فِيهِ ثَلَاثُ صُوَرٍ لِبِنْتِ الْأَخِ فَضُمَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ لِكُلٍّ مِنْ الثَّمَانِيَةِ بِأَنْ تُضَمَّ ثَلَاثَةَ بِنْتِ الْأَخِ لِثَمَانِيَتِهَا وَتُضَمَّ ثَلَاثَةَ بِنْتِ الْأُخْتِ لِثَمَانِيَتِهَا يَتَحَصَّلُ لِكُلِّ قَبِيلٍ أَحَدَ عَشَرَ، وَقَوْلُهُ وَبِنْتُهَا إلَخْ فِيهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَبِنْتَهَا يَرْجِعُ لِمَنْ أَرْضَعَتْهَا أُخْتُك بِأَقْسَامِهَا الثَّلَاثَةِ وَيَرْجِعُ لِلثَّلَاثَةِ التَّعْمِيمُ بِقَوْلِهِ: نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا بِسِتَّةٍ كُلُّهَا لِبِنْتِ الْأُخْتِ وَيَرْجِعُ لِمَنْ ارْتَضَعَتْ بِلَبَنِ أَخِيك بِصُورَةِ الثَّلَاثَةِ وَيَرْجِعُ لِلثَّلَاثَةِ التَّعْمِيمُ الْمَذْكُورُ بِسِتَّةٍ كُلُّهَا لِبِنْتِ الْأَخِ فَضُمَّ السِّتَّةَ الْأُولَى لِلْإِحْدَى عَشْرَةَ الَّتِي لِبِنْتِ الْأُخْتِ وَالسِّتَّةَ الثَّانِيَةَ الَّتِي لِبِنْتِ الْأَخِ يَصِيرُ لِكُلِّ قَبِيلٍ سَبْعَةَ عَشَرَ.
وَقَوْلُهُ وَبِنْتُ وَلَدٍ أَرْضَعَتْهُ أُمُّك إلَخْ اشْتَمَلَتْ عَلَى ثَمَانٍ صُوَرٍ؛ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَبِنْتُ وَلَدٍ أَرْضَعَتْهُ أُمُّك فِيهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ؛ لِأَنَّ الْبِنْتَ قَدْ عَمَّمَ فِيهَا بِقَوْلِهِ نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا وَالْوَلَدُ يَصْدُقُ بِالذَّكَرِ وَبِالْأُنْثَى وَاثْنَانِ فِي اثْنَيْنِ بِأَرْبَعَةٍ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ أَوْ ارْتَضَعَ بِلَبَنِ أَبِيك فِيهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ أَيْضًا كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. وَهَذِهِ الثَّمَانِيَةُ نِصْفُهَا لِبِنْتِ الْأُخْتِ وَنِصْفُهَا لِبِنْتِ الْأَخِ، فَضُمَّ كُلَّ أَرْبَعَةٍ لِكُلِّ سَبْعَةَ عَشَرَ يَتَحَصَّلُ لِكُلِّ قَبِيلٍ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ. وَقَوْلُهُ وَأُخْتُ الْفَحْلِ إلَخْ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ عَلَى عَشَرَةِ أَفْرَادٍ لِلْعَمَّةِ أَخْبَرَ عَنْهَا بِقَوْلِهِ عَمَّةُ رَضَاعٍ؛ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَأُخْتُ الْفَحْلِ يَرْجِعُ إلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي: نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا فَفِيهِ صُورَتَانِ وَقَوْلُهُ أَوْ أَبِيهِ أَوْ أَبِي الْمُرْضِعَةِ صُورَتَانِ يَرْجِعُ إلَيْهِمَا قَوْلُهُ بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا، بِأَرْبَعَةٍ يَرْجِعُ لَهَا قَوْلُهُ نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا بِثَمَانِيَةٍ تُضَمُّ لِلثِّنْتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ بِعَشَرَةٍ، وَقَوْلُهُ وَأُخْتُ الْمُرْضِعَةِ إلَخْ فِيهِ عَشَرُ صُوَرٍ أَيْضًا لِلْخَالَةِ أَخْبَرَ عَنْهَا بِقَوْلِهِ خَالَةُ رَضَاعٍ يُعْلَمُ بَيَانُهَا مِنْ بَيَانِ صُورَةِ الْعَمَّةِ، فَجُمْلَةُ مَا ذَكَرَهُ لِمَحَارِمِ الرَّضَاعِ سَبْعَةٌ وَثَمَانُونَ فَافْهَمْ.
قَوْلُهُ: (بِمَا ذَكَرَ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَعْدَ قَوْلِهِ عَلَى ذَلِكَ. وَيُمْكِنُ أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْهُ كَجَعْلِ الْبَاءِ بِمَعْنَى " عَلَى " وَالْمُبْدَلُ مِنْهُ فِي نِيَّةِ الطَّرْحِ.
قَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ) عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ، أَيْ فَيَحْرُمُ أَيْ الْبَاقِي لِقَوْلِهِ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (مِنْ الرَّضَاعِ) أَيْ مِنْ أَجْلِ الرَّضَاعِ، فَمِنْ تَعْلِيلِيَّةٌ.
قَوْلُهُ: (وَفِي رِوَايَةٍ) أَتَى بِهَا؛ لِأَنَّ النَّسَبَ أَعَمُّ مِنْ الْوِلَادَةِ الَّتِي فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى، وَأَتَى بِرِوَايَةِ حَرِّمُوا أَيْ اعْتَقَدُوا حُرْمَتَهُ؛ لِأَنَّهَا بِصِيغَةِ الْأَمْرِ، وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَالنَّهْيُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ يَقْتَضِي الْفَسَادَ، فَأَفَادَتْ الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ أَنَّ التَّحْرِيمَ مَصْحُوبٌ بِفَسَادِ الْعَقْدِ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِمَّا قَبْلَهُ عَزِيزِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْك إلَخْ) شُرُوعٌ فِي مَسَائِلَ أَرْبَعٍ مُسْتَثْنَاةٍ مِنْ الْحَدِيثِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا أُمُّك) إنْ كَانَ الْأَخُ وَالْأُخْتُ شَقِيقَيْنِ لَك أَوْ لِأُمٍّ. وَقَوْلُهُ: " أَوْ مَوْطُوءَةُ أَبِيك " إنْ كَانَا لِأَبٍ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ وَلَدُ الْوَلَدِ) وَيُرَادِفُ النَّافِلَةَ الْحَفِيدُ، وَأَمَّا السَّبْطُ فَهُوَ وَلَدُ الْبِنْتِ؛ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْحَفِيدَ ابْنُ الِابْنِ فَيَكُونُ
بِنْتُ الْمُرْضِعَةِ، وَلَوْ كَانَتْ الْمُرْضِعَةُ أُمَّ نَسَبٍ كَانَتْ مَوْطُوءَتَك فَيَحْرُمُ عَلَيْك أُمُّهَا وَبِنْتُهَا، فَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ يَحْرُمْنَ فِي النَّسَبِ وَلَا يَحْرُمْنَ فِي الرَّضَاعِ فَاسْتَثْنَاهَا بَعْضُهُمْ مِنْ قَاعِدَةٍ: يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ وَالْمُحَقِّقُونَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ عَلَى أَنَّهَا لَا تُسْتَثْنَى لِعَدَمِ دُخُولِهَا فِي الْقَاعِدَةِ؛ لِأَنَّهُنَّ إنَّمَا يَحْرُمْنَ فِي النَّسَبِ لِمَعْنًى لَمْ يُوجَدْ فَيَهِنَّ فِي الرَّضَاعِ كَمَا قَرَّرْته، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْك أُخْتُ أَخِيك سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ نَسَبٍ كَأَنْ كَانَ لِزَيْدٍ أَخٌ لِأَبٍ وَأُخْتٌ لِأُمٍّ فَلِأَخِيهِ نِكَاحُهَا. أَمْ مِنْ رَضَاعٍ كَأَنْ تُرْضِعُ امْرَأَةٌ زَيْدًا وَصَغِيرَةً أَجْنَبِيَّةً مِنْهُ فَلِأَخِيهِ لِأَبِيهِ نِكَاحُهَا، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ الْأُخْتُ أُخْتَ أَخِيك لِأَبِيك لِأُمِّهِ كَمَا مَثَّلْنَا أَمْ أُخْتُ أَخِيك لِأُمِّك لِأَبِيهِ، مِثَالُهُ فِي النَّسَبِ أَنْ يَكُونَ لِأَبِي أَخِيك بِنْتٌ مِنْ غَيْرِ أُمِّك فَلَكَ نِكَاحُهَا، وَفِي الرَّضَاعِ أَنْ تَرْتَضِعَ صَغِيرَةٌ بِلَبَنِ أَبِي أَخِيك لِأُمِّك فَلَكَ نِكَاحُهَا.
ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبَبِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمُصَاهَرَةُ بِقَوْلِهِ: (وَأَرْبَعٌ بِالْمُصَاهَرَةِ وَهِيَ أُمُّ الزَّوْجَةِ) بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا مِنْ نَسَبٍ
ــ
[حاشية البجيرمي]
النَّافِلَةُ أَعَمَّ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا بِنْتُك) أَيْ إنْ كَانَ وَلَدُك، أَيْ الْأَعْلَى أُنْثَى وَقَوْلُهُ أَوْ مَوْطُوءَةُ ابْنِك، أَيْ إنْ كَانَ ذَكَرًا.
قَوْلُهُ: (وَلَا بِنْتُ الْمُرْضِعَةِ) أَيْ وَلَا بِنْتُ مُرْضِعَةِ وَلَدِك، فَلَوْ قَالَ وَلِابْنَتِهَا لَكَانَ أَخْصَرُ وَأَظْهَرُ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَتْ الْمُرْضِعَةُ أُمَّ نَسَبٍ) أَيْ لِلْوَلَدِ.
قَوْلُهُ: (فَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ) جَعَلَهَا أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَلَا أُمُّ إلَخْ، جَعَلَهَا صُورَةً وَاحِدَةً، وَقَدْ نَظَمَهَا شَيْخُنَا م د عَلَى التَّرْتِيبِ فَقَالَ:
مُرْضِعَةُ الْأَخِ أَوْ الْأُخْتِ تَحِلْ
…
أَوْ وَلَدُ الْوَلَدِ وَلَوْ أُنْثَى جُعِلْ
كَذَاك أُمُّ مُرْضِعٍ لِلْوَلَدْ
…
وَبِنْتُهَا وَهِيَ خِتَامُ الْعَدَدْ
قَوْلُهُ: (فَاسْتَثْنَاهَا بَعْضُهُمْ) أَيْ لِلْمَعْنَى الَّذِي اشْتَرَكَا فِيهِ.
قَوْلُهُ: (لِمَعْنًى لَمْ يُوجَدْ فِيهِنَّ فِي الرَّضَاعِ) أَيْ وَهُوَ الْأُمُومَةُ وَالْبِنْتِيَّةُ وَالْأُخْتِيَّةُ، أَيْ أَنَّهُ سَبَبُ انْتِفَاءِ التَّحْرِيمِ عَنْهُنَّ. وَقَوْلُهُ:" كَمَا قَرَّرْته " أَيْ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ كَانَتْ أُمَّ نَسَبٍ إلَخْ ح ل. وَقَوْلُ الْمُحَشِّي: " وَالْأُخْتِيَّةُ " غَيْرُ ظَاهِرٍ فِي الْأَرْبَعِ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ، وَعِبَارَةُ الزَّرْكَشِيّ: لِأَنَّ أُمَّ الْأَخِ لَمْ تَحْرُمْ لِكَوْنِهَا أُمَّ أَخٍ وَإِنَّمَا حُرِّمَتْ لِكَوْنِهَا أُمًّا أَوْ حَلِيلَةَ أَبٍ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَكَذَا الْقَوْلُ فِي بَاقِيهِنَّ. قَوْلُهُ: (فَلِأَخِيهِ) أَيْ لِأَبِيهِ نِكَاحُهَا، وَإِنْ وُجِدَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فَزَيْدٌ عَمُّهُ وَخَالُهُ؛ لِأَنَّهُ أَخُو أَبِيهِ وَأَخُو أُمِّهِ.
قَوْلُهُ: (لِأَبِيهِ) الْأَحْسَنُ إسْقَاطُ لِأَبِيهِ لِيَشْمَلَ الْأَخَ الشَّقِيقَ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ الْمُرْضِعَةَ لَيْسَتْ أُمَّ زَيْدٍ مِنْ النَّسَبِ فَإِرْضَاعُهَا لِزَيْدٍ لَا يُثْبِتُ التَّحْرِيمَ عَلَى إخْوَتِهِ مُطْلَقًا، عَلَى أَنَّ فِي التَّقْيِيدِ بِهِ مَعَ قَوْلِهِ بَعْدُ: وَسَوَاءٌ إلَخْ مَا لَا يَخْفَى شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (أَنْ يَكُونَ لِأَبِي أَخِيك) أَيْ لِأُمِّك وَقَوْلُهُ بِنْتٌ مِنْ غَيْرِ أُمِّك بِأَنْ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ أُخْرَى. قَوْلُهُ: (وَفِي الرَّضَاعِ) أَيْ وَمِثَالُهُ فِي الرَّضَاعِ أَنْ تُرْضِعَ صَغِيرَةً إلَخْ. صُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ رَجُلًا مُتَزَوِّجٌ بِامْرَأَتَيْنِ إحْدَاهُمَا يُقَالُ لَهَا فَاطِمَةُ وَالْأُخْرَى يُقَالُ لَهَا عَائِشَةُ فَأَتَى بِبِنْتٍ مِنْ فَاطِمَةَ، ثُمَّ إنَّ فَاطِمَةَ أَرْضَعَتْ بِنْتًا صَغِيرَةً أَجْنَبِيَّةً وَأَتَى بِوَلَدِ مِنْ عَائِشَةَ يُقَالُ لَهُ زَيْدٌ فَنِسْبَةُ زَيْدٍ لِبِنْتِ فَاطِمَةَ أَنَّهُ أَخُوهَا لِأَبِيهَا وَنِسْبَتُهُ إلَى الرَّضِيعَةِ أَنَّهُ أَخُوهَا لِأَبِيهَا مِنْ الرَّضَاعِ، ثُمَّ إنَّ هَذَا الرَّجُلَ طَلَّقَ أُمَّ زَيْدٍ فَتَزَوَّجَ بِهَا شَخْصٌ آخَرُ فَأَتَى مِنْهَا بِوَلَدٍ يُقَالُ لَهُ بَكْرٌ فَنِسْبَةُ بَكْرٍ لِزَيْدٍ أَنَّهُ أَخُوهُ لِأُمِّهِ وَنِسْبَةُ بَكْرٍ لِلرَّضِيعَةِ أَجْنَبِيٌّ فَأَرَادَ بَكْرٌ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا وَيَصْدُقُ عَلَى بَكْرٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَ بِمِنْ ارْتَضَعَ بِلَبَنِ أَبِي أَخِيهِ لِأُمِّهِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ.
قَوْلُهُ: (بِلَبَنِ أَبِي أَخِيك) أَيْ بِلَبَنِهِ الْحَاصِلِ مِنْ زَوْجَةٍ أُخْرَى غَيْرَ أُمِّك.
قَوْلُهُ: (بِالْمُصَاهَرَةِ) أَيْ بِسَبَبِ الْمُصَاهَرَةِ، وَهِيَ وَصْفٌ شَبِيهٌ بِالْقَرَابَةِ، وَهِيَ فِي أَرْبَعَةٍ: فَزَوْجَةُ الِابْنِ وَبِنْتُ الزَّوْجَةِ أَشْبَهَتَا بِنْتَه، وَزَوْجَةُ الْأَبِ وَأَمُّ الزَّوْجَةِ أَشْبَهَتَا الْأُمَّ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ هِيَ خُلْطَةٌ تُوجِبُ تَحْرِيمًا.
