الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4-
الداعية والمجالس:
الداعية ينظر الناس إليه بمنظار آخر فهم يرصدون أقواله، وحركاته ويعتبرونه قدوة لهم في كل شيء، فهو داعية بأقواله كما أنه داعية بأفعاله وحركاته ومظهره، ومخبره فالناس ينظرون إليه أنه قدوتهم، وأن ما يفعله من الشرع، فحذار أن يراك الناس وأنت جالس في مجلس فيه منكر، فيظن الناس أن هذا الجلوس، والرضا إقرار منك لهذا المنكر، والمؤمن كيس فطن فلا يجلس في مجلس فيه منكر، وهو لا يقدر على تغييره، مثل أن يجلس في مجلس فيه غيبة ونميمة أو فيه طرب، وغناء ومزمار وموسيقى ورقص ولهو، أو مجلس فيه لعب الورق والشطرنج، وغيرها من الملهيات القاتلة للوقت، أو يجلس على مائدة يدار عليها الخمر، فإن جلوسه دون تغيير هذا المنكر منكر، وقد يظن به السوء ومن ثم ينصرف الناس عن قبول دعوته، وسماع كلامه ويعتبرونه منافقًا ومرائيًا ومداهنًا وموافقا على عمل الحرام وتناول الحرام، فالداعية يربأ بنفسه وبدعوته عن مثل هذه المجالس السيئة، فلا يجلس فيها إلا إذا كان قصده من الجلوس التغيير، والإنكار فلا بأس بذلك شريطة أن يستجاب له ويغير المنكر، ويرى قبولا لدعوته، فإن لم ير قبولًا واستجابة لدعوته فعليه أن يقاطع هذا المجلس، ويخرج منه ولا يجلس مع قوم يعصون الله سبحانه وتعالى، وقدوتنا في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان يغشى قريش في نواديهم، فيأمرهم وينهاهم ولا يجالسهم بل كانت مجالسته للمؤمنين الصادقين امتثالا لأمر ربه {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ
عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} 1، وإياك والمداهنة وهي السكوت عن الحق، أو التكلم بالباطل أو موافقة أهله عليه أو بعضه، ولو بالسكوت على إنكاره مثل أن تجلس مع قوم لا يصلون جماعة في المسجد، أو تكون منهمكًا في العمل الوظيفي، أو غيره من الأعمال الأخرى وتفوتك صلاة الجماعة، فإنك إن فعلت فأنت من الظالمين قال الله تعالى:{وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} 2، وقال تعالى:{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} 3. أما المجاملة: فإنها تختلف عن المداهنة؛ لأنها بمعنى المداراة وهي جائزة إلا فيما حرم الله سبحانه، فإنها تصير مداهنة كما سبق فحافظ على دعوتك، وعلى سمعتك من الخدش والدنس وصنها نظيفة نقية صافية حتى تلقي ربك بقلب سليم، وتصون عرضك وسمعتك عن الدنس بالمحافظة على أوامر الله، والبعد عما نهى الله عنه.
1 سورة الكهف: الآية 28.
2 سورة القلم: الآية 9.
3 سورة الماعون: الآيتان 4، 5.