الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْأَوْلِيَاءِ تَرْتِيبًا وَإِجْبَارًا وَعَدَمِهِ وَبَعْضِ أَحْكَامِ الْخِطْبَةِ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ ذَكَرَ هَذَا الْفَصْلَ وَأَسْقَطَهُ فِي بَعْضِهَا فَقَالَ: (وَأَوْلَى الْوُلَاةِ) أَيْ مِنْ الْأَقَارِبِ فِي التَّزْوِيجِ (الْأَبُ) ؛ لِأَنَّ سَائِرَ الْأَوْلِيَاءِ يُدْلُونَ بِهِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ (ثُمَّ الْجَدُّ أَبُو الْأَبِ) وَإِنْ عَلَا لِاخْتِصَاصِ كُلٍّ مِنْهُمْ عَنْ سَائِرِ الْعَصَبَاتِ بِالْوِلَادَةِ مَعَ مُشَارَكَتِهِ فِي الْعُصُوبَةِ (ثُمَّ الْأَخُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ) لِإِدْلَائِهِ بِهِمَا (ثُمَّ الْأَخُ لِلْأَبِ) لِإِدْلَائِهِ بِهِ فَهُوَ أَقْرَبُ مِنْ ابْنِ الْأَخِ (ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ) وَإِنْ سَفَلَ (ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِلْأَبِ) وَإِنْ سَفَلَ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْأَخِ أَقْرَبُ مِنْ الْعَمِّ (ثُمَّ الْعَمُّ) لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ الْعَمُّ لِأَبٍ (ثُمَّ ابْنُهُ) أَيْ الْعَمِّ لِأَبَوَيْنِ وَإِنْ سَفَلَ، ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ لِأَبٍ وَإِنْ سَفَلَ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ:(عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ) لِزِيَادَةِ الْقُرْبِ وَالشَّفَقَةِ كَالْإِرْثِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ غَابَ الشَّقِيقُ لَمْ يُزَوِّجْ الَّذِي لِأَبٍ بَلْ السُّلْطَانُ نَعَمْ لَوْ كَانَ ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا لِأَبَوَيْنِ وَالْآخَرُ لِأَبٍ لَكِنَّهُ أَخُوهَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
لِجَوَازِ الْإِقْدَامِ لَا لِلصِّحَّةِ، فَلَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ أُخْتَهُ كَفَى نَعَمْ هُوَ شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْخُنْثَى كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْخُنْثَى لَا يَصْلُحُ لِلْعَقْدِ عَلَيْهِ اهـ.
[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْأَوْلِيَاءِ]
ِ قَوْلُهُ: (تَرْتِيبًا) تَمْيِيزٌ وَلَا يَضُرُّ عَطْفُ الْمَعْرِفَةِ عَلَيْهِ وَهُوَ عَدَمُهُ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي التَّابِعِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَتْبُوعِ. وَهُوَ تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْمُضَافِ وَالتَّقْدِيرُ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ تَرْتِيبِ الْأَوْلِيَاءِ وَإِجْبَارِهِمْ وَعَدَمِهِ، فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ وَهُوَ الْأَوْلِيَاءُ مَقَامَهُ، فَانْبَهَمَتْ النِّسْبَةُ الْإِضَافِيَّةُ فَأُتِيَ بِالْمُضَافِ وَجُعِلَ تَمْيِيزًا. وَبَيَانُ التَّرْتِيبِ يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْبِيرِ ب " ثُمَّ " وَالْإِجْبَارِ مِنْ قَوْلِهِ:" فَالْبِكْرُ يَجُوزُ لِلْأَبِ إلَخْ ". وَعَدَمِ الْإِجْبَارِ مِنْ قَوْلِهِ: " وَالثَّيِّبُ إلَخْ " وَبَيَانُ الْخِطْبَةِ مِنْ قَوْلِهِ: " وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَرِّحَ بِخِطْبَةِ مُعْتَدَّةٍ ".
قَوْلُهُ: (وَعَدَمِهِ) أَيْ الْإِجْبَارِ.
قَوْلُهُ: (وَأَوْلَى الْوُلَاةِ) أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ عَلَى بَابِهِ بِالنَّظَرِ لِمُطْلَقِ الْوِلَايَةِ لَا بِالنَّظَرِ لِذَلِكَ الْعَقْدِ وَبِالنَّظَرِ لِذَلِكَ الْعَقْدِ بِمَعْنًى مُسْتَحِقٍّ نَحْوُ فُلَانٌ أَحَقُّ بِمَالِهِ أَيْ مُسْتَحِقٌّ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ، إذْ لَا حَقَّ لِلْجَدِّ مَثَلًا مَعَ وُجُودِ الْأَبِ. وَأَسْبَابُ الْوِلَايَةِ أَرْبَعَةٌ: الْأُبُوَّةُ وَالْعُصُوبَةُ وَالْإِعْتَاقُ وَالسَّلْطَنَةُ، وَالْوُلَاةُ بِضَمِّ الْوَاوِ جَمْعُ وَالٍ كَغَازٍ وَغُزَاةٍ وَقَاضٍ وَقُضَاةٍ، وَلَمْ يُدْخِلْ الْأُبُوَّةَ فِي التَّعْصِيبِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ قَدْ يَرِثُ بِالْفَرْضِ فَقَطْ إذَا كَانَ مَعَهُ ابْنٌ وَمِثْلُهُ الْجَدُّ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ فَإِنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ إلَّا بِالتَّعْصِيبِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ سَائِرَ الْأَوْلِيَاءِ إلَخْ) عِبَارَةُ م ر: لِأَنَّهُ أَشْفَقُ الْجَمِيعِ.
قَوْلُهُ: (كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ) ذَكَرَهُ لِيَبْرَأَ مِنْ عُهْدَتِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ ق ل؛ لِأَنَّ الْعَمَّ لَا يُدْلِي بِالْأَبِ وَإِنَّمَا يُدْلِي بِالْجَدِّ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَجْمَعُ الْعَمَّ وَابْنَ أَخِيهِ فِي الِانْتِسَابِ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْأَبِ تَأَمَّلْ. وَقَالَ شَيْخُنَا ع ش: وَلَا يَرُدُّ الْمُعْتَقَ وَعَصَبَتَهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَوْلِيَاءِ مِنْ النَّسَبِ.
قَوْلُهُ: (كُلٍّ مِنْهُمْ) أَيْ الْأَجْدَادِ.
قَوْلُهُ: (لِإِدْلَائِهِ بِهِمَا) أَيْ الْأَبِ وَالْأُمِّ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْمُحَشِّي أَيْ الْأَبِ وَالْجَدِّ؛ لَكِنْ إلَى الْأَبِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَإِلَى الْجَدِّ بِوَاسِطَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ سَفَلَ) ظَاهِرُهُ أَنَّ ابْنَ الْأَخِ الشَّقِيقِ مُقَدَّمٌ عَلَى ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ، وَلَيْسَ مُرَادًا. وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ كَانَ الْأَوْلَى حَذْفَهُ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي فِي ابْنِ الْعَمِّ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ النَّازِلَ مِنْ ابْنِ الْأَخِ الشَّقِيقِ وَابْنِ الْعَمِّ الشَّقِيقِ يُقَدَّمُ عَلَى ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ الْعَالِي وَابْنِ الْعَمِّ لِلْأَبِ الْعَالِي، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ كَالْإِرْثِ بَلْ ابْنُ الْأَخِ لِلْأَبِ وَابْنُ الْعَمِّ لِلْأَبِ الْعَالِيَانِ مُقَدَّمَانِ عَلَى النَّازِلِ مِنْ الشَّقِيقِ مِنْ أَوْلَادِ الْأَخِ وَأَوْلَادِ الْعَمِّ الشَّقِيقَيْنِ وَقَوْلُهُ وَإِنْ سَفَلَ، الْأَوْلَى وَإِنْ تَرَاخَى عَلَى قَاعِدَةِ الْفَرْضِيَّيْنِ أَنَّهُمْ يُعَبِّرُونَ بِالتَّسَفُّلِ فِي الْأَوْلَادِ وَبِالتَّرَاخِي فِي أَوْلَادِ الْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى وَاحِدًا.
قَوْلُهُ: (لِزِيَادَةِ الْقُرْبِ) الْمُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْقُوَّةَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْأَخِ الشَّقِيقِ وَالْأَخِ لِلْأَبِ فِي الْقُرْبِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ مِنْ جِهَةِ الْإِدْلَاءِ إلَى الْأَبِ.
قَوْلُهُ: (كَالْإِرْثِ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: ثُمَّ الْأَخُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ إلَى هُنَا.
قَوْلُهُ: (وَعَلَى هَذَا إلَخْ) أَيْ كَوْنُ الْوِلَايَةِ لِلشَّقِيقِ دُونَ الَّذِي لِأَبٍ، أَيْ فَهِيَ حَقٌّ عَلَيْهِ فَيَقُومُ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ. قَوْلُهُ:(بَلْ السُّلْطَانُ) أَوْ نَائِبُهُ.
قَوْلُهُ: (نَعَمْ لَوْ كَانَا إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ أَوْ عَلَى قَوْلِهِ ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ لِأَبَوَيْنِ عَلَى ابْنِ الْعَمِّ لِلْأَبِ، أَيْ فَمَحَلُّ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ابْنُ الْعَمِّ لِلْأَبِ أَخًا لِأُمٍّ وَإِلَّا قُدِّمَ وَلَفْظُ كَانَ تَامَّةٌ فِي الْمَوَاضِعِ
لِأُمِّهَا فَالثَّانِي هُوَ الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّهُ يُدْلِي بِالْجَدِّ وَالْأُمِّ، وَالْأَوَّلُ يُدْلِي بِالْجَدِّ وَالْجَدَّةِ وَلَوْ كَانَا ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا ابْنُهَا وَالْآخَرُ أَخُوهَا مِنْ الْأُمِّ فَالِابْنُ هُوَ الْمُقَدَّمُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ، وَلَوْ كَانَ ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا مُعْتَقٌ قُدِّمَ الْمُعْتَقُ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُعْتَقُ ابْنَ عَمٍّ لِأَبٍ وَالْآخَرُ شَقِيقًا قُدِّمَ الشَّقِيقُ وَبِهِ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَسْمِيَةُ كُلٍّ مِنْ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنْ الْأَخِ وَالْعَمِّ وَلِيًّا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ الْإِمَامُ وَجَعَلَ الْوِلَايَةَ حَقِيقَةً لِلْأَبِ وَالْجَدِّ فَقَطْ، وَلَا يُزَوِّجُ ابْنٌ أُمَّهُ بِبُنُوَّةٍ مَحْضَةٍ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَالْمُزَنِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا مُشَارَكَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فِي النَّسَبِ إذْ انْتِسَابُهَا إلَى أَبِيهَا، وَانْتِسَابُ الِابْنِ إلَى أَبِيهِ فَلَا يَعْتَنِي بِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ النَّسَبِ، فَإِنْ كَانَ ابْنَ عَمٍّ لَهَا أَوْ مُعْتَقَةً لَهَا أَوْ عَاصِبَ مُعْتَقٍ لَهَا أَوْ قَاضِيًا أَوْ وَكِيلًا عَنْ وَلِيِّهَا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ زَوَّجَ بِمَا ذَكَرَ، فَلَا تَضُرُّ الْبُنُوَّةُ؛ لِأَنَّهَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
الثَّلَاثَةِ.
قَوْلُهُ: (لَوْ كَانَا ابْنَا عَمٍّ) كَأَخَوَيْنِ شَقِيقَيْنِ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَلَهُمَا أَخٌ لِأَبٍ كَبَكْرٍ وَلِأَحَدِهِمَا امْرَأَةٌ وَلَهُ مِنْهَا بِنْتٌ وَلِأَخِيهِ شَقِيقِهِ وَلَدٌ ثُمَّ مَاتَ عَنْ الْمَرْأَةِ وَالْبِنْتِ فَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ أَخُوهُ لِأَبِيهِ وَأَتَى مِنْهَا بِوَلَدٍ، فَنِسْبَةُ هَذَا الْوَلَدِ إلَى الْبِنْتِ أَنَّهُ ابْنُ عَمِّهَا لِأَبِيهَا وَأَخُوهَا لِأُمِّهَا وَنِسْبَتُهَا لِلْوَلَدِ الْأَوَّلِ ابْنُ عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ. قَوْلُهُ:(لِأَنَّهُ يُدْلِي) أَيْ يُنْسَبُ لِلْبِنْتِ. قَوْلُهُ: (بِالْجَدِّ) هُوَ أَبُو الْإِخْوَةِ الثَّلَاثَةِ. قَوْلُهُ: (وَالْأُمِّ) أَيْ أُمِّ الْبِنْتِ وَأُمِّ ابْنِ الْعَمِّ. وَقَوْلُهُ: " وَالْجَدَّةِ " أَيْ؛ لِأَنَّهَا جَدَّةُ الْبِنْتِ أُمُّ أَبِيهَا وَجَدَّةُ ابْنِ الْعَمِّ الشَّقِيقِ وَهِيَ أُمُّ أَبِيهِ. قَوْلُهُ: (أَحَدُهُمَا ابْنُهَا) أَيْ فِيمَا إذَا وَطِئَهَا عَمُّهَا بِشُبْهَةٍ شَوْبَرِيٌّ. صُورَتُهَا ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ أَشِقَّاءَ أَوْ لِأَبٍ تَزَوَّجَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ امْرَأَةً وَأَتَى مِنْهَا بِبِنْتٍ ثُمَّ وَطِئَ الْبِنْتَ أَحَدُ الْأَخَوَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ بِشُبْهَةٍ وَأَتَى مِنْهَا بِابْنٍ فَنِسْبَتُهُ لِلْبِنْتِ ابْنُهَا وَابْنُ عَمِّهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَ بِأُمِّ الْبِنْتِ الْمَذْكُورَةِ الْأَخُ الثَّالِثُ وَأَتَى مِنْهَا بِابْنٍ فَنِسْبَتُهُ لِلْبِنْتِ ابْنُ عَمِّهَا وَأَخُوهَا لِأُمِّهَا.
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَلَوْ كَانَ ابْنَا ابْنِ عَمٍّ إلَخْ. وَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَاكَ ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ كَزَيْدٍ وَبَكْرٍ وَعَمْرٍو وَلِزَيْدٍ زَوْجَةٌ وَلَهُ مِنْهَا بِنْتٌ وَبَكْرٌ لَهُ زَوْجَةٌ وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ وَعَمْرٌو لَهُ زَوْجَةٌ وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ أَيْضًا فَتَزَوَّجَ وَلَدُ بَكْرٍ بِبِنْتِ زَيْدٍ فَأَتَى مِنْهَا بِوَلَدٍ فَنِسْبَةُ هَذَا الْوَلَدِ لِلْبِنْتِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهُ ابْنُهَا وَابْنُ ابْنِ عَمِّهَا، ثُمَّ مَاتَ زَيْدٌ عَنْ زَوْجَتِهِ وَبِنْتِهِ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ إنَّ وَلَدَ عَمْرٍو تَزَوَّجَ بِأُمِّ الْبِنْتِ الْمَذْكُورَةِ فَأَتَى مِنْهَا بِوَلَدٍ فَنِسْبَةُ هَذَا الْوَلَدِ لِلْبِنْتِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهُ أَخُوهَا لِأُمِّهَا وَابْنُ ابْنِ عَمِّهَا. وَتُصَوَّرُ هَذِهِ الصُّورَةُ الْمَذْكُورَةُ بِصُورَةٍ غَيْرِ هَذِهِ وَهِيَ: ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ كَبَكْرٍ وَزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٌ وَزَيْدٌ لَهُمَا وَلَدَانِ وَلِعَمِّهِمَا عَمْرٍو زَوْجَةٌ وَبِنْتٌ مِنْهَا ثُمَّ مَاتَ ذَلِكَ الْعَمُّ عَنْ زَوْجَتِهِ وَبِنْتِهِ فَأَخَذَ ابْنُ بَكْرٍ زَوْجَةَ عَمِّهِ فَأَتَى مِنْهَا بِوَلَدٍ فَنِسْبَةُ هَذَا الْوَلَدِ لِلْبِنْتِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهُ ابْنُ ابْنِ عَمِّهَا وَأَخُوهَا لِأُمِّهَا وَأَخَذَ ابْنُ زَيْدٍ بِنْتَ عَمِّهِ الْمَذْكُورَةَ فَأَتَى مِنْهَا بِوَلَدٍ فَنِسْبَةُ هَذَا الْوَلَدِ لَهَا أَنَّهُ ابْنُهَا وَابْنُ ابْنِ عَمِّهَا ثُمَّ مَاتَ زَوْجُهَا وَأَرَادَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا أَنَّهَا تَتَزَوَّجُ فَيُزَوِّجُهَا ابْنُهَا الَّذِي هُوَ ابْنُ ابْنِ عَمِّهَا.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ) أَيْ وُجِدَ ابْنَا عَمِّ أَحَدِهِمْ مُعْتَقٌ إلَخْ، أَيْ وَتَسَاوَيَا عُصُوبَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ؛ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا فِي الْعِبَارَةِ لِيَصِحَّ قَوْلُهُ:" وَمِنْهُ يُؤْخَذُ إلَخْ " وَهَذَا الِاسْتِدْرَاكُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَا مَرَّ يَقْتَضِي تَسَاوِيهِمَا فِي الْوِلَايَةِ وَقَوْلُهُ: " وَمِنْهُ يُؤْخَذُ إلَخْ " أَيْ مِنْ التَّعْلِيلِ السَّابِقِ، وَهُوَ قَوْلُهُ:"؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ فَالْمَعْنَى وَمِنْ الْأَقْرَبِيَّةِ يُؤْخَذُ إلَخْ ".
