الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-26 -
الثورة على الفرنسيين
لقد كنت كتبت عن الثورة السورية كتابات كثيرة لا أستطيع (ولا أريد) أن أجمعها هنا، ولا أقدر الآن على كتابة مثلها، من سنة 1347هـ حين كنت في مصر وكتبت في «الزهراء» (1) قصة «شهيد الغار» الأمير عزّ الدين الجزائري، ووضعتها في كتابي «الهيثميات» المطبوع سنة 1930. وفي تلك السنة بدأت أكتب في مجلة «الناقد» (2) قصة طويلة عن «حسن الخرّاط» فوقَفها الفرنسيون بعد نشر الفصول الأولى منها، وفي كتابي «دمشق» قصة عنوانها «في خرائب الدرويشية»، وفي كتابي «هتاف المجد» الكثير عن الثورة والنضال وعن قضية فلسطين والجزائر.
وقد يسأل قارئ: ومَن حسن الخراط؟ وحقّ له أن يسأل، فما في الألف من القرّاء واحد يعرف من هو أو سمع باسمه، وما فيهم واحد في الألف لم يسمع باسم غيفارا أو كارلوس الإرهابي،
(1)«الزهراء» لمحبّ الدين الخطيب، وكانت تصدر في مصر وتُعَدّ المجلة الأدبية الأولى.
(2)
«الناقد» لأديب الصفدي، وكانت تصدر في دمشق.
أفليس هذا عجيباً؟ نجهل أسماء أبطالنا المجاهدين ونحفظ أسماء المجرمين المفسدين، فهل كان ذنب حسن الخراط أن ظهر في أمّة لا تقدّر أبطالها ولا تنصف رجالها؟
حسن الخراط حارس ليلي، خفير من خفراء البلد كان عمله أن يحرس بيوتها من اللصوص، فلما رأى لصوصاً أخطر وشرهم أكبر قد سرقوا البلد كله نهض مع مَن نهض من الثوار يحمي الذمار ويمحو العار.
وقف مع إخوانه الذين باعوا نفوسهم لله لمّا أعلن أنه اشتراها من المؤمنين. وقف في وجه فرنسا يوم كانت فرنسا تملك أقوى جيش برّي في العالَم، يوم خرجت من الحرب ظافرة على هامتها غارُ النصر، يوم اقتسمت هي وزميلتها إنكلترا، عفواً بل بريطانيا العظمى التي لم تكُن تغيب عن أملاكها الشمس في القارات الخمس، فانكمشت وتضاءلت ورجعت إلى حقيقتها وانزوت في ركن من جزيرتها، فلم تعُد تطلع عليها الشمس إلاّ بضعة أيام على طوال العام. اقتسمتا بلاد الله على كُره أهلها، فأخذت فرنسا جانبَين من جوانب البحر الذي كان يُقال له يوماً بحر العرب، وكان العرب بل كان المسلمون يملكون جوانبه كلها إلاّ الأقل منها.
أخذت المغرب والجزائر وتونس، والشام (ولبنان من الشام)، وأخذ الإنكليز مصر وجنوبي الشام، أي فلسطين (وفلسطين من الشام). ولم تبقَ في ديار المسلمين بقعة لم يصل إليها الاستعمار إلاّ هذه الجزيرة، فقد حام حولها ولم يَلِجها ومد أصابعه إليها ولم يرفع علمه عليها.
وكذلك الدنيا؛ الناس فيها كفِرَق متسلّقي الجبال، يصعدون حتى يبلغوا الذروة التي لا مصعد بعدها، فيهبطون حتى يبلغوا القرارة التي لا مهبط بعدها، فيصعدون.
