المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السؤال التاسع والعشرون - الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام

[القرافي]

فهرس الكتاب

- ‌تقدمة الطبعة الثانية:

- ‌تقدمة الطبعة الأولى:

- ‌أصول الكتاب وعملي فيه

- ‌تسمية الكتاب وتاريخ تأليفه

- ‌ترجمة المؤلف

- ‌مؤلفاته مرتبة على أوائل الحروف مشاراً للمطبوع منها

- ‌السُّؤَالُ الأَوَّلُ

- ‌السُّؤَالُ الثَّانِي

- ‌السُّؤَالُ الثَّالِثُ

- ‌السُّؤَالُ الرَّابِعُ

- ‌السُّؤَالُ الخَامِسُ

- ‌السُّؤَالُ السَّادِسُ

- ‌وَالجَوَابُ عَنِ السُّؤَالُ

- ‌وَالجَوَابُ عَنِ السُّؤَالُ الثَّانِي

- ‌وَالجَوَابُ عَنِ السُّؤَالُ الثَّالِثْ

- ‌وَالجَوَابُ عَنِ السُّؤَال الرَّابِعْ

- ‌وَالجَوَابُ عَنِ السُّؤَالُ الخَامِسْ

- ‌وَالجَوَابُ عَنِ السُّؤَالُ السَّادِسْ

- ‌وَالْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالُ السَّابِعْ

- ‌وَالْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالُ الثَّامِنْ

- ‌وَالْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالُ التَّاسِعْ

- ‌وَالْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالُ العَاشِرْ

- ‌السُّؤَالُ السَّادِسُ عَشَرْ

- ‌السُّؤَالُ السَّابِعُ عَشَرْ

- ‌السُّؤَالُ الثَّامِنُ عَشَرْ

- ‌السُّؤَالُ التَّاسِعُ عَشَرْ

- ‌السُّؤَالُ الْعِشْرُونْ

- ‌السُّؤَالُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونْ

- ‌السُّوَالُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونْ

- ‌السُّؤَالُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونْ

- ‌السُّؤَالُ الرَّابِع وَالْعِشْرُونْ

- ‌السُّؤَالُ الخَامِسِ وَالْعِشْرُونْ

- ‌المسألة الأولى

- ‌المسألة الثانية

- ‌المسألة الثالثة

- ‌السُّؤَالُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونْ

- ‌السُّؤَالُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونْ

- ‌السُّؤَالُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونْ

- ‌السُّؤَالُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونْ

- ‌السُّؤَالُ الثَّلَاثُونْ

- ‌السُّؤَالُ الحَادِي وَالثَّلَاثُونْ

- ‌السُّؤَالُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونْ

- ‌السُّؤَالُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونْ

- ‌السُّؤَالُ الرَّابِعْ وَالثَّلَاثُونْ

- ‌السُّؤَالُ الخَامِسُ وَالثَّلَاثُونْ

- ‌السُّؤَالُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونْ

- ‌السُّؤَالُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونْ

- ‌السُّؤَالُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونْ

- ‌السُّؤَالُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونْ

- ‌السُّؤَالُ الأَرْبَعُونْ

- ‌التَّنْبِيهُ الأَوَّلُ

- ‌التَّنْبِيهُ الثَّانِي

- ‌التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ

- ‌التَّنْبِيهُ الرَّابِعْ

- ‌التَّنْبِيهُ الخَامِسُ

- ‌التَّنْبِيهُ السَّادِسُ

- ‌التَّنْبِيهُ السَّابِعْ

- ‌التَّنْبِيهُ الثَّامِنُ

- ‌التَّنْبِيهُ التَّاسِعْ

- ‌التَّنْبِيهُ الْعَاشِرُ

- ‌بيانُ رأي طائفة من علماء السادة المالكية في الِإشكال الواقع في كلام الإِمام القرافي

- ‌إلحاقةٌ متصلة بترجمة الإِمام القَرَافي - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى

- ‌الأستاذ الشيخ: عبد الرحمن زين العابدين الكُرْدِي(كما عَرَفتُهُ)

- ‌مواهب الشيخ عبد الرحمن زين العابدين الفريدة

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌السؤال التاسع والعشرون

‌السُّؤَالُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونْ

ما سببُ نقضِ الحكم إِذا وقَعَ في الصوَر الأربع مُخالفةِ الإِجماع، والقواعدِ، والقياسِ الجليّ، والنصِّ؟ وما مُثُلُ ذلك (1)؟

جَوَابُهُ

أمَّا سببُ النقض فإِنّ الإِجماع معصوم لا يقولُ إِلَّا حقاً، ولا يَحكمُ إِلَّا بحق، فخلافُهُ يكون باطلاً قطعاً، والباطل لا يقرَّرُ في الشرع فيُفسَخ ما خالف الإِجماع.

