الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السابع: واجبات الداعية:
1-
كيف يؤدي الداعية واجبه وما هو دوره
؟؟؟
إن الداعية إلى الله أمامه واجبات عظام ومسئوليات جسام، كيف لا وهو يقود الناس إلى هذا الدين، ويرده إليه كلما بعدوا عنه أو انحرفوا إلى غيره، أو لم يدخلوا فيه أصلا ولم يعرفوه، إن الدعوة إلى الله ينبغي أن تكون هم المسلم وديدنه وشغله الشاغل في الليل والنهار، في السر والعلانية، بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة، عن طريق ما يقدمه الداعية من محاضرة، أو درس أو خطبة أو نصيحة بينك وبين المدعو مع مراعاة آداب النصيحة، وقدوتك في ذلك الأنبياء عليه الصلاة والسلام، وأولوا العزم منهم خاصة1، فهذا نوح عليه السلام بقي في قومه يدعوهم ليلًا، ونهارًا سرًّا وعلانية ألف سنة إلا خمسين عامًا قال تعالى:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} 2، وقال تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا، فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا، وَإِنِّي
1 وهم: نوح وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد عليهم الصلاة والسلام، وقد جمع الله أولو العزم من الرسل في هذه الآية الكريمة قال الله تعالى:{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ....} [الشورى: 13] .
2 سورة العنكبوت: الآية 14.
كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا، ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا، ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} 1 الآيات.
وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يجعل أول اهتماماته الدعوة سرًّا، ثم علانية حتى قامت دولة الإسلام في المدينة المنورة، وما زالت الدعوة والجهاد من أجل، وأولى اهتماماته صلى الله عليه وسلم وكذا الخلف الصالح2 من بعده، إن الداعية إلى الله أمام أبواب كثيرة، وطرق عدة وأساليب متنوعة عليه أن يقوم بما يستطيع من هذه الأمور التي هي من واجبات الداعية حسب طاقته، واستطاعته لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت
ومن هذه الواجبات:
1-
خطب الجمعة والعيدين.
2-
إعداد وإلقاء المحاضرات أو التقديم لها والتعليق عليها.
3-
إعداد الندوات.
4-
إعداد كلمات الوعظ والإرشاد.
5-
الكتابة. وتشتمل على:
أ- بحوث.
ب- تحقيق مسائل خلافية.
ج- كتابة موضوعات هامة.
د- ترجمة.
ر- إرسال الرسائل والرد على الأسئلة كتابيًّا.
6-
حضور المناسبات العامة واستغلالها في الدعوة مثل مناسبة الزواج، والعزاء وغيرهما.
1 سورة نوح: الآيات 5-9.
2 انظر كتب السير والمغازي وغيرها ليتضح لك الأمر أكثر.
7-
تفقد أحوال الناس، ومعرفة الفقراء والمحتاجين في البلد الذي يقيم فيه الداعية.
8-
توزيع بعض الأشرطة والكتيبات.
9-
الاشتراك في وسائل الإعلام "مثل الصحف والمجلات، والإذاعة، والتلفاز وغير ذلك".
10-
الإجابة على أسئلة الناس الشرعية والاجتماعية.
11-
إعداد دورات علمية مكثفة من قبل الداعية بالتعاون مع غيره.
12-
عمل دعوي ميداني عام.
13-
إقامة دروس دائمة.
14-
الاشتراك في الحملات الإغاثية والجمعيات الخيرية.
15-
دور المرأة في الدعوة.
16-
دعوة غير المسلمين إلى الإسلام.
1-
خطب الجمعة والعيدين 1:
إن الخطابة إحدى وسائل تبليغ الدعوة إلى الناس كافة، لذا فهي من أكبر الوسائل وأهمها للدعوة، حيث إنها أعظم وسيلة قولية لتوصيل ما يريده الخطيب إلى المستمعين إليه، واستمالتهم نحو ما يدعوهم إليه، وإقناعهم به عن طريق المشافة بين الداعي والمدعو، ولذلك شرعت خطبة الجمعة.
يجدر بالداعية أن يجتهد كثيرًا في تحضير الموضوع المناسب المربوط بواقع الأمة، وما يشغلها من هموم وحوادث وظواهر غير طبيعية
1 يحسن الرجوع إلى الفصل الثالث لوجود ما وضح هذه الأبواب من 1-4 فلا داعي لإعادة ما ذكر.
في المجتمع يجب أن تعالج وأن يضع لها الحلول المناسبة، كما أنه يجب أن تشتمل الخطبة على الأركان، والشروط الخاصة بالخطبة، وأن تلقي بلغة غالب السامعين، وإذا كانت باللغة العربية فإنه يراعي فيها التوجيه لأهم القضايا التي تشغل الساحة، وتبصير المصلين بأمور دينهم، وأمورهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
2-
المحاضرات:
إن المحاضرة مجال رحب وواسع للدعوة إلى الله يستطيع المحاضر أن يستقطب جمهورًا كبيرًا ويؤثر فيهم، ولعل مما يؤكد أهمية المحاضرة أن موضوعها يكون أوسع من موضوع الخطبة، والدرس والموعظة فلا بد أن يختار الداعية موضوعًا معينًا يشرحه بالتفصيل، والتوضيح على أن تكون عناصر الموضوع مرتبة حسب أهميتها، وقد يتلو المحاضرة حوار مفتوح مع الحاضرين يجيب فيه المحاضر على الأسئلة المطروحة.
3-
الندوات:
هي عبارة عن لقاء مفتوح بين شخصين فأكثر، لتناول موضوع معين تنتقل فيه الأدوار بين المشاركين لتوضيح أحد عناصر الموضوع في جمع من الناس، أو عبر وسيلة من وسائل الإعلام، فالندوة لا تقل في الأهمية عن المحاضرة إلا أنها تختلف عنها قليلًا كما سبق، ومما يؤكد أهمية الندوة، وأثرها في الدعوة هو تعدد المتحدثين فيها فهو أدعى للقبول.
4-
المواعظ:
وهذه في الغالب تكون قصيرة وجمهورها قليل، فتكون الموعظة
عبارة عن كلمة توجيهية تناسب المقام، وحال السامعين غير محددة بزمن معين، يفضل أن تشتمل على ما يلين قلوب السامعين ليستعد السامع لفعل الخير، والاستجابة له "والموعظة في معناها تدل على جمع الرغبة بالرهبة، والإنذار بالبشارة، ولهذا قال ابن عطية: "الموعظة الحسنة التخويف والترجئة، والتلطف بالإنسان تجله وتنشطه، وتجعله بصورة من يقبل الفضائل". أما الموعظة الحسنة فلما كان المقصود منها غالبًا ردع نفس الموعظة عن أعمال سيئة، أو عن توقع ذلك منه، كانت مظنة لصدور غلظة من الواعظ، ولحصول إنكسار في نفس الموعوظ"1.
ومما ينبغي أن يراعيه الداعية أن تكون الموعظة مختصرة، ومركزة وفي وقت مناسب ففي صحيح البخاري من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم:"كان يتخولهم بالموعظة كراهة السآمة عليهم"2.
ومما تقدم يتضح أن المحاضرات، والندوات وخطب الجمع والعيدين والنوازل، والمواعظ سمة وعلامة للدعوة الإسلامية، حيث: "أن الخطابة عماد الدعوة من جهة المناهج وطرائق البيان، إذ هي الوسيلة المثلى في تبليغ دين الله وشرعه إلى الناس مباشرة مشافهة، ولقد اعتمد عليها الرسل عليهم الصلاة والسلام في تبليغ رسالة الله ونشر هذا الدين، وقد أولى الدين الحنيف الخطابة عناية خاصة يتضح ذلك من خلال سيرة إمام الدعاة، وقدوة الواعظين صلى الله عليه وسلم، حتى غدت معلمًا بارزًا من معالم المجتمع الإسلامي، إذ شرعت خطبة الجمعة
1 عن كتاب مفهوم الحكمة في الدعوة. دكتور صالح بن حميد "ص11، 12".
2 فتح الباري: "1/ 163".
والعيدين والنوازل، حتى إن المنبر المعد للخطابة من معالم المسجد النبوي الشريف إذ خطب عليه الرسول صلى الله عليه وسلم"1.
5-
الكتابة:
والكتابة تشمل أشياء كثيرة منها:
أ - كتابة بحوث.
