الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4-
كن صادقًا:
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} 1، وقال تعالى:{قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} 2، ما أحوج الداعية إلى هذا الخلق والتمسك به، والصدق يشمل كل ما يصدر عن الداعية من الأقوال، والأفعال والتصرفات الظاهرة منها والباطنة، فيكون صادقًا في مواعيده ومعاملاته، فلا يتأخر عن موعد المحاضرة أو الدرس، وإن حصل له مانع، عليه أن يعتذر في الحال، بأن يرسل نائبًا عنه، أو يتصل بالهاتف، أو يرسل من يخبرهم بالتأخير، ولا يترك الناس ينتظرون ويبدأ عندهم الهرج والمرج ويظنون به الظنون، والداعية إلى الله أحوج الناس إلى الصق في كل شيء، فالصدق منهج عام، وسمة من سمات شخصية الداعية في أقواله وأفعاله، والصدق في القول: تعبير عن شخصية واضحة، ومروءة عالية وشهامة وكرم، ولا يلجأ للكذب إلا لئيم الطبع خبيث النفس ضعيف الشخصية؛ والفطرة السليمة تستعيب الكذب وتستقبحه، ولذلك أجمعت الديانات السماوية على تحريمه وتجريمه، فما بالك بالداعية، أتراه يتصور صدور الكذب منه؟ أعتقد بمشيئة الله لا، ولكن قد يتوسع في التورية مما قد يظن السامع أنها كذب إذا فهم خلاف ما يقول. إن صدقنا في حمل دعوتنا هو الذي يجعل الناس يقبلون علينا
1 سورة التوبة، الآية:119.
2 سورة المائدة، الآية:119.
ويقبلون دعوتنا، إذا فالوسيلة الأولى لنجاح الداعية هي صدقه في حمل دعوته، وجديته في ذلك، وأن يكون الصدق في الأقوال، والأعمال منهجه وشعاره، وأن يكون حديثه عن معاناة، وقديما قيل:"الكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب، وإذا خرجت من اللسان لم تتجاوز الآذان". والله سبحانه يجزي على الصدق كما يعاقب على الكذب قال الله تعالى: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ} 1، والصدق من الأخلاق الأساسية التي يتفرع عنها غيرها، يقول الحارث المحاسبي: "واعلم -رحمك الله- أن الصدق والإخلاص أصل كل حال، فمن الصدق يتشعب الصبر، والقناعة والزهد والرضا والإنس، وعن الإخلاص: يتشعب اليقين والخوف، والمحبة والإجلال والحياء.
والكذب ليس من أخلاق الرجال؛ لأنه منقصة وجبن، وكان العرب في الجاهلية يتحاشون الوقوع فيه، وإن من أشد الكذب إثما وأعظمه جرما أن يكذب على الله ورسوله، فينسب إلى دين الله ما ليس منه، ويدعي في الشرع بما لا يعلم، بأن يفتي الناس بدون علم ولا دليل شرعي، أو يختلق نصوصًا ليس لها أصل، أو يلوي عنق النص من القرآن، أو السنة ليوافق هواه ومبدأه، فهو كذب شنيع على دين الله، عن علي بن ربيعة قال: أتيت المسجد والمغيرة أمير الكوفة قال: فقال المغيرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن كذبا علي ليس ككذب على أحد، فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" 2، وعن
1 سورة الأحزاب، من الآية:24.
2 أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، وعند مسلم في المقدمة رقم "4".
حفص بن عاصم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع"، وعن أبي هريرة مثل ذلك1. فليحذر الذين يبادرون إلى الفتوى بغير علم، وليحذر الذين يشيعون الأحاديث المنكرة، والموضوعة من المشاركة في الكذب على الله وعلى رسوله.
وهل يكب الناس في النار على وجوههم، وقيل: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم، فقد تقوم صراعات وتثور فتن، وتتفرق جماعات وتضيع حقوق وتذهب أوقات دون فائدة بسبب كلمة طائشة، أو اتهامات غاضبة أو نقل لكلام خاطئ، ومنه الغيبة والنمية، والخوض في أعراض الناس في المجالس وغيرها، بل قد تكون فاكهة المجلس ومحور الحديث، فينبغي على الداعية حفظ لسانه عن مثل هذه المحرمات والتحذير منها.
يفسر ابن حجر حفظ اللسان "بالامتناع عن النطق بما لا يسوغ شرعا مما لا حاجة للمتكلم به"، ويشير النووي إلى ما يعين المتكلم على حفظ لسانه فيقول:"وينبغي لمن أراد النطق بكلمة أو كلام أن يتدبره في نفسه قبل نطقه، فإن ظهرت مصلحته تكلم به وإلا أمسك لسانه"، "فالضابط الأساسي لحفظ اللسان الحذر من التسرع في الكلام، والتدبر والتفكر قبل إخراجه ووزن الكلمة في ميزان الشرع، وابتغاء المصلحة الشرعية وإلا فعليه أن يمسك لسانه".
ومن حفظ اللسان حمايته من الخوض فيما لا يعني ولا يغني، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد وجه المسلم لاغتنام طاقاته فيما ينفع، وترك ما يضر ففي الحديث الصحيح: "إن من حسن إسلام المرء تركه ما لا
1 صحيح الإمام مسلم، المقدمة رقم "5".
"يعنيه" 1 ومن سوء استعمال اللسان أن يطلق له العنان، والأصل في اللسان الحفظ والصون قال صلى الله عليه وسلم:"كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما يسمع"2.
1 سنن الإمام الترمذي، كتاب الزهد:"33/ 2240".
2 أخرجه الإمام مسلم: "ص33" من هذا الكتاب.