الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول: صفات لا بد منها للداعية:
1-
الإخلاص:
لا بد للداعية إلى الله أن يجعل الإخلاص، والتجرد نصب عينيه، في القول والعمل، في السر والعلانية، وأن يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن؛ لأنه صاحب رسالة وعليه مسئولية عظيمة قد شرفه الله بها، لذا ينبغي أن يكون هدفه إنقاذ البشرية، بهذا الدين الذي هو حياتها، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} 1، وقوله تعالى:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 2.
فمهمتكم أيها الدعاة: هي مهمة الأنبياء والرسل، قال الله تعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 3، فالعمل في الدعوة من أشرف الوظائف وأجل الأعمال، وأعظم المهمات، فاحمدوا الله على هذا الشرف العظيم، وأدوا الأمانة التي حملتموها، فأنتم على ثغر من ثغور الإسلام، فالله الله أن يؤتى الإسلام من قبلكم.
1 سورة الأنفال، من الآية:24.
2 سورة الشورى، الآية:52.
3 سورة يوسف، الآية:108.
والإخلاص الذي يريده الله سبحانه وتعالى، ويتوقف عليه قبول العمل هو إفراد الله سبحانه بالطاعة والعبادة، وقصده بها دون سواه، وتجريد النية وتصفيتها من جميع الشوائب، لا يقصد بذلك المدح والثناء، أو أي معنى آخر سوى التقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى:{قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي} 1.
والإخلاص مصدره نية القلب، والنية هي معيار الأعمال ومقياسها العادل، فالطاعات تتفاوت بتفاوت النية:"إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"2.
وقبول العمل عند الله عز وجل يكون بشرطين أساسيين:
أ- الإخلاص لله وحده.
ب- المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم.
فالداعية يجب عليه أن يبتغي بدعوته للأفراد والجماعات، وجه الله سبحانه وتعالى. كما يجب على الداعية أن يبتعد عن الرياء والسمعة، وأن يخلص العمل لله وحده، ولا يقصد من دعوته تكوين جماعة أو حزب، فإذا أخلص الداعية عمله لله، ورزق المدعو الاستقامة، فإن الله تعالى يكتب للداعية مثل أجر المدعو، ولا ينقص من أجره شيئًا. ففي الحديث:"من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه غير أنه لا ينقص من أجورهم شيئًا". الحديث3.
فأخلص أخي الداعية العمل لله. قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} 4، وعن أبي هريرة رضي الله عنه
1 سورة الزمر، الآية:14.
2 رواه مسلم، كتاب الإمارة:"1907"، ورواه البخاري، كتاب الوحي: رقم "1".
3 رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، والنووي على مسلم:"16/ 227".
4 سورة الكهف، من الآية:110.
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه"1.
فلا بد للداعية أن يجعل الإخلاص نصب عينيه أثناء قيامه بمهام الدعوة، وفي جميع أعماله، ومنها النصيحة فإنها طاعة وعبادة، والعبادة لا تقبل إلا إذا نوى بها وجه الله والدار الآخرة، فعملك معروض على الله لا تخفى منه خافية، فأتقن العمل فإن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملًا أن يتقنه، ثم ثق ثقة تامة أن الله سوف يجازيك على عملك، فإن الأجير يأخذ أجره، إذا أتقن عمله وأنهاه بشرط أن يكون على المواصفات والشروط المطلوبة، فإن أخل العامل بشرط لم يستحق الأجر، فتنبه أخي الداعية، واجعل الإخلاص شعارك فإنه سبيلك إلى النجاح في الدنيا والآخرة، وأختم هذه الموضوع بقصة تبين أن قوة الداعية وتأثيره يمكنان في إخلاصه؛ لأنه يكون عندئذ موصولًا بالله القوي العزيز.
كان عابد من العباد في الأمم السابقة، يعبد الله دهرًا طويلًا، فجاءه قوم فقلوا: إن ههنا قومًا يعبدون شجرة من دون الله تعالى، فغضب لذلك وأخذ فأسه على عاتقه، وقصد الشجرة ليقطعها، فاستقبله إبليس في صورة شيخ، فقال:
أين تريد
…
رحمك الله؟
قال: أريد أن أقطع هذه الشجرة.
قال: وما أنت وذاك؟ تركت عبادتك، واشتغالك بنفسك وتفرغت لغير ذلك.
1 صحيح الإمام مسلم: الزهد "55/ 5300".
قال: إن هذا من عبادتي.
قال: فإني لا أتركك أن تقطعها.
فقاتله، وما هي إلا لحظات، حتى طرحه العابد على الأرض، وقعد على صدره.
فقال إبليس: أطلقني حتى أكلمك، فقام عنه فقال إبليس: يا هذا
…
إن الله تعالى قد أسقط عنك هذا، ولم يفرضه عليك، وأنت لا تعبدها، وما عليك من غيرك؟ ولله أنبياء في أقاليم الأرض، ولو شاء لبعثهم إلى أهلها وأمرهم بقطعها.
فقال العابد: لا بد لي من قطعها. ونابذه القتال، وتصارعا، فغلبه العابد ثانية وصرعه وقعد على صدره، فلما رأى إبليس عجزه وضعفه سلك طريق الاحتيال، وعلم أن هذا الرجل ما دام مخلصًا لله فلن تكون قوة في الأرض تغلبه، أو تثنيه عن عمله
…
وبالفعل
…
فقد لجأ إلى أن يغيير العابد نيته، وأن يريد غير الله وثوابه.. فقال له:
هل لك في أمر فصل بين وبينك؟ وهو خير لك وأنفع؟
قال العابد: وما هو؟
قال إبليس: أطلقني حتى أقول لك، فأطلقه.
فقال إبليس: أنت رجل فقير لا شيء لك.. إنما أنت كل على الناس يعولونك، ولعلك تحب أن تتفضل على إخوانك وتواسي جيرانك، وتشبع وتستغني عن الناس؟
قال: نعم.
قال: فارجع عن هذا الأمر، ولك علي أن أجعل لك في كل ليلة