الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5-
النظام
1:
لكل بلد نظام وتقاليد وأعراف سائدة ومرعية، ومحمية ومعلنة من قبل الدولة فعلى الداعية مراعاة مثل هذه الأنظمة، وعدم الخروج عليها، أو خرقها أو مخالفتها، بأن يصب كلامه على الأنظمة وما فيها من سلبيات ومخالفات، فالنقد بسيط وإبراز السلبيات والمعايب سهل لكن العلاج صعب، يحتاج من الداعية إلى دراية، وحكمة ووقت طويل وهو يدعو ويدعو ويربي لكن بعض الدعاة هداهم الله يسلك طريق النقد وإبراز العيوب، دون دراسة أو دراية، ولو فتشنا عن العيوب والأخطاء لعشنا في قيل وقال، وغصنا في بحر عميق ونحن لا نحسن السباحة، والذي لا يحسن السباحة يغرق، فعلى الداعية أن يبحث ويسأل المتخصصين، والعلماء الكبار في البلد عن الأنظمة واللوائح التي تسير عليها الدولة، حتى لا يقع تصادم مع النظام فتكون الكارثة، وعدم قبول الدعوة بل محاصرتها أو حصرها في زاوية ضيقة، أو القضاء عليها في مهدها، كثير من الدعاة هداهم الله غفلوا عن هذا الجانب، والله سبحانه وتعالى يقول في محكم التنزيل:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} 2.
إن التقيد بنظام البلد ليس معناه عدم إنكار المنكر، والسكوت عن المعاصي وترك الحبل على الغارب لأهل الفساد يعيثون في الأرض فسادًا، وتخريبًا ويهلكون الحرث، والنسل والله لا يحب الفساد، ولا
1 لمزيد من معرفة أنظمة البلد. اقرأ كتاب مسئولية الدولة الإسلامية عن الدعوة، ونموذج المملكة العربية السعودية لمؤلفه: الدكتور/ عبد الله بن عبد المحسن التركي وفقه الله.
2 انظر: "ص69".
أريد أن أدخل في تفاصيل هذا الباب فهو واسع ومتشعب، والآراء فيه كثيرة، فلا نستطيع في هذه العجالة أن نعطيه حقه من البحث والإيضاح، إذ إن له أهلا يعرفون ضوابطه وشروطه ودرجاته الشرعية، يجب الرجوع إليها عند إرادة التغيير، لكنك أيها الداعية بإمكانك الجهر بالدعوة إلى الله، وبيان أن هذا هو الدين الحق لجميع البشر، حتى ولو كنت في مجتمع كافر أو دولة كافرة أو نظام كافر، فالجهر بهذا الدين وإعلانه في أي مكان، وزمان واجب على كل مسلم أينما كان وحيثما حل، كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم وهو وسط المشركين يدخل عليهم في منتدياتهم، وفي أماكن تجمعهم حتى إنه ينتهز الفرص التي فيها التجمع أكثر، وأكبر مثل مواسم الحج وغيرها، وكان ينادي في المشركين في مكة حتى إذا ما اجتمعوا حوله قال:"قولوا لا إله إلا الله تفلحوا" حتى دخل الناس في دين الله أفواجا. إن الداعية يجب أن يكون حكيما في دعوته، وتعامله مع الأفراد والجماعات والدول، وألا يتدخل فيما لا يعنيه من انتقاد، أو سب لفرد أو جماعة أو نظام، قال الله تعالى:{وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} 1 الآية إذا على الداعية أن يقوم بما أوجب الله عليه من أمور الدعوة مع استصحاب الدليل من الكتاب والسنة، وأقوال أئمة سلف الأمة في كل ما يقول، وفي كل ما يأمر به أو ينهي عنه، ولا يدخل في المسائل الخلافية التي لا يستطيع الإقناع بما هو صواب فيها، ولا يتدخل في بعض المخالفات التي لا يستطيع تغييرها ولا الحد منها، فيتركها لمن هو أقدر منه وأعلم، وعلى الداعية إلى الله أن يهتم بدعوة الناس إلى
1 سورة الأنعام: من الآية 108.
الكتاب والسنة، والعقيدة الصحيحة، وتصحيح العبادات من المخالفات التي انتشرت بين الناس، وتعارفوا عليها بل وألفوها حتى أصبحت جزءا لا يتجزأ من عبادتهم؛ لأن العبادة لا تقبل إلا أن تكون "صحيحة صوابا" ولن تكون عبادات الناس صحيحة صوابًا إلا إذا اجتهد الداعية بالتصحيح، وتعليم الناس كيف يؤدون العبادات بفروضها وواجباتها، وسننها مع الإخلاص وهو "قوة الإيمان"، وقوة الإيمان تجعلك أيها الداعية تحرص على نشر الأمن، والطمأنينة داخل المجتمع، وكف المظالم ورد الحقوق إلى أهلها، ويجمع ذلك كله أن يسعى الداعية إلى تهيئة أرضية خصبة نشر الدعوة، وتعاليم الإسلام السمحة ولا يكون ذلك إلا بالمحافظة على الضرورات الست الذي جاء الإسلام بالمحافظة عليها، وبقائها في المجتمع المسلم وهي:
أولًا الدين: وقد جاء الشرع بالمحافظة عليه، ولذلك ورد في الحديث عن عكرمة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من بدل دينه فاقتلوه"1.
ثانيا الأنفس: وقد شرع الله القصاص محافظة على الأنفس {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} 2.
ثالثًا العقول: وقد جاء القرآن الكريم بالمحافظة عليها بتحريم الخمر، وكل مسكر ومفتر.
رابعًا الأنساب: وقد حافظ الشرع عليها بتحريم الزنا.
1 رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير:"3017".
2 سورة البقرة: من الآية 179.
خامسًا الأعراض: ولأجل المحافظة عليها شرع جلد القاذف وتأديبه.
سادسا الأموال: ولأجل المحافظة عليها شرع الله قطع يد السارق.
ولعل من أنجح الطرق وأنفعها الاستعانة بعد الله بالإخوة الدعاة الذين هم من أهل البلد الأصليين ممن يوثق بصفاء عقيدتهم، وحسن سيرتهم وذلك لتوضيح الحق لعامة الناس، ودحض الباطل ودفعه بما يرونه مناسبًا بالحكمة، وبالتي هي أحسن.