المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في المزارعة والمخابرة - حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب - جـ ٣

[البجيرمي]

فهرس الكتاب

- ‌ كِتَابُ الْبُيُوعِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الرِّبَا

- ‌[فَرَع لَوْ تلف الْمَبِيع بِآفَةِ فِي زَمَن الْخِيَار قَبْلَ الْقَبْضِ]

- ‌فَصْلٌ فِي السَّلَمِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الرَّهْنِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْحَجْرِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الصُّلْحِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْحَوَالَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الضَّمَانِ

- ‌فَصْلٌ: فِي كَفَالَةِ الْبَدَنِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الشَّرِكَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْوَكَالَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْإِقْرَارِ

- ‌فَصْلٌفِي الْعَارِيَّةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْغَصْبِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الشُّفْعَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْقِرَاضِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْمُسَاقَاةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْإِجَارَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْجَعَالَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمُخَابَرَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْوَقْفِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْهِبَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي اللُّقَطَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي أَقْسَامِ اللُّقَطَةِ]

- ‌فَصْلٌ: فِي اللَّقِيطِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْوَدِيعَةِ

- ‌[فَرْعٌ أَقَرَّتْ حَامِلٌ بِالرِّقِّ]

- ‌كِتَابُ بَيَانِ أَحْكَامِ الْفَرَائِضِ وَالْوَصَايَا

- ‌فَصْلٌ: فِي الْوَصِيَّةِ

- ‌كِتَابُ النِّكَاحِ

- ‌فَصْلٌ: فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْأَوْلِيَاءِ]

- ‌فَصْلٌ: فِي مُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الصَّدَاقِ

- ‌[فَرْعٌ لَوْ أَصْدَقَ حِفْظَ الْقُرْآنِ]

- ‌فَصْلٌ: فِي الْقَسْمِ وَالنُّشُوزِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْخُلْعِ

- ‌فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ

- ‌[فَصْلٌ أَقْسَام الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ حُرًّا كَانَ أَوْ رَقِيقًا مِنْ الطَّلْقَاتِ]

- ‌[فَرْعٌ لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِنَحْوِ دُخُولِهِ فَحُمِلَ سَاكِتًا قَادِرًا عَلَى الِامْتِنَاعِ وَأُدْخِلَ]

- ‌فَصْلٌ: فِي الرَّجْعَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي بَيَانِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ حِلُّ الْمُطَلَّقَةِ

الفصل: ‌فصل في المزارعة والمخابرة

غُصِبَ أَوْ تَرَكَهُ الْعَامِلُ أَوْ هَرَبَ وَلَوْ فِي دَارِ الْمَالِكِ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ لَهُ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ وَإِنْ حَضَرَ الْآبِقُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ اكْتَرَى مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ. فَأَتَى بِبَعْضِ الْأَعْمَالِ وَمَاتَ، حِينَئِذٍ يَسْتَحِقُّ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا عَمِلَ. وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْحَجِّ الثَّوَابُ، وَقَدْ حَصَلَ بِبَعْضِ الْعَمَلِ وَهُنَا لَمْ يَحْصُلْ شَيْءٌ مِنْ الْمَقْصُودِ، وَإِذَا رَدَّ الْآبِقَ عَلَى سَيِّدِهِ فَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ لِقَبْضِ الْجُعْلِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالتَّسْلِيمِ، وَلَا حَبْسَ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ وَكَذَا لَا يَحْبِسُهُ لِاسْتِيفَاءِ مَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، وَيُصَدَّقُ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ إذَا أَنْكَرَ شَرْطَ الْجُعْلِ لِلْعَامِلِ بِأَنْ اخْتَلَفَا فِيهِ فَقَالَ الْعَامِلُ: شَرَطْتَ لِي جُعْلًا وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ أَوْ أَنْكَرَ سَعْيَ الْعَامِلِ فِي رَدِّ الْآبِقِ بِأَنْ قَالَ: لَمْ تَرُدَّهُ، وَإِنَّمَا رَجَعَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الشَّرْطِ وَالرَّدِّ، فَإِنْ اخْتَلَفَ الْمُلْتَزِمُ مِنْ مَالِكٍ أَوْ غَيْرِهِ وَالْعَامِلُ فِي قَدْرِ الْجُعْلِ بَعْدَ فَرَاغِ الْعَمَلِ تَحَالَفَا وَفُسِخَ الْعَقْدُ، وَوَجَبَ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْإِجَارَةِ

‌فَصْلٌ فِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمُخَابَرَةِ

وَكِرَاءِ الْأَرْضِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

لِأَنَّ غَرَضَ الْوَاقِفِ إحْيَاءُ الْمَحَلِّ وَهُوَ حَاصِلٌ بِحُضُورِ غَيْرِ أَرْبَابِ الْوَظَائِفِ. وَقَوْلُهُ: " وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الِانْتِصَابُ " هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ الْمَعْلُومَ مَشْرُوطٌ بِحُضُورِهِ، وَالْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ فِي الْمُدَرِّسِ بِخِلَافِ الْإِمَامِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ حُضُورَ الْإِمَامِ بِدُونِ الْمُقْتَدِينَ يَحْصُلُ بِهِ إحْيَاءُ الْبُقْعَةِ بِالصَّلَاةِ فِيهَا وَلَا كَذَلِكَ الْمُدَرِّسُ فَإِنَّ حُضُورَهُ بِدُونِ مُتَعَلِّمٍ لَا فَائِدَةَ فِيهِ فَحُضُورُهُ يُعَدُّ عَبَثًا.

وَقَوْلُهُ: " بِعَدَمِ سُقُوطِ حَقِّهِ بِغَيْبَتِهِ " أَيْ وَإِنْ طَالَتْ مَا دَامَ الْعُذْرُ قَائِمًا، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ اسْتَنَابَ أَوْ عَجَزَ عَنْ الِاسْتِنَابَةِ، أَمَّا لَوْ غَابَ لِعُذْرٍ وَقَدَرَ عَلَى الِاسْتِنَابَةِ فَلَمْ يَفْعَلْ فَيَنْبَغِي سُقُوطُ حَقِّهِ لِتَقْصِيرِهِ. وَقَوْلُهُ:" بِحِلِّ النُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ " وَمِنْ ذَلِكَ الْجَوَامِكُ الْمُقَرَّرُ فِيهَا فَيَجُوزُ لِمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لَهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ مِنْ غَيْرِ جِهَةٍ بِبَيْتِ الْمَالِ النُّزُولُ عَنْهُ، وَيَصِيرُ الْحَالُ فِي تَقْرِيرِ مَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ لَهُ مَوْكُولًا إلَى نَظَرِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّقْرِيرِ فِيهِ كَالْبَاشَا، فَيُقَرِّرُ مَنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي تَقْرِيرِهِ مِنْ الْمَفْرُوغِ لَهُ أَوْ غَيْرِهِ. وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ يُقْرَأَ فِي مَدْرَسَتِهِ كِتَابٌ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَجِدْ الْمُدَرِّسُ مَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ لِسَمَاعِ ذَلِكَ الْكِتَابِ وَالِانْتِفَاعِ مِنْهُ قَرَأَ غَيْرَهُ، لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ شَرْطُ الْوَاقِفِ سَقَطَ اعْتِبَارُهُ وَفُعِلَ مَا يُمْكِنُ فِعْلُهُ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَا يَقْصِدُ تَعْطِيلَ وَقْفِهِ؛ شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (يَسْتَحِقُّ) عِبَارَةُ م ر: فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ. وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ إبْدَالُ " حِينَئِذٍ " بِقَوْلِهِ: حَيْثُ يَسْتَحِقُّ إلَخْ. فَلَعَلَّهُ تَحْرِيفٌ مِنْ النَّاسِخِ.

قَوْلُهُ: (لَمْ يَحْصُلْ شَيْءٌ مِنْ الْمَقْصُودِ) الْأَوْلَى لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ بِحَذْفِ شَيْءٌ وَمِنْ كَمَا قَالَهُ ق ل.

قَوْلُهُ: (بِإِذْنِ الْمَالِكِ) فَإِنْ تَعَذَّرَ فَبِإِذْنِ الْحَاكِمِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَبِالْإِشْهَادِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ لَمْ يَرْجِعْ وَإِنْ قَصَدَ الرُّجُوعَ ق ل. تَنْبِيهٌ: حَاصِلُ مَا هُنَا كَالْإِجَارَةِ أَنَّهُ إنْ سَلِمَ الْعَامِلُ وَوَصَلَ مَا عَمِلَ فِيهِ إلَى الْمَالِكِ اسْتَحَقَّ جَمِيعَ الْجُعْلِ، وَإِنْ سَلِمَ الْعَامِلُ وَحْدَهُ وَتَلِفَ مَعْمُولُهُ قَبْلَ تَمَامِ عَمَلِهِ، فَإِنْ وَقَعَ مُسَلَّمًا لِلْمَالِكِ كَأَنْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ أَوْ فِي مِلْكِهِ وَظَهَرَ أَثَرُهُ عَلَى الْمَحَلِّ وَأَمْكَنَ الْإِتْمَامُ عَلَيْهِ كَخِيَاطَةِ بَعْضِ الثَّوْبِ وَتَعْلِيمِ بَعْضِ مَا جُوعِلَ عَلَيْهِ وَبَعْضِ الْبِنَاءِ اسْتَحَقَّ الْقِسْطَ، وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَقَعْ مُسَلَّمًا لِلْمَالِكِ بِمَا مَرَّ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ عَلَى الْمَحَلِّ كَجَرَّةٍ انْكَسَرَتْ أَوْ لَمْ يُمْكِنُ الْإِتْمَامُ عَلَيْهِ كَثَوْبٍ احْتَرَقَ بَعْدَ خِيَاطَةِ بَعْضِهِ وَمُتَعَلِّمٍ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ تَعَلُّمِهِ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. اهـ. ق ل