قَوْلُهُ: (أُمُّ الزَّوْجَةِ) وَلَوْ تَأَخَّرَ ثُبُوتُ الْأُمُومَةِ عَنْ النِّكَاحِ كَأَنْ يُطَلِّقَ صَغِيرَةً فَتُرْضِعُهَا امْرَأَةٌ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ:
أَوْ رَضَاعٍ، سَوَاءٌ أَدْخَلَ بِهَا أَمْ لَا لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى:{وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23](وَالرَّبِيبَةُ إذَا دَخَلَ بِالْأُمِّ) بِعَقْدٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] وَذِكْرُ الْحُجُورِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ، فَإِنْ قِيلَ لَمْ أُعِيدَ الْوَصْفُ إلَى الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ وَلَمْ يُعَدْ إلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى وَهِيَ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ مَعَ أَنَّ الصِّفَاتِ عَقِبَ الْجُمَلِ تَعُودُ إلَى الْجَمِيعِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ نِسَائِكُمْ الثَّانِي مَجْرُورٌ بِحَرْفِ الْجَرِّ، وَنِسَائِكُمْ الْأَوَّلُ مَجْرُورٌ بِالْمُضَافِ، وَإِذَا اخْتَلَفَ الْعَامِلُ لَمْ يَجُزْ الْإِتْبَاعُ وَيَتَعَيَّنُ الْقَطْعُ.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الدُّخُولِ أَنْ يَقَعَ فِي حَيَاةِ الْأُمِّ، فَلَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَوَطِئَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا لَمْ تَحْرُمْ بِنْتُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى دُخُولًا وَإِنْ تَرَدَّدَ فِيهِ الرُّويَانِيُّ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَعْتَبِرُوا الدُّخُولَ فِي تَحْرِيمِ الْأُصُولِ وَاعْتَبِرُوا فِي تَحْرِيمِ الْبِنْتِ الدُّخُولَ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّجُلَ يُبْتَلَى عَادَةً بِمُكَالَمَةِ أُمِّهَا عَقِبَ الْعَقْدِ لِتَرْتِيبِ أُمُورِهِ، فَحُرِّمَتْ بِالْعَقْدِ لِيَسْهُلَ ذَلِكَ بِخِلَافِ بِنْتِهَا.
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَالرَّبِيبَةُ إذَا دَخَلَ بِالْأُمِّ) أَيْ بِوَطْءٍ وَلَوْ فِي الدُّبُرِ، وَمِثْلُهُ اسْتِدْخَالُ الْمَاءِ وَلَوْ فِي الدُّبُرِ أَيْضًا. وَالْمُرَادُ الْمَاءُ الْمُحْتَرَمُ حَالَ الْإِنْزَالِ بِأَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الزِّنَا لَا حَالَةَ الْإِدْخَالِ، فَلَوْ أَنْزَلَ فِي زَوْجَتِهِ فَسَاحَقَتْ بِنْتَهُ فَحَمَلَتْ مِنْهُ لَحِقَهُ الْوَلَدُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ اسْتِدْخَالَ الْمَاءِ الْمُحْتَرَمِ حُكْمُهُ حُكْمُ الدُّخُولِ فِي لُحُوقِ النَّسَبِ وَعَدَمِ بَيْنُونَتِهَا إذَا طَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَ اسْتِدْخَالِ الْمَنِيِّ، وَفِي ثُبُوتِ الْمُصَاهَرَةِ لَا تَحْلِيلَ وَلَا إحْصَانَ أَيْ لَا تَصِيرُ بِاسْتِدْخَالِ مَاءِ زَوْجِهَا الْمُحْتَرَمِ حَلِيلَةً لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ وَلَا مُحْصَنَةً وَلَا يَجِبُ غُسْلٌ وَمَهْرٌ، فَلَيْسَ اسْتِدْخَالُ الْمَنِيِّ فِيهَا كَالْوَطْءِ وَالْمُعْتَبَرُ الدُّخُولُ فِي الْحَيَاةِ كَمَا ذَكَرَهُ ق ل. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الدُّخُولَ بِالْأُمَّهَاتِ يُحَرِّمُ الْبَنَاتِ وَالْعَقْدَ عَلَى الْبَنَاتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّهَاتِ.
قَوْلُهُ: (فِي حُجُورِكُمْ) جَمْعُ حَجْرٍ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ فِي الْأَصْلِ حِضْنُ الْإِنْسَانِ وَهُوَ مَا دُونَ إبْطِهِ إلَى الْكَشْحِ يُقَالُ فُلَانٌ فِي حِجْرِ فُلَانٍ أَيْ فِي كَنَفِهِ وَمَنْعَتِهِ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ فِي حُجُورِكُمْ تَقْوِيَةُ الْعِلَّةِ وَتَمْكِينُهَا. وَالْمَعْنَى أَنَّ الرَّبَائِبَ إذَا دَخَلْتُمْ بِأُمَّهَاتِهِنَّ فِي احْتِضَانِكُمْ قَوَّى الشَّبَهَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَوْلَادِكُمْ وَصَارَتْ حَقًّا بِأَنْ تَجْرُوهَا مَجْرَاهُمْ لَا تَقْيِيدَ لِلْحُرْمَةِ؛ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ قِيلَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْوَصْفَ بِقَوْلِهِ: {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] عَائِدٌ إلَى لَفْظِ النِّسَاءِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ لِمَا ذَكَرَهُ. وَلَا يَخْفَى مَا فِي عِبَارَتِهِ مِنْ التَّسَامُحِ، أَيْ قَوْلُهُ:" إلَى الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ " فِيهِ مُسَامَحَةٌ، إذْ لَا جُمْلَةَ هُنَا بَلْ هُنَا مُفْرَدٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ عَقِبَ الْجُمَلِ فِيهِ مُسَامَحَةٌ، وَأَيْضًا فَإِنَّ السُّؤَالَ فِي جِهَةٍ وَالْجَوَابُ فِي جِهَةٍ؛ لِأَنَّ السُّؤَالَ يَرْجِعُ إلَى قَاعِدَةٍ أُصُولِيَّةٍ وَهِيَ أَنَّ الصِّفَةَ تَعُودُ لِجَمِيعِ الْمُتَعَاطِفَاتِ تَقَدَّمَتْ أَوْ تَأَخَّرَتْ أَوْ تَوَسَّطَتْ، وَالْجَوَابُ يَرْجِعُ لِقَاعِدَةٍ نَحْوِيَّةٍ وَهِيَ أَنَّهُ إذَا كَانَ هُنَاكَ عَامِلَانِ وَمَعْمُولَانِ وَصِفَتَانِ لِلْمَعْمُولَيْنِ وَاتِّحَادُ الْعَامِلَانِ مَعْنَى وَعَمَلًا وَجَبَ إتْبَاعُ الصِّفَةِ لِمَوْصُوفِهَا فِي الْإِعْرَابِ وَإِلَّا قُطِعَتْ عَنْهُ فِي الْإِعْرَابِ، فَكَانَ الْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: صَدَّ عَنْ الْعَمَلِ بِذَلِكَ الْإِجْمَاعِ.
قَوْلُهُ: (إلَى الْجُمْلَةِ) الْمُرَادُ بِالْجُمْلَةِ الْقِطْعَةُ مِنْ الْكَلَامِ فَلَا يَرِدُ أَنَّهَا مُفْرَدٌ لَا جُمْلَةً. قَوْلُهُ: (عَقِبَ الْجُمَلِ) الْأُولَى أَنْ يَقُولَ عَقِبَ الْمُتَعَدِّدِ لِيَشْمَلَ الْمُفْرَدَاتِ كَمَا هُنَا. وَقَوْلُهُ: " الْقَطْعُ " أَيْ تَخْصِيصُهَا بِمَا وَلَّيْتَهُ فَقَطْ.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَجُزْ الْإِتْبَاعَ) أَيْ لِلْأُولَى وَقَوْلُهُ وَيَتَعَيَّنُ الْقَطْعُ أَيْ عَنْ الْأُولَى، وَيَتَعَيَّنُ رُجُوعُهُ لِلثَّانِيَةِ. اهـ. شَيْخُنَا. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْقَطْعُ النَّحْوِيُّ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْمُولًا لِعَامِلٍ مُقَدَّرٍ.
قَوْلُهُ: (وَوَطِئَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا) وَلَا يُحَدُّ بِوَطْئِهَا. قَوْلُهُ: (لَا يُسَمَّى دُخُولًا) وَلِهَذَا لَا حَدَّ بِوَطْءِ الْمَيْتَةِ. اهـ. مَيْدَانِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَرَدَّدَ فِيهِ) أَيْ التَّحْرِيمِ.
قَوْلُهُ: (لِمَ لَمْ يَعْتَبِرُوا) الْمُنَاسِبَ لِمَ لَمْ يُعْتَبَرْ؟ أَوْ مَا الْحِكْمَةُ؟ فِي ذَلِكَ وَإِلَّا فَاعْتِبَارُ الدُّخُولِ بِمَا ذَكَرَ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ، فَكَيْفَ يَقُولُ لِمَ لَمْ يَعْتَبِرُوا.
قَوْلُهُ: (فِي تَحْرِيمِ الْأُصُولِ) كَأُمِّهَا. وَقَوْلُهُ: " وَاعْتَبِرُوا إلَخْ " لَوْ قَالَ: وَاعْتَبَرُوهُ فِي تَحْرِيمِ الْبِنْتِ، لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَوْضَحَ ق ل.
قَوْلُهُ: (بِمُكَالَمَةِ أُمِّهَا) وَيُبْتَلَى بِالْخَلْوَةِ بِهَا فَكَانَتْ مَحْرَمًا لَهُ فِيهِمَا، فَلَا يَحْرُمُ النَّظَرُ وَلَا الْخَلْوَةُ بِهَا تَسْهِيلًا عَلَيْهِمَا. قَوْلُهُ:(فَحُرِّمَتْ بِالْعَقْدِ لِيَسْهُلَ ذَلِكَ بِخِلَافِ بِنْتِهَا)
تَنْبِيهٌ: مَنْ حُرِّمَ بِالْوَطْءِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ صِحَّةُ الْعَقْدِ كَالرَّبِيبَةِ، وَمَنْ حُرِّمَ بِالْعَقْدِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ. نَعَمْ لَوْ وَطِئَ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ حُرِّمَ بِالْوَطْءِ فِيهِ لَا بِالْعَقْدِ.
فَائِدَةٌ: الرَّبِيبَةُ بِنْتُ الزَّوْجَةِ وَبَنَاتُهَا وَبِنْتُ ابْنِ الزَّوْجَةِ وَبَنَاتُهَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ تَحْرِيمُ بِنْتِ الرَّبِيبَةِ وَبِنْتِ الرَّبِيبِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ بَنَاتِ أَوْلَادِ زَوْجَتِهِ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ نَفِيسَةٌ يَقَعُ السُّؤَالُ عَنْهَا كَثِيرًا وَكُلُّ مَنْ وَطِئَ امْرَأَةً بِمِلْكِ يَمِينٍ حُرِّمَ عَلَيْهِ أُمَّهَاتُهَا وَبَنَاتُهَا وَحُرِّمَتْ هِيَ عَلَى آبَائِهِ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا الْمَوْطُوءَةُ الْحَيَّةُ بِشُبْهَةٍ فِي حَقِّهِ كَأَنْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمَّهَاتُهَا وَبَنَاتُهَا، وَتَحْرُمُ هِيَ عَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ كَمَا يَثْبُتُ فِي هَذَا الْوَطْءِ النَّسَبُ، وَيُوجِبُ الْعِدَّةَ، لَا الْمَزْنِيُّ بِهَا فَلَا يَثْبُتُ بِزِنَاهَا حُرْمَةُ مُصَاهَرَةٍ فَلِلزَّانِي نِكَاحُ أُمِّ مَنْ زَنَى بِهَا وَبِنْتِهَا، وَلِابْنِهِ وَأَبِيهِ نِكَاحُهَا هِيَ وَبِنْتَهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى امْتَنَّ عَلَى عِبَادِهِ بِالنَّسَبِ وَالصِّهْرِ فَلَا يَثْبُتُ بِالزِّنَا كَالنَّسَبِ، وَلَيْسَتْ مُبَاشَرَةٌ كَلَمْسٍ وَقُبْلَةٍ بِشَهْوَةٍ كَوَطْءٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تُوجِبُ الْعِدَّةَ فَكَذَا لَا تُوجِبُ الْحُرْمَةَ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَعُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ بِنْتُ زَوْجِ الْأُمِّ وَلَا أُمُّهُ وَلَا بِنْتُ زَوْجِ الْبِنْتِ وَلَا أُمُّهُ وَلَا أُمُّ زَوْجَةِ الْأَبِ وَلَا بِنْتُهَا وَلَا أُمُّ زَوْجَةِ الِابْنِ وَلَا بِنْتُهَا وَلَا زَوْجَةُ الرَّبِيبِ، لِخُرُوجِهِنَّ عَنْ الْمَذْكُورَاتِ. اهـ. ز ي. وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الشَّارِحِ.
قَوْلُهُ: (كَالرَّبِيبَةِ) الْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ حُرِّمَ بِالْعَقْدِ) كَالْأُمِّ.
قَوْلُهُ: (نَعَمْ لَوْ وَطِئَ) مُسْتَدْرَكٌ ق ل وَفِيهِ نَظَرٌ.
قَوْلُهُ: (وَبِنْتِ الرَّبِيبِ) وَهُوَ ابْنُ الزَّوْجَةِ. قَوْلُهُ: (وَكُلُّ مَنْ وَطِئَ امْرَأَةً) سَوَاءٌ الْوَطْءُ فِي الْقُبُلِ أَوْ الدُّبُرِ، وَاسْتِدْخَالُ الْمَنِيِّ وَلَوْ فِي الدُّبُرِ كَذَلِكَ. وَالْمُرَادُ الْوَطْءُ فِي الْحَيَاةِ وَيَشْمَلُ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ مَا هُوَ بِالنَّسَبِ أَوْ الرَّضَاعِ كَمَا يَأْتِي ق ل.
قَوْلُهُ: (امْرَأَةً بِمِلْكِ يَمِينٍ) وَلَوْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ ابْتِدَاءً. قَوْلُهُ: (بِشُبْهَةٍ فِي حَقِّهِ كَأَنْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ) أَوْ وَطِئَ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ أَوْ أَمَةَ فَرْعِهِ، وَكَذَا لَوْ وَطِئَ بِجِهَةٍ قَالَ بِهَا عَالِمٌ يَعْتَدُّ بِخِلَافِهِ بِحَيْثُ يَصِحُّ تَقْلِيدُهُ. وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الشُّبْهَةِ الْمَذْكُورَةِ يُقَالُ لَهُ شُبْهَةُ الْفَاعِلِ وَهُوَ لَا يَتَّصِفُ بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ، وَالْقِسْمُ الثَّانِي شُبْهَةُ الْمَحَلِّ فَحَرَامٌ، وَالْقِسْمُ الثَّالِثِ شُبْهَةُ الطَّرِيقِ، فَإِنْ قَلَّدَ الْقَائِلَ بِالْحِلِّ لَا حُرْمَةَ وَإِلَّا حُرِّمَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ شُبْهَتَهُ وَحْدَهُ تُوجِبُ مَا عَدَا الْمَهْرِ مِنْ نَسَبٍ وَعِدَّةٍ إذْ لَا مَهْرَ لِبَغْيٍ وَشُبْهَتُهَا وَحْدُهَا تُوجِبُ الْمَهْرَ فَقَطْ دُونَ النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ وَشُبْهَتُهُمَا تُوجِبَ الْجَمِيعَ وَلَا يَثْبُتُ بِهَا مَحْرَمِيَّةٌ مُطْلَقًا، فَلَا يَحِلُّ لِأَبِي الْوَاطِئِ وَابْنِهِ نَظَرٌ وَلَا مَسٌّ وَلَا خَلْوَةٌ.
