المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل: في الوقف - حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب - جـ ٣

[البجيرمي]

فهرس الكتاب

- ‌ كِتَابُ الْبُيُوعِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الرِّبَا

- ‌[فَرَع لَوْ تلف الْمَبِيع بِآفَةِ فِي زَمَن الْخِيَار قَبْلَ الْقَبْضِ]

- ‌فَصْلٌ فِي السَّلَمِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الرَّهْنِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْحَجْرِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الصُّلْحِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْحَوَالَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الضَّمَانِ

- ‌فَصْلٌ: فِي كَفَالَةِ الْبَدَنِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الشَّرِكَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْوَكَالَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْإِقْرَارِ

- ‌فَصْلٌفِي الْعَارِيَّةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْغَصْبِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الشُّفْعَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْقِرَاضِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْمُسَاقَاةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْإِجَارَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْجَعَالَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمُخَابَرَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْوَقْفِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْهِبَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي اللُّقَطَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي أَقْسَامِ اللُّقَطَةِ]

- ‌فَصْلٌ: فِي اللَّقِيطِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْوَدِيعَةِ

- ‌[فَرْعٌ أَقَرَّتْ حَامِلٌ بِالرِّقِّ]

- ‌كِتَابُ بَيَانِ أَحْكَامِ الْفَرَائِضِ وَالْوَصَايَا

- ‌فَصْلٌ: فِي الْوَصِيَّةِ

- ‌كِتَابُ النِّكَاحِ

- ‌فَصْلٌ: فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْأَوْلِيَاءِ]

- ‌فَصْلٌ: فِي مُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الصَّدَاقِ

- ‌[فَرْعٌ لَوْ أَصْدَقَ حِفْظَ الْقُرْآنِ]

- ‌فَصْلٌ: فِي الْقَسْمِ وَالنُّشُوزِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْخُلْعِ

- ‌فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ

- ‌[فَصْلٌ أَقْسَام الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ حُرًّا كَانَ أَوْ رَقِيقًا مِنْ الطَّلْقَاتِ]

- ‌[فَرْعٌ لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِنَحْوِ دُخُولِهِ فَحُمِلَ سَاكِتًا قَادِرًا عَلَى الِامْتِنَاعِ وَأُدْخِلَ]

- ‌فَصْلٌ: فِي الرَّجْعَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي بَيَانِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ حِلُّ الْمُطَلَّقَةِ

الفصل: ‌فصل: في الوقف

فَضْلِ الْمَاءِ لَهَا وَلَا يَجِبُ بَذْلُهُ لِزَرْعِ الْغَيْرِ كَسَائِرِ الْمَمْلُوكَاتِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ بَذْلُهُ لِلْمَاشِيَةِ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ، وَلَا يَجِبُ بَذْلُ فَضْلِ الْكَلَإِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَخْلَفُ فِي الْحَالِ وَيُتَمَوَّلُ فِي الْعَادَةِ وَزَمَنُ رَعْيِهِ يَطُولُ بِخِلَافِ الْمَاءِ، وَحَيْثُ لَزِمَهُ بَذْلُ الْمَاءِ لِلْمَاشِيَةِ لَزِمَهُ أَنْ يُمَكِّنَهَا مِنْ وُرُودِ الْبِئْرِ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِهِ وَإِلَّا فَلَا كَمَا مَرَّ وَحَيْثُ لَزِمَهُ الْبَذْلُ لَمْ يَجُزْ أَخْذُ عِوَضٍ عَلَيْهِ وَإِنْ صَحَّ بَيْعُ الطَّعَامِ لِلْمُضْطَرِّ لِصِحَّةِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلَا يَجِبُ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْبَذْلُ إعَارَةُ آلَةِ الِاسْتِقَاءِ.

تَتِمَّةٌ: يُشْتَرَطُ فِي بَيْعِ الْمَاءِ التَّقْدِيرُ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ لَا بِرَيِّ الْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَوَازِ الشُّرْبِ مِنْ مَاءِ السِّقَاءِ بِعِوَضٍ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي شُرْبِ الْآدَمِيِّ أَهْوَنُ مِنْهُ فِي شُرْبِ الْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ وَيَجُوزُ الشُّرْبُ وَسَقْيُ الدَّوَابِّ مِنْ الْجَدْوَلِ وَالْأَنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ إذَا كَانَ السَّقْيُ لَا يَضُرُّ بِمَالِكِهَا إقَامَةً لِلْإِذْنِ الْعُرْفِيِّ مَقَامَ اللَّفْظِيِّ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ لَوْ كَانَ النَّهْرُ لِمَنْ لَا يُعْتَبَرُ إذْنُهُ كَالْيَتِيمِ وَالْأَوْقَافِ الْعَامَّةِ فَعِنْدِي فِيهِ وَقْفَةٌ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ. وَالْقَنَاةُ أَوْ الْعَيْنُ الْمُشْتَرَكَةُ يُقَسَّمُ مَاؤُهَا عِنْدَ ضِيقِهِ عَنْهُمْ بِنَصْبِ خَشَبَةٍ فِي عُرْضِ النَّهْرِ فِيهَا ثُقَبٌ مُتَسَاوِيَةٌ أَوْ مُتَفَاوِتَةٌ عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ مِنْ الْقَنَاةِ أَوْ الْعَيْنِ، وَلِلشُّرَكَاءِ الْقِسْمَةُ مُهَايَأَةً وَهِيَ أَمْرٌ يَتَرَاضَوْنَ عَلَيْهِ كَأَنْ يَسْقِيَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَوْمًا، أَوْ بَعْضُهُمْ يَوْمًا وَبَعْضُهُمْ أَكْثَرَ بِحَسَبِ حِصَّتِهِ. وَإِذَا سَقَى زَرْعَهُ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ ضَمِنَ الْمَاءَ بِبَدَلِهِ وَالْغَلَّةُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ لِلْبَذْرِ، فَإِنْ غَرِمَ الْبَدَلَ وَتَحَلَّلَ مِنْ صَاحِبِ الْمَاءِ كَانَتْ الْغَلَّةُ أَطْيَبَ لَهُ مِمَّا لَوْ غَرِمَ الْبَدَلَ فَقَطْ؛ وَلَوْ أَشْعَلَ نَارًا فِي حَطَبٍ مُبَاحٍ لَمْ يَمْنَعْ أَحَدًا الِانْتِفَاعَ بِهَا، وَلَا الِاسْتِصْبَاحَ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ الْحَطَبُ لَهُ فَلَهُ الْمَنْعُ مِنْ الْأَخْذِ مِنْهَا كَالْمَاءِ لَا الِاصْطِلَاءِ بِهَا وَلَا الِاسْتِصْبَاحِ مِنْهَا.

‌فَصْلٌ: فِي الْوَقْفِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْأَوْلَى الْمَاءُ. قَوْلُهُ: (وَلَا مَاشِيَةٍ) كَنَطْحِهَا.

قَوْلُهُ: (اسْتِقَاءُ فَضْلِ الْمَاءِ) بِأَنْ يَنْقُلُوهُ لَهَا.

قَوْلُهُ: (كَسَائِرِ الْمَمْلُوكَاتِ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بَذْلُهَا لِلْغَيْرِ مَجَّانًا. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ بَذْلُ فَضْلِ الْكَلَإِ) هَذَا خَارِجٌ بِقَوْلِهِ " الْمَاءِ ".

قَوْلُهُ: (مِنْ وُرُودِ الْبِئْرِ) أَيْ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْعَيْنِ كَمَا سَلَف.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ صَحَّ بَيْعُ الطَّعَامِ) ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ يُتَمَوَّلُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ عَلَى إلَخْ) هَذَا خَارِجٌ أَيْضًا بِقَوْلِهِ " الْمَاءِ ".

قَوْلُهُ: (تَتِمَّةٌ إلَخْ) فِيهَا مَسَائِلُ خَمْسَةٌ: الْأُولَى: تَقْدِيرُ الْمَاءِ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ. الثَّانِيَةُ: جَوَازُ الشُّرْبِ مِنْ الْجَدْوَلِ إلَخْ.

الثَّالِثَةُ: كَيْفِيَّةُ قِسْمَةِ الْمَاءِ الْمُشْتَرَكِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ غَصَبَ الْمَاءَ. الْخَامِسَةُ: لَوْ أَشْعَلَ نَارًا فِي حَطَبٍ مُبَاحٍ إلَخْ وَالِاصْطِلَاءُ التَّدَفِّي وَالِاسْتِصْبَاحُ الْإِسْرَاجُ.

قَوْلُهُ: (وَبَيْنَ جَوَازِ الشُّرْبِ مِنْ مَاءِ السِّقَاءِ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا بِرَيِّ الْآدَمِيِّ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ: ق ل.

قَوْلُهُ: (مِنْ الْجَدَاوِلِ) جَمْعُ جَدْوَلٍ وَهُوَ النَّهْرُ الصَّغِيرُ، فَعَطْفُ الْأَنْهَارِ عَطْفٌ عَامٌّ عَلَى خَاصٍّ.

قَوْلُهُ: (مُتَسَاوِيَةٌ) أَيْ إنْ تَسَاوَتْ الْحِصَصُ وَقَوْلُهُ أَوْ مُتَفَاوِتَةٌ، أَيْ إنْ تَفَاوَتَتْ الْحِصَصُ فَاَلَّذِي لَهُ فَدَّانَانِ ثَقَبْته قَدْرَ ثُقْبَةِ الَّذِي لَهُ فَدَّانٌ مَرَّتَيْنِ.

قَوْلُهُ: (وَتَحَلَّلَ مِنْ صَاحِبِ الْمَاءِ) أَيْ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُبَرِّئَ ذِمَّتَهُ وَأَنْ يُسَامِحَهُ.

قَوْلُهُ: (كَانَتْ الْغَلَّةُ أَطْيَبَ) اُنْظُرْ مَا مَعْنَى الْأَطْيَبِيَّةِ، فَإِنَّ الْحِلَّ يَحْصُلُ بِرَدِّ الْبَدَلِ إلَيْهِ ق ل. وَقَدْ يُقَالُ: " لِلتَّحَلُّلِ فَائِدَةٌ وَهِيَ أَنَّهُ لَا يَبْقَى فِي النَّفْسِ شَيْءٌ فَلَا يَزُولُ إلَّا بِالتَّحَلُّلِ.

[فَصْلٌ فِي الْوَقْفِ]

ذَكَرَهُ عَقِبَ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ لِمُنَاسَبَتِهِ لَهُ فِي أَنَّ الْأَوَّلَ إثْبَاتُ مِلْكٍ وَإِحْدَاثُهُ وَفِي الثَّانِي إزَالَةُ مِلْكٍ وَمِنْ جُمْلَةِ الْعَلَّاقَاتِ

ص: 241

هُوَ وَالتَّحْبِيسُ وَالتَّسْبِيلُ بِمَعْنًى وَهُوَ لُغَةً الْحَبْسُ يُقَالُ وَقَفْتُ كَذَا أَيْ حَبَسْتُهُ وَلَا يُقَالُ أَوْقَفْته إلَّا فِي لُغَةٍ تَمِيمِيَّةٍ وَهِيَ رَدِيئَةٌ وَعَلَيْهَا الْعَامَّةُ وَهُوَ عَكْسُ حَبَسَ فَإِنَّ الْفَصِيحَ أَحْبِسُ وَأَمَّا حَبَسَ فَلُغَةٌ رَدِيئَةٌ وَشَرْعًا حَبْسُ مَالٍ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ بِقَطْعِ التَّصَرُّفِ فِي رَقَبَتِهِ عَلَى مَصْرِفٍ مُبَاحٍ مَوْجُودٍ وَيُجْمَعُ عَلَى وُقُوفٍ وَأَوْقَافٍ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] فَإِنَّ أَبَا طَلْحَةَ لَمَّا سَمِعَهَا رَغِبَ فِي وَقْفِ بَيْرُحَا وَهِيَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إلَيْهِ وَخَبَرُ مُسْلِمٍ «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الضِّدْيَةِ، وَالْوَقْفُ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا قَالَهُ م ر وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: وَأَشَارَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ الْوَقْفَ مِنْ خَصَائِصِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَيْ وَقْفَ الْأَرْضِ وَالْعَقَارِ، قَالَ: وَلَا يُعْرَفُ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ اهـ وَفِي الْخَصَائِصِ وَشَرْحِهَا: وَاخْتَصَّ وَأُمَّتَهُ بِالْأَشْهُرِ الْهِلَالِيَّةِ وَبِالْوَقْفِ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ أَوْ خَاصَّةٍ، قَالُوا: الْوَقْفُ مِمَّا اُخْتُصَّ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، قَالَ: الشَّافِعِيُّ لَمْ يَحْبِسْ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فِيمَا عَلِمْت إنَّمَا حَبَسَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ، يَعْنِي تَحْبِيسَ الْأَرَاضِيِ وَالْعَقَارِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْمَعْرُوفِ، وَإِلَّا فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الْمِلَلَ السَّابِقَةَ كَانُوا يَحْبِسُونَ أَمْوَالًا لَا يُبَيِّنُونَ لَهَا مَصْرِفًا بَلْ الْوَقْفُ شَهِيرٌ بَيْنَ أَكْثَرِ الْمِلَلِ، فَقَدْ نَقَلَ الْمَقْرِيزِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الرُّومَ تَزْعُمُ أَنَّ بِلَادَ مَقْدُونِيَّةَ بِأَسْرِهَا مِنْ إسْكَنْدَرِيَّةَ إلَى الصَّعِيدِ الْأَعْلَى وَقْفٌ فِي الْقَدِيمِ عَلَى الْكَنِيسَةِ الْعُظْمَى الَّتِي بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ وَمَقْدُونِيَّةُ بِاللِّسَانِ الْعِبْرَانِيُّ مِصْرُ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَانَ بِمَدِينَةِ سُومَانَ مِنْ بِلَادِ الْهِنْدِ صَنَمٌ لَهُ مِنْ الْوُقُوفِ مَا يَزِيدُ عَلَى عَشْرَةِ آلَافِ قَرْيَةٍ يُصْرَفُ رِيعُهَا عَلَى أَلْفِ رَجُلٍ مِنْ الْبَرْهَمِيِّينَ يَعْبُدُونَهُ. فَمُرَادُ إمَامِنَا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْمَعْرُوفِ الْآنَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ، وَمِنْ هَذَا التَّقْدِيرِ اسْتَبَانَ أَنَّ الْوَقْفَ لَيْسَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِنَا خِلَافًا لِلْمُؤَلِّفِ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَمِمَّا يُرْشِدُكَ إلَى ذَلِكَ تَصْرِيحُ بَعْضِهِمْ بِأَنَّ أَوْقَافَ الْخَلِيلِ عليه الصلاة والسلام بَاقِيَةٌ إلَى الْآنَ. اهـ. مُنَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (حَبَّسْتُهُ) بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ.

قَوْلُهُ: (وَأَمَّا حَبَسَ) أَيْ بِالتَّخْفِيفِ، وَأَمَّا بِالتَّشْدِيدِ فَلَا رَدَاءَةَ فِيهِ أج.

قَوْلُهُ: (حَبْسُ مَالٍ إلَخْ) اشْتَمَلَ هَذَا التَّعْرِيفُ عَلَى الْأَرْكَانِ؛ لِأَنَّ مَالًا هُوَ الْمَوْقُوفُ. وَقَوْلُهُ " عَلَى مَصْرِفٍ " هُوَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ، وَالْحَبْسُ يَتَضَمَّنُ حَابِسًا وَهُوَ الْمَوْقُوفُ وَيَتَضَمَّنُ صِيغَةً. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " مَالٍ " أَوْ عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ مُتَمَوِّلَةٍ بِشَرْطِهَا الْآتِي، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمَالِ عَيْنُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّهَا تَنْعَدِمُ بِصَرْفِهَا فَلَا يَبْقَى لَهَا عَيْنٌ مَوْجُودَةٌ.

قَوْلُهُ: (بِقَطْعِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ " حَبْسُ " وَالْمُرَادُ بِالْقَطْعِ الْمَنْعُ، وَالْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ أَوْ لِلتَّصْوِيرِ، وَيَعْنِي أَنَّ الْحَبْسَ مُصَوَّرٌ بِقَطْعِ إلَخْ أَوْ مُتَلَبِّسٌ بِهِ، وَقَوْلُهُ " عَلَى مَصْرِفٍ " مُتَعَلِّقٌ بِحَبْسِ أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (لَمَّا سَمِعَهَا رَغِبَ إلَخْ) كَذَا قَالُوهُ، وَهُوَ مُشْكِل فَإِنَّ الَّذِي فِي حَدِيثِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ:«وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إلَيَّ بَيْرُحَاءُ وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى» وَهَذِهِ الصِّيغَةُ لَا تُفِيدُ الْوَقْفَ لِشَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا كِنَايَةٌ فَتَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِأَنَّهُ نَوَى الْوَقْفَ بِهَا، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ سِيَاقُ الْحَدِيثِ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ نَوَاهُ بِهَا. ثَانِيهِمَا، وَهُوَ الْعُمْدَةُ: أَنَّهُمْ شَرَطُوا فِي الْوَقْفِ بَيَانُ الْمَصْرِفِ فَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ " لِلَّهِ عَنْهُ " بِخِلَافِهِ فِي الْوَصِيَّةِ كَمَا يَأْتِي مَعَ الْفَرْقِ، فَقَوْلُهُ " صَدَقَةٌ لِلَّهِ عز وجل " لَا يَصْلُحُ لِلْوَقْفِ عِنْدَنَا وَإِنْ نَوَاهُ، وَحِينَئِذٍ فَكَيْفَ يَقُولُونَ إنَّهُ وَقَفَهَا؟ فَهُوَ إمَّا غَفْلَةٌ عَمَّا فِي الْحَدِيثِ أَوْ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْوَقْفَ كَالْوَصِيَّةِ. اهـ. حَجّ مَرْحُومِيٌّ. وَفِي شَرْحِ سم: وَخَرَجَ بِكَوْنِهِ عَلَى أَصْلٍ وَفَرْعٍ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بِأَنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ، كَوَقَفْتُ هَذَا مُقْتَصَرًا عَلَيْهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، قَالَ السُّبْكِيُّ: وَمَحَلُّ الْبُطْلَانِ إذَا لَمْ يَقُلْ لِلَّهِ وَإِلَّا فَيَصِحُّ لِخَبَرِ أَبِي طَلْحَةَ: «هِيَ صَدَقَةٌ لِلَّهِ» ثُمَّ يُعَيِّنُ الْمَصْرِفَ. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (بَيْرُحَا) بِإِضَافَةِ بِئْرٍ إلَى لَفْظِ الْحَرْفِ ق ل، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ غَيْرِ إضَافَةِ: قَالَ فِي النِّهَايَةِ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا وَبِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا وَالْمَدُّ فِيهِمَا وَبِفَتْحِهِمَا وَالْقَصْرُ فَفِيهَا خَمْسُ لُغَاتٍ، وَهُوَ اسْمُ مَاءٍ وَمَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ مُسْتَقْبِلٌ الْمَسْجِدَ اهـ وَقَالَ الشَّوْبَرِيُّ: وَهِيَ حَدِيقَةٌ مَشْهُورَةٌ، وَتَبِعَهُ أج.

قَوْلُهُ: (ابْنُ آدَمَ) عِبَارَةُ م ر وحج: «إذَا مَاتَ الْمُسْلِمُ انْقَطَعَ» إلَخْ فَلَعَلَّهُمَا رِوَايَتَانِ ع ش.