وأمَّا القواعدُ والقياسُ الجلي والنصُّ - وإِن كانت في صورة الخلاف - فالمراد إِذا لم يكن لها مُعارِضٌ راجحٌ عليها، أما إِذا كان لها مُعارِضٌ فلا يُفسَخُ الحكم إِذا كان وَفْقَ مُعارضِها الراجح إِجماعاً، كالقضاء بصحة عقد القِراض والمساقاةِ والسَّلَمِ والحوالةِ ونحوِها، فإِنها على خلاف القواعد والنصوص والقياس، ولكن لأدلةٍ خاصَّةٍ مقدمةٍ على القواعد والنصوص والأقيسة، لأنها عامة بالنسبة إِلى تلك النصوص.

ومتى لم يكن هذا المُعارِضُ، بل عُدِمَ بالكلية بأن يكونَ الإجتهادُ لتوهمٍ ليس بواقعٍ في نفس الأمر، أو اعتماداً على استصحاب براءةِ الذمَّة ونحوِه، لعدم الشعورِ بتلك القواعد والنصوص والأقيسة، أو يكونَ ثَمَّ

(1) هذا السؤال وجوابُه منقول ببعض اختصار في "تبصرة الحكام" 1: 55، 59 - 60، وفي "معين الحكام" ص 28، و 32 - 33.

ص: 135

مُعارِضٌ مرجوحٌ من حديثٍ مضطربِ الإسنادِ ونحوِه: فإِنه لا يُعتدُّ به، ويُنقَضُ ذلك الحكمُ لوقوعه على خلاف المعارِض الراجح.

فهذا هو سببُ النقض، فإِنَّ مِثلَ هذا لا يقر في الشرع لضعفه، وكما لا يَتقرر إِذا صدَرَ عن الحكام كذلك أيضاً لا يصح التقليدُ فيه إذا صدَرَ عن المفتي، ويَحرُم اتباعُهُ فيه.

ولذلك نقولُ: ليس كلُّ الأحكام يجوزُ العملُ بها، ولا كلُّ الفتاوى الصادرةِ عن المجتهدين يجوز التقليدُ فيها، بل في كل مذهبٍ مسائلُ إِذا حُقّقَ النظرُ فيها امتنَعَ تقليدُ ذلك الإِمام فيها كالحُكَام حَرْفاً بحرف.

وأما مُثلُها: فكما لو حكَمَ بأنَّ الميراث كلَّه للأخ دون الجَدّ، فإِن الأُمة على قولين: المالُ كلُه للجَد، أو ويقاسِمُ الأخَ، أما حِرمانُه بالكلية فلم تقل أحدبه. فمتى حكَمَ به حاكم بناءً على أنَّ الأخَ يُدلي بالبنوة، والجدَّ يُدلي بالأبوَّة، والبُنَّوة مقدمة على الأبوَّة: نَقَضْنا هذا الحكمَ، وإِن كان مُفتِياً لم نُقلده.

ومثالُ مخالفةِ القواعد: المسألةُ السُّرَيْجِية (1)، متى حكَمَ حاكم بتقرير

(1) نسبة إلى ابن سُرَيج، وهو أبو العباس أحمد بن عُمر بن سُرَيج أحَدُ أئمة السادة الشافعية في عصره، ولد سنة 249، وتوفي سنة 306 - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -، وترجمتُه الحافلة في "طبقات الشافعية" لإبن السبكي 87:2 - 96 من الطبعة الحسينية، و 3: 21 - 39 من الطبعة المحققة.

واشتهرت المسألةُ بالسُّرَيجية لأنه الذي أظهرها، وهي كما في حاشية العلامة الصاوي المسمَّاة "بُلْغَة السالك إلى أقرب المسالك إلى مذهب الإِمام مالك"1: 515: "إذا قال: إن طلَّقتُكِ فأنتِ طالقٌ قبلَه ثلاثاً لا يَلزمُه شيء أصلاً، ولا يَلحقه فيها طلاقٌ للدوْرِ الحُكميّ، فإنه متى طلقَها وقع الطلاق قبلَه ثلاثاً، ومتى وقع الطلاقُ قبلَه ثلاثاً كان =

ص: 136

النكاح معها في حقّ من قال: إِن وقع عليكِ طلاقي فانتِ طالق قبلَه ثلاثاً (1).