قَوْلُهُ: (قُدِّمَ الْمُعْتَقُ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ قُدِّمَ الْمُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى وَمِنْهُ يُؤْخَذُ إلَخْ، أَيْ مِنْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ. وَالشَّارِحُ لَمْ يَأْتِ بِالتَّعْلِيلِ. وَعِبَارَةُ م د: قَوْلُهُ: " وَيُؤْخَذُ إلَخْ " أَيْ مِنْ قُرْبِ النَّسَبِ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقُرْبُ. بِغَيْرِ النَّسَبِ كَالْوَلَاءِ قُدِّمَ الْأَقْرَبُ مِنْ النَّسَبِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ الْأَخِ وَالْعَمِّ) بَيَانٌ لِلْغَيْرِ. قَوْلُهُ: (فِيهِ) أَيْ فِي الْمَذْكُورِ مِنْ التَّسْمِيَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُزَوِّجُ ابْنٌ أُمَّهُ) وَأَمَّا قَوْلُ أُمِّ سَلَمَةَ لِابْنِهَا عُمَرَ: قُمْ فَزَوِّجْ رَسُولَ اللَّهِ؛ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ عُمَرُ الْمَعْرُوفُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ سِنُّهُ حِينَئِذٍ كَانَ نَحْوَ ثَلَاثِ سِنِينَ فَهُوَ طِفْلٌ لَا يُزَوِّجُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الرَّاوِيَ وَهَمَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَصَبَتِهَا وَاسْمُهُ مُوَافِقٌ لِابْنِهَا فَظَنَّ الرَّاوِي أَنَّهُ هُوَ. وَرِوَايَةُ:" قُمْ فَزَوِّجْ أُمَّك " بَاطِلَةٌ عَلَى أَنَّ نِكَاحَهُ صلى الله عليه وسلم لَا يَفْتَقِرُ لِوَلِيٍّ فَهُوَ اسْتِطَابَةٌ لَهُ وَبِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِ أَنَّهُ ابْنُهَا وَأَنَّهُ بَالِغٌ فَهُوَ ابْنُ ابْنِ عَمِّهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ أَقْرَبَ مِنْهُ وَنَحْنُ نَقُولُ بِوِلَايَتِهِ.
قَوْلُهُ: (بِبُنُوَّةٍ مَحْضَةٍ) أَيْ خَالِصَةٍ عَنْ سَبَبٍ آخَرَ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ) أَيْ الِابْنُ. وَقَوْلُهُ: " ابْنَ عَمٍّ " أَيْ ابْنَ ابْنِ عَمٍّ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُتَصَوَّرُ فِي النِّكَاحِ وَلَا يُتَصَوَّرُ مَا قَالَهُ إلَّا فِي الشُّبْهَةِ.
غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ لَا مَانِعَةٍ فَإِذَا وُجِدَ مَعَهَا سَبَبٌ آخَرُ مُقْتَضٍ لِلْوِلَايَةِ لَمْ تَمْنَعْهُ.
(فَإِذَا عَدِمَتْ الْعَصَبَاتُ) مِنْ النَّسَبِ (فَالْمَوْلَى) أَيْ السَّيِّدُ (الْمُعْتِقُ) الرَّجُلُ (ثُمَّ عَصَبَاتُهُ) بِحَقِّ الْوَلَاءِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُعْتِقُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً، وَالتَّرْتِيبُ هُنَا كَالْإِرْثِ فِي تَرْتِيبِهِ فَيُقَدَّمُ بَعْدَ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ مُعْتِقُ الْمُعْتَقِ ثُمَّ عَصَبَتُهُ وَهَكَذَا لِحَدِيثِ:«الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» وَلِأَنَّ الْمُعْتَقَةَ أَخْرَجَهَا مِنْ الرِّقِّ إلَى الْحُرِّيَّةِ، فَأَشْبَهَ الْأَبَ فِي إخْرَاجِهِ لَهَا مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ وَيُزَوِّجُ عَتِيقَةَ الْمَرْأَةِ إذَا فُقِدَ وَلِيُّ الْعَتِيقَةِ مِنْ النَّسَبِ كُلُّ مَنْ يُزَوِّجُ الْمُعْتَقَةَ مَا دَامَتْ حَيَّةً بِالْوِلَايَةِ عَلَيْهِ تَبَعًا لِلْوِلَايَةِ عَلَى الْمُعْتَقَةِ، فَيُزَوِّجُهَا الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ بَقِيَّةُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ) أَيْ فَلَا تُعَارِضُ الْمُقْتَضِي فَهُوَ مِنْ بَابِ اجْتِمَاعِ الْمُقْتَضِي وَغَيْرِ الْمُقْتَضِي فَيُقَدَّمُ الْمُقْتَضِي، وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْمُقْتَضِي وَالْمَانِعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَدَّمْنَا الْمَانِعَ فَلَا يُزَوِّجُ حِينَئِذٍ الِابْنُ؛ لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا مَفْهُومُ الْمَانِعِ وَهُوَ وَصْفٌ ظَاهِرٌ مُنْضَبِطٌ مُعَرِّفٌ نَقِيضَ الْحُكْمِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ. وَعِبَارَةُ ع ش: قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ دَفَعَ بِهِ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الْبُنُوَّةَ إذَا اجْتَمَعَتْ مَعَ غَيْرِهَا سَلَبَتْ الْوِلَايَةَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ الْمُقْتَضِي وَالْمَانِعُ قُدِّمَ الثَّانِي اهـ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْبُنُوَّةَ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا مَفْهُومُ الْمَانِعِ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا وُجِدَ مَعَهَا) أَيْ الْبُنُوَّةِ.
قَوْلُهُ: (الرَّجُلُ) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُعْتِقَ صِفَةُ مُذَكَّرٍ، وَقَيَّدَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأُنْثَى الْمُعْتِقَةَ لَا تُزَوِّجُ عَتِيقَتَهَا.
قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُعْتِقُ إلَخْ) تَعْمِيمٌ فِي عَصَبَاتِ الْمُعْتِقِ، أَيْ أَنَّهُ فِي الْعَصَبَاتِ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُعْتِقِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَأَمَّا نَفْسُ الْمُعْتَقِ فَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ الذَّكَرِ فَيُزَوِّجُ وَالْأُنْثَى فَلَا تُزَوِّجُ.
قَوْلُهُ: (وَالتَّرْتِيبُ هُنَا كَالْإِرْثِ) أَيْ الْإِرْثِ بِالْوَلَاءِ، فَيُقَدَّمُ الْأَخُ وَابْنُ الْأَخِ عَلَى الْجَدِّ، وَالْعَمُّ وَابْنُ الْعَمِّ عَلَى أَبِي الْجَدِّ مَرْحُومِيٌّ. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: أَيْ فَيُقَدَّمُ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُهُ ثُمَّ الْأَبُ ثُمَّ الْأَخُ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ الْعَمُّ ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ ثُمَّ أَبُو الْجَدِّ.
قَوْلُهُ: (لُحْمَةٌ) بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِهَا أَيْ خِلْطَةٌ وَاشْتِبَاكٌ، مَأْخُوذٌ مِنْ اشْتِبَاكِ النَّاسِ وَاخْتِلَاطِهِمْ كَاشْتِبَاكِ لُحْمَةِ الثَّوْبِ فَالسَّدَى بِفَتْحِ السِّينِ وَالْقَصْرِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْقِيَامِ عِنْدَ الْقَزَّازِينَ.
قَوْلُهُ: (وَيُزَوِّجُ عَتِيقَةَ الْمَرْأَةِ إلَخْ) وَأَمَةُ الْمَرْأَةِ كَعَتِيقَتِهَا فِيمَا ذُكِرَ؛ لَكِنْ يُشْتَرَطُ إذْنُ السَّيِّدَةِ الْكَامِلَةِ نُطْقًا وَلَوْ بِكْرًا إذْ لَا تَسْتَحْيِي مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً ثَيِّبًا امْتَنَعَ عَلَى الْأَبِ تَزْوِيجُ أَمَتِهَا إلَّا إذَا كَانَتْ مَجْنُونَةً وَلَيْسَ لِلْأَبِ إجْبَارُ أَمَةِ الْبِكْرِ الْبَالِغِ اهـ م ر.
وَعَتِيقَةُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ يُزَوِّجُهَا بِإِذْنِهِ وُجُوبًا مَنْ يُزَوِّجُهُ بِفَرْضِ أُنُوثَتِهِ لِيَكُونَ وَكِيلًا أَوْ وَلِيًّا، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُزَوِّجُهَا بِإِذْنِهِ مَعَ إذْنِ الْعَتِيقَةِ أَيْضًا لِمَنْ يُزَوِّجُ فَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِ الْإِذْنَيْنِ، وَكَذَا لَا بُدَّ مِنْ سَبْقِ إذْنِهَا لِلْخُنْثَى إذْ لَا يَصِحُّ إذْنُهُ لِمَنْ يَعْقِدُ بِتَقْدِيرِ ذُكُورَتِهِ إلَّا إذَا أَذِنَتْ لَهُ الْعَتِيقَةُ فِي التَّزْوِيجِ لِيَصِحَّ تَوْكِيلُهُ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. وَالْمُبَعَّضَةُ يُزَوِّجُهَا مَالِكُ بَعْضِهَا مَعَ قَرِيبِهَا وَإِلَّا فَمَعَ مُعْتِقِ بَعْضِهَا وَالْمُكَاتَبَةُ يُزَوِّجُهَا سَيِّدُهَا بِإِذْنِهَا، وَكَذَا أَمَتُهَا؛ لِأَنَّهُ إمَّا مَالِكٌ أَوْ وَلِيٌّ وَيُزَوِّجُ الْحَاكِمُ أَمَةَ كَافِرٍ أَسْلَمَتْ، بِإِذْنِهِ وَإِذْنِهَا. وَلَا تُزَوَّجُ مُدَبَّرَةُ الْمُفْلِسِ وَلَوْ بِإِذْنِ الْغُرَمَاءِ، وَلَا أَمَةُ الْمُرْتَدَّةِ وَالْمُرْتَدِّ، وَلَا الْوَلِيُّ أَمَةً صَغِيرَةً ثَيِّبًا إلَّا إنْ كَانَتْ مَجْنُونَةً. وَيُزَوِّجُ الْوَلِيُّ أَمَةً مَحْجُورَةً لِلْمَصْلَحَةِ وَيُزَوِّجُ السَّيِّدُ أَمَتَهُ الْمَأْذُونَ لَهَا فِي التِّجَارَةِ وَأَمَةَ عَبْدِهِ كَذَلِكَ؛ لَكِنْ بِإِذْنِ الْغُرَمَاءِ فِيهِمَا إنْ كَانَ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ.
وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ بَيْعُ أَمَةِ عَبْدِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَا هِبَتُهَا وَلَا وَطْؤُهَا وَيَلْزَمُهُ الْمَهْرُ بِوَطْئِهَا، وَيَنْفُذُ إيلَادُهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَإِلَّا فَلَا. وَيُزَوِّجُ الْمَغْصُوبَةَ سَيِّدُهَا وَلَوْ لِعَاجِزٍ عَنْ انْتِزَاعِهَا، وَيُزَوِّجُ الْجَانِيَةَ وَالْمَرْهُونَةَ سَيِّدُهَا بِإِذْنِ الْمُسْتَحِقِّ، وَيُزَوِّجُ الْمَوْقُوفَةَ كُلَّهَا الْحَاكِمُ بِإِذْنِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَلَوْ كَافِرًا أَوْ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ أَوْ بِإِذْنِ نَاظِرِهِ فِي نَحْوِ مَسْجِدٍ أَوْ جِهَةٍ وَفِي مَوْقُوفَةِ الْبَعْضِ وَلِيُّهَا أَوْ سَيِّدُهَا مَعَ مَنْ ذُكِرَ وَبِنْتُ الْمَوْقُوفَةِ مِثْلُهَا إنْ حَدَثَتْ بَعْدَ الْوَقْفِ، وَاخْتَارَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهَا وَقْفٌ أَيْضًا. وَيُزَوِّجُ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهَا الْوَارِثُ بِإِذْنِ الْمُوصَى لَهُ أَوْ وَلِيِّهِ، وَيُزَوِّجُ الْمُشْتَرَكَةَ سَادَاتُهَا أَوْ أَحَدُهُمْ بِإِذْنِ الْبَاقِينَ إنْ وَافَقَهَا فِي الدِّينِ، وَيُزَوِّجُ أَمَةَ الْقِرَاضِ الْمَالِكُ بِإِذْنِ الْعَامِلِ، وَيُزَوِّجُ الْمَبِيعَةَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ فَإِنْ شَرَطَ لَهَا أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ اُعْتُبِرَ إذْنُهَا وُجُوبًا، وَيُزَوِّجُ أَمَةَ بَيْتِ الْمَالِ الْإِمَامُ كَاللَّقِيطَةِ بِإِذْنِهَا؛ وَأَمَّا عَبْدُ بَيْتِ الْمَالِ وَالْعَبْدُ الْمَوْقُوفُ أَوْ عَبْدُ الْمَسْجِدِ فَلَا يُزَوَّجُ بِحَالٍ.
قَوْلُهُ: (تَبَعًا لِلْوِلَايَةِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا وِلَايَةٌ كَالثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ الْعَاقِلَةِ لَمْ يُزَوِّجْ عَتِيقَتَهَا. وَصُورَةُ عَتِيقَةِ
الْأَوْلِيَاءِ عَلَى مَا فِي تَرْتِيبِهِمْ بِرِضَا الْعَتِيقَةِ، وَيَكْفِي سُكُوتُ الْبِكْرِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ فِي تَكْمِلَتِهِ وَإِنْ خَالَفَ فِي دِيبَاجِهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُ الْمُعْتَقَةِ فِي ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهَا وَلَا إجْبَارَ، فَلَا فَائِدَةَ لَهُ فَإِذَا مَاتَتْ الْمُعْتَقَةُ زَوَّجَ الْعَتِيقَةَ مَنْ لَهُ الْوَلَاءُ عَلَى الْمُعْتَقَةِ مِنْ عَصَبَاتِهَا، فَيُزَوِّجُهَا ابْنُهَا ثُمَّ ابْنُهُ ثُمَّ أَبُوهَا عَلَى تَرْتِيبِ عَصَبَةِ الْوَلَاءِ إذْ تَبَعِيَّةُ الْوِلَايَةِ انْقَطَعَتْ بِالْمَوْتِ.
(ثُمَّ) إنْ فُقِدَ الْمُعْتِقُ وَعَصَبَتُهُ زَوَّجَ (الْحَاكِمُ) الْمَرْأَةَ الَّتِي فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَلِخَبَرِ: «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُهَا وَإِنْ رَضِيَتْ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ، وَكَذَا يُزَوِّجُ الْحَاكِمُ إذَا عَضَلَ النَّسِيبُ الْقَرِيبُ وَلَوْ مُجْبِرًا وَالْمُعْتِقُ وَعَصَبَتُهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا امْتَنَعُوا مِنْ وَفَائِهِ وَفَّاهُ الْحَاكِمُ وَلَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
الصَّغِيرَةِ أَنْ يُعْتِقَ وَلِيُّهَا أَمَتَهَا عَلَى كَفَّارَةٍ عَلَيْهَا كَالْقَتْلِ. اهـ. سم عَلَى حَجّ.