قَوْلُهُ: (انْقَطَعَ عَمَلُهُ) أَيْ ثَوَابُ عَمَلِهِ. قَوْلُهُ: (إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ) هَذَا الْعَدَدُ لَا مَفْهُومَ

ص: 242

صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» وَالصَّدَقَةُ الْجَارِيَةُ مَحْمُولَةٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْوَقْفِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَأَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ وَاقِفٌ وَمَوْقُوفٌ وَمَوْقُوفٌ عَلَيْهِ وَصِيغَةٌ

وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ بَعْضَهَا مُعَبِّرًا عَنْهُ بِالشُّرُوطِ فَقَالَ: (وَالْوَقْفُ) أَيْ مِنْ مُخْتَارٍ أَهْلِ تَبَرُّعٍ (جَائِزٌ) أَيْ صَحِيحٌ، وَهَذَا هُوَ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ الْوَاقِفُ فَيَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ وَلَوْ لِمَسْجِدٍ؛ وَمِنْ مُبَعَّضٍ لَا مِنْ مُكْرَهٍ وَمُكَاتَبٍ. وَمَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَلَوْ بِمُبَاشَرَةِ وَلِيِّهِ. وَقَوْلُهُ:(بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ)

ــ

[حاشية البجيرمي]

لَهُ، فَقَدْ زِيدَ عَلَى ذَلِكَ أَشْيَاءُ نَظَمَهَا السُّيُوطِيّ فَقَالَ:

إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ لَيْسَ يَجْرِي

عَلَيْهِ مِنْ خِصَالٍ غَيْرُ عَشْرِ

عُلُومٌ بَثَّهَا وَدُعَاءُ نَجْلٍ

وَغَرْسُ النَّخْلِ وَالصَّدَقَاتُ تَجْرِي

وِرَاثَةُ مُصْحَفٍ وَرِبَاطُ ثَغْرٍ

وَحَفْرُ الْبِئْرِ أَوْ إجْرَاءُ نَهْرِ

وَبَيْتٌ لِلْغَرِيبِ بَنَاهُ يَأْوِي

إلَيْهِ أَوْ بِنَاءُ مَحَلِّ ذِكْرِ

وَزَادَ بَعْضُهُمْ:

وَتَعْلِيمٌ لِقُرْآنٍ كَرِيمٍ

فَخُذْهَا مِنْ أَحَادِيث بِحَصْرِ

قَوْلُهُ " وَعُلُومٌ بَثَّهَا " أَيْ بِتَعْلِيمٍ أَوْ تَأْلِيفٍ أَوْ تَقْيِيدٍ بِهَوَامِشَ.

قَوْلُهُ: (أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ) أَيْ مُسْلِمٍ يَدْعُو لَهُ. وَفَائِدَةُ تَقْيِيدِهِ بِالْوَلَدِ مَعَ أَنَّ دُعَاءَ الْغَيْرِ يَنْفَعُهُ تَحْرِيضُ الْوَلَدِ عَلَى الدُّعَاءِ لِأَصْلِهِ.

قَوْلُهُ: (يَدْعُو لَهُ) مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ فَشَمَلَ الدُّعَاءَ لَهُ بِسَبَبِهِ.

قَوْلُهُ: (مَحْمُولَةٌ) اُنْظُرْ مَا وَجْهُ التَّخْصِيصِ بِالْوَقْفِ مَعَ أَنَّ الصَّدَقَةَ الْجَارِيَةَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ الْعُلَمَاءِ) أَيْ الْعَارِفِينَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ:«أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ لِلنَّاسِ يَوْمًا فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّبِعُوا الْعُلَمَاءَ فَإِنَّهُمْ سُرُجُ الدُّنْيَا وَمَصَابِيحُ الْآخِرَةِ» عَزِيزِيٌّ. وَسُرُجُ الدُّنْيَا أَيْ مُنَوِّرُوهَا جَمْعُ سِرَاجٍ. وَوَرَدَ: «ثَلَاثَةٌ تُضِيءُ فِي الْأَرْضِ لِأَهْلِ السَّمَاءِ كَمَا تُضِيءُ النُّجُومُ فِي السَّمَاءِ لِأَهْلِ الْأَرْضِ، وَهِيَ الْمَسَاجِدُ وَبَيْتُ الْعَالِمِ وَبَيْتُ حَافِظِ الْقُرْآنِ» .

قَوْلُهُ: (عَلَى الْوَقْفِ) وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا عَدَمُ صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؛ لِأَنَّهُ صَدَقَةٌ وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَيْ فَرْضُهَا وَنَفْلُهَا، وَأَمَّا الْوَقْفُ عَلَى مَصَالِحِهِمْ عليهم السلام فَإِنَّهُ يَصِحُّ.

قَوْلُهُ: (مُعَبِّرًا عَنْهُ بِالشُّرُوطِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ شَرْطَ الرُّكْنَيْنِ وَهُمَا الْمَوْقُوفُ وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ، فَذَكَرَ شَرْطَهُمَا حَقِيقَةً، فَالرُّكْنَانِ مَذْكُورَانِ ضِمْنًا فِي ذِكْرِ الشَّرْطَيْنِ، فَفِي قَوْلِهِ " مُعَبِّرًا عَنْهُ بِالشُّرُوطِ " مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَتْنَ عَبَّرَ بِالشُّرُوطِ وَمُرَادُهُ الْأَرْكَانُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الشُّرُوطِ يَتَضَمَّنُ بَعْضَ الْأَرْكَانِ.

قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ الْوَقْفُ وَالْمُرَادُ لَازِمُهُ وَهُوَ الْوَاقِفُ، فَفِيهِ إطْلَاقُ الْمَصْدَرِ وَإِرَادَةُ لَازِمِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَهَذَا أَيْ قَوْلُهُ مُخْتَارٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ.

قَوْلُهُ: (فَيَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ) وَلَوْ لِمَسْجِدٍ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّهُ قُرْبَةٌ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِنَا، وَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ لَوْ عَظَّمَ الْمَسْجِدَ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ لَوْ عَظَّمَ الْكَنِيسَةَ فَإِنَّهُ يَرْتَدُّ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ وَالتَّعْظِيمُ لَهَا مِنْ شِعَارِ الْكُفْرِ، بِخِلَافِ الْإِسْلَامِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِشَرْطِهِمَا اهـ.

مَدَابِغِيٌّ. وَهَذَا، أَعْنِي قَوْلَهُ فَيَصِحُّ إلَخْ " تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَنْطُوقِ.

قَوْلُهُ: (وَمِنْ مُبْعِضٍ) أَيْ فِي نَوْبَتِهِ إنْ كَانَتْ مُهَايَأَةً، بِخِلَافِ الْعِتْقِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْوَلَاءِ، وَأَمَّا الْوَقْفُ فَفِيهِ إخْرَاجُ مِلْكِهِ عَنْهُ وَهُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ الْوَقْفُ وَلَوْ فِي نَوْبَةِ سَيِّدِهِ. قَوْلُهُ:(لَا مِنْ مُكْرَهٍ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَفْهُومِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرِهِ) كَالسَّفَهِ وَصِحَّةِ نَحْوِ وَصِيَّتِهِ، وَلَوْ بِوَقْفِ دَارِهِ لِارْتِفَاعِ الْحَجْرِ عَنْهُ بِمَوْتِهِ شَرْحِ م ر.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِمُبَاشَرَةِ وَلِيِّهِ) أَيْ كَأَنْ أَذِنَ لِوَلِيِّهِ فِي الْوَقْفِ فَبَاشَرَهُ.

قَوْلُهُ: (وَقَوْلُهُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، أَيْ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ. وَقَوْلُهُ " بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ " مَقُولُ الْقَوْلِ، وَقَوْلُهُ " ذَكَرَ أَرْبَعَةً " تَعْلِيلٌ لِلْمَحْذُوفِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَرْبَعَةً فَكَيْفَ يَعُدُّهَا ثَلَاثَةً، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْحَقَّ مَعَ الْمَتْنِ؛ لِأَنَّهُ عَدَّ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ شَرْطًا وَاحِدًا.

ص: 243

ذَكَرَ أَرْبَعَةً وَأَسْقَطَ خَامِسًا وَسَادِسًا وَسَابِعًا وَثَامِنًا كَمَا سَتَعْرِفُهُ.

الشَّرْطُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي وَهُوَ الْمَوْقُوفُ (أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ) عَيْنًا مُعَيَّنًا (مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ) مَمْلُوكًا لِلْوَاقِفِ. نَعَمْ يَصِحُّ وَقْفُ الْإِمَامِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَقْبَلَ النَّقْلَ مِنْ مِلْكِ شَخْصٍ إلَى مِلْكِ آخَرَ وَيُفِيدُ لَا بِفَوَاتِهِ نَفْعًا مُبَاحًا مَقْصُودًا وَسَوَاءٌ أَكَانَ النَّفْعُ فِي الْحَالِ أَمْ فِي الْمَآلِ كَوَقْفِ عَبْدٍ وَجَحْشٍ صَغِيرَيْنِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ عَقَارًا أَمْ مَنْقُولًا كَمُشَاعٍ وَلَوْ مَسْجِدًا كَمُدَبَّرٍ وَمُعَلَّقٍ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: وَيُعْتَقَانِ بِوُجُودِ الصِّفَةِ، وَيَبْطُلُ الْوَقْفُ بِعِتْقِهِمَا وَبِنَاءٍ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي) فِيهِ تَنَافٍ حَيْثُ جَعَلَ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ رُكْنًا وَشَرْطًا؛ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ، أَيْ وَهُوَ شَرْطُ الرُّكْنِ الثَّانِي. وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ كَلَامِ ق ل بِقَوْلِهِ: لَيْسَ بِخَافٍ أَنَّ الرُّكْنَ هُوَ ضَمِيرٌ يَكُونُ غَيْرُ الرَّاجِعِ إلَى الْوَقْفِ كَوْنَهُ مُنْتَفِعًا بِهِ فَصَنِيعُهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ تَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (أَنْ يَكُونَ) أَيْ الْوَقْفُ بِمَعْنَى الْمَوْقُوفِ، فَفِيهِ اسْتِخْدَامٌ.

قَوْلُهُ: (مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ) جُمْلَةُ الشُّرُوطِ عَشْرَةٌ: مِنْهَا اثْنَانِ مُكَرَّرَانِ وَهُمَا قَوْلُهُ: يُفِيدُ لَا بِفَوَاتِهِ، وَقَوْلُهُ: نَفْعًا وَالْبَاقِي غَيْرُ مُكَرَّرٍ.

قَوْلُهُ: (عَيْنًا) حَالٌ: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَرَهُ الْوَاقِفُ فَيَصِحُّ وَقْفُ الْأَعْمَى وَيَصِحُّ وَقْفُ الْمَغْصُوبِ مِنْ مَالِكِهِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ انْتِزَاعِهِ. قَوْلُهُ: (مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ) لَوْ قَدَّمَ هَذَا عَلَى الشَّرْطَيْنِ اللَّذَيْنِ زَادَهُمَا قَبْلَهُ لَكَانَ مُسْتَقِيمًا، إذْ هَذَا مِنْ تَعَلُّقِ الِانْتِفَاعِ تَأَمَّلْ ق ل.

قَوْلُهُ: (نَعَمْ إلَخْ) هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ مِنْ مَمْلُوكًا؛؛ لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ لَيْسَ مِلْكًا لِلْإِمَامِ لَكِنْ يَصِحُّ الْوَقْفُ مِنْهُ وَلَوْ عَلَى أَوْلَادِهِ ق ل. وَحَيْثُ صَحَّ الْوَقْفُ تَعَيَّنَ الْوَفَاءُ بِشَرْطِ وَاقِفِهِ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْمَعْلُومِ فِيهِ إلَّا بِالْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ كَمَا قَالَهُ: ق ل.

قَوْلُهُ: (وَقْفُ الْإِمَامِ) أَيْ بِشَرْطِ ظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ م ر. قَوْلُهُ: (وَيُفِيدُ إلَخْ) هَذَا يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ " أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَاهُ، وَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَذْكُرَ قَوْلَهُ نَفْعًا مُبَاحًا عَقِبَ الْمَتْنِ.

قَوْلُهُ: (لَا بِفَوَاتِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ، بِذَاتِهِ لَا بِفَوَاتِهِ أَيْ ذَهَابِ عَيْنِهِ، قَالَ الْمَدَابِغِيُّ وَشَمِلَتْ عِبَارَتُهُ الْمُؤَجِّرَ فَيَصِحُّ وَقْفُهُ، أَيْ مِنْ مَالِكِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِوَقْفِهِ مَسْجِدًا، وَحِينَئِذٍ يَمْتَنِعُ التَّعَبُّدُ فِيهِ بِنَحْوِ صَلَاةٍ أَوْ اعْتِكَافٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُسْتَأْجِرِ وَيَحْرُمُ الْمُكْثُ فِيهِ وَيُكْرَهُ نَشْدُ الضَّالَّةِ فِيهِ وَيَصِحُّ الِاعْتِكَافُ وَالتَّحِيَّةُ فِيهِ وَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ مَعَ التَّبَاعُدِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْمُسْتَأْجِرُ، وَاسْتِحْقَاقُهُ الْمَنْفَعَةَ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ. وَيَمْتَنِعُ فِيهِ أَيْضًا مَا يَمْتَنِعُ فِي الْمَسْجِدِ كَوَضْعِ النَّجَاسَاتِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الْمُكْثِ فِيهِ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ تَمْكِينُ الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ الْفَسْخِ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَلَعَلَّ الْأَوْجَهَ إنْ كَانَ الِاسْتِئْجَارُ لِمَا يَمْتَنِعُ فِي الْمَسْجِدِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ وَإِلَّا فَلَا، سم فِي شَرْحِهِ اهـ بِحُرُوفِهِ.

قَوْلُهُ: (كَوَقْفِ عَبْدٍ وَجَحْشٍ صَغِيرَيْنِ) وَكَمَنْ أَجَرَ أَرْضَهُ لِغَيْرِهِ ثُمَّ وَقَفَهَا، حَتَّى لَوْ وَقَفَهَا مَسْجِدًا صَحَّ وَأُجْرِيَ عَلَيْهَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ، فَيُمْنَعُ أَيْ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ فِيهَا وَمِنْ مُكْثِهَا حَالَ حَيْضِهَا وَنِفَاسِهَا فِيهَا وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ وَهَذِهِ، أَيْ الْإِجَارَةُ قَبْلَ الْوَقْفِ. حِيلَةٌ لِمَنْ يُرِيدُ إبْقَاءَ مَنْفَعَةِ الْمَوْقُوفِ لِنَفْسِهِ مُدَّةً بَعْدَ وَقْفِهِ اهـ. قَالَهُ الزِّيَادِيُّ. وَقَوْلُهُ:" وَيَثْبُتُ لَهُ " أَيْ لِلْمُسْتَأْجِرِ، فَإِنْ فَسَخَ فَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْإِجَارَةِ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَعُودُ لِلْوَاقِفِ. اهـ. زي.

قَوْلُهُ: (أَوْ مَنْقُولًا) وَيَصِحُّ وَقْفُ الْمَنْقُولِ وَلَوْ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ كَالْخَزَائِنِ فِي الْمَسَاجِدِ لِإِمْكَانِ الِانْتِفَاعِ بِهَا. نَعَمْ لَا يَصِحُّ وَقْفُهُ مَسْجِدًا إلَّا إذَا أَثْبَتَهُ فِي مَحَلٍّ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْمَسْجِدِيَّةِ بِنَقْلِهِ، وَيَحْرُمُ نَقْلُهُ مِنْ مَحَلِّهِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ق ل. وَمَعْنَى قَوْلِهِ " وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْمَسْجِدِيَّةِ " أَيْ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِبَيْعٍ وَلَا غَيْرِهِ دُونَ بَقِيَّةِ أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ، حَتَّى لَوْ أَثْبَتَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَعُودُ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ م د. وَقَوْلُهُ " وَلَا يَعُودُ " ضَعِيفٌ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ وَهُوَ حُرْمَةُ نَقْلِهِ عَنْ مَحَلِّ وَقْفِهِ. قَوْلُهُ:(كَمُشَاعٍ) كَنِصْفِ دَارٍ أَوْ نِصْفِ عَبْدٍ، فَهُوَ رَاجِعٌ لِلْعَقَارِ وَالْمَنْقُولِ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَسْجِدًا) رَاجِعٌ لِلْمُشَاعِ وَتَجِبُ قِسْمَتُهُ مِنْ غَيْرِهِ حَيْثُ قُلْنَا إنَّهَا إفْرَازٌ، وَكَذَا إنْ كَانَتْ قِسْمَةَ رَدٍّ أَوْ تَعْدِيلٍ، وَيَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ قِسْمَةِ الْوَقْفِ عَنْ الْمِلْكِ لِلضَّرُورَةِ، وَقَبْلَ قِسْمَتِهِ يَحْرُمُ فِيهِ مَا يَحْرُمُ فِي الْمَسَاجِدِ. وَتَصِحُّ فِيهِ التَّحِيَّةُ دُونَ الِاعْتِكَافِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي

ص: 244

وَغِرَاسٍ وُضِعَا بِأَرْضٍ بِحَقٍّ فَلَا يَصِحُّ وَقْفُ مَنْفَعَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَيْنٍ، وَلَا مَا فِي الذِّمَّةِ وَلَا أَحَدِ عَبْدَيْهِ لِعَدَمِ تَعْيِينِهِمَا وَلَا مَا لَا يُمْلَكُ لِلْوَاقِفِ كَمُكْتَرٍ وَمُوصًى بِمَنْفَعَتِهِ لَهُ وَحُرٍّ وَكَلْبٍ وَلَوْ مُعَلَّمًا، وَلَا مُسْتَوْلَدَةٍ وَمُكَاتَبٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِ النَّقْلَ، وَلَا آلَةِ لَهْوٍ وَلَا دَرَاهِمَ لِزِينَةٍ؛ لِأَنَّ آلَةَ اللَّهْوِ مُحَرَّمَةٌ وَالزِّينَةُ مَقْصُودَةٌ، وَلَا مَا لَا يُفِيدُ نَفْعًا كَزَمِنٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ، وَلَا مَا لَا يُفِيدُ إلَّا بِفَوَاتِهِ كَطَعَامٍ وَرَيْحَانٍ غَيْرِ مَزْرُوعٍ؛ لِأَنَّ نَفْعَهُ فِي فَوْتِهِ وَمَقْصُودُ الْوَقْفِ الدَّوَامُ بِخِلَافِ مَا يَدُومُ كَمِسْكٍ وَعَنْبَرٍ وَرَيْحَانٍ مَزْرُوعٍ.

(وَ) الشَّرْطُ الثَّانِي وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ وَهُوَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ (أَنْ يَكُونَ) الْوَقْفُ (عَلَى أَصْلٍ مَوْجُودٍ) فِي الْحَالِ، وَهُوَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْمَسْجِدِ الْخَالِصِ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ التَّبَاعُدُ عَنْ الْإِمَامِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ بَيْنَ الْمُصَلِّينَ. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (بِوُجُودِ الصِّفَةِ) أَيْ مِنْ مَوْتِ السَّيِّدِ وَوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (وَيَبْطُلُ الْوَقْفُ) وَإِنَّمَا أَبْطَلْنَا الْوَقْفَ بِعِتْقِهِمَا مَعَ أَنَّ فِيهِ قُرْبَةً وَلَمْ نُبْطِلْ الْعِتْقَ وَنُبْقِ الْوَقْفَ عَلَى صِحَّتِهِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ مُتَشَوِّفٌ إلَى فَكِّ الرِّقَابِ مَا أَمْكَنَ. وَأَيْضًا مُقْتَضَى الْعِتْقِ سَابِقٌ فَقُدِّمَ، وَلِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ بِدَوَامِ الْوَقْفِ دَامَا عَلَى رَقِّهِمَا إلَى الْمَوْتِ وَلَزِمَ عَلَيْهِ إلْغَاءُ الصِّفَةِ الَّتِي عُلِّقَ بِهَا الْمُعَلَّقُ. قَوْلُهُ:(بِحَقٍّ) كَأَنْ وُضِعَا بِأَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ أَوْ مُسْتَأْجَرَةٍ لَهُمَا وَإِنْ اسْتَحَقَّا الْقَلْعَ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ شَرْحِ م ر، ثُمَّ قَالَ: فَلَوْ قَلَعَ ذَلِكَ وَبَقِيَ مُنْتَفِعًا بِهِ فَهُوَ وَقْفٌ كَمَا كَانَ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ فَهَلْ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوْ يَرْجِعُ لِلْوَاقِفِ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَوَّلُهُمَا اهـ م د. وَقَوْلُ الْجَمَّالِ الْإِسْنَوِيِّ إنَّ الصَّحِيحَ غَيْرُهُمَا وَهُوَ شِرَاءُ عَقَارٍ أَوْ جُزْءِ عَقَارٍ يُوقَفُ مَكَانَهُ " مَحْمُولٌ عَلَى إمْكَانِ الشِّرَاءِ الْمَذْكُورِ، وَكَلَامُ الشَّيْخَيْنِ الْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِهِ، وَيَلْزَمُ الْمَالِكَ بِالْقَلْعِ أَرْشُ نَقْصِهِ يُصْرَفُ عَلَى الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ، وَخَرَجَ بِالْمُسْتَأْجَرَةِ الْمَغْصُوبَةُ فَلَا يَصِحُّ وَقْفُ مَا فِيهَا لِعَدَمِ دَوَامِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ وَهَذَا مُسْتَحِقٌّ الْإِزَالَةَ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ شَرْحِ م ر قَوْلُهُ " فَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ " وَيَجُوزُ بَقَاؤُهُ بِأُجْرَةٍ مِنْ رِيعِهِ وَلَا تَجِبُ هُنَا الْخَصْلَةُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ تَمَلُّكُهُ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ لَا يُبَاعُ.

