الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السُّؤَالُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونْ
هل يكون حكمُ الحاكم مدلولاً عليه بالمطابقة تارة، وبالتضمن تارة، وبالالتزام أخرى كسائر الحقائق، أوْ لا توجدُ الدلالةُ عليه إِلَّا مطابقةً؟ وهل يكون الدال عليه تارةً قولاً، وتارةً فعلاً، أم لا يَدكُ عليه إِلَّا القولُ خاصَّةً نحو قوله: قد حكمتُ بكذا، واشهدوا عليَّ أني حكمتُ بكذا؟ وهل إِذا جوَّزتم أن يكون الدالُّ عليه فِعلاً يختصُّ بتصرفات الحكام أم لا (1)؟
جَوَابُهُ
قد يكون الحكم الذي يُنشئه الحاكم مدلولاً عليه بالمطابقة قولاً، نحو قوله: قد حَكمتُ بفسخ هذا النكاح، وقد يكون مدلولاً عليه بالقول تضمناً، نحو قوله، قد حَكمتُ بفسخ هذين النكاحين، فمجموعُ الحكمين مدلول عليه مطابقةَ، وكلُّ واحد منهما مدلولٌ عليه تضمُّناً، وقد يكون مدلولاً عليه باللفظ التزاماً، نحو قوله: قد حكمتُ بصحة بيعِ العبدِ الذي أعتقه من أحاط الدينُ بماله، فإِنه يَدلُّ بالمطابقةِ على الحكم بصحة البيع، وبالإلتزامِ على الحكم بإِبطال العتق المتقدم على البيع، لأنه يَلزمُ مِن صحةِ البيع بطلانُ العتق، لأنَّ الحُرَّ يَحرُمُ بيعُه، هذا القول.
واْما الفعلُ فقد يدلُّ على الحكم مطابقة، فإِن مجرَّدَ بيعِ الحاكم للعبد
(1) هذا السُّؤَالُ وجوابه باختصار منقول في "تبصرة الحكام" 1: 71 - 72، 76 - 77، و "معين الحكام" ص 36 - 37، 42 - 43.
الذي أعتقه من أحاط الدينُ بماله مُبطِلٌ العِتقَ (1)، فإِنَّ إِقدامه على بيعه يَستلزمُ الحكمَ ببطلان العتق. وكذلك إِقدامُه على تزويج امرأة تزوَّجت قبل هذا العقد بنكاح: فسخٌ (2)، فإِنَّ نفس العقد عليها يَستلزم الحكم بفَسْخ نكاحِها المتقدم، بخلاف ما لو زَوَّج يتيمةً تحت حِجره، أو باع سِلعةً لها: لا يدلُّ ذلك على الحكم البتة لا بسابقٍ ولا لاحقٍ ولا مُقارِن، بل لغيره من الحكام أن يَنظر فيه إِن كان مختلَفاً في بعض شروطه عند الحاكمِ الثاني فله فسخُه.
وأما دلالةُ الفعل تضمناً: فلا توجد إِلَّا في الكتابة، فإِنها فِعلٌ، وإِذا كتَبَ لحاكمٍ آخر: أني قد أَعتقتُ هذين العبدين على المُعْتِق لبعضِهما، أو فسَختُ هذين النكاحين، فدلالةُ هذه الكتابة على الحكم فيهما مطابقةٌ، وعلى كل واحدٍ منهما تضمُّن، لأنه جزءُ مدلولِ الكتابةِ.
وأما الفعل الذي هو البيعُ ونحوُه فلا تتأتَّى فيه دلالةُ التضمُّن البتة، فإِنَّ الحكم لا يقع إِلَّا لازماً له، وجُزءُ اللازم لا يكون مدلولاً تضمّناً، إنما يكون مدلولاً تضمُّناً جزءُ المدلول مطابقةً، والبيعُ لا يَدلُّ مطابقةً بل التزاماً فقط، والكتابةُ وإن كانت فعلاً فهي كاللفظ تدلُّ مطابقة، فتُصورَتْ فيها دلالةُ التضمُّنِ.
فتأمَّلْ ذلك، وفَرقْ بين النوعين والدلالتين، ويُحتَمَلُ أن الكتابة تدلُّ بالوضع كاللفظ (3)، بخلاف البيع ونحوِه ليس دلالتُه بالوضع بل باللزوم الشرعي فقط.
(1) لفظُ (مُبْطِلٌ العِتقَ) زيادة مني على الأصول، للإِيضاح وإتمام خبرِ (فإنَّ
…
).
(2)
جاء في الأصول الخمسة كلها: (يفسخ). فأثبتُه كما ترى.
(3)
وقع في الأصول الأربعة: (وتخيَّلْ). وجاء في نسخة (ر): (ويُحتَمَلُ)، فأثبته.
وظهر لك حينئذ أنَّ الحكم يكون مدلولاً مُطابقةً وتضمُّناً والتزاماً بالقولِ والفعل، وأنَّ الفعل قد يختصُ بالحكام كالبيع على المَديِن، وقد لا يَختصُّ كالكتابة، لأنَّ لكلّ واحدِ أن يكتُبَ بحاله وتصرُّفاته.
وظهر لك أيضاً أن فِعلَ الحاكم قد يَعْرَى عن الحُكم البتة، وقد يَستلزمه، والمتقدّمُ من المُثُلِ في هذا الجواب كافٍ في هذه المقاصد فتأمَّلْه.