[فَصْلٌ فِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمُخَابَرَةِ]

ِ ذَكَرَهُمَا عَقِبَ الْجِعَالَةِ؛ لِأَنَّ فِي كُلٍّ عَمَلًا مَجْهُولًا. وَالْمُخَابَرَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْخَبْرِ أَيْ الزَّرْعُ، قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: خَبَرْت الْأَرْضَ شَقَقْتهَا لِلزِّرَاعَةِ فَأَنَا خَبِيرٌ وَمِنْهُ الْمُخَابَرَةُ. وَاعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ الْمَكَاسِبِ الزِّرَاعَةُ ثُمَّ الصِّنَاعَةُ ثُمَّ التِّجَارَةُ حَيْثُ خَلَتْ مِنْ الْغِشِّ وَالْخِيَانَةِ وَالْأَيْمَانِ الْفَاجِرَةِ، قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: يَنْبَغِي لِلصَّانِعِ وَالتَّاجِرِ أَنْ يَقْصِدَ بِصَنْعَتِهِ أَوْ تِجَارَتَهُ الْقِيَامَ بِفَرْضٍ مِنْ

ص: 227

فَالْمُزَارَعَةُ تَسْلِيمُ الْأَرْضِ لِرَجُلٍ لِيَزْرَعَهَا بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَالْبَذْرُ مِنْ الْمَالِكِ. وَالْمُخَابَرَةُ كَالْمُزَارَعَةِ لَكِنَّ الْبَذْرَ مِنْ الْعَامِلِ. وَكِرَاءُ الْأَرْضِ سَيَأْتِي. فَلَوْ كَانَ بَيْنَ الشَّجَرِ نَخْلًا كَانَ أَوْ عِنَبًا أَرْضٌ لَا زَرْعَ فِيهَا صَحَّتْ الزِّرَاعَةُ عَلَيْهَا مَعَ الْمُسَاقَاةِ عَلَى الشَّجَرِ تَبَعًا لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، إنْ اتَّحَدَ عَقْدٌ وَعَامِلٌ بِأَنْ يَكُونَ عَامِلُ الْمُزَارَعَةِ هُوَ عَامِلُ الْمُسَاقَاةِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَإِنَّ الصِّنَاعَاتِ لَوْ تُرِكَتْ لَبَطَلَتْ الْمَعَايِشُ وَهَلَكَتْ الْخَلْقُ، وَلَوْ أَقْبَلَ كُلُّهُمْ عَلَى صَنْعَةٍ وَاحِدَةٍ تَعَطَّلَتْ الْبَوَاقِي وَهَلَكُوا؛ وَعَلَى هَذَا حُمِلَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ» أَيْ اخْتِلَافُ هِمَمِهِمْ فِي الصِّنَاعَاتِ وَالْحِرَفِ. وَمِنْ الصِّنَاعَاتِ مَا هِيَ مُهِمَّةٌ وَمَا يُسْتَغْنَى عَنْهَا لِخَسَّتِهَا كَالْحِجَامَةِ لِخُبْثِ كَسْبِ صَاحِبِهَا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ» فَيَنْبَغِي لِذِي الْهِمَّةِ وَالْمُرُوءَةِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِصَنْعَةٍ مُهِمَّةٍ لِيَكُونَ فِي قِيَامِهِ بِهَا كِفَايَةُ الْمُسْلِمِينَ بِمُهِمٍّ فِي الدِّينِ. وَيَجْتَنِبُ أَيْضًا صِنَاعَةَ الْغِشِّ وَالصِّيَاغَةِ وَمِنْ ذَلِكَ خِيَاطَةُ الْإِبْرَيْسَمِ لِلرِّجَالِ وَصِيَاغَةِ الصَّائِغِ خَوَاتِيمَ الذَّهَبِ لِلرِّجَالِ، فَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَاصِي وَالْأُجْرَةُ الْمَأْخُوذَةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْحُرْمَةِ قَزَّازَةُ الشُّدُودِ الْحَرِيرَ لِلرِّجَالِ؛ ذَكَرَهُ عَبْدُ الْبَرِّ الَأُجْهُورِيُّ.

