الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
11-
الثبات على المبدأ:
الثبات على المبدأ: المقصود به الاستمرار في طريق الهداية، والدعوة والالتزام بمقتضيات هذا الطريق، والمدوامة على الخير، وتحمل التبعات المترتبة على ذلك، وللثبات على طريق الدعوة صور منها:
1-
الاستمرار والثبات في طريق الدعوة ليل نهار، سرًّا وعلانية، جماعية وفردية، على شكل زيارات وتنقلات للأقارب وغيرهم، إنها دعوة عالمية؛ لأن هذا الدين عالمي، لا يحده مكان، ولا يختص بزمان دون زمان، وليس مقصورًا على جنس ولا شعب دون شعب، ولا لون دون لون، لذا كان مجالك أيها الداعية واسعا، فكل أرض أرضك تدعو فوق كل أرض، وتحت كل سماء وفوق كل ماء، لا تحد الداعية حدود، ولا توقفه رسوم أو حواجز أو أسوار ولا تثبطه عقبات.
2-
الثبات في الشدائد، والأزمات كما ثبت الربيون الكثير مع أنبيائهم مثل ثبات الفئة الصابرة مع طالوت، وثبات الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته الكثير وفي أزماته العديدة، ومن الكبائر في الدين الفرار من الزحف، قال صلى الله عليه وسلم:"إياك والفرار من الزحف، وإن هلك الناس وإذا أصاب الناس موت، وأنت فيهم فاثبت" 1؛ ولأن الثبات على المبدأ وعلى هذا الدين والدعوة إليه، وتعلمه وتعليمه للناس فضيلة تشغل فكر المسلم، وقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم أنه يكثر من
1 مسند الإمام أحمد، مسند الأنصار:"21570".
الدعاء بالتثبيت على هذا الدين والدعوة إليه، ويخشى على نفسه في مواجهة الجاهلية أن يداهن أو يلين، ولذلك خاطبه ربه بقوله تعالى:{وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا، إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} 1.
هذا هو حبيب الله وصفيه من خلقه يأتيه التهديد الشديد من السماء محذرًا إياه أنه لو ركن إلى الكفار ولو شيئًا قليلًا، لجاءه العذاب، فاحذر أخي الداعية وأنت تواجه ظلما قد انتشر، وهوى متبعا واستبداد كل ذي رأي برأيه، أن تغيير أو تبدل ولاءك وانتماءك من هذا الدين العظيم إلى غيره من الولاءات والطرق، والأهواء والمجاملات والمداهنات، والتنازلات على حساب الدعوة فتضل وتضل، فقد كان أهل الكتاب من يهود ونصارى يكيدون لهذا الدين من طلوع شمسه إلى يومنا الحاضر، فيتظاهرون بالدخول فيه، ثم يرتدون ليرتد معهم آخرون. قال تعالى:{وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} 2. لكن القرآن فضحهم وكشف مخططهم الإجرامي الخبيث ضد هذا الدين وأهله. فمن ينبري لهم الآن وينذر نفسه لكشف عوارهم، وفضح مخططاتهم الإجرامية ضد هذا الدين وأهله التي تحاك، وتبرم في مؤتمراتهم السرية، والعلنية بل موآمراتهم وخلواتهم إلى شياطينهم السرية، والمعلنة أحيانا ضد المسلمين، والكيد لهذا الدين العظيم، من غيرك أخي الداعية يتصدى لهذا الكيد؟، إن هذا واجبك أن تبصر إخوانك المسلمين بما
1 سورة الإسراء: الآيتان 74، 75.
2 سورة آل عمران: الآية 72.
يحاك ضدهم قبل فوات الأوان، وقبل نزول القارعة بتنفيذ وتطبيق المخططات الإجرامية للقضاء على أغلى شيء لديك وهو دينك وعقيدتك، ولا تكن النملة أفقه منك عندما أنذرت قومها بخطر داهم، فصاحت في جماعتها وقومها أن يدخلوا بيوتهم، ويتحصنوا فيها خوفًا من هذا الخطر القادم، وهو سليمان وجنوده، قال الله تعالى:{حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} 1. إن عليك أخي الداعية واجب عظيم، وهو الذب عن هذا الدي والدعوة إليه، والصبر على الأذى فيه، والاستمرار على نشر تعاليمه السمحة لجميع البشر، والثبات على المبدأ القويم، والصراط المستقيم، فالعمل الدائب هو منهج الأنبياء والمصلحين إلى يوم القيامة، واحذر التغيير أو التبديل في المنهج فإنه خطر عظيم.
والتغيير والتبديل في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم سبب لمنع هؤلاء المغيرين، والمبدلين من ورود الحوض والوصول إليه والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:"يا رب أصحابي أصحابي فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فيدعوا عليهم بقوله سحقًا سحقًا". عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة فقال: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أنا قد رأينا إخواننا قالوا: يا رسول الله أولسنا إخوانك، قال: أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد، قالوا: يا رسول الله كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك، فقال: أرأيت لو أن رجلا له خيل
1 سورة النمل: الآية 18.
"غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله"، قالوا: بلى يا رسول الله قال: "فإنهم يأتون غرا محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال أناديهم ألا هلم فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك فأقول: سحقًا سحقًا"1. وفي رواية أخرى يقال له: "والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم".
فاحذر أن تكون من هذا الصنف فتحرم خيري الدنيا والآخرة، لكن الداعية إلى الله وهو على طريق البناء، والإصلاح قد يصاب بشيء من الضعف البشري، فيتعرض لمرض من أمراض القلب، أو آفة من آفات النفس أو نزغة من نزغات الشيطان، فيزل بعد نهوض، أو يضل بعد هدى أو يرائي بعد إخلاص، أو يغضب بعد حلم، أو يفتر بعد عزيمة، أو يبخل بعد كرم، أو يتشاءم بعد تفاؤل، أو يسكت بعد جرأة، أو يجبن بعد شجاعة، أو يعجز بعد صبر، أو يتعاظم بعد تواضع، فإذا أصيب الداعية -لا سمح الله- بهذه الآفات أو ببعضها، ولم يسارع إلى التخلص منها ومعالجتها، فإنه أشد ما يخشى عليه أن تزل قدمه بعد ثبوتها، أو أن يتساقط على طريق الدعوة، أو أن ينحرف عن جادة الإسلام وهو يحسب أنه يحسن صنعًا؟؟ إن الثبات على المبدأ مظهر بارز للاستقامة؛ لأن المذبذب المتقلب لا يقدر على الثبات، ولا يقوى على الاستقامة، والقول الجامع للثبات: هو عندما سئل صلى الله عليه وسلم عن حقيقة الإسلام قال: "إيمان وثبات". وعندما سئل أيضًا قل ليس في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك قال: "قل آمنت بالله ثم استقم"2.
1 صحيح الإمام مسلم، الطهارة:"3/ 367".
2 مسند الإمام أحمد، مسند المكيين:"14990".