قَوْلُهُ: (وَيُوجِبُ الْعِدَّةَ) أَيْ فَيَثْبُتُ بِهِ التَّحْرِيمُ لَا الْمَحْرَمِيَّةُ، فَلَا يَحِلُّ لِلْوَاطِئِ بِشُبْهَةٍ النَّظَرُ إلَى أُمِّ الْمَوْطُوءَةِ وَبِنْتِهَا وَلَا الْخَلْوَةُ وَلَا الْمُسَافَرَةُ بِهَا وَلَا مَسُّهَا كَالْمَوْطُوءَةِ بَلْ أَوْلَى، فَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَدَخَلَ ثَبَتَتْ الْمَحْرَمِيَّةُ.
قَوْلُهُ: (لَا الْمَزْنِيُّ بِهَا) يَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ الزِّنَا مَا لَوْ خَرَجَ مَنِيُّهُ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مُحْتَرَمٍ ثُمَّ اسْتَدْخَلَتْهُ زَوْجَتُهُ كَمَا لَوْ وَطِئَهَا فِي الدُّبُرِ ثُمَّ سَالَ الْمَنِيُّ وَأَخَذَتْهُ فِي خِرْقَةٍ وَاسْتَدْخَلَتْهُ وَحَبِلَتْ مِنْ ذَلِكَ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَلَوْ لَاطَ بِغُلَامٍ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْفَاعِلِ أُمُّ الْغُلَامِ وَبِنْتُهُ شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (هِيَ وَبِنْتَهَا) هِيَ تَأْكِيدٌ لِلضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ. وَقَوْلُهُ: " وَبِنْتِهَا " بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ الْخَافِضِ عَلَى طَرِيقِ ابْنِ مَالِكٍ، وَلَمْ يَمْنَعْ التَّوْكِيدَ بِالضَّمِيرِ الْمَذْكُورِ. وَلَيْسَ هَذَا مِثْلَ تَوْكِيدِ الضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ فَإِنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِتَجْوِيزِ الْعَطْفِ. وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ:" وَبِنْتِهَا ": لَا مَدْخَلَ لَهُ هُنَا، إذْ بِنْتُ الزَّوْجَةِ مِنْ غَيْرِ الزَّوْجِ لَا تَحْرُمُ عَلَى الْأَبِ وَلَا الِابْنُ، فَبِالْأَوْلَى بِنْتُ الْمَزْنِيِّ بِهَا، وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمُصَاهَرَةُ قَوْلُهُ:(وَالصِّهْرِ) أَيْ قَرَابَةِ الزَّوْجَيْنِ قَوْلُهُ: (فَلَا يَثْبُتُ) أَيْ الصِّهْرُ بِالزِّنَا قَوْلُهُ: (كَالنَّسَبِ) أَيْ كَمَا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِالزِّنَا.
قَوْلُهُ: (وَلَيْسَتْ مُبَاشَرَةٌ) أَيْ لَيْسَتْ الْمُبَاشَرَةُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ أَوْ بِشُبْهَةٍ كَالْوَطْءِ؛؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ. وَلَيْسَ الْكَلَامُ الْآنَ فِي الْوَطْءِ بِالْعَقْدِ أَيْضًا حَتَّى يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمُبَاشَرَةِ مَا يَشْمَلُ الْمُبَاشَرَةَ بِالْعَقْدِ، إذْ لَا يَصِحُّ هَذَا هُنَا، إذْ أُمُّ الزَّوْجَةِ تَحْرُمُ بِالْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُبَاشَرَةٌ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا؛ فَقَوْلُهُ:" وَلَيْسَتْ مُبَاشَرَةٌ إلَخْ " كَمَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمَسَهَا وَقَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ وَلَمْ يَطَأْهَا فَلَيْسَ اللَّمْسُ وَالْقُبْلَةُ كَالْوَطْءِ فِي تَحْرِيمِ بِنْتِهَا خِلَافًا لِبَعْضِ الْأَئِمَّةِ.
(و) تَحْرُمُ (زَوْجَةُ الْأَبِ) وَهُوَ مَنْ وَلَدَك بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَبًا أَوْ جَدًّا مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22] قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ يَعْنِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ عِلْمِكُمْ بِتَحْرِيمِهِ. (و) تَحْرُمُ (زَوْجَةُ الِابْنِ) وَهُوَ مَنْ وَلَدْته بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَلَدُك بِهَا، لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى:{وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] .
تَنْبِيهٌ: لَا فَرْقَ فِي الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ؛ أَمَّا النَّسَبُ فَلِلْآيَةِ، وَأَمَّا الرَّضَاعُ فَلِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا قَالَ تَعَالَى: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] فَكَيْفَ حُرِّمَتْ حَلِيلَةُ الِابْنِ مِنْ الرَّضَاعِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ إنَّمَا يَكُونُ حُجَّةً إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ مَنْطُوقٌ، وَقَدْ عَارَضَهُ هُنَا مَنْطُوقُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» . فَإِنْ قِيلَ: فَمَا فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ فِي الْآيَةِ حِينَئِذٍ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَةَ ذَلِكَ إخْرَاجُ حَلِيلَةِ الْمُتَبَنَّى فَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْءِ زَوْجَةُ مَنْ تَبَنَّاهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِابْنٍ لَهُ، وَلَا تَحْرُمُ بِنْتُ زَوْجِ الْأُمِّ وَلَا أُمُّهُ وَلَا بِنْتُ زَوْجِ الْبِنْتِ وَلَا أُمُّهُ وَلَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَتَحْرُمُ زَوْجَةُ الْأَبِ) أَيْ مِنْ النَّسَبِ أَوْ الرَّضَاعِ، وَكَذَا زَوْجَةُ الِابْنِ. وَالتَّقْيِيدُ فِي الْآيَةِ لِإِخْرَاجِ زَوْجَةِ مَنْ تَبَنَّاهُ كَمَا يَأْتِي. وَكَانَ الصَّوَابُ إسْقَاطَ لَفْظِ تَحْرُمُ؛ لِأَنَّ زَوْجَةَ الْأَبِ مَعْطُوفٌ عَلَى أُمِّ الزَّوْجَةِ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ ق ل. وَخَرَجَ بِزَوْجَةِ الْأَبِ أُمُّهَا وَبِنْتُهَا وَكَذَا يُقَالُ فِي زَوْجَةِ الِابْنِ.
قَوْلُهُ: (مَا نَكَحَ) ذَكَرَ مَا دُونَ مِنْ؛ لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا الصِّفَةُ، أَيْ مَنْكُوحَةُ آبَائِكُمْ.
قَوْلُهُ: (إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ) هُوَ مُنْقَطِعٌ؛ أَيْ، لَكِنْ مَا قَدْ سَلَفَ، فَلَا مُؤَاخَذَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ بِغَيْرِ شَرْعٍ. وَانْظُرْ أَيَّ فَائِدَةٍ فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ مَعَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا نُؤَاخَذُ بِمَا وَقَعَ فِيهَا.
قَوْلُهُ: (زَوْجَةُ الِابْنِ) مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ وَإِنْ سَفَلَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا، فَهُوَ شَامِلٌ لِزَوْجَةِ ابْنِ الْبِنْتِ، فَتَحْرُمُ عَلَى جَدِّهِ؛ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ مَنْ وَلَدَهُ بِوَاسِطَةٍ؛ إذْ الْوَلَدُ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى. وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ تَمَسُّكًا بِقَوْلِ الْقَائِلِ:
بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وَبَنَاتِنَا
…
بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الْأَبَاعِدِ
وَهُوَ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا عَبَّرُوا بِزَوْجَةِ الْوَلَدِ بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا وَهُوَ شَامِلٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، فَتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَقَوْلُهُ:" بَنُونَا " خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَمَا بَعْدَهُ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، وَالْمُرَادُ بِالْأَبَاعِدِ الْأَجَانِبُ.
قَوْلُهُ: (فَلِلْآيَةِ) أَيْ جِنْسِهَا وَإِلَّا فَهُنَاكَ آيَتَانِ، إحْدَاهُمَا قَوْله تَعَالَى:{وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22] وَالْأُخْرَى: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] .
قَوْلُهُ: (فَلِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ) وَهُوَ: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» .
قَوْلُهُ: (أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ إلَخْ) فَإِنْ قُلْت: الْمَفْهُومُ هُنَا خَاصٌّ وَالْقَاعِدَةُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْعَامِّ. قُلْت: مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِ زَوْجَةِ الِابْنِ رَضَاعًا. اهـ. رَحْمَانِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تَحْرُمُ بِنْتُ زَوْجِ الْأُمِّ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي عَشْرِ مَسَائِلَ لَا تَحْرُمُ وَالتَّصْرِيحُ بِهَا زِيَادَةُ إيضَاحٍ؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ مِنْ مَفَاهِيمِ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَخِيرَةَ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: " زَوْجَةُ الْأَبِ وَزَوْجَةُ الِابْنِ " وَقَدْ اشْتَمَلَ كَلَامُهُ عَلَى أَلْغَازٍ مِنْهَا رَجُلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا عَمُّ الْآخَرِ؛ وَصُورَةُ ذَلِكَ رَجُلَانِ تَزَوَّجَ كُلٌّ مِنْهُمَا أُمَّ الْآخَرِ فَأَوْلَدَهَا ابْنًا فَكُلٌّ مِنْ ابْنَيْهِمَا عَمُّ الْآخَرِ لِأُمِّهِ.
وَمِنْهَا امْرَأَتَانِ الْتَقَتَا بِرَجُلَيْنِ فَقَالَتَا مَرْحَبًا بِابْنَيْنَا وَزَوْجَيْنَا وَابْنَيْ زَوْجَيْنَا؛ وَصُورَتُهُ رَجُلَانِ تَزَوَّجَ كُلٌّ مِنْهُمَا أُمَّ الْآخَرِ. وَمِنْهَا رَجُلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا خَالُ الْآخَرِ؛ وَصُورَتُهُ أَنْ يَنْكِحَ كُلٌّ مِنْ رَجُلَيْنِ بِنْتَ الْآخَرِ فَيُولَدُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ابْنٌ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الِابْنَيْنِ خَالُ الْآخَرِ، وَمِنْهَا رَجُلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا ابْنُ خَالِ الْآخَرِ؛ وَصُورَتُهُ أَنْ
أُمُّ زَوْجَةِ الْأَبِ وَلَا بِنْتُهَا وَلَا أُمُّ زَوْجَةِ الِابْنِ وَلَا بِنْتُهَا وَلَا زَوْجَةُ الرَّبِيبِ وَلَا زَوْجَةُ الرَّابِّ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ التَّحْرِيمُ غَيْرُ الْمُؤَبَّدِ بِقَوْلِهِ (و) تَحْرُمُ (وَاحِدَةٌ مِنْ جِهَةِ الْجَمْعِ) فِي الْعِصْمَةِ (وَهِيَ أُخْتُ الزَّوْجَةِ) فَلَا يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا بَلْ تَحِلُّ بِمَوْتِ أُخْتِهَا أَوْ بَيْنُونَتِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23] وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَإِنْ رَضِيَتْ بِذَلِكَ فَإِنَّ الطَّبْعَ يَتَغَيَّرُ. (وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلَا خَالَتِهَا) مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ وَلَوْ بِوَاسِطَةٍ الْخَبَرِ: «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا الْعَمَّةُ عَلَى بِنْتِ أَخِيهَا وَلَا الْمَرْأَةُ عَلَى خَالَتِهَا وَلَا الْخَالَةُ عَلَى بِنْتِ أُخْتِهَا لَا الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى وَلَا الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ. وَلِمَا مَرَّ مِنْ التَّعْلِيلِ فِي الْأُخْتَيْنِ (وَيَحْرُمُ مِنْ) النِّسَاءِ بِسَبَبِ (الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ) مِنْهُنَّ (مِنْ النَّسَبِ) وَهِيَ السَّبْعَةُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
يَنْكِحَ كُلٌّ مِنْ رَجُلَيْنِ أُخْتَ الْآخَرِ فَيُولَدُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ابْنٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا أُمُّ زَوْجَةِ الْأَبِ إلَخْ) وَلَوْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ بِنْتًا وَابْنُهُ بِامْرَأَةٍ هِيَ أُمٌّ لِلْبِنْتِ الْمَذْكُورَةِ صَحَّ نِكَاحُ كُلٍّ مِنْهُمَا لِانْتِفَاءِ أَسْبَابِ التَّحْرِيمِ وَهِيَ الْقَرَابَةُ وَالرَّضَاعُ وَالْمُصَاهَرَةُ، وَتَحْرُمُ الْمُنَاكَحَةُ بَيْنَ مَا يَحْصُلُ مِنْ الْبِنْتِ الْمَذْكُورَةِ وَأُمِّهَا مِنْ الْأَوْلَادِ لِوُجُوبِ سَبَبِ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ الْأَوْلَادَ الْحَاصِلِينَ مِنْ الْبِنْتِ الْمَذْكُورَةِ أَعْمَامٌ وَعَمَّاتٌ لِأَوْلَادِ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ لِكَوْنِهِمْ إخْوَةً وَأَخَوَاتِ أَبِيهِمْ وَأَوْلَادَ أُخْتٍ لِكَوْنِ أُمِّهِمْ أُخْتَهمْ لِأُمِّهِمْ، وَحِينَئِذٍ إذَا حَصَلَ مِنْ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوْلَادٌ ذُكُورٌ وَأَرَادُوا التَّزَوُّجَ بِالْإِنَاثِ مِنْ أَوْلَادِ الْبِنْتِ الْمَذْكُورَةِ امْتَنَعَ عَلَيْهِمْ لِحُرْمَتِهِنَّ عَلَيْهِمْ لِكَوْنِهِنَّ بَنَاتَ أَخِيهِمْ لِأُمِّهِمْ وَعَمَّاتِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ الذُّكُورُ مِنْ أَوْلَادِ الْبِنْتِ الْمَذْكُورَةِ التَّزَوُّجَ بِالْإِنَاثِ مِنْ أَوْلَادِ الْكَبِيرَةِ امْتَنَعَ عَلَيْهِمْ لِحُرْمَتِهِنَّ عَلَيْهِمْ لِكَوْنِهِنَّ بَنَاتَ أَخِيهِمْ لِأَبِيهِمْ؛ لِأَنَّ وَالِدَهُمْ أَخُوهُمْ لِأَبِيهِمْ. قَوْلُهُ:(وَلَا زَوْجَةُ الرَّبِيبِ) وَهُوَ ابْنُ الزَّوْجَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا زَوْجَةُ الرَّابِّ) وَهُوَ زَوْجُ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ يُرَبِّيهِ غَالِبًا.