ب - تحقيق مسائل علمية فيها خلاف.
ج- الكتابة الجيدة لبعض المواضيع المعاصرة.
د- ترجمة بعض المواضيع الجيدة التي تخدم الدعوة من وإلى العربية.
و كتابة إعلانات ومنشورات تخدم الدعوة.
هـ- جمع معلومات وإعداد تقارير تخدم الدعوة.
ي- إرسال الرسائل الدعوية، والرد على الأسئلة والفتاوى كتابة.
ونعني بالكتابة أن يقدم الداعية للقارئ بين فترة، وأخرى ما يجد في الساحة من أحكام وموضوعات معاصرة، وأن يقوم الداعية بإعداد بحوث ودراسات علمية يتناول فيها التحليل، والتفصيل لقضية من قضايا الدعوة للترغيب فيها أو التحذير والترهيب منها، ويقدمها للقارئ بأي وسيلة متاحة من وسائل الإعلام المقروءة، أو المسموعة أو المرئية، وكذا الدراسات التي من شأنها تطوير أعمال الدعوة، واختبار مدى صلاحية أساليبها، كما أنه مطلوب من الداعية القادر أن يحقق المسائل الخلافية بالأدلة الشرعية، ويرجح القول الصحيح في المسائل، وكذلك الكتابة في أي موضوع يرى أنه هام ويخدم الدعوة، يتناوله بالبحث
1 عن كتاب أصول الدعوة وطرقها رقم "4" د. عبد الرب بن نواب الدين "ص9-11".
والدراسة والتقويم والشرح، والإيضاح أو تتبع مسألة علمية مكتوبة كانت أو مسموعة، فيقوم الداعية بالرد عليها بما يجليها، ويوضح ما فيها من خلاف أو مخالفة للشرع، أو تحقيق مسألة فقهية يكثر فيها الخلاف، فيبين القول الراجح في المسألة، كما أن الداعية عليه حق لإخوانه المسلمين الناطقين بغير العربية، فعليه ترجمة ما يخدم الدعوة، وتقديمه بلغة القوم بأي وسيلة متاحة تصل إليها بسهولة مراعيًا في ذلك حاجة الدعوة ومتطلباتها، وأن يكون النقل صحيحًا سليمًا، ما أحوج الدعوة في الوقت الحاضر إلى المخلصين من الدعاة لكثرة المسلمين غير الناطقين بالعربية، وحاجتهم الماسة إلى معرفة تعاليم الإسلام، وأحكامه بلغتهم عن طريق الكاب، أو الشريط أو عن طريق البث الإعلامي بعدة لغات.
وكذلك الكتابة فيما يخص الدعوة، وإعداد تقارير عن سيرها وعن العقبات، والسلبيات التي تعترض طريق الدعاة حتى يمكن حلها1، وعن الإيجابيات حتى يمكن تطويرها والرفع منها، وأخيرًا لا بد للدعوة من إدارة2 تصد جميع أعمالها وتحركات الدعاة الذين يتبعون هذه الإدارة، والاطلاع على جميع التقارير، ودراستها بعمق ومن ثم وضع الحلول، والتسهيلات للدعاة وحل جميع ما يعترض طريقهم، وإبعاد ما يصدهم عن المضي في هذا الطريق طريق الأنبياء، والصالحين إلى يوم الدين.
1 راجع كاب عقبات في طريق الدعاة: "ج1، 2" تقدم ص53".
2 قد أفرد للإدارة موضوعًا كاملًا ص216.
6-
حضور المناسبات العامة والاشتراك فيها:
حضور المناسبات العامة والاشتراك فيها مثل:
أ- الأفراح كالزواج وعقد القران، والاحتفالات والمخيمات، والمجالس العامة والديوانيات لهدف التوجيه والإرشاد، والتأثير والدعوة بالتي هي أحسن.
ب- العزاء: على الداعية أن يحضر مثل هذه المناسبات من عزاء، وحضور دفن ويبين حكم الشرع فيها مقرونًا بالدليل من الكتاب والسنة.
7-
تفقد أحوال الناس:
الداعية عنصر فعال من عناصر الإصلاح، ولا يتم الإصلاح إلا بالاهتمام بأحوال الناس، والتعرف على أوضاعهم الاجتماعية والثقافية، ومعرفة فقرائهم وأغنيائهم وعالمهم وجاهلهم، حتى يستطيع الداعية معرفة المحتاجين، والمعدمين فيعمل على مساعدتهم، وتوفير ما يحتاجونه من طعام وشراب وغيره، فيقبلوه ويقبلوا على دعوته، ويتعرف على الأغنياء والوجهاء حتى يتمكن من إرشاد الأغنياء، والوجهاء إلى مساعدة فقرائهم، وبذل المال والجاه في سبيل الدعوة إلى الله حتى يكون التوازن في المجتمع بعطف الغني على الفقير.
8-
توزيع الأشرطة والكتيبات:
لا شك أن من أنفع ما يقوم به الداعية هو أن يجعل شريطًا إسلاميًّا أو كتابًا نافعًا في يد من يفتقده، وخاصة إذا كان الشريط أو الكتاب "هدية"، فإن له وقع عظيم في قلب المهدي إليه، وقد أثبت هذا العمل فائدته، ونفعه عند كثير من الناس، فبإمكان الداعية استخدام الشريط
خاصة مع الناس الذين لا يحبون القراءة، فيختار الداعية لكل شخص ما يناسبه من الأشرطة، مع الاحتفاظ بأصل الشريط حتى ينسخ منه عند اللزوم، أما من يجيد القراءة ويهواها، فيهدي له كتيبًا مختصرًا؛ لأن الناس في وقتنا هذا يحبون المختصرات، فقد كثرت المشاغل والملهيات، ونادرًا ما تجد أحدًا من عامة الناس يقرأ كتابًا كبيرًا، فحاول أيها الداعية اللبيب قدر المستطاع أن تبحث عن رسالة، أو كتيب موضوعه يناسب عامة الناس، وتوزيعه على من تعرف ومن لا تعرف، ويمكن للداعية أن يسأل العلماء، وطلبة العلم في البلد عما يناسب من الكتب والأشرطة وغيرها، فإذا قام كل داعية بمسئوليته في هذا المجال حسب قدرته، وإمكاناته في محيطه بين أهله وعشيرته، ومن يعرف ومن لا يعرف، أصبح الدعاة يملكون أعظم مؤسسات التوزيع في العالم، وكانت الدعوة الإسلامية تملك من المراسلين جموعًا غفيرة لا تملكها دعوة أخرى في الدنيا كلها.
9-
الاشتراك في وسائل الإعلام:
على الداعية أن يقوم بدوره وبما يجب عليه، وبما يكلف به من الاشتراك في وسائل الإعلام عبر القنوات المسموح بها، وتقديم أفضل البرامج النافعة في مجال الإصلاح، والبناء بالحجة والبرهان الساطع عبر هذه الوسائل التي يستمع إليها الكثير من الناس في مشارق الأرض ومغاربها، فتجد من يسمع لك ويقرأ لك وينتفع بعلمك، ويستفيد من آرائك، واقتراحاتك الكثير في جميع أنحاء العالم عبر وسائل الإعلام، فعلى الداعية المستطيع أن يشارك في الصحافة المحلية بكتابة مقالات توجيهية دعوية، أو يتولى زاوية في صحيفة
معينة يرتبط بواسطتها بالجمهور لإرشادهم، وتثقيفهم الثقافة الشرعية، وتصحيح مفاهيمهم، واعتقاداتهم الخاطئة عن الإسلام.
أما المشاركات الإذاعية: فتعني أن على الداعية الذي يستطيع هذا النمط تقديم، أو إعداد المادة التي تقدم عبر الإذاعة، أو تبني برنامج أو أكثر يخدم الإسلام عبر هذه الوسيلة.