يولد الإنسان ضعيفاً لا ينطق ولا يمشي، فإذا كبر قوي حتى يغدو الخطيبَ الذي يسوق الجموع بكلمة من فمه أو الشاعرَ الذي يغوص في أعماق النفس أو يطير في سماء الخيال، يرصف الكَلِم درراً وجواهر، وأين الجواهر والدرر من عبقري المقال؟ ويمشي على الأرض بخيول من مركبات الحديد تسابق الريح في مهبّها فتصل قبلها، ثم يعلو في الجِواء على نسور من المعدن فيجاري الأصوات، ويكون أسرع منها فيسبقها. ويصل إلى القمر فيفجع الشعراء والعشّاق بحلم عاشوا عليه دهراً، ويحوّل القمر الذي طالما تغنوا بجماله وسحره إلى حجارة وتراب يطؤونها بأقدامهم! وبعد أن كان لا يفرّق بين الجمرة والتمرة ولا يدري كيف يشرب الماء من الكوب، قَوِي حتى كشف بعقله خفايا الوجود مما كان يظنه الأقدمون غيباً وماهو بالغيب. إن ما جعله الله غيباً يستحيل أن يطّلع عليه بشر، وما يطّلع عليه البشر لا يكون من الغيب:{ولا يُحيطونَ بِشَيءٍ مِن عِلمِهِ إلاّ بما شاءَ} . حتى إذا بلغ أشدّه واستوى على قمة القوة بدأ الضعف: {اللهُ الذي خَلقَكم من ضَعفٍ، ثمّ جعَلَ مِن بَعدِ ضَعفٍ قوّةً، ثُمّ جعَلَ من بعدِ قوّةٍ ضَعفاً وشَيْبةً} .
وكذلك الدول: كنا نحن أعزّ وأكرم وكنا الأعلم، فوقفنا وساروا، فصاروا لمّا ساروا أقوى منا وغدَوا هم العلماء من دوننا.
هبطنا من يفاعنا وأضعنا ملكنا، ونمنا وطال نومنا فطمع الطامعون فينا. كنا كالأسد في غابِهِ، لمّا ساد الغابَ وتوارت منه الذئابُ ولم يصمد له منها ظفر ولا ناب اطمأنّ وسكن، واسترخى فأدركه النعاس وغلبه الوسَن. فلما استغرقه المنام استيقظت الذئاب وطمعت فيه الثعالب.
ولكن الأسد يبقى أسداً ولو نام، والجوهر لا يصير زجاجاً ولو رميته في الوحل، والزجاج لا يغدو ألماساً ولو وضعته في صناديق الحديد. يرسب الذهب إذا أُلقيَ في الماء وينزل إلى قعر الإناء، ويطفو التبن والبعر، ولكن هذا لا يُغلي التبن ولا يرخص التبر:
وإنْ تكُنِ الأيّامُ فينا تبدّلَتْ
…
بنُعمَى وبُؤسَى والحوادثُ تفعَلُ
فما ليّنَتْ منّا قناةً صَليبةً
…
ولا ذلّلَتنا للّتي ليس تَجمُلُ
* * *
لقد أخذ الأسد يستيقظ، إنه يمدّ يديه ثم يسترخي فيعاود المنام. لقد بدأت حركات النضال؛ فمن انتفاضة سنة 1919 في مصر وما كان فيها من أحداث، إلى أحداث الرّميثة في العراق، إلى ثورة الريف المغربي التي قادها الأمير محمد عبد الكريم الخطابي فحارب فرنسا وإسبانيا معاً. ولقد لقيته في مصر سنة 1947 بعد عودته من المنفى فوجدت فيه عالماً تقياً عابداً في ثوب قائد، رحمه الله فلقد كان مجاهداً مؤمناً (1).
(1) في كتابي «هتاف المجد» فصل عنه.
ثم كانت الثورة السورية وامتدّت ثمانية عشر شهراً، كانت تمتلئ بأخبارها البرقيات وأعمدة الصحف وتتصدر أكبر جريدتين يومئذٍ: التايمس والطان (أي الزمان). لقد قهروا جيش فرنسا، وأنا أقول الحقّ لا أنظم قصائد الفخر ولا أسجل أحلام اليقظة ولا المنام. كانت تخرج الحملة (والكلمة من تعبيرات الثورة) فيها الدبابات والمصفحات يقودها جنرال أو كولونيل وفيها الألوف من الجنود، فيردها عشرات (وإن كثروا فمئات) من الثوّار، سلاحهم البنادق والسيوف، وسلاح آخر أقوى من السيوف والبنادق هو الإيمان.