قَوْلُهُ: (وَلَا مَا فِي الذِّمَّةِ) مُحْتَرَزُ مَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ " مُعَيَّنًا ".

قَوْلُهُ: (وَحُرٍّ) بِأَنْ يَقُولَ: أَوْقَفْتُ نَفْسِي عَلَى زَيْدٍ كَمَا فِي الرَّوْضِ. أَوْ أَوْقَفْت وَلَدِي، وَهَذَا خَارِجٌ بِقَوْلِهِ مَمْلُوكٍ.

قَوْلُهُ: (وَمُكَاتَبٍ) أَيْ كِتَابَةً صَحِيحَةً م ر.

قَوْلُهُ: (وَلَا دَرَاهِمَ لِزِينَةٍ) أَوْ لِلِاتِّجَارِ فِيهَا وَصَرْفِ رِبْحِهَا لِلْفُقَرَاءِ زي. قَالَ ع ش وَمِثْلُهَا، يَعْنِي الدَّرَاهِمَ، وَقْفُ الْجَامِكِيَّةِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْوَقْفِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِلْوَاقِفِ وَهِيَ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لِمَنْ تَحْتَ يَدِهِ، وَمَا يَقَعُ مِنْ اسْتِئْذَانِ الْحَاكِمِ فِي الْفَرَاغِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْجَامِكِيَّةِ لِتَكُونَ لِبَعْضِ مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلًا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ لَيْسَ مِنْ وَقْفِهَا بَلْ بِفَرَاغِ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْهَا وَصَارَ الْأَمْرُ فِيهَا إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، فَيَصِحُّ تَعْيِينُهُ لِمَنْ شَاءَ حَيْثُ رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً.

قَوْلُهُ: (وَلَا مَا لَا يُفِيدُ) كَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَهُ عَلَى قَوْلِهِ " آلَةِ لَهْوٍ "؛ لِأَنَّهُ ذُكِرَ قَبْلَهَا فِي عَدِّ الْقُيُودِ. وَجَمِيعُ الطُّبُولِ جَائِزَةٌ إلَّا الدَّرَبُكَّةَ، وَجَمِيعُ الْمَزَامِيرِ حَرَامٌ إلَّا النَّفِيرَ، وَعِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ الطُّبُولُ حَرَامٌ إلَّا فِي الزَّوَاجِ لِشُهْرَتِهِ بِخِلَافِ الْخِتَانِ فَيَحْرُمُ فِيهِ الطَّبْلُ لِعَدَمِ شُهْرَتِهِ.

قَوْلُهُ: (وَرَيْحَانٍ) وَهُوَ كُلُّ نَبْتٍ غَضٍّ طَيِّبِ الرَّائِحَةِ كَالْوِرْدِ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ دَوَامَ كُلِّ شَيْءٍ بِحَبْسِهِ لَا كَوْنِهِ مُؤَبَّدًا، فَالْمُرَادُ الدَّوَامُ النِّسْبِيُّ.

قَوْلُهُ: (كَمِسْكٍ) أَيْ إنْ لَمْ يُرَدْ لِلْأَكْلِ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ كَالطَّعَامِ. وَقَوْلُهُ " وَعَنْبَرٍ " أَيْ لِلشَّمِّ لَا لِلْبَخُورِ بِهِ وَقَوْلُهُ " وَرَيْحَانٍ " أَيْ لِلشَّمِّ لَا لِلْأَكْلِ.

قَوْلُهُ: (مَزْرُوعٍ) فَإِنْ زَالَتْ الرَّائِحَةُ كَانَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ وُقِفَ عَلَى شَخْصٍ غِرَاسًا فِي أَرْضٍ مُسْتَأْجَرَةٍ ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ فَإِنَّ الْغِرَاسَ يَكُونُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ دُونَ الْوَقْفِ كَمَا قَرَّرَهُ الْعَزِيزِيُّ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ) فِيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الشَّرْطَ مُتَضَمِّنٌ لِلرُّكْنِ، فَالشَّرْطُ كَوْنُهُ عَلَى أَصْلٍ مَوْجُودٍ، وَالرُّكْنُ الثَّالِثُ هُوَ الْأَصْلُ الْمَوْجُودُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ مُتَعَلِّقِ الرُّكْنِ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (عَلَى أَصْلٍ مَوْجُودٍ) أَيْ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ مَتْبُوعٍ بِغَيْرِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ " مَوْجُودٍ " تَفْسِيرُ الْأَصْلِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ الْآتِيَ " لَا يَنْقَطِعُ " تَفْسِيرٌ لِفَرْعٍ؛ قَالَهُ ق ل. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى أَصْلٍ مَوْجُودٍ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَصْلٍ مَوْجُودٍ أَيْ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ مُعَيَّنٍ وَقَوْلِهِ وَفَرْعٍ لَا يَنْقَطِعُ أَيْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَالْوَاوُ بِمَعْنَى " أَوْ " أَيْ الشَّرْطُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ إمَّا كَوْنُهُ مُعَيَّنًا أَوْ كَوْنُهُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَعَلَى هَذَا يَكُونَانِ شَرْطًا وَاحِدًا إلَّا أَنَّهُ مُرَدَّدٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا يَأْتِي. وَالثَّانِي يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ " مَوْجُودٍ " تَفْسِيرًا لِ " أَصْلٍ " وَقَوْلُهُ " وَلَا يَنْقَطِعُ " تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ

ص: 245

عَلَى قِسْمَيْنِ مُعَيَّنٍ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ وَقَفَ عَلَى مُعَيَّنٍ اُشْتُرِطَ إمْكَانُ تَمْلِيكِهِ فِي حَالِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ بِوُجُودِهِ فِي الْخَارِجِ، فَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى وَلَدِهِ وَهُوَ لَا وَلَدَ لَهُ، وَلَا عَلَى فُقَرَاءِ أَوْلَادِهِ وَلَا فَقِيرَ فِيهِمْ، فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ فَقِيرٌ وَغَنِيٌّ صَحَّ وَيُعْطَى مِنْهُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

فَرْعٍ " وَالْوَاوُ عَلَى مَعْنَاهَا، وَيَكُونُ مَعْنَى الْأَوَّلِ يُشْتَرَطُ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا مُتَحَقِّقًا عِنْدَ الْوَقْفِ، فَخَرَجَ مُنْقَطِعُ الْأَوَّلِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ " وَفَرْعٍ لَا يَنْقَطِعُ " أَنْ يَكُونَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ دَائِمًا فَيَخْرُجُ مُنْقَطِعُ الْآخِرِ فَلَا يَصِحُّ، وَهِيَ طَرِيقَةٌ ضَعِيفَةٌ، وَالْمُعْتَمَدُ حِصَّتُهُ كَمَا يَأْتِي.

وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ يَكُونَانِ شَرْطَيْنِ، وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الرَّوْضَةِ، وَيُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ فِي مُحْتَرَزِ الْأَوَّلِ: فَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى وَلَدِهِ وَلَا وَلَدَ لَهُ إلَخْ. وَقَوْلُهُ فِي الشَّرْطِ الثَّانِي الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ مُؤَبَّدًا عَلَى فَرْعٍ لَا يَنْقَطِعُ، أَيْ دَائِمًا فَيَخْرُجُ مُنْقَطِعُ الْآخِرِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَصْلِ الشَّيْءُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ أَوَّلًا وَسَمَّاهُ أَصْلًا بِالنَّظَرِ لِمَا بَعْدَهُ وَسَمَّى الَّذِي بَعْدَهُ فَرْعًا؛ لِأَنَّهُ فَرْعٌ عَنْهُ أَيْ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ مُعَيَّنٍ وَغَيْرِهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ " أَصْلٍ " مَوْجُودٍ. وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَتَيْنِ، الْأُولَى: أَنَّهُ جَعَلَهُ قِسْمَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ الثَّانِيَ، وَأَيْضًا الثَّانِي مِنْ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ هُوَ الثَّانِي فِي الْمَتْنِ فَكَيْفَ يَكُونُ الْأَوَّلُ شَامِلًا لِنَفْسِهِ وَلِلثَّانِي؟ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ قَبْلَ قَوْلِ الْمَتْنِ " عَلَى أَصْلٍ مَوْجُودٍ إلَخْ " ثُمَّ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ قِسْمَانِ مُعَيَّنٍ، وَهُوَ مَا عَنَاهُ الْمَتْنُ بِقَوْلِهِ " عَلَى أَصْلٍ مَوْجُودٍ " وَغَيْرِ مُعَيَّنٍ وَهُوَ مَا عَنَاهُ الْمَتْنُ بِقَوْلِهِ " وَفَرْعٍ لَا يَنْقَطِعُ " وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ عَلَى جَعْلِ الضَّمِيرِ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ " أَصْلٍ مَوْجُودٍ " وَيُمْكِنُ رُجُوعُهُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَيَكُونُ الشَّارِحُ تَرَكَ الْقِسْمَ الثَّانِيَ فِي التَّفْصِيلِ لِكَوْنِهِ سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ.

قَوْلُهُ: (عَلَى مُعَيَّنٍ) وَلَوْ جَمَاعَةً، وَشُرِطَ قَبُولُهُ فَوْرًا كَالْبَيْعِ، وَإِنْ رَدَّ قَبْلَ قَبُولِهِ بَطَلَ وَلَا يَعُودُ بِعَوْدِهِ كَالْإِقْرَارِ، أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَبْطُلْ وَلَا عِبْرَةَ بِرَدِّهِ ق ل.

وَلَمْ يَأْتِ الشَّارِحُ بِمُقَابِلِ قَوْلِهِ " فَإِنْ وَقَفَ عَلَى مُعَيَّنٍ " وَهُوَ: وَإِنْ وَقَفَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ شُرِطَ عَدَمُ الْمَعْصِيَةِ كَمَا فِي الْمَنْهَجِ، اكْتِفَاءً بِقَوْلِهِ: الْآتِي: أَوْ فَرْعٍ لَا يَنْقَطِعُ.

قَوْلُهُ: (إمْكَانُ تَمْلِيكِهِ) الْأَوْلَى إمْكَانُ تَمَلُّكِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (بِوُجُودِهِ) أَيْ مُتَأَهِّلًا لِلْمِلْكِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِإِمْكَانُ ". وَعِبَارَةُ م ر: وَإِمْكَانُ تَمَلُّكِهِ بِأَنْ يُوجَدَ خَارِجًا مُتَأَهِّلًا لِلْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ فَلَا يَصِحُّ عَلَى مَعْدُومٍ كَعَلَى مَسْجِدٍ سَيُبْنَى أَوْ عَلَى وَلَدِهِ، وَلَا وَلَدَ لَهُ أَوْ عَلَى فُقَرَاءِ أَوْلَادٍ وَلَيْسَ فِيهِمْ فَقِيرٌ، أَوْ عَلَى الْقِرَاءَةِ عَلَى رَأْسِ قَبْرِهِ أَوْ قَبْرِ أَبِيهِ الْحَيِّ؛ فَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ أَوْ فِيهِمْ فَقِيرٌ صَحَّ، وَصُرِفَ لِلْحَادِثِ وُجُودُهُ فِي الْأُولَى أَوْ فَقْرُهُ فِي الثَّانِيَةِ لِصِحَّتِهِ عَلَى الْمَعْدُومِ تَبَعًا كَوَقَفْتُهُ عَلَى وَلَدِي ثُمَّ عَلَى وَلَدِ وَلَدِي وَلَا وَلَدَ وَلَدٍ لَهُ وَكَعَلَى مَسْجِدِ كَذَا وَكُلُّ مَسْجِدٍ سَيُبْنَى فِي تِلْكَ الْمَحَلَّةِ، وَلَا عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ وَلَا عَلَى عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ إذَا لَمْ يَبْنِهِ بِخِلَافِ دَارِي عَلَى مَنْ أَرَادَ سُكْنَاهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا عَلَى مَيِّتٍ اهـ.

وَقَوْلُهُ " أَوْ عَلَى الْقِرَاءَةِ عَلَى رَأْسِ قَبْرِهِ أَوْ قَبْرِ أَبِيهِ وَهُوَ حَيٌّ أَيْ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُنْقَطِعُ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ بَيَانِ الصَّرْفِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ وَهُوَ حَيٌّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى مُعَيَّنٍ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبُولُهُ إنْ كَانَ أَهْلًا وَإِلَّا فَقَبُولُ وَلِيِّهِ عَقِبَ الْإِيجَابِ أَوْ بُلُوغُ الْخَبَرِ كَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ، إذْ دُخُولُ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ فِي مِلْكِهِ قَهْرًا بِغَيْرِ الْإِرْثِ بَعِيدٌ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ رَجَّحَ فِي الرَّوْضَةِ عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ، نَظَرًا إلَى أَنَّهُ بِالْقُرْبِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالْعُقُودِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولٌ مَنْ بَعْدِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ بَلْ الشَّرْطُ عَدَمُ الرَّدِّ وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ أَنَّهُمْ يَتَلَقَّوْنَهُ مِنْ الْوَاقِفِ، فَإِنْ رَدُّوا فَمُنْقَطِعُ الْوَسَطِ، فَإِنْ رَدَّ الْأَوَّلُ بَطَلَ الْوَقْفُ، وَلَوْ رَجَعَ بَعْدَ الرَّدِّ لَمْ يَعُدْ لَهُ؛ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ رَدَّ بَعْدَ قَبُولِهِ لَمْ يُؤَثِّرْ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِ فُلَانٍ وَمَنْ يَحْدُثُ لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ وَلَمْ يَقْبَلْ الْوَلَدُ لَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ شَرْحِ م ر. وَقَوْلُهُ " يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبُولُهُ " أَيْ وَلَوْ مُتَرَاخِيًا وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ، حَيْثُ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ غَائِبًا فَلَمْ يَبْلُغْهُ الْخَبَرُ إلَّا بَعْدَ الطُّولِ، أَمَّا لَوْ كَانَ حَاضِرًا فَيُشْتَرَطُ الْفَوْرُ.

وَقَوْلُهُ " وَإِلَّا فَقَبُولُ وَلِيِّهِ " فَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ وَلِيُّهُ بَطَلَ الْوَقْفُ سَوَاءٌ كَانَ الْوَلِيُّ الْوَاقِفَ أَوْ غَيْرُهُ، وَمَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ خَاصٌّ فَوَلِيُّهُ الْقَاضِي فَيَقْبَلُ لَهُ عِنْدَ بُلُوغِ الْخَبَرِ أَوْ يُقِيمُ عَلَى الصَّبِيِّ مَنْ يَقْبَلُ الْوَقْفَ. اهـ. ع ش.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ لَا وَلَدَ لَهُ) أَمَّا لَوْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ صَحَّ وَصُرِفَ لَهُ أَوْ وُلِدَ وَلَدٌ صُرِفَ لَهُ أَيْضًا صَوْنًا لِكَلَامِ الْوَاقِفِ عَنْ الْإِلْغَاءِ إنْ حُمِلَ الْوَلَدُ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَالصَّرْفُ لِوَلَدِ الْوَلَدِ ظَاهِرٌ، فَلَوْ صُرِفَ لِوَلَدِ الْوَلَدِ وَحَدَثَ لِلْوَاقِفِ وَلَدٌ فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ زي. قَوْلُهُ:(وَلَا فَقِيرَ فِيهِمْ) قَالَ شَيْخُنَا وَالْمُرَادُ بِالْفَقِيرِ هُنَا مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَإِنْ كَانَ مُكْتَسِبًا؛؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْوَاقِفِ إغْنَاؤُهُ عَنْ

ص: 246

أَيْضًا مَنْ افْتَقَرَ بَعْدُ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ. وَلَا عَلَى جَنِينٍ لِعَدَمِ صِحَّةِ تَمَلُّكِهِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ مَقْصُودًا أَمْ تَابِعًا حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ وَلَهُ جَنِينٌ عِنْدَ الْوَقْفِ لَمْ يَدْخُلْ. نَعَمْ إنْ انْفَصَلَ دَخَلَ مَعَهُمْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَاقِفُ قَدْ سَمَّى الْمُوجِدِينَ أَوْ ذَكَرَ عَدَدَهُمْ فَلَا يَدْخُلُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ.

تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْمَيِّتِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ وَبِهِ صَرَّحَ الْجُرْجَانِيِّ، وَلَا عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الشَّخْصَيْنِ لِعَدَمِ تَعْيِينِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى نَفْسِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ. فَإِنْ أَطْلَقَ الْوَقْفَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ لَهُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ لِلْوَاقِفِ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ فَهُوَ وَقْفٌ عَلَى سَيِّدِهِ؛ وَأَمَّا الْوَقْفُ عَلَى الْمُبَعَّضِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُهَايَأَةً وَصَدَرَ الْوَقْفُ عَلَيْهِ يَوْمَ نَوْبَتِهِ فَكَالْحُرِّ أَوْ يَوْمَ نَوْبَةِ سَيِّدِهِ فَكَالْعَبْدِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُهَايَأَةً وُزِّعَ عَلَى الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ. وَلَوْ وَقَفَ عَلَى بَهِيمَةٍ مَمْلُوكَةٍ لَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَهْلًا لِلْمِلْكِ بِحَالٍ، فَإِنْ قَصَدَ بِهِ مَالِكَهَا فَهُوَ وَقْفٌ عَلَيْهِ وَخَرَجَ بِالْمَمْلُوكَةِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْكَسْبِ لَا فَقِيرُ الزَّكَاةِ الْمَارُّ فِي بَابِهَا اهـ أج.

قَوْلُهُ: (وَلَا عَلَى جَنِينٍ) ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ تَسْلِيطٌ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ، وَالْمُرَادُ مَا دَامَ مُتَّصِلًا فَلَا يَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْهُ مَا دَامَ جَنِينًا، أَيْ فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَفِيهِمْ جَنِينٌ، نَعَمْ يَدْخُلُ الْجَنِينُ فِي الْوَقْفِ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَالنَّسْلِ وَالْعَقِبِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ حَيْثُ تَصِحُّ لَهُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ أَنَّهُمْ لَمَّا تَوَسَّعُوا فِي الْوَصِيَّةِ وَجَوَّزُوهَا فِي الْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ وَالْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُولِ كَانَتْ أَوْسَعَ بَابًا مِنْ الْوَقْفِ. وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: فَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى جَنِينٍ بِأَنْ قَالَ وَقَفْتُ كَذَا عَلَى هَذَا الْجَنِينِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لَهُ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالِاسْتِقْبَالِ وَالْوَقْفُ تَسْلِيطٌ فِي الْحَالِ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنِينُ فِي الْوَلَدِ إذَا قَالَ وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي وَلَا يُوقَفُ لَهُ شَيْءٌ، فَإِنْ انْفَصَلَ شَارَكَ مِنْ حِينِ الِانْفِصَالِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَاقِفُ قَالَ الْمَوْجُودِينَ أَوْ ذَكَرَ عَدَدَهُمْ فَلَا يَدْخُلُ، نَعَمْ يَدْخُلُ فِيمَا إذَا قَالَ وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي وَلَا فَرْعَ لَهُ أَصْلًا وَلَا يَدْخُلُ مَنْفِيٌّ بِلِعَانٍ، فَإِنْ اُسْتُلْحِقَ اسْتَحَقَّ مَا مَضَى فَيُطَالَبُ بِهِ، وَيَدْخُلُ الْخُنْثَى فِي بَلَدٍ وَيُعْطَى الْمُتَيَقَّنُ وَلَا يَدْخُلُ فِي بِنْتٍ وَلَا ابْنٍ وَلَا يُوقَفُ لَهُ شَيْءٌ، وَلَا يَدْخُلُ ابْنٌ فِي بِنْتٍ وَعَكْسُهُ فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ صِحَّةِ تَمَلُّكِهِ) وَأَمَّا إرْثُهُ مِنْ أَبِيهِ مَثَلًا إذَا كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ فَمِنْ بَابِ التَّوَسُّعِ فِيهِ حَيْثُ أَلْحَقُوهُ بِالْحَيِّ هُنَاكَ. قَوْلُهُ: (وَسَوَاءٌ أَكَانَ إلَخْ) أَيْ الْجَنِينُ، وَقَوْلُهُ " مَقْصُودًا " بِأَنْ وَقَفَ عَلَيْهِ وَحْدَهُ.