قَوْلُهُ: (عَلَى مَا فِي تَرْتِيبِهِمْ) أَيْ عَلَى مَا مَرَّ فِي تَرْتِيبِهِمْ.
قَوْلُهُ: (بِرِضَا الْعَتِيقَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِيُزَوِّجُهَا. قَوْلُهُ: (وَيَكْفِي سُكُوتُ الْبِكْرِ) وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ كَوْنَهُ إذْنًا وَلَمْ تَعْلَمْ الزَّوْجَ. اهـ. حَجّ. وَيَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِي خَرْسَاءَ لَا إشَارَةَ لَهَا مُفْهِمَةٌ وَلَا كِتَابَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَالْمَجْنُونَةِ اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْبِكْرِ أَيْ الْعَتِيقَةُ الْبَالِغَةُ وَإِلَّا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُزَوِّجَهَا إلَّا بَعْدَ بُلُوغِهَا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ خَالَفَ فِي دِيبَاجِهِ) هُوَ شَرْحٌ صَغِيرٌ لَهُ عَلَى الْمِنْهَاجِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُ الْمُعْتَقَةِ) وَلَا رِضَاهَا بَلْ وَإِنْ مَنَعَتْ.
قَوْلُهُ: (فَلَا فَائِدَةَ لَهُ) أَيْ الْإِذْنِ. قَوْلُهُ: (مَنْ لَهُ الْوَلَاءُ عَلَى الْمُعْتَقَةِ) بِفَتْحِ التَّاءِ أَيْ الْعَتِيقَةِ، فَهُوَ مِنْ وَضْعِ الظَّاهِرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مَنْ لَهُ الْوَلَاءُ عَلَيْهَا. وَقَوْلُهُ:" مِنْ عَصَبَاتِهَا " أَيْ الْمُعْتِقَةِ بِكَسْرِ التَّاءِ وَفِيهِ تَشْتِيتُ الضَّمَائِرِ لَوْ أَضْمَرَ فِي الْمُعْتَقَةِ، وَهَذَا حِكْمَةُ الْإِظْهَارِ.
قَوْلُهُ: (فَيُزَوِّجُهَا ابْنُهَا ثُمَّ ابْنُهُ) وَهَذَا هُوَ مَحَلُّ مُخَالَفَةِ حَيَاتِهَا لِحَالِ مَوْتِهَا.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ إنْ فُقِدَ الْمُعْتِقُ) أَيْ جِنْسُهُ الشَّامِلُ لِمُعْتِقِ الْمُعْتَقِ.
قَوْلُهُ: (زَوَّجَ الْحَاكِمُ) فَإِنْ فُقِدَ الْحَاكِمُ كَانَ لِلزَّوْجَيْنِ أَنْ يُحَكِّمَا لَهُمَا عَدْلًا يَعْقِدُ لَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا وَلَوْ مَعَ وُجُودِ مُجْتَهِدٍ. أَمَّا مَعَ وُجُودِ الْحَاكِمِ وَلَوْ حَاكِمَ ضَرُورَةٍ فَلَا يُحَكِّمَانِ إلَّا مُجْتَهِدًا إلَّا إنْ كَانَ الْحَاكِمُ يَأْخُذُ دَرَاهِمَ لَهَا وَقْعٌ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً فِي مِثْلِهَا كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْبِلَادِ، وَمِنْ ذَلِكَ قُضَاةُ مِصْرَ فِي زَمَنِنَا هَذَا فَلَهُمَا أَنْ يُحَكِّمَا عَدْلًا وَلَوْ غَيْرَ مُجْتَهِدٍ. وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدَا أَحَدًا وَخَافَتْ الزِّنَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَلِيِّ مَسَافَةُ الْقَصْرِ، ثُمَّ إذَا رَجَعَا إلَى الْعُمْرَانِ وَوَجَدَا النَّاسَ جَدَّدَا الْعَقْدَ إنْ لَمْ يَكُونَا قَلَّدَا مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ:(فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ) أَيْ وَقْتِ الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَتْ مُجْتَازَةً وَإِنْ أَذِنَتْ لَهُ وَهِيَ خَارِجَةٌ عَنْهُ، فَعَلَى هَذَا يَكْفِي الْإِذْنُ مَعَ وُجُودِ الْمَانِعِ. وَلَا يُزَوِّجُ مَنْ لَيْسَتْ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَلَوْ لِمَنْ فِيهَا بِخِلَافِ عَكْسِهِ إذَا وَكَّلَ الزَّوْجُ. اهـ. ق ل.
وَقَوْلُهُ: " بِخِلَافِ عَكْسِهِ " أَيْ وَهُوَ أَنَّهُ يُزَوِّجُ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَالزَّوْجُ خَارِجَهُ بِأَنْ وَكَّلَ الزَّوْجُ فَعَقَدَ الْحَاكِمُ مَعَ وَكِيلِهِ فَالْعِبْرَةُ بِالْمَرْأَةِ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَكَذَا يُزَوِّجُ الْحَاكِمُ إذَا عَضَلَ) وَلَوْ بِالسُّكُوتِ وَلَوْ لِنَقْصِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ لَهَا لَا لَهُ، فَإِذَا رَضِيَتْ بِهِ لَمْ يَكُنْ لِعَضْلِهِ عُذْرٌ. فَلَوْ زَوَّجَ فَقَدَّمَ الْحَاكِمَ فِي الْعَضْلِ ثُمَّ تَبَيَّنَ رُجُوعَ الْعَاضِلِ قَبْلَ التَّزْوِيجِ بَانَ بُطْلَانُهُ. اهـ. س ل. وَالْعَضْلُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ صَغِيرَةٌ، وَأَفْتَى النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ إذَا تَكَرَّرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ؛ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَا يَأْثَمُ بَاطِنًا بِعَضْلٍ لِمَانِعٍ يُخِلُّ بِالْكَفَاءَةِ عَلِمَهُ مِنْهُ بَاطِنًا وَلَمْ يُمْكِنْهُ إثْبَاتُهُ ح ل. وَعِبَارَةُ م ر: وَإِفْتَاءُ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ مُرَادُهُ أَنَّهُ فِي حُكْمِهَا بِإِصْرَارِهِ عَلَيْهِ لِتَصْرِيحِهِ هُوَ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ صَغِيرَةٌ اهـ.
تَنْبِيهٌ: تَوْبَةُ الْعَاضِلِ دُونَ ثَلَاثٍ تَحْصُلُ بِتَزْوِيجِهِ فَتَعُودُ وِلَايَتُهُ بِهِ، وَهَذِهِ زَائِدَةٌ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ بِعَوْدِ وِلَايَتِهِ بِلَا تَوْلِيَةِ جَدِيدٍ فَرَاجِعْهُ اهـ ق ل أَيْ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِهَا لَهُ ثَانِيًا. قَوْلُهُ:(النَّسِيبُ الْقَرِيبُ) وَأَمَّا إذَا عَضَلَ النَّسِيبُ الْمُسَاوِي لِغَيْرِهِ كَمَا لَوْ كَانَ لَهَا إخْوَةٌ كُلُّهُمْ أَشِقَّاءُ فَعَضَلَ أَحَدُهُمْ وَلَوْ بَعْدَ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ لَهُ فَيُزَوِّجُ غَيْرُهُ مِنْهُمْ. وَلَا تَنْتَقِلُ لِلسُّلْطَانِ سَوَاءٌ عَضَلَ ثَلَاثًا أَوْ أَقَلَّ؛ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بِعَضْلِهِ سَقَطَ حَقُّهُ وَمَعَهُ مَنْ يُسَاوِيهِ فِي الدَّرَجَةِ وَحَقُّهُ بَاقٍ فَيُزَوِّجُ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُعْتِقُ) أَيْ إذَا عَضَلَ أَيْضًا فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُزَوِّجُ.
قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ
تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ إذَا كَانَ الْعَضْلُ دُونَ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ، فَإِنْ كَانَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ زَوَّجَ الْأَبْعَدُ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ وِلَايَةِ الْفَاسِقِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ، وَهَذَا فِيمَنْ لَمْ تَغْلِبْ طَاعَاتُهُ عَلَى مَعَاصِيهِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الشَّهَادَاتِ. وَكَذَا يُزَوِّجُ عِنْدَ غَيْبَةِ الْوَلِيِّ مَسَافَةَ الْقَصْرِ. وَإِحْرَامِهِ وَإِرَادَتِهِ تَزَوُّجَ مُوَلِّيَتِهِ وَلَا مُسَاوِيَ لَهُ فِي الدَّرَجَةِ، وَالْمَجْنُونَةَ الْبَالِغَةَ عِنْدَ فَقْدِ الْمُجْبِرِ. وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ الْمَوَاضِعَ الَّتِي يُزَوِّجُ فِيهَا الْحَاكِمُ فِي أَبْيَاتٍ فَقَالَ:
وَيُزَوِّجُ الْحَاكِمُ فِي صُوَرٍ أَتَتْ
…
مَنْظُومَةً تَحْكِي عُقُودَ جَوَاهِرِ
عَدَمُ الْوَلِيِّ وَفَقْدُهُ وَنِكَاحُهُ
…
وَكَذَاك غَيْبَتُهُ مَسَافَةَ قَاصِرِ
وَكَذَاك إغْمَاءٌ وَحَبْسٌ مَانِعٌ
…
أَمَةً لِمَحْجُورٍ تَوَارِي الْقَادِرِ
إحْرَامُهُ وَتَعَزُّزٌ مَعَ عَضْلِهِ
…
إسْلَامُ أُمِّ الْفَرْعِ وَهِيَ لِكَافِرِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
تَزْوِيجُ الْأَبْعَدِ عِنْدَ عَضْلِ الْأَقْرَبِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِيمَنْ لَمْ تَغْلِبْ إلَخْ، فَإِنْ غَلَبَتْ طَاعَتُهُ عَلَى مَعَاصِيهِ فَالْمُزَوِّجُ هُوَ الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْسُقْ حِينَئِذٍ.
قَوْلُهُ: (مَسَافَةَ الْقَصْرِ) وَلَيْسَ لَهُ وَكِيلٌ خَاصٌّ فِي تَزْوِيجِ مُوَلِّيَتِهِ فَلَا تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ وَإِنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ، أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ وَكِيلٌ خَاصٌّ فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى السُّلْطَانِ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ وَخَرَجَ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ مَا دُونَهَا فَلَا يُزَوِّجُ السُّلْطَانُ إلَّا بِإِذْنِهِ. نَعَمْ إنْ تَعَذَّرَ الْوَصْلُ إلَيْهِ لِخَوْفٍ جَازَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ. وَالْمُرَادُ مَا دُونَهَا وَقْتَ عَقْدِ الْحَاكِمِ، نَعَمْ لَوْ ادَّعَى بَعْدَ عَقْدِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ كَانَ عَقَدَ عَلَيْهَا وَهُوَ دُونَهَا لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. اهـ. م د وَلَوْ قَدَّمَ وَقَالَ كُنْت زَوَّجْتهَا لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ هُنَا وَلِيٌّ وَالْوَلِيُّ الْحَاضِرُ لَوْ زَوَّجَ فَقَدِمَ آخَرُ غَائِبٌ وَقَالَ كُنْت زَوَّجْت لَمْ يُقْبَلْ بِدُونِ بَيِّنَةٍ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ وَكِيلُ الْغَائِبِ. وَالْوَكِيلُ لَوْ بَاعَ فَقَدِمَ مُوَكِّلَهُ وَقَالَ كُنْت بِعْت مَثَلًا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ اهـ.
وَقَوْلُهُ: " لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ " وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ حَيْثُ اكْتَفَى فِيهِ بِحَلِفِهِ أَنَّ عَقْدَ الْحَاكِمِ وَقَعَ هُنَا فِي زَمَنِ كَوْنِهِ وَلِيًّا لِتَحَقُّقِ غَيْبَتِهِ وَالْوَلِيُّ أَقْوَى مِنْ الْوَكِيلِ اهـ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (تَزْوِيجَ مُوَلِّيَتِهِ) أَيْ لِنَفْسِهِ وَلَا مُسَاوِيَ لَهُ فِي دَرَجَتِهِ، كَأَنْ كَانَ هُنَاكَ امْرَأَةٌ وَلَهَا ابْنُ عَمٍّ وَأَرَادَ التَّزَوُّجَ بِهَا فَإِنَّهُ يُزَوِّجُهَا لَهُ الْحَاكِمُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهَا ابْنَا عَمٍّ مُسَاوِيَانِ فِي الدَّرَجَةِ بِأَنْ كَانَا لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ فَإِنَّهُ يُزَوِّجُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ.
قَوْلُهُ: (وَالْمَجْنُونَةُ) أَيْ وَيُزَوِّجُ الْمَجْنُونَةَ أَيْ عِنْدَ الْحَاجَةِ.
قَوْلُهُ: (وَيُزَوِّجُ الْحَاكِمُ إلَخْ) مِنْ الْكَامِلِ وَلَوْ أَبْدَلَ الْحَاكِمَ بِالْحُكَّامِ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَسَلِمَ مِنْ دُخُولِ الطَّيِّ فِيهِ، وَهُوَ حَذْفُ الْحَرْفِ الرَّابِعِ الْوَاقِعِ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي وَأَجْزَاؤُهُ مُتَفَاعِلُنْ سِتُّ مَرَّاتٍ.
قَوْلُهُ: (عَدَمُ الْوَلِيِّ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ أَصْلًا. وَقَوْلُهُ وَفَقْدُهُ أَيْ بِأَنْ فُقِدَ الْوَلِيُّ أَيْ غَابَ وَلَمْ يُدْرَ مَوْتُهُ وَلَا حَيَاتُهُ وَلَا مَحَلُّهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَحْكُمَ بِمَوْتِهِ حَاكِمٌ فَإِنْ حَكَمَ بِمَوْتِهِ انْتَقَلَتْ لِلْأَبْعَدِ بِخِلَافِ الْغَائِبِ الْآتِي فَإِنَّ مَحَلَّهُ مَعْلُومٌ لِيُخَالِفَ فَقْدَهُ.
قَوْلُهُ: (وَنِكَاحُهُ) أَيْ لِنَفْسِهِ بِأَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَ عَمِّهِ وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يُسَاوِيه فِي الدَّرَجَةِ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُزَوِّجُهَا لَهُ.
قَوْلُهُ: (وَكَذَاك إلَخْ) وَكَذَاك إذَا كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَتَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَاك إغْمَاءٌ) أَيْ إغْمَاءُ الْوَلِيِّ وَهَذَا ضَعِيفٌ تَبِعَ فِيهِ الْمُتَوَلِّي. وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ م ر عَدَمُ تَزْوِيجِ الْحَاكِمِ فِي صُورَةِ الْإِغْمَاءِ بَلْ يَنْتَظِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ لَمْ يُفِقْ انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ.
قَوْلُهُ: (وَحَبْسٌ مَانِعٌ) أَيْ مَانِعٌ مِنْ الِاجْتِمَاعِ عَلَيْهِ وَإِلَّا وَكَّلَ الْمَحْبُوسُ. قَوْلُهُ: (أَمَةٌ لِمَحْجُورٍ) أَيْ إذَا عَدِمَ الْأَبُ وَالْجَدُّ عَلَى تَفْصِيلٍ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. وَحَاصِلُ التَّفْصِيلِ أَنَّ لِلسُّلْطَانِ تَزْوِيجَ أَمَةِ الْمَحْجُورِ إلَّا إذَا كَانَ الْمَحْجُورُ صَغِيرًا أَوْ صَغِيرَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَلِي نِكَاحَهُمَا فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْمَحْجُورِ هُنَا السَّفِيهَ.
قَوْلُهُ: (تَوَارِي الْقَادِرِ) أَيْ اخْتِفَاؤُهُ وَالْقَادِرُ، يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَكْمِلَةٌ لِلْبَيْتِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ احْتِرَازٌ عَنْ الْمُكْرَهِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ التَّوَارِي بِالْبَيِّنَةِ وَكَذَا التَّعَزُّزُ الْآتِي كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (إحْرَامُهُ) أَيْ بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَوْ بِهِمَا، صَحِيحًا كَانَ إحْرَامُهُ أَوْ فَاسِدًا سُيُوطِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَتَعَزُّزٌ) أَيْ تَغَلُّبٌ بِأَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ غَيْرِ تَوَارٍ مُتَعَمِّدًا عَلَى الْغَلَبَةِ.
