المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فرع لو أصدق حفظ القرآن] - حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب - جـ ٣

[البجيرمي]

فهرس الكتاب

- ‌ كِتَابُ الْبُيُوعِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الرِّبَا

- ‌[فَرَع لَوْ تلف الْمَبِيع بِآفَةِ فِي زَمَن الْخِيَار قَبْلَ الْقَبْضِ]

- ‌فَصْلٌ فِي السَّلَمِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الرَّهْنِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْحَجْرِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الصُّلْحِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْحَوَالَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الضَّمَانِ

- ‌فَصْلٌ: فِي كَفَالَةِ الْبَدَنِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الشَّرِكَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْوَكَالَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْإِقْرَارِ

- ‌فَصْلٌفِي الْعَارِيَّةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْغَصْبِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الشُّفْعَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْقِرَاضِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْمُسَاقَاةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْإِجَارَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْجَعَالَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمُخَابَرَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْوَقْفِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْهِبَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي اللُّقَطَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي أَقْسَامِ اللُّقَطَةِ]

- ‌فَصْلٌ: فِي اللَّقِيطِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْوَدِيعَةِ

- ‌[فَرْعٌ أَقَرَّتْ حَامِلٌ بِالرِّقِّ]

- ‌كِتَابُ بَيَانِ أَحْكَامِ الْفَرَائِضِ وَالْوَصَايَا

- ‌فَصْلٌ: فِي الْوَصِيَّةِ

- ‌كِتَابُ النِّكَاحِ

- ‌فَصْلٌ: فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْأَوْلِيَاءِ]

- ‌فَصْلٌ: فِي مُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الصَّدَاقِ

- ‌[فَرْعٌ لَوْ أَصْدَقَ حِفْظَ الْقُرْآنِ]

- ‌فَصْلٌ: فِي الْقَسْمِ وَالنُّشُوزِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْخُلْعِ

- ‌فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ

- ‌[فَصْلٌ أَقْسَام الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ حُرًّا كَانَ أَوْ رَقِيقًا مِنْ الطَّلْقَاتِ]

- ‌[فَرْعٌ لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِنَحْوِ دُخُولِهِ فَحُمِلَ سَاكِتًا قَادِرًا عَلَى الِامْتِنَاعِ وَأُدْخِلَ]

- ‌فَصْلٌ: فِي الرَّجْعَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي بَيَانِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ حِلُّ الْمُطَلَّقَةِ

الفصل: ‌[فرع لو أصدق حفظ القرآن]

الْفِتْنَةِ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّ قُوَّةَ الْوَحْشَةِ بَيْنَهُمَا اقْتَضَتْ جَوَازَ التَّعْلِيمِ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالتَّعْلِيمِ الَّذِي يَجُوزُ النَّظَرُ لَهُ هُوَ التَّعْلِيمُ الْوَاجِبُ كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، فَمَا هُنَا مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الْوَاجِبِ وَرَجَّحَ هَذَا السُّبْكِيُّ. وَقِيلَ: التَّعْلِيمُ الَّذِي يُجَوِّزُ النَّظَرَ خَاصٌّ بِالْأَمْرَدِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ، وَرَجَّحَ هَذَا الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ.

تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ تَعْلِيلُهُمْ السَّابِقُ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَحْرُمْ الْخَلْوَةُ بِهَا كَأَنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى أَوْ صَارَتْ مَحْرَمًا لَهُ بِرَضَاعٍ أَوْ نَكَحَهَا ثَانِيًا لَمْ يَتَعَذَّرْ التَّعْلِيمُ وَهُوَ كَذَلِكَ.

فُرُوعٌ: لَوْ أَصْدَقَ زَوْجَتَهُ الْكِتَابِيَّةَ تَعْلِيمَ قُرْآنٍ صَحَّ إنْ تَوَقَّعَ إسْلَامَهَا وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ التَّوْرَاةِ أَوْ الْإِنْجِيلِ وَهُمَا كَافِرَانِ ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا بَعْدَ التَّعْلِيمِ فَلَا شَيْءَ لَهَا سِوَاهُ أَوْ قَبْلَهُ وَجَبَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ. وَلَوْ أَصْدَقَ الْكِتَابِيَّةَ تَعْلِيمًا لِلشَّهَادَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ فِي تَعْلِيمِهَا كُلْفَةٌ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ. (وَيَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ) وَبِكُلِّ فُرْقَةٍ وُجِدَتْ لَا مِنْهَا وَلَا بِسَبَبِهَا. (قَبْلَ الدُّخُولِ) كَإِسْلَامِهِ وَرِدَّتِهِ وَلِعَانِهِ وَإِرْضَاعِ أُمِّهِ لَهَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

زي. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ) صَوَابُهُ الْأَجْنَبِيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَرَجَّحَ هَذَا السُّبْكِيُّ) ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ التَّعْلِيمُ الَّذِي يَجُوزُ النَّظَرُ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ جَوَازِ النَّظَرِ هُنَا، فَإِنَّ أَحْكَامَ النَّظَرِ تَقَدَّمَتْ مُسْتَوْفَاةً فِي كَلَامِهِ، فَكَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطَ هَذَا وَمَا بَعْدَهُ وَذِكْرُ جَوَازِ النَّظَرِ إلَى الْأَمْرَدِ هُنَا سَهْوٌ إذْ الْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي تَعْلِيمِ الزَّوْجَةِ وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهَا تَعْلِيمُهُ أَوْ عَبْدَهَا تَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (خَاصٌّ بِالْأَمْرَدِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ النَّظَرِ لِلْأَمْرَدِ مُطْلَقًا.

قَوْلُهُ: (كَأَنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى) صَوَّرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ شَيْخُنَا الطُّوخِيُّ بِقَوْلِهِ: بِأَنْ كَانَتْ الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا تُشْتَهَى أَمَةً وَزَوْجُهَا سَيِّدُهَا لِرَقِيقٍ كَامِلٍ عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهَا الْقُرْآنَ بِنَفْسِهِ اهـ. أَقُولُ: هَذَا التَّصْوِيرُ مُتَعَيِّنٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ أَيْ؛ لِأَنَّ الْحُرَّةَ الصَّغِيرَةَ لَا تُزَوَّجُ إلَّا بِنَقْدِ الْبَلَد.

قَوْلُهُ: (أَوْ صَارَتْ مَحْرَمًا لَهُ بِرَضَاعِ) صُوَر هَذِهِ الْمَسْأَلَة شَيْخُنَا الطُّوخِيُّ بِقَوْلِهِ: بِأَنَّ تَزَوَّجَ رَجُلٌ بِامْرَأَةِ كَامِلَةٍ عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهَا الْقُرْآنَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ إنَّهُ طَلَّقَهَا قَبْلَ التَّعَلُّمِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْوَطْءِ أَوْ بَعْدَهُ ثُمَّ أَرْضَعَتْ لَهُ زَوْجَةً صَغِيرَةً فَإِنَّ هَذِهِ الْكَبِيرَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ صَارَتْ مَحْرَمًا لَهُ بِرَضَاعِ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ زَوْجَتِهِ؛ وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ " بِرَضَاعِ " سَبَبِيَّةٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا.

[فَرْعٌ لَوْ أَصْدَقَ حِفْظَ الْقُرْآنِ]

ِ لَمْ يَجُزْ إذْ حِفْظُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ التَّعْلِيمِ، ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ. اهـ. شَرْحُ التَّنْبِيهِ لِابْنِ الْمُلَقِّنِ.

قَوْلُهُ: (فِي تَعْلِيمِهَا) أَيْ فِي تَعْلِيمِ الْكِتَابِيَّةِ لِلشَّهَادَتَيْنِ.

قَوْلُهُ: (وَيَسْقُطُ) أَيْ عَنْ الزَّوْجِ نِصْفُ الْمَهْرِ بِعَوْدِهِ إلَى مِلْكِهِ إنْ كَانَ مِنْ مَالِهِ أَوْ إلَى مِلْكِ دَافِعِهِ عَنْهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ قَرِيبٍ، إلَّا إنْ دَفَعَهُ أَبٌ أَوْ جَدٌّ عَنْ مَحْجُورِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ عِنْدَ دَفْعِهِ أَنَّهُ قَرْضٌ عَلَيْهِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ قَبَضَتْهُ الزَّوْجَةُ أَمْ لَا. وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَيَتَشَطَّرُ لَكَانَ أَوْلَى. اهـ. ق ل؛ لِأَنَّ السُّقُوطَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الدَّيْنِ وَالْقَصْدُ هُنَا الْأَعَمُّ مِنْ الدَّيْنِ وَغَيْرُهُ.

قَوْلُهُ: (بِالطَّلَاقِ) قَالَ م ر وَلَوْ رَجْعِيًّا بِأَنْ اسْتَدْخَلَتْ مَاءَهُ الْمُحْتَرَمَ، أَيْ فَهُوَ طَلَاقٌ قَبْلَ وَطْءٍ، فَيَتَشَطَّرُ الْمَهْرُ؛ لَكِنْ لَوْ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ هَلْ يَسْتَمِرُّ لَهُ النِّصْفُ أَوْ يَصِيرُ كَأَنْ لَا فُرْقَةَ فَتَسْتَرْجِعُهُ الزَّوْجَةُ؟ الظَّاهِرُ الثَّانِي. وَعِبَارَةُ ق ل: بِالطَّلَاقِ وَلَوْ بِتَفْوِيضِهِ إيَّاهَا أَوْ بِتَعْلِيقِهِ عَلَى فِعْلِهَا بَائِنًا كَانَ أَوْ رَجْعِيًّا اهـ. أَيْ وَإِنْ رَاجَعَهَا أَيْ يَسْقُطُ النِّصْفُ وَإِنْ رَاجَعَهَا. وَعِبَارَةُ ح ل: قَوْلُهُ " كَطَلَاقٍ بَائِنٍ " وَلَوْ خُلْعًا، وَمِثْلُهُ الرَّجْعِيُّ بِأَنْ اسْتَدْخَلَتْ مَاءَهُ؛ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ تَسْتَحِقَّ الشَّطْرَ إلَّا إنْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَإِلَّا بِأَنْ رَاجَعَ فَيَنْبَغِي عَدَمُ التَّشْطِيرِ، فَإِذَا وَطِئَ بَعْدَ الْمُرَاجَعَةِ اسْتَقَرَّ الْمَهْرُ حُرِّرَ اهـ بِحُرُوفِهِ.

قَوْلُهُ: (وَبِكُلِّ فُرْقَةٍ إلَخْ) وَمِنْ الْفُرْقَةِ الْمَسْخُ حَيَوَانًا فَمَسْخُهَا وَلَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ يُنْجِزُ الْفُرْقَةَ وَيَسْقُطُ الْمَهْرُ قَبْلَهُ أَيْضًا، وَلَا تَعُودُ الزَّوْجِيَّةُ بِعَوْدِهَا آدَمِيَّةً وَلَوْ فِي الْعِدَّةِ كَعَكْسِهِ الْآتِي. وَفَارَقَ الرِّدَّةَ بِبَقَاءِ الْجِنْسِيَّةِ فِيهَا. وَمَسْخُهُ يُنْجِزُ الْفُرْقَةَ أَيْضًا. وَلَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ وَلَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ لِتَعَذُّرِ عَوْدِهِ بِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ السَّنْبَاطِيُّ: تَشْطِيرُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَالْأَمْرُ فِي النِّصْفِ الْعَائِدِ إلَى الْإِمَامِ كَبَاقِي أَمْوَالِهِ، وَأَمَّا الْمَسْخُ حَجَرًا فَكَالْمَوْتِ وَلَوْ بَعْدَ مَسْخِهِ حَيَوَانًا، وَلَوْ بَقِيَ

ص: 447

أَوْ أُمِّهَا لَهُ. (نِصْفُ الْمَهْرِ) أَمَّا فِي الطَّلَاقِ فَلِآيَةِ: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] وَأَمَّا الْبَاقِي فَبِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْفُرْقَةُ الَّتِي وُجِدَتْ مِنْهَا قَبْلَ الدُّخُولِ كَإِسْلَامِهَا بِنَفْسِهَا أَوْ بِالتَّبَعِيَّةِ لِأَحَدِ أَبَوَيْهَا أَوْ فَسْخِهَا بِعَيْبِهِ أَوْ رِدَّتِهَا وَإِرْضَاعِهَا زَوْجَةً لَهُ صَغِيرَةً أَوْ وُجِدَتْ بِسَبَبِهَا كَفَسْخِهِ بِعَيْبِهَا تُسْقِطُ الْمَهْرَ الْمُسَمَّى ابْتِدَاءً أَوْ الْمَفْرُوضَ الصَّحِيحَ. وَمَهْرَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

مِنْهُ جُزْءًا آدَمِيًّا فَحُكْمُ الْآدَمِيِّ بَاقٍ لَهُ مُطْلَقًا، وَلَوْ مُسِخَ بَعْضُهُ حَيَوَانًا وَبَعْضُهُ حَجَرًا فَالْحُكْمُ لِلْأَعْلَى، فَإِنْ كَانَ طُولًا فَهُوَ حَيَوَانٌ وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ مَا دَامَ حَيَوَانًا فَإِنْ عَادَ آدَمِيًّا عَادَ إلَيْهِ مِلْكُهُ. وَإِنْ مَاتَ أَوْ انْقَلَبَ حَجَرًا وَرِثَ عَنْهُ. وَلَوْ مُسِخَ الرَّجُلُ امْرَأَةً وَعَكْسُهُ تَنَجَّزَتْ الْفُرْقَةُ وَلَا تَعُودُ وَإِنْ عَادَا نَعَمْ إنْ كَانَ انْقِلَابُهُمَا مُجَرَّدَ تَخَيُّلٍ فَلَا فُرْقَةَ.

فَائِدَةٌ: قَالُوا إنَّ الْمَمْسُوخَ لَا يَعِيشُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَأَنَّهُ لَا عَقِبَ لَهُ وَمَا وُجِدَ مِنْ جِنْسِ الْمَمْسُوخِ فَمِنْ نَسْلِ غَيْرِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَقِيلَ مِمَّا وَلَدَهُ الْمَمْسُوخُ قَبْلَ مَوْتِهِ فِي الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ. قَالَ السُّيُوطِيّ: وَجُمْلَةُ الْمَمْسُوخَاتِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ. أَخْرَجَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ وَالدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ الْمَمْسُوخِ فَقَالَ: ثَلَاثَةَ عَشَرَ: الْفِيلُ وَكَانَ رَجُلًا جَبَّارًا لُوطِيًّا، وَالدُّبُّ وَكَانَ رَجُلًا مُخَنَّثًا يَدْعُو النَّاسَ إلَى نَفْسِهِ، وَالْخِنْزِيرُ وَكَانَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْمَائِدَةِ، وَالْقِرْدُ وَكَانَ مِنْ الْيَهُودِ الَّذِينَ اعْتَدَوْا فِي السَّبْتِ. وَالْحُرَيْشُ وَكَانَ رَجُلًا دَيُّوثًا يَدْعُو النَّاسَ إلَى حَلِيلَتِهِ، وَالضَّبُّ وَكَانَ رَجُلًا يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ أَيْ قُوتِهِ، وَالْوَطْوَاطُ وَكَانَ رَجُلًا يَسْرِقُ الثِّمَارَ مِنْ الشَّجَرِ، وَالْعَقْرَبُ وَكَانَ رَجُلًا لَا يَسْلَمُ أَحَدٌ مِنْ لِسَانِهِ، وَالدُّعْمُوصُ وَكَانَ رَجُلًا نَمَّامًا، وَالْعَنْكَبُوتُ وَكَانَتْ امْرَأَةً سَحَرَتْ زَوْجَهَا، وَالْأَرْنَبُ وَكَانَتْ امْرَأَةً لَا تَطْهُرُ مِنْ الْحَيْضِ، وَسُهَيْلٌ وَكَانَ رَجُلًا عَشَّارًا، وَالزَّهْرَةُ وَكَانَتْ مِنْ بَنَاتِ الْمُلُوكِ فَبَغَتْ مَعَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ» اهـ. وَالْحُرَيْشُ نَوْعٌ مِنْ الْحَيَّاتِ أَوْ شَبِيهٌ بِهَا وَالدُّعْمُوصُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ نَوْعٌ مِنْ السَّمَكِ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ الْمَمْسُوخِينَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ إنْسَانًا، فَلْيُرَاجَعْ مِنْ مَحَلِّهِ. اهـ. ق ل.