قَوْلُهُ: (نَعَمْ إنْ انْفَصَلَ) أَيْ حَيًّا دَخَلَ مَعَهُمْ، أَيْ مِنْ حِينِ انْفِصَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ الْوَقْفِ، فَلَوْ لَمْ يَنْفَصِلْ أَصْلًا بِأَنْ ذَابَ فِي بَطْنِهَا أَوْ انْفَصَلَ مَيِّتًا فَلَا يَدْخُلُ.

قَوْلُهُ: (قَدْ عُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " عَلَى أَصْلٍ مَوْجُودٍ " أَوْ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ اُشْتُرِطَ إمْكَانُ تَمْلِيكِهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ) أَيْ الْعَبْدُ لَهُ أَيْ لِلْوَاقِفِ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ وَقْفٌ عَلَى سَيِّدِهِ) وَالْقَبُولُ مِنْ الْعَبْدِ لَا مِنْ سَيِّدِهِ كَالْوَصِيَّةِ زي، وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَقْبَلَ فَوْرًا وَإِنْ مَنَعَهُ سَيِّدُهُ.

قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْوَقْفُ عَلَى الْمُبَعَّضِ إلَخْ) وَلَوْ وَقَفَ مَالِكُ الْبَعْضِ بَعْضَهُ الرَّقِيقَ عَلَى بَعْضِهِ الْحُرِّ صَحَّ، وَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْمُكَاتَبِ فَيُصْرَفُ لَهُ وَيَسْتَمِرُّ حُكْمُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ إنْ أَطْلَقَ الْوَقْفَ، فَإِنْ قَيَّدَهُ بِمُدَّةِ الْكِتَابَةِ كَانَ مُنْقَطِعَ الْآخِرِ، فَإِنْ عَجَزَ بَانَ أَنَّهُ مُنْقَطِعُ الْأَوَّلِ. اهـ. م د، وَعِبَارَتُهُ عَلَى التَّحْرِيرِ: نَعَمْ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى مُكَاتَبِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ مُكَاتَبِ نَفْسِهِ لَا يَصِحُّ إنْ عَقَدَ وَقَدْ قَيَّدَ الْوَاقِفُ. قَوْلُهُ: (وُزِّعَ عَلَى الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ) فَمَا خَصَّ الْحُرِّيَّةَ فَهُوَ لِلْجُزْءِ الْحُرِّ فَلَهُ رِيعُهُ، وَمَا خَصَّ الرِّقَّ يَكُونُ وَقْفًا عَلَى رَقِيقٍ فَيَأْتِي فِيهِ تَفْصِيلُهُ، مِنْهُ: أَنْ يَقْصِدَهُ لِنَفْسِهِ فَيَبْطُلُ اهـ سم.

قَوْلُهُ: (بَهِيمَةٍ مَمْلُوكَةٍ) أَيْ أَوْ مُبَاحَةٍ إلَّا حَمَامَ مَكَّةَ، فَإِنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ: لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الطُّيُورِ وَالْوُحُوشِ الْمُبَاحَةِ، فَمَا يُفْعَلُ الْآنَ مِنْ وَقْفِ شَيْءٍ يُؤْخَذُ مِنْ غَلَّتِهِ قَمْحٌ تُوضَعُ لِلطُّيُورِ الْمُبَاحَةِ بَاطِلٌ. اهـ. م د.

وَخَرَجَ بِذَلِكَ الْمَوْقُوفَةُ عَلَى نَحْوِ أَرِقَّاءِ خِدْمَةِ الْكَعْبَةِ، أَوْ الْخَيْلِ الْمُسْبَلَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ حَمَامِ مَكَّةَ فَهُوَ صَحِيحٌ مُطْلَقًا ق ل.

قَوْلُهُ: (لَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ) سَوَاءٌ قَصَدَهَا أَوْ أَطْلَقَ أَوْ وَقَفَ عَلَى عَلَفِهَا، بِخِلَافِ الْعَبْدِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَبْدَ أَهْلٌ لِلْيَدِ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ مِمَّنْ يُتَصَوَّرُ لَهُ الْمِلْكُ أَيْ إذَا عَتَقَ اهـ

ص: 247

الْمَوْقُوفَةُ كَالْخَيْلِ الْمَوْقُوفَةِ فِي الثُّغُورِ وَنَحْوِهَا فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى عَلَفِهَا وَيَصِحُّ عَلَى ذِمِّيٍّ مُعَيَّنٍ مِمَّا يُمْكِنُ تَمْلِيكُهُ لَهُ، فَيَمْتَنِعُ وَقْفُ الْمُصْحَفِ وَكُتُبِ الْعِلْمِ وَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ عَلَيْهِ، وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ وَلَا وَقْفَ الشَّخْصِ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ لَا دَوَامَ لَهُمَا مَعَ كُفْرِهِمَا، وَالثَّالِثُ لِتَعَذُّرِ تَمْلِيكِ الْإِنْسَانِ مِلْكَهُ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ حَاصِلٌ وَتَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مُحَالٌ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَقَوْلُهُ " عَلَى عَلَفِهَا " ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ م ر صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَى عَلَفِهَا، وَأَفْتَى الزِّيَادِيُّ أَيْضًا بِالصِّحَّةِ.

قَوْلُهُ: (فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى عَلَفِهَا) مُقْتَضَى الْمُقَابَلَةِ أَنْ يَقُولَ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهَا؛؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ عَلَى عَلَفِ الْمَمْلُوكَةِ يَصِحُّ أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ عَلَى ذِمِّيٍّ إلَخْ) . تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالذِّمِّيِّ وَمِثْلُهُ الْمُعَاهِدُ وَالْمُؤَمَّنُ الْجِنْسُ فَيَصِحُّ عَلَى الذِّمِّيِّينَ وَالنَّصَارَى، وَعِبَارَةُ ح ل: وَيَصِحُّ عَلَى يَهُودٍ أَوْ نَصَارَى أَوْ فُسَّاقٍ أَوْ قُطَّاعِ طَرِيقٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ الصِّحَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَصْفُ الْقَائِمُ بِهِمْ بَاعِثًا عَلَى الْوَقْفِ بِأَنْ أَرَادَ ذَوَاتَهمْ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: وَقَفْتُ هَذَا عَلَى مَنْ يَفْسُقُ أَوْ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ فَلَا يَصِحُّ. قَالَ م ر بَعْدَ كَلَامٍ: وَمِنْ ثَمَّ اسْتَحْسَنَّا بُطْلَانَهُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْفُسَّاقِ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَهُوَ مَرْدُودٌ نَقْلًا وَمَعْنًى اهـ وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: فَلَا يَصِحُّ وَقْفُ مُصْحَفٍ عَلَى كَافِرٍ، وَكَذَا مُسْلِمٍ، إلَّا إنْ كَانَ أَصْلَهُ أَوْ فَرْعَهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَمْلِكُ مَنَافِعَهُ، فَإِذَا مَلَكَهَا زَالَتْ عَنْهُ لِلْبَعْضِيَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ وَلَوْ حَارَبَ الذِّمِّيُّ انْقَطَعَ الْوَقْفُ عَلَيْهِ فَهُوَ مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ أَوْ الْآخِرِ ق ل. وَقَوْلُهُ " انْقَطَعَ الْوَقْفُ " ظَاهِرُهُ وَإِنْ رَجَعَ إلَى دَارِنَا، وَقَوْلُهُ " فَهُوَ مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ " أَيْ إنْ كَانَ وَسَطًا أَوْ الْآخِرِ أَيْ إنْ كَانَ آخِرًا.

قَوْلُهُ: (عَلَيْهِ) مُتَعَلِّقٌ بِوَقَفَ.

قَوْلُهُ: (وَلَا وَقْفُ الشَّخْصِ عَلَى نَفْسِهِ) وَمِنْ الْوَقْفِ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَشْرِطَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ثِمَارِهِ أَوْ تُقْضَى دُيُونُهُ مِنْهُ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ صُوَرٌ: مِنْهَا مَا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ وَجَعَلَ لِذَلِكَ أُجْرَةً فَيَجُوزُ عَلَى الْمُرَجَّحُ. فِي الرَّوْضَةِ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَمَا لَوْ وَقَفَ شَيْئًا عَلَى الْفُقَرَاءِ ثُمَّ صَارَ فَقِيرًا كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ، وَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِ أَبِيهِ الْمُتَّصِفِينَ بِالْفِقْهِ مَثَلًا وَلَيْسَ فِيهِمْ فَقِيهٌ مَثَلًا غَيْرُهُ زي. وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ وَتَبِعَهُ جَمْعٌ بِأَنَّ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ لَا يَمْنَعُ الشَّافِعِيَّ بَاطِنًا مِنْ بَيْعِهِ وَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ فِيهِ، قَالَ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يَمْنَعُ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنَّمَا مَنَعَ مِنْهُ فِي الظَّاهِرِ سِيَاسَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَيَلْحَقُ بِهَذَا مَا فِي مَعْنَاهُ؛ لَكِنْ رَدَّهُ جَمْعٌ بِأَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى مَرْجُوحٍ وَهُوَ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَحَلِّ اخْتِلَافٍ لِلْمُجْتَهِدِينَ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ تَعْلِيلُهُ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي مَوَاضِعِ نُفُوذِهِ بَاطِنًا، وَلَا مَعْنَى لَهُ إلَّا تَرَتُّبَ الْآثَارِ عَلَيْهِ مِنْ حِلٍّ وَحُرْمَةٍ وَنَحْوِهِمَا. وَصَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَيَصِيرُ الْأَمْرُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ اهـ شَرْحِ م ر. وَقَوْلُهُ:" بِأَنْ حَكَمَ الْحَاكِم " لَوْ حَاكِمَ ضَرُورَةٍ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ كُلِّهِ حَيْثُ صَدَرَ حُكْمٌ صَحِيحٌ مَبْنِيٌّ عَلَى دَعْوَى وَجَوَابٍ، أَمَّا لَوْ قَالَ الْحَاكِمُ الْحَنَفِيُّ مَثَلًا: حَكَمْت بِصِحَّةِ الْوَقْفِ وَبِمُوجَبِهِ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ دَعْوَى فِي ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ حُكْمًا بَلْ هُوَ إفْتَاءٌ مُجَرَّدٌ وَهُوَ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ فَكَانَ لَا حُكْمَ فَيَجُوزُ لِلشَّافِعِيِّ بَيْعُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ اهـ ع ش.

قَوْلُهُ: (مَعَ كُفْرِهِمَا) بِخِلَافِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ وَمَنْ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ فَإِنَّهُمَا لَا دَوَامَ لَهُمَا مَعَ عَدَمِ كُفْرِهِمَا، فَالْعِلَّةُ مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْأَمْرَيْنِ زي. وَبِخِلَافِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ كَافِرًا إلَّا أَنَّ لَهُ دَوَامًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ.

قَوْلُهُ: (وَالثَّالِثَ لِتَعَذُّرِ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِتَعَذُّرِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (لِتَعَذُّرِ تَمْلِيكِ إلَخْ) هَذَا يُنَاسِبُ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمَوْقُوفِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لِلَّهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ كَلَامُهُ بِالنَّظَرِ لِفَوَائِدِهِ فَإِنَّهَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ.

ص: 248

(وَ) الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ مُؤَبَّدًا عَلَى (فَرْعٍ لَا يَنْقَطِعُ) سَوَاءٌ أَظْهَرَ فِيهِ جِهَةَ قُرْبَةٍ كَالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْمُجَاهِدِينَ وَالْمَسَاجِدِ وَالرُّبُطِ، أَمْ لَمْ تَظْهَرْ كَالْأَغْنِيَاءِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْفَسَقَةِ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِمْ جَائِزَةٌ، وَلَوْ وَقَفَ شَخْصٌ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ وَادَّعَى شَخْصٌ أَنَّهُ غَنِيٌّ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَادَّعَى شَخْصٌ أَنَّهُ فَقِيرٌ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ فَيُقْبَلُ بِلَا بَيِّنَةٍ نَظَرًا لِلْأَصْلِ فِيهِمَا. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ عَطْفِ الْمُصَنِّفِ قَوْلَهُ وَفَرْعٌ لَا يَنْقَطِعُ عَلَى مَا قَبْلَهُ أَنَّهُمَا شَرْطٌ وَاحِدٌ، وَلِهَذَا عَدَّ الشُّرُوطَ ثَلَاثَةً وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُمْ شَرْطَانِ كَمَا قَرَّرْت بِهِ كَلَامَهُ.

(وَ) الشَّرْطُ الرَّابِعُ (أَنْ لَا يَكُونَ فِي مَحْظُورٍ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالظَّاءِ الْمُشَالَةِ، أَيْ مُحَرَّمٍ كَعِمَارَةِ الْكَنَائِسِ وَنَحْوِهَا مِنْ مُتَعَبَّدَاتِ الْكُفَّارِ لِلتَّعَبُّدِ فِيهَا، أَوْ حُصُرِهَا أَوْ قَنَادِيلِهَا أَوْ خُدَّامِهَا، أَوْ كُتُبِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ أَوْ السِّلَاحِ لِقُطَّاعِ الطَّرِيقِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (مُؤَبَّدًا) أَيْ مُؤَبَّدًا مُتَعَلِّقُهُ وَهُوَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ عَلَى فَرْعٍ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ " مُؤَبَّدًا " بِحَذْفِ أَيْ التَّفْسِيرِيَّةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " مُؤَبَّدًا " وَلَوْ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ كَزَيْدٍ ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ، وَيُشْتَرَطُ فِي كُلِّ مَنْ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ الْوَقْفُ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً، وَلَمْ يُقَيِّدْ الْفَرْعَ بِالْمَوْجُودِ كَمَا فِي " الْأَصْلِ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فِيهِ كَمَا قَالَهُ ق ل.

قَوْلُهُ: (فَرْعٍ لَا يَنْقَطِعُ) هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ وَالْآخِرِ بَاطِلٌ وَهُوَ مَرْجُوحٌ كَمَا سَيَأْتِي ق ل. فَالْأَوْلَى إسْقَاطُ قَوْلِهِ " وَفَرْعٍ لَا يَنْقَطِعُ " عَلَى أَنَّ فِي جَعْلِهِ شَرْطًا مُسْتَقِلًّا نَظَرًا.

قَوْلُهُ: (جِهَةِ قُرْبَةٍ) أَيْ قَصْدِ قُرْبَةٍ.

قَوْلُهُ: (عَلَى الْفُقَرَاءِ) وَيُعْتَبَرُونَ بِمَا فِي اسْتِحْقَاقِ الزَّكَاةِ، نَعَمْ الْقَادِرُ عَلَى كَسْبٍ يَكْفِيهِ فَقِيرٌ هُنَا، وَالْعُلَمَاءُ أَصْحَابُ عُلُومِ الشَّرْعِ وَهِيَ التَّفْسِيرُ وَالْحَدِيثُ وَالْفِقْهُ ق ل. وَالرُّبُطُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَالْبَاءِ جَمْعُ رِبَاطٍ وَهُوَ مُتَعَبَّدُ الصُّوفِيَّةِ ق ل، وَسُمِّيَ رِبَاطًا لِرَبْطِ الصُّوفِيَّةِ أَنْفُسَهُمْ فِيهِ، وَالْخَانِقَاهُ لِخَنْقِهِمْ أَنْفُسَهُمْ فِيهَا عَنْ الْمَعَاصِي وَالْغَنِيُّ هُنَا مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر.

قَوْلُهُ: (وَالْمَسَاجِدِ) وَلَوْ عَلَى أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ لَهُ، لَكِنَّهُ مُخْتَصٌّ بِمَنْفَعَتِهَا بِنَحْوِ وَصِيَّةٍ أَوْ إجَارَةٍ فَبَسَطَ فِيهَا أَحْجَارًا مَمْلُوكَةً لَهُ وَوَقَفَهَا مَسْجِدًا، وَلَا يَبْطُلُ حُكْمُ الْمَسْجِدِيَّةِ عَنْ الْحِجَارَةِ إذَا نُقِلَتْ عَنْ مَحَلِّهَا. وَالْوَقْفُ عَلَى عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ يَدْخُلُ فِيهِ تَرْمِيمُهُ وَتَجْصِيصُهُ لِلْإِحْكَامِ وَالسَّوَارِي وَالسَّلَالِمُ وَالْمَكَانِسُ وَالْمَسَاحِي وَالْبَوَارِي لِدَفْعِ نَحْوِ حَرٍّ وَالْمَيَازِيبُ لِدَفْعِ مَاءٍ نَحْوِ مَطَرٍ، وَأُجْرَةٌ نَحْوُ قَيِّمٍ، وَعَلَى مَصَالِحِهِ أَوْ مُطْلَقًا يَشْمَلُ جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ. وَإِذَا خَصَّ الْوَاقِفُ بِوَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ لَمْ يَجُزْ صَرْفُهُ فِي غَيْرِهِ مِنْهَا، وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ شَيْءٍ مِمَّا وَقَفَهُ عَلَى نَحْوِ تَزْوِيقٍ وَنَقْشٍ وَسِرَاجٍ لَا نَفْعَ بِهِ، وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى ذَلِكَ. اهـ. م د. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ إسْرَاجُهُ مِنْ زَيْتِ الْمَسْجِدِ طُولَ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إضَاعَةَ مَالٍ.

قَوْلُهُ: (أَمْ لَمْ تَظْهَرْ) بَيَّنَ بِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِجِهَةِ الْقُرْبَةِ مَا ظَهَرَ فِيهِ قَصْدُهَا، وَإِلَّا فَالْوَقْفُ كُلُّهُ قُرْبَةٌ شَرْحِ م ر.

قَوْلُهُ: (كَالْأَغْنِيَاءِ) وَلَوْ حَصَرَهُمْ كَأَغْنِيَاءِ أَقَارِبَةِ جَزْمًا كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ.

قَوْلُهُ: (نَظَرًا لِلْأَصْلِ) غَرَضُهُ بِذَلِكَ تَوْفِيقُهُ عَلَى الْقَاعِدَةِ: أَنَّ مَنْ خَالَفَ قَوْلَهُ الظَّاهِرَ يَكُونُ مُدَّعِيًا فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَمَنْ وَافَقَ قَوْلَهُ الظَّاهِرَ يَكُونُ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَيَكْفِي مِنْهُ الْيَمِينُ.

قَوْلُهُ: (وَفِي مَحْظُورٍ) أَيْ عَلَى مَحْظُورٍ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَالظَّاءِ الْمُشَالَةِ) وُصِفَتْ بِالْمُشَالَةِ؛ لِأَنَّ اللِّسَانَ يَرْتَفِعُ عِنْدَ النُّطْقِ بِهَا. قَوْلُهُ: (أَيْ مُحَرَّمٍ) مِنْهُ الْوَقْفُ عَلَى التَّزْوِيقِ فَإِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنْ كَانَ التَّزْوِيقُ مَكْرُوهًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُصَلِّي لِإِذْهَابِهِ الْخُشُوعَ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى السُّتُورِ وَلَوْ حَرِيرًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا زي.

قَوْلُهُ: (كَعِمَارَةِ الْكَنَائِسِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْوَاقِفُ ذِمِّيًّا وَلَوْ أَطْلَقَ الْوَقْفَ عَلَى الْكَنَائِسِ فَهَلْ يَبْطُلُ؟ أَفْتَى شَيْخُنَا صَالِحٌ بِالْبُطْلَانِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْوَقْفِ عَلَيْهَا الْوَقْفُ عَلَى مَصَالِحِهَا الْمَمْنُوعِ، وَهُوَ مَا كَانَ يُظْهِرُ؛ شَوْبَرِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ.

قَوْلُهُ: (لِلتَّعَبُّدِ) صِفَةٌ لِلْكَنَائِسِ أَيْ الْمَوْضُوعَةُ لِلتَّعَبُّدِ فِيهَا، أَيْ وَلَوْ مَعَ نُزُولِ الْمَارَّةِ كَمَا قَالَهُ ع ش، وَعِبَارَةُ ق ل: قَوْلُهُ " لِلتَّعَبُّدِ " أَيْ عِبَادَةُ الْكُفَّارِ وَلَوْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مَعَ نُزُولِ الْمَارَّةِ، وَيَصِحُّ لِنُزُولِ الْمَارَّةِ وَلَوْ مِنْ الْكُفَّارِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ حُصُرِهَا) عَطْفٌ عَلَى عِمَارَةِ بِأَنْ يَقِفَ شَيْئًا عَلَى شِرَاءِ حُصُرِهَا أَوْ قَنَادِيلِهَا أَوْ خُدَّامِهَا.