أما المشاركة في التلفاز: فعلى الداعية الذي يستطيع هذا النوع من المشاركة أن يقدم كل جديد عن دعوته، وأن يقوم بإعداد البرامج أو تقديمها عبر التلفاز، أو تبني برنامج أو أكثر يخدم الدعوة عن طريقه، ويوضح للناس جميعًا أن هذا هو الدين الحق، وأنه دين جميع الأنبياء إلى غير ذلك
…
10-
تلقي الأسئلة والإجابة عليها:
ليس كل داعية يستطيع الإجابة على أسئلة الناس، وهنا نقول من تنظيم الدعوة تخصيص دعاة هم الذين يستقبلون الأسئلة ويجيبون عليها، ومع ذلك على كل الدعاة الاستعداد لأسئلة الناس؛ لأنهم يرون في الداعية القدوة، والثقة بما يقول وما يرشدهم إليهم فهم دائمًا يتوجهون للداعية أيا كان بأسئلتهم واستفساراتهم، ومشكلاتهم الاجتماعية والاقتصادية، وحتى الأسرية، فكن لبيبا فطنًا واعيا مدركا متأكدًا من صحة ما تقول، مجيبا إجابة واضحة صريحة لا لبس فيها ولا غموض، وإن كنت لا تعرف الجواب لم تكن متأكد منه الصحيح، أو لم يحضرك الدليل، فقل: لا أعرف، وبإمكانك أن تأخذ عنوان السائل ورقم هاتفه وتخبره بالجواب فيما بعد، بعد أن تبحث في المراجع وتسأل العلماء المتخصصين في ذلك مراعيًا في الإجابة الحكمة، وعدم
الإثارة أو التشكيك وذلك، بالقول الصحيح والبعد عن كل ما يثير العنصرية أو التفرقة بين الناس سواء كانت هذه الأسئلة عن طريق الهاتف، أو الرسائل أو كانت مشافهة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يهتم بذلك حتى ولو أظهروا الغلظة، والشدة في مخاطبتهم إياه ومن ذلك ما رواه الإمام البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه يقول:"بينما نحن جلوس مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد، ثم عقله، ثم قال لهم: "أيكم محمد صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم متكئ بين طهرانيهم؟ فقلنا:"هذا الرجل الأبيض المتكئ" فقال له الرجل: "ابن عبد المطلب" فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "قد أجبتك". فقال الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم: "إني أسألك فمشدد عليك في المسألة، فلا تجد علي في نفسك". فقال: "سل ما بدى لك". فقال الرجل: "أسألك بربك ورب من قبلك آلله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ " قال: "نعم" قال: "أنشدك بالله آلله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة؟ " قال: "اللهم نعم" قال: "أنشدك الله، آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا، فنقسمها على فقرائنا؟ " فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم نعم". فقال الرجل: "آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي، وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر"1.
11-
إعداد دورات تعليمية:
الدعوة تحتاج إلى إعداد دورات تعليمية مكثفة، وإعداد المناهج الخاصة بذلك:
1 صحيح البخاري كتاب العلم، باب ما جاء في العلم، الحديث: 63 "1/ 148-149".
من الأمور النافعة والمفيدة إعداد دورات تعليمية للدعاة تعقد في مدة محددة، تكثف فيها المعلومات حول موضوع معين يهم الدعوة، أو ظاهرة معينة ظهرت في المجتمع، وقد تعقد هذه الدورة لفئة معينة من الناس كالمسلمين الجدد، أو الراغبين في دخول الإسلام من غير المسلمين.
ومن ثم يجب إعداد مناهج قابلة للتطبيق المستمر يتولاها الداعية بنفسه، أو يكون مشاركًا فيها أو تعمل هذه الدورات بمشورته، وإشرافه مع توثيقها من المختصين، والمسئولين عن هذا الأمر.
12-
عمل دعوي ميداني عام:
والمقصود به أن يقوم الداعية بجولات وتنقلات في المدن، والقرى المحيطة بالمدينة والبعيدة عنها، فيقوم الداعية بجولات في حدود منطقة عمله سواء كانت هذه الجولات للدعوة، أو تنسيق أعمالها وترتيبها أو الإشراف عليها، مع مراعاة أهل القرى والأرياف فإنهم غالبًا ما ينسون ويتركون، ويهملون لبعدهم وصعوبة الوصول إليهم مع أنهم أحوج من أهل المدن، وأكثر تقبلًا وأكثر جهلًا بأمور الشرع، ولذا كان على الدعاة أن يهتموا بما حولهم من المناطق النائية، وأن يذهبوا إليهم ويبلغوهم دعوة الله، ويتحملوا مشاق الطريق وصعوبته، ويأخذوا معهم بعض الهدايا المعنوية والمادية، ويتفقدوا أحوالهم الاجتماعية، ويتعرفوا على الفقراء فيهم ويحالوا مساعدتهم بما يقدرون عليه من مال وجاه، وغير ذلك حتى يستطيع الداعية أن يرفع من ثقافتهم الشرعية، ويرسخ العقيدة والإيمان في قلوبهم، وعمل الداعية في الميدان يشمل الدعوة الجماعية، والدعوة الفردية وهذه الأخيرة مهمة جدًّا إذ إنها تربي
الأفراد تربية متكاملة، فلا تقتصر أخي الداعية على جانب واحد، وتهمل الباقي بل عليك أن تطرق جميع الأبواب وتسلك جميع السبل، وهذا ما يسمى بالشمولية في التربية، لكن الدعوة الفردية تكون أنجح من الدعوة الجماعية العامة، ولا مانع أن يجمع الداعية هذه وتلك، فالمطلوب من الداعية الشمولية في الدعوة كل على قدر استطاعته، وقدراته وما يتاح له من طرق ووسائل، فصاحب المال يبذل ماله للدعوة وصاحب الجاه يبذل جاهه في تسهيل مهمة الدعاة، وفتح أبواب الدعوة أمامهم، المهم أن يعمل الداعية، ويبذل ويجتهد ولا يكل ولا يمل، ولا يتقاعس فالدعاة يكمل بعضهم بعضًا فمنهم الإداري الناجح، والإداري الدعوي الموفق، والمخطط الماهر والخطيب المفوه والواعظ الحكيم، والموزع الناجح، والصحفي المشهور، والمذيع الفصيح، والكاتب البليغ إلى غير ذلك من الأبواب المتنوعة، والمتعددة أمام الدعاة، لكن على الداعية المتابعة لعمله الدعوي سواءً كان عمله جماعيًّا أو فرديًّا أو كلاهما، فالداعية مثله كالمزارع الذي زرع زرعًا، إن تعاهده وسقاه واعنتى به أثمر وأينع، وإن أهمله وتركه ضعف، وأصفر وصار هشيمًا تذوره الرياح "إن كثيرًا من الناس يجهل أهمية الدعوة الفردية، وذلك ظنا منهم أن الدعوة ينبغي أن تكون للناس عامة، وذلك بإلقاء المواعظ والمحاضرات والدروس العامة، والحقيقة أن هذا لا يكفي، فالدعوة الفردية تكون نافعة في أغلب الأحيان أكثر من الدعوة الجماعية، ولهذا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم اهتم بالدعوة الفردية خاصة في أول مراحل الدعوة، فقد كان وضع اللبنات الأساسية للدولة الإسلامية من طريق الدعوة الفردية التي أثرت في الناس أيما تأثير، فجعلت الأفراد المتمسكين بهذا الدين
مضحين له بالغالي والنفيس"1. فعلى الدعاة والمربين أن ينشئوا جيل الإسلام، وشباب الدعوة على خلق النصح والمناصحة، بالحكمة والموعظة الحسنة حتى يكونوا جنودا مخلصين للدعوة، وحملة لمشاعل النور والهداية في العالم، مع ملاحظة بناء الشخصية المتكاملة المتوازنة، بحيث يتربى الشاب المنتمي للدعوة الإسلامية على بناء شخصيته بناءً متوازنا متكاملًا بحيث يراعي المربي -وهو الداعية- في تكوين الشاب، التوازن بين المادة والروح، ويوفق بين الدنيا والآخر، ويربط العبادة والحياة معًا، ويجمع بين التزكية والجهاد، ويوازن بين حقوق الله وحقوق العباد، فهذا التوازن والتكامل في بناء الشخصية الإسلامية يستطيع الشاب أن يمارس حياته الاجتماعية، والعملية والفكرية ونظرته للحياة، والواقع بتوازن وانسجام تام مع واقعية الحياة، وعلى الفطرة التي فطر عليها، دون شطط أو انحراف في المنهج والسلوك والتفكير والاعتقاد ومما ينتج عن الانحراف في التربية والتعليم عواقب وخيمة، وصعبة على الشخص نفسه، وعلى المجتمع الذي يعيش فيه، فتنبه أخي الداعي وأنت تقوم بدور الموجه، والمربي لهذه الأمة، فأنت المسئول وحدك عن هذا العمل، وعن القيام بمهام الدعوة والإصلاح حيثما كنت في بيتك، ومع أهلك وجيرانك ومع من تعرف ومن لا تعرف، حتى يكون المجتمع في سعادة وطمأنينة ورخاء في ظل تعاليم الإسلام السمحة، فأنت أيها الداعية الكريم قائد السفينة، فلا تدعها تغرق وأنت فيها.