وَعِبَارَةُ ع ش: أَفْضَلُ الْكَسْبِ الزِّرَاعَةُ ثُمَّ الصِّنَاعَةُ ثُمَّ التِّجَارَةُ أَيْ لِمَا فِي الزِّرَاعَةِ مِنْ مَزِيدِ التَّوَكُّلِ وَنَفْعِ الطُّيُورِ وَغَيْرِهَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَكْتَسِبُ بِالتِّجَارَةِ مَنْ لَهُ مَنْ يَتَّجِرُ لَهُ وَمِمَّنْ يَكْتَسِبُ بِالصِّنَاعَةِ مَنْ لَهُ صُنَّاعٌ تَحْتَ يَدِهِ وَهُوَ لَا يُبَاشِرُ وَمِمَّنْ يَكْتَسِبُ بِالزِّرَاعَةِ مَنْ لَهُ مَنْ يَزْرَعُ لَهُ وَهُوَ لَا يُبَاشِرُ اهـ ح ل.

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُد عليه السلام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ» اهـ؛؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيهِ إيصَالُ النَّفْعِ إلَى الْكَاسِبِ وَإِلَى غَيْرِهِ وَالسَّلَامَةُ عَنْ الْبَطَالَةِ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى الْفُضُولِ؛ لِأَنَّ فِي الْكَسْبِ كَسْرُ النَّفْسِ وَالتَّعَفُّفُ عَنْ ذُلِّ السُّؤَالِ. وَكَانَ دَاوُد عليه السلام يَعْمَلُ الزَّرَدَ يَبِيعُهُ لِقَوْمِهِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ حَاجَةٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا ابْتَغَى الْأَكْلَ مِنْ طَرِيقِ الْأَفْضَلِ. وَقَدْ كَانَ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ مِنْ سَعْيِهِ الَّذِي يَكْتَسِبُهُ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ بِالْجِهَادِ، وَهُوَ أَشْرَفُ الْمَكَاسِبِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِمَا فِيهِ مِنْ إعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ. وَكَانَ نُوحٌ نَجَّارًا وَإِبْرَاهِيمُ بَزَّازًا وَإِدْرِيسُ خَيَّاطًا، وَنَحْوُ هَذَا لَا يُفِيدُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتَاتُونَ مِنْ ذَلِكَ. وَذَكَرَ صَاحِبُ كِتَابِ: بَصَائِرُ الْقُدَمَاءِ وَسَرَائِرُ الْحُكَمَاءِ صِنَاعَةَ كُلِّ مَنْ عُلِمَتْ صِنَاعَتُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ فَقَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ بَزَّازًا وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ وَطَلْحَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَكَانَ عُمَرُ دَلَّالًا يَسْعَى بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَكَانَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ حَدَّادًا، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَدْعَانَ نَخَّاسًا أَيْ دَلَّالًا يَبِيعُ الْجَوَارِيَ، وَكَانَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ عَوَّادًا يَضْرِبُ بِالْعُودِ. وَكَانَ الْحَكَمُ بْنُ الْعَاصِ يَخْصِي الْغَنَمَ، وَكَانَ الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ بَيْطَارًا يُعَالِجُ الْخَيْلَ. وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إلَّا وَلَهُ صِنَاعَةٌ، وَكَذَلِكَ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم كَمَا تَقَدَّمَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَكَذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ؛ فَمِنْهُمْ الْقَفَّالُ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ كَانَا يَصْنَعَانِ الْأَقْفَالِ إلَى أَنْ فَعَلَ قُفْلًا بِمِفْتَاحِهِ وَزْنَ ثَلَاثِ حَبَّاتِ شَعِيرٍ فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ وَسَأَلَتْهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَلَمْ يُجِبْهَا، فَخَايَلَتْ عَلَيْهِ فَتَرَكَ الصَّنْعَةَ وَاشْتَغَلَ بِالْعِلْمِ. وَالزَّجَّاجَانِ كَانَا يَصْنَعَانِ الزُّجَاجَ، وَالْفَرَّاءُ كَانَ يَصْنَعُ الْفِرَاءَ، وَالْإِسْنَوِيُّ كَانَ نَجَّارًا وَالشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ الْمَحَلِّيُّ كَانَ تَاجِرًا تَحْتَ الرَّبْعِ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ بَقِيَّةِ الْعُلَمَاءِ كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ.

قَوْلُهُ: (فَالْمُزَارَعَةُ تَسْلِيمُ الْأَرْضِ) أَيْ بِعَقْدٍ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ عَامَلْتُك عَلَى الْأَرْضِ لِتَزْرَعَهَا وَالْغَلَّةُ الْحَاصِلَةُ بَيْنَنَا نِصْفَانِ مَثَلًا.

قَوْلُهُ: (لِرَجُلٍ) أَيْ مَثَلًا.