قَوْلُهُ: (أَوْ كُتُبِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ) أَيْ الْمُبْدَلَيْنِ أَوْ وَقَفَهَا نَفْسَهَا، وَهُوَ مَعْطُوفٌ

ص: 249

لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَالْوَقْفُ شُرِعَ لِلتَّقَرُّبِ فَهُمَا مُتَضَادَّانِ. وَشُرِطَ فِي الصِّيغَةِ وَهُوَ الرُّكْنُ الرَّابِعُ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالْمُرَادِ كَالْعِتْقِ بَلْ أَوْلَى، وَفِي مَعْنَاهُ مَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ صَرِيحُهُ كَوَقَفْتُ وَسَلَبْتُ وَحَبَسْتُ كَذَا عَلَى كَذَا أَوْ تَصَدَّقْتُ بِكَذَا عَلَى كَذَا صَدَقَةً مُحَرَّمَةً أَوْ مُؤَبَّدَةً أَوْ مَوْقُوفَةً، أَوْ لَا تُبَاعُ أَوْ لَا تُوهَبُ وَجَعَلْتُ هَذَا الْمَكَانَ مَسْجِدًا، وَكِنَايَتُهُ كَحَرَّمْتُ وَأَبَّدْت هَذَا لِلْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يُسْتَعْمَلُ مُسْتَقِلًّا، وَإِنَّمَا يُؤَكَّدُ بِهِ فَلَا يَكُونُ صَرِيحًا وَكَتَصَدَّقْتُ بِهِ مَعَ إضَافَتِهِ لِجِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْفُقَرَاءِ. وَأَلْحَقَ الْمَاوَرْدِيُّ بِاللَّفْظِ أَيْضًا مَا لَوْ بَنَى مَسْجِدًا بِنِيَّتِهِ بِمَوَاتٍ.

وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ: التَّأْبِيدُ كَالْوَقْفِ عَلَى مَنْ لَمْ يَنْقَرِضْ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ كَالْفُقَرَاءِ، أَوْ عَلَى مَنْ يَنْقَرِضُ ثُمَّ عَلَى مَنْ لَا يَنْقَرِضُ كَزَيْدٍ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ، فَلَا يَصِحُّ تَأْقِيتُ الْوَقْفِ. فَلَوْ قَالَ: وَقَفْتُ هَذَا عَلَى كَذَا سَنَةً لَمْ يَصِحَّ لِفَسَادِ الصِّيغَةِ، فَإِنْ أَعْقَبَهُ بِمَصْرِفٍ كَوَقَفْتُهُ عَلَى زَيْدٍ سَنَةً ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ صَحَّ وَرُوعِيَ فِيهِ شَرْطُ الْوَاقِفِ، وَهَذَا فِيمَا لَا يُضَاهِي التَّحْرِيرَ، أَمَّا مَا يُضَاهِيهِ كَالْمَسْجِدِ وَالْمَقْبَرَةِ وَالرِّبَاطِ كَقَوْلِهِ: جَعَلْته مَسْجِدًا سَنَةً فَإِنَّهُ يَصِحُّ مُؤَبَّدًا، كَمَا لَوْ ذَكَرَ فِيهِ شَرْطًا فَاسِدًا

ــ

[حاشية البجيرمي]

عَلَى قَوْلِهِ كَعِمَارَةِ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَالثَّانِي مَوْقُوفًا فَإِنَّهُمَا مِثَالٌ لِلْوَقْفِ فِي مَحْظُورٍ وَقَوْلُهُ " أَوْ كُتُبِ " الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِصِيغَةِ الْمَصْدَرِ كَمَا يَدُلُّ لَهُ عِبَارَةُ غَيْرِهِ بِلَفْظِ كِتَابَةٍ فَيَكُونُ كَالْعِمَارَةِ؛ وَالتَّوْرَاةُ لِمُوسَى صلى الله عليه وسلم أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ صُحُفٍ عَشْرَةٍ قَبْلَهَا، وَالْإِنْجِيلُ لِعِيسَى صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي شَرْحِ الشِّفَاءِ: وَالتَّوْرَاةُ أَجَلُّ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ قَبْلَ الْقُرْآنِ، وَأَصْلُ تَوْرَاةٍ وَوْرَيَةٌ أُبْدِلَتْ الْوَاوُ تَاءً وَوَزْنُهَا تَفْعِلَةٌ بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَوْ كَسْرِهَا، وَقِيلَ: وَزْنُهَا فَوْعَلَةٌ. وَالْإِنْجِيلُ بِالْكَسْرِ وَقَدْ يُفْتَحُ مِنْ النَّجْلِ وَهُوَ اسْتِخْرَاجُ خُلَاصَةِ الشَّيْءِ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْوَلَدِ نَجْلُ أَبِيهِ كَأَنَّ الْإِنْجِيلَ اسْتَخْلَصَ خُلَاصَةَ نُورِ التَّوْرَاةِ، اهـ بِحُرُوفِهِ م د عَلَى التَّحْرِيرِ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ الرُّكْنُ الرَّابِعُ) ذَكَرَ الضَّمِيرَ مُرَاعَاةً لِلْخَبَرِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَأْنِيثِ الضَّمِيرِ الثَّابِتِ فِي نُسَخٍ مُرَاعَاةً لِمَرْجِعِهِ وَهُوَ لَفْظُ الصِّيغَةِ. وَاَلَّذِي فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ مُحْتَمِلَةٌ لَهُمَا لِوُجُودِ حِبْرٍ عَلَى الْخَطِّ اهـ أج.

قَوْلُهُ: (بَلْ أَوْلَى) وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْعِتْقَ لَا تَمْلِيكَ أَصْلًا وَإِنَّمَا فِيهِ إزَالَةُ رِقٍّ عَلَى الْعَتِيقِ، وَمَعَ ذَلِكَ اُشْتُرِطَ فِيهِ اللَّفْظُ فَشَرْطُهُ فِيمَا هُوَ فِي مَعْنَى التَّمْلِيكِ أَوْلَى.

قَوْلُهُ: (مُحَرَّمَةً) أَيْ عَلَى غَيْرِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (لِجِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْفُقَرَاءِ) أَمَّا إذَا أَضَافَهُ إلَى مُعَيَّنٍ وَلَوْ جَمَاعَةً فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي الْوَقْفِ بَلْ هُوَ صَرِيحٌ فِي الْمِلْكِ كَتَصَدَّقْتُ بِهَذَا عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ وَخَالِدٍ مَثَلًا فَإِنَّهُمْ يَمْلِكُونَهُ عَيْنًا وَمَنْفَعَةً وَلَهُمْ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَخَذُوهُ، عَلَى سَبِيلِ الْمِلْكِيَّةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ؛؛ لِأَنَّ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابِهِ وَوُجِدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ لَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ.

قَوْلُهُ: (وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ) هُوَ مُكَرَّرٌ مَعَ الشَّرْطِ الثَّالِثِ تَأَمَّلْ أج. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّأْبِيدِ هُنَا عَدَمُ التَّأْقِيتِ بِدَلِيلِ تَفْرِيعِهِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (كَالْفُقَرَاءِ) فَهَذَا يُقَالُ لَهُ تَأْبِيدٌ أَيْ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ بِالتَّأْبِيدِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ تَأْقِيتُ الْوَقْفِ) وَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ مُكَرَّرًا، لَكِنْ رُبَّمَا يُنَافِي فِي هَذَا الْمُرَادِ قَوْلَهُ كَالْوَقْفِ عَلَى إلَخْ تَأَمَّلْ. وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّأْبِيدِ عَدَمُ التَّأْقِيتِ فَيَصْدُقُ بِصُورَتَيْنِ، أَيْ سَوَاءٌ صَرَّحَ بِالتَّأْبِيدِ أَوْ أَطْلَقَ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَإِنْ كَانَ الشَّارِحُ اقْتَصَرَ عَلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِ.

قَوْلُهُ: (تَأْقِيتُ الْوَقْفِ) يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِيمَا لَوْ قَالَ وَقَفْته عَلَى الْفُقَرَاءِ أَلْفَ سَنَةٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَبْعُدُ بَقَاءُ الدُّنْيَا إلَيْهِ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَهُوَ يُوَافِقُ مَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ مِنْ عَدَمِ تَأْجِيلِ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ بِذَلِكَ وَلَكِنْ يَكُونُ الْمُرَادُ تَأْبِيدَ الْوَقْفِ بِمُدَّةِ بَقَاءِ الدُّنْيَا إلَيْهِ فَلَا يَرِدُ إطْلَاقُهُمْ اهـ إسْعَادٌ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقَوْلُهُ " مِنْ عَدَمِ تَأْجِيلِ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ بِذَلِكَ " أَيْ بِهَذِهِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ الطَّوِيلَةِ بَلْ يَكُونُ حَالًّا، كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: اشْتَرَيْتُ مِنْك هَذَا الْعَبْدَ مَثَلًا بِمِائَةِ دِينَارٍ فِي ذِمَّتِي مُؤَجَّلَةٍ بِأَلْفِ سَنَةٍ فَيَلْغُو هَذَا الْأَجَلُ وَيَكُونُ الثَّمَنُ حَالًّا وَيَصِحُّ الْبَيْعُ.

قَوْلُهُ: (بِمَصْرِفٍ) أَيْ آخَرَ. قَوْلُهُ: (فِيمَا لَا يُضَاهِي) أَيْ يُشَابِهُ التَّحْرِيرَ أَيْ الْإِعْتَاقَ وَوَجْهُ عَدَمِ الْمُشَابَهَةِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَنَّ الْعِتْقَ فِيهِ إزَالَةٌ لَا إلَى مَالِكٍ وَوَقْفُ غَيْرِ الْمَسْجِدِ فِيهِ إزَالَةُ مَالِكٍ، وَهُوَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ الْمُضَاهَاةِ فِي الْمَسْجِدِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِيهِ إزَالَةُ مِلْكٍ لَا إلَى مَالِكٍ.

قَوْلُهُ: (أَمَّا مَا يُضَاهِيهِ) أَيْ فِي انْفِكَاكِهِ عَنْ اخْتِصَاصِ الْآدَمِيِّينَ س ل فَلِقُوَّةِ جَانِبِ الْمَسْجِدِ وَمَا بَعْدَهُ بِالشَّبَهِ الْمَذْكُورِ أُلْغِيَ التَّأْقِيتُ فِيهَا

ص: 250

وَهُوَ لَا يُفْسِدُ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ وَلَوْ قَالَ وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي أَوْ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ نَسْلِهِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يَدُومُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ مَنْ يَصْرِفُ إلَيْهِ بَعْدَهُمْ صَحَّ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْوَقْفِ الْقُرْبَةُ وَالدَّوَامُ، فَإِذَا بَيَّنَ مَصْرِفَهُ ابْتِدَاءً سَهُلَ إدَامَتُهُ عَلَى سَبِيلِ الْخَيْرِ وَيُسَمَّى مُنْقَطِعَ الْآخِرِ، فَإِذَا انْقَرَضَ الْمَذْكُورُ صُرِفَ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ يَوْمَ انْقِرَاضِ الْمَذْكُورِ وَيَخْتَصُّ الْمَصْرِفُ وُجُوبًا بِفُقَرَاءِ قَرَابَةِ الرَّحِمِ لَا الْإِرْثِ فِي الْأَصَحِّ، فَيُقَدَّمُ ابْنُ بِنْتٍ عَلَى ابْنِ عَمٍّ، وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ مُنْقَطِعُ الْأَوَّلِ كَوَقَفْتُهُ عَلَى مَنْ سَيُولَدُ لِي ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ بَاطِلٌ لِعَدَمِ إمْكَانِ الصَّرْفِ إلَيْهِ فِي الْحَالِ؛ فَكَذَا مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَوْ كَانَ الْوَقْفُ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ كَوَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ صَحَّ لِوُجُودِ الْمَصْرِفِ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ، ثُمَّ بَعْدَ أَوْلَادِهِ يُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ.

وَالشَّرْطُ السَّادِسُ: بَيَانُ الْمَصْرِفِ فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ وَقَفْت كَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ مَصْرِفَهُ لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ ذِكْرِ مَصْرِفِهِ، وَلَوْ ذَكَرَ الْمَصْرِفَ إجْمَالًا كَقَوْلِهِ: وَقَفْت هَذَا عَلَى مَسْجِدِ كَذَا كَفَى وَصُرِفَ إلَى مَصَالِحِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَصَحَّتْ مُؤَبَّدَةً كَالْعِتْقِ، فَإِنَّهُ إذَا قَالَ: أَعْتَقْت عَبْدِي سَنَةً فَإِنَّ الْعِتْقَ يَصِحُّ وَيَكُونُ مُؤَبَّدًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: وَقَفْته عَلَى زَيْدٍ سَنَةً وَمَعْنَى مُضَاهَاةِ التَّحْرِيرِ أَنَّ مَنْفَعَتَهُ لَا يَمْلِكُهَا أَحَدٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَفَ دَارِهِ عَلَى زَيْدٍ سَنَةً مَثَلًا فَإِنَّهُ يَنْتَفِعُ بِمَنْفَعَتِهَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ. قَوْلُهُ:(كَمَا لَوْ ذَكَرَ فِيهِ شَرْطًا فَاسِدًا) كَمَا لَوْ قَالَ وَقَفْت هَذَا الْمَكَانَ مَسْجِدًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يُصَلَّى فِيهِ أَوْ لَا يُعْتَكَفَ فِيهِ أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يَبِيتَ فِيهِ النِّسَاءُ الْحُيَّضُ أَوْ الْجُنُبُ مِنْ الرِّجَالِ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ لَا يُفْسِدُ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْسُدُ، فَهُوَ فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ لِمَا قَبْلَهُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَالَ وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي إلَخْ) شُرُوعٌ فِي الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ الْآخِرِ.

وَحَاصِلُ الْوَقْفِ أَنَّهُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: إمَّا مَقْطُوعُ الْأَوَّلِ كَالْوَقْفِ عَلَى مَنْ سَيُولَدُ لَهُ، وَإِمَّا مَقْطُوعُ الْآخِرِ كَقَوْلِهِ عَلَى أَوْلَادِي، وَإِمَّا مَقْطُوعُ الْوَسَطِ كَقَوْلِهِ عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ رَجُلٍ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ. فَيَصِحُّ فِيمَا عَدَا مَقْطُوعِ الْأَوَّلِ وَيُصْرَفُ فِي مُنْقَطِعِ الْآخِرِ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ وَفِي مُنْقَطِعِ الْوَسَطِ لِلْفُقَرَاءِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ.

قَوْلُهُ: (صُرِفَ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَخْ) أَيْ إنْ وُجِدُوا بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ وَإِلَّا فَإِلَى الْأَهَمِّ مِنْ الْمَسَاكِينِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. اهـ. ق ل. قَالَ الَأُجْهُورِيُّ: وَمِثْلُهُ مَا لَوْ قَالَ وَقَفْت عَلَى زَيْدٍ نِصْفَ هَذَا وَعَلَى عَمْرٍو نِصْفَهُ الْآخَرَ ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُمَا عَلَى الْفُقَرَاءِ فَمَاتَتْ أَحَدُهُمَا صُرِفَ نَصِيبُهُ لِلْأَقْرَبِ لِلْوَاقِفِ عَلَى الْأَقْرَبِ مِنْ احْتِمَالَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا وَقْفَانِ، وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي يُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ، فَلَوْ قَالَ: وَقَفْته عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا أَخَذَ الْآخَرُ الْجَمِيعَ أَوْ قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفَهُ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَالْأَقْرَبُ مِنْ احْتِمَالَيْنِ أَنَّهُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا يَنْتَقِلُ لِلْفُقَرَاءِ. اهـ. شَرْحِ الرَّوْضِ. قُلْت: فِي هَذَا التَّقْرِيرِ يَصِيرُ لِلْمَسْأَلَةِ أَحْوَالٌ ثَلَاثَةٌ: إذَا وَقَفَ عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ وَمَاتَ أَحَدُهُمَا يَنْتَقِلُ لِلْآخَرِ، وَفِي وَقْفِ النِّصْفِ لِزَيْدٍ وَالنِّصْفِ لِعَمْرٍو ثُمَّ قَالَ مَنْ بَعْدَهُمَا لِلْفُقَرَاءِ يَنْتَقِلُ لِلْأَقْرَبِ لِلْوَاقِفِ حِصَّةُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا لَا لِلْآخَرِ وَلَا لِلْفُقَرَاءِ، وَالثَّالِثَةُ: إذَا وَقَفَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفَهُ ثُمَّ قَالَ عَلَى الْفُقَرَاءِ يَنْتَقِلُ لِلْفُقَرَاءِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ وَقْفٌ وَاحِدٌ.

قَوْلُهُ: (أَقْرَبِ النَّاسِ) فَإِذَا انْقَرَضَ الْأَقْرَبُ فَالْمَنْصُوصُ أَنَّ الْإِمَامَ يَجْعَلُ الْوَقْفَ حَبْسًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ تُصْرَفُ غَلَّتُهُ فِي مَصَالِحِهِمْ، وَرَجَّحَهُ الطَّبَرِيُّ وَفِي الْفَتَاوَى لِابْنِ الصَّبَّاغِ: تُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، دِمْيَاطِيٌّ فِي شَرْحِهِ.

قَوْلُهُ: (فَيُقَدَّمُ ابْنُ بِنْتٍ) أَيْ وَلَا يُفَضَّلُ الذَّكَرُ عَلَى الْأَوْجَهِ،. اهـ. تُحْفَةٌ. قَوْلُهُ:(لِوُجُودِ الْمَصْرِفِ فِي الْحَالِ) وَهُمْ الْأَوْلَادُ وَالْمَآلِ وَهُمْ الْفُقَرَاءُ.

قَوْلُهُ: (يُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُتَوَسِّطُ مُعَيَّنًا، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ مُعَيَّنًا كَالدَّابَّةِ فَمَصْرِفُهُ مُدَّةَ وُجُودِهَا كَمُنْقَطِعِ الْآخِرِ ق ل. وَقَوْلُهُ " كَالدَّابَّةِ " أَيْ أَوْ الْعَبْدِ نَفْسِهِ. وَقَوْلُهُ " مُدَّةَ وُجُودِهَا " أَيْ مُدَّةَ حَيَاةِ الدَّابَّةِ.

قَوْلُهُ: (بَيَانُ الْمَصْرِفِ) هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِ الْمَتْنِ " أَصْلٍ مَوْجُودٍ إلَخْ "؛ لِأَنَّ فِيهِ بَيَانَ الْمَصْرِفِ.

قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَذْكُرْ مَصْرِفَهُ لَمْ يَصِحَّ) أَيْ وَإِنْ أَضَافَهُ لِلَّهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ فَهِيَ صَحِيحَةٌ. وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمَصْرِفَ كَأَنْ قَالَ: أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي وَأَطْلَقَ فَإِنَّهَا تَصِحُّ وَيُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْغَالِبَ فِي الْوَصِيَّةِ أَنْ تَكُونَ لِلْفُقَرَاءِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ (فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ) أَيْ أَصْلًا أَوْ إعْطَاءً إلَّا بِالْمَوْتِ. اهـ. م د. وَقَوْلُهُ " أَصْلًا " كَأَنْ يَقُولَ: وَقَفْتُ هَذَا عَلَى أَوْلَادِي بَعْدَ مَوْتِي وَقَوْلُهُ " أَوْ

ص: 251

وَالشَّرْطُ السَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مُنَجَّزًا فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ كَقَوْلِهِ: إذَا جَاءَ زَيْدٌ فَقَدْ وَقَفْت كَذَا عَلَى كَذَا؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَقْتَضِي نَقْلَ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ لَمْ يُبْنَ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ، فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَمَحَلُّ الْبُطْلَانِ فِيمَا لَا يُضَاهِي التَّحْرِيرَ. أَمَّا مَا يُضَاهِيهِ كَجَعَلْتُهُ مَسْجِدًا إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَالظَّاهِرُ صِحَّتُهُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ؛ وَمَحَلُّهُ أَيْضًا مَا لَمْ يُعَلِّقْهُ بِالْمَوْتِ، فَإِنْ عَلَّقَهُ بِهِ كَقَوْلِهِ وَقَفْت دَارِي بَعْدَ مَوْتِي عَلَى الْفُقَرَاءِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَالَ الشَّيْخَانِ وَكَأَنَّهُ وَصِيَّةٌ لِقَوْلِ الْقَفَّالِ إنَّهُ لَوْ عَرَضَهَا لِلْبَيْعِ كَانَ رُجُوعًا، وَلَوْ نَجَّزَ الْوَقْفَ وَعَلَّقَ الْإِعْطَاءَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ جَازَ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيّ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ. وَلَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى مَنْ شِئْت أَوْ فِيمَا شِئْت وَكَانَ قَدْ عَيَّنَ لَهُ مَا شَاءَ أَوْ مَنْ يَشَاءُ عِنْدَ وَقْفِهِ صَحَّ وَأُخِذَ بِبَيَانِهِ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ لِلْجَهَالَةِ. وَلَوْ قَالَ: وَقَفْته فِيمَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَالشَّرْطُ الثَّامِنُ: الْإِلْزَامُ، فَلَوْ قَالَ: وَقَفْت هَذَا عَلَى كَذَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ فِي إبْقَاءِ وُقْفِهِ أَوْ الرُّجُوعِ فِيهِ مَتَى شَاءَ، أَوْ شَرَطَهُ لِغَيْرِهِ أَوْ شَرَطَ عَوْدَهُ إلَيْهِ بِوَجْهِ مَا كَانَ شَرَطَ أَنْ يَبِيعَهُ أَوْ شَرَطَ أَنْ يَدْخُلَ مَنْ شَاءَ وَيَخْرُجُ مَنْ شَاءَ لَمْ يَصِحَّ قَالَ الرَّافِعِيُّ كَالْعِتْقِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ مِنْ بُطْلَانِ الْعِتْقِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ. وَأَفْتَى الْقَفَّالُ بِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْغَلَبَةِ وَالسِّرَايَةِ.