1 عن كتاب الدعوة الفردية وأهميتها في تربية الأجيال، تأليف: عقيل بن محمد المقطري ص11.
13-
إقامة الدروس الدائمة:
أخي الداعية إن عملك الدؤوب والمستمر، والهادي مثمر ومفيد مع مرور الزمن، وإن كنت لا تشعر بذلك، فالابن عند أبويه يكبر ولكن لا يشعر بذلك الأبوان لوجوده بينهما، ووجودهما معه في البيت، أما الناس فهم يشعرون بذلك، بل يرونه واضحًا، وكذلك عملك في الدعوة إلى الله إنه يثمر وثماره يانعة، شعرت بذلك أو لم تشعر، بل قد لا تشعر كالأب لا يشعر بنمو ولده، وأنت كداعية ينبغي عليك ألا يشغلك عمل عن عمل فالداعية كالطائر تجده ينتقل من غصن إلى غصن، ومن شجرة إلى أخرى بخفة ورشاقة لا يطول به المقام في مكان واحد، وكذلك الداعية يسلك جميع الطرق، ويتبع جميع السبل الناجحة لتبليغ رسالة ربه إلى الناس كافة، وخاصة الذين في محيطه وبلده أو قريته أو الذين هو مكلف بالعمل معهم، فلو أن كل داعية قام بما يجب عليه في الدائرة المحدودة له لم يبق أحد إلا وصلته الدعوة، وبلغته الرسالة وقامت عليه الحجة، وفي هذا الموضوع يفضل أن يركز الداعية على الدروس الدائمة المستمرة اليومية، أو الأسبوعية في إحدى كتب العقيدة أو العبادات، أو التفاسير أو الأحاديث النبوية أو السيرة، أو اللغة العربية أو غيرها من الكتب الإسلامية المعاصرة، ويفضل الجمع بين بعض هذه العلوم، والتنويع في ذلك يعد أكثر فائدة، فإن التجربة أثبتت نجاح ذلك وعظيم فائدته، وبقاء المعلومات في الذاكرة أكثر وأطول والتأثر بها أبلغ، فحاول أخي الداعية أن يكون لك دروس ثابتة في كتاب معين مفيد، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، فأعن أخاك
بتوصيل العلم له عن طريق إقامة الدروس الدائمة والمستمرة، أو عن طريق نشر العلم في مجتمعات الناس، وأفرادهم فالعلم لا بد من نشره وتوصيله إلى جميع الناس، والرسول صلى الله عليه وسلم قد قال:"بلغوا عني ولو آية"1. ويقول صلى الله عليه وسلم: "نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع" 2. ومما ينبغي عمله تفقد أحوال المدعوين ومن يحض الدروس، والسؤال عن أحوالهم كما هو نهجه صلى الله عليه وسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم افتقد ثابت بن قيس رضي الله عنه، فقال رجل:"يا رسول الله أنا أعلم لك علمه". فأتاه فوجده جالسا في بيته منكسا رأسه، فقال:"ما شأنك؟ " فقال: "شر، كان يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم فقد حبط عمله، وهو من أهل النار"، فأتى الرجل فأخبره أنه قال:"كذا وكذا" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اذهب إليه فقل له: إنك لست من أهل النار، ولكن من أهل الجنة"3.
"وقد تفقد صلى الله عليه وسلم من غاب عن حلقته بسبب حزنه على وفاة ابنه. وكان صحابي يحضر حلقة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مع ابن له، وكان الرجل يحبه حبًّا شديدًا، فمات الولد، وامتنع الرجل أن يحضر الحلقة حزنًا على ابنه. ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فسأل عنه فأخبر عن حاله، فلقيه وعزاه. وروى الإمام النسائي عن معاوية بن قرة عن أبيه رضي الله عنه قال: "كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس إليه نفر من أصحابه، وفيهم رجل له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره فيقعده بين يديه، فهلك، فامتنع الرجل أن يحضر
1 رواه الإمام البخاري 3461.
2 رواه الإمام أحمد في مسنده "1/ 437".
3 صحيح الإمام البخاري، كتاب المناقب، الحديث "3613"، "6/ 620".
الحلقة لذكر ابنه، فحزن عليه ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"ما لي لا أرى فلانا؟ " قالوا: يا رسول الله "بنيه الذي رأيته هلك"، فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن بنيه، فأخبره أنه هلك فعزاه عليه. ثم قال:"يا فلان؟ أيما كان أحب إليك أن تتمتع به عمرك، أو لا تأتي غدًا إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه بفتحه لك؟ " قال: "يا نبي الله؟ بل يسبقني إلى باب الجنة، فيفتحها لي هو أحب إليَّ" قال: "فذاك لك" 1"، ففي هذا الحديث نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن الرجل الذي غاب عن حلقته؟ فأخبر عنه: فلقيه صلى الله عليه وسلم وسعى إلى إزالة سبب غيابه، وذلك ببيان فضل من مات ابنه فصبر عليه.
1 سنن الإمام النسائي: "4/ 118" قال عنه الشيخ الألباني صحيح هامش مشكاة المصابيح "1/ 500"، ورواه الإمام أحمد مختصرًا في المسند "5/ 35" عن كتاب مراعاة أحوال المخاطبين، د/ فضل إلهي ظهير.
14-
الداعية والجمعيات الخيرية:
إن الداعية المخلص هو الذي يستطيع أن يسلك عدة طرق، وأساليب للدعوة وإلى الله، ويكون ذكيًّا لا يخدع ولا يتنازل عن أمر من أمور دينه، فإن الوسائل قد كثرت والأساليب قد تعددت، فلا بد للداعية أن يقتحم هذه المجالات، ويسلك هذه السبل من أجل نشر دعوته، ورفع راية التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله عن طريق الدخول في الجميعات الخيرية والحملات الإغاثية، فإنها تحتاج من الداعية المسلم إلى بذلك الجهد، والمال والفكر والوقت فلا تبخل على إخوانك بمساعدتهم، والدخول معه وبذل ما تستطيعه من الفكر النير، والتخطيط السليم المنظم، وبذل الوقت والجهد ودعم هذه الجمعيات الخيرية ماديا ومعنويا، والارتباط معهم معظم الوقت في إدارة الأعمال والحسابات حتى لو لزم الأمر منك الحضور يوميا فلا تبخل بذلك، إن اشتراك الداعية في الجمعيات الخيرية، والمنظمات الإغاثية المعروفة بصدقها، وسلامة منهجها واستقامة القائمين عليها لهو من أجل الأعمال الدعوية، فعن طريق هذه الجمعيات الخيرية، والمنظمات الإغاثية تصل إلى جمهور الفقراء والمعوزين الذين ألجأتهم ظروف الحياة إلى الحاجة والفقر، ومن غيرك أيها الداعية يستطيع أن يقوم بهذا الدور العظيم، والعمل الخيري المتعدي نفعه إلى خلق كثير والتخفيف من معاناتهم؟؟ إذا لم تحتسب أنت أيها الداعية وتبذل الوقت، والجهد من يفعل ذلك؟؟ إن عمل الداعية في سبيل الوصول إلى هداية الناس، وردهم إلى الصواب وتعليمهم أمر دينهم لهي غاية عظمى، وهدف نبيل من أهداف الدعوة، إن من أهم وسائل الدعوة
أن تقدم للفقير ما يحتاجه من طعام وكساء وعلاج، ومأوى وإذا زارك أو زرته فتستقبله بالبشاشة، وطلاقة الوجه وإظهار الحب والعطف، والنصح بالتي هي أحسن كل هذه الأمور تجعلك قريبًا من الناس يفرحون بقدومك، ويسمعون كلامك ويعملون ما ترشدهم إليه من أمور دينهم، ودنياهم بكل ارتياح دون ملل أو سأم أو ضجر وتبرم، فينبغي للداعية أن يكون له دور فعال ومؤثر في الجمعيات الخيرية، والمنظمات الإغاثية المنتشرة داخل المملكة العربية السعودية وخارجها، فإن هذه الجمعيات والمنظمات تقوم بجهود جبارة في الإغاثة حال الكوارث والنكبات، وما تقوم به هذه الجمعيات من رعاية وعناية بالأسر الفقيرة، ورعاية الأيتام والأرامل، ومشروع تفطير صائم وكفالة يتيم، وغير ذلك من الجهود التي تقوم بها هذه المنظمات الإغاثية، فعليك أن تشد عضد إخوانك وتعمل معهم، فالعمل معهم يعد بوابة تدخل منها للدعوة إلى الله، ونشر هذا الدين في محيط هؤلاء في بقاع كثيرة من هذه الأرض فرسالة الداعية عالمية لا تحدها حدود، ولا تحصرها أرض ولا تخص جنسًا دون الآخر ولا عرقًا معينا، ولا قبيلة دون الأخرى ولا لونًا دون لون ولا غنيا دون فقير:
أبي الإسلام لا أب لي سواه
…
إذا افتخروا بقيس أو تميم
فالداعية دائما يلتمس أيسر الطرق، وأسهل السبل في دعوته إلى الله فهو كالشمعة تحترق لتضيء الطريق للسالكين، والسائرين إلى الله سبحانه وتعالى، بأمن وأمان فالدعاة يحملون في قلوبهم نور الإسلام وحلاوة الإيمان، وبرد العيش لا يخافون إذا خاف الناس ولا يقلقون إذا فزع الناس، أيها الداعية الكريم عليك أن تحمل راية الدعوة إلى الله وتبذل كل غال ونفيس، فإن الله سبحانه وتعالى يبارك في جهود الدعاة
وينفع بها مع قلة الإمكانات العددية والمالية وحتى المعنوية، ومع ذلك نرى النتائج طيبة، والإيجابيات كثيرة والسلبيات قليلة، ولله الحمد فكن أخي الداعية من حزب الله المخلصين الذين يستمدون قوتهم من فاطر الأرض والسماوات، وبالمقابل هناك منظمات وهيئات إغاثية نصرانية همها، وهدفها التنصير أو إخراج المسلمين من دينهم، أو التشكيك في دين الإسلام والطعن فيه حتى ينسلخ المسلم من دينه، وعقيدته بل وهويته الإسلامية، فيعيش بلا دين ولا مبدأ ولا قيم، ولا أخلاق قد وقع الكثير من المسلمين في حبائل الشيطان، وأسرهم الهوى وكبلتهم المعاصي، والآثام بسبب هذه الدعوات المغرضة، تجدهم يجرون خلف كل ناعق، همهم إشباع بطونهم وفروجهم، وهذا ما يريده أصحاب المنظمات اليهودية والنصرانية، قد خططوا له ورصدوا له الأموال الضخمة بينما نرى تجار المسلمين وأصحاب رؤوس الأموال قد بخلوا في الإنفاق على مشاريع الدعوة إلى الله إلا من رحم ربك، فتنبه أيه االداعية لهذا المخطط الخبيث، وقابله بمخطط مضاد مستمد من تعاليم الدين الحنيف، فأنت صاحب المبدأ السليم تسير على نور وبرهان من رب العالمين، وهم يسيرون على عمى وضلال، لهم صولة وجولة وانتفاشه إذا نام أهل الحق أو غفلوا، أما إذا وقف الدعاة والمصلحون صفًّا واحدًا، فإن الزبد يذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض قال تعالى:{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} 1.
1 سورة الأنبياء: الآية 18.
15-
دور المرأة في الدعوة:
إن ما سبق وما سيأتي في هذا الكتاب عن أهية الدعوة، وواجب الدعاة ودور المربي -يعني الداعية- ينطبق على الرجل والمرأة، فالمرأة مكلفة كما أن الرجل مكلف بشرائع الدين، وأصول العبادة وفروعها، والمرأة جزء من الرجل لها ما له وعليها ما عليه كما أن الرجل جزء من المرأة كذلك -مع التحفظ- ولا نقول كما يقول الغرب الكافر عن المرأة أنها مثل الرجل سواء بسواء في العمل، والخروج إلى الشارع والسفور وممارسة ما تريد دون وزاع أو رادع، وإطلاق العنان لها وللرجل في الشهوات، وعدم المعارضة بحجة الحرية الشخصية، أي حرية تهدر القيم، وتهدم الأسر وتخلط الأنساب؟؟ أي حرية شخصية تهين كرامة المرأة، وتجعلها سلعة رخيصة للرجل تكون بجانبه في المصنع وفي المكتب وفي المتجر، تكد وتكدح تلهث وراء لقمة العيش، وحطام الدنيا الزائل وتترك البيت وتربية الأولاد بل قد لا تنجب أولادًا؛ لأنها مشغولة غير فارغة للبيت والأولاد، مشغولة في شهواتها وملذاتها، وما تلبث أن يكبر بها السن فتكون غير صالح للعمل لكبر سنها، فتتحول إلى دور العجزة ليس لها ابن يحنو عليها، ولا زوج يعطف عليها ولا أخ يرحمها ولا أب يعولها، إن للمرأة في الإسلام دور عظيم مع بني جنسها من النساء إذ إنها تستطيع أن تدخل البيوت وتجتمع بالنساء وتحدثهن، وترشدهن إلى تعاليم الإسلام السمحة والقيام بمهام الدعوة، وتتحمل مسئوليتها في جميع مراحل الدعوة، ولذلك كان من الضروري أن تنال المرأة الحظ الوافر من الرعاية
المستمرة أثناء تعهدها وتربيتها منذ الطفولة حتى تصبح زوجة صالحة، وأما حنونا ومربية فاضلة وداعية جادة، عندها تستطيع أن تقوم بمسئولياتها في الحياة، ولقد ارتكبت الحضارة الغربية جرائم عدة بحق الإنسان، وبحق شعوب الأرض حين نشرت فسادها وفتنتها، وكان من أخطر ما نفذته هو أن دفعت المرأة دفعًا إلى أحضان الرذيلة والزنا والفتنة والفساد، ولقد دفع الغرب المرأة إلى لهيب الشهوة الجنسية، وفتنتها دفعا قويًّا ضاربين بكل القيم التي تدعو إليها الأديان كلها، لقد ضربوا بها عرض الحائط، وعزلوا الدين عن الحياة -كما سبق وأشرنا إلى ذلك في أول هذا الموضوع- ومع هذا وذاك نحمد الله سبحانه وتعالى أن جعل في بلاد المسلمين مسلمات يفهمن هذا الوضع، ويقمن بالدعوة إلى الله والموعظة الحسنة، شأنها في ذلك شأن الرجل، فللمرأة والرجل قضايا مشتركة في ميدان الدعوة، والبلاغ وميدان التربية والبناء، فالإيمان والتوحيد وتدبر منهاج الله، وممارسته وتطبيقه في واقع الحياة قواعد أساسية للمرأة والرجل، وربما تختلف بعض الأساليب، ولكن النهج العام يمضي واحدًا.
16-
دعوة غير المسلمين إلى الإسلام:
كما تقدم في هذا البحث أن الدعوة إلى هذا الدين واجب على كل مسلم، ومسلمة بعينه حسب قدرته واستطاعته لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، ومما تقدم عرفنا كيف نتعامل مع المسلمين في دعوتهم إلى ترك المخالفات الشرعية، والأعمال البدعية التي لا تمت إلى هذا الدين بصلة لا من قريب ولا بعيد، وقد شاعت وانتشرت بين كثير من المسلمين حتى صارت عندهم من الشرع، بل إنهم يغضبون على منكرها، ويناصبونه العداوة والبغضاء جهلًا منهم لهذا العمل البدعي الذي شاب عليه الكبر وشب عليه الصغير، والداعية يتعامل مع المسلمين في دعوتهم إلى ترك المخالفات الشرعية، وامتثال الأوامر التي أمر الله بها وتطبيقها على أرض الواقع، والحث على فعلها والترغيب في الاستمرار عليها، وبيان الأجر العظيم المترتب على فعلها هذا للمدعو، فما لك أنت أيها الداعية إذا دعوت غير مسلم فأسلم وكنت أنت السبب في إسلامه وانقياده، وإنقاذه من النار، ودخوله مع المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم، عن سهل بن سعد قال: قال صلى الله عليه وسلم: "لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم"1 الحديث. وغير المسلمين أصناف كثيرون فمنهم أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى، ومنهم من يعبد الحجر والكواكب وو.. إلخ ومنهم الملحد الذي لا يؤمن بإله البتة ولا ينقاد لدين كالشيوعية، كل هؤلاء أصناف من الناس في ذمتك أيها الداعية، وأنت مسئول عنهم يوم القيامة هل بلغت لهم هذا
1 من حديث طويل يوم خيبر، رواه الإمام البخاري، كتاب الجهاد والسير:"3009".