قَوْلُهُ: (وَكِرَاءُ الْأَرْضِ سَيَأْتِي) أَيْ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ أَكْرَاهُ إيَّاهَا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (فَلَوْ كَانَ بَيْنَ الشَّجَرِ) الْمُنَاسِبُ ذِكْرُ هَذَا بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ لَمْ يَجُزْ بَعْدَ تَقْيِيدِهِ بِقَوْلِهِ اسْتِقْلَالًا فِي جَانِبِ الْمُزَارَعَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ دُخُولٌ عَلَى الْمَتْنِ.

قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَكُونَ عَامِلُ الْمُزَارَعَةِ) أَيْ فَلَا يَضُرُّ تَعَدُّدُهُ فَالْمُرَادُ بِاتِّحَادِهِ أَنْ لَا تُفْرَدَ الْمُسَاقَاةُ بِعَامِلٍ وَالْمُزَارَعَةُ بِعَامِلٍ. قَوْلُهُ: (وَقُدِّمَتْ الْمُسَاقَاةُ) أَيْ فِي صِيغَةِ الْعَقْدِ أَيْ لَمْ تَتَأَخَّرْ الْمُسَاقَاةُ، فَيَدْخُلُ مَا لَوْ كَانَا مَعًا كَعَامَلْتُكَ

ص: 228

وَعَسُرَ إفْرَادُ الشَّجَرِ بِالسَّقْيِ وَقُدِّمَتْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى الْمُزَارَعَةِ لِتَحْصِيلِ التَّبَعِيَّةِ، وَأَنْ تَفَاوَتَ الْجُزْءَانِ الْمَشْرُوطَانِ مِنْ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَخَرَجَ بِالْمُزَارَعَةِ الْمُخَابَرَةُ فَلَا تَصِحُّ تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ لِعَدَمِ وُرُودِهَا كَذَلِكَ (وَإِذَا) أَفْرَدَتْ الْمُزَارَعَةَ أَوْ الْمُخَابَرَةَ بِأَنْ (دَفَعَ) مُطْلِقٌ التَّصَرُّفَ (إلَى رَجُلٍ أَرْضًا) أَيْ مَكَّنَهُ مِنْهَا (لِيَزْرَعَهَا) وَكَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْمَالِكِ (وَشَرَطَ لَهُ) أَيْ لِلْعَامِلِ (جُزْءًا) كَثِيرًا كَانَ أَوْ قَلِيلًا (مَعْلُومًا) كَالثُّلُثِ (مِنْ زَرْعِهَا) وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمُزَارَعَةِ أَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ وَشَرَطَ لَلْمَالِك كَمَا مَرَّ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمُخَابَرَةِ (لَمْ يَجُزْ) فِي الصُّورَتَيْنِ لِلنَّهْيِ عَنْ الْأُولَى فِي مُسْلِمٍ وَعَنْ الثَّانِيَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَالْمَعْنَى فِي الْمَنْعِ فِيهِمَا أَنَّ تَحْصِيلَ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ مُمْكِنَةٌ بِالْإِجَارَةِ فَلَمْ يَجُزْ الْعَمَلُ فِيهَا بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا كَالْمَوَاشِي بِخِلَافِ الشَّجَرِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ، فَجُوِّزَتْ الْمُسَاقَاةُ لِلْحَاجَةِ وَالْمُغَلُّ فِي الْمُخَابَرَةِ لِلْعَامِلِ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ يَتْبَعُ الْبَذْرَ وَعَلَيْهِ لِلْمَالِكِ أُجْرَةُ مِثْلِ الْأَرْضِ، وَفِي الْمُزَارَعَةِ لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ وَعَمَلِ دَوَابِّهِ وَعَمَلِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ آلَاتِهِ، سَوَاءٌ أَحَصَلَ مِنْ الزَّرْعِ شَيْءٌ أَمْ لَا أَخْذًا مِنْ نَظِيرِهِ فِي الْقِرَاضِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِبُطْلَانِ مَنْفَعَتِهِ إلَّا لِيَحْصُلَ لَهُ بَعْضُ الزَّرْعِ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ وَانْصَرَفَ كُلُّ الْمَنْفَعَةِ لِلْمَالِكِ اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ. وَطَرِيقُ جَعْلِ الْغَلَّةِ لَهُمَا فِي صُورَةِ إفْرَادِ الْأَرْضِ بِالْمُزَارَعَةِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْمَالِكُ الْعَامِلَ بِنِصْفِ الْبَذْرِ شَائِعًا لِيَزْرَعَ لَهُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

عَلَى كَذَا ق ل؛ لِأَنَّ عَامَلْتُك يَشْمَلُ الْمُسَاقَاةَ وَالْمُزَارَعَةَ، وَقَوْلُهُ كَذَلِكَ أَيْ تَابِعَةٌ.

قَوْلُهُ: (أَيْ مَكَّنَهُ مِنْهَا) تَفْسِيرٌ لِدَفْعٍ دَفَعَ بِهِ مَا يُقَالُ إنَّ الْأَرْضَ غَيْرُ مَنْقُولَةٍ فَلَا يُمْكِنُ دَفْعُهَا.

