الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السُّؤَالُ السَّابِعُ عَشَرْ
إِذا حَكم الحاكم بمُدْرَكٍ مختلَفٍ فيه (1)، كشهادة الصّبيان، أو الشاهدِ واليمين، أو العوائدِ المختلَفِ في اعتبارها، كعادةِ الأزواج في النفقة، هل هي عادةٌ تُصَيّرُ القولَ قول الزوج أم لا؟ وهل يكون ذلك حُكمًا بذلك المُدرَك أم لا؟ وهل لأحدٍ نقضُهُ لبُطلانِ المُدرَكِ عنده ويقول: هذا الحكمُ عندي بغير مُدرَك فإِنَ شهادةَ الصبيان والعَدَمَ سواء، والحكمُ بغير مُدرَك يُنقَضُ إِجماعًا، فأنقُضُ هذا الحكم؟ أم ليس لأحدٍ ذلك؟
جَوَابُهُ
أن المُدْرَك المختلَف فيه قسمان:
تارةً يكونُ في غاية الضعف، فهذا يُنقَضُ قضاءُ القاضي إِذا حَكَمَ به، لأنه لا يَصْلُح أن يكون مُعارِضًا للقواعد الشرعية، فيكون هذا الحُكم على خلاف القواعد، وما كان على خلاف القواعد الشرعية من غير مُعارِضٍ يُقَدَّمُ عليها نُقِضَ إِجماعًا.
وإِن كان المُدْرَك متقاربًا مع ما يُعارِضُه في الشريعة: فهاهنا خِلافان أحدُهما في المُدرَك، والآخَرُ في الحكم المترتب عليه. فإِذا حَكَم الحاكم
(1) سبق تعليقًا في ص 35 ضبطُ لفظ "المُدْرَك" فانظره.
ووقع في نسخة (ر) هنا فقط: (بمدلولٍ مختلَفٍ فيه). وهو تحريف عن (بمُدْرَك) كما تكرَّر فيها على الصواب.
بذلك الحكم الذي يقتضيه ذلك المُدرَكُ امتَنَع نقضُ ذلك الحكم، لاتصال حكم الحاكم به.
وليس حكمُه بأحدِ القولين في الحكم حكمًا منه بأحدِ القولين في المُدرَك، ولو كان كذلك لامتنع الخلافُ بعد ذلك في الشاهد واليمين، لكون بعض الحكام حكَم به، لكنه لا يرتفع الخلافُ في هذه المداركِ أبدًا إِلَّا أن ينعقدَ إِجماعٌ في عصر من الأعصار على أحدِ القولين فيها.
فظهر حينئذٍ أنَّ الحكم بالمُدْرَكِ المختلَفِ فيه ليس حكمًا بالمُدْرَك، بل بمقتضاه.
ويُوضحهُ أن الحاكم لم يقصد الإِنشاء في نفسه إِلَّا في إِثرِ ذلك المُدرَك، لا في ذلك المُدرَك، بل القضاء في المدارك مُحال، لأنَّ النزاع فيها ليس من مصالح الدنيا بل من مصالح الآخرة (1).
وتقريرُ قواعدِ الشريعة وأصولِ الفقه: كلُّهُ من هذا الباب، لم يَجعل الله تعالى لأحدٍ أن يَحكمَ بأحد القولين فيه ويُعيّنَه بالحكم (2)، بل إِنما يَجعَلُ له أن يُفتي بأحد القولين، والفُتْيا لا تَمنَعُ خصمَهُ أن يُفتي بما يراه أيضًا، بخلاف الحُكم يَمنَعُ خصمَه من مذهبه، ويُلجئهُ إِلى القول المحكوم به.
وقولُهُ (3): (إِنَ الحاكم حكَمَ بغير مُدْرَك): ممنوعٌ، بل كلُّ مُدرَكٍ مختلفٍ فيه اختلافًا متقاربًا، كلا القولينِ في ذلك المُدرَك معتَبرٌ شرعًا عند
(1) تقدم للمؤلف بيانُ هذا في ص 37 فانظره.
(2)
تقدم تعليقًا في ص 36 - 37 إيضاحُ هذا المعنى عن المؤلف وابن تيمية - رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى -.
(3)
أي قولُ السائل كما تقدم فحواه في نصّ السؤال السابع عشر في ص 82.
مَنْ رآه مِن حاكمِ أو مُفْتٍ، فلا معنى لقوله:(حكَمَ بغير مُدرَك)، بل إِنما يصحُّ ذلك إِذا حكمَ بما هو في غاية الضعف كما تقدم (1)، أمَّا في المُدرَك المتقاربِ الخلاف فلا.
(1) قريبًا في ص 82.