الدين ودعوتهم إلى اعتناقه أم لا؟؟ إن هؤلاء الأصناف من البشر كالقطيع من الأنعام التي تهيم على وجهها في الأرض، همهم بطونهم وفروجهم لا يعلمون عن الآخرة شيئًا، {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} 1 وصفهم الخالق سبحانه وتعالى بقوله:{إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} 2 ومعلوم أن دين الإسلام هو دين الفطرة التي فطر الناس عليها، فما دام هذا الدين هو دين الفطرة، فيكون اعتناقهم للإسلام سهل ويسير لا سيما في هذا العصر الذي أصبح العالم فيه بمثابة قرية صغيرة من ناحية الاتصالات والمواصلات، فتستطيع أن تتصل بمن شئت من بلاد العالم، وأنت جالس في غرفة بل باستطاعتك أن تتصل وأنت سائر في الطريق في إحدى وسائل النقل الحديثة، وباستطاعتك السفر بسهولة أيضا، والداعية عليه أن يستغل هذه الظروف وهذه الفرص، فتجد المسلم يذهب إلى بلاد الكفار، والكافر يأتي إلى بلاد المسلمين إما للعمل أو للتجارة أو السياحة، وقد يكون للدراسة فهذا الاختلاط وهذه الاتصالات الميسرة يجب أن تستثمر، وتستغل في الدعوة إلى الله من قبل المسلم الذي يرى هؤلاء، ويختلط بهم إما في العمل أو الدراسة أو التجارة، ولا يمل ولا يكل من دعوتهم.
وإليك بعض أساليب دعوة أهل الكتاب خاصة:
1-
تذكيرهم بنعم الله سبحانه وتعالى.
2-
الثناء على أنبيائهم عليهم الصلاة والسلام، وبيان أنهم يدعون إلى دين واحد وهو الإسلام.
1 سورة الروم: الآية 7.
2 سورة الفرقان: من الآية 44.
3-
دعوتهم لمراجعة ما نزل عليهم في كتبهم من الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم في الإنجيل، ولا تزال بعض نسخ الإنجيل سالمة من تحريفهم.
4-
ترغيبهم في الإسلام وبيان تميزهم إذا دخلوا في هذا الدين.
5-
العدل في الحكم عليهم"1.
وهناك أساليب ناجحة ونافعة وهي حسن المعاملة، والتعامل مع الكفار بالصدق، واللين والأناة والحكمة والإكرام فقد أكرم النبي صلى الله عليه وسلم وفد نصارى نجران لما قدموا عليه في المدينة، ودخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم مسجده، وحانت صلاتهم وكان ذلك بعد العصر، فقاموا يصلون في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وأراد الناس أن يمنعوهم، فقال صلى الله عليه وسلم:"دعوهم"، "وقد ذكر ابن القيم في زاد المعاد بأنه إذا لم يكن ذلك عادة، وكان ذلك في مصلحة الدعوة فلا بأس؛ لأنهم جاءوا يسمعون من النبي صلى الله عليه وسلم ويسمع منهم"2، وهناك صنف آخر من الكفار وهم الوثنيون: الذين يعبدون الأصنام في هذا العصر مع تقدم العلم والاختراع، ومع ذلك ما زالوا في كثير من بلدان العالم يسجدون لهذه الأصنام من دون الله، فهناك آلة ترمز عندهم بإله الشمس والشيطان وإله الخير "ورمز بوذا" معروف ومشهور لدى الكثير، وهنا يأتي دور الداعية وخاصة من حكمت عليه ظروف الحياة الاتصال بهؤلاء ومجالستهم، ومحادثتهم والبقاء معهم عليه دعوتهم إلى الدين الصحيح، وبيان عظمة الخالق وعظمة خلقه وبديع صنعه، وأنه وحده المستحق للعبادة، ومن وسائل دعوة غير المسلمين الاهتمام من قبل الداعية بغير المسلم وإشعاره
1 عن كتاب كيف ندعو غير المسلمين باختصار، د/ عبد الله المطلق.
2 زاد المعاد: "3/ 629-638".
بقيمته وأنه عضو نافع وجزء لا يتجزأ من هذا الخلق الذي هو معبد لله وخاضع له، بل إن هذا الكون شمسه وقمره وكواكبه خاضع طائع لخالقه، فكيف بك أيها الإنسان حري بك، وجدير بك أن تخضع وتطيع لهذا الخالق العظيم وتعبده وحده، ولا تشرك به شيئا فهو المستحق للعبادة وحده دون سواه، فقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم دعوة غير المسلمين من يهود ونصارى، ووثنيين وغيرهم دعوة جماعية، وفردية حسب المقتضيات والظروف بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة، وبالمناظرة والمحاورة أحيانًا، وكثيرًا ما كان اليهود يناظرون الرسول صلى الله عليه وسلم ويلقون عليه الأسئلة للتعجيز، والمباهاة فكان يأتيه الجواب من السماء كالصاعقة عليهم، وهناك فئة ثالثة من الكفار وهم الملحدون1، وهم ما يعرف الآن بالشيوعية لا يؤمنون بإله البته لا يدينون بدين، هؤلاء لا بد من مناظرتهم، وبيان أن هذا الكون لا بد له من موجد وخالق عظيم، وأنه لا يمكن لشيء أن يخلق نفسه أو يتكون بنفسه، واضرب له مثالًا أيها الداعية اللبيب بسفينة محملة بأنواع البضائع جاءت من الهند، ورست في ميناء جدة هي التي صنعت نفسها، وحملت نفسها وأفرغت حمولتها بنفسها. سيقول الملحد: هذا غير معقول؟ فنقول له: وهذا الكون والخلق العظيم دون خالق غير معقول، إن الكفار الذي لا يؤمنون بدين أصلًا يسهل دخولهم وانقيادهم للإسلام إذ إن الإنسان بفطرته يبحث عن دين يعتنقه، فتجد الملحد أحيانا يجرب عدة أديان عله يجد فيها السعادة والراحة فلا يجد فيقى حائرًا، فإذا يسر الله له
1 انظر كتاب: كيف تدعو ملحدا، تأليف: أبي يوسف مدحت بن الحسن آل فراج، تقريض فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين، دار طيبة للنشر والتوزيع.
داعية يدله ويرشده إلى الدين الحق فإنه يعتنقه بسهولة، من هذا يتبين أن دعوة غير المسلمين بمختلف أنواعهم، وأصنافهم واجب على كل مسلم ومسلمة أن يقدم ما يستطيع من كلمة طيبة، ومعاملة حسنة وإسداء الإحسان والمعروف وتقديم الهدية، فقد ذكر عبد الملك القاسم وفقه الله في إحدى كتبه أن أحد الشباب كان يعمل ممرضًا في المستشفى التخصصي بالرياض، وكانت له علاقات طيبة مع جميع العاملين في المستشفى، وخاصة الأطباء بما فيهم غير المسلمين، فكان يقدم لهم الخدمات ويدعوهم إلى وليمة في مكان جميل وطيب -استراحة- بين فترة وأخرى، وعند انتهاء خدمات أحد الأطباء الإنجليز أراد هذا الشاب أن يقدم له هدية، فاستشار أحد أصدقائه فقال: قدم له كتابًا لعل الله أن ينفعه به، وكان في نية هذا الشاب أن يقدم له تحفة لعلمه أن الإنجليز يحبون التحف، وعندما ذهب يشتري تحفة دخل أحد المكتبات العامة، وإذا بعينه تقع على كتيب صغير باللغة الإنجليزية، فتذكر قول صديقه فاشتراه ووضعه داخل التحفة، وقدمها هدية في حفل متواضع، وذهب هذا الطبيب إلى بلده وفتح الهدية فسر بها كثيرًا وخاصة أن بداخلها كتابًا، ففرح به كثيرًا فبدأ في قراءته فإذا هو عن الإسلام، وقال: في نفسه يا إلهي هذا الدين الذي كنت أسمع عنه كثيرا فشرح الله صدره للإسلام، فأسلم بسبب هذا الكتيب الذي لا يتعدى قيمته خمسة ريالات فقط، وأرسل رسالة بعد فترة إلى صديقه الشاب، وقد نسيه الشاب. وإذا في الرسالة، أخي في الإسلام أخبرك أنني دخلت في الإسلام ونطقت بالشهادتين -أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله- بسبب هذا الكتيب الذي أهديته لي، وقد أختار
اسم صديقه فسمى به نفسه.