قَوْلُهُ: (لَمْ يَجُزْ) أَيْ يَحْرُمُ وَلَا يَصِحُّ ق ل.

قَوْلُهُ: (فِي الصُّورَتَيْنِ) أَمَّا فِي الْمُخَابَرَةِ فَوِفَاقًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَيَضْمَنُ الْعَامِلُ أُجْرَةَ الْأَرْضِ إذَا أَخَّرَ حَتَّى فَاتَ الزَّرْعُ، وَأَمَّا فِي الْمُزَارَعَةِ فَمُخَالِفٌ الْإِمَامَ أَحْمَدَ وَلَا يَضْمَنُ الْعَامِلُ فِيهَا أُجْرَةَ الْأَرْضِ إذَا أَخَّرَ حَتَّى فَاتَ الزَّرْعُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، إذَا وَقَعَ ذَلِكَ مَعَ صِحَّةِ الْعَقْدِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ الْحِفْظَ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ.

قَوْلُهُ: (مُمْكِنَةٌ) الْمُنَاسِبُ مُمْكِنٌ. وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ " تَحْصِيلَ " اكْتَسَبَ التَّأْنِيثَ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (كَالْمَوَاشِي) وَسَيَأْتِي تَصْوِيرُهُ فِي كَلَامٍ فِي التَّتِمَّةِ الْآتِيَةِ، وَهُوَ مَا لَوْ أَعْطَاهَا لَهُ لِيَتَعَهَّدَهَا أَوْ يَعْمَلَ عَلَيْهَا وَالْفَوَائِدُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ بَاطِلٌ. فَرْعٌ: مَوْتُ الْعَامِلِ وَهَرَبُهُ فِي الْمُزَارَعَةِ كَالْمُسَاقَاةِ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ الْتَزَمَ عَمَلًا بِذِمَّتِهِ وَمَاتَ قَبْلَ إتْمَامِهِ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ.

قَوْلُهُ: (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الشَّجَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ فَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ، وَأَمَّا اسْتِئْجَارُ شَخْصٍ لِخِدْمَتِهِ فَلَيْسَ مِنْ قَبِيلِ إجَارَةِ الشَّجَرِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (نَمَاءُ) هُوَ بِالْمَدِّ الزِّيَادَةُ، أَمَّا بِلَا مَدٍّ فَاسْمٌ لِصِغَارِ النَّمْلِ سم.

قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ الزَّرْعِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ مَجَّانًا، سم. قَوْلُهُ:(فِي الْقِرَاضِ) أَيْ الْفَاسِدِ فَإِنَّ الْمَالِكَ يَلْزَمُهُ فِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْعَامِلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رِبْحٌ، وَإِلَّا فَالْقِرَاضُ الصَّحِيحُ إذَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ رِبْحٌ لَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ.

قَوْلُهُ: (بِبُطْلَانِ مَنْفَعَتِهِ) أَيْ إتْلَافِهَا. قَوْلُهُ: (وَطَرِيقُ جَعْلِ الْغَلَّةِ لَهُمَا إلَخْ) وَمَنْ زَارَعَ عَلَى أَرْضٍ بِجُزْءٍ مِنْ الْغَلَّةِ فَعَطِلَ بَعْضُهَا لَزِمَهُ أُجْرَتُهُ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ، لَكِنْ غَلَّطَهُ التَّاجُ الْفَزَارِيّ وَهُوَ الْأَوْجُهُ، وَلَوْ تَرَكَ الْفَلَاحُ السَّقْيَ مَعَ صِحَّةِ الْمُعَامَلَةِ حَتَّى فَسَدَ الزَّرْعُ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ، وَعَلَيْهِ حِفْظُهُ شَرْحِ م ر. وَكَتَبَ ع ش عَلَى قَوْلِهِ:" وَهُوَ الْأَوْجُهُ "، وَخَرَجَ بِالْمُزَارَعَةِ الْمُخَابَرَةُ فَتُضْمَنُ وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ حَجَرٍ، قَالَ سم: كَأَنَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْمُخَابِرَ فِي مَعْنَى مُسْتَأْجِرِ الْأَرْضِ فَيَلْزَمُهُ أُجْرَتُهَا وَإِنْ عَطَّلَهَا بِخِلَافِ الْمُزَارِعِ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى الْأَجِيرِ عَلَى عَمَلٍ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إذَا عَطَّلَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ مَنْفَعَتَهَا وَلَا بَاشَرَ إتْلَافَهَا فَلَا وَجْهَ لِلُّزُومِ. وَقَوْلُهُ: " مَعَ صِحَّةِ الْمُعَامَلَةِ " أَيْ بِخِلَافِهِ مَعَ فَسَادِهَا، إذْ لَا يَلْزَمُهُ عَمَلٌ وَقَدْ بَذَرَ الْبَذْرَ بِالْإِذْنِ. اهـ. رَشِيدِيٌّ. وَقَالَ الْحِفْنِيُّ: قَوْلُهُ: " وَطَرِيقُ جَعْلِ الْغَلَّةِ لَهُمَا إلَخْ " الْفَرْقُ بَيْنَ الطَّرِيقَيْنِ أَنَّ الْأُجْرَةَ فِي الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ عَيْنٌ وَفِي الثَّانِيَةِ عَيْنٌ وَمَنْفَعَةٌ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْمَالِكُ الْعَامِلَ) أَيْ وَدَوَابَّهُ وَآلَاتِهِ فَيَكُونُ نِصْفُ الْبَذْرِ وَنِصْفُ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ مَعًا أُجْرَةً لِنِصْفِ عَمَلِ الْعَامِلِ وَآلَاتِهِ وَدَوَابِّهِ جَمِيعًا، وَيَجُوزُ كَوْنُ الْأُجْرَةِ نِصْفَ الْبَذْرِ وَحْدَهُ وَيُعِيرُهُ الْمَالِكُ نِصْفَ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ، وَيَجُوزُ كَوْنُ الْأُجْرَةِ نِصْفَ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ وَيُقْرِضُهُ الْمَالِكُ أَوْ يَهَبُهُ نِصْفَ الْبَذْرِ، وَيَجُوزُ كَوْنُ نِصْفِ الْبَذْرِ وَنِصْفِ