قَوْلُهُ: (وَتَحْرُمُ وَاحِدَةٌ) لَا يَخْفَى أَنَّ وَاحِدَةً عَطْفٌ عَلَى سَبْعٍ، فَهِيَ بَدَلٌ مِنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَى الْبَدَلِ بَدَلٌ وَتَقْدِيرُ الْفِعْلِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ ق ل. وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ تَقْدِيرَ الْفِعْلِ لَا بُدَّ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ جَعْلِ الْأَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ عَلَى التَّأْبِيدِ، لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَعْدُودَ إنَّمَا هُوَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَقَطْ؛ وَلِهَذَا قُلْنَا فِيمَا مَرَّ إنَّ الْمُتَعَيِّنَ حَذْفُ لَفْظِ الْمُؤَبَّدِ لِيَشْمَلَ هَذِهِ وَيَكُونُ الْعَدَدُ تَامًّا فَتَأَمَّلْ، فَيَكُونُ كَلَامُ ق ل ظَاهِرًا عَلَى هَذَا اهـ. وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْأُخْتِ؛ لِأَنَّهَا الْمَذْكُورَةُ فِي الْآيَةِ أَيْ فِي قَوْلِهِ:{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] وَإِلَّا فَقَوْلُهُ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ إلَخْ يُؤْخَذُ مِنْهُ تَحْرِيمُ الْجَمْعِ أَيْضًا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا. قَوْلُهُ: (أُخْتُ الزَّوْجَةِ) قَالَ شَيْخُنَا يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يَمْتَنِعُ الْجَمْعُ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَأُخْتِهَا وَإِنْ نَفَاهَا وَالِدُهَا بِلِعَانٍ، إذْ هِيَ غَيْرُ مُنْتَفِيَةٍ قَطْعًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ مَتَى اسْتَلْحَقَهَا لَحِقَتْهُ. وَهَذَا بِاعْتِبَارِ الدُّنْيَا، أَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَلَا مَانِعَ مِنْ جَمْعِ الْأُخْتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ فِيهَا كَمَنْ تَزَوَّجَ إحْدَاهُمَا ثُمَّ مَاتَتْ فِي عِصْمَتِهِ ثُمَّ تَزَوَّجَ الْأُخْرَى وَمَاتَتْ فِي عِصْمَتِهِ فَيَجْتَمِعَانِ مَعَهُ فِي الْجَنَّةِ أَوْ مَاتَ وَلَمْ تَتَزَوَّجْ بَعْدَهُ غَيْرَهُ قَالَهُ الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ شَوْبَرِيٌّ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: يَجُوزُ نِكَاحُ الْمَحَارِمِ فِي الْجَنَّةِ مَا عَدَا الْأُصُولَ وَالْفُرُوعَ لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ وَهِيَ الْحِقْدُ وَالْبُغْضُ، قَالَ تَعَالَى:{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} [الأعراف: 43] وَتَحْرِيمُ هَذَا الْجَمْعِ عَامٌّ فِي حَقِّ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم وَبَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ وَأُمَمَهُمْ كَمَا فِي الْعُبَابِ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (وَأَنْ تَجْمَعُوا) قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: هُوَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَطْفٌ عَلَى الْمُحَرَّمَاتِ، أَيْ عَلَى قَوْلِهِ:" أُمَّهَاتُكُمْ " وَقَوْلُهُ: " وَلَوْ بِوَاسِطَةٍ " يَعْنِي عَمَّاتِ أُصُولِهَا وَخَالَاتِهِمْ اهـ م د. قَوْلُهُ: (لَا الْكُبْرَى) دَفَعَ بِهِ تَوَهُّمَ أَنَّ الْعَمَّةَ وَالْخَالَةَ هِيَ الْكُبْرَى غَالِبًا ق ل. قَالَ شَيْخُنَا: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَوْكِيدٌ وَمَا فِي حَاشِيَةِ ق ل غَيْرَ ظَاهِرٍ، وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: قَوْلُهُ: " لَا الْكُبْرَى " هُوَ تَوْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ غَيْرِ الْمُرَتَّبِ، وَفِيهِ دَفْعُ تَوَهُّمِ تَقْيِيدِ الْمَنْعِ بِكَوْنِ الْعَمَّةِ أَوْ الْخَالَةِ هِيَ الْكُبْرَى كَمَا هُوَ الْغَالِبُ اهـ.
قَوْلُهُ: (بِسَبَبِ الرَّضَاعِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ " مِنْ " فِي كَلَامِ الْمَتْنِ لِلتَّعْلِيلِ.
قَوْلُهُ: (مَا يَحْرُمُ) عَبَّرَ بِمَا دُونَ مِنْ نَظَرًا إلَى أَنَّ
الْمُتَقَدِّمَةُ. وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يَحْرُمُ زَوْجَةُ وَالِدِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَزَوْجَةُ وَلَدِهِ كَذَلِكَ وَبِنْتُ زَوْجَتِهِ كَذَلِكَ، أَمَّا تَحْرِيمُ الْأُمِّ وَالْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعِ فَلِمَا مَرَّ. وَأَمَّا تَحْرِيمُ الْبَوَاقِي فَلِلْحَدِيثِ الْمَارِّ وَهُوَ:«يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» .
تَنْبِيهٌ: مَنْ حُرِّمَ جَمْعُهُمَا بِنِكَاحٍ حُرِّمَ أَيْضًا فِي الْوَطْءِ بِمِلْكٍ أَوْ مِلْكٍ وَنِكَاحٍ وَلَهُ تَمَلُّكُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ وَطِئَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا وَلَوْ مُكْرَهًا حُرِّمَتْ الْأُخْرَى حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُولَى بِإِزَالَةِ مِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ كِتَابَةٍ، إذْ لَا جَمْعَ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ غَيْرِهَا كَحَيْضٍ وَرَهْنٍ وَإِحْرَامٍ وَرِدَّةٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تُزِيلُ الْمِلْكَ وَلَا الِاسْتِحْقَاقَ، فَلَوْ عَادَتْ الْأُولَى كَأَنْ رُدَّتْ بِعَيْبٍ قَبْلَ وَطْءِ الْأُخْرَى فَلَهُ وَطْءُ أَيَّتُهُمَا شَاءَ بَعْدَ اسْتِبْرَاءِ الْعَائِدَةِ أَوْ بَعْدَ وَطْئِهَا حُرِّمَتْ الْعَائِدَةُ حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُخْرَى، وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُبَاحَةً عَلَى انْفِرَادِهَا، فَلَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مَجُوسِيَّةً أَوْ نَحْوَهَا كَمَحْرَمٍ فَوَطِئَهَا جَازَ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى نَعَمْ لَوْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
حُرْمَةَ الذَّوَاتِ بِسَبَبِ أَوْصَافِهَا كَالْأُمُومَةِ وَالْبِنْتِيَّةِ فَهُوَ عَلَى حَدِّ: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} [النساء: 3] حَيْثُ عَبَّرَ بِمَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْوَصْفُ أَيْ الطَّيِّبُ، وَهَذَا أَعَمُّ مِمَّا سَبَقَ فَيُغْنِي عَنْهُ. قَوْلُهُ:(وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يَحْرُمُ زَوْجَةُ وَالِدِهِ إلَخْ) الْأَوَّلَانِ تَقَدَّمَا فِي قَوْلِهِ تَنْبِيهٌ لَا فَرْقَ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ النَّسَبِ أَوْ الرَّضَاعِ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَلَمْ تَتَقَدَّمْ؛ قَالَ شَيْخُنَا: يُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ وَقَدَّمْنَا إلَخْ أَنَّ هَذَا مِمَّا كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ إذْ لَمْ يَدْخُلْ فِي قَوْلِهِ: " وَيَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَخْ " إلَّا السَّبْعَةُ.
قَوْلُهُ: (وَبِنْتُ زَوْجَتِهِ) لَمْ يَتَقَدَّمْ ذَلِكَ فِيهَا، وَإِنَّمَا تَقَدَّمَ فِي أُمِّ الزَّوْجَةِ، فَلَوْ أَبْدَلَهَا بِأُمِّ الزَّوْجَةِ لَكَانَ أَصْوَبَ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (كَذَلِكَ) أَيْ مِنْ الرَّضَاعِ.
قَوْلُهُ: (فَلِمَا مَرَّ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] .
قَوْلُهُ: (مِنْ حُرِّمَ جَمْعُهُمَا بِنِكَاحٍ حُرِّمَ أَيْضًا إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ إذَا حُرِّمَ الْعَقْدُ، فَالْوَطْءُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى، وَلِأَنَّ التَّقَاطُعَ أَيْ قَطِيعَةَ الرَّحِمِ فِيهِ أَكْثَرُ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ وَطِئَ) أَيْ سَوَاءٌ فِي الْقُبُلِ أَوْ الدُّبُرِ، بِخِلَافِ اسْتِدْخَالِ الْمَنِيِّ فَلَا يُحَرِّمُ الْأُخْرَى هُنَا، فَالْوَطْءُ قَيْدٌ هُنَا بِخِلَافِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي وَطْءِ مِلْكِ الْيَمِينِ وَالشُّبْهَةِ فَإِنَّ اسْتِدْخَالَ الْمَنِيِّ يُحَرِّمُ الْأُمَّ وَالْبِنْتَ. قَوْلُهُ:(وَاحِدَةً مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْمَمْلُوكَتَيْنِ لَا مِنْ الْمَمْلُوكَةِ وَالْمَنْكُوحَةِ أَيْضًا لِيُلَائِمَ قَوْلَهُ: حُرِّمَتْ الْأُخْرَى إلَخْ " فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْمَمْلُوكَتَيْنِ، وَبِدَلِيلِ مَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ " وَلَوْ مَلَكَ أَمَةً ثُمَّ نَكَحَ إلَخْ " فَإِنَّ الَّذِي يَحِلُّ إنَّمَا هُوَ الْمَنْكُوحَةُ دُونَ الْمَمْلُوكَةِ وَإِنْ وُطِئَتْ. وَقَوْلُهُ وَطِئَ وَاحِدَةً أَيْ حَالَ كَوْنِهَا وَاضِحَةً فَلَا عِبْرَةَ بِوَطْءِ الْخُنْثَى إلَّا إنْ اتَّضَحَ بِالْأُنُوثَةِ كَمَا فِي الْبِرْمَاوِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُكْرَهًا) أَيْ أَوْ جَاهِلًا بِأَنَّهَا أَمَتَهُ.
قَوْلُهُ: (حُرِّمَتْ الْأُخْرَى حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُولَى) لِئَلَّا يَحْصُلَ الْجَمْعُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ، وَلَا يُؤَثِّرُ وَطْؤُهَا أَيْ الْأُخْرَى وَإِنْ حَبِلَتْ فِيمَا يَظْهَرُ فِي تَحْرِيمِ الْأُولَى إذْ الْحَرَامُ لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ م ر. وَهَلْ الْمُرَادُ حَرُمَ وَطْؤُهَا أَوْ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا؟ الثَّانِي قَرِيبٌ لَكِنَّهُ يَشْمَلُ النَّظَرَ بِشَهْوَةٍ وَفِيهِ بُعْدٌ، ثُمَّ رَأَيْت عَنْ الرَّوْضَةِ التَّقْيِيدَ بِالْوَطْءِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْأَنْوَارِ وَالْعُبَابِ؛ قَالَهُ ح ل. وَاعْتَمَدَ الدَّفَرِيُّ حُرْمَةَ الْوَطْءِ وَالِاسْتِمْتَاعِ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي الْأَنْوَارِ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّوْبَرِيُّ ضَعِيفٌ.
وَقَوْلُهُ: " حَتَّى يُحَرِّمَ " الْأُولَى أَيْ الَّتِي وُطِئَتْ. قَوْلُهُ: (بِإِزَالَةِ مِلْكٍ) كَبَيْعٍ بَتٍّ وَلَوْ لِبَعْضِهَا بِلَا خِيَارٍ، أَوْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (أَوْ نِكَاحٍ) الْأَوْلَى: إنْكَاحٍ.
قَوْلُهُ: (أَوْ كِتَابَةٍ) أَيْ صَحِيحَةٍ. قَوْلُهُ: (إذْ لَا جَمْعَ حِينَئِذٍ) أَيْ فِي الْوَطْءِ.
قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ غَيْرِهَا) أَيْ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا الِاسْتِحْقَاقَ) أَيْ اسْتِحْقَاقَ التَّمَتُّعِ.
قَوْلُهُ: (فَلَوْ عَادَتْ الْأُولَى) أَيْ الَّتِي كَانَتْ وُطِئَتْ وَحُرِّمَتْ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ بَعْدَ وَطْئِهَا) وَظَاهِرِ كَلَامه أَنَّ الِاسْتِدْخَالَ هُنَا، أَيْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا فِيمَا تَقَدَّمَ لَيْسَ كَالْوَطْءِ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ:(حُرِّمَتْ الْعَائِدَةُ) أَيْ حُرِّمَ وَطْؤُهَا، وَكَذَا الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا؛ لَكِنَّ ظَاهِرَ عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ وَالْعُبَابِ حُرْمَةُ الْوَطْءِ فَقَطْ ح ل، وَقَدْ عَلِمْت ضَعْفَهُ.
قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ) أَيْ فِي تَحْرِيمِ الْأُخْرَى أَيْ بِوَطْءِ وَاحِدَةٍ.
قَوْلُهُ: (فَلَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مَجُوسِيَّةً) كَأَنْ تَوَلَّدَتَا بَيْنَ كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ وَبَلَغَتَا عَاقِلَتَيْنِ وَاخْتَارَتْ إحْدَاهُمَا دِينَ الْكِتَابِيِّ مِنْ أَبَوَيْهَا وَالْأُخْرَى دِينَ الْمَجُوسِيِّ مِنْهُمَا، وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْمُتَوَلِّدَةَ بَيْنَ كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ لَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا مَحَلَّهُ فِي حَالِ
مَلَكَ أُمًّا وَبِنْتَهَا فَوَطِئَ إحْدَاهُمَا حُرِّمَتْ الْأُخْرَى مُؤَبَّدًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. وَلَوْ مَلَكَ أَمَةً ثُمَّ نَكَحَ مَنْ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهَا كَأَنْ نَكَحَ أُخْتَهَا الْحُرَّةَ أَوْ عَمَّتَهَا أَوْ خَالَتَهَا أَوْ نَكَحَ امْرَأَةً ثُمَّ مَلَكَ مَنْ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهَا كَأَنْ مَلَكَ أُخْتَهَا حَلَّتْ الْمَنْكُوحَةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ دُونَ الْمَمْلُوكَةِ؛ لِأَنَّ فِرَاشَ النِّكَاحِ أَقْوَى، إذْ يَتَعَلَّقُ بِهِ الطَّلَاقُ وَالظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ وَغَيْرُهَا بِخِلَافِ الْمِلْكِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي مُثْبِتَاتِ الْخِيَارِ بِقَوْلِهِ: (وَتُرَدُّ الْمَرْأَةُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، أَيْ يَثْبُتُ لِلزَّوْجِ خِيَارُ فَسْخِ نِكَاحِهِ. (بِخَمْسَةِ عُيُوبٍ) أَيْ بِوَاحِدٍ مِنْهَا، وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَتُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهَا؛ أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ:(بِالْجُنُونِ) وَإِنْ تَقَطَّعَ وَكَانَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
صِغَرِهَا أَمَّا إذَا بَلَغَتْ وَاخْتَارَتْ دِينَ الْكِتَابِيِّ جَازَ نِكَاحُهَا.
قَوْلُهُ: (كَمَحْرَمٍ) كَبِنْتِ أُخْتِهِ مَعَ عَمَّتِهَا وَكَأُخْتِهِ لِأَبِيهِ مَعَ أُخْتِهَا لِأُمِّهَا، فَإِنَّ عَمَّتَهَا وَأُخْتَهَا لِأُمِّهَا يَحِلَّانِ لَهُ وَإِنْ كَانَ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعَمَّةِ وَبِنْتِ أَخِيهَا وَبَيْنَ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَأُخْتِهَا لِأُمِّهَا فِي النِّكَاحِ. قَوْلُهُ:(نَعَمْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ حُرِّمَتْ الْأُخْرَى حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُولَى.
قَوْلُهُ: (الْحُرَّةَ) قَيَّدَ بِهَا لِصِحَّةِ النِّكَاحِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ نَكَحَ امْرَأَةً) وَكَذَا لَوْ تَقَارَنَ الْمِلْكُ وَالنِّكَاحُ حَلَّتْ الْمَنْكُوحَةُ لِمَا ذَكَرَهُ.
