الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-36 -
في جريدة «فتى العرب»
بقي الفرنسيون في الشام خمساً وعشرين سنة، ما كففنا يوماً منها عن جدالهم وجلادهم طلباً للحرية التي استُلبَت منّا ورفضاً لهذا الانتداب الذي فُرض علينا، ولكن كان فينا (كما يكون في كل أمة من الناس) مَن مالأهم ومال معهم أو سايرهم وداراهم، باع دينه بعرَض من الدنيا قليل: بمنصب أو بوجاهة أو بمال، فأعانهم بمنصبه أو بقلمه أو بلسانه. أما أنا فما قابلت (والحمد لله) من الفرنسيين إلاّ مَن كان معلّماً عندنا (في مكتب عنبر) ومن اضطُررت إلى مقابلته من غيرهم.
ومن أخبث هؤلاء المعلمين رجل اسمه تريس، جعلوه مدرّس الأدب الفرنسي وهو لا يدري منه شيئاً، لأنه كان في بلده يعلّم مدرسة ابتدائية. وهو استعماري خبيث كان يقول لهم (كما أخبرني -بعدُ- أستاذُنا الفاضل شكري الشربجي رحمه الله: عندكم طالبان خطران جداً، علي الطنطاوي وخالد بِكداش (وكان في المدرسة بعدي بسنة أو سنتين)، فأخرجوهما من المدرسة فإنهما إن تخرّجا فيها أتعباكم.
وقال لي الأستاذ شكري بك وهو يضحك: لو أخذوا بنصيحته لخلصوا منكما، على بُعد ما بينكما: هو شيوعي، وأنت ولله الحمد مسلم.
قلت هذا، وأزيد عليه أني لا أعرف مَن كتب في الصحف بقلمه أو قال على المنابر بلسانه في الفرنسيين لمّا كانوا في الشام أكثر ممّا كتبت وقلت، وفي كتابي «هتاف المجد» قليل من كثير من كتاباتي ومما بقي من خطبي. فإذا ذكرت لهم اليوم مزيّة فليس ذكرها تزلّفاً إليهم ولا حباً بهم، فقد ذهبوا عنا فما عادوا يضرّوننا ولا ينفعوننا، وإن كان النافع وكان الضارّ هو الله. ولكن أذكرها عملاً بقوله تعالى:{ولا يَجْرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَومٍ على ألاّ تَعدِلوا. اِعْدِلوا} .
هذه المزية التي جئت أذكرها لهم، والتي قدّمت لها هذه المقدمة، هي أن الصحافة على عهد الفرنسيين كانت حرّة لا يقيّدها إلاّ القانون. والقانون ليس قيداً، إنما القيد أن تتحكم الأهواء ومصالح الحُكّام، وإرادة أفراد يأمرون فيُطاعون ولا يُحاسَبون على ما يقولون وما يفعلون، فإذا نشرَت الصحيفة ما لا يريده الحكام (يومئذ) لم يملكوا إلاّ أن يُحيلُوها على القاضي، والقاضي لا يملك أن يحكم عليها إلاّ بالقانون، وحكم القاضي يُرفَع إلى محكمة أعلى. والقانون يستطيع أن يعدّله مجلس النوّاب أو يُبطِله. لذلك كنا نكتب فننتقد ونعترض ونقول ما نشاء.
على أني لا أريدها حرّية مطلَقة من كل قيد، فالحرّية المطلَقة لا تكون إلاّ للمجنون الذي يفعل كل ما يريد. وكل حرّية
لها حدّ؛ تنتهي حريتك في أرضك حيث تبدأ حرّية جارك في أرضه. لا أريدها حرّية الكفر بل حرّية الفكر، فإن مسّت ديننا أو أضرّت بأمّتنا أو أفسدَت أخلاقنا قلنا لها: كلا!
وقد جرّبنا الحرّية المطلَقة في صحافة لبنان، فصار من بعض الصحف سفارات أجنبية ومن بعض الأقلام معاول للهدم، وجرّت علينا ما نرى اليوم ونسمع.