وَأَهْمَلَ النَّاظِمُ تَزْوِيجَ الْمَجْنُونَةِ الْبَالِغَةِ. وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْعَضْلُ مِنْ الْوَلِيِّ إذَا دَعَتْ بَالِغَةٌ عَاقِلَةٌ رَشِيدَةً كَانَتْ أَوْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّوَارِي وَالتَّعَزُّزِ أَنَّ التَّوَارِي الِامْتِنَاعُ مَعَ الِاخْتِفَاءِ وَالتَّعَزُّزَ الِامْتِنَاعُ مَعَ الظُّهُورِ وَالْقُوَّةِ.
قَوْلُهُ: (مَعَ عَضْلِهِ) أَيْ عَضْلًا لَا يَفْسُقُ بِهِ.
قَوْلُهُ: (إسْلَامُ أُمِّ الْفَرْعِ) أَيْ أُمِّ الْوَلَدِ يَعْنِي إذَا اسْتَوْلَدَ الْكَافِرُ أَمَةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ فَإِنَّهُ يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ، وَأَمَّا الْفَرْعُ لَيْسَتْ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهَا جَارِيَتُهُ الْمُسْلِمَةُ. قَوْلُهُ:(وَأَهْمَلَ النَّاظِمُ تَزْوِيجَ الْمَجْنُونَةِ الْبَالِغَةِ) فَيُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ أَيْضًا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مُجْبِرٌ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ هَذَا الْبَيْتَ وَهُوَ:
تَزْوِيجُ مَنْ جُنَّتْ وَلَمْ يَكُ مُجْبِرًا
…
بَعْدَ الْبُلُوغِ فَضُمَّ ذَاكَ وَبَادِرِ
وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَعَلَى أَبٍ وَإِنْ عَلَا تَزْوِيجُ ذِي جُنُونٍ مُطْبِقٍ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بِكِبَرٍ لِحَاجَةٍ إلَيْهِ بِظُهُورِ أَمَارَاتِ التَّوَقَانِ أَوْ بِتَوَقُّعِ الشِّفَاءِ عِنْدَ إشَارَةِ عَدْلَيْنِ مِنْ الْأَطِبَّاءِ، أَوْ بِاحْتِيَاجِهِ لِلْخِدْمَةِ وَلَيْسَ فِي مَحَارِمِهِ مَنْ يَقُومُ بِهَا، أَوْ احْتِيَاجِهِ لِلْمُؤْنَةِ وَمُؤْنَةُ النِّكَاحِ أَخَفُّ مِنْ مُؤْنَةِ شِرَاءِ أَمَةٍ، أَوْ بِاحْتِيَاجِ الْأُنْثَى الْمَهْرَ، أَوْ نَفَقَةً؛ فَإِنْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُمَا لَمْ يُزَوَّجَا حَتَّى يُفِيقَا وَيَأْذَنَا وَالْمُرَادُ بِإِذْنِ الذَّكَرِ تَوْكِيلُهُ أَوْ تَزَوُّجُهُ بِنَفْسِهِ اهـ. وَقَوْلُهُ عَلَى أَبٍ فَالسُّلْطَانِ عِنْدَ فَقْدِهِ أَوْ تَعَذُّرِ الْوُصُولِ لَهُ أَوْ امْتِنَاعِهِ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَقَارِبِ وَلَوْ وَصِيًّا تَزْوِيجُ ذِي جُنُونٍ، أَيْ وَاحِدَةً فَقَطْ. وَتَعْوِيلُهُمْ عَلَى الْحَاجَةِ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ التَّعَدُّدِ، وَبِهِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ؛ وَرَدَّ بِأَنَّ الِاحْتِيَاجَ إلَى مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ نَادِرٌ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ. وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْوَطْءِ وَأَمَّا لِلْخِدْمَةِ، فَيُزَادُ بِقَدْرِهَا. وَقَوْلُهُ: مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَمُؤَنُ النِّكَاحِ فِي تَزْوِيجِ الذَّكَرِ مِنْ مَالِهِ لَا مِنْ مَالِ الْأَبِ ع ش. وَانْظُرْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ هَلْ يَكُونُ عَلَى الْأَبِ أَوْ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ أَوْ لَيْسَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؟ وَلَعَلَّ الْأَخِيرَ هُوَ الْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِهِمْ فَحَرِّرْهُ.
وَقَوْلُهُ: " بِكِبَرٍ " أَيْ مَعَ كِبَرٍ أَيْ بُلُوغٍ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا. وَقَوْلُهُ: " لِحَاجَةٍ " وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ظَاهِرَةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَقَوْلُهُ: " بِظُهُورِ أَمَارَاتِ " الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ بِخِلَافِهَا فِي قَوْلِهِ أَوْ بِتَوَقُّعِ الشِّفَاءِ أَوْ بِاحْتِيَاجِهِ لِلْخِدْمَةِ فَهِيَ لِلتَّصْوِيرِ، وَلَا يَصِحُّ جَعْلُهَا لِلسَّبَبِيَّةِ. وَعِبَارَةُ الرَّمْلِيِّ كَابْنِ حَجَرٍ:" أَمَارَةٌ " وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَكَرُّرُهَا لَكِنْ تَعْبِيرُهُمْ بِالدَّوَرَانِ يُفِيدُ التَّكَرُّرَ. وَقَوْلُهُ: " لِحَاجَةٍ " فَإِنْ انْتَفَتْ الْحَاجَةُ جَازَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُزَوِّجَ الْمَجْنُونَةَ دُونَ الْمَجْنُونِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ تَزْوِيجَ الْمَجْنُونَةِ يُفِيدُهَا الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ. وَقَوْلُهُ: " عَدْلَيْنِ " قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: وَلَوْ فِي الرِّوَايَةِ، وَفِي الْخَطِيبِ وَغَيْرِهِ: عَدْلَيْ شَهَادَةٍ، وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا. وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا الِاكْتِفَاءُ بِعَدْلٍ وَاحِدٍ؛ ذَكَرَهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
وَلَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَلَا كَوْنُ الْإِخْبَارِ بِذَلِكَ لِلْقَاضِي بَلْ يَكْفِي فِي الْوُجُوبِ عَلَى الْأَبِ مُجَرَّدُ إخْبَارِ الْعَدْلِ بِالِاحْتِيَاجِ. وَقَوْلُهُ: " وَلَيْسَ فِي مَحَارِمِهِ " أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَحَارِمِ ذِي الْجُنُونِ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: " وَمُؤْنَةُ النِّكَاحِ إلَخْ " حَالٌ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ: " أَوْ بِاحْتِيَاجِهِ " أَيْ ذِي الْجُنُونِ لِلْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهَا خِدْمَةُ الزَّوْجِ وَأَنَّهَا لَوْ وَعَدَتْ بِذَلِكَ قَدْ لَا تَفِي بِهِ، إلَّا أَنَّ دَاعِيَةَ طَبْعِهَا وَمُسَامَحَتِهَا بِهِ غَالِبًا تَقْتَضِي ذَلِكَ فَاكْتُفِيَ بِذَلِكَ بَلْ أَكْثَرُهُنَّ يَعُدُّ تَرْكَهُ رُعُونَةً وَحُمْقًا. وَقَوْلُهُ:" وَمُؤْنَةُ النِّكَاحِ أَخَفُّ " أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ مُؤْنَةَ النِّكَاحِ أَخَفُّ، فَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً أَوْ مُسَاوِيَةً سَقَطَ الْوُجُوبُ، وَخُيِّرَ فِي الْمُسَاوَاةِ. وَقَوْلُهُ:" فَإِنْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُمَا " مَفْهُومٌ قَوْلُهُ مُطْبِقٌ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِفَاقَةَ وَإِنْ قَلَّتْ بِحَيْثُ وَسِعَتْ صِيغَةَ النِّكَاحِ مُعْتَبَرَةٌ. وَقَوْلُهُ: " حَتَّى يُفِيقَا وَيَأْذَنَا " مَفْهُومُهُ أَنَّهُمَا لَا يُزَوَّجَانِ مَا دَامَا مَجْنُونَيْنِ وَإِنْ أَضَرَّهُمَا عَدَمُ التَّزْوِيجِ، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى التَّضَرُّرِ وَعَدَمِهِ كَمَا فِي ابْنِ حَجَرٍ ذَكَرَهُ ع ش. وَبِعَوْدِ جُنُونِهِمَا يَبْطُلُ الْإِذْنُ. وَفَارَقَا الْمُحْرَمَ بِبَقَاءِ الْأَهْلِيَّةِ فِيهِ دُونَهُمَا وَالْمُرَادُ بِإِذْنِ الذَّكَرِ مُبَاشَرَتُهُ لِلْعَقْدِ أَوْ تَوْكِيلُهُ فِيهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ حُكْمَ تَزْوِيجِهِ حِينَئِذٍ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ لَا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ قُوَّةِ كَلَامِهِ أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ؛ لَكِنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ إنْ اشْتَدَّتْ حَاجَتُهُ إلَى النِّكَاحِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَاجِبٌ أَيْضًا فَحَرِّرْ ذَلِكَ وَانْظُرْ نَقْلًا صَرِيحًا.
قَوْلُهُ: (إذَا دَعَتْ) قَيْدٌ وَبَالِغَةً قَيْدٌ وَعَاقِلَةً قَيْدٌ إلَى كُفْءٍ قَيْدٌ، أَيْ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ عَضْلُهُ عِنْدَ الْقَاضِي إمَّا بِامْتِنَاعِهِ مِنْ التَّزْوِيجِ بَعْدَ أَمْرِ الْقَاضِي لَهُ أَوْ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِعَضْلِهِ.
سَفِيهَةً إلَى كُفْءٍ. وَامْتَنَعَ الْوَلِيُّ مِنْ تَزْوِيجِهِ، وَلَوْ عَيَّنَتْ كُفُؤًا وَأَرَادَ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ الْمُجْبِرُ كُفُؤًا غَيْرَهُ فَلَهُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ نَظَرًا مِنْهَا.
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَعْضِ أَحْكَامِ الْخِطْبَةِ وَهِيَ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْتِمَاسُ الْخَاطِبِ النِّكَاحَ مِنْ جِهَةِ الْمَخْطُوبَةِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَرِّحَ بِخِطْبَةِ) امْرَأَةٍ (مُعْتَدَّةٍ) بَائِنًا كَانَتْ أَوْ رَجْعِيَّةً بِطَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ أَوْ انْفِسَاخٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ مُعْتَدَّةٍ عَنْ شُبْهَةٍ لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235] الْآيَةُ. وَحَكَى ابْنُ عَطِيَّةَ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ وَالتَّصْرِيحُ مَا يَقْطَعُ بِالرَّغْبَةِ فِي النِّكَاحِ كَأُرِيدُ أَنْ أَنْكِحَك، وَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُك نَكَحْتُك؛ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَرَّحَ تَحَقَّقَتْ رَغْبَتُهُ فِيهَا فَرُبَّمَا تَكْذِبُ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ.
وَلَا يَجُوزُ تَعْرِيضٌ لِرَجْعِيَّةٍ؛ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ أَوْ فِي مَعْنَى الزَّوْجَةِ، وَلِأَنَّهَا مَجْفُوَّةٌ بِالطَّلَاقِ فَقَدْ تَكْذِبُ انْتِقَامًا. وَالتَّعْرِيضُ يَحْتَمِلُ الرَّغْبَةَ فِي النِّكَاحِ وَعَدَمَهَا كَقَوْلِهِ: أَنْتِ جَمِيلَةٌ. وَرُبَّ رَاغِبٍ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (ثُمَّ شَرَعَ فِي بَعْضِ أَحْكَامِ الْخِطْبَةِ) وَلَهَا حُكْمُ النِّكَاحِ مِنْ وُجُوبٍ وَنَدْبٍ وَكَرَاهَةٍ؛ لِأَنَّ الْوَسَائِلَ لَهَا حُكْمُ الْمَقَاصِدِ، فَإِنْ اُسْتُحِبَّ اُسْتُحِبَّتْ وَإِنْ كُرِهَ كُرِهَتْ ز ي. قَوْلُهُ:(وَهِيَ الْتِمَاسُ الْخَاطِبِ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ هَذَا مَعْنَاهَا شَرْعًا، أَمَّا فِي اللُّغَةِ فَمَأْخُوذَةٌ مِنْ الْخِطَابِ الَّذِي هُوَ اللَّفْظُ أَوْ مِنْ الْخَطْبِ بِمَعْنَى الشَّأْنِ وَالْحَالِ أَوْ الْأَمْرِ الْمُهِمِّ وَمِثْلُ الِالْتِمَاسِ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا، وَهِيَ التَّصْرِيحُ إذَا كَانَتْ مَعَ قَرِينَةِ تَزْوِيجِهَا. وَالْخِطْبَةُ لَيْسَتْ بِعَقْدٍ شَرْعِيٍّ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ السُّيُوطِيّ، قَالَ: وَإِنْ تُخُيِّلَ كَوْنُهَا عَقْدًا فَلَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ جَائِزٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَطْعًا كَمَا فِي سم عَلَى حَجّ. قَوْلُهُ: (مِنْ جِهَةِ الْمَخْطُوبَةِ) قَيَّدَ بِذَلِكَ لِيَشْمَلَ الْمَخْطُوبَةَ وَوَلِيَّ الْمَخْطُوبَةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَرِّحَ إلَخْ) فَيَحْرُمُ وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهَا، وَكَذَا مَا بَعْدَهَا أَيْ إنْ وَقَعَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَإِلَّا فَهُوَ صَحِيحٌ. قَوْلُهُ:(أَوْ فَسْخٍ) بِعَيْبٍ مِنْهَا أَوْ مِنْهُ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (أَوْ انْفِسَاخٍ) كَأَنْ أَرْضَعَتْ كُبْرَى زَوْجَتَيْهِ صُغْرَاهُمَا أَوْ بِأَنْ ارْتَدَّ أَوْ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَجْمَعْهُمَا الْإِسْلَامُ فِي الْعِدَّةِ.
قَوْلُهُ: لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا جُنَاحَ} [البقرة: 235] أَيْ لَا إثْمَ عَلَيْكُمْ وَقَوْلُهُ: {فِيمَا عَرَّضْتُمْ} [البقرة: 235] فَمَفْهُومُ قَوْلِهِ عَرَّضْتُمْ أَنَّ مَا صَرَّحْتُمْ بِهِ حَرَامٌ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: حِكْمَتُهُ أَنَّ فِي الْمَرْأَةِ مِنْ غَلَبَةِ الشَّهْوَةِ وَالرَّغْبَةِ فِي الْأَزْوَاجِ مَا قَدْ يَدْعُوهَا إلَى الْإِخْبَارِ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا كَاذِبَةً فَلِذَلِكَ حَرَّمَ اللَّهُ التَّصْرِيحَ بِخِطْبَتِهَا اهـ دَمِيرِيٌّ أج.