قَوْلُهُ: (دُونَ الْمَمْلُوكَةِ) أَيْ وَإِنْ وُطِئَتْ. قَوْلُهُ: (حَلَّتْ الْمَنْكُوحَةُ إلَخْ) أَيْ مَا دَامَ النِّكَاحُ بَاقِيًا، فَإِنْ طَلَّقَ الْمَنْكُوحَةَ حَلَّتْ الْأُخْرَى. اهـ. ع ش.
قَوْلُهُ: (دُونَ الْمَمْلُوكَةِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَطَأْ الْمَنْكُوحَةَ. وَقَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ حُرِّمَ جَمْعُهُمَا بِنِكَاحٍ حُرِّمَ أَيْضًا فِي الْوَطْءِ بِمِلْكٍ أَوْ مِلْكٍ وَنِكَاحٍ، يَقْتَضِي أَنَّ الْمَمْلُوكَةَ لَا تَحْرُمُ إلَّا إنْ وَطِئَ الْمَنْكُوحَةَ فَلْيُحَرَّرْ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ فِرَاشَ النِّكَاحِ أَقْوَى) أَيْ مِنْ فِرَاشِ الْمِلْكِ وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ نَفْسُهُ أَقْوَى مِنْ النِّكَاحِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا طَرَأَ عَلَى النِّكَاحِ أَبْطَلَهُ؛ وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ بِهِ الرَّقَبَةَ وَالْمَنْفَعَةَ وَالنِّكَاحُ لَا يُمْلَكُ بِهِ إلَّا ضَرْبٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ. قَوْلُهُ:(وَغَيْرُهَا) مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ لُحُوقُ الْوَلَدِ فِيهِ بِالْإِمْكَانِ بِخِلَافِ الْمِلْكِ، وَلَا يُجَامِعُهُ الْحِلُّ لِلْغَيْرِ بِخِلَافِ مِلْكِ الْيَمِينِ ح ل.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ شَرَعَ فِي مُثْبِتَاتِ الْخِيَارِ) شُرُوعٌ فِي التَّرْجَمَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْفَصْلِ السَّابِقِ وَالْمَذْكُورُ مِنْهَا هُنَا قِسْمٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْعُيُوبُ الْمَذْكُورَةُ، وَمِنْهَا خُلْفُ الشَّرْطِ وَخُلْفُ الظَّنِّ فَلَوْ شَرَطَ كَوْنَهَا بَيْضَاءَ فَبَانَتْ سَمْرَاءَ أَوْ كَوْنَهُ أَبْيَضَ فَبَانَ أَسْمَرَ وَكَوْنَ أَحَدِهِمَا جَمِيلًا فَبَانَ قَبِيحًا وَهَكَذَا، فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْخِيَارُ وَهَلْ مِثْلُهُ الْكُحْلُ وَالدَّعَجُ وَالسِّمَنُ وَغَيْرُهَا مِمَّا ذُكِرَ فِي السَّلَم أَوْ لَا. وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ تُقْصَدُ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّمَتُّعُ، وَلَا كَذَلِكَ الرَّقِيقُ لِمَا مَرَّ فِي السَّلَمِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْخِدْمَةُ وَهِيَ لَا تَخْتَلِفُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ فِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ الثَّانِي لِمَا ذُكِرَ فِيهِ. وَمِمَّا يُثْبِتُ الْخِيَارَ عِتْقُهَا تَحْتَ مَنْ بِهِ رِقٌّ وَالْإِعْسَارُ بِالْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْإِعْسَارُ بِالنَّفَقَةِ مُطْلَقًا، وَهُوَ شَامِلٌ لِلْكِسْوَةِ وَالْمَسْكَنِ. وَحَاصِلُ الْعُيُوبِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا أَنَّهَا عَشَرَةٌ تَفْصِيلًا سَبْعَةٌ إجْمَالًا لِعُمُومِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، وَالْعَيْبُ إمَّا مُشْتَرَكٌ وَهُوَ الْجُنُونُ وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ، وَإِمَّا مُخْتَصٌّ بِالزَّوْجِ وَهُوَ الْجَبُّ وَالْعُنَّةُ، أَوْ بِهَا وَهُوَ الرَّتْقُ وَالْقَرَنُ. وَاسْتُشْكِلَ تَصْوِيرُ فَسْخِهَا بِالْعَيْبِ بِأَنَّهَا إنْ عَلِمَتْ بِهِ فَلَا خِيَارَ وَإِلَّا بَطَلَ النِّكَاحُ لِانْتِفَاءِ الْكَفَاءَةِ.
وَأَجَابَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ صُورَتَهُ أَنْ تَأْذَنَ فِي مُعَيَّنٍ غَيْرِ كُفْءٍ وَيُزَوِّجُهَا الْوَلِيُّ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ سَلِيمٌ، فَإِنَّ الْمَذْهَبَ صِحَّةُ النِّكَاحِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ. اهـ. ز ي.
قَوْلُهُ: (خِيَارُ فَسْخِ نِكَاحِهِ) وَفَوَائِدُ الْفَسْخِ ثَلَاثَةٌ: الْأُولَى: أَنَّهُ لَا يُنْقِصُ عَدَدَ الطَّلَاقِ. الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ إذَا عَلِمَ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَفَسَخَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَهَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ نِصْفُ الْمَهْرِ، الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ إذَا وَطِئَهَا وَتَبَيَّنَ بِهَا عَيْبٌ وَفَسَخَ النِّكَاحَ سَقَطَ الْمُسَمَّى وَيَلْزَمُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَوْ طَلَّقَ لَزِمَهُ الْمُسَمَّى ع ش. وَقَوْلُهُ: " وَيَلْزَمُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ " أَيْ وَيَرْجِعُ بِالزَّائِدِ إنْ كَانَ دَفَعَهُ، وَإِذَا أَرَادَ رُجُوعَهَا اُحْتِيجَ لِعَقْدٍ جَدِيدٍ وَصَحَّ رُجُوعُهَا وَلَوْ فِي الْعِدَّةِ وَلَا تَحْتَاجُ إلَى مُحَلِّلٍ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ رَابِعًا، وَهُوَ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا وَإِنْ فَسَخَ بِمُقَارِنٍ لِلْعَقْدِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَلَهَا السُّكْنَى. وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِضَافَةَ فِي قَوْلِهِ:" خِيَارُ فَسْخِ " عَلَى مَعْنَى: " فِي ". وَخَرَجَ بِالزَّوْجِ وَلِيُّهُ وَسَيِّدُهُ فَلَا خِيَارَ لَهُمَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِمَا وَلَا عَارٍ يَلْحَقُهُمَا.
قَوْلُهُ: (بِخَمْسَةِ عُيُوبٍ) كَلَامُهُ فِي الْمُثْبِتَاتِ لِلْخِيَارِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَسَكَتَ عَنْ الْمُثْبِتَاتِ لِلْخِيَارِ إذَا
قَابِلًا لِلْعِلَاجِ. وَالْجُنُونُ زَوَالُ الشُّعُورِ مِنْ الْقَلْبِ مَعَ بَقَاءِ الْحَرَكَةِ وَالْقُوَّةِ فِي الْأَعْضَاءِ. وَاسْتَثْنَى الْمُتَوَلِّي مِنْ الْمُتَقَطِّعِ الْخَفِيفَ الَّذِي يَطْرَأُ فِي بَعْضِ الزَّمَانِ، وَأَمَّا الْإِغْمَاءُ بِالْمَرَضِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ خِيَارٌ كَسَائِرِ الْأَمْرَاضِ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ فِيمَا تَحْصُلُ مِنْهُ الْإِفَاقَةُ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ. أَمَّا الْمَأْيُوسُ مِنْ زَوَالِهِ فَكَالْجُنُونِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي، وَكَذَا إنْ بَقِيَ الْإِغْمَاءُ بَعْدَ رَدِّ الْمَرَضِ فَيَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ كَالْجُنُونِ وَأَلْحَقَ الشَّافِعِيُّ الْخَبَلَ بِالْجُنُونِ. وَالْإِصْرَاعُ نَوْعٌ مِنْ الْجُنُونِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ.
(و) الثَّانِي (الْجُذَامُ) وَهُوَ عِلَّةٌ يَحْمَرُّ مِنْهَا الْعُضْوُ ثُمَّ يَسْوَدُّ ثُمَّ يَتَقَطَّعُ وَيَتَنَاثَرُ. وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي كُلِّ عُضْوٍ، لَكِنَّهُ فِي الْوَجْهِ أَغْلَبُ (و) الثَّالِثُ (الْبَرَصُ) وَهُوَ بَيَاضٌ شَدِيدٌ يُبَقِّعُ الْجِلْدَ وَيُذْهِبُ دَمَوِيَّتَهُ، هَذَا إذَا كَانَا مُسْتَحْكِمَيْنِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ أَوَائِلِ الْجُذَامِ وَالْبَرَصِ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجُوَيْنِيُّ، قَالَ: وَالِاسْتِحْكَامُ فِي الْجُذَامِ يَكُونُ بِالتَّقَطُّعِ، وَتَرَدَّدَ فِيهِ وَجَوَّزَ الِاكْتِفَاءَ بِاسْوِدَادِهِ. وَحَكَمَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِاسْتِحْكَامِ الْعِلَّةِ وَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِي الْجُنُونِ الِاسْتِحْكَامَ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْجُنُونَ يُفْضِي إلَى الْجِنَايَةِ. (و) الرَّابِعُ (الرَّتْقُ) وَهُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمُثَنَّاةِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
شُرِطَتْ فِي الْعَقْدِ وَمِنْهَا الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْبَكَارَةُ: قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَقَطَّعَ) أَيْ وَلَوْ حَدَثَ بَعْدَ الْعَقْدِ وَالدُّخُولِ وَلَوْ كَانَ قَابِلًا لِلْعِلَاجِ.
قَوْلُهُ: (الْخَفِيفِ) كَيَوْمٍ فِي سَنَةٍ فَلَا خِيَارَ بِهِ ق ل. قَوْلُهُ: (بِالْمَرَضِ) لَيْسَ قَيْدًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِغْمَاءَ بِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ إنْ أَيِسَ مِنْ الْإِفَاقَةِ مِنْهُ كَالْجُنُونِ، وَإِلَّا فَلَا وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَأَمَّا الْإِغْمَاءُ بِالْمَرَضِ فَلَا خِيَارَ فِيهِ كَسَائِرِ الْأَمْرَاضِ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ فِيمَا تَحْصُلُ مِنْهُ الْإِفَاقَةُ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، أَمَّا الْمَأْيُوسُ مِنْ زَوَالِهِ فَكَالْجُنُونِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي. وَيَثْبُتُ أَيْضًا بِالْإِغْمَاءِ بِغَيْرِ الْمَرَضِ كَالْجُنُونِ اهـ.
قَوْلُهُ: (أَمَّا الْمَأْيُوسُ مِنْ زَوَالِهِ) وَأَمَّا غَيْرُ الْمَأْيُوسِ مِنْ زَوَالِهِ أَيْ بِأَنْ قَالَ الْأَطِبَّاءُ يَزُولُ بَعْدَ مُدَّةٍ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ الْخِيَارُ وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ، وَلَوْ قِيلَ بِثُبُوتِهِ حِينَئِذٍ لَمْ يَبْعُدْ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ:(وَأَلْحَقَ الشَّافِعِيُّ) فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ صَحَّ الْإِلْحَاقُ مَعَ أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهُ؟ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ نَوْعًا مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَمَالُ اسْتِغْرَاقٍ.
قَوْلُهُ: (الْخَبَلَ بِالْجُنُونِ) فِي الْقَامُوسِ أَنَّ الْخَبَلَ الْجُنُونُ كَمَا فِي م ر، أَيْ نَوْعٌ مِنْهُ؛ ثُمَّ قَالَ م ر: وَلَعَلَّ الْأَوَّلَ أَيْ الْمُلْحِقَ الْخَبَلَ بِالْجُنُونِ لَمَحَ أَنَّ الْجُنُونَ فِيهِ كَمَالُ الِاسْتِغْرَاقِ بِخِلَافِ الْخَبْلِ بِسُكُونِ الْبَاءِ، فَإِنَّهُ ضَرْبٌ مِنْهُ وَهُوَ قِلَّةُ الْعَقْلِ.
قَوْلُهُ: (وَالْإِصْرَاعُ نَوْعٌ مِنْ الْجُنُونِ) فِيهِ أَنَّهُ مِنْ الْجِنِّ. وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: وَالصَّرْعُ مِنْ جُنُونٍ حُكْمُهُ حُكْمُ الْجُنُونِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الصَّرْعَ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جُنُونٍ لَا يَكُونُ عَيْبًا فَلْيُرَاجَعْ. وَفِي الْقَامُوسِ: الصَّرْعُ عِلَّةٌ تَمْنَعُ الْأَعْضَاءَ النَّفْسِيَّةَ عَنْ أَفْعَالِهَا مَنْعًا غَيْرَ تَامٍّ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَالْجُذَامُ) هُوَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَجْرُورٌ، وَغَيَّرَهُ الشَّارِحُ إلَى الرَّفْعِ وَهُوَ مَعِيبٌ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ ق ل. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ:" وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ " أَيْ وَإِنْ كَانَ مِثْلُهَا فِي ذَلِكَ، أَمَّا الْجُنُونُ فَإِنْ كَانَ مِثْلُهَا فَلَا خِيَارَ لَهُ وَلَا لِوَلِيِّهِ وَلَا لَهَا أَيْضًا؛ لَكِنْ يَبْقَى الْخِيَارُ لِوَلِيِّهَا إنْ كَانَ الْجُنُونُ مُقَارِنًا لِلْعَقْدِ إلَى آخَرِ مَا يَأْتِي.
قَوْلُهُ: (وَيَتَنَاثَرُ) هُوَ عَطْفُ مُغَايِرٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَقَطَّعُ وَلَا يَنْفَصِلُ.
قَوْلُهُ: (لَكِنَّهُ فِي الْوَجْهِ أَغْلَبُ) أَيْ وَالْأَطْرَافُ زي.
قَوْلُهُ: (وَالْبَرَصُ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالرَّاءِ قَوْلُهُ وَهُوَ بَيَاضٌ شَدِيدٌ بِحَيْثُ إذَا فُرِكَ لَا يَحْمَرُّ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اسْتِحْكَامُهَا بَلْ يَكْفِي حُكْمُ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِكَوْنِهِ جُذَامًا أَوْ بَرَصًا زي وم ر؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحْكِمًا. وَالِاسْتِحْكَامُ فِي الْبَرَصِ هُوَ وُصُولُهُ إلَى الْعَظْمِ بِحَيْثُ لَوْ فُرِكَ الْعَظْمُ فَرْكًا شَدِيدًا لَا يَحْمَرُّ.
قَوْلُهُ: (مُسْتَحْكِمَيْنِ) بِكَسْرِ الْكَافِ، بِمَعْنَى مُحْكَمَيْنِ، فَالسِّينُ وَالتَّاءُ زَائِدَانِ.
قَوْلُهُ: (وَتَرَدَّدَ فِيهِ) أَيْ فِي كَوْنِ الِاسْتِحْكَامِ يَكُونُ بِالتَّقَطُّعِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ. وَقَوْلُهُ: " وَجَوَّزَ الِاكْتِفَاءَ بِاسْوِدَادِهِ " أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَقَطَّعْ. وَقَوْلُهُ: وَحُكْمُ الْوَاوِ بِمَعْنَى " أَوْ " وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الِاسْتِحْكَامَ قَيْدٌ. وَمِمَّا جُرِّبَ لِلْجُذَامِ دُهْنُ حَبِّ الْعِنَبِ وَمَرَارَةِ النَّسْرِ أَجْزَاءً مُتَسَاوِيَةً وَيُخْلَطَانِ مَعًا وَيُدْلَكُ بِهِمَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ. وَمِمَّا جُرِّبَ لِلْبَرَصِ مَاءُ الْوَرْدِ يُطْلَى بِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَجَوَّزَ الِاكْتِفَاءَ) مُعْتَمَدٌ.