* * *
وفي الأشهر الخمسة التي لازمت فيها «فتى العرب» كنت أكتب كل يوم مقالة، منها سلسلة كان عنوانها «أحاديث ومشاهدات» أشرت إليها في الحلقة السابقة من هذه الذكريات فيها مقالة كان عنوانها «إلى مجلس المعارف الكبير» ، هذه التي جاء مستشار المعارف نفسه إلى الجريدة ومعه ترجمانه ميشيل السبع ليكلمني فيها.
أكثر القرّاء لا يعرفون ماذا كان المستشار؟ كان المستشار هو الوزارة، هو يقضي وهو يُمضي، وهو يرفع وهو يضع، الأمر كله إليه والوزير معه كملكة الإنكليز مع رئيس وزرائها، إلاّ أن يجيء وزير قوي كفارس الخوري فيستردّ منه ما يستطيع استرداده من حقوقه. فإذا ذهب ذهب ما استردّه وعاد الأمر كله إلى المستشار.
هذه المقالات في «فتى العرب» ضاعت مني، ما بقي لديّ منها إلاّ أربع. ولو كان يتحقق في الدنيا المستحيل وخطر على بال أحد يوماً (بعد موتي) أن يطبع كل ما كُتب، واستطاع أن يجد مجموعة أعداد «فتى العرب» لوجدها فيها.
وأنا لا أنوي أن أعيد نشر شيء منها في هذه المذكّرات، ولكني أثبت هنا صدر مقالة «إلى مجلس المعارف الكبير» لأنه نموذج للقليل الذي ترجمتُه أو لخّصتُه من الأقاصيص الفرنسية، ولأن فيه عِبرة لنا وفائدة وحثاً لنا على تدارك ما فرط منا في حقّ عربيتنا، ثم أنشر خُلاصة عن المقالة ليرى القرّاء كيف كنا ننقد أعمال الحكومة في تلك الأيام، أيام كان يحكم الفرنسيون الشام.
* * *
قال الراوية الفرنسي ألفونس دوده في قصّة عنوانها «الدرس الأخير» : حدّث صبيّ من الألزاس فقال:
غدوت إلى المدرسة صبيحة يوم من الأيام الأخيرة من العام ولمّا أحفظ درسي، فخشيت أن يقرّعني أستاذي ويعاقبني فأخذت طريق الحقول علّي أقطع النهار في اللعب واللهو، ثم بدا لي فعدت عن هذه الفكرة وذهبت إلى المدرسة قلق الذهن مشغول البال، فما استلفت نظري إلاّ إسراع الناس مصفرّة ألوانهم، عليهم أمارات الخوف والألم، إلى حيث لا أعلم. فتبعتهم حتى وصلوا إلى دار الحاكم، ثم لم أدرِ ماذا كان بعد ذلك لأني أسرعت إلى المدرسة، فذهبت سعياً إلى غرفة الدرس فوجدت الأستاذ هامل يروح ويجيء فيها قلِقاً، قد ارتدى حلته الرسمية التي ما كان يلبسها إلاّ في يوم احتفاء أو عند قدوم مفتّش. ورأيت بعضاً من أهالي القرية قد جلسوا على المقاعد واجمين شاخصة أبصارهم بوجوه كئيبة مكفهرّة، فانسللت إلى مكاني وأنا أشدّ ما أكون حيرة ووجلاً.
وعلا الأستاذُ المنبرَ فقال بصوت مرتجف ورنة حزينة كأنها بكاء ونحيب: أولادي، هذه آخر ساعة أراكم فيها ثم نفترق إلى غير تلاق، لأن بلادكم قد احتلّها الألمان واستبدلوا لغتهم الجرمانية بلغتكم الفرنسية، فلا فرنسية بعد اليوم.
