الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3-
الجندي المجهول:
الداعية جندي مرابط بل له صولات وجولات أينما حل، وحيثما كان ليس مربوطا بزمان، ولا بمكان فهذا عمله طيلة عمره، وكثيرا ما نسمع بالجندي المجهول والتكريم، والتبجيل وعبارات الثناء والمديح لهذا الجندي الذي يسمونه مجهولا؛ لأنه قدم خدمة لبلده فكيف بالداعية الذي يقدم في كل يوم خدمات لدينه، وعقيدته ويتعب نفسه، ويقضي حياته ويقدم أغلى ما عنده لإرشاد الناس، وإنقاذهم من النار وإخراجهم من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا، والآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن الظلمات إلى النور هذا بحق هو الجندي المعلوم، وليس المجهول هذا هو الذي يستحق التكريم، وعلينا جميعا أن نضع أيدينا بيده، ونسير في هذا الطريق طريق الدعوة وننهج هذا النهج القويم والصراط المستقيم {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} 1.
فالداعية جندي في الميدان ودائما مرابط وعمله في الدعوة رباط إذ هو أشرف عمل وأحسنه؛ لأن الداعية جندي من جنود الله {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} 2، والجندي الذي يعمل للخالق، ويراقب الخالق سبحانه وتعالى، لا يكل ولا يمل من العمل المتواصل، مثله في ذلك مثل الجنود المؤمنين المجاهدين في سبيل الله الصادقين في جهادهم إذا هم خاضوا المعارك الجهادية يصولون، ويجولون وينتقلون من ميدان
1 انظر ص11، من هذا الكتاب.
2 سورة المدثر: الآية 31.
إلى آخر ويقدمون أوراحهم ودماءهم الزكية رخيصة، طاعة لله، يشعرون مع هذا التعب وهذا الجهد والخطر الذي يتوقعونه بين فترة، وأخرى أن تزهق أرواحهم ومع ذلك كله يشعرون بالراحة النفسية، والسعادة الأبدية لا تعدلها راحة ولا توازيها سعادة، وإذا حطت به الرحال وفتر الجهاد، وقعد المجاهدون تجد هذا المجاهد يشعر بالضيق، وعدم الارتياح "سئل أحد المجاهدين وقد أتى إلى أهله في إجازة قصيرة. لماذا لم تستشهد بعد؟؟ فأجاب لم أكن أهلا للشهادة. فمتى صرت أهلا للشهادة لا شك أن الله سيكرمني بها.
والدعاية عمله أخف وأقل خطورة من المجاهد المقارع للأعداء الذي يتوقع بين فترة، وأخرى أن تزهق روحه، وأن يدنو أجله ومع ذلك تجده يخوض المعارك، ويقتحم المهالك عله ينال الشهادة ومع ذلك فهو قوي النفس قوي العزيمة عالي الهمة كلما سمع هيعة ذهب إليها. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من خير معاش الناس لهم رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعة، أو فزعة طار عليه يبتغي القتل والموت مظانه
…
" الحديث1.
فكن أيها الداعية مثل أخيك المجاهد، في الدعوة إلى الله وتبليغ رسالة ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وخالق الناس بخلق حسن وخالط الناس، واصبر على أذاهم فإن النصر مع الصبر، والداعية أينما كان مطلوب منه عمل وتقارير واقتراحات، وما لديه من سلبيات وإيجابيات أثناء ممارسته العمل في الميدان لتقويم العمل، وتطويره والرفع من مستواه ومعالجة السلبيات وتطوير الإيجابيات، كل ذلك يحتاج من
1 رواه مسلم، كتاب الإمارة:"1889".