لا يسخرْ أحدٌ من هذا الكلام، فإن البندقية مع الإيمان أقوى من المدفع بيد غير المؤمن، والحجارة في أيدي شباب فلسطين اليوم وأطفالها تفلّ الحديد وتغلب البارود في أيدي كلاب، لا بل خنازير يهود، ما يبلغون أن يُدعَوا كلاباً فللكلاب وفاء، ويهود الغدرُ من طبائعهم والمراء. الإيمان ولو كان بالجبت والطاغوت قوة لا تكاد تُغلَب، والمثَل فيتنام. أما أتعبت بل أعجزت فيتنامُ أقوى دول الأرض، وهي لا تؤمن بالله ولا باليوم الآخر ولا يرجو قتيلُها جنةً ولا يرقب ثواباً؟
هذا هو المثل الواطي القريب، أما المثل الأعلى لما يصنع الإيمان من عجائب فهو المسلمون الأولون، الذين مشوا لإعلاء كلمة الله شرقاً إلى تركستان وأطراف الصين ومشوا غرباً حتى اقتحم عُقْبة بفرسه ماء البحر بحر الظلمات (المحيط الأطلسي) وقال: اللهم لولا هذا البحر لمضيت مجاهداً في سبيلك حتى أفتح الأرض لنور الحق أو أموت.
المسلمون الذين فتحوا بالإسلام وللإسلام ما بين قلب فرنسا وقلب الهند، ولولا أننا خالفنا عن أمر ربنا فجعلنا لشارل مارتل (1) سبيلاً إلى كسب المعركة في بواتيه (2) لوصلنا القسطنطينية وطوّقنا عنق أوربا بأغلى عقد تزدان به الأعناق.
إنك إن استثنيت معركة حُنين مع هوازن وعَشراً أُخَر من عشرات الآلاف من المعارك التي خضناها لم تجد المسلمين إلاّ أقلّ من عدوهم عدداً، وأضعف عُدَداً، وأقلّ عتاداً ومَدداً. فَبِمَ انتصروا؟ لقد كان قُوّاد الروم والفرس ممّن درس فنون الحرب وتاريخ المعارك وسِيَر الأبطال، ففي أي كلية عسكرية درس ذلك خالد بطل اليرموك، وسعد بطل القادسية، وابن العاص، وعقبة، وموسى، وطارق، والمهلَّب؟
لقد فتح قُتيبة من الأرض أوسعَ ممّا فتح نابليون، ولكنّ ما فتحه نابليون عاد إلى أهله وما فتحه قواد الإسلام بالإسلام وللإسلام بقي للإسلام. أين الذين غُلبوا في معارك الفتوح في الشام ومصر والعراق وفارس والهند وإفريقية، أين هم؟ إنهم هم الذين يسكنون اليوم هذه البلاد، لكنْ ليس منهم مغلوب وليس فيهم غالب؛ الإسلام جعلهم إخوة، إخوة لا إخواناً ولا أصدقاء،
(1) هو جد شارلمان.
(2)
هُزم الجيش المسلم في معركة «بلاط الشهداء» سنة 114هـ (732م) واستُشهد قائده عبد الرحمن الغافقي. وقد وقعت المعركة بين بلدتَي تور وبواتيه على بعد يقلّ عن مئتَي كيلومتر إلى الجنوب من باريس (مجاهد).
بل إن رابطة الإسلام أقوى من رابطة الأخوّة بين الأشقّاء الذين ولدتهم أم واحدة من أب واحد.
* * *
لو كنتم معي أيام الثورة لقرأتم كل يوم اسم «جسر تورا» في البرقيات يبعثها المراسلون وفي أعمدة الصحف، ولم أذكر الإذاعات لأنها لم تكُن يومئذٍ إذاعات. فهل يعرف أحد منكم ما جسر تورا؟
«تورا» أحد أبناء بردى، نهر (أو ترعة بالاصطلاح المصري) عرضه لا يبلغ خمسة أمتار، عليه جسر صغير كانت تمر عليه الحملة فلا تكاد تجوزه حتى تُرَدّ عنه. من يردّها؟ جيش نظامي كجيش المارشال جوفر عند المارن (1) في الحرب الأولى؟ أم قوة مثل قوة الروس في ستالينغراد (2) في الحرب الثانية؟ لا، بل أفراد من الثوّار ما لهم خنادق كالتي يعرفها الجند ولا حصون كحصونهم ولا سلاح كسلاحهم، ما معهم إلاّ البنادق وقليل من العتاد وما يحميهم إلاّ «الدكوك» . و «الدكّ» جدار البستان، وهو تراب يُدَكّ دَكاً ويُكبَس كبساً، فإذا جفّ صار كالحجر.