وخنقَته العبرات فما استطاع أن يُتِمّ كلامه، فعلمت لِمَ كان الناس يسرعون إلى دار الحاكم، فواأسفاه عليك يا لغتي الفرنسية، يا لغة أمتي! ثم عاد الأستاذ فقال: والآن أصغوا إليّ لأتلو عليكم «الدرس الأخير» . قم يا
…
فلم أسمع اسمي حتى ارتجفت وقمت، ولم أكن حفظت درسي فوقفت ساكناً. فقال: اجلس يا بني، اجلس، فأنا لن أعاقبك ولن ألومك فقد فات أوان اللوم والعقاب، ولكن اعلموا يا أولادي أنكم أضعتم بلادكم وسلمتموها إلى عدوكم بإهمالكم لغتكم. اسمعوا فسوف أُلقي عليكم «الدرس الأخير» .
وراح يلقيه ويكتب لنا سطراً ننسخه في دفاترنا لتحسين خطوطنا: «فرنسا ألزاس، فرنسا ألزاس» حتى قُرع الجرس، فوقف ليودّعنا ويودّع معنا استقلال بلاده فقال: أيها الأحباب، إنني، إنني
…
وغلبه البكاء فأسلم نفسه إليه، وبكينا كلنا معه. ثم مشى إلى اللوح فكتب عليه بحروف كبيرة: ليحيَ الوطن.
وخرج.
* * *
قبل أن أتكلم عن المقالة أصوّر لكم الظرف الذي كُتبت فيه. عرفتم أن الفرنسيين قطعوا الشام قطعاً، فبعد أن كانت كلها ولاية
من ولايات الدولة العثمانية تضمّ سوريا بحدودها الطبيعية جعلوا منها دولاً: دولة دمشق، ودولة حلب، ودولة العلويين، ودولة الدروز، والباقي صار فلسطين وإمارة شرقي الأردن.
ست دول كانت كلها كالولاية الواحدة! وتلك سُنّة المستعمرين في كل مكان وفي كل زمان، قانون «فرّقْ تَسُدْ» . ومن سننهم إضعاف الدين في النفوس واللغة على الألسنة (وإذا استُعبدَت أمة ففي يدها مفتاح قيدها ما دامت محتفظة بدينها ولغتها). وسلكوا إلى هذه الغاية طريقاً خفياً لا يكاد يحسّ إلاّ القليل من الناس بخطر سلوكه، هو أنهم عمدوا إلى علوم الدين، التوحيد والتجويد والتفسير والحديث ومصطلحه والفقه وأصوله، هذه العلوم الكثيرة التي كنّا ندرسها ونؤدي الامتحان فيها فلا ننجح إلاّ إن عرفنا كل واحد منها، جعلوها -من مكرهم- درساً واحداً سَمّوه درس الدين. ثم أوغلوا في الشرّ فلم يعطوه إلاّ ساعة واحدة في الأسبوع، ثم زادوا في الشر إيغالاً فلم يُدخِلوا هذا الدرس في الامتحانات العامّة. وأكثر التلاميذ لا يهمّهم إلاّ النجاح في الامتحان ونيل الشهادة، فصار الدين مهمَلاً، وصاروا يختارون لتدريس علومه أضعفَ المعلّمين، ثم ألحقوه بعلوم العربية وجعلوه جزءاً منها، فأضاعوا علوم الدين. وصنعوا في العربية قريباً من هذا الصنيع، فجعلوا النحو والصرف والإملاء والإنشاء مادة واحدة.
وكان قانون الشهادة الابتدائية أن من أخذ نصف درجة من عشر درجات وكان مجموع درجاته في الدروس (أي المواد كلها)
فوق النصف، أي أكثر من خمسين في المئة، نجح في الامتحان، ما لم يكن قد أخذ صفراً في إحدى المواد. ولا تنسوا أنهم جعلوا علوم الدين كلها مادة واحدة وعلوم العربية كلها مادة واحدة، فكان ينجح الجاهل بالدين وبالعربية.
وكنا كلما طالبنا بتبديل هذا القانون أو تعديله أمهلونا إلى أن ينعقد «مجلس المعارف الكبير» ، ولم يكن ينعقد إلاّ نادراً. لذلك كان لهذه المقالات، بصراحتها وحماستها، هذا الأثر الذي جعل مستشار المعارف يجيء بنفسه إلى الدكّان التي تقوم فيها إدارة الجريدة «فتى العرب» !