قَوْلُهُ: (بِاسْتِحْكَامِ الْعِلَّةِ) أَيْ مِنْ جُذَامٍ أَوْ بَرَصٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِي الْجُنُونِ الِاسْتِحْكَامَ)
الْفَوْقِيَّةِ انْسِدَادُ الْفَرْجُ بِاللَّحْمِ يَخْرُجُ الْبَوْلُ مِنْ ثُقْبَةٍ صَغِيرَةٍ كَإِحْلِيلِ الرَّجُلِ قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ. (و) الْخَامِسُ (الْقَرَنُ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَذَا الرَّاءُ عَلَى الْأَرْجَحِ انْسِدَادُ الْفَرْجِ بِعَظْمٍ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ بِلَحْمٍ، وَعَلَيْهِ فَالرَّتْقُ وَالْقَرَنُ وَاحِدٌ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِمَقْصُودِ النِّكَاحِ كَالْبَرَصِ وَأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَرَصَ لَا يَمْنَعُهُ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ يُنَفِّرُ مِنْهُ. وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ إجْبَارُهَا عَلَى شَقِّ الْمَوْضِعِ، فَإِنْ شَقَّتْهُ وَأَمْكَنَ الْوَطْءُ فَلَا خِيَارَ وَلَا تُمَكَّنُ الْأَمَةُ مِنْ الشَّقِّ قَطْعًا إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ.
(وَيُرَدُّ الرَّجُلُ أَيْضًا) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، أَيْ يَثْبُتُ لِلْمَرْأَةِ فَسْخُ نِكَاحِهَا مِنْهُ (بِخَمْسَةِ عُيُوبٍ) أَيْ بِوَاحِدٍ مِنْهَا كَمَا مَرَّ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَاسْتِحْكَامُهُ بِأَلَّا يَقْبَلَ الْعِلَاجَ وَعَدَمُ اسْتِحْكَامِهِ أَنْ يَقْبَلَ الْعِلَاجِ، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَهُ الشَّارِحُ غَايَةً فِيمَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: (يُفْضِي إلَى الْجِنَايَةِ) أَيْ غَالِبًا. قَوْلُهُ: (وَالرَّتْقُ وَالْقَرَنُ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا عِنْدَ شَيْخِنَا خِلَافًا لِحَجَرٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَثْبُتُ لِلزَّوْجِ الْخِيَارُ بِعَيْبِ الزَّوْجَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْعَيْبُ مُقَارِنًا لِلْعَقْدِ أَوْ حَدَثَ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ أَوْ حَدَثَ بَعْدَ الْوَطْءِ، وَلَا خِيَارَ لَهُ بِغَيْرِ مَا فِي الْمَتْنِ كَضِيقِ الْمَنْفَذِ وَالْقُرُوحِ السَّيَّالَةِ وَالْبَوْلِ عِنْدَ الْجِمَاعِ وَالْبَخَرِ وَالصُّنَانِ الْمُسْتَحْكِمِ وَالْخُنُوثَةِ الْوَاضِحَةِ قَبْلَ الْعَقْدِ، وَمِثْلُ الْبَوْلِ التَّغَوُّطُ عِنْدَ الْجِمَاعِ وَالْإِنْزَالُ قَبْلَهُ وَالْبَهَقُ، وَأَمَّا الْمَرَضُ الدَّائِمُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ مَعَهُ الْجِمَاعُ وَقَدْ أَيِسَ مِنْ زَوَالِهِ فَهُوَ مِنْ طُرُقِ الْعُنَّةِ وَلَيْسَ قِسْمًا مُسْتَقِلًّا خَارِجًا عَنْهَا، وَحِينَئِذٍ يُفَصَّلُ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِهِ قَبْلَ الْوَطْءِ أَوْ بَعْدَهُ كَمَا ذَكَرَهُ ح ل وَغَيْرُهُ.
وَقَوْلُهُ: " وَأَمَّا الْمَرَضُ الدَّائِمُ " أَيْ الْقَائِمُ بِالزَّوْجِ، وَمِنْهُ مَا لَوْ حَصَلَ لَهُ كِبَرٌ فِي الْأُنْثَيَيْنِ بِحَيْثُ تُغَطِّي الذَّكَرَ بِهِمَا وَصَارَ الذَّكَرُ لَا يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الْأُنْثَيَيْنِ وَلَا يُمْكِنُهُ الْجِمَاعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ، فَيَثْبُتُ لِزَوْجَتِهِ الْخِيَارُ إذَا لَمْ يَسْبِقْ لَهُ وَطْءٌ؛؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ مُقْتَضَى التَّشْبِيهِ بِالْعُنَّةِ وَذَلِكَ حَيْثُ أَيِسَ مِنْ زَوَالِ كِبَرِهِمَا بِقَوْلِ طَبِيبَيْنِ، بَلْ يَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِوَاحِدٍ عَدْلٍ. وَلَوْ قِيلَ فِي هَذِهِ إنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْجَبِّ فَيَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ مُطْلَقًا لَكَانَ مُحْتَمَلًا؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَرَضَ يَمْنَعُ مِنْ احْتِمَالِ الْوَطْءِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَ الْبُرْءُ مُمْكِنًا فِي نَفْسِهِ اُلْتُحِقَ بِالْعُنَّةِ، بِخِلَافِ الْجَبِّ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِي الْعَادَةِ عَوْدُ الذَّكَرِ أَصْلًا اهـ ع ش عَلَى م ر. وَمِمَّا جَرَّبْته لِوَرَمِ الْأُنْثَيَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ لَحْمًا أَوْ رِيحًا أَوْ الرِّيحُ الْمَعْقُودُ: تَأْخُذُ مِنْ الْحُلْبَةِ جُزْءًا وَمِنْ الزِّرْنِيخِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْبَابُونَجُ جُزْءًا ثُمَّ تَغْلِيهِمَا مَعًا، وَيَشْرَبُ الْعَلِيلُ مِنْهُ قَدْرَ فِنْجَانٍ ثُمَّ يَتَعَوَّدُ عَلَى الْبَاقِي فَإِنَّهُ جَيِّدٌ لِكُلِّ وَرَمٍ سَوَاءٌ كَانَ بَارِدًا أَوْ حَارًّا يَفْعَلُ ذَلِكَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، مُجَرَّبٌ مِرَارًا وَحَصَلَ الشِّفَاءُ بِهِ بَعْدَ مُضِيِّ ثَلَاثِينَ سَنَةٍ.
وَقَوْلُهُمْ كَضِيقِ الْمَنْفَذِ أَيْ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يُفْضِيهَا كُلُّ أَحَدٍ، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُفْضِيهَا كُلُّ أَحَدٍ فَلَهُ الْخِيَارُ كَمَا أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ إذَا كَانَ بِحَيْثُ يُفْضِي كُلُّ أَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ، كَذَا عَبَّرُوا بِالْإِفْضَاءِ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ كَالرَّمْلِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ شَرْطًا بَلْ الشَّرْطُ أَنْ يَتَعَذَّرَ دُخُولُ ذَكَرِ مَنْ بَدَنُهُ كَبَدَنِهَا نَحَافَةً وَضِدُّهَا فَرْجُهَا، زَادَ ابْنُ حَجَرٍ: سَوَاءٌ أَدَّى لِإِفْضَائِهَا أَوْ لَا، فَيُحَرَّر ذَلِكَ وَلْيَنْظُرْ مَا مَعْنَى التَّعَذُّرُ. وَالْإِفْضَاءُ رَفْعُ مَا بَيْنَ قُبُلِهَا وَدُبُرِهَا وَقِيلَ رَفْعُ مَا بَيْنَ مَدْخَلِ الذَّكَرِ وَمَخْرَجِ الْبَوْلِ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَعْرِيفِهِ وَمِنْ الْقُرُوحِ السَّيَّالَةِ الْمَرَضُ الْمُسَمَّى بِالْمُبَارَكِ وَالْمُسَمَّى بِالْحَكَّةِ فَلَا خِيَارَ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (وَيَخْرُجُ الْبَوْلُ مِنْ ثُقْبَةٍ) لَا حَاجَةَ لِهَذَا؛ لِأَنَّ مَخْرَجَ الْبَوْلِ غَيْرُ مَدْخَلِ الذَّكَرِ، وَلَعَلَّ الشَّارِحَ عَزَاهُ لِيَخْرُجَ مِنْ عُهْدَتِهِ ق ل. قَالَ سم: وَيُشْتَرَطُ فِي الرَّدِّ بِسَائِرِ الْعُيُوبِ الْمَذْكُورَةِ كَوْنُ الرَّادِّ جَاهِلًا بِالْعَيْبِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَلَا رَدَّ لِلْعَالِمِ بِهِ حِينَئِذٍ إلَّا الْعُنَّةَ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْعِلْمِ بِهِ صُدِّقَ الْمُنْكِرُ بِيَمِينِهِ، أَوْ فِي أَنَّ هَذَا عَيْبٌ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ خَبِيرَيْنِ بِالطِّبِّ، وَكَوْنُ الرَّدِّ عَلَى الْفَوْرِ كَخِيَارِ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ وَلَا يُنَافِيهِ ضَرْبُ الْمُدَّةِ.
قَوْلُهُ: (كَإِحْلِيلِ الرَّجُلِ) أَيْ ذَكَرِهِ.
قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى هَذَا الْقِيلِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِمَقْصُودِ النِّكَاحِ) مَا لَمْ يَزُلْ وَلَوْ بِفِعْلِ غَيْرِهَا، وَلَا تُجْبَرُ عَلَى إزَالَتِهِ لِتَضَرُّرِهَا.
قَوْلُهُ: (عَلَى شَقِّ الْمَوْضِعِ) أَيْ حَيْثُ كَانَتْ بَالِغَةً وَلَوْ سَفِيهَةً، أَمَّا الصَّغِيرَةُ فَيَنْبَغِي أَنَّ لِوَلِيِّهَا ذَلِكَ حَيْثُ رَأَى فِيهِ الْمَصْلَحَةَ وَلَا حَظْرَ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي قَطْعِ السِّلْعَةِ. اهـ. ع ش.
قَوْلُهُ: (إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ) ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ قَدْ يُؤَدِّي إلَى نَقْصِ قِيمَتِهَا ق ل وع ش.
قَوْلُهُ: (أَيْ يَثْبُتُ لِلْمَرْأَةِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْعَيْبُ مُقَارِنًا لِلْعَقْدِ أَوْ حَدَثَ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ أَوْ بَعْدَ الْوَطْءِ فِي غَيْرِ الْعُنَّةِ،
وَأَشَارَ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهَا بِقَوْلِهِ: (بِالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ) عَلَى مَا مَرَّ بَيَانًا وَتَحْرِيرًا فِي كُلٍّ مِنْهَا. (و) الرَّابِعُ (الْجَبُّ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ قَطْعُ جَمِيعِ الذَّكَرِ مَعَ بَقَاءِ الْأُنْثَيَيْنِ أَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ قَدْرُ الْحَشَفَةِ، أَمَّا إذَا بَقِيَ مِنْهُ مَا يُولِجُ قَدْرَهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا عَلَى الْأَصَحِّ، فَلَوْ تَنَازَعَا فِي إمْكَانِ الْوَطْءِ بِهِ قُبِلَ قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَخَرَجَ بِهِ الْخَصِيُّ وَهُوَ مَنْ قُلِعَتْ أُنْثَيَاهُ وَبَقِيَ ذَكَرَهُ، فَلَا خِيَارَ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْجِمَاعِ؛ قَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ فِي شَرْحِ الْحَاوِي: وَيُقَالُ إنَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْزِلُ فَلَا يَعْتَرِيهِ فُتُورٌ. (و) الْخَامِسُ (الْعُنَّةُ) فِي الْمُكَلَّفِ قَبْلَ الْوَطْءِ فِي قُبُلِهَا وَهُوَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ عِلَّةٌ فِي الْقَلْبِ وَالْكَبِدِ أَوْ الدِّمَاغِ أَوْ الْآلَةِ تُسْقِطُ الشَّهْوَةَ النَّاشِرَةَ لِلْآلَةِ فَتَمْنَعُ الْجِمَاعَ. وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْمُكَلَّفِ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ، فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْعُنَّةِ فِي حَقِّهِمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِ الزَّوْجِ أَوْ بِيَمِينِهَا بَعْدَ نُكُولِهِ وَإِقْرَارِهِمَا لَغْوٌ. وَبِقَيْدِ قَبْلَ الْوَطْءِ الْعُنَّةُ الْحَادِثَةُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
أَمَّا هِيَ إذَا حَدَثَتْ بَعْدَهُ فَلَا خِيَارَ كَمَا يَأْتِي. وَأَمَّا حُكْمُ وَلِيِّهَا فَسَيَأْتِي فِي الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ) وَإِنْ تَمَاثَلَا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَعَافُ مِنْ غَيْرِهِ مَا لَا يَعَافُ مِنْ نَفْسِهِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (بَيَانًا) أَيْ تَعْرِيفًا. وَقَوْلُهُ: " وَتَحْرِيرًا " أَيْ مِنْ كَوْنِ الِاسْتِحْكَامِ شَرْطًا فِي الْجُذَامِ وَالْبَرَصِ عَلَى طَرِيقَتِهِ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فِي الْجُنُونِ، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَقَوْلُهُ:" عَلَى مَا مَرَّ " خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ وَهِيَ كَائِنَةٌ عَلَى مَا مَرَّ. وَبَيَانًا وَتَحْرِيرًا مَنْصُوبَانِ عَلَى التَّمْيِيزِ الْمُحَوَّلِ عَنْ الْمَرْفُوعِ، أَيْ مَرَّ بَيَانُهُ وَتَحْرِيرُهُ. قَوْلُهُ:(وَالرَّابِعُ الْجَبُّ) نَعَمْ لَوْ وَجَدَتْهُ مَجْبُوبًا لَكِنَّهَا رَتْقَاءُ فَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ جَمَاعَاتٍ ثُبُوتُ الرَّدِّ لِفَوَاتِ التَّمَتُّعِ الْمَقْصُودِ مِنْ النِّكَاحِ، وَعَنْ الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ حَكَى طَرِيقًا آخَرَ أَنَّهُ لَا فَسْخَ قَطْعًا؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ فُسِخَتْ لَمْ تَصِلْ إلَى الْوَطْءِ سم.