الداعية سرعة في الإنجاز مع الاتقان والعمل بصدق وإخلاص، والداعية قد يكون مرتبطا بدائرة حكومية أو مؤسسة إسلامية أو جماعة خيرية، أو منظمة عالمية، أو مدرسة خيرية، فعلى الداعية أن يقوم بما يكلف به من أعمال، حسب الجداول المعدة والخطط المرسومة، ولا تتأخر أو تسوف أو تترك عمل اليوم إلى الغد، وإذا أعطيت جدول عمل فلا تغير أو تبدل ولا تؤخر أو تقدم من تلقاء نفسك إلا بعد الرجوع إلى المسئول المباشر صاحب الصلاحية، وبعد الرجوع إليه عليك أن تنفذ ما تم الاتفاق عليه بينك، وبينه في الوقت المحدد دون تأخير أو تغيير، بل حاول أن تنتهي في مرحلة زمنية قصيرة، وأن تقدم جميع ما طلب منك من آراء واقتراحات وبحوث، أو مذكرات أو الإجابة على بعض التساؤلات والإشكاليات، أو ترجمة بعض المقالات أو طلب منك تقرير عما تقوم به، أو طلب منك خطة عمل عما تقوم به خلال فترة زمنية، أو طلب منك تقديم تقارير عن ما يقوم به مجموعة من الدعاة "مثل مديري مراكز الدعوة في الخارج، والداخل ورؤساء الأقسام وغيرهم من المسئولين عن سير الدعوة"، والداعية يعلم علم اليقين أن العمل الناجح هو الذي تتضافر فيه جهود العاملين حتى يصبحوا يدًا واحدة، وفي خندق واحد تحت ظل هذا المركز أو هذه المؤسسة، أو هذه الجمعية الخيرية، أو هذه الدائرة الحكومية أو القطاع الخاص. ومن مهمات المسئول عما ذكر أن يأخذ آراء جميع العاملين في هذا القطاع والاستفادة من أفكارهم، وخبراتهم في مجال العمل الدعوي وأن يأخذ في الاعتبار آراءهم، واقتراحاتهم وأن يعمل على تنفيذ الصالح منها، والصائب المناسب للبلد أو المكان الذي هم فيه؛ لأن الذي يصلح لبلد
"ما" قد لا يصلح لآخر وهكذا تختلف الطرق، والأساليب باختلاف المكان والزمان، والاهتمام بآراء الدعاة ودرستها والعمل على تنفيذها مما يعطي الدعاة الثقة بالمسئول عنهم، ويكون ذلك تشجيعًا لهم على مضاعفة الجهود وبذل الطاقة، وارتفاع المعنويات والاهتمام بالعمل أكثر؛ لأن الداعية إذا عومل بهذه المعاملة من قبل المسئول يشعر بوجوده وكيانه، وأنه عضو بارز في المجتمع بل داعية موفق، ومسدد إذا هي آخذت آراؤه واقتراحاته بعين الاعتبار مما يكون عنده حافزًا للعمل والزيادة في الإنتاج والرفع من مستوى الأداء، وتطويره واتباع الطرق والأساليب الناجحة في ذلك كما أن الاهتمام بالعاملين من قبل رئيس العمل، وإعطائهم الثقة في أنفسهم وعدم التضييق عليهم بالدوام، والواجبات يزرع في أنفسهم الثقة ويغرس فيهم حب العمل، والتفاني في تطويره وبذل الوقت والجهد الزائد عن أوقات الدوام الرسمي في العمل إذا لزم الأمر، والداعية مطلوب منه أن يكون قدوة في الخير منجزًا لجميع ما يطلب منه من أعمال، فهو عضو فعال من أعضاء هذه الدائرة، أو هذا المركز وهو بمثابة الجندي المرابط، فأقول لهذا الجندي لا تقصر، أو تسوف فإن التقصير ولو من أحد العاملين في الدائرة، أو المركز يضعف العمل ويختل وتقل الفائدة، فلا بد من التعاون على البر والتقوى من الجميع حتى تكون الفائدة ظاهرة، وتحصل الراحة والألفة والانسجام بين الجميع.