(1) كانت المعركة في أيلول (سبتمبر) 1914، وهي التي ردّت الألمان عن باريس.
(2)
مدينة البلغار التي يذكرها الرحّالة المسلمون هي ستالينغراد أو هي بجوارها، فمن كان عنده علم محقَّق فليكتبه. وهي غير حكومة البلغار المعروفة. بلغاريا هذه في البلقان، ومدينة البلغار في روسيا، وأول رحّالة كتب عن روسيا هو «ابن فضلان» ، وطبع رحلتَه مجمع دمشق.
وكانت تخرج الطيارات فيرميها الثوار برصاص البندقية، وقد يُسقطونها. ما كانت كطائرات هذه الأيام، بل كانت صغيرة ما فيها إلاّ جنديان اثنان ظاهران، لها جناحان قصيران أحدهما فوق الآخر ومروحة صغيرة من أمامها، لقد رأيتموها في فِلْم «عمر المختار» .
وقفت فرنسا بجيشها وجنرالاتها وجبروتها أمام جسر تورا، لم تقدر أن تتخطاه إلاّ مرات معدودات. ثم كان ما هو أعجب؛ لقد استطاع الحارس الليلي حسن الخراط أن يدخل دمشق، دخلها على رغم هذه القوى كلها، واحتلها الثوّار ثلاثة أيام لم يبقَ فيها في البلد فرنسي واحد.
وكان الفرنسيون أصحاب الثورة الكبرى التي يدّعون أنها قامت لنشر العدالة والمساواة والحرية، الفرنسيون قوم روسو وهوغو ولامارتين، الذين صنعوا تمثال الحرية وأهدوه إلى أميركا فأقامته عند بابها الشرقي يُطِلّ على فرنسا شاكراً من وراء البحر الأطلسي. فرنسا أم الحرية ذبحت الحرية في الشام، أقامت القلاع على جبل قاسيون في دمشق وعلى جبال المزّة، لا لردّ العدو عنها بل لردّ أهلها عن استرداد حريتهم ممّن عدا عليها. والذي عدا عليها أمها
…
أم الحرية فرنسا!
ولمّا عجزت عن مواجهة الحارس الدمشقي في ميدان القتال حاربت البيوت، فهدمت الجدران ودكّت الأركان وأزالت العمران. أعادت قصّة دون كيشوت مع الطواحين!
لقد أساءت فرنسا يومئذٍ إلى تاريخها ولطخت الصفحات
البيض من أدب أدبائها بالطين. أين آداب الفروسية؟ إن الفارس الشريف يكفّ عن المبارزة إذا سقط السيف من يد خصمه فبقي بلا سلاح لأن المسلّح الذي ينازل أعزل لا يكون فارساً شريفاً، فكيف ضربت فرنسا يومئذٍ دمشق بمدافعها؟ كيف خرّبَت وأحرقت أجمل أحيائها، ما بين سوق الحميدية وسوق مدحت باشا، حيث كانت أبهى وأغلى بيوت دمشق؟ اقرؤوا كتابي «هتاف المجد» إن أردتم تفصيل هذا الإجمال وكتابي «دمشق» (1).
لقد بقي هذا الحي أطلالاً سنين وسنين، ولمّا أعادوا بناءه أخيراً بقي اسمه إلى اليوم «حيّ الحريقة» . وأحرقوا طرفاً من «الميدان» ، حي الأشاوس من كرام أهل الشام.