قَوْلُهُ: (أَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ قَدْرُ الْحَشَفَةِ) أَيْ حَشَفَةُ ذَكَرِهِ، وَلَوْ حَدَثَ بِهِ جَبٌّ فَرَضِيَتْ بِهِ فَحَدَثَ بِهَا رَتْقٌ أَوْ قَرَنٌ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ وَيُحْتَمَلُ عَدَمُهُ لِقِيَامِ الْمَانِعِ بِهِ رَمْلِيٌّ. وَقَوْلُهُ:" لِفَوَاتِ التَّمَتُّعِ " الْمَقْصُودِ أَخْرَجَ التَّمَتُّعَ بِنَحْوِ لَمْسٍ وَنَظَرٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مَقْصُودَيْنِ مِنْ النِّكَاحِ لِذَاتِهِمَا، فَلَوْ بَقِيَ مِنْهُ قَدْرُ الْحَشَفَةِ وَلَكِنْ عَجَزَ بِهِ عَنْ الْوَطْءِ، فَهُوَ مِثْلُ الْعُنَّةِ فَتُضْرَبُ لَهُ الْمُدَّةُ وَتُعْتَبَرُ حَشَفَتُهُ بِأَقْرَانِهِ فِي غَيْرِ مَقْطُوعِهَا وَيُعْتَبَرُ فِيهِ حَشَفَتُهُ وَإِنْ جَاوَزَتْ الْعَادَةَ فِي الْكِبَرِ وَالصِّغَرِ، وَيُصَدَّقُ هُوَ فِي بَقَاءِ قَدْرِهَا لَوْ أَنْكَرَتْهُ. وَقَوْلُهُ:" حَشَفَةُ ذَكَرِهِ " أَيْ كَبُرَتْ أَوْ صَغُرَتْ، حَتَّى لَوْ كَانَ الْبَاقِي مِنْ ذَكَرِهِ قَدْرُ حَشَفَةٍ مُعْتَدِلَةٍ أَوْ أَكْثَرُ لَكِنْ دُونَ حَشَفَتِهِ أَوْ صَغُرَتْ حَشَفَتُهُ جِدًّا وَكَانَ الْبَاقِي قَدْرَهَا دُونَ الْمُعْتَدِلَةِ فَلَا خِيَارَ، وَبَقِيَ مَا لَوْ ثَنَى ذَكَرَهُ مَعَ انْتِشَارِهِ وَأَدْخَلَ مِنْهُ قَدْرَ الْحَشَفَةِ فَهَلْ يَكْفِي ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهَا الْفَسْخُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِقَدْرِهَا مَعَ وُجُودِهَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي اهـ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (قَدْرُهَا) بِرَفْعِ قَدْرِ بَدَلًا مِنْ مَا الْوَاقِعُ فَاعِلًا لِقَوْلِهِ: " بَقِيَ " أَيْ إنْ بَقِيَ قَدْرٌ يُولَجُ وَأَمْكَنَ وَطْؤُهُ بِهِ.
قَوْلُهُ: (فِي إمْكَانِ الْوَطْءِ بِهِ) أَيْ فِيمَا يُولَجُ قَدْرُهَا.
قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِهِ) أَيْ بِالْمَجْبُوبِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْجَبِّ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَخَرَجَ بِهِ أَيْ الْجَبُّ الْخِصَاءُ.
قَوْلُهُ: (فَلَا خِيَارَ بِهِ) أَيْ بِالْخِصَاءِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْخَصِيِّ.
قَوْلُهُ: (الْعُنَّةُ) أَيْ الْعَجْزُ عَنْ الْوَطْءِ وَلَوْ بِالنِّسْبَةِ لَهَا مُطْلَقًا، أَوْ لِكَوْنِهَا بِكْرًا دُونَ غَيْرِهَا وَإِنْ حَصَلَ بِمَرَضٍ يَدُومُ سم.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ) الْأَوْلَى: " وَهِيَ " إلَّا أَنْ تُؤَوَّلَ الْعُنَّةُ بِالْمَرَضِ أَوْ بِكَوْنِهَا خَامِسَ الْعُيُوبِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورَ مِنْ دَعْوَى الْعُنَّةِ.
قَوْلُهُ: (وَإِقْرَارُهُمَا لَغْوٌ) أَيْ وَالدَّعْوَى عَلَيْهِمَا غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ، فَلَيْسَ هُنَاكَ يَمِينٌ مَرْدُودَةٌ.
قَوْلُهُ: (وَبِقَيْدِ قَبْلَ الْوَطْءِ الْعُنَّةُ الْحَادِثَةُ بَعْدَهُ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: أَمَّا بَعْدَ الْوَطْءِ فَلَا خِيَارَ لَهَا بِالْعُنَّةِ؛ لِأَنَّهَا مَعَ رَجَاءِ زَوَالِهَا عَرَفَتْ قُدْرَتَهُ عَلَى الْوَطْءِ وَوَصَلَتْ إلَى حَقِّهَا مِنْهُ بِخِلَافِ الْجَبِّ اهـ. وَقَوْلُهُ: عَرَفَتْ قُدْرَتَهُ عَلَى الْوَطْءِ وَوَصَلَتْ إلَخْ ". إنْ قُلْت هَذَا التَّعْلِيلَ يَأْتِي فِي الْمَجْبُوبِ إذَا كَانَ الْجَبُّ بَعْدَ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ عَرَفَتْ قُدْرَتَهُ عَلَى الْوَطْءِ وَوَصَلَتْ إلَى حَقِّهَا، فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ فِي الْمَجْبُوبِ إلَّا إذَا جَبَّ قَبْلَ الْوَطْءِ مَعَ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ مُطْلَقًا. فَالْجَوَابُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ مَعَ رَجَاءِ زَوَالِهَا أَيْ الْعُنَّةِ فِي الْعِنِّينِ، بِخِلَافِ الْمَجْبُوبِ فَلَا يَرْجُو زَوَالَ عِلَّتِهِ؛ أَفَادَهُ شَيْخُنَا: وَقَوْلُهُ: " قَبْلَ الْوَطْءِ " بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرُوهُ فِي التَّحْلِيلِ، فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَلَا يَزُولُ حُكْمُ
بَعْدَهُ وَلَوْ مَرَّةً، بِخِلَافِ حُدُوثِ الْجَبِّ بَعْدَ الْوَطْءِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ خِيَارُ الْفَسْخِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ. وَفَرَّقَ بِتَوَقُّعِ زَوَالِ الْعُنَّةِ بِحُصُولِ الشِّفَاءِ وَعَوْدِ الدَّاعِيَةِ لِلِاسْتِمْتَاعِ فَهِيَ مُتَرَجِّيَةٌ لِحُصُولِ مَا يُعِفُّهَا بِخِلَافِ الْجَبِّ لِيَأْسِهَا مِنْ تَوَقُّعِ حُصُولِ مَا يُعِفُّهَا.
تَنْبِيهٌ: ثُبُوتُ الْخِيَارِ بِهَذِهِ الْعُيُوبِ قَالَ بِهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَجَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ، وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ؛ وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَعَوَّلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ. وَفِي الصَّحِيحِ:«فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَك مِنْ الْأَسَدِ» . قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: وَأَمَّا الْجُذَامُ وَالْبَرَصُ فَإِنَّهُ أَيْ كُلًّا مِنْهُمَا يُعْدِي الزَّوْجَ وَيُعْدِي الْوَلَدَ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الْجُذَامُ وَالْبَرَصُ مِمَّا يَزْعُمُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالطِّبِّ وَالتَّجَارِبِ أَنَّهُ يُعْدِي كَثِيرًا، وَهُوَ مَانِعٌ لِلْجِمَاعِ لَا تَكَادُ النَّفْسُ أَنْ تَطِيبَ أَنْ تُجَامِعَ مَنْ هُوَ بِهِ، وَالْوَلَدُ قَلَّمَا يَسْلَمُ مِنْهُ وَإِنْ سَلِمَ أَدْرَكَ نَسْلَهُ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّهُ يُعْدِي وَقَدْ صَحَّ فِي الْحَدِيثِ: «لَا عَدْوَى» ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ أَنْ يُعْدِيَ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِنَفْسِهِ، وَالْحَدِيثُ وَرَدَ رَدًّا لِمَا يَعْتَقِدُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ نِسْبَةِ الْفِعْلِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَلَوْ حَدَثَ بِالزَّوْجِ بَعْدَ الْعَقْدِ عَيْبٌ كَأَنْ جَبَّ ذَكَرُهُ وَلَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ وَلَوْ بِفِعْلِهَا ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ، بِخِلَافِ حُدُوثِ الْعُنَّةِ بَعْدَ الدُّخُولِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَإِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ. وَلَوْ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ تَخَيَّرَ الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْعُنَّةِ إلَّا بِالِافْتِضَاضِ بِآلَتِهِ. اهـ. س ل ق ل.
قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ حُدُوثِ الْجَبِّ) فَيَتَخَيَّرُ بِهِ، وَمِثْلُهُ حُدُوثُ الرَّتْقِ فِيهَا وَالْقَرَنِ بَعْدَ الْوَطْءِ فَيَتَخَيَّرُ بِهِ. قَوْلُهُ:(وَصَحَّ ذَلِكَ) أَيْ مَجِيءُ الْآثَارِ بِهِ.
قَوْلُهُ: (رَوَاهُ) أَيْ الثُّبُوتُ الْمَذْكُورُ.
قَوْلُهُ: (وَعَوَّلَ عَلَيْهِ) أَيْ اعْتَمَدَ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ عُمَرَ وَالشَّافِعِيُّ مُجْتَهِدٌ وَالْمُجْتَهِدُ لَا يُقَلِّدُ مِثْلَهُ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ عَدَمَ التَّقْلِيدِ فِيمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ الرَّأْيِ لَا مَا كَانَ عَنْ تَوْقِيفٍ أَيْ سَمَاعٍ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ نَحْوِهِ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ لِيَشْرَحَ بِهِ مُسْتَنَدَ التَّوْقِيفِ وَذَكَرَ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ لِيُظْهِرَ بِهِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَعْقُولِ الْمَعْنَى لَا مِنْ التَّعَبُّدِيِّ وَإِنْ كَانَ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ ق ل.
قَوْلُهُ: (وَفِي الصَّحِيحِ) أَيْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: «فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ» الْحَدِيثَ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِمَجْذُومِ وَفْدِ ثَقِيفٍ: ارْجِعْ فَقَدْ بَايَعْنَاك» وَفِي الْمَرْفُوعِ: «لَا تُدِيمُوا النَّظَرَ إلَى الْمَجْذُومِينَ» . وَجَاءَ: «كَلِّمْ الْمَجْذُومَ وَبَيْنَك وَبَيْنَهُ قَدْرُ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ» وَهَذَا مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ» ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا أَرَادُوا فِعْلَ شَيْءٍ كَسَفَرِ مَثَلًا يُطَيِّرُونَ الطَّيْرَ، فَإِنْ طَارَ عَلَى الْيَمِينِ يَتَفَاءَلُونَ بِهِ، وَإِنْ طَارَ عَلَى الشِّمَالِ يَتَشَاءَمُونَ بِهِ. وَبِمَا جَاءَ فِي أَحَادِيثَ «بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ مَعَ الْمَجْذُومِ طَعَامًا وَأَخَذَ بِيَدِهِ وَجَعَلَهَا مَعَهُ فِي الْقَصْعَةِ وَقَالَ: كُلْ بِسْمِ اللَّهِ ثِقَةً بِاَللَّهِ وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ» . وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِاجْتِنَابِ الْمَجْذُومِ إرْشَادِيٌّ وَمُوَاكَلَتِهِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَجَوَازُ الْمُخَالَطَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ قَوِيَ إيمَانُهُ وَعَدَمُ جَوَازِهَا عَلَى مَنْ ضَعُفَ إيمَانُهُ؛ وَمِنْ ثَمَّ بَاشَرَ صلى الله عليه وسلم الصُّورَتَيْنِ لِيُقْتَدَى بِهِ فَيَأْخُذَ الْقَوِيُّ الْإِيمَانِ بِطَرِيقِ التَّوَكُّلِ وَالضَّعِيفُ الْإِيمَانِ بِطَرِيقِ الْحِفْظِ وَالِاحْتِيَاطِ كَمَا ذَكَرَهُ ح ل فِي سِيرَتِهِ.
قَوْلُهُ: (وَالتَّجَارِبِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ جَمْعُ تَجْرِبَةٍ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ جَرَّبْت الشَّيْءَ تَجْرِيبًا اخْتَبَرْته مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَالِاسْمُ التَّجْرِبَةُ وَالْجَمْعُ التَّجَارِبُ مِثْلُ الْمَسَاجِدِ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ حَدَثَ بِالزَّوْجِ بَعْدَ الْعَقْدِ عَيْبٌ) هَذَا تَقَدَّمَ، وَأَتَى بِهِ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ:(عَيْبٌ) أَيْ مِنْ الْخَمْسَةِ. وَقَوْلُهُ: " وَلَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ " غَايَةٌ فِيمَا عَدَا الْعُنَّةِ.
قَوْلُهُ: (قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَعْمِيمٌ فِي الْحُدُوثِ لَا فِي التَّخْيِيرِ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ مُسَلَّمًا، فَكَانَ الْأَنْسَبُ لِلشَّارِحِ تَقْدِيمَهُ عَلَى قَوْلِهِ تَخَيَّرَ. قَوْلُهُ:(بِمُقَارِنِ جَبٍّ) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ، أَيْ بِجَبٍّ مُقَارِنٍ وَعُنَّةٍ مُقَارِنَةٍ لِلْعَقْدِ، فَإِذَا زَوَّجَهَا فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مَجْبُوبٌ أَوْ عِنِّينٌ حَالَةَ الْعَقْدِ فَلَا خِيَارَ لِلْوَلِيِّ بَلْ الْخِيَارُ لَهَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا فِي ذَلِكَ وَلَا حَقَّ لِلْوَلِيِّ فِيهِ؛ قَالَ الْعَلَّامَةُ الزِّيَادِيُّ: وَاسْتُشْكِلَ تَصْوِيرُ مُقَارَنَةِ الْعُنَّةِ لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ إلَّا بَعْدَهُ. وَأُجِيبَ
وَبَعْدَهُ كَمَا لَوْ حَدَثَ بِهِ، وَلَا خِيَارَ لِوَلِيٍّ بِحَادِثٍ وَكَذَا بِمُقَارِنِ جَبٍّ وَعُنَّةٍ لِلْعَقْدِ، وَيَتَخَيَّرُ بِمُقَارِنِ جُنُونِ الزَّوْجِ وَإِنْ رَضِيَتْ الزَّوْجَةُ بِهِ، وَكَذَا بِمُقَارِنِ جُذَامٍ وَبَرَصٍ فِي الْأَصَحِّ لِلْعَارِ. وَالْخِيَارُ فِي الْفَسْخِ بِهَذِهِ الْعُيُوبِ إذَا ثَبَتَتْ يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ؛ لِأَنَّهُ خِيَارُ عَيْبٍ، فَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَيُشْتَرَطُ فِي الْفَسْخِ بِعَيْبِ الْعُنَّةِ، وَكَذَا بَاقِي الْعُيُوبِ رَفْعٌ إلَى حَاكِمٍ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَأَشْبَهَ الْفَسْخَ بِالْإِعْسَارِ. وَتَثْبُتُ الْعُنَّةُ بِإِقْرَارِ الزَّوْجِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ عَلَى إقْرَارِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَطْلَعَ لِلشُّهُودِ عَلَيْهَا، وَتَثْبُتُ أَيْضًا بِيَمِينِهَا بَعْدَ نُكُولِهِ، وَإِذَا ثَبَتَتْ ضَرَبَ الْقَاضِي لَهُ سَنَةً كَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِطَلَبِ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا، فَإِذَا تَمَّتْ رَفَعَتْهُ إلَى الْقَاضِي، فَإِنْ قَالَ: وَطِئْتُ حَلَفَ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ وَاسْتَقَلَّتْ بِالْفَسْخِ كَمَا يَسْتَقِلُّ بِالْفَسْخِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
بِإِمْكَانِ تَصْوِيرِهَا بِمَا إذَا تَزَوَّجَهَا وَعَنَّ عَنْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَأَرَادَ تَجْدِيدَ نِكَاحِهَا.
