الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7-
ابدأ مع الناس بالأهم قبل المهم:
عند ما يريد الداعية الحديث إلى الناس، فإنه يحتاج إلى أن يقف قليلا ويتأمل، ويفكر كثيرًا فيما يبدأ به وما هو الأهم، وما هي المواضيع التي يجب أن يبدأ بها، ولكثرة المواضيع وحاجة الناس إلى معظمها، فإنه فعلا يحتار ويبدأ يوازن ويعيد حساباته، ثم يرى موضوعًا مهمًّا في نظره فيبدأ به، وإن كان هذا الموضوع غير مهم في نظر غيره، فالداعية هو بماثبة الطبيب الذي يصف الدواء بعد تشخيص الداء، فإن بعض الموضوعات قد يكون مهمًّا عند غير الداعية، فبعض الناس قد يرى ما لا يرى الداعة بالنسبة للأهمية، والحاجة الماسة إلى موضوع "ما" من بين الموضوعات الكثيرة والمحيرة فعلا، عند هذا التوافق وكثرة الموضوعات الهامة والمحيرة بأيها يبدأ الداعية، فإن هناك معايير ومقاييس يجب مراعاتها والرجوع إليها مثل:
1-
التأمل في حاجة البلد إذ تختلف عن البلد الآخر.
2-
المعاصي والبدع المنتشرة.
3-
الظواهر غير الطبيعة في البلد.
وباختصار أقول: إذا اجتمع عند الداعية عدة مواضيع فعليه أن ينتقي الأهم، وما تدعو له الحاجة وما يتطلبه البلد من هذه الموضوعات، ولكن الجامع لهذا كله هو التركيز دائمًا على تقوية الإيمان وترسيخ العقيدة والعبادات، والسيرة النبوية، وسيرة الصحابة والعلماء الأبرار، والأحاديث وشرحها والآداب والأخلاق، وكذلك -وهو الأهم- القرآن
الكريم وعلومه، فهو الجامع لما تقدم، فالبلد الذي تنتشر فيه البدع من تعظيم القبور وكثرة الأضرحة المعظمة، والتي تقصد ببعض العبادات كطلب الشفاعة والشفاء وغير ذلك، فهنا الأولى أن يبدأ الداعية بترسيخ العقيدة من جميع جوانبها، والتحذير من الشرك بجميع أنواعه وأشكاله، وبيان خطره على الفرد والمجتمع والدول، ثم بعد ذلك يواصل العمل في الدعوة في الموضوعات الأخرى متدرجًا بالأهم قبل المهم، وبإمكان الداعية أن يجمع بين الأبواب المذكورة بأسلوبه الواضح يشبع الموضوع بحثا وبيانًا من جميع جوانبه، ويبدأ بما تدعو إليه الحاجة وما تقتضيه المصلحة، لكن ينبغي للداعية أن يبدأ بالأهم قبل المهم، وخاصة قضايا العقيدة وترسيخ الإيمان، ففي الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما أرسل معاذًا إلى اليمن:"إنك تقدم قومًا من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقراءهم، وإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب" 1، ففي هذا الحديث التدرج في الدعوة وعمومها، وأن المسلم يجب عليه معرفة أمور دينه عن طريق الداعية المحتسب الذي يستطيع توصيل العمل النافع إلى كل الناس، فأنت أيها الداعية الكريم كقائد السفينة، فلا تدع السفينة تغرق وأنت فيه، بل أنت من ربانها، فلا بد أن تلتمس الطرق والسبل التي تجعلك تنجو، وتنجي غيرك بإذن الله من الغرق في أوحال المعاصي
1 فتح الباري: "13/ 347"، النووي على مسلم:"1/ 196".
وأعماق البحار المظلمة المخيفة، فاعمل على النجاة من عذاب الله سبحانه وتعالى، فالنجاة إذًا تكون باختيار الموضوع المناسب وتحضيره، ووضع عناصر له مرتبة ومنسقة واجب من واجبات الداعية، والبدء بالموضوعات الأهم ثم التدرج بعد ذلك، وليس أدل على ذلك من حديث مبعوث الدعوة إلى اليمن معاذ بن جبل رضي الله عنه، وقد رسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المنهج في الدعوة، حين قال له:"إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله....". الحديث تقدم فالمطلوب من الداعية أن يبدأ مع الناس بالأهم قبل المهم، فإنه أدعى لقبول الفائدة وسرعة الانقياد.