قَوْلُهُ: (وَلَا بِسَبَبِهَا) أَيْ وَحْدَهَا كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ التَّنْبِيهِ الْآتِي.

قَوْلُهُ: (كَإِسْلَامِهِ) أَيْ وَهِيَ غَيْرُ كِتَابِيَّةٍ.

قَوْلُهُ: (وَرِدَّتِهِ) أَيْ وَحْدَهُ أَوْ مَعَهَا أَيْضًا شَرْحُ الْمَنْهَجِ، وَسَيَأْتِي. وَكَذَا فِي الْإِسْلَامِ وَلَوْ تَبَعًا لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ لَهَا حِينَئِذٍ مُتْعَةٌ؛ لِأَنَّهَا لِلْإِيحَاشِ وَلَا إيحَاشَ مَعَ نِسْبَةِ الْفِرَاقِ إلَيْهِمَا وَالتَّشَطُّرُ هُنَا لِعَدَمِ إتْلَافِهَا الْمُعَوَّضِ وَهِيَ بِرِدَّتِهَا مَعَهُ لَمْ تُتْلِفْهُ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَإِرْضَاعِ أُمِّهِ) فِي تَعْبِيرِهِ بِالْإِرْضَاعِ دُونَ الرَّضَاعِ إشَارَةٌ إلَى اعْتِبَارِ الْفِعْلِ، فَلَوْ دَبَّتْ زَوْجَتُهُ الصَّغِيرَةُ وَارْتَضَعَتْ أُمَّهُ لَمْ تَسْتَحِقَّ الشَّطْرَ لِانْفِسَاخِهِ بِفِعْلِهَا اهـ س ل.

قَوْلُهُ: (أَوْ أُمِّهَا لَهُ) وَجْهُ كَوْنِهِ لَيْسَ مِنْهَا وَلَا بِسَبَبِهَا أَنَّ فِعْلَ أُمِّهَا لَا يُنْسَبُ إلَيْهَا. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْبَاقِي) أَيْ مِنْ الْإِسْلَامِ وَالرِّدَّةِ وَاللِّعَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (أَوْ بِالتَّبَعِيَّةِ لِأَحَدِ أَبَوَيْهَا) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَكَإِسْلَامِهَا وَلَوْ بِتَبَعِيَّةِ أَحَدِ أَبَوَيْهَا اهـ. فَالْغَايَةُ لِلرَّدِّ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ، وَبِهِ قَالَ حَجّ. وَاسْتُشْكِلَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ إرْضَاعِ أُمِّهَا لَهُ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْإِسْلَامَ وَصْفٌ قَامَ بِهَا فَنَزَّلَهُ الشَّارِعُ مِنْ الْأَصْلِ مَنْزِلَةَ فِعْلِهَا، بِخِلَافِ ذَاكَ فَإِنَّهُ فِعْلُ الْأُمِّ وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ حَيْثُ لَمْ يُنَزِّلُهُ الشَّارِعُ مَنْزِلَةَ فِعْلِهَا، قَالَ الْإِسْلَامُ فِي مَسْأَلَةِ التَّبَعِيَّةِ قَامَ بِهَا وَحْدَهَا فَكَانَ الْمَانِعُ مِنْ جِهَتِهَا فَقَطْ، بِخِلَافِ الْأُخُوَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّضَاعِ قَامَتْ بِكُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ، فَلَيْسَ نِسْبَتُهَا إلَيْهَا بِأَوْلَى مِنْ نِسْبَتِهَا إلَيْهِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ.

وَعِبَارَةُ س ل: فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي إذَا كَانَ إسْلَامُهَا تَابِعًا لِإِسْلَامِ أَحَدِ أَبَوَيْهَا أَنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ عَلَيْهِ لِإِفْسَادِهِ نِكَاحَ غَيْرِهِ كَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ إذَا أَفْسَدَتْ بِرَضَاعِهَا النِّكَاحَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُرْمُ لَنَفَرَ عَنْ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الْمُرْضِعَةِ، وَأَيْضًا الْمُرْضِعَةُ قَدْ تَأْخُذُ أُجْرَةَ رَضَاعِهَا فَيُجْبَرُ مَا تَغْرَمُهُ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ اهـ خ ط. وَعِبَارَةُ ق ل: وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ. وَفَارَقَ إرْضَاعَ أُمِّهِ لَهَا وَعَكْسُهُ بِأَنَّ الْإِرْضَاعَ فِعْلٌ اجْتَمَعَ فِيهِ مُقْتَضٍ وَمَانِعٌ وَلِذَلِكَ لَوْ دَبَّتْ فَارْتَضَعَتْ سَقَطَ مَهْرُهَا. قَوْلُهُ: (أَوْ رِدَّتِهَا) أَيْ وَحْدَهَا.

قَوْلُهُ: (وَإِرْضَاعِهَا إلَخْ) فَيَنْفَسِخُ نِكَاحُهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ أُمٍّ وَبِنْتِهَا وَلَوْ مِنْ الرَّضَاعِ

ص: 448

الْمِثْلِ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ هِيَ الْفَاسِخَةُ فَهِيَ الْمُخْتَارَةُ لِلْفُرْقَةِ، فَكَأَنَّهَا أَتْلَفَتْ الْمُعَوَّضَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَيَسْقُطُ الْعِوَضُ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْفَاسِخُ بِعَيْبِهَا فَكَأَنَّهَا هِيَ الْفَاسِخَةُ.

تَنْبِيهٌ: لَوْ ارْتَدَّا مَعًا فَهَلْ هُوَ كَرِدَّتِهَا فَيَسْقُطُ الْمَهْرُ أَوْ كَرِدَّتِهِ فَبِنِصْفِهِ؟ وَجْهَانِ، صَحَّحَ الْأَوَّلُ الرُّويَانِيُّ وَالنَّشَائِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَصَحَّحَ الثَّانِي الْمُتَوَلِّي وَالْفَارِقِيُّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَغَيْرِهِمْ؛ وَهُوَ أَوْجُهُ.

تَتِمَّةٌ: يَجِبُ لِمُطَلَّقَةٍ قَبْلَ وَطْءٍ مُتْعَةٌ إنْ لَمْ يَجِبْ لَهَا شَطْرُ مَهْرٍ بِأَنْ كَانَتْ مُفَوِّضَةً وَلَمْ يُفْرَضْ لَهَا شَيْءٌ، وَادَّعَى

ــ

[حاشية البجيرمي]

يَسْقُطُ مَهْرُ الْكَبِيرَةِ وَيَجِبُ لِلصَّغِيرَةِ نِصْفُ الْمَهْرِ وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْكَبِيرَةِ بِنِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَإِنْ كَانَتْ فَوَّتَتْ عَلَيْهِ الْبُضْعَ بِتَمَامِهِ اعْتِبَارًا لِمَا يَجِبُ لَهُ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ؛ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَالَ الْحَلَبِيُّ: وَتَحْرُمُ الْكَبِيرَةُ عَلَيْهِ مُؤَبَّدًا وَكَذَا الصَّغِيرَةُ إنْ كَانَ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ اهـ. وَقَوْلُهُ: وَإِرْضَاعِهَا زَوْجَةً لَهُ صَغِيرَةً مِثْلُهُ ارْتِضَاعُهَا بِنَفْسِهَا مِنْ أُمِّ الزَّوْجِ أَوْ مِنْ زَوْجَتِهِ الْكَبِيرَةِ، فَإِنَّهُ يُسْقِطُ الْمَهْرَ كَمَا فِي شَرْحِ م ر.

قَوْلُهُ: (كَفَسْخِهِ بِعَيْبِهَا) قَالَ م ر؛ لِأَنَّ فَسْخَهُ النَّاشِئَ عَنْهَا كَفَسْخِهَا.

فَإِنْ قُلْت: لَمْ جَعَلْتُمْ عَيْبَهَا كَفَسْخِهَا لِكَوْنِهِ سَبَبَ الْفَسْخِ وَلَمْ تَجْعَلُوا عَيْبَهُ كَفَسْخِهِ؟ قُلْنَا: الزَّوْجُ بَذَلَ الْعِوَضَ فِي مُقَابَلَةِ مَنَافِعِهَا، فَإِذَا كَانَتْ مَعِيبَةً فَالْفَسْخُ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ إذْ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ حَقُّهُ وَالزَّوْجَةُ لَمْ تَبْذُلْ شَيْئًا فِي مُقَابَلَةِ مَنَافِعِ الزَّوْجِ وَالْعِوَضُ الَّذِي مَلَكَتْهُ سَلِيمٌ، فَكَانَ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا فَسْخَ لَهَا؛ إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ أَثْبَتَ لَهَا الْفَسْخَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا، فَإِذَا اخْتَارَتْهُ لَزِمَهَا رَدُّ الْبَدَلِ كَمَا لَوْ ارْتَدَّتْ. اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ وَشَرْحُ م ر.

قَوْلُهُ: (أَوْ الْمَفْرُوضَ الصَّحِيحَ) أَيْ فِي الْمُفَوِّضَةِ. قَوْلُهُ: (وَمَهْرَ الْمِثْلِ) أَيْ فِيمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ مَهْرًا وَلَمْ تَكُنْ مُفَوِّضَةً.

قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ) مُتَعَلِّقٌ بِيُسْقِطُ.

قَوْلُهُ: (إنْ كَانَتْ هِيَ الْفَاسِخَةُ) يَرْجِعُ لِلْفُرْقَةِ الَّتِي وُجِدْت مِنْهَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَهَذَا التَّعْلِيلُ قَاصِرٌ إذْ لَا يَأْتِي فِي نَحْوِ الرَّضَاعِ وَالرِّدَّةِ، وَقَدْ عَلَّلَ تِلْكَ الصُّورَةَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الْفِرَاقَ مِنْ جِهَتِهَا لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ يُشْبِهُ التَّعْلِيلَ بِالْمُدَّعَى اهـ.

قَوْلُهُ: (فَكَأَنَّهَا هِيَ الْفَاسِخَةُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ بِسَبَبِهَا.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ أَوْجَهُ) مُعْتَمَدٌ. قَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ: تَتِمَّةٌ: هَلْ لِلْقَاضِي صَرْفُ مَالِ الْيَتِيمَةِ فِي جِهَازِهَا مَعَ أَنَّهُ يَتْلَفُ بِالِاسْتِعْمَالِ؟ عَنْ ابْنِ الْحَدَّادِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كُنْتُ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي عُبَيْدِ بْنِ حَرْبَوَيْهِ فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الرَّبِيعِ الْجِيزِيُّ: أَيُّهَا الْقَاضِي فِي حِجْرِي يَتِيمَةٌ وَقَدْ أَذِنْتُ فِي تَزْوِيجِهَا وَطَلَبَ أَهْلُهَا الْجِهَازَ فَمَاذَا تَأْمُرُ؟ فَقَالَ: جَهِّزْ بِقَدْرِ صَدَاقِهَا، فَقَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ: فَقُلْت فِي نَفْسِي أَظُنُّهُ يُجَارِي فِي هَذَا قَوْلَ مَالِكٍ رحمه الله، فَقُلْت: أَيَّدَ اللَّهُ الْقَاضِيَ أَعَلَى غَيْرِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا أَنْ تَتَجَهَّزَ؟ قَالَ: لَا، قُلْت: فَالْمَحْجُورُ عَلَيْهَا أَوْلَى. فَالْتَفَتَ إلَى ابْنِ الرَّبِيعِ فَقَالَ: لَا تُجَهِّزْ إنْ أَرَادُوا هَكَذَا وَإِلَّا فَلْيَفْعَلُوا مَا أَرَادُوا فَسُرِرْت بِرُجُوعِهِ عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: فَهَذَا ابْنُ الْحَدَّادِ وَابْنُ حَرْبَوَيْهِ تَبِعَا ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ. قَالَ: ثُمَّ رَأَيْت لِابْنِ الْحَدَّادِ الْجَزْمَ بِالْجَوَازِ لِمَا فِيهِ مِنْ رَغْبَةِ الْأَزْوَاجِ فِي الْوَصْلَةِ بِهَا، لَكِنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِ تَخْصِيصُهُ بِالْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْمَعْنَى يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ، قَالَ: وَلَعَلَّ مَسْأَلَةَ ابْنِ الْحَدَّادِ وَالْقَاضِي فِي إجْبَارِهِ عَلَى ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْبَاجِيُّ: مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ عَدَمُ إجْبَارِ الْمَرْأَةِ عَلَى الْجِهَازِ خِلَافًا لِمَالِكٍ. اهـ. سم.

قَوْلُهُ: (لِمُطَلَّقَةٍ) لَا فَرْقَ فِي الطَّلَاقِ بَيْنَ الْبَائِنِ وَالرَّجْعِيِّ وَإِنْ رَاجَعَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَتَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ م ر لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى:{وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 241] خِلَافًا لحج حَيْثُ قَالَ لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ أَخْذًا مِنْ جَعْلِهِمْ الرَّجْعِيَّةَ كَالزَّوْجَةِ فِي غَالِبِ الْأَحْكَامِ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ وَاعْتَمَدَهُ زي وسم. قَوْلُهُ:(مُتْعَةٍ) الْمُتْعَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا لُغَةً مِنْ التَّمَتُّعِ هَذَا بَيَانٌ لِلْمَأْخُوذَةِ مِنْهُ لَا بَيَانٌ لِمَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ وَمَعْنَاهَا اللُّغَوِيُّ

ص: 449

الْإِمَامُ فِيهِ الْإِجْمَاعَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236] الْآيَةَ وَيَجِبُ أَيْضًا لِمَوْطُوءَةٍ فِي الْأَظْهَرِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 241] وَلِأَنَّ جَمِيعَ الْمَهْرِ وَجَبَ فِي مُقَابَلَةِ اسْتِيفَاءِ مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ فَخَلَا الطَّلَاقُ عَنْ الْجَبْرِ، بِخِلَافِ مَنْ وَجَبَ لَهَا النِّصْفُ فَإِنَّ بُضْعَهَا سَلِمَ لَهَا فَكَانَ النِّصْفُ جَابِرًا لِلْإِيحَاشِ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ: إنَّ وُجُوبَ الْمُتْعَةِ مِمَّا يَغْفُلُ النِّسَاءُ عَنْ الْعِلْمِ بِهَا فَيَنْبَغِي تَعْرِيفُهُنَّ وَإِشَاعَةُ حُكْمِهَا لِيَعْرِفْنَ ذَلِكَ. وَفُرْقَةٌ لَا بِسَبَبِهَا بِأَنْ كَانَتْ مِنْ الزَّوْجِ كَرِدَّتِهِ وَلِعَانِهِ كَطَلَاقٍ فِي إيجَابِ الْمُتْعَةِ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

مَا يَتَمَتَّعُ بِهِ الْإِنْسَانُ وَعُرْفًا مَالٌ يَجِبُ لِمُطَلَّقَةٍ لَمْ يَجِبْ لَهَا نِصْفُ مَهْرٍ إنْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ لَا بِسَبَبِهَا وَلَا بِسَبَبِهِمَا وَلَا بِمِلْكِهِ لَهَا وَلَا بِمَوْتٍ وَالْمُتْعَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمَتَاعِ وَهُوَ مَا يُتَمَتَّعُ بِهِ، وَانْظُرْ هَلْ مَعْنَى وُجُوبِهَا لُزُومِهَا لِذِمَّةِ الزَّوْجِ مُوَسَّعًا أَوْ مُضَيَّقًا فَيَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهَا أَوْ يَتَوَقَّفُ دَفْعُهَا عَلَى طَلَبِهَا؟ رَاجِعْهُ،. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ:(لَمْ يَجِبْ لَهَا شَطْرُ مَهْرٍ) بِأَنْ لَمْ يَجِبْ لَهَا مَهْرٌ أَصْلًا كَالْمُفَوِّضَةِ أَوْ وَجَبَ لَهَا الْمَهْرُ كُلُّهُ.

قَوْلُهُ: (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ) أَيْ لَا مُؤَاخَذَةَ وَلَا تَبِعَةَ أَيْ مِنْ مَهْرٍ.

قَوْلُهُ: (أَوْ تَفْرِضُوا) أَيْ وَلَمْ تَفْرِضُوا إلَخْ. وَقَوْلُهُ: " فَرِيضَةً " أَيْ مَهْرًا، وَقَوْلُهُ:" وَمَتِّعُوهُنَّ " أَيْ أَعْطُوهُنَّ مَا يَتَمَتَّعْنَ بِهِ. وَقَالَ ق ل: دُخُولُ أَوْ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ مُفِيدٌ لِانْتِفَاءِ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] وَلَا حَاجَةَ لِجَعْلِهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ كَمَا قِيلَ.