= طلاقُها الصادرُ منه لم يصادف مَحَلاً".

ثم قال الصاوي بعد هذا: "لكن قال العز بن عبد السلام: تقليدُ ابن سُرَيج في هذه المسألة ضلالٌ مبين" انتهى. أي لأنه يلزم منها انتفاءُ وقوع الطلاقِ المنجز والمعلق بها ممن يُعلق الطلاق بهذه الصيغة. وهذا مخالف للشرع، إذ هذا التعليق أصبح وسيلة للتخلص من وقوع الطلاق ممن صدر منه هذا التعليق.

وقال المؤلف في "الفروق"1: 75 في الفرق (3): "وكان الشيخ - يعني شيخه - عز الدين بن عبد السلام رحمه الله يقول: هذه المسألة لا يصح التقليد فيها، والتقليد فيها فسوق

". انتهى. ونَقَل العلامةُ الرملي من السادة الشافعية في "نهاية المحتاج" 7: 30 رجوعَ ابن سُرَيج عن هذه المسألة.

ولقد شَغَلت هذه المسألةُ فقهاءَ المذاهبِ الأربعة قبولاً وردَّاً، فتعرَّضوا لها في كتاب الطلاق، كما تُعرِّضَ لها في غير كتب الفقه، فتراها في "الفتاوى الكبرى، للشيخ ابن تيمية 97:4 - 103، وقد أبان فيها - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - انتفاءَ وقوع الطلاق عند أحَدِ من الأمة. وأبانَ في "مجموع الفتاوى" 33: 240 - 244 أنها مسأَلة باطلة في الإسلام مُحدَثة، لم يُفتِ بها أحدٌ من الصحابة والتابعين ولا تابعيهم، ولا أحدٌ من الأئمة الأربعة. وأطال في بيان ذلك وأجاد.

وتراها أيضاً عند ابن القيم في "إعلام الموقعين" 3: 263، وفي "طبقات الشافعية" لإبن السبكي في ترجمة الإمام ابن دقيق العيد 6: 20 من الطبعة الحسينية، و 9: 245 من الطبعة الطبعة المحققة، وفي "الفروق" للمؤلف القرافي 1: 74 - 75.

(1)

قال شيخنا وأستاذنا العلامة الفقيه مصطفى أحمد الزرقاء حفظه الله تعالى، فيما كتبه إلي معلقاً على قولِ القرافي هنا:(إنْ وَقَعَ عليكِ طلاقي فأنتِ طالقٌ قبلَهُ ثلاثاً)، ما يلي:

"الصوابُ أن يقول: (إن طلقتُكِ)، لأنها هي الصورةُ الحقيقية للمسألة السُّرَيجية، أي إنَّ الشرطَ المعلقَ عليه فيها هو التطليقُ باللفظ، لا وقوعُ الطلاق، لأنه إذا افتُرِضَ الوقوعُ لم يبق له رافع، بخلافِ الإِيقاعِ أي التطليقِ، فإنَّ الشخصَ قد يُوقعُ الطلاقَ =

ص: 137

فطلَّقها ثلاثاً أو أقلَّ، فالصحيحُ لزومُ الثلاثِ له (1)، فإِذا ماتت أو مات وحكَم بالإِرث لها أو منها نَقَضنا حُكمَه، لأنَّهُ على خلاف القواعد، لأنَّ من قواعد الشرع صِحَّةَ اجتماع الشرط مع المشروط، لأنَّ حُكمه إِنما يظهر فيه، فشَرْط لا يصحُّ اجتماعه مع مشروطه لا يَصحُّ أن يكون في الشرع شرطاً، فلذلك يُنقَضُ حكمُ الحاكم في المسألةِ السُّريجيَّة.

ومثالُ مخالفةِ النصّ: حكمُهُ بشُفعةِ الجار، فإِنَّ الحديث الصحيح واردٌ في اختصاصها بالشَّريك (2)، ولم يَثبُت له معارِضٌ صحيح، فيُنقضُ الحكمُ

= فلا يُعتبَرُ واقعاً شرعاً.