فانظر أخي الداعية وفقك الله: كم وقع الهدية في النفس وحسن الأخلاق والمعاملة الحسنة التي كان يعامل بها الشاب هذا الكافر الذي أسلم فيما بعد، وقبل ما في الكتاب من خير وهداية، وغيره كثير ممن أسلم بسبب كتاب أو كلمة طيبة، أو شريط إسلامي أو تأثر بأخلاق مسلم، وحسن معاملته وصدقه، فبادر أيها الداعية الكريم إلى تقديم الخير والنور للناس أجمعين وخاصة غير المسلمين، فإنهم بحاجة ماسة إلى هذا الدين الذي هو الحياة، والنور والسعادة للبشر قاطبة، فكم دخل في هذا الدين من أناس كانوا من أشد أعدائه، وألد خصومه قبل إسلامهم، حاربوه وناصبوه العداء، وكادوا لأهله، بل قد قتلوا من ظفروا به من المسلمين، ومع ذلك دخلوا في هذا الدين وبذلوا أرواحهم رخيصة في سبيله بعد أن ذاقوا طعم الإيمان وحلاوة الإسلام.
وفي هذا الزمان الذي اختلط فيه المسلمون بغيرهم من الكفار، بل إن غير المسلمين قد وفدوا بكثرة إلى بلاد المسلمين للعمل، مثل: تبادل السفراء والملحقيات العسكرية والثقافية، وغيرها من الشركات التي تعمل في بلاد المسلمين بل إنه قد لا يخلو بيت من بيوت المسلمين من عامل، أو خادمة أو سائق غير مسلم1. سؤال يطرح نفسه.
1 بسبب التبادل التجاري والثقافي والسياحة، والمصالح المشتركة بين دول العالم إذ إن كل دولة لا تستطيع أن تعيش منعزلة، أو منفردة عن الدول الأخرى، لذلك نرى الدول المقاطعة اقتصاديًّا تعاني من أزمات سياسية واقتصادية كبيرة فعلى الدول الإسلامية أن تستغل وجود هؤلاء الكفار في ديارهم في الدعوة إلى الله، وأن تستثمر وجود سفرائها وموظفيها في بلاد الكفار في الدعوة إلى الله، فندعوهم إلى الله وهم في بلادنا وندعوهم إلى الله وهم في بلادهم.
ماذا قدمت لغير المسلمين من دعوة للدخول في هذا الدين؟ ألا تحب أن ينقذك الله من النار إذا بذلت الجهد لإنقاذ هذا الكافر من النار، وأنت تعلم أيها الداعية أنه لو مات على الكفر أنه في النار، ثم هو سيتعلق برقبتك يوم القيامة ويقول: يا رب أنصفني من هذا فقد رآني على الكفر، فلم يأمرني ولم ينهني؟ فماذا يا ترى يكون جوابك أما الجبار في يوم لا ينفع فيه مال، ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ثم عليك أيها الداعية الكريم أن تعرض الإسلام بصورته الناصعة على من تحت يديك من الخدم، والعمال والسائقين بين فترة وأخرى كلما سنحت الفرصة، فإنك والله مسئول عنهم يوم القيامة، وإذا أردت منهم الاستجابة فعليك بحسن الخلق والمعاملة الحسنة، وأن تلقاهم بوجه طلق، ولا تبخل عليهم بهدية تشجيعية ولا تكلفهم بأكثر مما يطيقون ولا تكثر في لومهم وعتابهم، واحذر الفظاظة والغلظة معهم أو إهانتهم باعتبار أنهم خدم وعبيد، والله سبحانه وتعالى قد قال لنبيه صلى الله عليه وسلم في محكم التنزيل:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} 1 وبهذه المناسبة أذكر أنني كنت في مركز الدعوة والإرشاد في الفجيرة في الإمارات العربية المتحدة، فأتى أحد المواطنين ومعه خادمة تريد أن تسلم، وتعلن إسلامها وتأخذ شهادة بذلك كما هو متبع. فسألته: كيف أسلمت؟؟ ففاجأني بقوله: هذه ثالث خادمة تسلم عندنا والحمد لله. فأعدت عليه نفس السؤال؟؟ فأخبرني أنه تم إسلامها وإسلام غيرها من غير جهد، ولا تعب إنما كان بالمعاملة الحسنة من قبلي ومن قبل جميع أهل البيت من زوجة، وأبناء
1 سورة آل عمران: الآية 159.
كلنا يعاملها وكأنها واحدة من أفراد الأسرة، ولا أذكر أننا قسونا عليها في أي يوم من الأيام، فقلت له: فعلًا هذه من أخلاق النبوة حيث إن أنس بن مالك خدم النبي صلى الله عليه وسلم قال أنس: لم يقل لي يومًا "ما" لماذا فعلت ولماذا لم تفعل؟؟ فيا حبذا أن نتحلى بهذه الأخلاق ونتصف بهذه الصفات المرغبة في الإسلام، والتي هي في نفس الوقت دعوة إلى الإسلام بالقدوة الحسنة، حتى يكون لدعوتنا قبول عند غير المسلمين إذا دعوناهم إلى ديننا، يجب علينا جميعًا أن نتحلى، ونتصف بصفات الإسلام ونتأدب بآدابه، ونتخلق بأخلاقه وقدوتنا في ذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد وصفه ربه بقوله تعالى:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} 1 سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: "كان خلقه القرآن"2 فيا لها من أخلاق حميدة وصفات فاضلة يجدر بكل مسلم أن يتصف بها، ويتخلق بهذه الأخلاق الفاضلة ويتأدب بآداب القرآن، ويتخذه منهج حياة يتربى عليه، ويربي عليه من يعول من أولاد وزوجة وخدم وغيرهم. وإن مما يجدر الإشارة إليه أن كل مسلم يلتقي بكافر في عمل أو دراسة، أو حتى لقاء عابر في سفر أو اجتماع، أو حتى في الطريق أو الأسواق، فإن عليك أيها المسلم حقًّا لهذا الكافر، وهو التبليغ والبيان للإسلام إذا كنت تجيد اللغة وإلا تأتي بمترجم بينك وبينه. أيها المسلم الداعية يا من شرفه الله بالإسلام لا تبخل على غيرك بهذا النور الذي آتاك الله إياه، ولا تيأس من عدم الاستجابة فما عليك إلا البلاغ {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} 3 والهداية بيد الله سبحانه وتعالى: {إِنَّكَ لَا
1 تقدمت ص54.
2 مسند الإمام أحمد، باقي مسند الأنصار:"25285".
2 سورة البقرة: من الآية 272.
تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} 1 ونلخص طريقة دعوة غير المسلمين فيما يأتي:
"1- القدوة الحسنة فلا بد أن يكون المسلم قدوة يقتدى به في الخير، ويظهر الإسلام على تصرفاته وأفعاله، وبعض الناس يخطئ في مفهوم القدوة، فيظن أن القدوة تستلزم العصمة.
2-
الاتصال الشخصي بالكافر، وهو ما يعرف بالدعوة الفردية، فإما أن يسلم وإما أن يقلل الشر عنده، ويمتنع عن أذى المسلمين.
3-
إكرام المدعو بتقديم شيء من الطعام والإهداء، ويتحرج بعض المسلمين من عمل هذا الأمر لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي"2. فإن المراد أكل المودة، أما تقديم الطعام لغرض الدعوة والإحسان، فلا بأس بذلك بل قد رغب فيه القرآن الكريم فقال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} 3.
فمدحهم الله سبحانه وتعالى على إطعام الطعام للأسير، والأسير لا بد أن يكون كافرًا؛ لأن المسلم لا يجوز أسره، فالإطعام من باب الإحسان إليه، ومن ثم دعوته إلى الدخول في الإسلام.