قَوْلُهُ: (وَمَتِّعُوهُنَّ) أَيْ النِّسَاءَ الْمَذْكُورَاتِ أَيْ الْمُطَلَّقَاتِ مِنْ غَيْرِ مَسٍّ وَلَا فَرْضٍ، وَذَلِكَ يُفْهِمُ عَدَمَ إيجَابِهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِنَّ وَهُوَ مُعَارَضٌ بِعُمُومِ " وَلِلْمُطَلَّقَاتِ "، فَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال عَلَى إيجَابِ الْمُتْعَةِ لِلْمُطَلَّقَةِ غَيْرِ الْمُفَوِّضَةِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمُفَوِّضَةِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَفْهُومِ؛ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: مَفْهُومُ الْآيَةِ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ إيجَابِ الْمُتْعَةِ لِلْمُفَوِّضَةِ الَّلَمْ يَمَسَّهَا الزَّوْجُ أَيْ وَلَمْ يُفْرَضْ لَهَا وَأَلْحَقَ بِهَا الشَّافِعِيُّ الْمَمْسُوسَةَ قِيَاسًا. قَوْلُهُ: (فَخَلَا الطَّلَاقُ عَنْ الْجَبْرِ) فَجَبَرْنَا ذَلِكَ بِالْمُتْعَةِ.

وَالْأَصَحُّ الْجَدِيدُ أَنَّهَا تَجِبُ بِالطَّلَاقِ لَا الْعَقْدِ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ طَلَّقَ الْأَمَةَ الْمُفَوِّضَةَ قَبْلَ الْفَرْضِ وَالدُّخُولِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَعَلَى الْجَدِيدِ لَا مُتْعَةَ عَلَيْهِ إذْ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى نَفْسِهِ، وَعَلَى مُقَابِلِهِ تَلْزَمُهُ لِثُبُوتِهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ فَيَسْتَحِقُّهَا السَّيِّدُ. وَجَزَمَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ بِنَفْيِ الْوُجُوبِ؛. اهـ. شَرْحُ التَّنْبِيهِ لِابْنِ الْمُلَقِّنِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ إنْ وَجَبَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ لَمْ تَجِبْ لَهَا الْمُتْعَةُ بِأَنْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ لَا مِنْهَا وَلَا بِسَبَبِهَا كَطَلَاقِهِ وَإِسْلَامِهِ وَرِدَّتِهِ وَلِعَانِهِ وَوَطْءِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ لَهَا أَوْ مِلْكِهِ لَهَا أَوْ إرْضَاعِ أُمِّهِ لَهَا أَوْ أُمِّهَا لَهُ وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي غَيْرِ الْمُفَوِّضَةِ أَوْ فِي الْمُفَوِّضَةِ بَعْدَ الْفَرْضِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَدْخُولًا بِهَا فَتَجِبُ الْمُتْعَةُ مَعَ الْمَهْرِ أَوْ كَانَتْ مُفَوِّضَةً وَفُورِقَتْ قَبْلَ فَرْضٍ وَوَطْءٍ فَتَجِبُ لَهَا الْمُتْعَةُ فَقَطْ.

وَيُشْتَرَطُ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَدْخُولِ بِهَا وَالْمُفَوِّضَةِ أَنْ تَكُونَ الْفُرْقَةُ لَا بِسَبَبِهَا وَلَا بِسَبَبِهِمَا وَلَا بِمِلْكِهِ لَهَا. وَلَا بِمَوْتٍ بِأَنْ كَانَتْ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ كَطَلَاقِهِ وَلِعَانِهِ إلَخْ مَا تَقَدَّمَ. أَمَّا إذَا كَانَتْ بِسَبَبِهَا كَإِسْلَامِهَا وَرِدَّتِهَا وَمِلْكِهَا لَهُ وَفَسْخِهَا بِعَيْبِهِ أَوْ فَسْخِهِ بِعَيْبِهَا أَوْ بِسَبَبِهِمَا كَأَنْ ارْتَدَّا مَعًا أَوْ سُبِيَا مَعًا أَوْ كَانَتْ بِمِلْكِهِ لَهَا أَوْ بِمَوْتٍ لِأَحَدِهِمَا فَلَا مُتْعَةَ فِي ذَلِكَ لِكُلٍّ مِنْ الْمَدْخُولِ بِهَا وَالْمُفَوِّضَةِ، بَلْ الْمَهْرُ فَقَطْ لِلْمَدْخُولِ بِهَا. وَلَا مَهْرَ وَلَا مُتْعَةَ لِلْمُفَوِّضَةِ فِي غَيْرِ الْمَوْتِ، أَمَّا فِيهِ فَيَجِبُ الْمَهْرُ لَا الْمُتْعَةُ كَالْمَدْخُولِ بِهَا فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ.

قَوْلُهُ: (سَلِمَ لَهَا) سَلِمَ بِوَزْنِ فَرِحَ مِنْ السَّلَامَةِ. قَوْلُهُ: (وَفُرْقَةٌ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ كَطَلَاقِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَتَجِبُ بِفُرْقَةٍ إلَخْ، أَيْ فَكَمَا تَجْرِي الْمُتْعَةُ فِي مَعْرِفَةِ الطَّلَاقِ تَجْرِي فِي فُرْقَةِ الْفَسْخِ، حَتَّى لَوْ انْفَسَخَ بِوَطْءِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ وَجَبَتْ الْمُتْعَةُ.

قَوْلُهُ: (لَا بِسَبَبِهَا) أَيْ وَلَا بِسَبَبِهِمَا كَأَنْ ارْتَدَّا مَعًا وَلَا بِسَبَبِ مِلْكِهِ لَهَا وَلَا بِسَبَبِ مَوْتٍ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا. وَقَوْلُهُ: " كَرِدَّتِهِ " أَيْ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ هُنَا جَانِبُهَا، بِخِلَافِ تَشْطِيرِ الْمَهْرِ كَمَا مَرَّ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمُتْعَةَ لِلْإِيحَاشِ وَفِعْلُهَا يُنَافِيه ق ل.

ص: 450

وَيُسَنُّ أَنْ لَا تَنْقُصَ عَنْ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا أَوْ مَا قِيمَتُهُ ذَلِكَ، فَإِنْ تَنَازَعَا فِي قَدْرِهَا قَدَّرَهَا الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِالْحَالِ مُعْتَبِرًا حَالَهُمَا مِنْ يَسَارِ الزَّوْجِ وَإِعْسَارِهِ وَنَسَبِهَا وَصِفَاتِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] .

ثُمَّ شَرَعَ فِي أَحْكَامِ الْوَلِيمَةِ وَاشْتِقَاقِهَا كَمَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ مِنْ الْوَلْمِ وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ يَجْتَمِعَانِ وَهِيَ تَقَعُ عَلَى كُلِّ طَعَامٍ يُتَّخَذُ لِسُرُورٍ حَادِثٍ مِنْ عُرْسٍ وَإِمْلَاكٍ وَغَيْرِهِمَا لَكِنَّ اسْتِعْمَالَهَا مُطْلَقَةً فِي الْعُرْسِ أَشْهَرُ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ أَنْ لَا تَنْقُصَ إلَخْ) لَعَلَّ مَحَلَّ اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ إذَا زَادَ نِصْفُ الْمَهْرِ عَلَى الثَّلَاثِينَ، وَقَدْ يَتَعَارَضَانِ بِأَنْ يَكُونَ الثَّلَاثُونَ أَضْعَافَ مَهْرِ الْمِثْلِ فَاَلَّذِي يُتَّجَهُ فِي رِعَايَةِ الْأَقَلِّ مِنْ نِصْفِ الْمَهْرِ وَالثَّلَاثِينَ. قَالَ جَمْعٌ: وَهَذَا أَدْنَى الْمُسْتَحَبِّ حَجّ ز ي. قَالَ حَجّ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ مَحَلَّ هَذَا حَيْثُ لَا تَنَازُعَ، وَإِلَّا فَقَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ يُقَدِّرُ الْقَاضِي عِنْدَ التَّنَازُعِ مَا يَلِيقُ بِحَالِهِمَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْدِيرُ مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ الْمُسْتَنِدُ إلَى النَّظَرِ بِحَالِهِمَا وَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِينَ دِرْهَمًا بَلْ وَعَلَى نِصْفِ الْمَهْرِ سم. وَيُسَنُّ أَنْ لَا تَبْلُغَ نِصْفَ مَهْرِ الْمِثْلِ أَيْ وَلَوْ كَانَ النِّصْفُ يَنْقُصُ عَنْ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا، فَيَنْبَغِي اعْتِبَارُهُ وَإِنْ فَاتَتْ السَّنَةُ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ قِيلَ بِامْتِنَاعِ الزِّيَادَةِ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (قَدَّرَهَا الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ) أَيْ وُجُوبًا وَإِنْ زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُمَا إنْ تَرَاضَيَا عَلَى شَيْءٍ جَازَ وَلَوْ زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ فَرَضَهَا الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ. اهـ. ز ي.

قَوْلُهُ: (بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِالْحَالِ) أَيْ بِقَدْرِ حَالِهِمَا أَيْ وَقْتَ الْفِرَاقِ. اهـ. ع ش.

قَوْلُهُ: (الْوَلِيمَةِ) ذَكَرهَا عَقِبَ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْوَلَائِمِ وَلِيمَةُ الْإِمْلَاكِ الَّذِي هُوَ الْعَقْدُ، وَالصَّدَاقُ مُلَازِمٌ لِعَقْدِ النِّكَاحِ فَلَمَّا ذَكَرَ الصَّدَاقَ كَأَنَّهُ ذَكَرَ عَقْدَ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِلْوَلِيمَةِ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ يَجْتَمِعَانِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَ غَيْرُهُ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ لَهَا عَلَى الطَّعَامِ اهـ؛ أَيْ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ إلَّا بَعْدَهَا لَا لَهَا كَذَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا، وَلِأَنَّهُ خَاصٌّ بِوَلِيمَةِ الْعُرْسِ، وَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ شَامِلٌ لَهَا وَلِغَيْرِهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا خَصَّ الزَّوْجَيْنِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي وَلِيمَةِ الْعُرْسِ.

قَوْلُهُ: (لِسُرُورٍ حَادِثٍ) قَالَ الرَّاغِبُ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ أَنَّ السُّرُورَ انْشِرَاحُ الصَّدْرِ بِلَذَّةِ طُمَأْنِينَةِ الصَّدْرِ عَاجِلًا وَآجِلًا، وَالْفَرَحُ انْشِرَاحُ الصَّدْرِ بِلَذَّةٍ عَاجِلَةٍ غَيْرَ آجِلَةٍ وَذَلِكَ فِي اللَّذَّاتِ الْبَدَنِيَّةِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَقَدْ يُسَمَّى الْفَرَحُ سُرُورًا لَكِنْ عَلَى نَظَرِ مَنْ لَا يَعْتَبِرُ الْحَقَائِقَ وَيَتَصَوَّرُ أَحَدَهُمَا بِصُورَةِ الْآخَرِ. اهـ. مُنَاوِيٌّ.

وَعِبَارَةُ ح ل: قَوْلُهُ لِسُرُورٍ كَالْخِتَانِ وَالْقُدُومِ مِنْ السَّفَرِ إنْ طَالَ عُرْفًا فِي غَيْرِ بَعْضِ النَّوَاحِي الْقَرِيبَةِ، وَخَرَجَ بِالسُّرُورِ مَا يُتَّخَذُ لِلْمُصِيبَةِ فَلَيْسَ مِنْ أَفْرَادِ الْوَلِيمَةِ وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ: أَنْ مَا يُتَّخَذُ لِلْمُصِيبَةِ مِنْ أَفْرَادِ الْوَلِيمَةِ وَأَنَّ التَّعْبِيرَ بِالسُّرُورِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَعَلَيْهِ جَرَى شَيْخُنَا؛ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ: الْوَلِيمَةُ اسْمٌ لِكُلِّ دَعْوَةٍ لِطَعَامٍ يُتَّخَذُ لِحَادِثِ سُرُورٍ أَوْ غَيْرِهِ اهـ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: لِحَادِثِ سُرُورٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَيَشْمَلُ الْوَضِيمَةَ وَهِيَ وَلِيمَةُ الْحُزْنِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمَا نَابَهُمْ مِنْ الضَّيْمِ.

قَوْلُهُ: (مِنْ عُرْسٍ) أَيْ دُخُولٍ بِالزَّوْجَةِ. وَقَوْلُهُ: " وَإِمْلَاكٍ " أَيْ عَقْدٍ عَلَيْهَا، فَيَكُونُ عَطْفُهُ مُغَايِرًا. أَوْ الْمُرَادُ بِالْعُرْسِ أَعَمُّ مِنْ الدُّخُولِ وَالْعَقْدِ وَالْإِمْلَاكِ لِلْعَقْدِ، فَيَكُونُ عَطْفٌ خَاصٌّ عَلَى عَامٍّ. وَقِيلَ: الْعُرْسُ الْعَقْدُ وَالْإِمْلَاكُ الدُّخُولُ، قَالَ بَعْضُهُمْ: الْإِمْلَاكُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَصْدَرُ أَمْلَكْتُهُ امْرَأَةً بِمَعْنَى زَوَّجْتُهُ إيَّاهَا، قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: مَلَكْتُ امْرَأَةً أَمْلِكُهَا مِنْ بَابِ ضَرَبَ زَوَّجْتهَا وَيَتَعَدَّى بِالتَّضْعِيفِ وَالْهَمْزَةِ إلَى ثَانٍ فَيُقَالُ مَلَّكْتُهُ امْرَأَةً وَأَمْلَكْته امْرَأَةً. قَوْلُهُ: (لَكِنَّ اسْتِعْمَالَهَا إلَخْ) فِي الصِّحَاحِ: الْوَلِيمَةُ يَدْخُلُ وَقْتُهَا بِالْعَقْدِ فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ لِمَا تَقَدَّمَهُ وَإِنْ اتَّصَلَ بِهَا ح ل. وَانْظُرْ هَلْ تُسَنُّ أَوْ لَا؟ وَلَا تَفُوتُ بِطَلَاقٍ وَلَا مَوْتٍ وَلَا بِطُولِ الزَّمَنِ فِيمَا يَظْهَرُ كَالْعَقِيقَةِ وَتَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ أَوْ الْإِمَاءِ وَلَوْ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ دُخُولٍ وَاحِدٍ وَتَكْفِي وَاحِدَةٌ قَصَدَ بِهَا الْجَمِيعَ وَإِنْ تَعَدَّدَ الْعَقْدُ أَوْ الدُّخُولُ قَبْلَ فِعْلِهَا؟ وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ فَإِنْ قَصَدَ

ص: 451

وَالْوَلِيمَةُ عَلَى الْعُرْسِ) الْعُرْسُ بِضَمِّ الْعَيْنِ مَعَ ضَمِّ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا الِابْتِنَاءُ بِالزَّوْجَةِ (مُسْتَحَبَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ لِثُبُوتِهَا عَنْهُ صلى الله عليه وسلم قَوْلًا وَفِعْلًا، فَفِي الْبُخَارِيِّ: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَوْلَمَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ، وَأَنَّهُ أَوْلَمَ عَلَى صَفِيَّةَ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ

ــ

[حاشية البجيرمي]

بِهَا وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا بَقِيَ طَلَبُ غَيْرِهَا. وَسُئِلَ شَيْخُنَا م ر: هَلْ تَتَدَاخَلُ الْوَلَائِمُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ تَتَدَاخَلُ ق ل. قَوْلُهُ: (عَلَى الْعُرْسِ) أَيْ لِأَجْلِ الْعُرْسِ، فَعَلَى لِلتَّعْلِيلِ. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: الْوَلِيمَةُ لِعُرْسِ إلَخْ، قَالَ سم: وَلَيْسَ قَوْلُهُ عَلَى الْعُرْسِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ غَيْرِهِ إذْ الْوَلِيمَةُ مُسْتَحَبَّةٌ لِغَيْرِ الْعُرْسِ أَيْضًا، بَلْ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ وَلِاخْتِصَاصِ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ بِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ إلَيْهَا.