قَوْلُهُ: (أَنْ أَنْكِحَك) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُرِيدُ نِكَاحَهَا لِنَفْسِهِ، قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: نَكَحَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ يَنْكِحُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ نِكَاحًا، ثُمَّ قَالَ: وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ إلَى ثَانٍ فَيُقَالُ أَنْكَحْتُك الْمَرْأَةَ الرَّجُلَ؛ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ} [القصص: 27] فَهُوَ مِنْ أَنْكَحَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ إلَى اثْنَيْنِ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَشِّي صَحِيحٌ خِلَافًا لِمَنْ اعْتَرَضَهُ اهـ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ إذَا صَرَّحَ إلَخْ) هَذَا حِكْمَةٌ لَا عِلَّةٌ فَلَا يَرُدُّ مَا إذَا عَلِمَ ابْتِدَاءَ الْعِدَّةِ وَانْتِهَاءَهَا كَعِدَّةِ الْوَفَاةِ. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ: وَوَاضِحٌ أَنَّ هَذِهِ حِكْمَةٌ فَلَا تُرَدُّ الْمُعْتَدَّةُ بِالْأَشْهُرِ إذَا أَمِنَ كَذِبَهَا إذَا عَلِمَ وَقْتَ فِرَاقِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ التَّعْرِيضُ) وَإِنْ أَذِنَ الزَّوْجُ وَمِثْلُ التَّعْرِيضِ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا، قَالَ ق ل: وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ أَيْ إنْ وَقَعَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَإِلَّا فَهُوَ صَحِيحٌ، وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ خِطْبَةُ خَامِسَةٍ وَأُخْتُ زَوْجَتِهِ إذَا عَزَمَ عَلَى إزَالَةِ الْمَانِعِ عِنْدَ الْإِجَابَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ شَوْبَرِيٌّ. وَلَوْ خَطَبَ خَمْسًا دُفْعَةً أَوْ مُرَتَّبًا وَأُجِيبَ صَرِيحًا حَرُمَتْ خِطْبَةُ إحْدَاهُنَّ فَيَنْكِحُ أَرْبَعَةً مِنْهُنَّ أَوْ يَتْرُكُهُنَّ اهـ ز ي.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَةِ، فَانْظُرْ وَجْهَ التَّرْدِيدِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ. ثُمَّ رَأَيْت لِبَعْضِهِمْ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ أَوْ فِي مَعْنَى الزَّوْجَةِ إلَخْ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ فِي التَّعْبِيرِ أَيْ أَنْتَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ تُعَبِّرَ بِهَذَا أَوْ بِهَذَا. قَوْلُهُ:(وَلِأَنَّهَا مَجْفُوَّةٌ) أَيْ مَطْرُودَةٌ، قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: جَفَوْت الرَّجُلَ أَجْفُوهُ أَعْرَضْت عَنْهُ أَوْ طَرَدْته.
قَوْلُهُ: (وَالتَّعْرِيضُ مَا يَحْتَمِلُ الرَّغْبَةَ فِي النِّكَاحِ إلَخْ) فَهُوَ مِنْ الْكِنَايَةِ وَكَوْنُ الْكِنَايَةِ أَبْلَغَ مِنْ الصَّرِيحِ بِاتِّفَاقِ الْبُلَغَاءِ وَغَيْرِهِمْ إنَّمَا هُوَ لِمَلْحَظٍ يُنَاسِبُ تَدْقِيقَهُمْ الَّذِي لَا يُرَاعِيهِ الْفَقِيهُ، وَإِنَّمَا يُرَاعِي مَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّخَاطُبُ الْعُرْفِيُّ، وَمِنْ ثَمَّ افْتَرَقَ الصَّرِيحُ هُنَا وَثَمَّ اهـ
فِيك وَمَنْ يَجِدُ مِثْلَكِ؟ (وَيَجُوزُ أَنْ يُعَرِّضَ) لِغَيْرِ الرَّجْعِيَّةِ (بِنِكَاحِهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ) سَوَاءٌ كَانَتْ عِدَّةَ وَفَاةٍ أَمْ بَائِنٍ بِفَسْخٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ رِدَّةٍ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَلِانْقِطَاعِ سَلْطَنَةِ الزَّوْجِ عَنْهَا.
تَنْبِيهٌ: هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ صَاحِبِ الْعِدَّةِ الَّذِي يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا فِيهَا، أَمَّا هُوَ فَيَحِلُّ لَهُ التَّعْرِيضُ وَالتَّصْرِيحُ، وَأَمَّا مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا فِيهَا كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا فَوَطِئَهَا أَجْنَبِيٌّ بِشُبْهَةٍ فِي الْعِدَّةِ فَحَمَلَتْ مِنْهُ، فَإِنَّ عِدَّةَ الْحَمْلِ تُقَدَّمُ، وَلَا يَحِلُّ لِصَاحِبِ عِدَّةِ الشُّبْهَةِ أَنْ يَخْطُبَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ. وَحُكْمُ جَوَابِ الْمَرْأَةِ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ تَصْرِيحًا وَتَعْرِيضًا حُكْمُ الْخِطْبَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ.
وَيَحْرُمُ عَلَى عَالِمٍ خِطْبَةٌ عَلَى خِطْبَةٍ جَائِزَةٍ مِمَّنْ صَرَّحَ بِإِجَابَتِهِ إلَّا بِالْإِعْرَاضِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
ابْنُ حَجَرٍ وم ر. وَقَوْلُهُ: " مَا يَحْتَمِلُ الرَّغْبَةَ فِي النِّكَاحِ " أَيْ وَلَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى ذِكْرِ الْجِمَاعِ وَإِلَّا كَانَ صَرِيحًا كَقَوْلِهِ عِنْدِي جِمَاعٌ يُرْضِي مَنْ جُومِعَتْ؛ قَالَهُ ح ل. قَالَ ع ش عَلَى م ر. وَمُقْتَضَاهُ حُرْمَتُهَا حِينَئِذٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ حَرَامٌ وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [البقرة: 235] أَيْ نِكَاحًا فَالسِّرُّ كِنَايَةٌ عَنْ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ الْوَطْءُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُسَرُّ ثُمَّ عَبَّرَ بِالسِّرِّ الَّذِي هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ الْوَطْءِ عَنْ عَقْدِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ سَبَبٌ فِي الْوَطْءِ، وَقِيلَ: هُوَ الزِّنَا كَانَ الرَّجُلُ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ أَجْلِ الزِّنَا وَهُوَ يُعَرِّضُ بِالنِّكَاحِ وَيَقُولُ لَهَا دَعِينِي فَإِذَا أَوْفَيْتِي عِدَّتَك أَظْهَرْت نِكَاحَك.
قَوْلُهُ: (وَرُبَّ رَاغِبٍ فِيك) وَمِثْلُهُ إنِّي رَاغِبٌ فِيك وَإِنْ تُوُهِّمَ أَنَّهُ صَرِيحٌ بِحَسْبِ جَوْهَرِ اللَّفْظِ اهـ م ر.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ يَجِدُ مِثْلَك) وَإِنِّي رَاغِبٌ فِيك، وَأَمَّا الْكِنَايَةُ وَهِيَ الدَّلَالَةُ عَلَى الشَّيْءِ بِذِكْرِ لَازِمِهِ فَقَدْ تُفِيدُ مَا يُفِيدُهُ الصَّرِيحُ فَتَحْرُمُ نَحْوُ أُرِيدُ أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْك نَفَقَةَ الزَّوْجَاتِ وَأَتَلَذَّذَ بِك فَإِنْ حَذَفَ أَتَلَذَّذَ بِك لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا وَلَا تَعْرِيضًا ح ل. قَوْلُهُ:(لِغَيْرِ الرَّجْعِيَّةِ) مِثْلُهَا زَوْجُهَا الْمُرْتَدُّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعُودُ لِلْإِسْلَامِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ اهـ أج.
قَوْلُهُ: (وَلِانْقِطَاعِ سَلْطَنَةِ الزَّوْجِ إلَخْ) أَيْ مَعَ ضَعْفِ التَّعْرِيضِ، فَلَا يَرُدُّ أَنَّ السَّلْطَنَةَ أَيْضًا مُنْقَطِعَةٌ مَعَ التَّصْرِيحِ. قَالَ أج: نَعَمْ إنْ فَحُشَ بِأَنْ اشْتَمَلَ عَلَى ذِكْرِ الْجِمَاعِ حَرُمَ لِفُحْشِهِ أَوْ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيضَ بِالْجِمَاعِ تَصْرِيحٌ بِالْخِطْبَةِ.
قَوْلُهُ: (هَذَا كُلُّهُ) أَيْ عَدَمُ جَوَازِ التَّصْرِيحِ بِالْخِطْبَةِ وَجَوَازِ التَّعْرِيضِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ.
قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ صَاحِبِ الْعِدَّةِ) صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ صَاحِبِ الْعِدَّةِ بِالْمَرَّةِ أَوْ صَاحِبَ عِدَّةٍ لَا يَحِلُّ لَهُ النِّكَاحُ، فَيُفَصَّلُ كَمَا تَقَدَّمَ فَفِي الرَّجْعِيَّةِ يَمْتَنِعُ مُطْلَقًا، وَفِي غَيْرِهَا يَجُوزُ التَّعْرِيضُ. أَمَّا صَاحِبُ الْعِدَّةِ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا كَأَنْ خَالَعَهَا وَشَرَعَتْ فِي الْعِدَّةِ فَيَجُوزُ لَهُ التَّعْرِيضُ وَالتَّصْرِيحُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا، وَأَمَّا الرَّجْعِيَّةُ فَلَا يَجُوزُ لِصَاحِبِ الْعِدَّةِ تَعْرِيضٌ وَلَا تَصْرِيحٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ رَجْعَتُهَا. وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ صَرِيحَةٌ فِي جَوَازِ نِكَاحِهَا لِصَاحِبِ الْعِدَّةِ، فَيَجُوزُ لَهُ التَّعْرِيضُ وَالتَّصْرِيحُ، وَهِيَ ضَعِيفَةٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْعَقْدِ عَلَى الرَّجْعِيَّةِ الرَّجْعَةَ فَإِنَّهُ يَكُونُ كِنَايَةً فِي الرَّجْعَةِ فَإِنْ نَوَاهَا بِهِ حَصَلَتْ وَإِلَّا فَلَا تَحْصُلُ وَلَا يَصِحُّ عَقْدُ النِّكَاحِ الْمَذْكُورِ اهـ.
قَوْلُهُ: (فَحَمَلَتْ مِنْهُ إلَخْ) إنَّمَا قَيَّدَ الشَّارِحُ بِالْحَمْلِ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى غَيْرِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ حَمْلٌ فَإِنَّ عِدَّةَ الزَّوْجِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى غَيْرِهَا.
قَوْلُهُ: (لِصَاحِبِ عِدَّةِ الشُّبْهَةِ أَنْ يَخْطُبَهَا) مُجْمَلٌ وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً امْتَنَعَ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَتْ بَائِنًا جَازَ التَّعْرِيضُ؛ لَكِنْ الْعَقْدُ يَكُونُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ بَعْدَ الْوَضْعِ.
قَوْلُهُ: (وَحُكْمُ جَوَابِ الْمَرْأَةِ إلَخْ) لَوْ قَالَ: وَحُكْمُ جَوَابِ الْخِطْبَةِ إلَخْ لَكَانَ أَعَمَّ وَأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الْجَوَابَ مِنْ الْمَرْأَةِ وَمِمَّنْ يَلِي نِكَاحَهَا.
قَوْلُهُ: (عَلَى عَالِمٍ) أَيْ بِالْخِطْبَةِ الْأُولَى وَبِجَوَازِهَا وَبِالْإِجَابَةِ فِيهَا بِالصَّرِيحِ ق ل. فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ وَأَنْ لَا يَحْصُلَ إعْرَاضٌ وَأَنْ يَكُونَ الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ مُحْتَرَمًا.
قَوْلُهُ: (جَائِزَةٍ) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ مَكْرُوهَةً، خَرَجَ بِذَلِكَ غَيْرُ الْجَائِزَةِ كَأَنْ خَطَبَ فِي عِدَّةِ غَيْرِهِ. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ: وَتَحْرُمُ عَلَى عَالِمٍ خِطْبَةٌ عَلَى خِطْبَةٍ جَائِزَةٍ مِمَّنْ صَرَّحَ بِإِجَابَتِهِ إلَّا بِإِعْرَاضٍ بِإِذْنٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْخَاطِبِ أَوْ الْمُجِيبِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْأَوَّلُ مُسْلِمًا أَمْ كَافِرًا مُحْتَرَمًا.
بِإِذْنٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْخَاطِبِ أَوْ الْمُجِيبِ لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ: «لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ» وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ مَا فِيهِ مِنْ الْإِيذَاءِ. وَيَجِبُ ذِكْرُ عُيُوبِ مَنْ أُرِيدَ اجْتِمَاعٌ عَلَيْهِ لِمُنَاكَحَةٍ أَوْ نَحْوِهَا كَمُعَامَلَةٍ، وَأَخْذُ عِلْمٍ لِمُرِيدِهِ لِيُحْذَرَ بَذْلًا لِلنَّصِيحَةِ سَوَاءٌ اُسْتُشِيرَ الذَّاكِرُ فِيهِ أَمْ لَا، فَإِنْ انْدَفَعَ بِدُونِهِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَقَوْلُهُ: " عَلَى عَالِمٍ " أَيْ بِالْخِطْبَةِ وَبِالْإِجَابَةِ وَبِصَرَاحَتِهَا وَبِحُرْمَةِ الْخِطْبَةِ عَلَى الْخِطْبَةِ مِنْ ذَكَرٍ، وَخَرَجَ بِمَا ذَكَرَ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ خِطْبَةً أَوْ لَمْ يُجِبْ الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ أَوْ أُجِيبَ تَعْرِيضًا مُطْلَقًا أَوْ تَصْرِيحًا، وَلَمْ يَعْلَمْ الثَّانِي بِالْخِطْبَةِ أَوْ عَلِمَ بِهَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْإِجَابَةِ أَوْ عَلِمَ بِهَا وَلَمْ يَعْلَمْ كَوْنَهَا بِالصَّرِيحِ أَوْ عَلِمَ كَوْنَهَا بِالصَّرِيحِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْحُرْمَةِ أَوْ عَلِمَ بِهَا وَحَصَلَ إعْرَاضٌ مِمَّنْ ذَكَرَ أَوْ كَانَتْ الْخِطْبَةُ مُحَرَّمَةً كَأَنْ خَطَبَ فِي عِدَّةِ غَيْرِهِ فَلَا تَحْرُمُ خِطْبَتُهُ إذْ لَا حَقَّ لِلْأَوَّلِ فِي الْأَخِيرَةِ وَلِسُقُوطِ حَقِّهِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا وَالْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ فِي الْبَقِيَّةِ. وَيُعْتَبَرُ فِي التَّحْرِيمِ أَنْ تَكُونَ الْإِجَابَةُ مِنْ الْمَرْأَةِ إنْ كَانَتْ غَيْرَ مُجْبَرَةٍ وَمِنْ وَلِيِّهَا الْمُجْبِرِ إنْ كَانَتْ مُجْبَرَةً وَمِنْهَا مَعَ الْوَلِيِّ إنْ كَانَ الْخَاطِبُ غَيْرَ كُفْءٍ وَمِنْ السَّيِّدِ إنْ كَانَتْ أَمَةً غَيْرَ مُكَاتَبَةٍ وَمِنْهُ مَعَ الْأَمَةِ إنْ كَانَتْ وَمَعَ الْمُبَعَّضَةِ إنْ كَانَتْ غَيْرَ مُجْبَرَةٍ وَإِلَّا فَمَعَ وَلِيِّهَا وَمِنْ السُّلْطَانِ إنْ كَانَتْ مَجْنُونَةً بَالِغَةً وَلَا أَبَ وَلَا جَدَّ اهـ بِحُرُوفِهِ.
وَهِيَ مُوَفِّيَةٌ عَنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ فِي هَذَا الْمَقَامِ، فَقَوْلُهُ عَلَى عَالِمٍ جُمْلَةُ الْقُيُودِ تِسْعَةٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَى عَالِمٍ تَحْتَهُ أَرْبَعَةٌ وَقَوْلُهُ خِطْبَةٌ قَيْدٌ. وَقَوْلُهُ جَائِزَةٍ قَيْدٌ آخَرُ، وَصَرَّحَ قَيْدٌ وَبِإِجَابَتِهِ قَيْدٌ. وَقَوْلُهُ إلَّا بِإِعْرَاضٍ قَيْدٌ آخَرُ، فَالْجُمْلَةُ مَا ذَكَرَ وَإِنَّمَا كَانَ قَوْلُهُ إلَّا بِإِعْرَاضٍ قَيْدًا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ عِنْدَ عَدَمِ الْإِعْرَاضِ. وَقَوْلُهُ مِمَّنْ صَرَّحَ بِإِجَابَتِهِ صِفَةٌ لِخِطْبَةٍ أَيْ وَاقِعَةٍ مِمَّنْ صَرَّحَ، وَرَجَّحَ بَعْضُهُمْ فِي رَضِيتُك زَوْجًا أَنَّهُ تَعْرِيضٌ فَقَطْ وَفِيهِ نَظَرٌ. وَسُئِلَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ عَمَّنْ خَطَبَ امْرَأَةً ثُمَّ رَغِبَتْ عَنْهُ هِيَ أَوْ وَلِيُّهَا هَلْ يَرْتَفِعُ التَّحْرِيمُ عَمَّنْ يُرِيدُ خِطْبَتَهَا وَهَلْ هُوَ عَقْدٌ جَائِزٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ يَرْتَفِعُ تَحْرِيمُ الْخِطْبَةِ عَلَى الْغَيْرِ بِالرَّغْبَةِ عَنْهُ فِيمَا يَظْهَرُ وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ، وَإِنَّمَا تَعَرَّضُوا لِمَا إذَا سَكَتُوا أَوْ رَغِبَ الْخَاطِبُ، وَمَا بَحَثَهُ مِنْ ارْتِفَاعِ التَّحْرِيمِ عَنْهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ بِإِذْنٍ مِنْ الْخَاطِبِ أَوْ الْمُجِيبِ. اهـ. سم عَلَى حَجّ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ لَمْ تَحْصُلْ الْمَخْطُوبَةُ لِلْخَاطِبِ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَ أَوْ بِمَوْتِهَا رَجَعَ بِمَا دَفَعَهُ وَلَوْ نَحْوَ طَعَامٍ. اهـ. ق ل. وَقَوْلُهُ: " وَلَوْ نَحْوَ طَعَامٍ " رَدٌّ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ ذَهَبُوا إلَى أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ فِي الطَّعَامِ وَيَرْجِعُ فِي الْمَالِ اهـ.