4-
الدعوة بالمال بتأليف المدعو، والحمد لله أن مكاتب الدعوة قسم الجاليات، ومكاتب الجاليات المنتشرة في المملكة العربية السعودية تقوم بتوصيل هذه المساعدات إلى المحتاجين للإحسان إليهم وتأليف قلوبهم.
1 سرة القصص: آية 56.
2 رواه الإمام الترمذي: "2395"، وأبو داود:"4832".
3 سورة الإنسان: الآيتان 8، 9.
5-
الدعوة بالكتيب والنشرة والشريط وهذا ما نجده واضحا في القرآن الكريم والسنة المطهرة، فقد دعا نبي الله سليمان بالكتاب حيث أرسل إلى أهل اليمن كتابا مع الهدهد {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بسم الله الرحمن الرحيم، أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} 1، والرسول صلى الله عليه وسلم دعا إلى الله بالكتاب أرسل كتابا إلى كسرى، وأرسل كتابا إلى هرقل وأرسل كتاب إلى المقوقس، وأرسل إلى ملوك العرب يدعوهم فيها إلى الإسلام وإلى اعتناق هذا الدين"2، ولكن هناك بعض المفاهيم الخاطئة التي تعيق الدعوة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر.
"1- عدم التفريق بين محبة الخير للكافر ومحبة الكافر، فكثير من المسلمين لا يفرقون بين محبة الخير للكافر ومحبة الكافر، إن محبة الخير الذي هو الهداية واجب على كل مسلم؛ لأن الدعوة واجبة والدعوة هي الخير.
2-
اعتقاد أن البراءة من الكفار تقتضي الغلظة في التعامل معهم، والقوة عليهم وعدم احترامهم، وهذا ليس بصحيح؛ لأن الدعوة لا تقوم مع هذه الصفات والله سبحانه وتعالى يقول:{وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} 3، أي لعموم الناس.
3-
يعتقد بعض الناس أنه يجوز له إهانة الكفار وظلمهم وتأخير حقوقهم، وعدم علاج مرضاهم ويستدلون بقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه"4.
1 سورة النمل: الآيتان 30، 31.
2 ملخص من كتاب كيف ندعو غير المسلمين إلى الإسلام، د/ عبد الله المطلق.
3 سورة البقرة: من الآية 83.
4 أخرجه الإمام مسلم: "2167".
مما قاله القرطبي: أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يربي المؤمنين على العزة بمعنى لا تفسحوا لهم عن الطريق إكرامًا واحترامًا وليس معناه، إذا لقيتموهم في طريق واسع فألجئوهم إلى حرفه حتى يضيق عليهم؛ لأن ذلك أذى لهم وقد نهينا عن أذاهم بغير سبب. انتهى كلامه رحمه الله.
4-
من المفاهيم الخاطئة عن بعض الدعاة أنه لا يعرف التدرج في الدعوة بل يقرن الدعوة بالحسبة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن ذلك أن كافرا أراد أن يسلم، فذهب به من يعرفه من المسلمين إلى إمام المسجد عندهم ليسلم على يديه، فلما دخل عليه فتح له محاضرة، وقال له إذا أسلمت: زوجتك عليك حرام لا بد أن تبغض أهلك وتتبرأ من والديك. فقال: أمهلني يا شيخ فخرج ولم يعد.
5-
بعض الدعاة يتحرج من تقديم التحية "السلام" للكافر، والمسألة فيها خلاف، والذي أرى أن الكافر لا يجوز أن يُبدأ بالسلام، لكن عندنا من التحيات ما يناسب الكافر الذي هو في فترة الدعوة، وفي وقت التجاذب تقول:"صباح الخير""مساء الخير" مرحبًا.
6-
ومن المفاهيم الخاطئة في الدعوة: أن بعض الدعاة إلى الله عندما يأتي إليه كافر يريد أن يسلم يقول له: اصبر تأن لا تسلم حتى تقتنع، أو يقول: تأتي غدا بعد قراءة هذا الكتاب، لا أريدك أن تسلم اليوم وترتد غدا -يذكره بالردة- أو يفتح معه ملف تحقيق هل هو صادق في إسلامه أم لا؟؟ أيها الداعي الكريم إنه إذا قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله دخل في دين الله، وأصبح من أهل التوحيد، فلنفرض أنه ذهب قبل أن يسلم فمات، كيف يكون مصيره؟؟ وإلى أين يذهب؟؟ من الذي أخر هدايته؟؟ أليس أنت، بل ربما في هذه
الفترة الذي أخرت هدايته تأثر تأثيرا سيئا، فابتعد عن الدين الإسلامي بسبب تصرفك.
7-
ومن المفاهيم الخاطئة أن بعض المسلمين يتصور أن الدعوة إنما تكون بالخطبة والمحاضرة والدرس فقط، وهذا خطأ لا بد مع هذا العمل الفردي مع المدعو، انظر إلى أحوال الصحابة الذين أسلموا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر العشرة المبشرين بالجنة أسلموا على يدي أبي بكر"1.
بعد أن عرفنا بعض العوائق لتجنبها، نأتي إلى الثمرة والهدف من هذا الجهد، إذا ما أسلم الكافر، ماذا تعمل معه؟ اعلم أنه لبنة جديدة في المجتمع الإسلامي، واللبنة حين توضع في الجدار تحتاج إلى عناية ودراية ووقت، فهي لا تتحمل الاهتزاز تسقطها الحركة البسيطة، وتذيبها العوامل الطبيعية إذا لم تجد حماية، ورعاية في البداية حتى تشتد تجف.
من مقتضيات ذلك أن تصبر على هذه اللبنة حتى تجف، وتقوى تحت الحماية والرعاية المركزة، فتبقى في الجدار لبنة قوية متماسكة مع اللبنات تحمل غيرها وتتحمل البناء عليها بعد ذلك، وهكذا المسلم الجديد في بدايتة يشبه اللبنة الرخوة، فعليك أيها الداعية أن تصبر على هذا المسلم الجديد وتتدرج معه في التكاليف، فقد وصلت معه إلى الهدف الأساسي وهو النطق بالشهادتين، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم
1 المصدر السابق: "كيف ندعو غير المسلمين".
"وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله تعالى"1. ومما يجدر التنبيه عليه الحرص والإسراع في قبول إسلام من أتى راغبا الدخول في الإسلام، وحثه وتشجيعه على النطق بالشهادتين، حتى لو اشترط الداخل في الإسلام ترك بعض الفرائض مؤقتًا على أمل أن يبدأ القيام بها بعد قليل، ومما يدل على ذلك ما رواه الإمام أحمد عن نصر بن عاصم عن رجل منهم: "أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم على أن لا يصلي إلا صلاتين، فقبل منه ذلك"2. موافقته صلى الله عليه وسلم على ما اشترطت ثقيف لدخولهم في الإسلام أن لا صدقة عليهم ولا جهاد. فقد روى أحمد وأبو داود عن وهب قال: سألت جابرًا رضي الله عنه عن شأن ثقيف إذ بايعت قال: اشترطت على النبي صلى الله عليه وسلم أن لا صدقة عليها ولا جهاد، وأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يقول:"سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا" 3، إن هذه الموافقة على ترك المقبل على الإسلام بعض الفرائض إجراء مؤقت يرجى من ورائه فتح الباب أمامه كي يدخل في السلم كافة، وها ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم عند قبوله شرط ثقيف لدخولهم في الإسلام:"ألا صدقة عليهم ولا جهاد" حيث قال: "سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا". ثم على الداعية متابعة هذا المسلم الجديد، بمعرفة عنوانه ورقم هاتفه ومكان عمله، وسكنه حتى يمكن الاتصال به وتوصيل تعاليم الإسلام
1 رواه الإمام مسلم: "21"، وعند البخاري من رواية عمر بن الخطاب:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤترا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله""رقم 25".
2 الفتح الرباني: كتاب الإيمان والإسلام ص52.
3 مسند الإمام أحمد: "3/ 341"، وسنن أبي داود:"3023"، وصححه الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة:"1888".
إليه بالتدرج ومتابعته، وتدريبه على تطبيق تعاليم الإسلام -وهذا غالبًا ما تفعله مكاتب الجاليات في المملكة العربية السعودية، وقسم الجاليات في مراكز الدعوة والإرشاد المنتشرة داخل المملكة، وخارجها وفق الله العاملين لما يحبه ويرضاه.