قَوْلُهُ: (الْعُرْسُ بِضَمِّ الْعَيْنِ) وَأَمَّا بِكَسْرِ الْعَيْنِ فَهِيَ الْمَرْأَةُ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ

تَقُولُ عِرْسِي وَهِيَ لِي فِي عَوْمَرَهْ

بِئْسَ امْرُؤٌ وَإِنَّنِي بِئْسَ الْمَرَهْ

وَأَمَّا الزَّوْجُ فَيُقَالُ لَهُ عَرُوسٌ وَأَمَّا عِرْسَةٌ بِالتَّاءِ مَعَ كَسْرِ الْعَيْنِ فَالْحَيَوَانُ الْمَعْرُوفُ الْمُعَادِي لِلْفَأْرِ.

قَوْلُهُ: الِابْتِنَاءُ بِمُوَحَّدَةٍ فَتَاءٌ فَوْقِيَّةٌ فَنُونٌ هُوَ الدُّخُولُ بِالزَّوْجَةِ وَالِاجْتِمَاعِ بِهَا بَعْدَ الْإِمْلَاكِ ق ل قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ بَنَى عَلَى أَهْلِهِ دَخَلَ بِهَا وَأَصْلُهُ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إذَا تَزَوَّجَ بَنَى لِلْعَرُوسِ خِبَاءً جَدِيدًا وَغَمَرَهُ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَوْ بُنِيَ لَهُ تَكْرِيمًا ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى كُنِّيَ بِهِ عَنْ الْجِمَاعِ وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ بَنَى عَلَيْهَا وَبَنَى بِهَا وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ وَيُطْلَقُ الْعُرْسُ أَيْضًا عَلَى طَعَامِ الزِّفَافِ وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا نَظَمَ بَعْضُهُمْ أَسْمَاءَ الْوَلَائِمِ فَقَالَ

وَلِيمَةُ عُرْسٍ ثُمَّ خَرْصُ وِلَادَةٍ

عَقِيقَةُ مَوْلُودٍ وَكِيرَةُ ذِي بِنَا

وَضَيْمَةُ مَوْتٍ ثُمَّ إعْذَارُ خَاتِنٍ

نَقِيعَةُ سَفَرٍ وَالْمُؤْدِبُ لِلثَّنَا

. اهـ. زي قَوْلُهُ: " لِلثَّنَاءِ " أَيْ لِفِعْلِ مَا يُطْلَقُ الثَّنَاءُ عَلَيْهِ كَخَتْمِ كِتَابٍ أَوْ قُرْآنٍ فَيُسَمَّى مَأْدُبَةً.

قَوْلُهُ: (مُؤَكَّدَةٌ) فَغَيْرُهَا مُسْتَحَبٌّ دُونَهَا، أَيْ أَقَلُّ مِنْهَا، فَقَيْدُ الِاسْتِحْبَابِ لَا مَفْهُومَ لَهُ إلَّا مِنْ حَيْثُ التَّأْكِيدُ ق ل.

قَوْلُهُ: (فَفِي الْبُخَارِيِّ إلَخْ) هَذَا وَمَا بَعْدَهُ مِثَالٌ لِلْفِعْلِ.

قَوْلُهُ: (أَوْلَمَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ) وَهِيَ أُمُّ سَلَمَةَ وَاسْمُهَا هِنْدٌ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ أَبِي سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ ابْنِ عَمَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُرَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَخُوهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«سَلِي اللَّهَ أَنْ يَأْجُرَك فِي مُصِيبَتِك وَيُخْلِفَك خَيْرًا قَالَتْ: وَمَنْ يَكُونُ خَيْرًا مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟ وَلَمَّا اعْتَدَّتْ أُمُّ سَلَمَةَ أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُهَا مَعَ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ وَكَانَ خَطَبَهَا أَبُو بَكْرٍ فَأَبَتْ وَخَطَبَهَا عُمَرُ فَأَبَتْ فَلَمَّا جَاءَهَا حَاطِبٌ قَالَتْ: مَرْحَبًا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، تَقُولُ لَهُ إنِّي امْرَأَةٌ مُسِنَّةٌ وَإِنِّي أُمُّ أَيْتَامٍ؛ لِأَنَّهَا رضي الله عنها كَانَ مَعَهَا أَرْبَعُ بَنَاتٍ بُرَّةُ وَسَلَمَةُ وَعَمْرَةُ وَدُرَّةُ وَإِنِّي شَدِيدَةُ الْغَيْرَةِ. فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَهَا: أَمَّا قَوْلُك إنِّي امْرَأَةٌ مُسِنَّةٌ فَأَنَا أَسَنُّ مِنْك وَلَا يُعَابُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ أَسَنَّ مِنْهَا، وَأَمَّا قَوْلُكِ إنِّي أُمُّ أَيْتَامٍ فَإِنَّ كُلَّهُمْ عَوْلَةٌ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ، وَأَمَّا قَوْلُكِ إنِّي شَدِيدَةُ الْغَيْرَةِ فَإِنِّي أَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُذْهِبَ ذَلِكَ عَنْك وَفِي لَفْظٍ: أَنَّهَا قَالَتْ زِيَادَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ: لَيْسَ لِي هَهُنَا أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِي فَيُزَوِّجُنِي. فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهَا: أَمَّا مَا ذَكَرْت مِنْ أَوْلِيَائِك فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِك يَكْرَهُنِي فَقَالَتْ لِابْنِهَا: زَوِّجْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَزَوَّجَهُ عَلَى مَتَاعٍ مِنْهُ رَحًى وَجَفْنَةٌ وَفِرَاشٌ حَشْوُهُ لِيفٌ قِيمَةُ كُلِّ الْمَتَاعِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَقِيلَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا. قَالَتْ: فَتَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَدْخَلَنِي بَيْتَ زَيْنَبَ أُمِّ الْمَسَاكِينِ بَعْدَ أَنْ مَاتَتْ، فَإِذَا جَرَّةٌ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ شَعِيرٍ وَإِذَا رَحًى وَبُرْمَةٌ وَقَدْ رَأَى ظَرْفَ الْأُدْمِ فَأَخَذْتُ ذَلِكَ الشَّعِيرَ فَطَحَنْته ثُمَّ عَصَدْته فِي الْبُرْمَةِ فَكَانَ ذَلِكَ طَعَامَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَطَعَامَ أَهْلِهِ لَيْلَةَ عُرْسِهِ» وَمَاتَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فِي وِلَايَةِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَكَانَ عُمْرُهَا أَرْبَعًا وَثَمَانِينَ سَنَةً وَدُفِنَتْ بِالْبَقِيعِ وَصَلَّى عَلَيْهَا أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنْ تَزْوِيجَ وَلَدِهَا لَهَا إنَّمَا كَانَ بِالْعُصُوبَةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ ابْنَ ابْنِ عَمِّهَا ذَكَرَهُ ح ل فِي السِّيرَةِ.

قَوْلُهُ: (وَأَنَّهُ أَوْلَمَ عَلَى صَفِيَّةَ) وَهِيَ بِنْتُ حُيَيٍّ وَكَانَ أَبُوهَا رَئِيسَ الْيَهُودِ وَكَانَتْ تُحِبُّ ابْنَ عَمِّهَا، فَرَأَتْ أَنَّ الْقَمَرَ سَقَطَ

ص: 452

وَأَقِطٍ» وَأَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَقَدْ تَزَوَّجَ: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» . وَأَقَلُّهَا لِلْمُتَمَكِّنِ شَاةٌ وَلِغَيْرِهِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ. قَالَ النَّشَائِيُّ: وَالْمُرَادُ أَقَلُّ الْكَمَالِ شَاةٌ لِقَوْلِ التَّنْبِيهِ وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَوْلَمَ مِنْ الطَّعَامِ جَازَ.

تَنْبِيهٌ: لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِوَقْتِ الْوَلِيمَةِ، وَاسْتَنْبَطَ السُّبْكِيُّ مِنْ كَلَامِ الْبَغَوِيِّ أَنَّ وَقْتَهَا مُوَسَّعٌ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ فَيَدْخُلُ وَقْتُهَا بِهِ وَالْأَفْضَلُ فِعْلُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ «لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُولِمْ عَلَى نِسَائِهِ إلَّا بَعْدَ الدُّخُولِ» . فَتَجِبُ الْإِجَابَةُ إلَيْهَا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ وَإِنْ خَالَفَ الْأَفْضَلَ.

(وَالْإِجَابَةُ إلَيْهَا وَاجِبَةٌ) عَيْنًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا» وَخَبَرُ مُسْلِمٍ: «شَرُّ الطَّعَامِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

فِي حِجْرِهَا، فَأَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ فَلَطَمَهَا عَلَى وَجْهِهَا وَقَالَ لَهَا: تَزْعُمِينَ أَنَّك تَتَزَوَّجِينَ بِمَلِكِ يَثْرِبَ، فَلَمَّا فَتَحَ النَّبِيُّ خَيْبَرَ وَمَلَكَ غَنَائِمَهَا فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَطَلَبَ مِنْهُ جَارِيَةً يَتَسَرَّى بِهَا، فَقَالَ لَهُ:«اذْهَبْ فَخُذْ وَاحِدَةً» فَأَخَذَهَا. فَقَالُوا لِلنَّبِيِّ: إنَّهَا لَا تَصْلُحُ إلَّا لَك. فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ وَأَعْتَقَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا وَتَزَوَّجَ بِهَا وَأَوْلَمَ عَلَيْهَا فِي رُجُوعِهِ مِنْ خَيْبَرَ. قَالَ فِي الْخَصَائِصِ وَشَرْحِهَا: وَاخْتَصَّ بِإِبَاحَةِ اصْطِفَاءِ أَيْ اخْتِيَارِ مَا شَاءَ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقَسْمِ لَهَا مِنْ جَارِيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا؛ وَمِنْ صَفَايَاهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ تَصْغِيرُ حَيِّي بْنِ أَخَطَبَ الْيَهُودِيِّ مِنْ نَسْلِ هَارُونَ أَخِي مُوسَى - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - زَوْجَةِ سَلَامِ بْنِ أَبِي الْحَقِيقِ بِالتَّصْغِيرِ شَرِيفِ خَيْبَرَ قُتِلَ فَسُبِيَتْ «فَاصْطَفَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا ذُكِرَ لَهُ جَمَالُهَا. وَكَانَتْ عَرُوسًا، فَخَرَجَ بِهَا حَتَّى بَلَغَ الصَّهْبَاءَ وَحَلَّتْ لَهُ أَيْ طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ فَبَنَى بِهَا وَصَنَعَ حَيْسًا مِنْ التَّمْرِ وَسَوِيقًا وَهُوَ مَا يُعْمَلُ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعَرَبِ وَضَعَهُ فِي نِطْعٍ، ثُمَّ قَالَ لِأَنَسٍ: ائْذَنْ لِمَنْ حَوْلَك» فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَةً عَلَيْهَا.

وَإِنَّمَا أَخَذَهَا مِنْهُ

رِعَايَةً لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ

؛ لِأَنَّهَا بِنْتُ بَعْضِ مُلُوكِهِمْ، فَخَافَ مِنْ اخْتِصَاصِ دِحْيَةَ تَغَيَّرَ خَاطِرِ نُظَرَائِهِ، وَكَانَتْ رَأَتْ أَنَّ الْقَمَرَ سَقَطَ فِي حِجْرِهَا اهـ. مُنَاوِيٌّ. وَجَهَّزَتْهَا لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ وَأَهْدَتْهَا لَهُ مِنْ اللَّيْلِ، وَإِنَّ عُمْرَهَا لَمْ يَبْلُغْ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَوْلَمَ بِتَمْرٍ وَسَوِيقٍ.

قَوْلُهُ: (بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ وَأَقِطٍ) وَفِي السِّيرَةِ الْحَلَبِيَّةِ: وَجَعَلَ وَلِيمَتَهَا حَيْسًا فِي نِطْعٍ صَغِيرٍ، وَالْحَيْسُ تَمْرٌ وَأَقِطٌ هُوَ لَبَنٌ غَيْرُ مَنْزُوعِ الزُّبْدِ وَسَمْنٌ؛ فَفِي الْبُخَارِيِّ:«فَأَصْبَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَرُوسًا فَقَالَ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَجِئْنِي بِهِ وَبَسَطَ نِطْعًا فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالتَّمْرِ وَجَعَلَ الرَّجُلُ بِالسَّمْنِ وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْأَقِطِ، وَذَكَرَ أَيْضًا السَّوِيقَ» . وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَيْسَ خَلْطُ السَّمْنِ وَالتَّمْرِ وَالْأَقِطِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ يُخْلَطُ مَعَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ السَّوِيقُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَلِيمَةَ عَلَى صَفِيَّةَ كَانَتْ نَهَارًا، وَذَهَبَ ابْنُ الصَّلَاحِ إلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ فِعْلُهَا لَيْلًا؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهَا لَيْلًا أَيْ لِأَحَدٍ مِنْ نِسَائِهِ، وَقَدْ جَاءَ:" لَا بُدَّ لِلْعُرْسِ مِنْ وَلِيمَةٍ " قَالَ ع ش عَلَى م ر: أَيْ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال عَلَى سَنِّهَا لَيْلًا بِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام فَعَلَهَا كَذَلِكَ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَأَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ) هَذَا مِثَالٌ لِلْقَوْلِ.

قَوْلُهُ: (أَوْلِمْ) هُوَ أَمْرٌ لِلنَّدْبِ كَسَائِرِ الْوَلَائِمِ ق ل.

قَوْلُهُ: (أَقَلُّ الْكَمَالِ) أَيْ لَا أَقَلَّ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِقَوْلِ التَّنْبِيهِ إلَخْ. وَفِعْلُ النَّبِيُّ لَهَا بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ بَيَانٌ لِلْجَوَازِ.

قَوْلُهُ: (مِنْ الطَّعَامِ) الْمُرَادُ بِالطَّعَامِ مَا يَشْمَلُ الْمَشْرُوبَ.

قَوْلُهُ: (فَيَدْخُلُ وَقْتُهَا بِهِ) أَيْ بِالْعَقْدِ، وَلَا يَفُوتُ بِطَلَاقٍ وَلَا بِمَوْتٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِعْلُهَا بَعْدَ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ قَضَاءً فَرَاجِعْهُ ق ل. قَوْلُهُ: (بَعْدَ الدُّخُولِ) قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَنْتَهِي بِمُدَّةِ الزِّفَافِ لِلْبِكْرِ سَبْعًا وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثًا اهـ، أَيْ فَفِعْلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ يَقَعُ قَضَاءً فَلَوْ قَدَّمَهَا عَلَى الْعَقْدِ لَمْ تَكُنْ وَلِيمَةَ عُرْسٍ فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّسَرِّي كَالنِّكَاحِ فِي اسْتِحْبَابِ الْوَلِيمَةِ وَوُجُوبِ الْإِجَابَةِ وَيُسْتَحَبُّ تَعَدُّدُهَا بِتَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ وَلَوْ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي الْعَقِيقَةِ عَنْ أَوْلَادِهِ. اهـ. دَيْرَبِيٌ.

قَوْلُهُ: (وَالْإِجَابَةُ إلَيْهَا وَاجِبَةٌ) أَيْ وَلَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِنْ خَالَفَ الْأَفْضَلَ، خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ فِي التَّوْشِيحِ. وَيُسَنُّ لَهُ أَنْ يَقْصِدَ بِإِجَابَتِهِ الِاقْتِدَاءَ بِالسُّنَّةِ وَإِقَامَةِ الْمَطْلُوبِ وَإِكْرَامِ أَخِيهِ وَزِيَارَتِهِ لِيُثَابَ عَلَى ذَلِكَ، وَيَكُونُ مِنْ الْمُتَزَاوِرِينَ وَالْمُتَحَابِّينَ

ص: 453

طَعَامُ الْوَلِيمَةِ تُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ وَتُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» . قَالُوا: وَالْمُرَادُ وَلِيمَةُ الْعُرْسِ؛ لِأَنَّهَا الْمَعْهُودَةُ عِنْدَهُمْ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا:«إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى وَلِيمَةِ عُرْسٍ فَلْيُجِبْ» . وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ الْوَلَائِمِ فَالْإِجَابَةُ إلَيْهَا مُسْتَحَبَّةٌ، لِمَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ:«دُعِيَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ إلَى خِتَانٍ فَلَمْ يُجِبْ وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ يُدْعَى لَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» .

وَقَوْلُهُ: (إلَّا لِعُذْرٍ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَكْثَرِ شُرُوطِ وُجُوبِ الْإِجَابَةِ فَإِنَّ شُرُوطَهُ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا أَنْ لَا يَخُصَّ بِالدَّعْوَةِ الْأَغْنِيَاءَ لِغِنَاهُمْ لِخَبَرِ: «شَرُّ الطَّعَامِ» . وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي مُسْلِمًا. وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَدْعُوُّ مُسْلِمًا أَيْضًا، وَمِنْهَا أَنْ يَدْعُوَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَتُسَنُّ الْإِجَابَةُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَتُكْرَهُ فِي

ــ

[حاشية البجيرمي]

فِي اللَّهِ لَا قَضَاءَ شَهْوَةٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ. اهـ. ق ل.