قَوْلُهُ: (لَا يَخْطُبُ) بِضَمِّ الطَّاءِ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لَا نَاهِيَةً وَنَافِيَةً فَعَلَى الْأَوَّلِ يَخْطُب بِكَسْرِ الْبَاءِ وَعَلَى الثَّانِي بِضَمِّهَا فَلْتُرَاجَعْ الرِّوَايَةُ. اهـ. ع ش.
قَوْلُهُ: (عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ) ذِكْرُ الْأَخِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَلِأَنَّهُ أَسْرَعُ امْتِثَالًا أَيْ فِي أَنْ يَمْتَثِلَ لِأَجْلِهِ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ) أَيْ أَوْ الْوَلِيُّ.
قَوْلُهُ: (أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ) فِيهِ إظْهَارٌ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ لِلْإِيضَاحِ.
قَوْلُهُ: (وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ) أَيْ النَّهْيِ أَوْ النَّفْيِ الْمُرَادُ مِنْهُ النَّهْيُ. قَوْلُهُ: (مَا فِيهِ) أَيْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.
قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ ذِكْرُ إلَخْ) أَيْ عَلَى مَنْ عَلِمَ بِالْعُيُوبِ وَعَلِمَ سَلَامَةَ الْعَاقِبَةِ. وَقَدْ وَرَدَ: «أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَأَتَزَوَّجُ أَبَا جَهْمٍ أَمْ مُعَاوِيَةَ؟ فَقَالَ لَهَا صلى الله عليه وسلم: أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ الْعَصَا عَنْ عَاتِقِهِ» وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَضْرِبُ فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ أَيْ لَا يُؤْمَنُ مِنْ ضَرْبِهِ وَهَذَا مِنْ النَّصِيحَةِ: «وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ» أَيْ لَا مَالَ مَعَهُ، وَقِلَّةُ الْمَالِ عَيْبٌ عُرْفِيٌّ لَا شَرْعِيٌّ.
قَوْلُهُ: (ذِكْرُ عُيُوبِ) مِنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ، وَالْمُرَادُ الْعُيُوبُ الشَّرْعِيَّةُ وَكَذَا الْعُرْفِيَّةُ أَخْذًا مِنْ حَدِيثِ:«وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ» وَهَذَا أَحَدُ أَنْوَاعِ الْغِيبَةِ الْجَائِزَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي النَّظْمِ، قَالَ الْبَارِزِيُّ: وَلَوْ اُسْتُشِيرَ فِي أَمْرِ نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ فِيهِ وَجَبَ ذِكْرُهُ لِلزَّوْجَةِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا يُقَلِّلُ الرَّغْبَةَ فِيهِ، وَلَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ كَسُوءِ الْخُلُقِ وَالشُّحِّ اُسْتُحِبَّ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَعَاصِي وَجَبَ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ فِي الْحَالِ وَسِتْرُ نَفْسِهِ وَلَا يَذْكُرُهُ، وَإِنْ اُسْتُشِيرَ فِي وِلَايَةٍ فَإِنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ عَدَمَ الْكَفَاءَةِ أَوْ الْخِيَانَةَ وَأَنَّ نَفْسَهُ لَا تُطَاوِعُهُ عَلَى تَرْكِهَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ أَوْ يَقُولَ لَسْت أَهْلًا لِلْوِلَايَةِ اهـ.
وَوُجُوبُ التَّفْصِيلِ بَعِيدٌ وَالْأَوْجَهُ دَفْعُ ذَلِكَ بِنَحْوِ أَنَا لَا أَصْلُحُ لَكُمْ.
قَوْلُهُ: (لِمُرِيدِهِ) أَيْ مُرِيدِ الِاجْتِمَاعِ.
قَوْلُهُ: (لِيُحْذَرَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ مُتَعَلِّقٌ بِذِكْرِ وَاللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ، وَكَذَا قَوْلُهُ لِمُرِيدِهِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَلَامُهُ لِلتَّعْدِيَةِ،
بِأَنْ لَمْ يُحْتَجْ إلَى ذِكْرِهَا أَوْ اُحْتِيجَ إلَى ذِكْرِ بَعْضِهَا حَرُمَ ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْهَا فِي الْأَوَّلِ وَشَيْءٍ مِنْ الْبَعْضِ الْآخَرِ فِي الثَّانِي. قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: وَالْغِيبَةُ تُبَاحُ لِسِتَّةِ أَسْبَابٍ وَذَكَرَهَا، وَجَمَعَهَا غَيْرُهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ فَقَالَ:
لَقَبٌ وَمُسْتَفْتٍ وَفِسْقٌ ظَاهِرٌ
…
وَالظُّلْمُ تَحْذِيرُ مُزِيلِ الْمُنْكِرِ
قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُتَظَاهِرُ بِالْمَعْصِيَةِ عَالِمًا يُقْتَدَى بِهِ، فَتُمْنَعُ غِيبَتُهُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ إذَا اطَّلَعُوا عَلَى زَلَّتِهِ تَسَاهَلُوا فِي ارْتِكَابِ الذَّنْبِ انْتَهَى. وَسُنَّ خُطْبَةٌ بِضَمِّ الْخَاءِ قَبْلَ خِطْبَةٍ بِكَسْرِهَا.
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَقَوْلُهُ بَذْلًا لِلنَّصِيحَةِ عِلَّةٌ لِيَجِبَ. قَوْلُهُ: (لَقَبٌ) بِأَنْ اُشْتُهِرَ بِلَقَبٍ يَكْرَهُهُ كَالْأَعْمَشِ، فَيُذْكَرُ بِهِ لِتَعْرِيفِهِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّنْقِيصِ وَإِنْ أَمْكَنَ تَعْرِيفُهُ بِغَيْرِهِ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ:(وَمُسْتَفْتٍ) بِأَنْ ذَكَرَ وَحَالَ خَصْمِهِ مَعَ تَعْيِينِهِ لِلْمُفْتِي وَإِنْ أَغْنَى إجْمَالُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي التَّعْيِينِ فَائِدَةٌ شَرْحُ م ر؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَجْمَلَهُ لَرُبَّمَا كَانَ لَهُ فِي الْمَالِ الْمَسْرُوقِ شُبْهَةٌ كَأَبِيهِ وَشَرِيكِهِ فِيهِ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُقْتَضَى السَّرِقَةِ مِنْ الْقَطْعِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (وَفِسْقٌ ظَاهِرٌ) أَيْ أَنَّ غِيبَةَ الْفَاسِقِ تُبَاحُ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ؛ الْأَوَّلُ: أَنْ يَتَجَاهَرَ بِحَيْثُ لَا يُبَالِي مِنْ اطِّلَاعِ النَّاسِ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَذْكُرَهُ بِمَا يَتَجَاهَرُ بِهِ فَقَطْ حَتَّى لَوْ ذَكَرَهُ بِغَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ فِيهِ كَانَ غِيبَةً مُحَرَّمَةً. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ لِأَجْلِ نُصْحِ النَّاسِ وَتَبَاعُدِهِمْ عَنْهُ لَا لِحَظِّ نَفْسِهِ وَلَا لِكَرَاهِيَةٍ فِيهِ وَلَا لِازْدِرَائِهِ وَتَنْقِيصِهِ وَإِلَّا كَانَ غِيبَةً مُحَرَّمَةً شَيْخُنَا الْحَفْنَاوِيُّ. وَعِبَارَةُ م ر: وَمُجَاهَرَةٌ بِفِسْقٍ أَوْ بِدْعَةٍ بِأَنْ لَمْ يُبَالِ مَا يُقَالُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ ذَلِكَ لِخَلْعِهِ جِلْبَابَ الْحَيَاءِ فَسَقَطَتْ حُرْمَتُهُ لَكِنْ لَا يُذْكَرُ بِغَيْرِ مَا تَجَاهَرَ بِهِ اهـ، بِأَنْ تَجَاهَرَ بِالْمَكْسِ فَيُقَالُ فُلَانٌ مَكَّاسٌ أَوْ تَجَاهَرَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ فَيُقَالُ فُلَانٌ شَارِبُ الْخَمْرِ.
قَوْلُهُ: (وَالظُّلْمُ) أَيْ التَّظَلُّمُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ م ر أَيْ التَّظَلُّمُ لِمَنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى إنْصَافِهِ م ر، بِأَنْ يَقُولَ لِشَخْصٍ فُلَانٌ ظَلَمَنِي وَأَخَذَ مِنِّي كَذَا، وَقَوْلُهُ تَحْذِيرٌ هُوَ مَا نَحْنُ فِيهِ بِأَنْ يَذْكُرَ عُيُوبَ مَنْ أُرِيدَ اجْتِمَاعٌ عَلَيْهِ لِيُحْذَرَ، وَقَوْلُهُ مُزِيلِ الْمُنْكَرِ بِأَنْ يَقُولَ لِشَخْصٍ يَقْدِرُ عَلَى إزَالَةِ الْمُنْكَرِ فُلَانٌ يَزْنِي الْآنَ بِامْرَأَةٍ أَوْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَمُرَادُهُ الِاسْتِعَانَةُ بِهِ عَلَى تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ شَيْخُنَا. وَلِبَعْضِهِمْ؛
الْقَدْحُ لَيْسَ بِغِيبَةٍ فِي سِتَّةٍ
…
مُتَظَلِّمٍ وَمُعَرَّفٍ وَمُحَذَّرِ
وَلِمُظْهِرٍ فِسْقًا وَمُسْتَفْتٍ وَمَنْ
…
طَلَبَ الْإِعَانَةَ فِي إزَالَةِ مُنْكَرِ
قَوْلُهُ: (قَالَ الْغَزَالِيُّ إلَخْ) فِيهِ تَدَافُعٌ إذْ الْمُتَظَاهِرُ بِالْمَعْصِيَةِ لَا تَخْفَى عُيُوبُهُ عَنْ النَّاسِ. اهـ. ق ل. وَالْغَزَالِيُّ بِفَتْحِ الزَّايِ مُخَفَّفَةٌ وَمُشَدَّدَةٌ.
قَوْلُهُ: (الْمُتَظَاهِرُ بِالْمَعْصِيَةِ) فِي نُسْخَةٍ الْمُتَجَاهِرُ وَلَوْ أَنْفَقَ نَفَقَةً عَلَى مَخْطُوبَةٍ وَلَمْ يَتَزَوَّجْهَا وَكَانَ التَّرْكُ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا أَوْ بِالْمَوْتِ لَهُ أَوْ لَهَا رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَهُ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ، وَلَوْ أَنْفَقَ عَلَى زَوْجَتِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الدُّخُولِ لِأَجْلِ الدُّخُولِ ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَهُ أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَهُ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَمَحَلُّهُ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ الْهَدِيَّةَ لَا لِأَجْلِ تَزَوُّجِهِ بِهَا بِأَنْ أَطْلَقَ أَوْ قَصَدَ الْهَدِيَّةَ لِأَجْلِ تَزَوُّجِهِ بِهَا فَيَرْجِعُ فِيهِمَا، فَإِنْ قَصَدَ الْهَدِيَّةَ لَا لِأَجْلِ تَزَوُّجِهِ بِهَا فَلَا رُجُوعَ. اهـ. م د.
وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ: فَرْعٌ: دَفَعَ الْخَاطِبُ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ أَوْ وَلِيِّهِ شَيْئًا مِنْ مَأْكُولٍ أَوْ مَشْرُوبٍ أَوْ نَقْدٍ أَوْ مَلْبُوسٍ لِمَخْطُوبَتِهِ أَوْ وَلِيِّهَا ثُمَّ حَصَلَ إعْرَاضٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ مَوْتٌ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا رَجَعَ الدَّافِعُ أَوْ وَارِثُهُ بِجَمِيعِ مَا دَفَعَهُ إنْ كَانَ قَبْلَ الْعَقْدِ مُطْلَقًا، وَكَذَا بَعْدَهُ إنْ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ مَاتَا وَلَا رُجُوعَ بَعْدَ الدُّخُولِ مُطْلَقًا انْتَهَى؛ وَنُقِلَ مِثْلُهُ عَنْ م ر.
قَوْلُهُ: (وَسُنَّ خُطْبَةٌ بِضَمِّ الْخَاءِ) وَهِيَ كَلَامٌ مُفْتَتَحٌ بِحَمْدٍ مُخْتَتَمٍ بِوَعْظٍ وَدُعَاءٍ؛ زِيَادِيٌّ. فَيَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى الْخَاطِبُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيُوصِي بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ يَقُولُ: جِئْتُكُمْ خَاطِبًا كَرِيمَتَكُمْ أَوْ فَتَاتَكُمْ وَيَخْطُبُ الْوَلِيُّ كَذَلِكَ، ثُمَّ
وَأُخْرَى قَبْلَ الْعَقْدِ لِخَبَرِ: «كُلُّ كَلَامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَقْطَعُ» أَيْ عَنْ الْبَرَكَةِ، وَتَحْصُلُ السُّنَّةُ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الْعَقْدِ مِنْ الْوَلِيِّ أَوْ الزَّوْجِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ؛ وَلَوْ أَوْجَبَ وَلِيُّ الْعَقْدِ فَخَطَبَ الزَّوْجُ خُطْبَةً قَصِيرَةً عُرْفًا فَقَبِلَ صَحَّ الْعَقْدُ مَعَ الْخُطْبَةِ الْفَاصِلَةِ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ؛ لِأَنَّهَا مُقَدِّمَةُ الْقَبُولِ، فَلَا تَقْطَعُ الْوَلَاءَ كَالْإِقَامَةِ وَطَلَبِ الْمَاءِ وَالتَّيَمُّمِ بَيْنَ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ لَكِنَّهَا لَا تُسَنُّ، بَلْ يُسَنُّ تَرْكُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ يُونُسَ.
(وَالنِّسَاءُ) بِالنِّسْبَةِ إلَى إجْبَارِهِنَّ فِي التَّزْوِيجِ وَعَدَمِهِ (عَلَى ضَرْبَيْنِ) الْأَوَّلُ (بِكْرٌ) تُجْبَرُ (وَ) الثَّانِي (الثَّيِّبُ) لَا تُجْبَرُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
يَقُولُ: لَسْت بِمَرْغُوبٍ عَنْك أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. اهـ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَسَكَتَ عَنْ قِرَاءَةِ الْآيَةِ وَالدُّعَاءِ لِلْمُؤْمِنِينَ مَعَ نَدْبِهِمَا أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، مَعَ أَنَّهَا لَا تُسَمَّى خُطْبَةً إلَّا بِذَلِكَ إمَّا؛ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ:" خَاطِبًا كَرِيمَتَكُمْ " أَيْ لِي أَوْ لِابْنِي أَوْ لِزَيْدٍ. وَقَوْلُهُ: " أَوْ فَتَاتَكُمْ " الْفَتَى الشَّابُّ وَالْفَتَاةُ الشَّابَّةُ وَالْفَتَى أَيْضًا السَّخِيُّ وَالْكَرِيمُ اهـ.
قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَتَبَرَّكَ الْأَئِمَّةُ بِخُطْبَةِ النِّكَاحِ بِمَا رَوَى الْأَرْبَعَةُ وَالْحَاكِمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: «عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خُطْبَةَ الْحَاجَةِ فَلْيَقُلْ: إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] . {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء: 1] إلَى قَوْلِهِ {رَقِيبًا} [النساء: 1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70] {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [الأحزاب: 71] . . . إلَى قَوْلِهِ {عَظِيمًا} [الأحزاب: 71] » وَكَانَ أَحْمَدُ إذَا لَمْ تُذْكَرْ هَذِهِ الْخُطْبَةُ فِي عَقْدٍ انْصَرَفَ.