وكان ممّا قلت فيها، أنقله بنصه الحرفي:
"هذا هو التعديل الذي نطلبه من مجلس المعارف الكبير، وإن كنّا نعلم أن هناك قوة تسيطر على أعضائه ويداً تحرّكهم، وهناك من يستغلّ اسم المجلس لما يريد هو لا لما تريد الأمّة.
فهل يخيب ظننا السيّئ ونجد في أعضاء هذا المجلس من يؤدّي الأمانة، ومن يقوم بالواجب، ومن يكون المدافع عن دين الله وعن لغة القرآن، وعن شرف هذه الأمّة وعن تاريخها، ولو أدّى به ذلك إلى خسران منصبه وفقد مرتّبه؟ هل نرى في أعضاء المجلس هذا الرجل الشريف، هذا القوي الأمين؟ أظنّ أنّا لن نراه، ولكن أرجو أن يُكذّب الله ظنّي وأن أراهم كلهم ذلك الرجل".
وبعد أن أفضت في بيان إهمال الدين والعربية في مناهج
التعليم وفي الدراسة، قلت:"أما التاريخ فحسبك أن تعلم أن التلاميذ جميعاً لا يعلمون من تاريخ قتيبة والمهلَّب وابن القاسم عُشر ما يعلمون من تاريخ الثورة الفرنسية ونابليون، ولا من أخبار الأدارسة أو بني طولون ما يعرفون من تاريخ الملوك من بني بوربون".
وكان ذلك حقاً؛ فقد درسنا من تاريخ فرنسا من أيام ملوكها الميروفنجيين إلى عودة شارل العاشر إلى عرشها أكثر (أكثر بكثير) ممّا درسنا عن الخلفاء الأمويين والعباسيين، وعرفنا عن الثورة الفرنسية (ولا أزال أعرف) عن مراحلها كلها يوماً بعد يوم، وتفاصيلها كلها حادثاً بعد حادث، ما لم نعرف مثله عن تاريخ الفتوح وسِيَر الخلفاء.
أما اللغة الفرنسية فقد بدؤوا تعليمها من أول المدرسة الابتدائية، تمشي مع اللغة العربية خطوة خطوة. وما في الدنيا أمة حيّة حُرّة واعية تعلّم أبناءها لغة أجنبية قبل أن يُتقِنوا لغتهم القومية.
* * *
وكنا -مع هذا كلّه- نعيش بقايا النهضة التي كانت سنة 1919، لم نكن قد بلغنا من الضّعف في العربية ما بلغناه اليوم. أفليس عجباً أن نكون أيام حكم الفرنسيين أقوى في العربية ممّا عليه الطلاّب الآن وقد زال حكم الأجنبي (أعني الحكم المباشر) عن بلادنا؟ بل إن منها ما لم يحكمه أجنبي قط وتحقق فيه مع ذلك من ضعف الدين والعربية ما كان يتمنّاه المستعمر!
كنا في سنة 1921 نقرأ في الصف السابع (أي السنة الأولى المتوسطة) كتاب «قواعد اللغة العربية» لحفني ناصف وإخوانه، ونحفظه ونؤدّي الامتحان فيه، بل نُدخِل بين كل صفحتين منه صفحتين نكتب فيهما ما نضمّه إليه ممّا نستفيده من دروس أساتذتنا. هذا الكتاب لو وعاه أستاذ العربية ووعاه الأديب واقتصر عليه لكفاه، فكم الذين يعرفونه من الطلاّب الآن؟
كانت الدرجات في الامتحان من عشر، وكان التلاميذ في فحص الإملاء في الشهادة الابتدائية تُكسَر لهم درجة من عشر لكل غلطة في الإملاء ودرجتان لكل غلطة فاحشة يضع فيها التلميذ الهمزة في غير موضعها. فإن غلط خمساً فاحشات أخذ صفراً، فسقط في الامتحان ولو جمع العلوم كلها وأحاط بها. فكم الذين ينجحون في الامتحان لو نفّذنا فيهم هذا القانون الآن؟
كنا ونحن في أول المدرسة المتوسطة نراجع في القاموس المحيط أو اللسان، فكم الذين يعرفون كيف يرجعون إليهما الآن؟ كنا نحفظ من الشعر العربي الذي يُحتجّ به، من شعر الجاهليين والإسلاميين، مئات من الأبيات. فكم يحفظ منه الطلاّب الآن؟
ومع هذا فقد كتبت هذه المقالات التي أتحدّث عنها أندب فيها العربية وأبكي عليها، وأستصرخ أُولي الأمر لنجدتها وإسعافها، فأثارت الناس وحرّكَت الحُكّام، وتحدّث بها القُرّاء في المجالس وعلّقت عليها الصحف. ثم سكن كل شيء، فكأني ما كتبت وكأن الناس ما قرؤوا!