(وَهُوَ) أَيْ الْوَقْفُ (عَلَى مَا شَرَطَ الْوَاقِفُ) سَوَاءٌ أَقُلْنَا الْمِلْكُ لَهُ أَمْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، أَمْ يَنْتَقِلُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَعْنَى

ــ

[حاشية البجيرمي]

إعْطَاءٍ " كَأَنْ يَقُولَ: وَقَفْتُ هَذَا عَلَى أَوْلَادِي الْآنَ وَلَا يُصْرَفُ لَهُمْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِي.

قَوْلُهُ: (نَقْلَ الْمِلْكِ) أَيْ إزَالَةِ الْمِلْكِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يُبْنَ عَلَى التَّغْلِيبِ) أَيْ الْقَهْرُ مَيْدَانِيٌّ، أَيْ كَمَا فِي الْعِتْقِ فَإِنَّهُ بُنِيَ عَلَى الْقَهْرِ بِسَبَبِ أَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بَعْضُهُ قَهْرًا إذَا اشْتَرَاهُ وَقَوْلُهُ " وَالسِّرَايَةِ " كَمَا فِي الْعِتْقِ أَيْضًا فِيمَا إذَا أَعْتَقَ نِصْفَ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ يَسْرِي الْعِتْقُ لِلنِّصْفِ الثَّانِي بِخِلَافِ الْوَقْفِ فِيهِمَا، فَإِذَا وَقَفَ نِصْفَ دَارِهِ لَا يَسْرِي لِلْبَاقِي. وَهَذَا إشَارَةٌ لِقَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَا بُنِيَ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ قَبِلَ التَّعْلِيقَ كَالْخُلْعِ فَإِنَّهُ مُعَاوَضَةٌ بِشَوْبِ جَعَالَةٍ فَيَقْبَلُ التَّعْلِيقَ، فَلَوْ قَالَ: إنْ أَعْطَيْتِنِي كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ صَحَّ التَّعْلِيقُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَغْلِيبَ الْجِعَالَةِ، وَهِيَ تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ، وَكَذَا الطَّلَاقُ يَقْبَلُ السِّرَايَةَ فَيَقْبَلُ التَّعْلِيقَ أَيْضًا بِخِلَافِ الْوَقْفِ م د.

قَوْلُهُ: (فَالظَّاهِرُ صِحَّتُهُ) وَلَا يَكُونُ مَسْجِدًا إلَّا إذَا جَاءَ رَمَضَانُ زي.

قَوْلُهُ: (وَكَأَنَّهُ وَصِيَّةٌ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ: وَالْحَاصِلُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْوَصَايَا فِي اعْتِبَارِهِ مِنْ الثُّلُثِ وَفِي جَوَازِ الرُّجُوعِ عَنْهُ وَفِي عَدَمِ صَرْفِهِ لِلْوَارِثِ، وَحُكْمُ الْأَوْقَافِ فِي تَأْبِيدِهِ وَعَدَمِ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ وَإِرْثِهِ. اهـ. رَشِيدِيٌّ عَلَى م ر. قَوْلُهُ:(وَعَلَّقَ الْإِعْطَاءَ إلَخْ) اُسْتُشْكِلَ هَذَا بِأَنَّ مَنَافِعَ الْمَوْقُوفِ لِلْوَاقِفِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَمَا الْفَائِدَةُ لِلْفُقَرَاءِ فِي الْوَقْفِ؟ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْفَائِدَةَ فِيهِ لَهُمْ انْتِقَالُ الْوَقْفِ إلَيْهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهَذَا يُشْبِهُ الْحِيلَةَ فِي الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْفَوَائِدَ فِي هَذَا تَكُونُ لَهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ فَهُوَ يُشْبِهُهُ.

قَوْلُهُ: (أَوْ فِيمَا شِئْت) أَيْ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ. " وَفِي " بِمَعْنَى " عَلَى " وَالْأَوَّلُ الْعَاقِلُ وَالثَّانِي لِغَيْرِ الْعَاقِلِ كَالْمَسَاجِدِ.

وَقَوْلُهُ " وَكَانَ قَدْ عَيَّنَ إلَخْ " لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ. قَوْلُهُ: (وَكَانَ) أَيْ الْوَاقِفُ، " وَكَانَ " زَائِدَةٌ، وَقَوْلُهُ " لَهُ " أَيْ لِلْوَقْفِ؛ فَالْمُنَاسِبُ وَقَدْ عَيَّنَ إلَخْ بِحَذْفِ كَانَ؛ لِأَنَّهَا تُوهِمُ أَنَّهُ عَيَّنَ قَبْلَ الْوَقْفِ مَعَ أَنَّ التَّعْيِينَ فِي حَالِ الْوَقْفِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ.

قَوْلُهُ: (أَوْ مَنْ يَشَاءُ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَوْ مَنْ شَاءَهُ.

قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ وَلَا يُعَيِّنُ فَلَا يَصِحُّ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَى مَنْ يَشَاء زَيْدٌ وَيَعْمَلُ بِبَيَانِ زَيْدٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ.

قَوْلُهُ: (بِشَرْطِ الْخِيَارِ) أَيْ إنْ لَمْ يَحْكُمْ بِصِحَّتِهِ مَنْ يَرَاهُ وَإِلَّا فَيَصِحُّ جَزْمًا. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (مِنْ بُطْلَانِ الْعِتْقِ) أَيْ إذَا أَعْتَقَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ الرُّجُوعِ أَوْ رِضَا فُلَانٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَالْمُعْتَمَدُ نُفُوذُهُ لِقُوَّةِ الْعِتْقِ دُونَ الْوَقْفِ، فَلَوْ قَالَ: أَعْتَقْتُ عَبْدِي وَأَبِيعُهُ مَتَى شِئْتُ بَطَلَ عَلَى قَوْلٍ، وَالرَّاجِحُ الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيرَ لَا يَتَأَثَّرُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَمَا مَرَّ. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْغَلَبَةِ وَالسِّرَايَةِ) وَلِقُوَّةِ الْعِتْقِ، فَلَا يَتَأَثَّرُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ كَمَا مَرَّ فِي التَّعْلِيقِ.

ص: 252

أَنَّهُ يَنْفَكُّ عَنْ اخْتِصَاصِ الْآدَمِيِّينَ كَمَا هُوَ الْأَظْهَرُ، إذْ مَبْنَى الْوَقْفِ عَلَى اتِّبَاعِ شَرْطِ الْوَاقِفِ (مِنْ تَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ وَتَسْوِيَةٍ وَتَفْصِيلٍ) وَجَمْعٍ وَتَرْتِيبٍ وَإِدْخَالِ مَنْ شَاءَ بِصِفَةٍ وَإِخْرَاجِهِ بِصِفَةٍ مِثَالُ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، كَقَوْلِهِ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي بِشَرْطِ أَنْ يُقَدَّمَ الْأَوْرَعُ مِنْهُمْ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ لِلْبَاقِينَ. وَمِثَالُ التَّسْوِيَةِ كَقَوْلِهِ: بِشَرْطِ أَنْ يُصْرَفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَةُ دِرْهَمٍ، وَمِثَالُ التَّفْضِيلِ كَقَوْلِهِ: بِشَرْطِ أَنْ يُصْرَفَ لِزَيْدٍ مِائَةٌ وَلِعَمْرٍو خَمْسُونَ. وَمِثَالُ الْجَمْعِ خَاصَّةً كَوَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِهِمْ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ فِي أَصْلِ الْإِعْطَاءِ وَالْمِقْدَارِ بَيْنَ الْكُلِّ، وَهُوَ جَمِيعُ أَفْرَادِ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ لَا لِلتَّرْتِيبِ كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ، وَنُقِلَ عَنْ إجْمَاعِ النُّحَاةِ وَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ مَا تَنَاسَلُوا أَوْ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ إذْ الْمَزِيدُ لِلتَّعْمِيمِ فِي النَّسْلِ، وَمِثَالُ التَّرْتِيبِ خَاصَّةً كَقَوْلِهِ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الْوَقْفُ مِنْ حَيْثُ صَرْفُهُ غَلَّتَهُ أَوْ اسْتِحْقَاقٌ.

قَوْلُهُ: (عَلَى مَا شَرَطَ إلَخْ) مَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ مَبْنِيٌّ عَلَى اتِّبَاعِ شَرْطِ الْوَاقِفِ، أَوْ مَوْصُولَةٌ أَيْ اتِّبَاعِ مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ؛ فَلَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَجَّرَ أَوْ اخْتِصَاصَ نَحْوِ مَسْجِدٍ بِطَائِفَةٍ اُتُّبِعَ شَرْطُهُ رِعَايَةً لِغَرَضِهِ أَيْ فَشَرْطُهُ كَنَصِّ الشَّارِعِ فَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِخِلَافِهِ.

قَوْلُهُ: (الْمِلْكُ لَهُ) أَيْ لِلْوَاقِفِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَزَالَ الْمِلْكَ عَنْ فُؤَادِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ رضي الله عنه. وَقَوْلُهُ " أَمْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ " وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَالْقَوْلَانِ ضَعِيفَانِ فِي مَذْهَبِنَا.

قَوْلُهُ: (بِمَعْنَى أَنَّهُ يَنْفَكُّ إلَخْ) تَفْسِيرٌ لِمَعْنَى الِانْتِقَالِ إلَيْهِ تَعَالَى، وَإِلَّا فَكُلُّ الْمَوْجُودَاتِ بِأَسْرِهَا مِلْكٌ لَهُ تَعَالَى فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ، وَغَيْرِهِ وَإِنْ سُمِّيَ مَالِكًا فَإِنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ التَّوَسُّعِ وَالْمَجَازِ شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (كَمَا هُوَ) أَيْ قَوْلُهُ أَمْ يَنْتَقِلُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: (إذْ مَبْنَى الْوَقْفِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَهُوَ عَلَى مَا شَرَطَ الْوَاقِفُ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُعَلِّلَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ شَرَطَ الْوَاقِفُ كَنَصِّ الشَّارِعِ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ وَعَلَّلَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ بِقَوْلِهِ رِعَايَةً لِغَرَضِهِ وَعَمَلًا بِشَرْطِهِ.

قَوْلُهُ: (مِنْ تَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ) بَيَانٌ لِمَا وَأَحَدُهُمَا يُغْنِي عَنْ الْآخَرِ، فَهُوَ مِنْ عَطْفِ أَحَدِ الْمُتَلَازِمِينَ عَلَى الْآخَرِ.

قَوْلُهُ: (وَتَرْتِيبٍ) قَالَ ق ل: لَعَلَّهُ مُسْتَدْرَكٌ مَعَ قَوْلِهِ " تَقْدِيمٍ " اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا اسْتِدْرَاكَ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ لَا يُجَامِعُ التَّقْدِيمَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إذْ لَا يُجَامِعُهُ فِيمَا لَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي بِشَرْطِ أَنْ يُقَدَّمَ الْأَوْرَعُ مِنْهُمْ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ لِلْبَاقِينَ؛ لِأَنَّ هَذَا وَقْفُ جَمْعٍ لَا تَرْتِيبَ فِيهِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْوَاقِفِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ لِلْبَاقِينَ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ وَقْفُ جَمْعٍ يَشْتَرِكُ فِيهِ جَمِيعُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ فَيَكُونُ قَوْلُ الْوَاقِفِ بِشَرْطِ أَنْ يُقَدَّمَ الْأَوْرَعُ فَالْأَوْرَعُ أَيْ يُقَدَّمُ بِكِفَايَتِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " فَإِنْ فَضَلَ إلَخْ " فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ:(وَإِخْرَاجِهِ بِصِفَةٍ) الْمُرَادُ بِهَا الصِّفَةُ السَّابِقَةُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَإِخْرَاجُهُ بِهَا؛ فَالْأَوْلَى الْإِضْمَارُ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ الْوَاحِدَةَ لِلْإِدْخَالِ وَالْإِخْرَاجِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ " وَإِخْرَاجِهِ " مِنْ عَطْفِ اللَّازِمِ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْنَا أَنَّ النَّكِرَةَ إذَا أُعِيدَتْ نَكِرَةً تَكُونُ غَيْرَ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ أَغْلَبِيٌّ فَيَكُونُ هَذَا مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ تَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (الْأَوْرَعُ) هُوَ مَنْ يَتَّقِي الشُّبُهَاتِ وَإِنْ زَادَ الْحَلَالُ عَلَى كِفَايَتِهِ، وَأَمَّا الزَّاهِدُ فَهُوَ مَنْ تَرَكَ الزَّائِدَ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ مِنْ الْحَلَالِ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ) أَيْ عَنْ كِفَايَتِهِ. وَكُلُّ هَذَا مِنْ عِبَارَةِ الْوَاقِفِ. فَسَقَطَ اعْتِرَاضُ ق ل بِقَوْلِهِ فَإِنْ فَضَلَ إلَخْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ إذْ لَمْ يُجْعَلْ لِلْمُقَدَّمِ مِقْدَارٌ يُتَصَوَّرُ فِيهِ فَضْلٌ أَوْ عَدَمُهُ تَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (وَمِثَالُ التَّسْوِيَةِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِدُخُولِهِ فِي الْإِطْلَاقِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ مَا بَعْدَهُ ق ل. فَهُوَ مُكَرَّرٌ مَعَ الْجَمْعِ؛ فَإِنَّ فِيهِ تَسْوِيَةً كَمَا يَأْتِي؛ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ التَّسْوِيَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ شَرْطِ الْوَاقِفِ هُنَا وَمَا يَأْتِي مِنْ الْإِطْلَاقِ وَجَوْهَرِ اللَّفْظِ فَلَا تَكْرَارَ.

قَوْلُهُ: (وَمِثَالُ الْجَمْعِ خَاصَّةً) أَيْ بِدُونِ التَّرْتِيبِ. قَوْلُهُ: (يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ) ؛ لِأَنَّ " الْوَاوَ " حَرْفٌ مُشْتَرَكٌ.

قَوْلُهُ: (ذُكُورِهِمْ) أَيْ وَخَنَاثَاهُمْ. قَوْلُهُ: (وَنُقِلَ) أَيْ كَوْنُ الْوَاوِ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُقَالَ: وَإِنْ سَفَلُوا، وَقِيلَ: إنَّهُ لِلتَّرْتِيبِ بَيْنَ الْبَطْنِيِّ، وَجَرَى عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ. وَعِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ: وَكَذَا يُسَوَّى بَيْنَ الْجَمِيعِ

ص: 253

ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِي، أَوْ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى، أَوْ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، أَوْ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ لِدَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ.

وَمِثَالُ الْجَمْعِ وَالتَّرْتِيبِ كَوَقَفْتُهُ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي، فَإِذَا انْقَرَضُوا فَعَلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ مَا تَنَاسَلُوا. فَتَكُونُ الْأَوْلَادُ وَأَوْلَادُ الْأَوْلَادِ مُشْتَرَكِينَ وَبَعْدَهُمْ يَكُونُونَ مُرَتَّبِينَ، وَحَيْثُ وُجِدَ لَفْظُ التَّرْتِيبِ فَلَا يُصْرَفُ لِلْبَطْنِ الثَّانِي شَيْءٌ مَا بَقِيَ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ أَحَدٌ. وَهَكَذَا فِي جَمِيعِ الْبُطُونِ لَا يُصْرَفُ إلَى بَطْنٍ وَهُنَاكَ مِنْ بَطْنٍ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ: مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ، فَيُتَّبَعُ شَرْطُهُ وَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْوَلَدِ حَقِيقَةً. وَيَدْخُلُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ فِي الْوَقْفِ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَعَلَى النَّسْلِ وَعَلَى الْعَقِبِ وَعَلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ لِصِدْقِ اللَّفْظِ بِهِمْ، أَمَّا فِي الذُّرِّيَّةِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ} [الأنعام: 84] إلَى أَنْ ذَكَرَ عِيسَى، وَلَيْسَ هُوَ إلَّا وَلَدُ الْبِنْتِ وَالنَّسْلُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

لَوْ زَادَ مَا تَنَاسَلُوا أَوْ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ أَوْ نَسْلًا بَعْدَ نَسْلٍ لِاقْتِضَائِهِ التَّشْرِيكَ؛ لِأَنَّهُ لِمَزِيدِ التَّعْمِيمِ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَمِثْلُ مَا تَنَاسَلُوا بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ، وَقِيلَ: الْمَزِيدُ فِيهِ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ لِلتَّرْتِيبِ اهـ بِحُرُوفِهِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ بَطْنًا) نُصِبَ عَلَى الْحَالِ وَأَوْ مَانِعَةُ خُلُوٍّ، فَالصُّوَرُ ثَلَاثَةٌ: زِيَادَةُ مَا تَنَاسَلُوا فَقَطْ، زِيَادَةُ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ فَقَطْ، زِيَادَةُ الْأَمْرَيْنِ مَعًا، وَالْخِلَافُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ دُونَ الْأُولَى. قَوْلُهُ:(التَّرْتِيبِ خَاصَّةً) أَيْ بِدُونِ الْجَمْعِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى) وَيَشْمَلُ ذَلِكَ جَمِيعَ الطَّبَقَاتِ. قَوْلُهُ: (أَوْ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ) أَيْ لِلْوَاقِفِ، وَلَوْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ وَقْفُ تَرْتِيبٍ أَوْ تَسْوِيَةٍ صُدِّقَ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ مِنْ نَاظِرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَإِلَّا حَلَفُوا وَقُسِّمَ بَيْنَهُمْ ق ل وَقَوْلُهُ " وَلَوْ اخْتَلَفُوا " أَيْ وَلَمْ يُعْلَمْ شَرْطُ الْوَاقِفِ.

قَوْلُهُ: (لِدَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى التَّرْتِيبِ.

قَوْلُهُ: (عَلَى أَوْلَادِي) هَذَا هُوَ الْجَمْعُ. وَقَوْلُهُ " فَإِذَا انْقَرَضُوا " هَذَا هُوَ التَّرْتِيبُ.

قَوْلُهُ: (لَفْظُ التَّرْتِيبِ) أَيْ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (مِنْ بَطْنٍ) أَيْ هُنَاكَ أَحَدٌ مِنْ بَطْنٍ أَقْرَبَ مِنْهُ.

قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَقُولَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ " فَلَا يُصْرَفُ إلَخْ " وَقَوْلُهُ " مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ " كَأَنْ يَقُولَ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَخَلَفَ وَلَدًا أَوْ وَلَدَ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ، فَيَكُونُ مُخَصَّصًا لِمَا تُفِيدُهُ الصِّيغَةُ الْأُولَى مِنْ نَقْلِ نَصِيبِهِ إذَا مَاتَ لِبَاقِيهِمْ.