قَوْلُهُ: (وَيَتَخَيَّرُ) أَيْ الْوَلِيُّ بَعْدَ الْعَقْدِ وَلَوْ سَيِّدًا فِي أَمَتِهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ رَضِيَتْ الزَّوْجَةُ بِهِ) أَيْ بَعْدَ الْعَقْدِ أَمَّا لَوْ رَضِيَتْ بِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ وَهِيَ غَيْرُ مُجْبَرَةٍ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْخِيَارُ حَرَّرَهُ ح ل. وَفِي ع ش عَلَى م ر: وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ بَالِغَةً رَشِيدَةً كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَإِنْ رَضِيَتْ؛ لِأَنَّ رِضَا غَيْرِهَا لَا أَثَرَ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَالْخِيَارُ إلَخْ) وَكَذَا الرَّفْعُ لِلْقَاضِي عِنْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهَا فَوْرِيٌّ أَيْضًا كَمَا فِي م ر. قَوْلُهُ: (إذَا ثَبَتَتْ) أَيْ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مُشَاهَدَتِهَا فِي غَيْرِ الْعُنَّةِ أَوْ الْإِقْرَارِ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعُنَّةِ أَوْ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ الْإِقْرَارِ لَا بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مُشَاهَدَتِهَا، إذْ لَا يُشَاهَدُ، بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْعُيُوبِ فَإِنَّهَا تُشَاهَدُ فَتُقَامُ الْبَيِّنَةُ عَلَى مُشَاهَدَتِهَا. اهـ. شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (رَفْعٌ إلَى حَاكِمٍ) أَيْ وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى ثُبُوتِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْعُيُوبِ، وَمِثْلُ الْقَاضِي الْمُحَكِّمُ بِشَرْطِهِ حَيْثُ نَفَّذَ حُكْمَهُ بِأَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا عِنْدَ فَقْدِ الْقَاضِي وَلَوْ قَاضِيًا ضَرُورَةً كَمَا فِي شَرْحِ م ر وع ش عَلَيْهِ. قَالَ الزِّيَادِيُّ: وَقَدْ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهَا بِالْعُنَّةِ أَيْ الْمُقَارِنَةِ لِلْعَقْدِ، وَالزَّوْجُ مُكَلَّفٌ، بِأَنْ نَكَحَ حُرٌّ أَمَةً بِشَرْطِهِ لِلُزُومِ الدَّوْر، إذْ سَمَاعُهَا يَسْتَلْزِمُ بُطْلَانَ النِّكَاحِ وَبُطْلَانُهُ يَسْتَلْزِمُ بُطْلَانُ دَعْوَاهَا اهـ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ) بِفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ صَادِرٌ مِنْ مُجْتَهِدٍ.
قَوْلُهُ: (بِإِقْرَارِ الزَّوْجِ) أَيْ عِنْدَ الْحَاكِمِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ الْفَسْخُ لِلْعُيُوبِ. وَقَوْلُهُ: " لَا مَطْلَعَ " بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ وَسُكُونِ الطَّاءِ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ، أَيْ لَا اطِّلَاعَ، فَسَاوَى تَعْبِيرَ غَيْرِهِ بِلَا اطِّلَاعٍ؛ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: لَا بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَطْلَعَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (بِيَمِينِهَا) أَيْ اعْتِمَادًا عَلَى قَرِينَةٍ. قَوْلُهُ: (ضَرَبَ الْقَاضِي إلَخْ) وَلَوْ غَيْرُ الَّذِي أَثْبَتَ عُنَّتُهُ. وَفِي ع ش عَلَى م ر مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ ضَرَبَ الْقَاضِي لَهُ سَنَةً هَلْ وَلَوْ أَخْبَرَهُ مَعْصُومٌ بِأَنَّهُ عَجْزٌ خُلُقِيٌّ تَوَقَّفَ سم، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ضَرْبِ السَّنَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَنَاطَ الْحُكْمَ بِهَا لَكِنَّ الْمَعْصُومَ وَاجِبُ التَّصْدِيقِ، فَالْأَقْرَبُ عَدَمُ ضَرْبِ السَّنَةِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ أَخْبَرَهُ مَعْصُومٌ بِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ نَاقِضٌ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْأَخْذِ بِخَبَرِهِ؛ اهـ بِحُرُوفِهِ.
قَوْلُهُ: (سَنَةً) سَوَاءٌ الْحُرُّ وَالرَّقِيقُ وَابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ ضَرْبِ الْحَاكِمِ ق ل. وَعِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ: وَابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ الضَّرْبِ لَا الثُّبُوتِ بِخِلَافِ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ فَإِنَّهَا مِنْ وَقْتِ الْحَلِفِ لِلنَّصِّ، وَتُعْتَبَرُ السَّنَةُ بِالْأَهِلَّةِ كَمَا فِي م ر.
قَوْلُهُ: (كَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَتَابَعَهُ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ، وَقَالُوا: تَعَذُّرُ الْجِمَاعِ قَدْ يَكُونُ لِعَارِضِ حَرَارَةٍ فَتَزُولُ فِي الشِّتَاءِ أَوْ بُرُودَةٍ فَتَزُولُ فِي الصَّيْفِ أَوْ يُبُوسَةٍ فَتَزُولُ فِي الرَّبِيعِ أَوْ رُطُوبَةٍ فَتَزُولُ فِي الْخَرِيفِ فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ وَلَمْ يَطَأْ عَلِمْنَا أَنَّهُ عَجْزٌ خُلُقِيٌّ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: " قَدْ يَكُونُ لِعَارِضِ حَرَارَةٍ " فِيهِ اكْتِفَاءٌ بِإِحْدَى صِفَتَيْ كُلِّ فَصْلٍ عَنْ الثَّانِيَةِ فِيهِ، إذْ فِي الصَّيْفِ مَعَ الْحَرَارَةِ الْيُبُوسَةُ وَفِي الشِّتَاءِ مَعَ الْبُرُودَةِ الرُّطُوبَةُ وَفِي الرَّبِيعِ مَعَ الرُّطُوبَةِ الْحَرَارَةُ وَفِي الْخَرِيفِ مَعَ الْبُرُودَةِ الْيُبُوسَةُ. وَاقْتِصَارُهُمْ عَلَى الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لِمُضَادَّتِهَا لِبَعْضِهَا فَالْيُبُوسَةُ فِي الصَّيْفِ وَالرُّطُوبَةُ فِي الشِّتَاءِ ضِدَّانِ وَالْحَرَارَةُ فِي الرَّبِيعِ وَالْبُرُودَةُ فِي الْخَرِيفِ ضِدَّانِ وَإِنْ كَانَ لِشُهْرَتِهَا، فَالْحَرَارَةُ فِي الرَّبِيعِ وَالْبُرُودَةُ فِي الْخَرِيفِ أَشْهَرُ، فَلَوْ ذَكَرُوا فِي كُلِّ فَصْلٍ صِفَتَهُ لَكَانَ أَوْلَى وَأَشْهَرُ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (بِطَلَبِ الزَّوْجَةِ) فَلَوْ سَكَتَتْ لِجَهْلٍ أَوْ دَهْشَةٍ فَلَا بَأْسَ بِتَنْبِيهِهَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ وُجُوبِ ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِتَقْصِيرِهَا بِعَدَمِ الْبَحْثِ كَمَا قَالَهُ ع ش عَلَى م ر. وَيَكْفِي فِي طَلَبِهَا قَوْلُهَا إنِّي طَالِبَةٌ حَقِّي مِنْ ضَرْبِ الْمُدَّةِ وَالتَّخْيِيرُ عَلَى مُوجَبِ الشَّرْعِ أَيْ مَا أَوْجَبَهُ الشَّارِعُ.
قَوْلُهُ: (رَفَعَتْهُ إلَى الْقَاضِي) أَيْ فَوْرًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، فَإِنْ ادَّعَتْ جَهْلَ الْفَوْرِيَّةِ عُذِرَتْ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى اهـ. ح ل. وَعِبَارَةُ ق ل: وَالْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ أَيْ لِمَنْ عَلِمَ بِهِ وَبِفَوْرِيَّتِهِ وَيُعْذَرُ مِنْ جَهِلَهُمَا
مَنْ وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا.
خَاتِمَةٌ: حَيْثُ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي الْإِصَابَةِ كَانَ الْمُصَدَّقُ نَافِيهَا أَخْذًا بِالْأَصْلِ إلَّا فِي مَسَائِلَ: الْأُولَى: الْعِنِّينُ كَمَا مَرَّ. الثَّانِيَةُ: الْمَوْلَى وَهُوَ كَالْعِنِّينِ فِي أَكْثَرِ مَا ذُكِرَ الثَّالِثَةُ: إذَا ادَّعَتْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا أَنَّ الْمُحَلِّلَ وَطِئَهَا وَفَارَقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَأَنْكَرَ الْمُحَلِّلُ الْوَطْءَ، فَتُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا لِحَلِّهَا لِلْأَوَّلِ. الرَّابِعَةُ: إذَا عُلِّقَ طَلَاقُهَا بِعَدَمِ الْوَطْءِ فَادَّعَاهُ وَأَنْكَرَتْهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ. وَذَكَرْتُ صُوَرًا أُخْرَى فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ مَنْ أَرَادَهَا فَلْيُرَاجِعْهُ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَأَمْكَنَ وَلَوْ مُخَالِطًا لَنَا اهـ. وَعِبَارَةُ م ر: وَيُقْبَلُ دَعْوَاهُ الْجَهْلَ بِأَصْلِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ أَوْ بِفَوْرِيَّتِهِ إنْ أَمْكَنَ أَنْ لَا يَكُونَ مُخَالِطًا لِلْعُلَمَاءِ وَالْمُرَادُ بِالْعُلَمَاءِ هُنَا مَنْ يَعْرِفُ هَذَا الْحُكْمَ وَإِنْ جَهِلَ غَيْرَهُ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَالَ وُطِئَتْ) أَيْ وَهِيَ ثَيِّبٌ كَمَا فِي مَتْنِ الْمَنْهَجِ أَوْ بِكْرٌ غَوْرَاءُ كَمَا قَالَهُ ح ل، وَمَا قَالَهُ ح ل ضَعِيفٌ تَبِعَ فِيهِ زي. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ بِكْرًا وَلَوْ غَوْرَاءَ شَهِدَ بِبَكَارَتِهَا أَرْبَعُ نِسْوَةٍ تَحْلِفُ أَنَّهُ لَمْ يَطَأْ دُونَهُ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ م ر فِي شَرْحِهِ آخِرًا، وَضَرَبَ عَلَى غَيْرِ غَوْرَاءَ فِي نُسْخَتِهِ وَالْغَوْرَاءُ هِيَ بَعِيدَةُ الْبَكَارَةِ.
قَوْلُهُ: (وَاسْتَقَلَّتْ بِالْفَسْخِ) لَكِنْ بَعْدَ قَوْلِ الْقَاضِي ثَبَتَتْ عُنَّتُهُ عِنْدِي أَوْ ثَبَتَ حَقُّ الْفَسْخِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الْقَاضِي فَلَهَا الْفَسْخُ وَحَيْثُ وَقَعَ الْفَسْخُ فَإِنْ كَانَ بِحَادِثٍ بَعْدَ الْوَطْءِ وَجَبَ الْمُسَمَّى وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ ق ل. وَقَوْلُهُ " ثَبَتَتْ عُنَّتُهُ " وَلَا يُشْتَرَطُ قَوْلُ الْقَاضِي حَكَمْتُ بِالْفَسْخِ كَمَا فِي زي، وَعِبَارَتُهُ: وَبَحَثَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَكَمْتُ؛ لِأَنَّ الثُّبُوتَ بِغَيْرِ حُكْمٍ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى تَحَقُّقِ السَّبَبِ وَقَدْ وُجِدَ.
فَرْعٌ: لَا نَفَقَةَ لِلْمَفْسُوخِ نِكَاحُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الْعِدَّةِ إنْ كَانَتْ حَائِلًا أَوْ حَامِلًا لِانْقِطَاعِ أَثَرِ النِّكَاحِ، وَلَهَا السُّكْنَى؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ عَنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ تَحْصِينًا لِلْمَاءِ. اهـ. س ل.
قَوْلُهُ: (إلَّا فِي مَسَائِلَ) ذَكَرَ الشَّارِحُ مِنْهَا أَرْبَعَةً.
قَوْلُهُ: (فِي أَكْثَرِ مَا ذُكِرَ) أَيْ فِي أَكْثَرِ صُوَرِ اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي الْإِصَابَةِ.
قَوْلُهُ: (وَأَنْكَرَ الْمُحَلِّلُ الْوَطْءَ) أَيْ وَالْفَرْضُ أَنَّهُمَا مُتَّفِقَانِ عَلَى حُصُولِ الطَّلَاقِ.
قَوْلُهُ: (لِحِلِّهَا لِلْأَوَّلِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِهَذَا لَا بِالنِّسْبَةِ لِغُرْمِ الْمَهْرِ بِتَمَامِهِ، بَلْ لَا يَغْرَمُ الْمُحَلِّلُ إلَّا نِصْفَ الْمَهْرِ عَمَلًا بِإِنْكَارِهِ الْوَطْءَ فَهُوَ الْمُصَدَّقُ. قَوْلُهُ:(الرَّابِعَةُ إذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا) كَقَوْلِهِ إنْ لَمْ أَطَأْك فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَأَنْتِ طَالِقٌ. وَقَوْلُهُ: " فَادَّعَاهُ " أَيْ الْوَطْءَ لِأَجْلِ عَدَمِ الْوُقُوعِ. وَلَوْ شُرِطَتْ بَكَارَتُهَا فَوُجِدَتْ ثَيِّبًا فَقَالَتْ افْتَضَّنِي وَأَنْكَرَ صُدِّقَتْ لِدَفْعِ الْفَسْخِ وَهُوَ لِدَفْعِ كَمَالِ الْمَهْرِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ فَقَالَتْ أَنَا طَاهِرٌ وَلَمْ تَطَأْ فِي هَذَا الطُّهْرِ فَيَقَعُ حَالًا، وَقَالَ أَنَا وَطِئْتُ فِيهِ فَلَا يَقَعُ حَالًا، صُدِّقَ هُوَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْعِصْمَةِ. وَنَظِيرُهُ مَا أَفْتَى بِهِ الْقَاضِي فِيمَا إذَا لَمْ أُنْفِقْ عَلَيْك الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَادَّعَى الْإِنْفَاقَ فَيُصَدَّقُ لِدَفْعِ الطَّلَاقِ وَهِيَ لِبَقَاءِ النَّفَقَةِ، عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِيهِمَا اهـ أج. وَنَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ:
الْقَوْلُ قَوْلُ وَاطِئٍ فِي سِتَّةٍ
…
مَضْبُوطَةٍ بِالْحِفْظِ عِنْدَ الثِّقَةِ
الْحِلْفُ فِي التَّحْلِيلِ وَالثُّيُوبَةِ
…
وَالْوَطْءِ مَعَ فَرْعٍ أَتَى وَعُنَّةِ
وَمِثْلُ ذَا الْإِيلَاءُ وَالتَّعْلِيقُ
…
بِطَلْقَةٍ لِسُنَّةٍ تَحْقِيقُ
وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ أَيْضًا فَقَالَ:
إذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي وَطْئِهِ لَهَا
…
فَمَنْ مِنْهُمَا يَنْفِيهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ
سِوَى صُوَرٍ سِتٍّ فَمُثْبِتُهُ هُوَ ال
…
مُصَدَّقُ فَاحْفَظْ مَا تَبَيَّنَ نَقْلُهُ
إذَا اخْتَلَفَا فِي الْوَطْءِ قَبْلَ طَلَاقِهَا
…
وَجَاءَ لَهُ مِنْهَا عَلَى الْفُرُشِ نَجْلُهُ
فَأَنْكَرَهُ فَالْقَوْلُ فِي ذَاكَ قَوْلُهَا
…
وَيَلْزَمُهُ شَرْعًا لَهَا الْمَهْرُ كُلُّهُ