الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
الداعية في سباق مع الزمن:
عمل الداعية يختلف من غيره فهو يعمل لله ويطلب الأجر من الله، وهو في سباق مع الزمن يستمد من الله العون والقوة، فعمل الداعية ديمة متواصل ليل نهار، لا يكل ولا يمل ولا يفتر، ولا يتوانى فمن الله يستمد العون والقوة فما يزال قويًّا باعتماده على ربه وطلب العون منه لا يشعر بعجز، ولا كسل بل يشعر بالنشوة والقوة مع استمرار العمل الدعوي ليل نهار، هذا هو دأب الأنبياء والصالحين قال تعالى عن نوح عليه السلام:{قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا، فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا} 1، فأنت داعية إلى الله في كل وقت وحين، وعمل الداعية ميداني أكثر منه مكتبي، فاغتنم الوقت فإنه يمر كما يمر السحاب، والوقت يمضي لا ينتظر أحدًا فالرابح من استغله، وعمل فيه خيرًا والخاسر من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، وترك الوقت يمر دون أن يقدم شيئًا لدعوته، ودينه خسران مبين فالوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، بعض من الدعاة هداهم الله فرط في وقته، وضيعه دون فائدة فندم ندما شديدًا، فوقتك هو عمرك والوقت وعاء يحفظ ما وضع فيه، فما عملت فيه من خير أو شر تجده عند رب عليم لا يغادر صغيرة، ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرًا ولا يظلم ربك أحدا، فالوقت الذي تعمل فيه خيرا هو لك وأنت الرابح، والوقت الذي لا تعمل فيه خيرًا هو عليك بل هو حسرة وندامة، فالداعية ليس كغيره من الناس يشعرون بالفراغ القاتل، أما علم
1 سورة نوح: الآيتان 5، 6.
هؤلاء المفرطون أن بعض السلف مر على أناس يلعبون ويلهون فقال: "يا ليت الوقت يشترى فأشتري وقتهم". وهذا ناتج من ضيق الوقت عند هذا المصلح لكثرة عبادته، وكثرة الأعمال والأشغال في الخير وفي الدعوة إلى الله، فالمسلم ليس لديه وقت فراغ، فما بالك بمن جعل همه الدعوة إلى الله لا شك أن هذا الاهتمام، وهذا الهم الذي يحمله لدعته يأخذ منه كل وقته وتفكيره، إنه لا يجد وقت فراغ بل سيكون وقته ضيقًا ولا يتسع لباقي الأعمال الكثيرة التي رتبها ووضع لها الجدول، فهو ما بين قراءة في كتاب، أو تحقيق مسألة علمية، أو كتابة موضوع هام، أو ترتيب بحث أو تحقيق كتاب، أو إعداد كلمات موضوعات وعظية لإلقائها في المساجد، والمناسبات والتجمعات العامة، أو إعداد محاضرة ثم إلقائها، أو إعداد خطبة جمعة أو خطبة عيد وهذه تحتاج إلى إعداد واستعداد أكثر، أضف إلى ذلك أن الداعية إن كان ينتمي إلى دائرة حكومية، فهو مكلف بعمل حسب جدول معد والجدول مليء بالعمل المتواصل المنظم، فما على الداعية إلا أن يقوم بما عليه، وينفذ ما في الجدول المعد من إخوانه الإداريين في تلك الدائرة أو المركز الدعوي، "والدعوة إلى الله بابها واسع تشمل دعوة المسلمين وغير المسلمين، فبالنسبة للمسلمين ينتظم تعليمهم ما لا يسعهم جهله من أحكام دينهم، وتبصيرهم بما ينبغي أن يكونوا عليه في عقائدهم، وعباداتهم ومعاملاتهم، وتبين لهم وجه الحق فيما يلتبس عليهم، تصح المعتقد وترد على المعاند والمكابر. وتنظم وعظا لعامة المسلمين وخاصتهم، وإرشادهم ومناصحتهم وموالاتهم، وتنظيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحمل الناس على الالتزام بشرع الله وغير ذلك
من مجالات الخير والإحسان والبر والتقوى.
وبالنسبة لغير المسلمين تبين لهم أن دين الإسلام هو الدين الحق الخاتم، وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم خاتم المرسلين، وأن شريعته ودينه ناسخ لما سبق من الأديان، وأن الإسلام عام للثقلين، الجن والإنس إلى قيام الساعة، وأن فيه الخير والصلاح للإنسانية أجمع، ثم تعرض عليهم محاسن الإسلام وأنه المنقذ للبشرية من ويلاتها، وما هي فيه من مشكلات اجتماعية وساسية واقتصادية وتطلب منهم الدخول فيه، وترك ما سواه من الملل والنحل، وترد على خصوم الإسلام وأعدائه"1.
فانتبه أيها الداعية الكريم، ولا تترك وقتك يضيع دون فائدة فهو عمرك بل هو حياتك.
قد هيئوك لأمر لو فطنت له
…
فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
ثم اعلم أن الأوقات تختلف باختلاف استعداد الناس من عدمه، وتهئو النفوس يختلف من موقت لآخر، فإقبال الناس على الخير وتقبلهم له في رمضان يختلف عن غيره، وقبولهم في موسم الحج يختلف عنه في ما سواه، وقل مثل ذلك في المناسبات المختلفة، والأحداث المتجددة من وقوع بعض الظواهر، وانتشار بعض الإشاعات التي تحتاج إلى إيضاح، وبيان من ناحية الشرع وما يحصل عند الناس على مرور الزمن من أفراح، وأتراح ومصائب تحتاج من الداعية إلى إيضاح وبيان، فأخذ الناس في مثل هذه الأوقات ومراعاة أحوالهم يكون له سر عظيم في التأثير والاستجابة.
1 عن كتاب مسئولية الدول الإسلامية عن الدعوة، د. عبد الله بن عبد المحسن التركي "ص16".