قَوْلُهُ: (فَيُتْبَعُ شَرْطُهُ) فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمْ اخْتَصَّ بِنَصِيبِهِ وَلَدُهُ،. اهـ. رَوْضٌ مَرْحُومِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ إلَخْ) فَإِنْ قُلْت: هَلَّا قِيلَ بِدُخُولِهِمْ عَلَى قَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ فِي اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، قُلْت: شَرْطُهُ إرَادَةُ الْمُتَكَلِّمِ لَهُ وَكَلَامُنَا هُنَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، شَرْحِ الرَّوْضِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ حُمِلَ عَلَى الْمَجَاز، فَلَوْ حَدَثَ لَهُ وَلَدٌ بَعْدَ ذَلِكَ شَارَكَ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ وَلَا يَحْجُبُهُمْ. اهـ. م ر.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ وَلَدَ الْوَالِدِ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّهُمْ لَا يَقَعُ عَلَيْهِمْ اسْمُ الْأَوْلَادِ حَقِيقَةً.

قَوْلُهُ: (لَا يَقَعُ عَلَيْهِ) أَيْ وَلَدِ الْوَلَدِ. وَقَوْلُهُ " وَعَلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ " نَعَمْ إنْ قَيَّدَ بِالْهَاشِمِيِّينَ لَمْ تَدْخُلْ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ إلَّا إنْ كَانَ أَبُوهُمْ هَاشِمِيًّا ق ل.

قَوْلُهُ: (وَيَدْخُلُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ إلَخْ) فَلَوْ قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي بِالْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَمْ يَزِدْ صُرِفَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ مِنْ أَوْلَادِ الظُّهُورِ، وَأَمَّا أَوْلَادُ الْبُطُونِ فَفِيهِ نَظَرٌ. ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعَصْرِ أَفْتَى بِأَنَّهُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ مِنْ أَوْلَادِ الظُّهُورِ وَأَوْلَادِ الْبُطُونِ، فَعَرَضْتُ الْإِفْتَاءَ عَلَى شَيْخِنَا فَلَمْ يَرْتَضِ الْإِفْتَاءَ وَتَوَقَّفَ، ثُمَّ فَتْحَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْمَنْقُولِ الْمُؤَيِّدِ لِلْحَقِّ فِي عِمَادِ الرِّضَا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ مَا نَصُّهُ: مَسْأَلَةٌ: وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ، وَقَالَ: مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ أَوْ نَسْلٍ أَوْ عَقِبٍ صُرِفَ نَصِيبُهُ لِمَنْ يُوجَدُ مِنْ أَوْلَادِهِ وَنَسْلِهِ وَعَقِبِهِ عَلَى الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْمِيرَاثِ فَمَاتَتْ امْرَأَةٌ عَنْ بِنْتٍ وَابْنِ بِنْتٍ أَفْتَى السُّبْكِيُّ بِأَنَّ النِّصْفَ لِلْبِنْتِ وَالنِّصْفَ الْآخَرَ لِابْنِ الْبِنْتِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ النَّسْلِ وَالْعَقِبِ اهـ بِحُرُوفِهِ. وَبِهَذَا ظَهَرَ فَسَادُ الْإِفْتَاءِ وَأَنَّهُ مِنْ التَّجَرُّؤِ عَلَى دِينِ اللَّهِ تَعَالَى فَتَأَمَّلْ أج.

قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَقَعُ فِي كُتُبِ الْأَوْقَافِ وَمَنْ مَاتَ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى مَنْ فِي دَرَجَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ الْمُسْتَحِقِّينَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُسْتَحِقِّينَ تَأْسِيسٌ لَا تَأْكِيدٌ فَيُحْمَلُ عَلَى وَصْفِهِ الْمَعْرُوفِ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ مِنْ الِاتِّصَافِ حَقِيقَةً بِالِاسْتِحْقَاقِ مِنْ الْوَقْفِ حَالَ الْمَوْتِ مَنْ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ نَصِيبُهُ، وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ أَيْضًا بِأَنْ يُرَادَ الِاسْتِحْقَاقُ وَلَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَمَا أَفَادَ السُّبْكِيُّ وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ كَافٍ فِي إفَادَةِ هَذَا فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ إلْغَاءُ قَوْلِهِ الْمُسْتَحِقِّينَ وَأَنَّهُ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ وَالتَّأْسِيسِ خَيْرٌ مِنْهُ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ اهـ.

ص: 254

وَالْعَقِبُ فِي مَعْنَاهُ، إلَّا إنْ قَالَ: عَلَى مَنْ يُنْسَبُ إلَيَّ مِنْهُمْ فَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ فِيمَا ذُكِرَ نَظَرًا لِلْقَيْدِ الْمَذْكُورِ. هَذَا إنْ كَانَ الْوَاقِفُ رَجُلًا فَإِنْ كَانَ امْرَأَةً دَخَلُوا فِيهِ بِجَعْلِ الِانْتِسَابِ فِيهَا لُغَوِيًّا لَا شَرْعِيًّا، فَالتَّقْيِيدُ فِيهَا لِبَيَانِ الْوَاقِعِ لَا لِلْإِخْرَاجِ، وَمِثَالُ الْإِدْخَالِ بِصِفَةٍ وَالْإِخْرَاجِ بِصِفَةٍ كَوَقَفْتُهُ عَلَى أَوْلَادِي الْأَرَامِلِ وَأَوْلَادِي الْفُقَرَاءِ، فَلَا تَدْخُلُ الْمُتَزَوِّجَةُ وَلَا يَدْخُلُ الْغَنِيُّ، فَلَوْ عَادَتْ أَرْمَلَةً أَوْ عَادَ فَقِيرًا عَادَ الِاسْتِحْقَاقُ، وَتَسْتَحِقُّ غَيْرُ الرَّجْعِيَّةِ فِي زَمَنِ عِدَّتِهَا كَمَا قَالَهُ فِي الزَّوَائِدِ تَفَقُّهًا. تَتِمَّةٌ: الْمَوْلَى يَشْمَلُ الْأَعْلَى، وَهُوَ مَنْ لَهُ الْوَلَاءُ، وَالْأَسْفَلَ وَهُوَ مَنْ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ، فَلَوْ اجْتَمَعَا اشْتَرَكَا لِتَنَاوُلِ اسْمِهِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ) أَيْ نُوحٌ وَقِيلَ إبْرَاهِيمُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ اقْتَصَرَ الْجَلَالُ قَالَ الْخَازِنُ: وَهُوَ أَيْ الْأَوَّلُ اخْتِيَارُ جُمْهُورِ الْمُفَسِّرِينَ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ يَرْجِعُ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ فِي جَمَاعَةِ هَذِهِ الذُّرِّيَّةِ لُوطًا وَهُوَ ابْنُ أَخِي إبْرَاهِيمَ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ اهـ بِحُرُوفِهِ وَقِيلَ: الضَّمِيرُ لِإِبْرَاهِيمَ؛ لِأَنَّ مَسَاقَ النَّظْمِ الْكَرِيمِ لِبَيَانِ شُؤُونِهِ الْعَظِيمَةِ مِنْ إتْيَانِ الْحُجَّةِ وَرَفْعِ الدَّرَجَاتِ وَهِبَةِ الْأَوْلَادِ وَإِبْقَاءِ هَذِهِ الْكَرَامَةِ فِي نَسْلِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَلَا يُرَدُّ عَلَى هَذَا الْقِيلِ لُوطٌ الَّذِي هُوَ خَارِجٌ عَنْ ذُرِّيَّةِ إبْرَاهِيمَ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَجْعَلُ الْعَمَّ أَبًا كَمَا فِي قَوْلِهِ: {نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ} [البقرة: 133] ؛ لِأَنَّ إسْمَاعِيلَ عَمُّ يَعْقُوبَ اهـ.

وَقَالَ زَكَرِيَّا عَلَى الْبَيْضَاوِيِّ: وَلَمَّا كَانَ لُوطٌ ابْنَ أَخِيهِ آمَنَ بِهِ وَهَاجَرَ مَعَهُ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ مِنْ الذُّرِّيَّةِ عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيبِ اهـ قَالَ أج: وَيَدْخُلُ فِي الذُّرِّيَّةِ الْحَمْلُ وَيُصْرَفُ لَهُ زَمَنَ اجْتِنَانِهِ إلَّا فِي أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ فَلَا يُصْرَفُ لَهُ إلَّا بَعْدَ انْفِصَالِهِ اهـ.

قَوْلُهُ: (فِي مَعْنَاهُ) أَيْ الذُّرِّيَّةِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: فِي مَعْنَاهَا.

قَوْلُهُ: (إلَّا إنْ قَالَ) رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ، وَهُوَ تَقْيِيدٌ لِكُلِّ مَا قَبْلَهُ مِنْ الذُّرِّيَّةِ وَمَا بَعْدَهُ لَهُ.

قَوْلُهُ: (نَظَرًا لِلْقَيْدِ الْمَذْكُورِ) ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يُنْسَبُونَ لِآبَائِهِمْ قَالَ تَعَالَى: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] وَأَمَّا خَبَرُ «إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ» فِي حَقِّ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، فَجَوَابُهُ أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُنْسَبَ أَوْلَادُ بَنَاتِهِ إلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (فَالتَّقْيِيدُ فِيهَا لِبَيَانِ الْوَاقِعِ) أَيْ فَتَقْيِيدُ الْأُمِّ بِقَوْلِهَا عَلَى مَنْ يُنْسَبُ إلَيَّ مِنْهُمْ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ لَا لِلْإِخْرَاجِ؛ لِأَنَّ كُلَّ فُرُوعِهَا يُنْسَبُونَ إلَيْهَا بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

قَوْلُهُ: (لَا لِلْإِخْرَاجِ) أَيْ؛ لِأَنَّ أَصْلَ اللُّغَةِ أَنْ يُنْسَبَ الْوَلَدُ إلَى مَنْ وَلَدَهُ أَوْ وَلَدَ مَنْ وَلَدَهُ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَمِثَالُ الْإِدْخَالِ بِصِفَةٍ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ أَحَدَهُمَا أَيْ الْإِدْخَالَ وَالْإِخْرَاجَ مُسْتَدْرَكٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَغْنًى عَنْ الْآخَرِ فَتَأَمَّلْ ق ل. وَلَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ مَا دَامَ فَقِيرًا فَاسْتَغْنَى ثُمَّ افْتَقَرَ لَا يَسْتَحِقُّ لِانْقِطَاعِ الدَّيْمُومَةِ، م ر وَكَذَا إذَا وَقَفَ عَلَى بِنْتِهِ مَا دَامَتْ عَزَبَةً فَتَزَوَّجَتْ ثُمَّ طَلُقَتْ فَإِنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ لِمَا ذُكِرَ.

قَوْلُهُ: (وَالْإِخْرَاجُ بِصِفَةٍ) أَيْ بِتِلْكَ الصِّفَةِ بِعَيْنِهَا، عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ مِنْ أَنَّ النَّكِرَةَ إذَا أُعِيدَتْ نَكِرَةً كَانَتْ غَيْرًا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْمِثَالُ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ إلَّا صِفَةً وَاحِدَةً، فَالْأَرَامِلُ وَالْفُقَرَاءُ يَدْخُلُ كُلٌّ مِنْهُمَا وَيَخْرُجُ، وَحِينَئِذٍ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَالْإِخْرَاجُ بِهَا.

قَوْلُهُ: (عَادَ الِاسْتِحْقَاقُ) مَحَلُّ الْعَوْدِ إذَا لَمْ يَقُلْ فِي وَقْفِهِ مَا دَامَ فَقِيرًا، فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ فَاسْتَغْنَى وَاحِدٌ ثُمَّ افْتَقَرَ لَا يَعُودُ الِاسْتِحْقَاقُ لِانْقِطَاعِ الدَّيْمُومَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَهَذَا مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ مُطْلَقًا حَالَ فَقْرِهِ فَلَا تُقْبَلُ الدَّيْمُومَةُ اهـ أج.

قَوْلُهُ: (وَتَسْتَحِقُّ غَيْرُ الرَّجْعِيَّةِ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا أَيْ الرَّجْعِيَّةَ لَيْسَتْ أَرْمَلَةً؛ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ حُكْمًا؛ وَلَوْ قَالَ لَا تَدْخُلُ الرَّجْعِيَّةُ لَكَانَ وَاضِحًا ق ل بِزِيَادَةٍ، وَعِبَارَةُ أج وَتَسْتَحِقُّ غَيْرُ الرَّجْعِيَّةِ أَيْ وَهِيَ الْبَائِنُ، وَأَمَّا الرَّجْعِيَّةُ فَلَا لِوُجُوبِ مُؤْنَتِهَا عَلَى زَوْجِهَا وَلِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ حُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ إلَّا بِبَيْنُونَتِهَا. وَقَوْلُهُ " فِي زَمَنِ عِدَّتِهَا " لَيْسَ بِقَيْدٍ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي تُخَالِفُ فِيهِ الْبَائِنُ الرَّجْعِيَّةَ.

قَوْلُهُ: (الْمَوْلَى يَشْمَلُ الْأَعْلَى إلَخْ) إنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَا ذَكَرَ وَبَيْنَ الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ فِي عَدَمِ شُمُولِهِ لِلْأَسْفَلِ فِي ذَاكَ دُونَ هَذَا؟ أُجِيبُ بِأَنَّ الْمَدَارَ فِي ذَاكَ عَلَى الْأَقْرَبِيَّةِ وَالرَّحِمِ وَهُمَا فِي الْأَوْلَادِ أَقْوَى مِنْهُمَا فِي أَوْلَادِهِمْ، وَفِي هَذَا عَلَى الشَّرَفِ لِلْوَاقِفِ وَهُوَ كَمَا يَكُونُ فِي الْأَعْلَى يَكُونُ فِي الْأَسْفَلِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٌ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ.

قَوْلُهُ: (وَالْأَسْفَلَ) فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا، أَيْ بَيْنَ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْمُعْتَمَدِ لِلْبَنْدَنِيجِيِّ، لَا عَلَى الْجِهَتَيْنِ مُنَاصَفَةً

ص: 255

لَهُمَا.

وَالصِّفَةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ يَلْحَقَانِ الْمُتَعَاطِفَاتِ بِحَرْفٍ مُشَرِّكٍ كَالْوَاوِ وَالْفَاءِ، وَثُمَّ إنْ لَمْ يَتَخَلَّلْهَا كَلَامٌ طَوِيلٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ اشْتِرَاكُهُمَا فِي جَمِيعِ الْمُتَعَاطِفَاتِ سَوَاءٌ أَتَقَدَّمَا عَلَيْهَا أَمْ تَأَخَّرَا أَمْ تَوَسَّطَا كَوَقَفْتُ هَذَا عَلَى مُحْتَاجِي أَوْلَادِي وَأَحْفَادِي وَإِخْوَتِي، أَوْ عَلَى أَوْلَادِي وَأَحْفَادِي وَإِخْوَتِي الْمُحْتَاجِينَ، أَوْ عَلَى أَوْلَادِي الْمُحْتَاجِينَ وَأَحْفَادِي، أَوْ عَلَى مَنْ ذُكِرَ إلَّا مَنْ يَفْسُقُ مِنْهُمْ، وَالْحَاجَةُ هُنَا مُعْتَبَرَةٌ بِجَوَازِ أَخْذِ الزَّكَاةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ، فَإِنْ تَخَلَّلَ الْمُتَعَاطِفَاتُ مَا ذُكِرَ كَوَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَأَعْقَبَ، فَنَصِيبُهُ بَيْنَ أَوْلَادِهِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِلَّا فَنَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ. فَإِذَا انْقَرَضُوا صُرِفَ إلَى إخْوَةِ الْمُحْتَاجِينَ أَوْ إلَّا مَنْ يَفْسُقُ مِنْهُمْ اخْتَصَّ ذَلِكَ بِالْمَعْطُوفِ الْأَخِيرِ، وَنَفَقَةُ الْمَوْقُوفِ وَمُؤْنَةُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

لِتَنَاوُلِ الِاسْمِ لَهُمَا، نَعَمْ لَا يَدْخُلُ مُدَبَّرٌ وَلَا أُمُّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الْمَوَالِي حَالَ الْوَقْفِ وَلَا حَالَ الْمَوْتِ اهـ شَرْحِ م ر.

قَوْلُهُ: (فَلَوْ اجْتَمَعَا اشْتَرَكَا) أَيْ سَوِيَّةً وَالذَّكَرُ كَالْأُنْثَى، فَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا اخْتَصَّ بِهِ وَلَا يُشَارِكُهُ الْآخَرُ لَوْ وُجِدَ بَعْدُ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَالصِّفَةُ) الْمُرَادُ بِهَا هُنَا مَا يُفِيدُ قَيْدًا فِي غَيْرِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا الصِّفَةُ النَّحْوِيَّةُ أَيْ خَاصَّةً شَرْحِ م ر.

قَوْلُهُ: (بِحَرْفِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ الْمُتَعَاطِفَاتِ.

قَوْلُهُ: (كَالْوَاوِ إلَخْ) بَقِيَ لِلْكَافِّ حَتَّى، وَقَوْلُهُ " اشْتِرَاكُهُمَا " أَيْ اشْتِرَاكُ كُلٍّ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ وَالصِّفَةِ.

قَوْلُهُ: (أَتَقَدَّمَا عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْمُتَعَاطِفَاتِ. قَوْلُهُ: (أَمْ تَوَسَّطَا) خِلَافًا لِمَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ، وَعِبَارَتُهُ: أَمَّا الْمُتَوَسِّطَةُ نَحْوُ وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي الْمُحْتَاجِينَ وَأَوْلَادِهِمْ، قَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ قَوْلِهِ:" لَا نَعْلَمُ فِيهَا نَقْلًا ": فَالْمُخْتَارُ اخْتِصَاصُهَا بِمَا وَلِيَتْهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: تَعُودُ إلَى مَا وَلِيَهَا أَيْضًا، بَلْ قِيلَ: إنَّ عَوْدَهَا إلَيْهِمَا أَيْضًا أَوْلَى مِمَّا إذَا تَقَدَّمَتْ عَلَيْهِمَا، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ اشْتِرَاكُ الْمُتَعَاطِفَاتِ، وَإِنَّمَا سَكَتَ كَغَيْرِهِ عَنْ الْمُتَوَسِّطِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا بِالنِّسْبَةِ لِمَا قَبْلَهَا مُتَأَخِّرَةٌ وَلِمَا بَعْدَهَا مُتَقَدِّمَةٌ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ كَجٍّ كَمَا نَقَلَهُ عَنْ الشَّيْخَيْنِ عَقِبَ مَا مَرَّ: وَكُلُّ مَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَقَدِّمًا وَمُتَأَخِّرًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَوَسِّطًا اهـ. فَالصِّفَةُ كَذَلِكَ بَلْ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (إلَّا مَنْ يَفْسُقُ مِنْهُمْ) أَشَارَ بِذَلِكَ لِلِاسْتِثْنَاءِ، وَهَذَا مِثَالٌ لِتَأْخِيرِهِ، وَمِثَالُ تَقْدِيمِهِ: وَقَفْت هَذَا عَلَى غَيْرِ الْغَنِيِّ مِنْ أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي، وَمِثْلُهُ فِي الرَّوْضِ بِوَقَفْتُ إلَّا عَلَى مَنْ فَسَقَ مِنْ أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي، قَالَ م ر: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِسْقِ ارْتِكَابُ كَبِيرَةٍ أَوْ إصْرَارٌ عَلَى صَغِيرَةٍ أَوْ صَغَائِرَ وَلَمْ تَغْلِبُ طَاعَاتُهُ عَلَى مَعَاصِيهِ، وَبِالْعَدَالَةِ انْتِفَاءُ ذَلِكَ وَإِنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِخَرْمِ مُرُوءَتِهِ مَثَلًا اهـ. فَلَوْ تَابَ الْفَاسِقُ هَلْ يَسْتَحِقُّ مِنْ حِينِ التَّوْبَةِ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ الِاسْتِحْقَاقُ أَخْذًا مِمَّا سَيَأْتِي فِيمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى بِنْتِهِ الْأَرْمَلَةِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ ثُمَّ تَغَرَّبَتْ. مِنْ أَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي أَنْ لَا تَحْتَاجَ أَلْبَتَّةَ يَعْنِي قَطْعًا، وَيُحْتَمَلُ عَدَمُهُ قِيَاسًا عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ الشَّارِحُ فِيمَا لَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى وَلَدِي مَا دَامَ فَقِيرًا فَاسْتَغْنَى ثُمَّ افْتَقَرَ مِنْ عَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّيْمُومَةَ تَنْقَطِعُ بِالِاسْتِغْنَاءِ، وَلَيْسَ فِي عِبَارَةِ الْوَاقِفِ مَا يَشْمَلُ اسْتِحْقَاقَهُ بَعْدَ عَوْدِ الْفَقْرِ. اهـ. عِ ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (مَا ذُكِرَ) أَيْ الْكَلَامُ الطَّوِيلُ، وَهُوَ فَاعِلٌ. قَوْلُهُ:(بِالْمَعْطُوفِ الْأَخِيرِ) وَهُوَ الْإِخْوَةُ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ فِي الْمَعْنَى، فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَإِخْوَتِي بَعْدَ انْقِرَاضِ أَوْلَادِي.