ص: 229

النِّصْفَ الْآخَرَ فِي الْأَرْضِ، وَيُعِيرَهُ نِصْفَ الْأَرْضِ شَائِعًا أَوْ يَسْتَأْجِرَ الْعَامِلَ بِنِصْفِ الْبَذْرِ شَائِعًا وَنِصْفِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ كَذَلِكَ لِيَزْرَعَ لَهُ النِّصْفَ الْآخَرَ مِنْ الْبَذْرِ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ مِنْ الْأَرْضِ، فَيَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ فِي الزَّرْعِ عَلَى الْمُنَاصَفَةِ وَلَا أُجْرَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ يَسْتَحِقُّ مِنْ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْ الزَّرْعِ، وَلِلْمَالِكِ مِنْ مَنْفَعَتِهِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْ الزَّرْعِ، وَطَرِيقُ جَعْلِ الْغَلَّةِ لَهُمَا فِي الْمُخَابَرَةِ وَلَا أُجْرَةَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْعَامِلُ نِصْفَ الْأَرْضِ بِنِصْفِ الْبَذْرِ وَنِصْفِ عَمَلِهِ وَمَنَافِعِ دَوَابِّهِ وَآلَاتِهِ، أَوْ بِنِصْفِ الْبَذْرِ وَيَتَبَرَّعَ بِالْعَمَلِ وَالْمَنَافِعِ. وَلَا بُدَّ فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ مِنْ رِعَايَةِ الرُّؤْيَةِ وَتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ شُرُوطِ الْإِجَارَةِ.

(وَإِنْ أَكْرَاهُ إيَّاهَا) أَيْ الْأَرْضَ لِلزِّرَاعَةِ (بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ) أَوْ بِهِمَا مَعًا أَوْ بِعُرُوضٍ كَالْفُلُوسِ وَالثِّيَابِ (أَوْ شَرَطَ لَهُ طَعَامًا مَعْلُومًا فِي ذِمَّتِهِ) قَدْرُهُ وَجِنْسُهُ وَنَوْعُهُ وَصِفَتُهُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ الْمُكْتَرِي (جَازَ) ذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ بَلْ نَقَلَ بَعْضُهُمْ فِيهِ الْإِجْمَاعَ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ مَعًا أَوْ أَحَدَهُمَا أُجْرَةً لِعَمَلِ الْعَامِلِ وَحْدَهُ وَيُعِيرُ لِلْمَالِكِ نِصْفَ مَنْفَعَةِ نَفْسِهِ أَوْ عَكْسُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ ق ل.

قَوْلُهُ: (مِنْ رِعَايَةِ الرُّؤْيَةِ) أَيْ رُؤْيَةِ الْأُجْرَةِ وَالْمُؤَجِّرُ.