قَوْلُهُ: (تُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ) فِيهِ أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ التَّخْصِيصَ لِلْأَغْنِيَاءِ تَجِبُ الْإِجَابَةُ مَعَهُ، وَهُوَ يُخَالِفُ مَا سَيُصَرِّحُ بِهِ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ حَجَرٍ أَجَابَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مَقَامَيْنِ بَيَانُ مَا جُبِلَ عَلَيْهِ النَّاسُ فِي طَعَامِ الْوَلِيمَةِ وَهُوَ الرِّيَاءُ أَيْ شَأْنُهَا ذَلِكَ، وَلَيْسَ مِنْ لَازِمِ ذَلِكَ وُجُودُهُ بِالْفِعْلِ وَبَيَانُ مَا جُبِلُوا عَلَيْهِ فِي إجَابَتِهَا وَهُوَ التَّوَاصُلُ وَالتَّحَابُّ وَهُوَ إنَّمَا يَحْصُلُ حَيْثُ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ قَصْدٌ مُوغِرٌ لِلْقَصْدِ وَمِنْ شَأْنِ التَّخْصِيصِ ذَلِكَ. اهـ. ح ل.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ إلَخْ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْإِجَابَةَ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ وَاجِبَةٌ حَيْثُ حَكَمَ بِالْعِصْيَانِ عَلَى عَدَمِ الْإِجَابَةِ مَعَ أَنَّهُ إذَا خُصَّ الْأَغْنِيَاءُ لَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ أَيْ الْخَالِيَةَ عَنْ تَخْصِيصِ الْأَغْنِيَاءِ وَوُجِدَتْ بَقِيَّةُ الشُّرُوطِ، أَوْ أَنَّ قَوْلَهُ شَرُّ الطَّعَامِ إلَخْ هَذَا إخْبَارٌ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْغَيْبِ لِبَيَانِ مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ النَّاسُ فِي الْوَلَائِمِ مِنْ الرِّيَاءِ، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ وُجُودُ ذَلِكَ بِالْفِعْلِ أَيْ فِي كُلِّ الْوَلَائِمِ؛ فَلِذَلِكَ قَالَ: وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ بِأَنْ انْتَفَى تَخْصِيصُ الْأَغْنِيَاءِ.

وَقَوْلُهُ: " وَمَنْ لَمْ يُجِبْ " مِنْ كَلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَهُوَ مُدْرَجٌ فِي الْحَدِيثِ، وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ النَّبِيَّ سَمِعَهُ، وَأَقَرَّهُ.

قَالَ ع ش: وَلَيْسَ هَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ: " وَمَنْ لَمْ يُجِبْ إلَخْ " مِنْ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا هُوَ مُدْرَجٌ مِنْ كَلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الِاسْتِدْلَالِ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ، إلَّا أَنْ يُقَالَ أَقَرَّهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ أَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ. الصَّحَابَةُ وَسَكَتُوا عَلَيْهِ فَصَارَ إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا. قَوْلُهُ:(قَالُوا وَالْمُرَادُ إلَخْ) تَبَرَّأَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْوَلِيمَةِ عَامٌّ يَشْمَلُ الْعُرْسَ وَغَيْرَهُ، فَهُوَ عَامٌّ مَخْصُوصٌ، أَيْ عَلَى أَنَّهَا وَلِيمَةُ الْعُرْسِ اهـ. وَانْظُرْ لِمَ تَبَرَّأَ مِنْهُ مَعَ أَنَّهُ مُؤَيِّدٌ بِالْحَدِيثِ الْآتِي؟ وَعِبَارَةُ ح ل: وَجْهُ التَّبَرِّي مِنْهُ وَاضِحُ وَهُوَ أَنَّ هَذَا التَّخْصِيصَ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ مَعَ مَجِيءِ التَّعْمِيمِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي سَاقَهُ بَعْدَهُ اهـ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا الْمَعْهُودَةُ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْعَرَبِ؛ وَلِأَنَّهَا الْمُرَادَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. وَقَوْلُهُ: " وَيُؤَيِّدُهُ " أَيْ هَذَا الْمُرَادُ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ الْوَلَائِمِ) يَشْمَلُ وَلِيمَةَ التَّسَرِّي كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.

قَوْلُهُ: (لِمَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ) هَذَا لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ بَلْ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، فَلَوْ قَالَ لَا وَاجِبَةَ لِمَا فِي مُسْنَدِ إلَخْ لَسَلِمَ مِنْ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (إلَّا لِعُذْرٍ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ وُجُوبِ الْإِجَابَةِ. وَظَاهِرُ نَفْيِ الْوُجُوبِ بَقَاءُ الِاسْتِحْبَابِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ قَدْ تُكْرَهُ وَقَدْ تَحْرُمُ وَسَيَأْتِي لَهُ ق ل. قَوْلُهُ:(إلَى أَكْثَرِ شُرُوطِ) لَوْ قَالَ إلَى كَثْرَةِ شُرُوطِ إلَخْ، لَكَانَ أَظْهَرَ فِي الْمُرَادِ، وَقَدْ أَوْصَلَهَا بَعْضُهُمْ إلَى نَحْوِ عِشْرِينَ شَرْطًا ق ل.

قَوْلُهُ: (لِغِنَاهُمْ) خَرَجَ مَا لَوْ خَصَّ الْفُقَرَاءَ لِفَقْرِهِمْ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْوُجُوبِ. وَقَوْلُهُ: " أَنْ لَا يَخُصَّ الْأَغْنِيَاءَ " صَادِقٌ بِثَلَاثِ صُوَرٍ: بِأَنْ عَمَّ النَّوْعَيْنِ أَوْ خَصَّ الْفُقَرَاءَ لِفَقْرِهِمْ أَوْ خَصَّ الْأَغْنِيَاءَ لِكَوْنِهِمْ أَهْلَ حِرْفَتِهِ أَوْ جِيرَانِهِ وَالْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا أَهْلُ مَحَلَّتِهِ وَمَسْجِدِهِ دُونَ أَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ وُجُوبِ الْإِجَابَةِ. وَالْمُرَادُ بِالْأَغْنِيَاءِ هُنَا مَنْ يَقْصِدُ التَّجَمُّلَ بِحُضُورِهِ لِنَحْوِ وَجَاهَةٍ أَوْ جَاهٍ كَمَشَايِخِ الْبُلْدَانِ وَالْأَسْوَاقِ، فَالْمُرَادُ الْغِنَى عُرْفًا لَا غِنَى الزَّكَاةِ أَوْ الْعَاقِلَةِ أَيْ الْمُتَزَيِّنُونَ بِالْمُلَابِسِ الْفَاخِرَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ مَالٌ أَصْلًا، فَهُمْ عَلَى حَدِّ قَوْلِ الْقَائِلِ: وَمَا مِثْلُهُ إلَّا كَفَارِغِ بُنْدُقٍ خَلِيٌّ مِنْ الْمَعْنَى وَلَكِنْ يُفَرْقِعُ اهـ ع ش مَعَ زِيَادَةٍ.

ص: 454

الثَّالِثِ. وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ؛ نَعَمْ إنْ اتَّخَذَهَا الْوَلِيُّ مِنْ مَالِهِ وَهُوَ أَبٌ أَوْ جَدٌّ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ الْوُجُوبُ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَدْعُوَهُ لِخَوْفٍ مِنْهُ لَوْ لَمْ يَحْضُرْ أَوْ طَمَعًا فِي جَاهِهِ أَوْ إعَانَتِهِ عَلَى بَاطِلٍ. وَمِنْهَا أَنْ يُعَيِّنَ الْمَدْعُوَّ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ لَا إنْ نَادَى فِي النَّاسِ كَأَنْ فَتَحَ الْبَابَ وَقَالَ لِيَحْضُرَ مَنْ أَرَادَ. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَعْتَذِرَ الْمَدْعُوُّ إلَى الدَّاعِي وَيَرْضَى بِتَخَلُّفِهِ. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَسْبِقَ الدَّاعِيَ غَيْرُهُ فَإِنْ جَاءَا مَعًا أَجَابَ أَقْرَبُهُمَا رَحِمًا ثُمَّ دَارًا، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَدْعُوهُ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ فَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ كُرِهَتْ إجَابَتُهُ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ عَيْنَ الطَّعَامِ حَرَامٌ حَرُمَتْ إجَابَتُهُ، وَإِلَّا فَلَا وَتُبَاحُ الْإِجَابَةُ. وَلَا تَجِبُ إذَا كَانَ فِي مَالِهِ شُبْهَةٌ؛ وَلِهَذَا قَالَ الزَّرْكَشِيّ: لَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ فِي زَمَانِنَا هَذَا انْتَهَى. وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي) أَيْ صَاحِبُ الْوَلِيمَةِ مُسْلِمًا، فَلَوْ كَانَ كَافِرًا لَمْ تَجِبْ إجَابَتُهُ، لَكِنْ يُسَنُّ إنْ رُجِيَ إسْلَامُهُ أَوْ كَانَ قَرِيبًا أَوْ جَارًا وَكَذَا لَا يَلْزَمُ ذِمِّيًّا إجَابَةُ مُسْلِمٍ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّاعِي قَرَابَةٌ أَمْ صَدَاقَةٌ أَوْ لَا؛ وَلَعَلَّ وَجْهَ عَدَمِ وُجُوبِ الْإِجَابَةِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِدَعْوَةِ الْآخَرِ أَنَّ طَلَبَهَا لِلتَّوَدُّدِ وَهُوَ مُنْتَفٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ. وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلدُّنْيَا وَإِلَّا فَهُوَ مُكَلَّفٌ بِالْفُرُوعِ، وَيَحْرُمُ مَيْلُ الْقَلْبِ لِلْكَافِرِ ع ش م ر عَلَى م ر مَعَ زِيَادَةٍ.

قَوْلُهُ: (أَنْ يَدْعُوَهُ إلَخْ) لَعَلَّ هَذَا مِمَّا لَمْ تَحْصُلْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي كَلَامِهِ إذْ الدُّعَاءُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، لَا يُقَالُ إنَّهُ عُذْرٌ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْإِجَابَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا وَكَتَبَ ق ل عَلَى قَوْلِهِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ: أَيْ لِنَوْعِ الْمَدْعُوِّ، فَلَوْ جَعَلَ لِكُلِّ طَائِفَةٍ يَوْمًا وَجَبَ عَلَيْهِمْ وَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ.

قَوْلُهُ: (فَتُسَنُّ الْإِجَابَةُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي) مَا لَمْ يَكُنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِضِيقِ مَنْزِلِهِ وَكَثْرَةِ النَّاسِ، وَإِلَّا كَانَتْ كَوَلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ دُعِيَ النَّاسُ إلَيْهَا أَفْوَاجًا فَيَجِبُ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْضُرْ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ الْإِجَابَةُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ:(مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ) خَرَجَ السَّفِيهُ وَالصَّبِيُّ فَلَا يُجِيبُهُ غَيْرُهُ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ لِعِصْيَانِهِ بِذَلِكَ، ثُمَّ إنْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ أَنْ يُولِمَ كَانَ كَالْحُرِّ؛ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الدَّعْوَةِ أَيْضًا قَالَهُ م ر وحج. قَالَ سم: هَلَّا جُعِلَ إذْنُهُ لَهُ فِي الْوَلِيمَةِ إذْنًا فِي الدَّعْوَةِ أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ أَبٌ أَوْ جَدٌّ) خَرَجَ غَيْرُهُمَا لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى التَّمْلِيكِ. قَوْلُهُ: (لَوْ لَمْ يَحْضُرْ) الْأَوْلَى لَوْ لَمْ يَدْعُهُ. وَقَوْلُهُ: " أَوْ طَمَعًا " عُطِفَ عَلَى خَوْفٍ، وَنَصْبُهُ بِنَزْعِ الْخَافِضِ، وَلَوْ قَالَ: أَوْ طَمَعٍ لَكَانَ أَنْسَبَ بِمَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ ق ل.

قَوْلُهُ: (أَوْ طَمَعًا فِي جَاهِهِ) بِخِلَافِ مَا لَوْ دَعَاهُ لِلتَّوَدُّدِ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا فَتَجِبُ الْإِجَابَةُ فِيهِمَا.

قَوْلُهُ: (أَوْ نَائِبِهِ) بِأَنْ شَافَهَهُ بِالدَّعْوَى. وَأَمَّا لَوْ عَلِمَ بِدَعْوَاهُ مِنْ غَيْرِ النَّائِبِ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْوُجُوبِ، أَيْ وَلَوْ كَانَ الدَّاعِي أَوْ نَائِبُهُ صَبِيًّا مُمَيِّزًا مَا لَمْ يُعْهَدْ عَلَيْهِ كَذِبٌ بِلَفْظٍ صَرِيحٍ كَأُحِبُّ أَنْ تَحْضُرَ لَا بِكِنَايَةٍ كَإِنْ شِئْت أَنْ تَحْضُرَ فَافْعَلْ أَوْ إذَا رَأَيْت أَنْ تُجَمِّلَنِي فَافْعَلْ، وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّأَدُّبِ أَوْ الِاسْتِعْطَافِ مَعَ ظُهُورِ الرَّغْبَةِ فِي حُضُورِ الْمَدْعُوِّ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ يُحْتَاطُ لَهُ فَلَا يَكْفِي بِلَفْظٍ مُحْتَمِلٍ. وَالْقَرِينَةُ الْمَذْكُورَةُ غَايَةُ مَا تَقْتَضِي نَدْبَ الْحُضُورِ، كَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ. وَفِي كَلَامِ شَيْخِنَا وُجُوبُ الْإِجَابَةِ حِينَئِذٍ. اهـ. ح ل.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ لِيَحْضُرَ مَنْ أَرَادَ) فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ. قَوْلُهُ: (وَيَرْضَى بِتَخَلُّفِهِ) أَيْ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ وَطَلَاقَةِ وَجْهٍ لَا بِنَحْوِ غَضَبٍ وَعُبُوسٍ ق ل.

قَوْلُهُ: (أَجَابَ أَقْرَبُهُمَا) فَإِنْ اسْتَوَيَا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ: (مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ) أَيْ وَالْوَلِيمَةُ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ ق ل، وَقَوْلُهُ أَكْثَرُ لَيْسَ قَيْدًا. قَوْلُهُ:(حُرِّمَتْ إجَابَتُهُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعَانَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ عَلَيْهَا.

قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ عَيْنَ الطَّعَامِ مِنْ الْحَرَامِ، فَلَا تَحْرُمُ الْإِجَابَةُ بَلْ تُكْرَهُ كَمَا قَدَّمَهُ.