وَكَانَ الْقَفَّالُ يَقُولُ بَعْدَهَا: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا بِيَدِ اللَّهِ يَقْضِي فِيهَا مَا يَشَاءُ وَيْحُكُمْ مَا يُرِيدُ لَا مُؤَخِّرَ لِمَا قَدَّمَ وَلَا مُقَدِّمَ لِمَا أَخَّرَ وَلَا يَجْتَمِعُ اثْنَانِ وَلَا يَفْتَرِقَانِ إلَّا بِقَضَاءٍ وَقَدَرٍ وَكِتَابٍ قَدْ سَبَقَ وَإِنَّ مِمَّا قَضَى اللَّهُ وَقَدَّرَ أَنَّهُ خَطَبَ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ فُلَانَةَ ابْنَةَ فُلَانٍ عَلَى صَدَاقِ كَذَا أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ أَجْمَعِينَ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
وَلَفْظُ خُطْبَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ زَوَّجَ ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ لِعَلِيٍّ ابْنِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ «الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمَحْمُودِ بِنِعْمَتِهِ الْمَعْبُودِ بِقُدْرَتِهِ الْمُطَاعِ بِسُلْطَانِهِ الْمَرْهُوبِ مِنْ عَذَابِهِ وَسَطْوَتِهِ النَّافِذِ أَمْرُهُ فِي أَرْضِهِ وَسَمَائِهِ الَّذِي خَلَقَ الْخَلْقَ بِقُدْرَتِهِ وَسَيَّرَهُمْ بِأَحْكَامِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَجَعَلَ الْمُصَاهَرَةَ سَبَبًا لَاحِقًا وَأَمْرًا مُفْتَرَضًا شَبَّكَ بِهِ الْأَنَامَ وَأَكْرَمَ بِهِ الْأَرْحَامَ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا} [الفرقان: 54] ، وَلِكُلٍّ قَدَرٍ أَجَلٌ، وَ {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرعد: 38] {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 39] » الْآيَةُ: ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
قَوْلُهُ: (أَيْ عَنْ الْبَرَكَةِ) إنْ قُلْت هَلَّا قَالَ كَمَا سَبَقَ لَهُ فِي الْخُطْبَةِ أَيْ مَقْطُوعُ الْبَرَكَةِ. قُلْت: السَّابِقُ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ فَهُوَ أَجْذَمُ وَفِيهِ خَفَاءٌ فَاحْتَاجَ إلَى تَأْوِيلِهِ بِمَا هُوَ أَوْضَحُ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا هُنَا فَأَبْقَاهُ عَلَى أَصْلِهِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَوْجَبَ وَلِيُّ الْعَقْدِ) فَلَوْ أَوْجَبَ بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ فَقَبِلَ الزَّوْجُ سَاكِتًا انْعَقَدَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ. وَهَذِهِ حِيلَةٌ فِي إسْقَاطِ الْمُسَمَّى إذَا كَانَ كَثِيرًا وَلَمْ يَرْضَ بِهِ الزَّوْجُ فَطَرِيقُهُ فِي إسْقَاطِهِ أَنْ يَقْبَلَ سَاكِتًا. اهـ. ز ي.
قَوْلُهُ: (فَخَطَبَ الزَّوْجُ) ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ يَضُرُّ الْفَصْلُ بِخِطْبَةِ أَجْنَبِيٍّ، وَيُشْعِرُ بِهِ أَيْضًا التَّعْمِيمُ فِيمَا قَبْلَهُ مَعَ التَّقْيِيدِ؛ لَكِنَّ صَنِيعَ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ ظَاهِرٌ فِي خِلَافِهِ. وَعِبَارَةُ ح ل: وَالزَّوْجُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ الْأَجْنَبِيُّ أَوْ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى عَدَمِ طُولِ الْفَصْلِ بِسُكُوتٍ أَوْ بِمَا ذَكَرَ اهـ.
قَوْلُهُ: (الْفَاصِلَةِ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ) خَرَجَ الْخُطْبَةُ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَجَوَابِهَا فَهِيَ مَنْدُوبَةٌ أَيْضًا، فَالْمَنْدُوبُ ثَلَاثُ خُطَبٍ الَّتِي قَبْلَ الْخِطْبَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَ الْعَقْدِ وَاَلَّتِي بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَجَوَابِهَا.
قَوْلُهُ: (كَالْإِقَامَةِ) أَيْ لِلصَّلَاةِ. وَقَوْلُهُ: " بَيْنَ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ " رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ وَيَتَقَيَّدُ بِمَا إذَا لَمْ يُطِلْ الْفَصْلَ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا، وَضَبَطَ الْقَفَّالُ الطُّولَ بِأَنْ يَكُونَ زَمَنُهُ فِيهِ لَوْ سَكَتَا فِيهِ لَخَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ كَوْنِهِ جَوَابًا، وَالْأَوْلَى ضَبْطُهُ بِالْعُرْفِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَالَ شَيْخُنَا: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَضُرُّ الْفَصْلُ بِقَوْلِهِ قُلْ قَبِلْت قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يُحْتَاطُ لَهُ.
قَوْلُهُ: (لَكِنَّهَا لَا تُسَنُّ) هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيُسَنُّ الدُّعَاءُ لِلزَّوْجَيْنِ بِالْبَرَكَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ ز ي.
قَوْلُهُ: (كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ يُونُسَ) خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَبْطَلَ ح ل.
قَوْلُهُ: (وَعَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ إجْبَارِهِنَّ. قَوْلُهُ: (بِكْرٌ) لَوْ قَالَ أَبْكَارٌ وَثَيِّبَاتٌ لَكَانَ أَنْسَبَ ق ل، أَيْ لِيُطَابِقَ الْمُبْتَدَأَ وَهُوَ
(فَالْبِكْرُ) وَلَوْ كَبِيرَةً وَمَخْلُوقَةً بِلَا بَكَارَةٍ، أَوْ زَالَتْ بِلَا وَطْءٍ كَسَقْطَةٍ أَوْ حِدَّةِ حَيْضٍ (يَجُوزُ) وَيَصِحُّ (لِلْأَبِ وَالْجَدِّ) أَبِي الْأَبِ وَإِنْ عَلَا عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ أَوْ عَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ (إجْبَارُهَا عَلَى النِّكَاحِ) أَيْ تَزْوِيجُهَا لِخَبَرِ الدَّارَقُطْنِيِّ:«الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا وَالْبِكْرُ يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا» وَلِأَنَّهَا لَمْ تُمَارِسْ الرِّجَالَ بِالْوَطْءِ فَهِيَ شَدِيدَةُ الْحَيَاءِ.
تَنْبِيهٌ: لِتَزْوِيجِ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ الْبِكْرَ بِغَيْرِ إذْنِهَا شُرُوطٌ: الْأَوَّلُ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ. الثَّانِي: أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ كُفْءٍ. الثَّالِثُ: أَنْ يُزَوِّجَهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا. الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ. الْخَامِسُ: أَنْ لَا يَكُونَ الزَّوْجُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
كِنَايَةٌ عَنْ ضَرْبٍ وَالضَّرْبُ فِي الْمَعْنَى جَمْعٌ.
قَوْلُهُ: (فَالْبِكْرُ) أَيْ وَلَوْ حُكْمًا بِدَلِيلِ الْأَمْثِلَةِ الْآتِيَةِ. قَوْلُهُ: (وَمُخَدَّرَةٌ) الْمُخَدَّرَةُ هِيَ الَّتِي مُلَازِمَةٌ لِبَيْتِهَا. قَوْلُهُ: (أَوْ زَالَتْ) أَيْ أَوْ خُلِقَتْ بِبَكَارَةٍ وَزَالَتْ بِلَا وَطْءٍ، كَأَنْ زَالَتْ بِأُصْبُعٍ أَوْ نَحْوِهِ. قَوْلُهُ:(لِلْأَبِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَلِ الْمَالَ لِطُرُوِّ سَفَهٍ بَعْدَ الْبُلُوغِ عَلَى النَّصِّ؛ لِأَنَّ الْعَارَ عَلَيْهِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ وِلَايَةَ تَزْوِيجِهَا تَابِعَةٌ لِوِلَايَةِ مَالِهَا شَرْحُ م ر، أَيْ فَتَكُونُ لِلْقَاضِي.
قَوْلُهُ: (أَيْ تَزْوِيجُهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا) هُوَ تَفْسِيرٌ لِلْمُرَادِ بِالْإِجْبَارِ هُنَا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ الْإِكْرَاهَ ق ل.
قَوْلُهُ: (أَحَقُّ بِنَفْسِهَا) أَيْ فِي اخْتِيَارِهَا لِلزَّوْجِ أَوْ فِي الْإِذْنِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا أَحَقُّ بِنَفْسِهَا فِي الْعَقْدِ كَمَا يَقُولُهُ الْمُخَالِفُ وَهُمْ الْحَنَفِيَّةُ. وَالْإِمَامُ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ يُصَحِّحُهُ بِدُونِهِمَا مَعًا أَيْ الشُّهُودِ وَالْوَلِيِّ وَلَا حَدَّ فِيهِمَا أَيْضًا، نَعَمْ إنْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِبُطْلَانِهِ حُدَّ إنْ عَلِمَ قَبْلَ وَطْئِهِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
قَوْلُهُ: (شَدِيدَةُ الْحَيَاءِ) أَيْ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِهَا. قَوْلُهُ: (الْأَوَّلُ أَنْ لَا يَكُونَ إلَخْ) هَذَا شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ. قَوْلُهُ: (عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ) أَيْ بِحَيْثُ لَا تَخْفَى عَلَى أَهْلِ مَحَلَّتِهَا. وَخَرَجَ بِالْعَدَاوَةِ الْكَرَاهَةُ لِنَحْوِ بُخْلٍ أَوْ عَمًى أَوْ تَشَوُّهِ خِلْقَةٍ فَيُكْرَهُ التَّزْوِيجُ فَقَطْ، وَهَلْ مِثْلُهُ فِي ذَلِكَ وَكِيلُهُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ عَدَمِ الْعَدَاوَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْوَلِيِّ وَوَكِيلِهِ؟ اعْتَمَدَ م ر وحج الثَّانِيَ، قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَلَا حَاجَةَ لِاشْتِرَاطِ عَدَمِ عَدَاوَةِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ سَلِيقَةَ الْوَلِيِّ أَيْ طَبِيعَتَهُ تَدْعُوهُ إلَى أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُهَا مِنْ عَدُوِّهَا وَفِيهِ نَظَرٌ. اهـ. ق ل.
قَوْلُهُ: (الثَّانِي أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ كُفْءٍ) هُوَ شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ أَيْضًا. وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ خِصَالَ الْكَفَاءَةِ فِي قَوْلِهِ:
شَرْطُ الْكَفَاءَةِ خَمْسَةٌ قَدْ حُرِّرَتْ
…
يُنْبِيكَ عَنْهَا بَيْتُ شِعْرٍ مُفْرَدُ
نَسَبٌ وَدِينٌ حِرْفَةٌ حُرِّيَّةٌ
…
فَقْدُ الْعُيُوبِ وَفِي الْيَسَارِ تَرَدُّدُ
وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ وَلَا يَفْتَخِرُ بِهِ أَصْحَابُ الْمُرُوآتِ وَالْبَصَائِرِ، قَالَ الْعَلَّامَةُ مَرْعِيٌّ الْحَنْبَلِيُّ:
قَالُوا الْكَفَاءَةُ سِتَّةٌ فَأَجَبْتهمْ
…
قَدْ كَانَ هَذَا فِي الزَّمَانِ الْأَقْدَمِ
أَمَّا بَنُو هَذَا الزَّمَانِ فَإِنَّهُمْ
…
لَا يَعْرِفُونَ سِوَى يَسَارِ الدِّرْهَمِ
وَقَوْلُهُ: " حِرْفَةٌ " وَالْأَوْجَهُ مُرَاعَاةُ الْبَلَدِ فِي الْحِرَفِ وَالصَّنَائِعِ الَّتِي لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهَا الْفُقَهَاءُ. وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ مَا نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَيْهِ مِنْ رِفْعَةٍ أَوْ دَنَاءَةٍ نُعَوِّلُ عَلَيْهِ وَمَا لَمْ يَنُصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَيْهِ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى عُرْفِ الْبَلَدِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الزِّيَادِيِّ وَالرَّمْلِيِّ، فَفِي الْأَمْصَارِ التَّاجِرُ أَعْلَى رُتْبَةً مِنْ الزُّرَّاعِ وَفِي الْأَرْيَافِ الزُّرَّاعُ أَعْلَى رُتْبَةً مِنْ التَّاجِرِ حَتَّى لَوْ كَانَ عُرْفُ تِلْكَ الْبَلَدِ أَنَّ ابْنَ الْفَلَّاحِ أَشْرَفُ مِنْ ابْنِ الْعَالِمِ لَمْ يَكُنْ ابْنُ الْعَالِمِ كُفُؤًا لِبِنْتِ الْفَلَّاحِ؛ كَذَا ذَكَرَهُ سم عَنْ م ر. وَفِي شَرْحِ ابْنِ حَجَرٍ مَا يُخَالِفُهُ.
قَوْلُهُ: (الثَّالِثُ إلَخْ) هُوَ شَرْطٌ لِجَوَازِ الْإِقْدَامِ وَكَذَا الرَّابِعُ.
قَوْلُهُ: (مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ) الْمُرَادُ بِهِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ بِهِ فِيهَا وَلَوْ عَرُوضًا؛ قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ. وَمَحَلُّهُ فِي هَذَا مَا لَمْ يَكُونُوا بِبَلَدٍ يَعْتَادُونَ فِيهِ التَّزْوِيجَ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَإِلَّا لَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ
مُعْسِرًا بِالْمَهْرِ. السَّادِسُ: أَنْ لَا يُزَوِّجَهَا بِمَنْ تَتَضَرَّرُ بِمُعَاشَرَتِهِ كَأَعْمَى أَوْ شَيْخٍ هَرَمٍ. السَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونَ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهَا نُسُكٌ فَإِنَّ الزَّوْجَ يَمْنَعُهَا لِكَوْنِ النُّسُكِ عَلَى التَّرَاخِي وَلَهَا غَرَضٌ فِي تَعْجِيلِ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ. وَهَلْ هَذِهِ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ شُرُوطٌ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ الْإِذْنِ أَوْ لِجَوَازِ الْإِقْدَامِ فَقَطْ؟ فِيهِ مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ لِهَذَا وَمَا هُوَ مُعْتَبَرٌ لِذَلِكَ، فَالْمُعْتَبَرَاتُ لِلصِّحَّةِ بِغَيْرِ الْإِذْنِ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلِيِّهَا عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَأَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ كُفُؤًا، وَأَنْ يَكُونَ مُوسِرًا بِحَالِ صَدَاقِهَا، وَمَا عَدَا ذَلِكَ شُرُوطٌ لِجَوَازِ الْإِقْدَامِ. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ فِي الْإِجْبَارِ أَيْضًا انْتِفَاءُ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ انْتَهَى. وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ ظُهُورُ الْعَدَاوَةِ هُنَا كَمَا اُعْتُبِرَ ثَمَّ لِظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ الْمُجْبِرِ، بَلْ قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَا حَاجَةَ لِمَا قَالَهُ؛ لِأَنَّ انْتِقَاءَ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَلِيِّ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُزَوِّجَهَا إلَّا مِمَّنْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
لِجَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى ذَلِكَ م ر وحج.