وَقَوْلُهُ: " أَوْ شَرَطَ " أَيْ الْمُكْرِي، وَقَوْلُهُ:" لَهُ " أَيْ لِمُكْرِي، وَقَوْلُهُ:" فِي ذِمَّتِهِ " أَيْ الْمُكْتَرِي. وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَوْ بِطَعَامٍ مَعْلُومٍ إلَخْ، بَدَلَ قَوْلِهِ: وَشَرَطَ إلَخْ، وَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: بِذَهَبٍ. فَائِدَةٌ: كُلُّ مَنْ زَرَعَ أَرْضًا بِبَذْرِهِ فَالزَّرْعُ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَلَّاحًا يَزْرَعُ بِالْمُقَاسَمَةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ عَمَلُ الشَّامِ، وَأَنَا أَرَاهُ وَأَرَى وَجْهَهُ مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ أَنَّ الْفَلَّاحَ كَأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ الْبَذْرِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ بِالشَّرْطِ الْمَعْلُومِ بَيْنَهُمَا فَثَبَتَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِذَا عُرِفَ هَذَا وَتَعَدَّى شَخْصٌ عَلَى أَرْضٍ وَغَصَبَهَا وَهِيَ فِي يَدِ الْفَلَّاحِ فَزَرَعَهَا عَلَى الْعَادَةِ لَا تَقُولُ الزَّرْعُ لِلْغَاصِبِ بَلْ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ عَلَى يَدِ الْمُقَاسَمَةِ؛ وَهَذِهِ فَائِدَةٌ تَنْفَعُك فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ اهـ مِنْ فَتَاوَى السُّبْكِيّ، وَمِنْهَا نُقِلَتْ. وَهُوَ غَرِيبٌ، أَيْ مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ، إذَا فِيهِ دُخُولُ الْبَذْرِ فِي مِلْكِ صَاحِبِ الْأَرْضِ بِمُجَرَّدِ قَصْدِ الْفَلَّاحِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ فَلْيُحَرَّرْ. ثُمَّ رَأَيْتُ فِي كِتَابِ:" الْبَرَكَةُ فِي فَضْلِ السَّعْيِ وَالْحَرَكَةِ وَمَا يُنْجِي بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْهَلَكَةِ " لِلْعَلَّامَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَصَّابِيِّ مَا نَصُّهُ: وَعِنْدَ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ رحمه الله أَنَّ الْمُزَارَعَةَ وَهِيَ الْمُعَامَلَةُ عَلَى الْأَرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا لَا تَجُوزُ إلَّا عَلَى بَيَاضٍ يَتَخَلَّلُ النَّخْلَ وَالْعِنَبَ تَبَعًا لَهُمَا، وَلَا تَجُوزُ عَلَى أَرْضٍ لَا نَخِيلَ فِيهَا وَلَا عِنَبَ سَوَاءٌ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْمَالِكِ أَوْ الْعَامِلِ؛ لِمَا رَوَى ثَابِتُ بْنُ الضَّحَّاكِ:«أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْمُزَارَعَةِ» وَقَالَ: أَحْمَدُ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ جَازَ وَتِلْكَ الْمُزَارَعَةُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَامِلِ لَمْ يَجُزْ وَهِيَ الْمُخَابَرَةُ، وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى جَوَازِهَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْمَالِكِ أَوْ الْعَامِلِ. وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ: زَارَعْتُكَ عَلَى هَذِهِ الْأَرْضِ عَلَى أَنَّ لَك نِصْفَ زَرْعِهَا أَوْ ثُلُثَهُ؛ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ:«أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُكْرِي مَزَارِعَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ» . قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَزَارَعَ عَلِيٌّ وَسَعْدٌ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْقَاسِمُ وَعُرْوَةُ وَآلُ أَبِي بَكْرٍ وَآلُ عُمَرَ وَآلُ عَلِيٍّ وَابْنُ سِيرِينَ وَعَامَلَ عُمَرُ عَلَى أَنَّهُ إذَا جَاءَ الْبَذْرُ مِنْ عِنْدِهِ فَلَهُ الشَّطْرُ وَإِنْ جَاءُوا بِالْبَذْرِ فَلَهُمْ كَذَلِكَ، قَالَ النَّوَوِيُّ: تَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ وَالْمُخَابَرَةُ، وَصَنَّفَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِيهَا جُزْءًا وَبَيَّنَ عِلَلَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِالنَّهْيِ وَجَمَعَ بَيْنَ أَحَادِيثِ الْبَابِ، ثُمَّ تَابَعَهُ الْخَطَّابِيُّ وَقَالَ: ضَعَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدِيثَ النَّهْيِ وَقَالَ: هُوَ مُضْطَرِبٌ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَأَبْطَلَهَا مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقِفُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: فَالْمُزَارَعَةُ جَائِزَةٌ وَهِيَ عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالْمُخْتَارُ جَوَازُ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُخَابَرَةِ، وَتَأْوِيلُ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّهُ إذَا شَرَطَ لِوَاحِدٍ مِنْهَا زَرْعَ قِطْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَلِآخَرَ أُخْرَى قُلْت بِصِحَّتِهَا؛ وَالْقَوْلُ بِجَوَازِهَا حَسَنٌ يَنْبَغِي

ص: 230