قَوْلُهُ: (وَتُبَاحُ إلَخْ) مُسْتَأْنَفٌ كَمَا قَالَهُ م د؛ لَكِنْ عَلَيْهِ لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ: " وَلَا تَجِبُ " فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ تَمَامِ قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا، أَيْ فَلَا تَحْرُمُ؛ وَلَكِنْ تُبَاحُ الْإِجَابَةُ تَأَمَّلْ، هَكَذَا قِيلَ وَالْأَوْلَى أَنَّهُ مُسْتَأْنَفٌ وَلَيْسَ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ فِيهِ الْكَرَاهَةُ كَمَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ: (إذَا كَانَ فِي مَالِهِ شُبْهَةٌ) أَيْ حَرَامٌ وَإِنْ قَلَّ. وَعِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ: وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي مَالِ الدَّاعِي شُبْهَةٌ أَيْ قَوِيَّةٌ بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ فِي مَالِهِ حَرَامًا وَلَا يَعْلَمُ عَيْنَهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامًا فِيمَا يَظْهَرُ، خِلَافًا لِمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ بَعْضِهِمْ مِنْ التَّقْيِيدِ؛ لَكِنْ يُؤَيِّدُهُ عَدَمُ كَرَاهَةِ مُعَامَلَتِهِ وَالْأَكْلِ مِنْهُ إلَّا حِينَئِذٍ، وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ يُحْتَاطُ لِلْوُجُوبِ مَا لَا يُحْتَاطُ لِلْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ الْآنَ مَالٌ يَنْفَكُّ عَنْ شُبْهَةٍ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ لَا بُدَّ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ الْقَائِلِ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ فِي زَمَانِنَا. قَوْلُ: (وَلَيْسَ فِي مَوْضِعِ

ص: 455

الظَّنِّ أَنَّ فِي مَالِ الدَّاعِي شُبْهَةً، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الدَّاعِي امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً وَلَيْسَ فِي مَوْضِعِ الدَّعْوَةِ مَحْرَمٌ لَهَا وَلَا لِلْمَدْعُوِّ وَإِنْ لَمْ يَخْلُ بِهَا، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الدَّاعِي ظَالِمًا أَوْ فَاسِقًا أَوْ شِرِّيرًا أَوْ مُتَكَلِّفًا طَالِبًا لِلْمُبَاهَاةِ وَالْفَخْرِ؛ قَالَهُ فِي الْإِحْيَاءِ. وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَدْعُوُّ حُرًّا، فَلَوْ دَعَا عَبْدًا لَزِمَتْهُ إنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ، وَكَذَا الْمُكَاتَبُ إنْ لَمْ يَضُرَّ حُضُورُهُ بِكَسْبِهِ، فَإِنَّ ضَرَّ وَأَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فَوَجْهَانِ، وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الْوُجُوبِ؛ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ فِي إجَابَةِ الدَّعْوَى كَالرَّشِيدِ. وَمِنْهَا أَنْ يَدْعُوَهُ فِي وَقْتِ الْوَلِيمَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَقْتُهَا. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْمَدْعُوُّ قَاضِيًا، وَفِي مَعْنَاهُ كُلُّ ذِي وِلَايَةٍ عَامَّةٍ. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ مَعْذُورًا بِمُرَخِّصٍ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يَتَأَذَّى بِحُضُورِهِ أَوْ لَا يَلِيقُ بِهِ مُجَالَسَتُهُ كَالْأَرَاذِلِ. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْمَدْعُوُّ أَمْرَدَ يُخَافُ مِنْ حُضُورِهِ رِيبَةً أَوْ تُهْمَةً أَوْ قَالَةً. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ مُنْكَرٌ لَا يَزُولُ بِحُضُورِهِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالضَّرْبِ بِالْمَلَاهِي، فَإِنْ كَانَ يَزُولُ بِحُضُورِهِ وَجَبَ حُضُورُهُ لِلدَّعْوَةِ وَإِزَالَةُ الْمُنْكَرِ. وَمِنْ الْمُنْكَرِ فُرُشٌ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الدَّعْوَةِ مَحْرَمٌ) أَيْ لِيَأْمَنَ مَعَهُ مِنْ الْخَلْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ. وَهَذَا الْقَيْدُ قَدْ يُنَافِي قَوْلَهُ الْآتِي وَإِنْ لَمْ يَخْلُ بِهَا، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ق ل: قَوْلُهُ وَلَيْسَ إلَخْ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ تَدَافُعٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ وَلَيْسَ فِي مَوْضِعِ الدَّعْوَةِ مَحْرَمٌ أَيْ لِيَأْمَنَ مَعَهُ مِنْ رِيبَةٍ أَوْ تُهْمَةٍ، فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ الْآتِي وَإِنْ لَمْ يَخْلُ بِهَا.

قَوْلُهُ: (أَوْ شِرِّيرًا) أَيْ كَثِيرِ الشَّرِّ. قَوْلُهُ: (أَوْ مُتَكَلِّفًا) أَيْ كَلَّفَ نَفْسَهُ مَا لَا يُطِيقُ مِنْ الطَّعَامِ الْكَثِيرِ؛ أَفَادَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (فِي وَقْتِ الْوَلِيمَةِ) وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ بِأَنْ يَدْعُوهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي، أَمَّا لَوْ دَعَاهُ قَبْلَ وَقْتِهَا كَأَنْ جَعَلُوا الْوَلِيمَةَ لِلْعُرْسِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ. وَمَحَلُّ وُجُوبِ الْإِجَابَةِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَسَنِّهَا فِي الثَّانِي إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ غَرَضًا، أَمَّا إذَا كَانَ غَرَضٌ أَوْ عُذْرٌ كَأَنْ جَعَلَ لِكُلِّ طَائِفَةٍ يَوْمًا أَوْ لِضِيقِ مَنْزِلِهِ عَنْ كُلِّهِمْ أَوْ عَجْزِهِ عَنْ طَعَامٍ يَكْفِي الْجَمِيعَ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَتَجِبُ الْإِجَابَةُ فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ وَلَوْ شَهْرًا.

قَوْلُهُ: (وَقَدْ تَقَدَّمَ وَقْتُهَا) أَيْ أَنَّ أَوَّلَ ابْتِدَائِهِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ وَيَنْتَهِي أَدَاؤُهَا بِالْأُسْبُوعِ فِي الْبِكْرِ وَالثَّلَاثِ فِي الثَّيِّبِ.

قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يَكُونَ الْمَدْعُوُّ قَاضِيًا) وَالْأَوْجَهُ اسْتِثْنَاءُ أَبْعَاضِهِ وَنَحْوِهِمْ فَتَلْزَمُهُ إجَابَتُهُمْ لِعَدَمِ نُفُوذِ حُكْمِهِ لَهُمْ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ.

قَوْلُهُ: (بِمُرَخِّصٍ) أَيْ مِمَّا يَأْتِي هُنَا فَلَا يُنَافِي أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ أَعْذَارِ الْجَمَاعَةِ الْجُوعَ وَالْعَطَشَ، وَلَيْسَ عُذْرًا هُنَا لِوُجُودِ ذَلِكَ فِي مَقْصِدِهِ م د.

قَوْلُهُ: (كَالْأَرَاذِلِ) وَالزَّحْمَةِ وَالْعَدَاوَةِ كَذَلِكَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ إنْ تَضَرَّرَ. اهـ. ز ي. وَالْمُرَادُ بِالْأَرَاذِلِ الْأَرَاذِلُ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا أَمَّا فِي الدِّينِ فَتَحْرُمُ مُجَالَسَتُهُمْ ق ل.

قَوْلُهُ: (أَمْرَدَ) أَيْ جَمِيلًا، بِدَلِيلِ تَقْيِيدِهِ بِخَوْفِ نَحْوِ رِيبَةٍ. وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمَدْعُوَّةَ كَذَلِكَ ق ل. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ: وَغَيْرِهِ وَمِنْ الْعُذْرِ كَوْنُهُ أَمْرَدَ جَمِيلًا يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ رِيبَةٍ أَوْ تُهْمَةٍ وَإِنْ أَذِنَ الْوَلِيُّ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَكَوْنُ النِّسَاءِ بِنَحْوِ أَسْطُحَةِ الدَّارِ وَمَرَافِقِهَا بِحَيْثُ يَنْظُرْنَ لِلرِّجَالِ أَوْ يَخْتَلِطْنَ بِهِمْ وَلَوْ أَمْكَنَهُ التَّحَرُّزُ عَنْ رُؤْيَتِهِنَّ لَهُ كَتَغْطِيَةِ رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ بِحَيْثُ لَا يُرَى شَيْءٌ مِنْ بَدَنِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَوُجُودُ مَنْ يُضْحِكُ النَّاسَ بِالْفُحْشِ وَالْكَذِبِ.

قَوْلُهُ: (رِيبَةً أَوْ تُهْمَةً) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الرِّيبَةَ هِيَ الَّتِي لَا تَكُونُ بِمُجَرَّدِ التَّوَهُّمِ بَلْ بِالظَّنِّ، بِخِلَافِ التُّهْمَةِ فَهِيَ أَدْوَنُ مِنْهَا، وَالْقَالَةُ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ قَوْلٌ لَا يَلِيقُ بِهِ كَغِيبَةٍ أَوْ نَمِيمَةٍ. قَوْلُهُ:(أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ مُنْكَرٌ) أَيْ وَلَوْ فِي اعْتِقَادِ الْمَدْعُوِّ فَقَطْ كَفُرُشِ حَرِيرٍ لِلرِّجَالِ وَشُرْبِ نَبِيذٍ، نَعَمْ يَجُوزُ الْحُضُورُ إنْ اعْتَقَدَ الْفَاعِلُ الْجَوَازَ كَالْحَنَفِيِّ فِي الْمِثَالَيْنِ لَكِنَّهُ إذَا حَضَرَ لَا يُنْكِرُ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ قَاعِدَةِ إنَّ شَرْطَ الْإِنْكَارِ كَوْنُ الْمُنْكَرِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَوْ يَعْتَقِدُ الْفَاعِلُ حُرْمَتَهُ. وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ سُقُوطُ الْوُجُوبِ دُونَ الْجَوَازِ فِيمَا لَوْ كَانَ هُنَاكَ مَالِكِيٌّ يَتَطَهَّرُ بِالْمُسْتَعْمَلِ أَوْ حَنَفِيٌّ يَتْرُكُ الطُّمَأْنِينَةَ فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ كَانَ الْفَاعِلُ يَرَى التَّحْرِيمَ دُونَ الْمَدْعُوِّ، فَالْوَجْهُ سُقُوطُ الْوُجُوبِ وَحُرْمَةُ الْحُضُورِ إذْ حُضُورُ الْمُنْكَرِ وَلَوْ فِي اعْتِقَادِ الْفَاعِلِ فَقَطْ لِغَيْرِ إنْكَارِهِ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ إقْرَارًا عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَهُوَ حَرَامٌ. اهـ. سم.

وَقَوْلُهُ: " وَلَوْ فِي اعْتِقَادِ الْمَدْعُوِّ فَقَطْ " وَلَا يُنَافِيهِ مَا يَأْتِي فِي السِّيَرِ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الَّذِي يُنْكِرُ بِاعْتِقَادِ الْفَاعِلِ تَحْرِيمَهُ؛ لِأَنَّ مَا هُنَا فِي وُجُوبِ الْحُضُورِ وَوُجُوبُهُ مَعَ وُجُودِ مُحَرَّمٍ فِي اعْتِقَادِهِ فِيهِ مَشَقَّةٌ عَلَيْهِ فَسَقَطَ وُجُوبُ الْحُضُورِ لِذَلِكَ، وَأَمَّا الْإِنْكَارُ فَفِيهِ إضْرَارٌ بِالْفَاعِلِ وَلَا يَجُوزُ إضْرَارُهُ إلَّا إذَا اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا اعْتَقَدَ الْمُنْكِرُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يُعَامَلُ بِقَضِيَّةِ اعْتِقَادِ غَيْرِهِ. اهـ. حَجّ. اهـ. س ل.

قَوْلُهُ: (وَالضَّرْبُ بِالْمَلَاهِي) أَيْ آلَةِ لَهْوٍ يَسْمَعُهَا أَوْ يَعْلَمُ أَنَّهَا تُضْرَبُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِمَحَلِّ حُضُورِهِ بِأَنْ كَانَتْ بِبَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ

ص: 456

غَيْرُ حَلَالٍ كَالْمَغْصُوبِ وَالْمَسْرُوقِ وَفُرُشُ جُلُودِ النُّمُورِ وَفُرُشُ الْحَرِيرِ لِلرِّجَالِ. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ صُورَةُ حَيَوَانٍ فِي غَيْرِ أَرْضٍ وَبِسَاطٌ وَمِخَدَّةٌ، وَالْمَرْأَةُ إذَا دَعَتْ النِّسَاءَ فَكَمَا ذَكَرْنَا فِي الرِّجَالِ؛ قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ. وَقِيَاسُ مَا مَرَّ عَنْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الدَّارِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ بِجِوَارِهِ اهـ ح ل. وَعِبَارَةُ س ل: وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِمَحَلِّ الْحُضُورِ أَوْ بِبَيْتٍ آخَرَ مِنْ الدَّارِ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالسُّبْكِيُّ. وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَارِ بِأَنَّ فِي مُفَارَقَةِ دَارِهِ ضَرَرًا عَلَيْهِ وَلَا فِعْلَ مِنْهُ بِخِلَافِ هَذَا، فَإِنَّهُ تَعَمَّدَ الْحُضُورَ بِمَحِلِّ الْمَعْصِيَةِ بِلَا ضَرُورَةٍ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمَا قَالَاهُ، أَيْ الْأَذْرَعِيُّ وَالسُّبْكِيُّ، مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ آلَاتِ اللَّهْوِ فِي مَحَلِّ الْحُضُورِ أَوْ غَيْرِهِ هُوَ الْوَجْهُ الَّذِي لَا يَسُوغُ غَيْرَهُ، وَتَسْلِيمٌ أَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الْأَوَّلِينَ الْحِلُّ أَيْ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِمَحَلِّ الْحُضُورِ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ ثَمَّ عُذْرٌ يَمْنَعُ مِنْ كَوْنِهِ مُقِرًّا عَلَى الْمَعْصِيَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ اهـ. قَالَ ع ش: قَوْلُهُ: " فَإِنَّهُ تَعَمَّدَ الْحُضُورَ إلَخْ " قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ عَلَى ظَنِّ أَنْ لَا مَعْصِيَةَ بِالْمَكَانِ ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ كَأَنْ حَضَرَ مَعَ الْمُجْتَمِعِينَ فِي مَحَلِّ الدَّعْوَةِ ثُمَّ سَمِعَ الْآلَاتِ فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ الَّذِي هُوَ فِيهِ أَوْ حَضَرَ أَصْحَابُ الْآلَاتِ بَعْدَ حُضُورِهِ لِمَحَلِّ الدَّعْوَةِ عَدَمُ وُجُوبِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ أَخْذًا بِقَوْلِهِمْ مِنْ سُوءِ الظَّنِّ بِالْمَدْعُوِّ إلَخْ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَجَبَ حُضُورُهُ لِلدَّعْوَةِ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: هَذَا إنْ لَمْ يَزُلْ أَيْ الْمُنْكَرُ بِهِ أَيْ الْمَدْعُوِّ وَإِلَّا وَجَبَتْ أَوْ سُنَّتْ إجَابَتُهُ إجَابَةً لِلدَّعْوَى وَإِزَالَةً لِلْمُنْكَرِ اهـ. وَقَوْلُهُ إجَابَةً لِلدَّعْوَى رَاجِعٌ لِلْوُجُوبِ وَالسُّنِّيَّةِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَإِزَالَةً لِلْمُنْكَرِ. وَلَا يُقَالُ إزَالَةُ الْمُنْكَرِ تَقْتَضِي الْوُجُوبَ لَا النَّدْبَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ سَنُّهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا إجَابَةٌ لِوَلِيمَةِ غَيْرِ عُرْسٍ وَوُجُوبُهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ فِي الْإِجَابَةِ إزَالَةً لِلْمُنْكَرِ فَفِي وَلِيمَةِ الْعُرْسِ تَجِبُ الْإِجَابَةُ مِنْ الْحَيْثِيَّتَيْنِ وَفِي وَلِيمَةِ غَيْرِهِ تُسَنُّ مِنْ حَيْثُ الْوَلِيمَةُ وَتَجِبُ مِنْ حَيْثُ إزَالَةُ الْمُنْكَرِ فَلَا تَنَافِيَ.

قَوْلُهُ: (فُرُشٌ غَيْرُ حَلَالٍ) هَذَا لَا يَتَنَاوَلُ نَصْبَهُ عَلَى الْجُدْرَانِ مَعَ أَنَّهُ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَمَحَلُّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْحُضُورِ، أَمَّا مُجَرَّدُ الدُّخُولِ فَلَا يَحْرُمُ بَلْ يُكْرَهُ كَمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ فَمَا فِي غَيْرِهِ عَنْهُمْ مِنْ التَّحْرِيمِ ضَعِيفٌ، أَمَّا دُخُولُ مَحَلٍّ بِبَابِهِ أَوْ مَمَرِّهِ صُوَرٌ مُحَرَّمَةٌ فَلَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَحَلُّ امْتِهَانٍ لَا يَعْظُمُ فَأَشْبَهَ الْأَرْضَ؛ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ بِحُجْرَةٍ أَوْ بَيْتٍ آخَرَ مِنْ مَحَلِّ الدَّعْوَةِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا مِنْهَا عَلَى الْأَوْجَهِ بَلْ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ، فَفِي حُضُورِ الدَّارِ الَّتِي هُوَ فِيهَا إقْرَارٌ عَلَيْهِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: كَانَ شَيْخُنَا ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي أَيَّامِ زِينَةِ الْمَحْمَلِ لَا يَشُقُّ الْمَدِينَةَ وَلَا يَنْظُرُ إلَى زِينَتِهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ اهـ. وَيُتَّجَهُ أَنَّ مَحَلَّ حُرْمَةِ الْمُرُورِ أَيَّامَ الزِّينَةِ حَيْثُ لَا حَاجَةَ وَيَسْهُلُ عَلَيْهِ الْمُرُورُ بِغَيْرِ مَحَلِّهَا وَلَمْ يَكُنْ فَاعِلُوهَا مُكْرَهِينَ عَلَى التَّزْيِينِ بِخُصُوصِ الْمُحَرَّمِ اهـ ابْنُ حَجَرٍ. وَجَمَعَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ بَيْنَ مَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَمَا فِي الْكَبِيرِ فَقَالَ: هُمَا مَسْأَلَتَانِ، فَالدُّخُولُ مَكْرُوهٌ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالْحُضُورُ مُحَرَّمٌ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي غَيْرِهِ اهـ ز ي. قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: وَمَتَى جَلَسَ شُهُودُ النِّكَاحِ عَلَى الْحَرِيرِ فَسَقَوْا وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ بِهِمْ، وَأَمَّا سَتْرُ الْجُدْرَانِ بِهِ وَنَصْبُهُ وَفُرُشُ جُلُودِ النُّمُورِ فَحَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخُيَلَاءِ وَالْكِبْرِ اهـ ع ش. وَالْمُزَرْكَشُ بِالنَّقْدِ كَذَلِكَ وَخَرَجَ بِالْفُرُشِ بَسْطُهُ عَلَى الْأَرْضِ يُدَاسُ وَرَفْعُهُ عَلَى عُودٍ أَوْ فَوْقَ حَائِطٍ مَثَلًا فَلَا حُرْمَةَ.