وواضحٌ أن رأيَ ابنِ سُرَيج سَفْسطةٌ فقهية، لأنَّ المانعَ من وقوعِ الطلاقِ المنجَّزِ: اللاحقُ المعلَّقُ عليه إذا كان، أي المانعُ هو وجودُ ثلاثٍ قبلَه، فهذا إنما يكون عند اعتبار تلك الثلاثِ واقعةً، فإن لم تُعتبَر واقعةً لم يَبقَ في طريق الطلاقِ المنجَّزِ عليه أيُّ مانع يَحُولُ دون وقوعِه، كما هو ظاهر، فابنُ سُرَيج لم يَلحظ لوازمَ رأيهِ المتناقِضَةَ، ولذا قال العِزُّ بنُ عبد السلام عنها: إنها ضلالٌ مبين" انتهى.

(1)

أي الثلاثِ المنجزةِ لا المعلَّقة، بدليلِ لاحِقِ كلامِهِ الآتي، حيث يتبَّينُ عَدمُ إمكانِ وقوع المعلَّق، لعدم اجتماعِ الشرطِ والمشروط، وهو خلافُ المعهود في الشريعة، وعليه يَظهَرُ ما في قوله:(فالصحيحُ لُزُومُ الثلاثِ له)، من تساهلٍ في التعبير، فقد كان المناسِبُ أن يقول:(لزومُ الثلاثِ أو الأقلِّ بحسَبِ ما طَلَّق)، لأنه قد فَرَض في المسألة أنَّ الرجلَ بعد التعليق طَلَّقَ بالتنجيزِ ثلاثاً أو أقلَّ، ما دام الذي يقعُ إنما هو المنجز لا المعلق. أفاده أستاذنا العلامة الفقيه مصطفى أحمد الزرقاء أمتع الله به.

(2)

قلت: واستدلوا له بما روى البخاري في كتاب الشفعة، في (باب الشفعة فيما لم يقسَم) 436:4، ومسلم 11:46، في كتاب البيوع، في (باب الشفعة): وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: قَضَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وَقَعَتْ الحُدودُ. وصُرفَتْ الطُرُقُ فلا شُفعةَ". هذا لفظُ رواية البخاري، ولفظ رواية مسلم: "قَضَى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كلِّ شِرْكةِ لم تُقسَم .. ". =

ص: 138

بخلافه (1).

=قال الإِمام النووي في "شرح صحيح مسلم": "واستدَكَ أصحابُنا وغيرُهم بهذا الحديث، على أن الشفعة لا تَثبُتُ إِلَّا في عقارٍ مُحتمِلِ للقسمة

، واستدل به أيضاً من يقولُ بالشفعة فيما لا يَحتمِلُ القسمة". انتهى.

وتوجيهُهُ ما أفاده الفقيه العلامة الشيخ سُليمان البُجَيرِمي الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - في حاشيتِه على "شرح منهجِ الطلاب" 149:2، قال: "قولُهُ: فيما لم يقسَم. هو ظاهرٌ في أنه تقبَلُ القسمةَ، لأن الأصلَ في المنفى بـ (لم)، أن يكون في الممكن أي من شأنِهِ أن تقبَل القسمة، بخلاف المنفيَّ بـ (لا).

واستعمالُ أحدِهما محلَّ الآخَرِ إجمالٌ أو تجوزٌ، أي مجازٌ إن وُجِدَتْ قرينة ظاهرة على أنه المراد، كما في قوله تعالى:{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} ، وإذا لم تكن قرينةٌ مُعَيَّنةٌ بخصوص المراد، كمان اللفظُ باقياً على إجمالِهِ لم تتضح دلالتُه". انتهى وفائدةُ هذا الأصل مهمة تُحفَظ، ومن أجل أهميتها سجَّلتُها هنا.

(1)

قلت: بل ثبت له معارض صحيح جاء فيه ثبوت الشُّفعة للجار أيضاً، روى البخاري في"صحيحه" 4: 361 وأبو داود 3: 286 والنسائي 7: 320 وابن ماجه 2: 834 عن أبي رافع: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الجارُ أحق بسَقَبِه". قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" 4: 361 "السَّقَبُ بالسين المهملة، وبالصاد أيضاً، ويجوز فتح القاف وإسكانها: القربُ والملاصقة".