واسترد الفرنسيون قلب البلد (دمشق)، وبقيت أطرافها بأيدي الثوار أكثر من سنة. كنا نرى «الاستحكامات» (أي أكياس الرمل) وراءها الرشاشات في «الجسر الأبيض» ، وهو مجمع الطرق إلى أحياء السفح، إلى المهاجرين والصالحية وحيّ الأكراد (ركن الدين)، وكلها خارج حدود البلد، وفي باب الجابية والميدان كله وباب سريجة، وقصر حجاج خارج حدود البلد، وداخل الباب الشرقي قرب مكتب عنبر وما بعده خارج حدود البلد، وفي وسط العقيبة أمام جامع التوبة وما بعده خارج حدود البلد، والغوطة كلها خارج حدود البلد، أي في أيدي الثوار.
(1) في كتاب «دمشق» وصف بليغ لهذه الأحداث؛ انظر مقالة «كارثة دمشق» ومقالة «خرائب الدرويشية في دمشق» . وانظر في «هتاف المجد» مقالتَي «حوادث دمشق» و «جهاد دمشق» ، ثم اقرأ بعدها «كلمة إلى الجنرال ديغول» فإنها تستحق أن تُقرَأ (مجاهد).
ومن أطرف ما كان ما ذكرته في خطبتي في حفلة الجزائر في أواخر الخمسينيات: كان في الاستحكام في العقيبة (حيث كنت أسكن أيام الثورة) ضابط باريزي أشقر ناعم، كأن رجولته خطأ مطبعي في سجلّ الحياة أو كأنه أنثى متخفية في ثوب رجل. أَحَبّ أن يرى صورة حسن الخرّاط، فجاءه أحد ظرفاء الحيّ بصورة عنتر التي تُعلَّق في المقاهي، فلما نظر إليها ورأى سواداً كالليل وعينين تتّقدان كعينَي الصقر وشاربَين كساريتَي مركب، انخرط بطنه وأصابه الزُّحار (الدوسانطريا) فحُمل من فوره إلى المستشفى.
بقينا على هذا سنة وبعض السنة، الفرنسيون في داخل البلد والثوار في أطرافها وفي الغوطة مِن حولها. ننام على انطلاق الرصاص ونصحو على تفجّر القنابل، نهدأ ساعات من الليل قد تطول وقد تقصر، ثم تفجَؤنا (1) الهزّات والرجّات، حتى صرنا نميز طلقات بنادق الثوار من رشاشات الجند، تلك تقول:«ون ن ن ن» وهذه تقول: «طق طق طق» ، وطلقات مدافع الدبابات:«دج دج» .
يهجم الثوار فيرد الجند من «الاستحكامات» ، ثم تخرج الحملة، ثم ترجع مكسورة. ما أضعف الثورةَ إلاّ الذين خُدعوا من أبناء الشركس الذين تطوعوا للقتال وجنود السنغال الذين أُجبِروا عليه، ويوم القيامة يُبعثون على نيّاتهم ويؤاخَذون هم وغيرهم بأعمالهم، وفي رحمة الله متّسَع لكل من مات على الإيمان. اللهم
(1) هكذا تكتب الهمزة هنا لأن الضمّ أقوى من الفتح.
رحمتك لنا وللمسلمين.
* * *
كُتب عن الثورة الكثير لكنها لم تؤرّخ كما ينبغي، ولم أكُن فيها لأكتب عنها من داخلها لذلك وصفت ما يراه مثلي من الظاهر. ما كنت مَن خاض غمارها؛ كنت شاباً تقصر سنّي عن خوضها، وإن كان كثير من أقراني قد شاركوا فيها وأبلوا أحسن البلاء.
لمّا أُحرقَت دمشق كنت أرى النار من بعيد، أرى لسانها ممتداً يلحس الدور والقصور، فيمحو الحياة منها كما يُمحى لوح التلميذ إذ يلحسه بلسانه، فأُحِسّ قلبي يحترق أسىً مثلما تحترق دمشق. وعندما كانت تخرج الحملات معها الدبابات والمصفّحات، فتواجهها البنادق القديمة فتردّها مكسورة، كنت أسمع الأنباء من بعيد فأشعر بالفخر وأجد الرضا، فأحمد الله أنْ نصر المجاهدين، وآمُل أن تعود الحرية ويرجع الخير إلى دمشق ويعمّ بلادَ المسلمين.
* * *