قَوْلُهُ: (الْخَامِسُ أَنْ لَا يَكُونَ الزَّوْجُ إلَخْ) هُوَ شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ وَقَوْلُهُ مُعْسِرًا بِالْمَهْرِ أَيْ بِالْحَالِّ مِنْهُ دُونَ مَا اُعْتِيدَ تَأْجِيلُهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا بِالْحَالِّ مِنْهُ وَلَوْ زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَيَسَارُهُ بِحَالِّ صَدَاقِهَا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلَوْ زَوَّجَهَا مِنْ مُعْسِرٍ بِهِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ بَخَسَهَا حَقَّهَا، وَلَيْسَ مُفَرَّعًا عَلَى أَنَّ الْيَسَارَ مُعْتَبَرٌ فِي الْكَفَاءَةِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ اهـ. وَلَوْ زَوَّجَ الْوَلِيُّ مَحْجُورَهُ الْمُعْسِرَ بِنْتًا بِإِجْبَارِ وَلِيِّهَا لَهَا ثُمَّ دَفَعَ أَبُو الزَّوْجِ الصَّدَاقَ عَنْهُ بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَا يَصِحُّ؛؛ لِأَنَّهُ كَانَ حَالَ الْعَقْدِ مُعْسِرًا، فَالطَّرِيقُ أَنْ يَهَبَ الْأَبُ ابْنَهُ قَبْلَ الْعَقْدِ مِقْدَارَ الصَّدَاقِ وَيَقْبِضَهُ لَهُ ثُمَّ يُزَوِّجَهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْهِبَةِ لِلْوَلَدِ مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ أَنَّ الْأَبَ يَدْفَعُ عَنْ الِابْنِ مُقَدَّمَ الصَّدَاقِ قَبْلَ الْعَقْدِ؛ فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هِبَةً إلَّا أَنَّهُ يَنْزِلُ مَنْزِلَتَهَا بَلْ قَدْ يَدَّعِي أَنَّهُ هِبَةٌ ضِمْنِيَّةٌ لِلْوَلَدِ فَإِنَّ دَفْعَهُ لِوَلِيِّ الزَّوْجَةِ فِي قُوَّةٍ أَنْ يَقُولَ مَلَّكْت هَذَا لِابْنِي وَدَفَعْته لَك عَنْ الصَّدَاقِ الَّذِي قُدِّرَ لَهَا، وَانْظُرْ مَا ضَابِطُ الْيَسَارِ بِالْمَهْرِ هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ الدَّيْنِ وَالْخَادِمِ وَعَنْ مُؤْنَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ احْتَاجَ إلَى صَرْفِ شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُوسِرًا أَوْ لَا يُشْتَرَطُ الْفَضْلُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؟ رَاجِعْهُ وَحَرِّرْهُ، فَإِنَّ شَيْخَنَا تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ كَذَا بِخَطِّ الشَّيْخِ خ ض. قَوْلُهُ:(السَّادِسُ إلَخْ) هُوَ وَمَا بَعْدَهُ ضَعِيفَانِ.
قَوْلُهُ: (شُرُوطٌ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ) مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنٍ أَمَّا إذَا كَانَتْ بِكْرًا وَأَذِنَتْ فَلَا يُشْتَرَطُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَكُونَ مُوسِرًا) أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَمَا لَوْ دَفَعَ وَلِيُّ الصَّغِيرِ عَنْهُ الْمَهْرَ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ مَلَّكَهُ الْمَهْرَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا مَا يَقَعُ لِبَعْضِ الْفَلَّاحِينَ حَيْثُ يَسْتَعِيرُ الزَّوْجُ شَيْئًا مِنْ الصِّيغَةِ وَيَعْقِدُ عَلَيْهِ فَهُوَ عَارِيَّةٌ وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ حِينَئِذٍ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَمَا عَدَا ذَلِكَ شُرُوطٌ لِجَوَازِ الْإِقْدَامِ) حَاصِلُهُ أَنَّ الشُّرُوطَ سَبْعَةٌ: أَرْبَعَةٌ لِلصِّحَّةِ، وَهِيَ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلِيِّهَا عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ وَلَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ عَدَاوَةٌ مُطْلَقًا وَأَنْ تُزَوَّجَ مِنْ كُفْءٍ وَأَنْ يَكُونَ مُوسِرًا بِحَالِّ الصَّدَاقِ، فَمَتَى فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ كَانَ النِّكَاحُ بَاطِلًا إنْ لَمْ تَأْذَنْ. وَثَلَاثَةٌ لِجَوَازِ الْمُبَاشَرَةِ، وَهِيَ: كَوْنُهُ بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَمِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ وَكَوْنُهُ حَالًّا وَنَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ:
الشَّرْطُ فِي جَوَازِ إقْدَامٍ وَرَدْ
…
حُلُولُ مَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدْ
كَفَاءَةُ الزَّوْجِ يَسَارُهُ بِحَالِ
…
صَدَاقِهَا وَلَا عَدَاوَةٌ بِحَالِ
وَفَقْدُهَا مِنْ الْوَلِيِّ ظَاهِرَا
…
شُرُوطُ صِحَّةٍ كَمَا تَقَرَّرَا
قَوْلُهُ: (وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ) مُعْتَمَدٌ وَهَذَا مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ.
قَوْلُهُ: (انْتِفَاءُ الْعَدَاوَةِ) وَلَوْ بَاطِنَةً.
قَوْلُهُ: (لِظُهُورِ الْفَرْقِ) وَهُوَ كَوْنُهَا مُفَارِقَةً لِلْوَلِيِّ مُلَازِمَةً لِلزَّوْجِ. قَوْلُهُ: (لِمَا قَالَهُ) أَيْ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ مِنْ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ أَيْ مِنْ اشْتِرَاطِ انْتِفَاءِ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْعَدَاوَةِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الشَّرْطَ فِي الْوَلِيِّ انْتِفَاءُ الْعَدَاوَةِ الظَّاهِرَةِ، وَحِينَئِذٍ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ هُنَاكَ عَدَاوَةً بَاطِنَةً، وَحِينَئِذٍ فَرُبَّمَا زَوَّجَهَا لِعَدُوِّهَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: لَا يُقَالُ يَلْزَمُ مِنْ اشْتِرَاطِ عَدَالَتِهِ انْتِفَاءُ
يَحْصُلُ لَهَا مِنْهُ حَظٌّ وَمَصْلَحَةٌ لِشَفَقَتِهِ عَلَيْهَا، أَمَّا مُجَرَّدُ كَرَاهَتِهَا لَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَلَا يُؤَثِّرُ لَكِنْ يُكْرَهُ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَيُسَنُّ اسْتِئْذَانُ الْبِكْرِ إذَا كَانَتْ مُكَلَّفَةً لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ:«وَالْبِكْرُ يَسْتَأْمِرُهَا أَبُوهَا» وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ تَطَيُّبًا لِخَاطِرِهَا، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُكَلَّفَةِ فَلَا إذْنَ لَهَا. وَيُسَنُّ اسْتِفْهَامُ الْمُرَاهِقَةِ وَأَنْ لَا تُزَوَّجَ الصَّغِيرَةُ حَتَّى تَبْلُغَ، وَالسُّنَّةُ فِي الِاسْتِئْذَانِ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُرْسِلَ إلَيْهَا نِسْوَةً ثِقَاتٍ يَنْظُرْنَ مَا فِي نَفْسِهَا، وَالْأُمُّ بِذَلِكَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تَطَّلِعُ عَلَى مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهَا.
(وَالثَّيِّبُ) الْبَالِغَةُ (لَا يَجُوزُ) وَلَا يَصِحُّ (تَزْوِيجُهَا) وَإِنْ عَادَتْ بَكَارَتُهَا إلَّا بِإِذْنِهَا لِخَبَرِ الدَّارَقُطْنِيِّ السَّابِقِ وَخَبَرِ: «لَا تُنْكِحُوا الْأَيَامَى حَتَّى تَسْتَأْمِرُوهُنَّ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَلِأَنَّهَا عَرَفَتْ مَقْصُودَ النِّكَاحِ فَلَا تُجْبَرُ بِخِلَافِ الْبِكْرِ، فَإِنْ كَانَتْ الثَّيِّبُ صَغِيرَةً غَيْرَ مَجْنُونَةٍ وَغَيْرَ أَمَةٍ لَمْ تُزَوَّجْ سَوَاءٌ احْتَمَلَتْ الْوَطْءَ أَمْ لَا. (إلَّا بَعْدَ بُلُوغِهَا وَإِذْنِهَا) ؛ لِأَنَّ إذْنَ الصَّغِيرَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَامْتَنَعَ تَزْوِيجُهَا إلَى الْبُلُوغِ، أَمَّا الْمَجْنُونَةُ فَيُزَوِّجُهَا الْأَبُ وَالْجَدُّ عِنْدَ عَدَمِهِ قَبْلَ بُلُوغِهَا
لِلْمَصْلَحَةِ
، وَأَمَّا الْأَمَةُ فَلِسَيِّدِهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا وَكَذَا الْوَلِيُّ السَّيِّدُ عِنْدَ
الْمَصْلَحَةِ.
تَتِمَّةٌ: لَوْ وُطِئَتْ الْبِكْرُ فِي قُبُلِهَا وَلَمْ تَزُلْ بَكَارَتُهَا كَأَنْ كَانَتْ غَوْرَاءَ فَهِيَ كَسَائِرِ الْأَبْكَارِ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى تَعْلِيمِهِمْ بِمُمَارَسَةِ الرِّجَالِ خِلَافَهُ كَمَا أَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِهِمْ كَذَلِكَ إذَا زَالَتْ بِذَكَرِ حَيَوَانٍ غَيْرِ آدَمِيٍّ كَقِرْدٍ مَعَ أَنَّ الْأَوْجَهَ أَنَّهَا كَالثَّيِّبِ،
ــ
[حاشية البجيرمي]
عَدَاوَتِهِ لِتَنَافِيهِمَا؛؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ عَدَمُ الْفِسْقِ لَا الْعَدَالَةُ.
قَوْلُهُ: (أَمَّا مُجَرَّدُ كَرَاهَتِهَا) مُقَابِلُ قَوْلِهِ الْعَدَاوَةِ مِنْ قَوْلِهِ انْتِفَاءُ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهَا إلَخْ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْكَرَاهِيَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ لَا يُقَالُ لَهُ عَدَاوَةٌ وَقَوْلُهُ لَهُ أَيْ لِلزَّوْجِ.
قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ اسْتِفْهَامُ الْمُرَاهِقَةِ) كَأَنْ يَقُولَ أُزَوِّجُك أَوْ أَتَتَزَوَّجِي. وَعَبَّرَ بِالِاسْتِفْهَامِ دُونَ الِاسْتِئْذَانِ؛ لِأَنَّ الْمُرَاهِقَةَ لَا إذْنَ لَهَا مُعْتَبَرٌ، وَلَكِنَّ إذْنَ الْبَالِغَةِ فِي شُرُوطِ الصِّحَّةِ يَكْفِي فِيهِ السُّكُوتُ وَإِذْنُهَا فِي شُرُوطِ جَوَازِ الْإِقْدَامِ لَا يَكْفِي فِيهِ السُّكُوتُ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ النُّطْقِ؛ فَإِذَا اُسْتُؤْذِنَتْ فِي دُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَسَكَتَتْ لَا يَكُونُ إذْنًا بِالدُّونِ بَلْ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ.
قَوْلُهُ: «لَا تُنْكِحُوا الْأَيَامَى» فِيهِ أَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَيِّمَ شَامِلَةٌ لِلْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ، وَصَرَّحَ بِهِ الْجَلَالُ أَيْضًا؛ إلَّا أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ «حَتَّى تَسْتَأْمِرُوهُنَّ» أَيْ وُجُوبًا فِي الثَّيِّبِ وَنَدْبًا فِي غَيْرِهَا، فَلَا يُقَالُ الدَّلِيلُ أَعَمُّ مِنْ الْمُدَّعَى.
قَوْلُهُ: (وَإِذْنِهَا) أَيْ الْإِذْنِ بِالصَّرِيحِ أَيْ بِالنُّطْقِ بِهِ مِنْ النَّاطِقَةِ وَبِالْإِشَارَةِ أَوْ الْكِتَابَةِ مِنْ غَيْرِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْمَجْنُونَةِ فَلَا يُزَوِّجُهَا مُطْلَقًا. وَمِنْ صَرِيحِ الْإِذْنِ قَوْلُهَا رَضِيت بِمَا يَفْعَلُهُ أَبِي أَوْ أُمِّي أَوْ أَخِي أَوْ عَمِّي أَوْ رَضِيت بِمَا يَرْضَوْنَهُ أَوْ رَضِيت أَنْ أُزَوَّجَ أَوْ رَضِيت فُلَانًا زَوْجًا وَأَمَّا إنْ رَضِيَ أَبِي مَثَلًا فَقَدْ رَضِيت، فَلَيْسَ إذْنًا؛. اهـ. ق ل. وَيَكْفِي فِي الْبِكْرِ سُكُوتُهَا بَعْدَ اسْتِئْذَانِهَا وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ كَوْنَهُ إذْنًا وَلَمْ تَعْلَمْ الزَّوْجَ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ كُفْءٍ، وَتَرَدَّدَ شَيْخُنَا فِي خَرْسَاءَ لَا إشَارَةَ لَهَا مُفْهِمَةٌ وَلَا كِتَابَةَ ثُمَّ رَجَّحَ أَنَّهَا كَالْمَجْنُونَةِ. وَعِبَارَةُ عب: وَإِذَا لَمْ تَكُنْ ثَيِّبًا بِوَطْءٍ كَفَى سُكُوتُهَا بَعْدَ اسْتِئْذَانِهَا وَلَوْ لِغَيْرِ كُفْءٍ وَغَيْرِ مُعَيَّنٍ أَوْ جَهِلَتْ كَوْنَ الصَّمْتِ إذْنًا أَوْ بَكَتْ إلَّا مَعَ صِيَاحٍ وَلَوْ اسْتَأْذَنَهَا بِلَا مَهْرٍ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْهُ فَسَكَتَتْ لَمْ تَكُنْ آذِنَةً ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَحْيَا مِنْ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (لَوْ وُطِئَتْ الْبِكْرُ فِي قُبُلِهَا إلَخْ) وَلَوْ كَانَ لَهَا فَرْجَانِ أَصْلِيَّانِ فَوُطِئَتْ فِي أَحَدِهِمَا وَزَالَتْ بَكَارَتُهَا صَارَتْ ثَيِّبًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَصْلِيًّا وَالْآخَرُ زَائِدًا وَاشْتَبَهَ الْأَصْلِيُّ بِالزَّائِدِ فَلَا تَصِيرُ ثَيِّبًا إذْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْوَطْءُ فِي الزَّائِدِ وَالْوِلَايَةُ ثَابِتَةٌ فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ. اهـ. زي. وَقَوْلُهُ " صَارَتْ ثَيِّبًا " أَيْ وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَصْلِيًّا وَالْآخَرُ زَائِدًا وَتَمَيَّزَ وَوَطِئَ فِي الْأَصْلِ فَزَالَتْ بَكَارَتُهَا فَإِنَّهَا تَصِيرُ بِذَلِكَ ثَيِّبًا، بِخِلَافِ مَا إذَا وَطِئَ فِي الزَّائِدِ الْمُتَمَيِّزِ فَإِنَّهَا تَسْتَمِرُّ عَلَى بَكَارَتِهَا وَلَا تَصِيرُ بِذَلِكَ الْوَطْءِ ثَيِّبًا اهـ. وَعِبَارَةُ ق ل: وَلَمَّا تَعَدَّدَ الْفَرْجُ لَمْ يَزَلْ الْإِجْبَارُ بِالْوَطْءِ فِي الزَّائِدِ يَقِينًا وَلَا فِي أَحَدِ الْمُشْتَبِهَيْنِ لِلشَّكِّ فِي زَوَالِ الْوِلَايَةِ وَيَزُولُ بِالْوَطْءِ فِي أَحَدِ الْأَصْلِيَّيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِهَا؛ قَالَهُ شَيْخُنَا. وَيُتَّجَهُ فِي تَزْوِيجِهَا فِي الثَّالِثَةِ اعْتِبَارُ مَهْرِ بِكْرٍ نَظَرًا لِلْأَصْلِيِّ عَلَى الْآخَرِ وَوُجُوبُ مَهْرِ بِكْرٍ بِالْوَطْءِ فِيهِ بَلْ مَعَ أَرْشِ بَكَارَةٍ إذَا كَانَ الْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ، وَيُتَّجَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمُشْتَبِهَيْنِ وَاعْتِبَارِ إذْنِهَا احْتِيَاطًا؛ نَعَمْ لَا حَدَّ هُنَا بِوَطْئِهَا لِلشُّبْهَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ تَزُلْ بَكَارَتُهَا) وَيَتَقَرَّرُ الْمَهْرُ بِذَلِكَ الْوَطْءِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الصَّدَاقِ. قَوْلُهُ: (كَسَائِرِ الْأَبْكَارِ) فَيُزَوِّجُهَا أَبُوهَا