الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالُ العَاشِرْ
أنَّ كونَ الصّيغَة للإِنشاء: تارةً تكون بوضع العَرَب كالقَسَم، وتارةً تكون بوضع أهل العُرف كصِيَغ الطلاق وغيرها (1). ولذلك فإِن صريحَ الطلاق (2) قد يُهجَرُ فيصيرُ كناية، وقد تَشتهرُ الكنايةُ فتصيرُ كالصريح للإِنشاء، ولذلك قلنا: إِن قول القائل: أنتِ طالق صريحٌ مستغنٍ عن النيَّة، وأنت مُطْلَقة (3) ليس صريحًا بل لا بُدَّ فيه من النيَّة مع اشتراك الصيغتين في الطاء واللام والقاف، وما ذاك إِلَّا أنَّ أهل العرف وضعوا أنتِ طالق للإِنشاء، وبَقَّوْا أنتِ مُطْلَقة (4) على وَضْعِه اللغوي خَبَرًا فلم يَحصُل به طلاقٌ إِلَّا بالقصد لذلك.
وأمَّا القَسَم فلم يزل في الجاهلية والِإسلام وجميعِ الأيام لِإنشاء القَسَم، فظهر أن الوضع فيهما مختلِف، وأنَّ أحدَهما لُغوي والآخَرَ عُرفي.
وأمَّا كونُ الكلام النَّفساني إِنشاءً في حكمِ الحاكم والطلاقِ والعَتاقِ وغيرِ ذلك من مَوارد الإِنشاء، فلا يَدخله وضعٌ لا عُرفي ولا لغوي، فإِنَّ
(1) مقدِّمةُ هذا الجواب هي من تمام الجواب عن السؤال التاسع، لأن السؤال العاشر مُفرَّعٌ عنه، فجعَلَها مقدّمةً للجواب عنه.
(2)
جاء في الأصول الأربعة كلها: (ولذلك أنَّ
…
) فأضفتُ لها الفاء. وجاء في نسخة (ر): (وكذلك أنَّ صريحَ الطلاق
…
).
(3)
جاء في نسخة (ر)؛ (وأنت مُنْطَلِقة).
(4)
جاء في نسخة (ر): (وأنت مُنْطَلِقة).
الأوضاع لا تَدخلُ في النفساني، وإِنما تَدخل في الألفاظ. والخبَرُ والطَّلَبُ والِإنشاءُ وغيرُها في الكلام النفساني لذات الكلام النفساني، لا بوضع واضع.
ولذلك كان عند جميع الأُمَم من العرب والعجم وجميعِ أربابِ الألسنةِ المختلِفَة الخبَرُ والطلبُ والتخييرُ وجميعُ أنواع الكلام في أنفسِها سواءً، لا تَختلفُ باختلافِ لغاتها وأطوارِها، فدَلَّ ذلك على أنها لِذاتِها كذلك، لا لوَضْعِها.
كما أنَّ أنواعَ الاعتقادات والشكوكِ والظنون وجميعَ أحوال النفوس في جميع الأمم سواءٌ لا تَختلف. وما ذاك إِلَّا أنها لِذاتِها كذلك، كما نقولُه في جميع خصائص الأجناس من السَّواد والبياض والطُّعوم والروائح: إِنها غيرُ مُعلَّلة، بل لا يُمكِن أن تكون إِلَّا كذلك لذواتها، وإِن كانت لا تقَعُ جميعُها إِلَّا بقدرة الله تعالى.
ولذلك يقول العلماء: إِنَّ انقلاب الحقائقِ مُحال، ولو كانت بالوَضْع لكان انقلابُها جائزًا، لأن ما بالجَعْل يَقبلُ النقلَ والتحويل.
فكمَلَت الأسئلة بهذه العَشَرةِ خمسةَ عَشرَ سؤالًا.