الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
10-
من خلق الداعية التواضع والقناعة:
وخلق التواضع من الأمور الأساسية للداعية، بل لكل مسلم، فهو خلق عظيم أمر به القرآن الكريم، وتخلق به النبي صلى الله عليه وسلم:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} 1 فخلق التواضع من الأمور المهمة للداعية إلى الله تعالى، ومن التواضع أن يتواضع المرء مع أقرانه، وكثيرًا ما تثور بين الأقران، والأنداد روح المنافسة والتحاسد، ربما استعلى الإنسان على قرينه، وربما فرح بالنيل منه، والحط من قدره وشأنه، وعيبه بما ليس فيه، أو تضخيم ما فيه، ومن التواضع معرفة قدر النفس بألا ينظر الداعية إلى عمله ويكبر في عينه، ومن التواضع التواضع مع من هو دونك، فإذا وجد الداعية من هو أصغر منه سنًّا أو أقل منه قدرا فلا يحقره، بل يتواضع له -فمن تواضع لله رفعه.
ومن التواضع قبول النصيحة من أي إنسان، فإن الشيطان يدعوك إلى ردها، وسوء الظن بالناصح.
والتواضع لعامة الناس قد أمر الله به في محكم التنزيل قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} 2.
ومعنى ذلك أن من أوصافهم، أنهم يرأفون بالمؤمنين، ويرحمونهم ويلينون لهم الجانب، ويغلظون على الكفار ويعادونهم، والمؤمن
1 سورة القلم: الآية 4.
2 سورة المائدة: من الآية 54.
الشديد على الكفار يتراحم مع المؤمنين، واللائق بالمؤمن العزيز على الكفار، أن يتعامل بالذل مع المؤمنين {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} 1، وقد كان عمر الفاروق رضي الله عنه يدرب ولاته على الذلة للرعية، وينهاهم عن إذلال الناس، كما يعلم الناس أن يعيشوا كرامًا، ومما جاء في خطبة له:"ألا إني والله ما أرسل عمالي إليكم ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم، ولكن أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسنتكم، فمن فعل به شيء سوى ذلك فليرفعه إلي، فوالذي نفسي بيده إذا لأقصنه منه.. ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم"2.
وفي خلق التواضع الاعتراف بالخطأ، والرجوع عنه عندما يتضح لك ذلك، ويعبر عن ذلك ابن القيم:"من أساء إليك ثم جاءك يعتذر عن إساءته، فإن التواضع يوجب عليك قبول معذرته -حقًّا كانت أم باطلًا- وتكل سريرته إلى الله تعالى، وعلامة الكرم التواضع: أنك إذا رأيت الخلل في عذره لا توقفه عليه ولا تحاجه"3.
وليس من خلق التواضع إذلال الناس، فمن أذلك عباد الله، فقد أعلن الحرب على الله قال: في الحديث القدسي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل: "من أذل لي وليًّا فقد استحل محاربتي، وما تقرب إلي عبدي بمثل الفرائض، وما يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه إن سألني أعطيته، وإن دعاني أجبته
…
" الحديث4 إن الداعية
1 سورة الحجر: من الآية 88.
2 مسند الإمام أحمد.
3 تهذيب مدارج السالكين.
4 مسند الإمام أحمد باقي مسند الأنصار "25661".
وهو يتصدر قيادة الناس وتوجييهم، وكسب قلوبهم لا بد أن يتمتع بقدر كبير من التواضع، ولذلك أمر الله تعالى نبيه بقوله تعالى:{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} فإذا أردت أن تكسب أنصارًا لدعوتك، ومتبعين لمنهج الحق، فعليك بالتواضع، واحذر العجب والكبر. يقول الفضيل بن عياض:"تواضع المؤمن بأن يخضع للحق، وينقاد له، ويقبله ممن قاله"، وهذا الخضوع للحق هو عين التواضع والعز؛ لأنه طاعة لله ورجوع إلى الصواب، وتعويد للنفس أن لا تصبر على باطل؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما نقصت صدقة مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله" 1، ما أكثر هذه الخصال في الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وما أقلها في وقتنا الحاضر الذي نشأ فيه التعصب المقيت للأشخاص وللمذاهب والطرق، وهذا ناتج عن ضعف الإيمان بما تحويه هذه الكلمة من معان كثيرة، ومن الصفات الملازمة للداعية القناعة بما في يده، ولا تنال قناعة إلا بمجاهدة النفس مع توفيق من الله، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن حكيم بن حزام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله" 2، والزهد فيما في أيد الناس يحبب المرء إليهم، وفي وصية موجزة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"من يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله، ومن يصبر يصبر الله.." الحديث3، ومن أسباب القناعة، أن ينظر المرء
1 أخرجه الإمام مسلم، كتاب البر والصلة والآداب:"2588".
2 صحيح الإمام البخاري، كتاب الزكاة:"1428".
3 صحيح الإمام مسلم، كتاب الزكاة:"1053".
إلى من هو دونه ليعرف نعمة الله عليه، كما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم"1. ومن التواضع حفظ اللسان عن مدح النفس، واطرائها فمن تواضع لله رفعه.
1 صحيح الإمام مسلم، كتاب الزهد والرقائق:"2963".