وروى أبو داود 3: 286 والترمذي 6: 129 عن الحسن عن سَمُرة مرفوعاً: "جارُ الدار أحقُّ بدارِ الجارِ والأرض". وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. ورواه أحمد في "مسنده" 5: 12، والطبراني في "معجمه" وابن أبي شيبة في "مصنفه". وفي بعض ألفاظهم:"جارُ الدار أحقُّ بشفعة الدار". وأخرجه النسائي وابن حبان في "صحيحه" عن أنس مرفوعاً بلفظ "جارُ الدار أحقُّ بالدار" كما في "نصب الراية" للزيلعي 4: 172.

وأخرج النسائي 7: 320 وابن ماجه 2: 834 وأحمد في "مسنده" 4: 388 وإسنادُهم صحيح كما قاله ابن القيم في "إعلام الموقعين" 125:2، وزاد فيهم: الترمذي، ولم أر الحديث في "سننه"، ولم يعزه إليه الحافظ المِزِّي في "تحفة الأشراف" =

ص: 139

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= 4: 152، ولا النابلسي في "ذخائر المواريث" 1: 267، فعَزْوُه إلى الترمذي من سَبْقِ القلم.

واللفظ الآتي للنسائي عن الشَّرِيد بن سُوَيد الثقفي أن رجلاً قال: يا رسول الله أرضي ليس لأحد فيها شَرِكة ولا قِسمة إِلَّا الجوار. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الجارُ أحقُّ بسَقَبِه". ورواية أحمد: "جارُ الدار أحقُّ بالدار من غيره".

وروى أبو داود 3: 286 والترمذي 6: 130 والنسائي 7: 321 وابن ماجه 2: 833 واللفظ له ولأبي داود عن جابر مرفوعاً "الجار أحقُّ بشُفعةِ جاره، يُنتظَرُ بها وإن كان غائباً، إذا كان طريقهما واحداً". وقال الترمذي: "والعمَلُ على هذا الحديثِ عند أهل العلم". انتهى. وقد تكلم بعضهم في سند هذا الحديث، كما ذكره الزيلعي في "نصب الراية" 4: 173 - 174 ثم ردَّه.

وانظر "إعلام الموقعين" للحافظ ابن القيم 2: 119 - 132 وقد بَحثَ فيه رحمه الله تعالى موضوعَ الشفعة للشريك وللجار، وفي العقار وغيرِهِ من الحيوان والثياب وغيرهما، معقولاً ومنقولاً بما لا تراه عند غيره، فطالعه.

وقد أفاض الحافظُ المرتَضَى الزَّبيدي في بيان الخبر الدال على شُفعةِ الجار، في كتابه "عقود الجواهر المنيفة في أدلة مذهب أبي حنيفة (2: 66 - 71، فراجعه، وانظر أيضاً "فيض الباري على صحيح البخاري" لإِمام العصر الشيخ أنور الكشميري 3: 270 - 272، ففيه استيفاءُ تحقيق المسألة من وجهة نظر الحنفية بشكل بارع مُلزِم.

وحكى الطبري أن القول بشفعة الجوار هو قول الشعبي، وشُرَيح، وابن سيرين، والحَكَم، وحماد، والحسن، وطاوس، والثوري، وأبي حنيفة، وأصحابه. وكتَبَ عُمَرُ إلى شُرَيْح أن يقضي به، فكان يقضي به. كما في "الجوهر النقي على سنن البيهقي" للحافظ علاء الدين المارديني 107:6 - 108.

وعلى هذا: لا يُنقَضُ الحكم بشفعة الجار، لموافقته للنص الصحيح الوارد فيها، والله تعالى أعلم. وبهذا قال ابنُ عبد الحكم تلميذُ مالك، كما نقله المؤلف القرافي عنه في "الفروق" 3: 41 في الفرق (223)، قال: 9"وخالَفَ ابنُ عبد الحكم وقال: لا تنقض =

ص: 140

ومثالُ مخالفةِ القياس: قبولُ شهادةِ النصراني، فإِنَّ الحكم بشهادته يُنقَض، لأنَّ الفاسق لا تُقبَل شهادتُه، والكافرُ أشدُّ منه فسوقاً وأبعدُ عن المناصب الشرعية في مقتضى القياس، فيُنقَضُ الحكمُ لذلك، فألحِقْ بكلّ قسمِ منها ما يناسبُه.

= شفعة الجار، لضعفِ موجِبِ النقض عنده"، وتقدم مني نقلُه تعليقاً في ص 114.

ولعل مما ينايسب التمثيلَ به: ما لو حكم القاضي بإبطال وقف المنقول، فإنه يُنقَضُ حكمُه، لمخالفتِهِ النص الصحيح الواردَ بصحة وقف المنقول، والله أعلم.

ص: 141