فَرْعٌ: قَالَ شَيْخُنَا: وَعُلِمَ مِمَّا ذَكَرَ أَنَّ مَا يَقَعُ فِي مِصْرَ مِنْ الزِّينَةِ بِأَمْرِ وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنَّهُ يَحْرُمُ التَّفَرُّجُ عَلَيْهِ وَالْمُرُورُ عَلَيْهِ إلَّا لِحَاجَةٍ مَعَ الْإِنْكَارِ، وَيَحْرُمُ فِعْلَهُ إلَّا الْقَدْرَ الَّذِي يَحْصُلُ الْإِكْرَاهُ عَلَيْهِ؛ وَنَازَعَهُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضِ ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَصُورَةُ حَيَوَانٍ) وَلَوْ لِمَا لَا نَظِيرَ لَهُ كَبَقَرٍ لَهُ مِنْقَارٌ أَوْ جَنَاحٌ ق ل وح ل.

قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ أَرْضٍ) بِأَنْ كَانَتْ مَرْفُوعَةً كَأَنْ كَانَتْ عَلَى سَقْفٍ أَوْ جِدَارٍ أَوْ ثِيَابٍ مَلْبُوسَةٍ أَوْ وِسَادَةٍ مَنْصُوبَةٍ. وَخَرَجَ بِمَا ذَكَرَ صُوَرُ حَيَوَانٍ مَبْسُوطَةٌ كَأَنْ كَانَتْ عَلَى بِسَاطٍ يُدَاسُ وَمَخَادَّ يُتَّكَأُ عَلَيْهَا أَوْ مَرْفُوعَةً، لَكِنْ قُطِعَ رَأْسُهَا؛ وَصُوَرُ شَجَرٍ وَشَمْسٍ وَقَمَرٍ فَلَا يَمْنَعَ طَلَبَ الْإِجَابَةِ، فَإِنَّ مَا يُدَاسُ مِنْهَا. وَيُطْرَحُ مُهَانٌ مُبْتَذَلٌ وَغَيْرُهُ لَا يُشْبِهُ حَيَوَانًا فِيهِ رُوحٌ، بِخِلَافِ صُوَرِ الْحَيَوَانِ الْمَرْفُوعَةِ فَإِنَّهَا تُشْبِهُ الْأَصْنَامَ. اهـ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ:" أَوْ ثِيَابٍ مَلْبُوسَةٍ " قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ تَبَعًا لِابْنِ حَجَرٍ: الْمُرَادُ بِهِ الْمَلْبُوسُ بِالْقُوَّةِ أَعْنِي مَا شَأْنَهُ أَنْ

ص: 457

الْأَذْرَعِيِّ فِي الْأَمْرَدِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا خَافَتْ مِنْ حُضُورِهَا رِيبَةً أَوْ تُهْمَةً أَوْ قَالَةً لَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْإِجَابَةُ وَإِنْ أَذِنَ الزَّوْجُ وَأَوْلَى، خُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ الَّذِي كَثُرَ فِيهِ اخْتِلَاطُ الْأَجَانِبِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مُبَالَاةٍ بِكَشْفِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

يُلْبَسَ، وَمِنْهُ الْمَوْضُوعُ عَلَى الْأَرْضِ لَا لِيُدَاسَ؛ ثُمَّ قَالَا: وَيَجُوزُ لُبْسُ مَا عَلَيْهِ صُوَرُ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ وَدَوْسُهُ وَوَضْعُهُ فِي صُنْدُوقٍ أَوْ مُغَطَّى، وَقَوْلُهُ:" مَنْصُوبَةً " وَعَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ يُحْمَلُ مَا جَاءَ:؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «امْتَنَعَ مِنْ الدُّخُولِ عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - مِنْ أَجْلِ النُّمْرُقَةِ الَّتِي عَلَيْهَا التَّصَاوِيرُ فَقَالَتْ: أَتُوبُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مَاذَا أَذْنَبْت؟ فَسَأَلَتْ عَنْ سَبَبِ امْتِنَاعِهِ مِنْ الدُّخُولِ، فَقَالَ: مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ؟ قَالَتْ: اشْتَرَيْتهَا لَك لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَتَوَسَّدَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ التَّصَاوِيرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالنُّمْرُقَةُ وِسَادَةٌ صَغِيرَةٌ، أَيْ فَهِيَ كَانَتْ مَنْصُوبَةً حِينَئِذٍ أَيْ حِينَ إرَادَةِ دُخُولِهِ صلى الله عليه وسلم. وَقَوْلُهُ:" وَالنُّمْرُقَةُ " بِالضَّمِّ لِلْمُفْرَدِ وَتُجْمَعُ عَلَى نَمَارِقَ وَهِيَ الْوَسَائِدُ جَمْعُ وِسَادَةٍ؛ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: " وَبِفَعَائِلَ اجْمَعْنَ فِعَالَهُ " إلَخْ.

وَقَوْلُهُ: " لَكِنْ قُطِعَ رَأْسُهَا " وَكَقَطْعِ الرَّأْسِ هُنَا فَقْدُ كُلِّ مَا لَا حَيَاةَ بِدُونِهِ. وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ فَقْدَ النِّصْفِ الْأَسْفَلِ كَفَقْدِ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَيَاةَ لِلْحَيَوَانِ بِدُونِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ ح ل. وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ: وَكَفَقْدِ الرَّأْسِ فَقْدُ مَا لَا حَيَاةَ بِدُونِهِ، نَعَمْ يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ فَقْدُ الْأَعْضَاءِ الْبَاطِنَةِ كَالْكَبِدِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَلْحَظَ الْمُحَاكَاةُ وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِدُونِ ذَلِكَ اهـ. وَيَظْهَرُ أَيْضًا أَنَّ خَرْقَ نَحْوِ بَطْنِهِ لَا يَجُوزُ اسْتِدَامَتُهُ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى مَعَهُ الْحَيَاةُ فِي الْحَيَوَانِ أَيْ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْمُحَاكَاةِ وَلَا شَيْءَ لِمُصَوِّرٍ، وَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ ضَعِيفٌ بَلْ شَاذٌّ وَلَا أَرْشَ عَلَى كَاسِرِهِ.

وَتَصْوِيرُ الْحَيَوَانِ حَرَامٌ مُطْلَقًا وَلَوْ عَلَى أَرْضٍ وَلَوْ بِلَا رَأْسٍ أَوْ مِنْ طِينٍ أَوْ حَلَاوَةٍ وَيَصِحُّ بَيْعُهَا، وَلَا يَحْرُمُ التَّفَرُّجُ عَلَيْهَا وَلَا اسْتِدَامَتُهَا كَمَا قَالَهُ الرَّمْلِيُّ، وَخَالَفَهُ الزِّيَادِيُّ فِي الْأَخِيرَيْنِ فَحَرَّمَهُمَا؛ وَهُوَ كَبِيرَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ:«أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُصَوِّرُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ» أَيْ مِنْ أَشَدِّهِمْ وَفِي رِوَايَةٍ: «إنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ» وَالْمُرَادُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ. وَفِي رِوَايَةٍ زِيَادَةُ: «نَحْوَ الْجَرَسِ وَمَا فِيهِ بَوْلٌ مَنْقُوعٌ» قَالَ ع ش عَلَى م ر: وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ أَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَةِ لَا تَمْتَنِعُ مِنْ دُخُولِ بَيْتٍ فِيهِ صُورَةٌ وَلَوْ عَلَى نَقْدٍ، وَخَالَفَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الزَّوَاجِرِ، وَالْأَقْرَبُ مَا فِي الزَّوَاجِرِ؛ وَوَجْهُهُ أَنَّ حَمْلَ النَّقْدِ وَالتَّعَامُلَ بِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ صُورَةٌ إنَّمَا هُوَ لِلْعُذْرِ فِي الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ وَعَدَمِ إرَادَةِ تَعْظِيمِهِ وَالْعُذْرُ فِي الِاحْتِيَاجِ وَالضَّرُورَةِ لَا يَزِيدُ عَلَى مُلَازَمَةِ الْحَيْضِ لِلْحَائِضِ، وَمَعَ ذَلِكَ وَرَدَ النَّصّ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ حَائِضٌ اهـ.

وَيُسْتَثْنَى لُعَبُ الْبَنَاتِ وَكَذَا الصِّبْيَانِ، أَيْ الَّذِينَ يَلْعَبُونَ بِهِ مِنْ تَصْوِيرِ شَكْلٍ يُسَمُّونَهُ عَرُوسَةً؛ «لِأَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَلْعَبُ بِهَا عِنْدَهُ صلى الله عليه وسلم أَيْ بِبَيْتِ أَبِيهَا قَبْلَ أَنْ يَنْقُلَهَا عليه الصلاة والسلام فِي بَيْتِهِ» ، كَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ. وَلَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ كَانَ بِبَيْتِهِ أَيْضًا إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ هُوَ الْمَنْقُولُ، ثُمَّ رَأَيْت نَقْلًا عَنْ شَيْخِنَا الْعَزِيزِيِّ مَا نَصُّهُ: وَوَرَدَ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها كَانَتْ تَلْعَبُ بِمَا ذُكِرَ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهَا أَيْ حِينَ كَانَتْ صَغِيرَةً وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَحْضُرُ عِنْدَهَا فِي بَيْتِ أَبِيهَا؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا انْقَطَعَ عَنَّا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ، أَيْ كَانَ يَأْتِينَا الْبَيْتَ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ، أَيْ فَلَيْسَ لَعِبُهَا بِمَا ذُكِرَ كَانَ بَعْدَ التَّزْوِيجِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَخَذَهَا بَيْتَهُ كَانَ عُمْرُهَا تِسْعَ سِنِينَ. اهـ.

وَاعْلَمْ أَنَّ التَّفَرُّجَ عَلَى الْجُلُودِ الْمُصَوَّرَةِ الَّتِي يُقَالُ لَهَا خَيَالُ الظِّلِّ حَلَالٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ الرَّمْلِيِّ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِالْحُرْمَةِ. وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ:

رَأَيْت خَيَالَ الظِّلِّ أَكْبَرَ عِبْرَةٍ

لِمَنْ هُوَ فِي عِلْمِ الْحَقِيقَةِ رَاقِي

شُخُوصٌ لِأَرْوَاحٍ تَمُرُّ وَتَنْقَضِي

نَرَى الْكُلَّ يَفْنَى وَالْمُحَرِّكُ بَاقِي

اهـ قَوْلُهُ: (وَمِخَدَّةٌ) أَيْ يُتَّكَأُ عَلَيْهَا، وَهِيَ بِكَسْرِ الْمِيمِ.

قَوْلُهُ: (فَكَمَا ذَكَرْنَا فِي الرِّجَالِ) كَلَامُهُ الْأَوَّلُ رُبَّمَا يَشْمَلُهَا ق ل. قَوْلُهُ: (عَنْ الْأَذْرَعِيِّ) لَمْ يَتَقَدَّمُ لَهُ نَفْلُ ذَلِكَ عَنْ الْأَذْرَعِيِّ، فَلَعَلَّهُ فِي الْوَاقِعِ مَنْسُوبٌ لَهُ فَظَنَّ أَنَّهُ عَزَاهُ لَهُ تَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (وَأَوْلَى) أَيْ مِنْ الْأَمْرَدِ. قَوْلُهُ: (خُرِقَ) أَيْ رُفِعَ فِيهِ السِّيَاجُ أَيْ الْحَيَاءُ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ السِّيَاجُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْجِيمِ

ص: 458

مَا هُوَ عَوْرَةٌ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مُشَاهَدٌ وَلِابْنِ الْحَاجِّ الْمَالِكِيِّ اعْتِنَاءٌ زَائِدٌ بِالْكَلَامِ عَلَى مِثْلِ هَذَا وَأَشْبَاهِهِ بِاعْتِبَارِ زَمَانِهِ، فَكَيْفَ لَهُ بِزَمَانٍ خُرِقَ فِيهِ السِّيَاجُ وَزَادَ بَحْرُ فَسَادِهِ وَهَاجَ، وَلَا تَسْقُطُ إجَابَةٌ بِصَوْمٍ، فَإِنْ شَقَّ عَلَى الدَّاعِي صَوْمُ نَفْلٍ مِنْ الْمَدْعُوِّ فَالْفِطْرُ لَهُ أَفْضَلُ، وَيَأْكُلُ الضَّيْفُ مِمَّا قُدِّمَ لَهُ بِلَا لَفْظٍ وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ إلَّا بِأَكْلٍ، وَيَمْلِكُ الضَّيْفُ مَا الْتَقَمَهُ بِوَضْعِهِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

مَا أُحِيطَ بِهِ عَلَى الْكَرْمِ وَنَحْوِهِ مِنْ الشَّوْكِ وَنَحْوِهِ وَالْجَمْعُ أَسْوِجَةٌ وَسَوْجٌ وَالْأَصْلُ بِضَمَّتَيْنِ مِثْلُ كِتَابٍ وَكُتُبٍ لَكِنْ سُكِّنَتْ الْوَاوُ اسْتِثْقَالًا لِلضَّمَّةِ اهـ. فَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ حَيْثُ شَبَّهَ الْحَيَاءَ بِالسِّيَاجِ بِجَامِعِ أَنَّ فِي كُلٍّ مَنْعًا فَالْحَيَاءُ يَمْنَعُ مِنْ الْفَوَاحِشِ، وَالسِّيَاجُ يَمْنَعُ الطَّارِقَ. وَالْخَرْقُ تَرْشِيحٌ. وَإِضَافَةُ بَحْرٍ إلَى فَسَادٍ مِنْ إضَافَةِ الْمُشَبَّهِ بِهِ إلَى الْمُشَبَّهِ أَيْ فَسَادُهُ الَّذِي هُوَ كَالْبَحْرِ فِي الْكَثْرَةِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا تَسْقُطُ إجَابَةٌ بِصَوْمٍ) وَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ، أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ مِنْ الْأَعْذَارِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْحُضُورُ لَا الْأَكْلُ كَمَا فِي الْقَسْمِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ الْحُضُورُ لِلْإِينَاسِ لَا لِلْجِمَاعِ، وَقِيلَ: يَجِبُ الْأَكْلُ وَلَوْ لُقْمَةً وَاحِدَةً كَمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ.

1 -

فَرْعٌ: لَوْ دَعَاهُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ لِلْحُضُورِ نَهَارًا لَمْ تَجِبْ الْإِجَابَةُ، فَإِنْ أَرَادَ فَلْيَدْعُهُمْ عِنْدَ الْغُرُوبِ؛ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَاسْتَثْنَى مِنْهُ الْبُلْقِينِيُّ مَا لَوْ دَعَاهُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَالْمَدْعُوُّونَ كُلُّهُمْ مُكَلَّفُونَ صَائِمُونَ فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ إذْ لَا فَائِدَةَ إلَّا مُجَرَّدُ نَظَرِ الطَّعَامِ وَالْجُلُوسُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى آخِرِهِ مُشِقٌّ اهـ.

