الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
12-
والله إني لأحبك
.
من صفات الداعية التفاني في العمل، وإظهار الحب للناس وخاصة إخوانه المؤمنين وحب الخير لهم، نحن بحاجة إلى داعية يملك قلبًا يتحرق على واقع الإسلام والمسلمين، وعلى أوضاع الأمة في مشارق الأرض ومغاربها، يعطف على إخوانه، ويحقق قول الحق سبحانه وتعالى:{أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} 1، وقول رسوله صلى الله عليه وسلم:"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" 2 هكذا يكون المؤمن الداعية، يعيش هموم الدعوة ويسلك الطرق، والوسائل التي تقربه من الناس وتجعل حديثه مقبولًا، ومن ذلك إظهار الحب للناس وإيصال الخير لهم، بما يقدمه من علم نافع، وتوجيهات صائبة تكون لهم معالم في الطريق إلى الله سبحانه وتعالى، علما أن إظهار الحب من سنن المرسلين، فقد قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ:"والله إني لأحبك"، وكان أسامة بن زيد يلقب بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مر رجل بالنبي صلى الله عليه وسلم عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل جالس، فقال الرجل: والله يا رسول الله إني لأحب هذا في الله، فقال رسول الله -صلى الله عليه سلم: "أخبرته بذلك؟ قال: لا، قال: قم فأخبره تثبت المودة بينكما فقام إليه الرجل فأخبره فقال: إني أحبك في الله أو قال: أحبك لله، فقال:
1 سورة الفتح: الآية 29.
2 رواه البخاري: "6011"، ومسلم:"2585"، وغيرهما من حديث أبي موسى الأشعري.
"الرجل أحبك الله الذي أحببتني فيه" 1، وما ينبغي للداعية أن يقول للمدعوين: أثناء حديثه معهم: -إني أحبكم في الله، وأحب لكم الخير والسعادة، والسعادة تكمن في التعاون بين أفراد المجتمع، بين الحاكم والمحكوم بين الجار وجاره2، وبين أفراد المجتمع المسلم بعضهم مع بعض وبين أفراد الأسرة، وغيرهم قال تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} 3، كان الشيخ محمد رشيد رضا يتألم لواقع المسلمين، وتظهر أحزانه على قسمات وجهه حين تحل بأحد المسلمين مصيبة أو قارعة، ويفرح إذا كان الأمر على العكس من ذلك، حتى إن والدته عرفت عنه هذا الخلق، فإذا رأته حزينًا كاسفًا سألته ما لك يا ولدي: أمات اليوم مسلم بالصين؟؟ وهذا هو الولاء الحقيقي للمسلمين وحب الخير لهم، ومن هذه العاطفة الجياشة التي ينبغي أن يحملها المسلم الداعية، أن يملك قلبا يتأثر لأخطاء المسلمين وانحرافه عن الدين، فيحزن لانتشار الفسق والمعاصي بينهم حزنا لا يدفعه لاعتزالهم، إنما يدفعه للعمل المتواصل معهم فهو كالطبيب يحاول إنقاذهم، فإن لم يدرك ذلك كله فليقلل من هذا الانحراف بقدر ما يستطيع، فينبغي
1 رواه الإمام أحمد: "13123".
2 الجوار: يشمل الجار في السكن، الجار في المزرعة، الجار في المتجر وفي المصنع وفي العمل الوظيفي، وكذلك حسن الجوار بين الدول:"لا يؤمن أحدكم حتى يأمن جاره بوائقه". قال صلى الله عليه وسلم: "والله لا يؤمن والله يؤمن"، قيل: من يا رسول الله؟ قال: "الذي لا يأمن جاره بوائقه". صحيح الإمام البخاري، كتاب الأدب:"6016" من حديث أبي شريح.
3 سورة المائدة: الآية 2.
أن تدعوه هذه العاطفة1 إلى الغيرة على نفسه، وزوجه وولده والناس أجمعين فيأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ويمنعهم عن ارتكاب ما يسخط الله سبحانه وتعالى. إن عاطفة حب الناس وحب الخير لهم إذا تحركت في القلب أثمرت دعوة، ونصيحة وصار لها قبول في الأرض وتوفيق في السماء. أما حين يفقد الإنسان هذه العاطفة فيعيش لنفسه، وولده وزوجه، يعيش ليستمتع ويتلذذ بما حوله وينسى هموم إخوانه المسلمين، فإنه حينئذ يكون قد تخلى عن حقيقة الولاء للمؤمنين، وإن دندن في أحاديثه حول الدعوة، والدعاة ومصائب المسلمين، فينبغي أن تصدر الكلمات والعبارات عن حماس وغيرة على هذا الدين وأهله، والسعي الحثيث على توصيل النفع والخير إلى عموم الناس حتى يدخلوا في هذا الدين أفواجًا كما دخل أسلافهم.
إن التوازن في شخصية الداعية أمر مطلوب، وإظهار الحب والشفقة واللين من الأمور الأساسية لنجاح الداعية، ومن اللين أن يتعامل مع كل حالة بما يقتضيه من الأخذ بقوة أو الرفق واللين، غير أنه يبقى أن الأصل في التعامل الاجتماعي اللين والرفق؛ لأن اللين والشفقة ظاهرة سلوكية تنبع من القلب.
فحب الخير للناس وإظهار الشفقة عليهم، وحب إنقاذهم مما هم فيه من معاص، وآثام تجعلهم ينقادون مع الداعية ويتبعونه، ويتركون ما هم عليه من معاص وشر، ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله. إن شخصية الداعية لتقتضي القدرة على التعامل مع كل الناس بالشفقة
1 وهي الولاء للمسلمين وحب الخير لهم.
واللين، وبما أن الداعية له علاقة مع الناس، ينبغي أن تسود هذه العلاقة الشفقة، والرحمة واللين والعطف في جميع صور التعامل في جميع نواحي الحياة التي تقتضي منه السماحة، والشفقة واللين فإن الناس إذا تبين لهم واتضح لهم المقصود من دعوة الداعية، فإنهم سرعان ما يستجيبون وينقادون لهذه الدعوة، وهذا هدف أساسي للداعية إلى الله أن يخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن ظلمات الجهل والجاهلية إلى نور الإسلام، ومن الموت إلى الحياة قال تعالى:{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} 1.
فإظهار الحب للناس من الأمور الهامة والأساسية للداعية؛ لأن الناس يتوسمون فيه الخير، وينتظرونه منه، فعلى الداعية أن يجمع بين حسن الخلق وحب الخير للناس، فإنه أدعى لقبول دعوته، إذ إن صور الشدة والغلظة والعنف صور مشينة معيبة تنفر منها الطباع البشرية، بينما صور الشفقة والرحمة، تزين صاحبها وترتاح لها النفوس، وتأنس إليها القلوب.
1 سورة الأنعام: الآية 122.