* * *
ومن المقالات التي كان لها صدى وكثُرَ التعليق عليها مقالة كان عنوانها «مسألة الأقلّيات» رددت بها على فايز الخوري، وهو الأخ الأصغر لفارس الخوري. وكان من زعماء «الكتلة الوطنية» ، ولكن النزعة الصليبية لا تُمحى حتى من وطنيّي النصارى؛ إنهم كما كان يقول عارف النكدي: متعصبون يُظهِرون التسامح، ونحن متسامحون بل متساهلون ونُظهِر أحياناً التعصّب. ولقد أراد مرّة الدخول في الإسلام وكلّمَني في ذلك، وكنت قاضياً في دوما، ثم تبيّن أنه هدّد بعزمه على الإسلام للخلاص من امرأته. أما أخوه أستاذنا فارس بك (وفائز بك كان أيضاً أستاذنا في كلية الحقوق) فقد شهد مَن لازمه حتى موته أنه مات على الإسلام، والقرائن التي أعرفها تثبت صحّة هذه الشهادة، فلقد كان علمه بالإسلام لا يقلّ عن علم علمائه المبرزين، وكان كلما زاره شيخنا الشيخ محمد بهجة البيطار في مرضه يسأله أن يقرأ عليه القرآن، وأوصى أن يُقرأ في مأتمه ونُفِّذت وصيّته. أسأل الله أن يكون قد مات مسلماً، قلت هذا استطراداً.
ولي في «فتى العرب» مقالات أدبية كثيرة، منها فصول متسلسلة عنوانها «شعراؤنا المنسيّون» تكلمت فيها عن ابن مفرغ وغيره، ضاعت فيما ضاع من مقالاتي.
* * *
وفي أيام عملي في «فتى العرب» طلب مني الأستاذ أديب الصفدي أن أكتب له شيئاً في «الناقد» ، وهي مجلة أسبوعية كانت من أوائل المجلاّت التي صدرت في دمشق، كانت وسطاً بين المجلات الأدبية والمجلات الإخبارية، فكتبتُ رواية عن حسن
الخراط نشرتُ منها فصولاً، كنت أعتمد فيها على الخيال أكثر من استنادي إلى الحقائق، ولم تدعني سلطات الانتداب أتمّها. وهذه الفصول في كتابي الذي طُبع في تلك الأيام وأودعته بواكير كتاباتي، وسميته «الهيثميات» لأني كنت أتكنّى بأبي الهيثم وأمضي مقالاتي بهذه الكنية.
كان أديب الصفدي صحفياً لكن لم يكن كاتباً، وكان معروف أديباً ولم يكن صحفياً. وكان الصحفيون (لمّا بدأت العمل بالصحافة حوالَي سنة 1930) طبقات: منهم أدباء اشتغلوا بالصحافة فتجلّت فيها بلاغة أقلامهم وبراعة أذهانهم، أو علماء ظهرت فيها سعة علومهم وصحّة أفكارهم. مثال الأولين معروف الأرناؤوط وأحمد شاكر الكرمي، ومثال الآخِرين محمد كرد علي وعارف النكدي ومحبّ الدين الخطيب.
أما كرد علي
…
فالكلام عنه في الحلقة الآتية.
* * *