قَوْلُهُ: (فَالْفِطْرُ لَهُ أَفْضَلُ) وَيُنْدَبُ كَمَا فِي الْإِحْيَاءِ أَنْ يَنْوِيَ بِفِطْرِهِ إدْخَالَ السُّرُورِ عَلَيْهِ؛ شَرْحُ م ر.

قَوْلُهُ: (وَيَأْكُلُ الضَّيْفُ) الْمُرَادُ بِهِ هُنَا كُلُّ مَنْ حَضَرَ طَعَامَ غَيْرِهِ وَحَقِيقَتُهُ الْغَرِيبُ، وَمِنْ ثَمَّ تَأَكَّدَ ضِيَافَتُهُ وَإِكْرَامُهُ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهَا شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (مِمَّا قُدِّمَ لَهُ) فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِمَّا خُصَّ بِهِ غَيْرُهُ عَالِيًا كَانَ أَوْ سَافِلًا، وَأَفْهَمْت " مِنْ " حُرْمَةِ أَكْلِ جَمِيعِ مَا قُدِّمَ لَهُ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الصَّبَّاغِ. وَنُظِرَ فِيهِ إذَا قَلَّ وَاقْتَضَى الْعُرْفُ أَكْلَ جَمِيعِهِ، وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ لِلْقَرِينَةِ الْقَوِيَّةِ فَإِنْ دَلَّتْ عَلَى أَكْلِ الْجَمِيعِ حَلَّ وَإِلَّا امْتَنَعَ وَصَرَّحَ الشَّيْخَانِ بِكَرَاهَةِ الْأَكْلِ فَوْقَ الشِّبَعِ وَآخَرُونَ بِحُرْمَتِهِ، وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَالِ نَفْسِهِ الَّذِي لَا يَضُرُّهُ وَالثَّانِي عَلَى خِلَافِهِ وَيَضْمَنُهُ لِصَاحِبِهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ رِضَاهُ بِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُهُ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ. وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ التَّحْرِيمَ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الضَّرَرِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ، وَالْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ عَلَى غَيْرِهَا كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ الْآتِي؛ وَإِنَّمَا حُرِّمَتْ؛ لِأَنَّهَا مُؤْذِيَةٌ لِلْمِزَاجِ، فَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ هَذِهِ الْعِلَّةِ لَا عَلَى كَوْنِهِ مَالَ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ زي.

وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَوْ كَانَ يَأْكُلُ كَعَشَرَةٍ مَثَلًا وَمُضِيفُهُ جَاهِلٌ بِحَالِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ فَوْقَ مَا يَقْتَضِيهِ الْعُرْفُ فِي مِقْدَارِ الْأَكْلِ لِانْتِفَاءِ الْإِذْنِ اللَّفْظِيِّ وَالْعُرْفِ فِيمَا وَرَاءَهُ، قَالَ: فَلَوْ كَانَ الطَّعَامُ قَلِيلًا فَأَكَلَ لُقَمًا كِبَارًا مُسْرِعًا حَتَّى يَأْكُلَ أَكْثَرَ الطَّعَامِ وَيُحْرَمُ أَصْحَابُهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ اهـ. وَقَوْلُهُ: " عَالِيًا كَانَ أَوْ سَافِلًا " أَيْ فَيَحْرُمُ عَلَى مِنْ خُصَّ بِالسَّافِلِ إكْرَامَ غَيْرِهِ مُطْلَقًا أَوْ قَبْلَ كِفَايَتِهِ مَثَلًا، وَمِنْهُ تَنَاقُلُ الْأَوَانِي بِالْأَطْعِمَةِ، وَلَوْ انْكَسَرَتْ ضَمِنُوهَا؛ لِأَنَّهَا عَارِيَّةٌ قِ ل. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: فَيَحْرُمُ عَلَى ذِي النَّفِيسِ تَلْقِيمُ ذِي الْخَسِيسِ دُونَ عَكْسِهِ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَالْمُفَاوَتَةُ بَيْنَهُمْ مَكْرُوهَةٌ أَيْ إنْ خَشِيَ مِنْهَا حُصُولَ ضَغِينَةٍ اهـ. وَقَوْلُهُ:" وَاقْتَضَى الْعُرْفُ أَكْلَ جَمِيعِهِ " وَعَلَيْهِ جَمِيعُهُ وَعَلَيْهِ حَمْلُ مَا فِي الْحَدِيثِ: «الْإِنَاءُ تَسْتَغْفِرُ لِلَاعِقِهَا» وَالسِّرُّ فِيهِ أَنَّ فِي لَحْسِ الْإِنَاءِ تَوَاضُعًا وَفِي تَرْكِهِ تَكَبُّرًا، ثُمَّ إنَّ الِاسْتِغْفَارَ مِنْ الْإِنَاءِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً كَمَا أَنَّهُ يُسَبِّحُ اللَّهَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُكْتَبُ لِلَاحِسِهِ أَجْرُ مُسْتَغْفِرٍ مُدَّةَ لَحْسِهِ لِلْإِنَاءِ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْإِنَاءَ لَا يَزَالُ يَسْتَغْفِرُ لِلَاحِسِهِ حَتَّى يَنْزِلَهُ طَعَامٌ آخَرُ. اهـ. ابْنُ الْعِمَادِ.

قَوْلُهُ: (بِلَا لَفْظٍ) إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ انْتِظَارٌ لِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ) أَيْ وَلَا يَجُوزُ فَيَحْرُمُ أَنْ يَنْقُلَهُ لِغَيْرِهِ أَوْ بِإِطْعَامِ نَحْوَ هِرَّةٍ مِنْهُ، وَلَا يُطْعِمُ مِنْهُ سَائِلًا إلَّا إنْ عَلِمَ الرِّضَا بِهِ بِخِلَافِ الضِّيَافَةِ الْمُشْتَرَطَةِ عَلَى الذِّمِّيِّ.

قَوْلُهُ: (وَيَمْلِكُ الضَّيْفُ إلَخْ) أَيْ مِلْكًا مُرَاعًى، بِمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا أَكَلَهُ أَكَلَ مَمْلُوكًا لَهُ، وَلَا يَتِمُّ مِلْكُهُ إلَّا بِالِازْدِرَادِ فَلَا يُسَوَّغُ لَهُ إنْ أَخْرَجَهُ مِنْ

ص: 459

فِي فَمِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَلِلضَّيْفِ أَخْذُ مَا يُعْلَمُ رِضَا الْمُضِيفِ بِهِ، وَيَحِلُّ نَثْرُ سُكَّرٍ وَغَيْرِهِ فِي الْإِمْلَاكِ وَلَا يُكْرَهُ النَّثْرُ فِي الْأَصَحِّ، وَيَحِلُّ الْتِقَاطُهُ وَلَكِنَّ تَرْكَهُ أَوْلَى وَيُسَنُّ لِلضَّيْفِ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ أَنْ يَدْعُوَ لِلْمُضِيفِ وَأَنْ يَقُولَ الْمَالِكُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

فَمِهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِغَيْرِ الْأَكْلِ، فَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامَ زَيْدٍ فَضَيَّفَهُ زَيْدٌ وَأَكَلَ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَكَلَ مِلْكَهُ لَا مِلْكَ زَيْدٍ. وَكَتَبَ ق ل عَلَى قَوْلِ الشَّارِح:" بِوَضْعِهِ فِي فَمِهِ ". هَذَا مَا اعْتَمَدَهُ الشَّارِحُ، وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ لَا يَتِمُّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ إلَّا بِالِازْدِرَادِ، فَلَوْ لَفَظَهُ قَبْلَهُ عَادَ لِمَالِكِهِ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْجَلَالِ، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ مَا يَقَعُ مِنْ تَفْرِقَةِ نَحْوِ لَحْمٍ عَلَى الْأَضْيَافِ يَمْلِكُهُ مِلْكًا تَامًّا بِوَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ، وَكَذَا الضِّيَافَةُ الْمَشْرُوطَةُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ يَمْلِكُهَا بِوَضْعِهَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَهُ الِارْتِحَالُ بِهَا وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا بِمَا شَاءَ؛ قَالَهُ شَيْخُنَا م ر. قَالَ شَيْخُنَا: وَكَذَا لَوْ فَعَلَ الضَّيْفُ فِيمَا قُدِّمَ لَهُ فِعْلًا يَسْرِي إلَى التَّلَفِ وَفِيهِ وَقْفَةٌ اهـ.

وَفِيهَا أَيْضًا فَرْعٌ لَا يَضْمَنُ مَا قُدِّمَ لَهُ مِنْ طَعَامٍ وَإِنَائِهِ وَحَصِيرٍ يَجْلِسُ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ سَوَاءٌ قَبْلَ الْأَكْلِ وَبَعْدَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ دَفْعُ نَحْوِ هِرَّةٍ عَنْهُ وَيَضْمَنُ إنَاءً حَمَلَهُ بِغَيْرِ إذْنٍ وَيَبْرَأُ بِعَوْدِهِ مَكَانَهُ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَلِلضَّيْفِ أَخْذُ مَا يَعْلَمُ رِضَا الْمُضِيفِ بِهِ) شَمَلَ الطَّعَامَ وَالنَّقْدَ وَغَيْرَهُمَا. وَتَخْصِيصُهُ بِالطَّعَامِ رَدَّهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَتَفَطَّنْ لَهُ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَنْ وَهَمَ فِيهِ؛ ابْنُ حَجَرٍ زي. وَلَوْ دَخَلَ عَلَى آكِلِينَ فَأَذِنُوا لَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْأَكْلُ إلَّا إنْ ظَنَّ أَنَّهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ لَا لِنَحْوِ حَيَاءٍ، وَمِنْ ثَمَّ حُرِّمَ إجَابَةُ مَنْ عَرَّضَ بِالضِّيَافَةِ تَجَمُّلًا وَأَكَلُ هَدِيَّةِ مَنْ ظُنَّ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُهْدِي إلَّا خَوْفَ الْمَذَمَّةِ. وَلَوْ تَنَاوَلَ ضَيْفٌ إنَاءَ طَعَامٍ فَانْكَسَرَ مِنْهُ ضَمِنَهُ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيّ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ فِي حُكْمِ الْعَارِيَّةِ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ ز ي. وَسُمِّيَ الضَّيْفُ ضَيْفًا بِاسْمِ مَلَكٍ يَأْتِي بِرِزْقِهِ لِمَنْ يُضَيِّفُهُ قَبْلَ مَجِيئِهِ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَيُنَادِي فِيهِمْ هَذَا رِزْقُ فُلَانٍ كَمَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ مَأْخُوذٌ مِنْ الضِّيَافَةِ وَهِيَ الْإِكْرَامُ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الْغَرِيبُ وَمِنْ ثَمَّ تَأَكَّدَتْ ضِيَافَتُهُ.

وَإِكْرَامُهُ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهَا، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَنْ أَكَلَ طَعَامَ غَيْرِهِ مَعَ ظَنِّ رِضَاهُ. وَضِدُّهُ الطُّفَيْلِيُّ مَنْسُوبٌ إلَى طُفَيْلٍ رَجُلٌ مِنْ غَطَفَانَ كَانَ يَحْضُرُ وَلِيمَةَ كُلِّ عُرْسٍ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّطَفُّلِ وَهُوَ حُضُورُ طَعَامِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ دَعْوَةٍ وَبِغَيْرِ عِلْمٍ رِضَاهُ؛ فَهُوَ حَرَامٌ، فَلَوْ دَعَا عَالِمًا أَوْ صُوفِيًّا فَحَضَرَ بِجَمَاعَتِهِ حَرُمَ حُضُورُ مَنْ لَمْ يُعْلَمْ رِضَا الْمَالِكِ بِهِمْ. اهـ. ق ل. وَقَوْلُهُ:" فَهُوَ حَرَامٌ " بَلْ يَفْسُقُ بِهِ إنْ تَكَرَّرَ لِلْخَبَرِ الْمَشْهُورِ: «يَدْخُلُ سَارِقًا وَيَخْرُجُ مُعَيَّرًا» وَإِنَّمَا لَمْ يَفْسُقْ بِأَوَّلِ مَرَّةٍ لِلشُّبْهَةِ شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ: " يَدْخُلُ سَارِقًا " وَعَلَيْهِ فَلَوْ دَخَلَ وَأَخَذَ مَا يُسَاوِي رُبْعَ دِينَارٍ قُطِعَ إنْ دَخَلَ بِقَصْدِ السَّرِقَةِ وَإِلَّا فَلَا، كَذَا نُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ الشَّوْبَرِيِّ، وَفِيهِ وَقْفَةٌ؛ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الدُّخُولِ بِخِلَافِ نَحْوِ دَاخِلِ الْحَمَّامِ فَإِنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي الدُّخُولِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (وَيَحِلُّ نَثْرُ سُكَّرٍ) هُوَ الرَّمْيُ مُفَرَّقًا وَغَيْرُهُ.

قَوْلُهُ: (فِي الْإِمْلَاكِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفِي سَبَبِيَّةٌ أَيْ بِسَبَبِ إمْلَاكٍ وَهِيَ وَلِيمَةُ عَقْدِ النِّكَاحِ، وَفِي الْمُخْتَارِ: الْإِمْلَاكُ التَّزَوُّجُ وَقَدْ أَمْلَكْنَا فُلَانًا فُلَانَةَ أَيْ زَوَّجْنَاهُ إيَّاهَا، وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: فِي إمْلَاكٍ أَيْ عَقْدِ النِّكَاحِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُكْرَهُ النَّثْرُ فِي الْأَصَحِّ) نَعَمْ إنْ ظَنَّ ازْدِحَامَ السَّفَلَةِ الْمُضِرِّ بِهِمْ حُرِّمَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ابْنُ حَجَرٍ زي، وَمِثْلُهُ التَّمْرُ وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَغَيْرُهَا.

قَوْلُهُ: (وَلَكِنَّ تَرْكَهُ أَوْلَى) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَتَرْكُهُمَا أَيْ تَرْكُ ذَلِكَ وَالْتِقَاطُهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ يُشْبِهُ النُّهْبَةَ وَالْأَوَّلُ تَسَبُّبٌ إلَى مَا يُشْبِهُهَا، نَعَمْ إنْ عُرِفَ أَنَّ النَّاثِرَ لَا يُؤْثِرُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَمْ يَقْدَحْ الِالْتِقَاطُ فِي مُرُوءَةِ الْمُلْتَقِطِ لَمْ يَكُنْ التَّرْكُ أَوْلَى وَيُكْرَهُ أَخْذُ النِّثَارِ مِنْ الْهَوَاءِ بِإِزَارٍ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ أَخَذَهُ مِنْهُ أَوْ الْتَقَطَهُ أَوْ بَسَطَ حِجْرَهُ لَهُ فَوَقَعَ فِيهِ مَلَكَهُ وَإِنْ لَمْ يَبْسُطْ حِجْرَهُ لَمْ يَمْلِكْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ قَصْدُ تَمَلُّكٍ وَلَا فِعْلٍ، نَعَمْ هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ. وَلَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَمْلِكُهُ وَلَوْ سَقَطَ مِنْ حِجْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْصِدَ أَخْذَهُ أَوْ قَامَ فَسَقَطَ بَطَلَ اخْتِصَاصُهُ بِهِ، وَلَوْ نَفَضَهُ، فَهُوَ كَمَا لَوْ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ. اهـ. وَقَوْلُهُ:" لَمْ يَمْلِكْهُ " لِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِ النَّاثِرِ وَلَمْ يَأْذَنْ فِي أَخْذِهِ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ أَوْلَى بِهِ، ذَكَرَهُ ح ل وزي؛ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ. وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا الْعَزِيزِيِّ: لَمْ يَمْلِكْهُ أَيْ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ مَمْلُوكٌ وَقَدْ وَقَعَ مَعَ شَخْصٍ هُوَ أَوْلَى بِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْإِحْيَاءِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَحَجَّرَ عَلَى أَرْضٍ وَأَحْيَاهَا غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا أَوْ أَنَّ صَيْدًا دَخَلَ فِي مِلْكِ شَخْصٍ فَدَخَلَ غَيْرُهُ وَأَخَذَهُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ، بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ هُنَا كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ النِّثَارَ أَصْلُهُ مَمْلُوكٌ اهـ. وَعِبَارَةُ م ر: وَحَيْثُ كَانَ أَوْلَى بِهِ وَأَخَذَهُ غَيْرُهُ فَفِي مِلْكِهِ وَجْهَانِ جَارِيَانِ: فِيمَا لَوْ عَشَّشَ طَائِرٌ فِي مِلْكِهِ فَأَخَذَ فَرْخَهُ غَيْرُهُ،

ص: 460