الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
قبل أن تدعو:
لا بد أن تكسب قلوب الناس ويكون ذلك بإظهار المودة، والمحبة والنصح وحب الخير لهم، وبصفة أعم التخلق بمجموعة من الصفات الرفيعة والأخلاق العالية التي إن توفرت في شخصية المسلم الداعية تجعل الناس ينجذبون إليه، ويتعلقون به ويقبلون على كلامه ويقبلونه، عن سهل بن سعد الساعدي قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا أنا عملته أحبني الله، وأحبني الناس قال صلى الله عليه وسلم:"ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبونك" 1، وقد أثر عنه صلى الله عليه وسلم:"أنه من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبه" 2 الحديث. فاحرص أيها الداعية اللبيب على كسب قلوب الناس أولًا، وليكن قصدك من ذلك ضمان توصيل الخير لهم عن طريق الدعوة بالتي هي أحسن بالوسائل والأساليب المؤثر، علمًا أن هناك وسائل تحبب الناس إليك، وتحببك إلى الناس منها الرفق واللين، والزهد فيما في أيدي الناس، والبشاشة وغيرها كثير لكن ذلك يعتمد على أسلوبك وحسن تصرفك مع الناس، فقد كان الصحابة -رضوان الله عليهم- حريصين كل الحرص أن تكون شخصياتهم مقبولة ومرضية لدى الناس، بالإضافة إلى حرصهم على أن يبلغوا رضى الله سبحانه وتعالى أولا وقبل كل شيء، ولا تعارض بين الحرصين، ولا بين الإرادتين فقد ثبت في الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من التمس رضا الله بسخط الناس
1 سنن ابن ماجه/ كتاب الزهد: "4154".
2 صحيح سنن الترمذي/ كتاب المناقب من حديث طويل: "3638".
"كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله، وكله الله إلى الناس"1. وقد كان صلى الله عليه وسلم يتحبب إلى بعض ضعاف الإيمان بشيء من العطايا تأليفا لقلوبهم واستنقاذًا لهم من النار.
بالإضافة إلى أن "الدعوة الإسلامية تهذب رغبات الناس وشهواتهم، وتسمو بهم إلى مدارج الكمال البشري المنشود، وهي مع ذلك تصادم كثيرًا من الطبائع المنحرفة والفطرة السقيمة، والإرادات الشيطانية، لذا فقد يجنح الداعي إلى توخي رضا من يدعوهم، فهل هذا من آفات ترك الإخلاص؟ الواقع أننا في هذه المسألة إزاء حالتين متباينتين متضادتين.
الحالة الأولى: أن يطلب رضا من يدعوهم للرضا ذاته لا يشوبه مقصد آخر من مقاصد الدعوة، وهذا لا يسلكه إلا ضعيف الإيمان.
الحالة الثانية: أن يطلب رضا من يدعوهم يتوخى إيمان المدعو، وصلاح أمره وفيأته إلى الحق ورجعته إلى خالقه، فهو يداريه إما توقيا لشره ودفعا لغائلته، أو طلبا لخيره واستجابته من غير مداهنة، فالحال آنئذ لا يطعن في أصل الإخلاص وإنما الأعمال بالنيات، وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن رجلًا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال:"بئس أخو العشيرة، وبئس بن العشيرة". فلما جلس تطلق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل، قالت له عائشة: يا رسول الله، حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه وانبسطت له؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا عائشة متى عهدتني فحاشا إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره"2.
1 صحيح سنن الترمذي/ كتاب الزهد: "2414".
2 متفق عليه رواه الإمام البخاري: "5/ 2244""5685"، وعند مسلم:"4/ 2002" =
والتحبب إن لم يكن خالصًا لله، فسينقلب إلى نوع من النفاق والمداهنة، فالحب في الله هو الذي يجعلك تحرص على اكتساب قلوب الناس لما تطمح من إيصال الخير لهم على يديك، فالواجب على المؤمن أن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من أحب وأبغض لله وأعطى لله، ومنع لله فقد استكمل الإيمان" 1، ومن الصور الداعية إلى كسب قلوب الناس أيضًا؛ الهدوء والسكينة والوقار، وكذلك اللقاء بالترحيب والبشاشة واستدامة التبسم، وفي سيرته صلى الله عليه وسلم الكثير من هذه الصور، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يمر بالصبيان فيسلم عليهم ويلاطفهم ويمازحهم. وكثيرًا جدًّا ما كان يفعل ذلك، ومجمل هذه الصفات تجعل صاحبها مقبولًا محبوبا عند الناس، وقد يكون التحبب أحيانًا بصور بسيطة كالتي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان فمن رأى شيئا يكرهه، فلينفث عن شماله ثلاثا وليتعوذ من الشيطان، فإنها لا تضره وإن الشيطان لا يتراء بي" 2، في الحديث الآخر عن أبي سلمة قال: إن كنت لأرى الرؤيا، فتمرضني حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الرؤيا الصالحة من الله فإذا رأى أحدكم ما يحب، فلا يحدث بها إلا من يحب وإن رأى ما يكره، فليتفل عن يساره ثلاثًا
= "2591"، والرجل هو عيينة بين حصين الفزاري. عن كتاب أصول الدعوة وطرقها رقم "2/ 53، 54" د. عبد الرب بن نواب الدين.
1 صحيح سنن أبي داود. كتاب السنة: "4681".
2 صحيح الإمام البخاري/ كتاب التعبير: "6995".
"وليتعوذ بالله من الشياطين وشرها، ولا يحدث بها أحدا فإنها لا تضره" 1، وذلك كنوع من المشاركة الوجدانية، واختيار المداخل إلى القلوب لكن ذلك يحتاج منك إلى فطنة، ومعرفة تامة بمداخل القلوب والتسلل إلى أعماقها بأسلوب جذاب تستطيع -أخي الداعية- من خلاله أن تأسر النفوس، وتملك زمام القلوب، وذلك بالصدق والأمانة والحلم والأناة، والتواضع والكرم والسخاء والجود والبذل والعطاء، وهذه الصفات من صفات الأنبياء والمرسلين. كما أنها من خصال الدعاة والمصلحين، وشعار المتقين والصالحين. وأصل الأمر وملاكه أن تكون محبوبًا عند الله، فهو بعد إذ يضع لك القبول في الأرض، فاحرص على حب الله لك يفتح لك قلوب الناس، وتخلق بما يدعو إلى التحبب، فالداعية اللبيب من يكون قادرًا على فتح قلوب العباد قبل فتح البلاد.
1 صحيح الإمام مسلم/ كتاب الرؤيا: "2261".