قَوْلُهُ: (وَنَفَقَةُ الْمَوْقُوفِ إلَخْ) وَلِأَهْلِ الْوَقْفِ الْمُهَايَأَةُ لَا قِسْمَتُهُ وَلَوْ إفْرَازًا وَلَا تَغْيِيرُهُ كَجَعْلِ الْبُسْتَانِ دَارًا، وَعَكْسُهُ مَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْوَاقِفُ الْعَمَلَ بِالْمَصْلَحَةِ فَيَجُوزُ تَغْيِيرُهُ بِحَبْسِهَا. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَاَلَّذِي أَرَاهُ تَغْيِيرُهُ فِي غَيْرِهَا وَلَكِنْ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ: أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا لَا يُغَيَّرُ مُسَمَّاهُ، وَأَنْ لَا يُزِيلَ شَيْئًا مِنْ عَيْنِهِ بَلْ يَنْقُلُهُ مِنْ جَانِبٍ إلَى آخَرَ، وَأَنْ يَكُونَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْوَقْفِ؛ وَعَلَيْهِ فَفَتْحُ شُبَّاكٍ الطَّبَرَسِيَّةِ فِي جِدَارِ الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ لَا يَجُوزُ إذْ لَا مَصْلَحَةَ لِلْجَامِعِ الْأَزْهَرِ فِيهِ. اهـ. شَرْحِ م ر. وَقَوْلُهُ " أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا لَا يُغَيَّرُ مُسَمَّاهُ " مِنْهُ يُؤْخَذُ جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا: وَهِيَ أَنَّ مَطْهَرَةَ مَسْجِدِ مُجَاوِرٍ لِشَارِعٍ مِنْ شَوَارِعِ الْمُسْلِمِينَ آلَتْ لِلسُّقُوطِ وَلَيْسَ فِي الْوَقْفِ مَا تَعْمُرُ بِهِ فَطَلَبَ شَخْصٌ أَنْ يُعَمِّرَهَا مِنْ مَالِهِ بِشَرْطِ تَرْكِ قِطْعَةٍ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي كَانَتْ حَامِلَةً لِلْجِدَارِ لِتَتَّسِعَ الطَّرِيقُ فَظَهَرَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ انْهِدَامِهَا وَعَدَمِ مَا

ص: 256

تَجْهِيزِهِ وَعِمَارَتِهِ مِنْ حَيْثُ شَرَطَهَا الْوَاقِفُ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ وَإِلَّا فَمِنْ مَنَافِعِ الْمَوْقُوفِ كَكَسْبِ الْعَبْدِ وَغَلَّةِ الْعَقَارِ، فَإِذَا انْقَطَعَتْ مَنَافِعُهُ فَالنَّفَقَةُ وَمُؤْنَةُ التَّجْهِيزِ لَا الْعِمَارَةِ فِي بَيْتِ الْمَالِ

وَإِذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ نَظَرًا لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ اُتُّبِعَ شَرْطُهُ وَإِلَّا فَهُوَ لِلْقَاضِي وَشَرْطُ النَّاظِرِ عَدَالَةٌ وَكِفَايَةٌ، وَوَظِيفَتُهُ عِمَارَةٌ وَإِجَارَةٌ وَحِفْظُ أَصْلٍ وَغَلَّةٍ وَجَمْعُهَا وَقِسْمَتُهَا عَلَى

ــ

[حاشية البجيرمي]

تَعْمُرُ بِهِ هَلْ ذَلِكَ جَائِزٌ أَوْ لَا؟ وَهُوَ الْجَوَازُ نَظَرًا لِلْمَصْلَحَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَقَوْلُهُ " إذْ لَا مَصْلَحَةَ لِلْجَامِعِ فِيهِ " يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا: وَهُوَ أَنَّ شَخْصًا أَرَادَ عِمَارَةَ مَسْجِدٍ خَرِبٍ بِآلَةٍ جَدِيدَةٍ غَيْرِ آلَتِهِ وَرَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي جَعْلِ بَابِهِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ غَيْرِ الْمَحَلِّ الْأَوَّلِ لِكَوْنِهِ بِجِوَارِ مَنْ يَمْنَعُ الِانْتِفَاعَ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْمُعْتَادِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لِلْجَامِعِ وَالْمُسْلِمِينَ. اهـ. ع ش. فَرْعٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ حَادِثَةٍ، وَهِيَ أَنَّ سَنَةَ ثَمَانِينَ وَأَلْفٍ وَجَدَ مِنْ رِيعِ الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ دَرَاهِمَ لَهَا صُورَةٌ مُسْتَغْنٍ عَنْهَا فَاشْتَرَى بِهَا جِرَايَاتٍ وَجُعِلَتْ خُبْزًا وَوُزِّعَتْ عَلَى فُقَرَائِهِ، هَلْ ذَلِكَ جَائِزٌ أَمْ لَا؟ وَجَوَابُهُ عَدَمُ الْجَوَازِ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَاحْفَظْهُ اهـ ع ش وَفِي فَتَاوَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: يَجُوزُ إيقَادُ الْيَسِيرِ فِي الْمَسْجِدِ الْخَالِي لَيْلًا تَعْظِيمًا لَهُ لَا نَهَارًا لِلسَّرَفِ وَالتَّشْبِيهِ بِالنَّصَارَى. وَفِي الرَّوْضَةِ: يَحْرُمُ إسْرَاجُ الْخَالِي وَجُمِعَ بِحَمْلِ هَذَا عَلَى مَا إذَا أُسْرِجَ مِنْ وَقْفِ الْمَسْجِدَ أَوْ مِلْكِهِ، وَالْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا تَبَرَّعَ بِهِ مَنْ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ بَلْ الَّذِي يَتَّجِهُ الْجَمْعُ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ مَا إذَا تَوَقَّعَ وَلَوْ عَلَى نَذْرِ احْتِيَاجِ أَحَدٍ لِمَا فِيهِ مِنْ النُّورِ، وَالثَّانِي: عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَوَقَّعْ ذَلِكَ. اهـ. حَجّ.

وَقَوْلُهُ " وَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ " أَيْ إذَا مَاتَ.

قَوْلُهُ: (وَإِذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ نَظَرًا لِنَفْسِهِ إلَخْ) وَلَوْ شَرَطَ نَظَرَهُ حَالَ الْوَقْفِ لَمْ يَنْعَزِلْ بِنَفْسِهِ عَلَى الرَّاجِحِ، نَعَمْ يُقِيمُ الْحَاكِمُ مُتَكَلِّمًا غَيْرَ مُدَّةِ إعْرَاضِهِ فَلَوْ أَرَادَ الْعَوْدَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَوْلِيَةٍ جَدِيدَةٍ شَرْحِ م ر. وَقَوْلُهُ " لَمْ يَنْعَزِلْ بِنَفْسِهِ " وَمَنْ عَزَلَ لِنَفْسِهِ مَا لَوْ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ النَّظَرِ لِغَيْرِهِ بِفَرَاغٍ لَهُ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ وَيَسْتَنِيبُ الْقَاضِي مَنْ يُبَاشِرُ عَنْهُ فِي الْوَظِيفَةِ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْوَاقِفَ إذَا شَرَطَ مِنْ الْوَظَائِفِ شَيْئًا لِأَحَدٍ حَالَ الْوَقْفِ اُتُّبِعَ، وَمِنْهُ مَا لَوْ شَرَطَ الْإِمَامَةَ أَوْ الْخَطَابَةَ لِشَخْصٍ وَلِذُرِّيَّتِهِ، ثُمَّ إنَّ الْمَشْرُوطَ لَهُ ذَلِكَ فَرَغَ عَنْهَا لِآخَرَ وَبَاشَرَ الْفُرُوعُ لَهُ فِيهِمَا مُدَّةً ثُمَّ مَاتَ الْفَارِغُ عَنْ أَوْلَادٍ وَهُوَ أَنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ يَنْتَقِلُ لِأَوْلَادِ الْفَارِغِ عَلَى مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ، ثُمَّ مَا اسْتَغَلَّهُ الْمَفْرُوغُ لَهُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ سِيَّمَا وَقَدْ قَرَّرَهُ الْحَاكِمُ؛ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ تَقْرِيرَهُ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لِلنِّيَابَةِ عَنْ الْفَارِغِ ثَابِتٌ لَهُ مُدَّةَ حَيَاةِ الْفَارِغِ؛ وَكَذَلِكَ لَا رُجُوعَ لِلْمَفْرُوغِ لَهُ عَلَى تَرِكَةِ الْفَارِغِ بِمَا أَخَذَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْفَرَاغِ وَإِنْ انْتَقَلَتْ الْوَظِيفَةُ عَنْهُ لِأَوْلَادِ الْفَارِغِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَفَعَ الدَّرَاهِمَ فِي مُقَابَلَةِ إسْقَاطِ الْحَقِّ لَهُ وَقَدْ وُجِدَ وَقَرَّرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى مُقْتَضَاهُ ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (اُتُّبِعَ شَرْطُهُ) وَمِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى أَنَّهُ يَقِفُ مَالَهُ عَلَى ذُكُورِ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ حَالَ صِحَّتِهِ قَاصِدًا بِذَلِكَ حِرْمَانَ إنَاثِهِمْ، وَالْأَوْجَهُ الصِّحَّةُ وَإِنْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِ شَرْحِ م ر. وَقَوْلُهُ " حَالَ صِحَّتِهِ " أَمَّا فِي حَالِ مَرَضِهِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِإِجَازَةِ الْإِنَاثِ؛ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ عَلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَا الْبَاقِينَ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ:(لِلْقَاضِي) أَيْ قَاضِي بَلَدِ الْوَقْفِ مِنْ حَيْثُ إجَارَتُهُ وَحِفْظُهُ وَنَحْوُهُمَا وَقَاضِي بَلَدِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ قِسْمَةُ الْغَلَّةِ كَمَا فِي الْمَالِ الْيَتِيمِ وَلَيْسَ لِأَحَدِ الْقَاضِيَيْنِ فِعْلُ مَا لَيْسَ لَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (وَعَدَالَةٌ) أَيْ بَاطِنَةٌ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَنْصُوبَ الْحَاكِمِ أَوْ مَنْصُوبَ الْوَاقِفِ، خِلَافًا لِمَنْ شَرَطَ الْبَاطِنَةَ فِي مَنْصُوبِ الْحَاكِمِ وَاكْتَفَى بِالظَّاهِرَةِ فِي مَنْصُوبِ الْوَاقِفِ. اهـ. ز ي. وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ يَتَنَاوَلُ الْأَعْمَى وَالْبَصِيرَ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي النَّاظِرِ الْبَصَرُ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِاشْتِرَاطِ الْبَصَرِ فِي النَّاظِرِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ النَّاظِرُ الْقَاضِيَ وَإِلَّا فَلَا يُشْتَرَطُ عَدَالَتُهُ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ، وَأَمَّا مَنْصُوبُهُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْعَدَالَةِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ:(وَكِفَايَةٌ) أَيْ لِمَا يَتَوَلَّاهُ.

قَوْلُهُ: (وَوَظِيفَتُهُ عِمَارَةٌ) وَالْعِمَارَةُ إنْ شَرَطَهَا مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ تَعَيَّنَ، فَإِنْ فُقِدَ فَبَيْتُ الْمَالِ ثُمَّ الْمَيَاسِيرُ لَا الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ. وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنَّ الْعِمَارَةَ عَلَى السَّاكِنِ وَشَرَطَ إنَّ تِلْكَ الدَّارَ لَا تُؤَجَّرُ، فَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي مِنْ كَلَامِهِمْ بَعْدَ

ص: 257

مُسْتَحِقِّيهَا، فَإِنْ فَوَّضَ لَهُ بَعْضَهَا لَمْ يَتَعَدَّهُ

وَلِوَاقِفِ نَاظِرٍ عَزْلُ مَنْ وَلَّاهُ النَّظَرَ عَنْهُ وَنَصْبُ غَيْرِهِ مَكَانَهُ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْفَحْصِ أَيْ التَّفْتِيشِ أَنَّ شَرْطَ الْأَوَّلِ صَحِيحٌ كَمَا شَمَلَهُ عُمُومُ قَوْلِهِمْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ مَا لَمْ يُنَافِ الْوَقْفَ أَوْ الشَّرْعَ. وَفَائِدَةُ صِحَّتِهِ مِنْ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْعِمَارَةَ لَا تَجِبُ عَلَى أَحَدٍ، فَلَا يَلْزَمُ بِهَا الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لَهُ تَرْكَ مِلْكِهِ بِلَا عِمَارَةٍ فَمَا يَسْتَحِقُّ مَنْفَعَتَهُ بِالْأَوْلَى، فَلَوْ تَوَقَّفَ اسْتِحْقَاقُهُ عَلَى تَعْمِيرِهِ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِيمَا إذَا أَشْرَفَتْ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا عَلَى الِانْهِدَامِ لَا بِسَبَبِهِ بَيْنَ أَنْ يُعَمِّرَ وَيَسْكُنَ وَبَيْنَ أَنْ يُهْمِلَ وَإِنْ أَفْضَى ذَلِكَ إلَى خَرَابِهَا، نَعَمْ عَلَى النَّاظِرِ إيجَارُهَا الْمُتَوَقِّفُ عَلَيْهِ بَقَاؤُهَا وَإِنْ خَالَفَ شَرْطَ الْوَاقِفِ؛ لِأَنَّهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ. لَا يُقَالُ شَرْطُ الْعِمَارَةِ عَلَى السَّاكِنِ يُنَافِي مَقْصُودَ الْوَقْفِ مِنْ إدْخَالِ الرِّفْقِ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، إذْ شَأْنُهُ أَنْ يَغْنَمَ وَلَا يَغْرَمَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: قَدْ قَطَعَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ بِالصِّحَّةِ فِيمَا لَوْ وَقَفَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْكُنَ مَكَانَ كَذَا كَمَا مَرَّ.

وَهَذَا صَادِقٌ بِمَا إذَا عَيَّنَ مَكَانًا لَا يُسْكَنُ إلَّا بِأُجْرَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ لِسُكْنَاهُ أَوْ زَادَتْ أُجْرَتُهُ عَلَى مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ، فَكَمَا وَجَبَ لِاسْتِحْقَاقِهِ السُّكْنَى بِالْأُجْرَةِ مَعَ عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا فَكَذَلِكَ تَجِبُ الْعِمَارَةُ لِاسْتِحْقَاقِ السُّكْنَى إذَا أَرَادَهَا، وَإِلَّا سَقَطَ حَقُّهُ مِنْهَا، فَعُلِمَ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ قَدْ يَغْرَمُ ذَلِكَ وَلَا يَحْصُلُ لَهُ رِفْقٌ بِالْمَوْقُوفِ، وَأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ غَيْرُ مُنَافٍ لِلْوَقْفِ حَتَّى يُلْغَى كَشَرْطِ الْخِيَارِ فِيهِ مَثَلًا وَإِنَّمَا غَايَتُهُ أَنَّهُ قَيَّدَ اسْتِحْقَاقَهُ لِسُكْنَاهُ بِأَنْ يُعَمِّرَ مَا انْهَدَمَ مِنْهُ، فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَلْيُعَمِّرْهُ وَإِلَّا فَلْيُعْرِضْ عَنْهُ؛ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ مَشَايِخِنَا أَيَّدَهُ. اهـ. شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِابْنِ حَجَرٍ عِ ش عَلَى م ر. وَفِي حَاشِيَتِهِ ن ز عَلَى الْمَنْهَجِ فِي بَابِ الْغَصْبِ: وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي تَارِيخِ قَزْوِينَ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ وَضْعِ مُجَاوِرِي الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ خَزَائِنَهُمْ فِيهِ الَّتِي يَحْتَاجُونَهَا لِكُتُبِهِمْ وَلِمَا يُضْطَرُّونَ لِوَضْعِهِ فِيهَا مِنْ حَيْثُ الْإِقَامَةُ لِتَوَقُّفِهَا عَلَيْهِ دُونَ الَّتِي يَجْعَلُونَهَا لِأَمْتِعَتِهِمْ الَّتِي يَسْتَغْنُونَ عَنْهَا وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِمْ لِمَا جَازَ وَضْعُهُ، بِخِلَافِ وَضْعِ مَا لَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَعَلَيْهِمْ الْأُجْرَةُ فِيهِ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ.

قَوْلُهُ: (وَلِوَاقِفِ نَاظِرٍ إلَخْ) وَأَفْتَى السُّبْكِيُّ بِأَنَّ لِلْوَاقِفِ وَالنَّاظِرِ عَزْلُ الْمُدَرِّسِ وَنَحْوِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فِي الْوَقْفِ وَلَوْ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ إسْقَاطُ بَعْضِ الْأَجْنَادِ الْمُثْبَتِينَ فِي الدِّيوَانِ بِغَيْرِ سَبَبٍ، فَالنَّاظِرُ الْخَاصُّ أَوْلَى. وَلَا أَثَرَ لِلْفَرْقِ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ رَبَطُوا أَنْفُسَهُمْ لِلْجِهَادِ الَّذِي هُوَ فَرْضٌ، وَمَنْ رَبَطَ نَفْسَهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ بِلَا سَبَبٍ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ خَارِجٌ عَنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، بَلْ يُرَدُّ بِأَنَّ التَّدْرِيسَ فَرْضٌ أَيْضًا أَيْ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَكَذَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَمَنْ رَبَطَ نَفْسَهُ بِهِمَا فَحُكْمُهُ كَذَلِكَ عَلَى تَسْلِيمِ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الرَّبْطَ بِهِ كَالتَّلَبُّسِ بِهِ وَإِلَّا فَشَتَّانَ مَا بَيْنَهُمَا. وَمِنْ ثَمَّ اعْتَمَدَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ عَزْلَهُ مِنْ غَيْرِ مُسَوِّغٍ لَا يَنْفُذُ، بَلْ هُوَ قَادِحٌ فِي نَظَرِهِ. وَلَوْ طَلَبَ الْمُسْتَحِقُّونَ مِنْ النَّاظِرِ كِتَابَ الْوَقْفِ أَيْ الْكِتَابَ الْمَكْتُوبَ فِيهِ وَقْفِيَّةُ الشَّيْءِ الْمَوْقُوفِ لِيَكْتُبُوا مِنْهُ نُسْخَةً حِفْظًا لِاسْتِحْقَاقِهِمْ لَزِمَهُ تَمْكِينُهُمْ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، شَرْحِ م ر.

قَوْلُهُ: (نَاظِرٍ) أَيْ شَرَطَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ، أَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يَعْزِلُهُ النَّاظِرُ إلَّا بِنَحْوِ فِسْقٍ. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَعِنْدَ زَوَالِ الْأَهْلِيَّةِ يَكُونُ النَّظَرُ لِلْحَاكِمِ كَمَا رَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ لَا لِمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَهْلِ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ، خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لِلْمُتَأَخِّرِ نَظَرًا إلَّا بَعْدَ فَقْدِ الْمُتَقَدِّمِ فَلَا سَبَبَ لِنَظَرِهِ بِغَيْرِ فَقْدِهِ، وَبِهَذَا فَارَقَ انْتِقَالَ وِلَايَةِ النِّكَاحِ لِلْأَبْعَدِ بِفِسْقِ الْأَقْرَبِ لِوُجُودِ السَّبَبِ فِيهِ، وَهُوَ الْقَرَابَةُ اهـ بِحُرُوفِهِ.

1 -

فَرْعٌ: لَوْ قَرَّرَ الْبَاشَا فِي وَظِيفَةٍ وَاحِدًا وَالْقَاضِي شَخْصًا آخَرَ فَهَلْ يُقَدَّمُ مَنْ وَلَّاهُ الْبَاشَا أَوْ الْقَاضِي؟ يُنْظَرُ، إنْ شُرِطَ التَّقْرِيرُ لِأَحَدِهِمَا اُتُّبِعَ وَإِلَّا فَيُقَدَّمُ مَنْ قَرَّرَهُ الْبَاشَا نَظَرًا لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ. اهـ. م د.

1 -

فَرْعٌ: قَرَّرَ شَيْخُنَا فِي دَرْسِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَأْخُذَ الضِّيَافَةَ وَالْحُلْوَانَ عِنْدَ إيجَارِ لِوَقْفٍ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَخْذٌ بِغَيْرِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ.

ص: 258