الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّنْبِيهُ السَّادِسُ
ينبغي للمفتي إِذا وَجَدَ في آخر السطر خلَلًا أو بياضًا خاليًا أنْ (1) يَسُدَّه بما يَصلحُ، فإنه ذَرِيعةٌ عظيمةٌ للطعن على العلماء المفتين، وذَرِيعةٌ للتوصُّل للباطلِ والتتميم (2).
وقد استُفتِي بعضُ العلماء المشهورين عن رجلٍ مات وترَكَ أُمًّا وأخًا
(1) لفظُ (أنْ) زيادةٌ مني لم تكن في الأصول الأربعة، كلها، ثم وقفتُ عليها في نسخة (ر)، فالحمدُ لله.
(2)
أي تتميم الكلام بما يناقض الفتوى. قال القاضي ابن فرحون في "تبصرة الحكام" 1: 187، 208 - 209: "وينبغي له أن يَتحفَّظ من التزوير عليه في الخط، فقد هلك بذلك خلقٌ عظيم، وقد يكون آخِرُ السطر بياضًا فيمكن أن يزاد فيه شيء، كما لو كان آخر السطر بَكْرٌ فيزاد: بَكْرَانِ، أو يكون عُمَر فيُجعَل: عُمَران.
وكذلك ينبغي له أن يَحذَرَ من أن يُتمَّم زيادةُ حرف في الكتاب، فقد تُغيَّرُ الأَلْفُ أَلْفَين إذا زيدت، مثالُه أن يُقِرَّ رجلٌ بألف درهم لرجل، فيُكتَبَ في الوثيقة: أَقرَّ أن له عنده ألف درهم، فيمكن زيادة ألِفِ فتصير: أَلْفا درهم، ولذا يُتبعون مثل هذا المبلغ بذكر نصفه أو ربعه دفعًا للتلاعب به.
وكذلك ينبغي أن يَتفقَّد حواشي الكتاب، فقد يبقى منها ما يمكن أن يُزاد فيه ما يُغير حكمَ الكتابِ كلِّه أو بعضِه. وإذا رأى فرجة يمكن أن يُكتب فيها شيء فليملأها بلفظ صَحَّ صَحَّ ونحوِها، مما يَشغل به تلك الفُرجة، وإذا بَقِيَتْ فُرجة في آخر السطر فليسدها بمثل، والحمدُ لله، أو حسبُنا الله، ولينوِ بها ذكرَ الله تعالى، ولا يضعها بلا نية، فقد نصَّ القرافي على النهي عن ذلك".
وانظر "إعلام الموقعين" لإبن القيم 4: 256 (الفائدة التاسعة والخمسون).
لأُمّ، وترَكَ الكاتبُ في آخرِ السطر بياضًا، ثم قال: وابنَ عم، فكتَبَ المفتي: للأُمِّ الثلث، وللأخ للأمّّ السدس، والباقي لإبن العم، فلما أخَذَ المستفتي الفُتيا كَتَبَ في ذلك البياض: وأبًا، ثم دَوَّر الفُتيا على الناس بالكُوفة وقال: انظروا فلانًا كيف حجَبَ الأبَ بابن العَمّ، فقال له أصحابُه، مثلُه ما يَجهلُ هذا، فقال: هذا خَطُّه شاهدٌ عليه، فوقعَتْ فِتنةُ عظيمةٌ بين فئتين عظيمتين من الفقهاء.
فينبغي للمفتي أن يَحذَرَ مِن مثلِ هذا، وأن يَسُدَّ البياضات كما يَفعل الورَّاقون في كُتبِ الأحباس وغيرِها حذرًا من التتميم. وينبغي له إِذا وجَدَ سطرًا ناقصًا في آخر الفُتيا أنَّ يُكملَه بخطّه بما يكتبه في الفُتيا.
وإِذا قال المستفتي من لفظِهِ: قَيْدًا يَنضمُّ للفُتيا ويُغيِّرُ الحُكمَ، يَكتُبه بخَطّه بين الأسطر، أو يقول: قال المستفتي مِن لفظِه: كذا، لئلا يُطعَنَ عليه في فتياه. ونحوُ هذه الإحترازات لا ينبغي أن يُغْفَلَ عنها، فالحزمُ سُوء الظنّ، وسَدُّ الذرائع مِن أحسنِ المذاهب، قال عليه السلام:"دَعْ ما يَريبُك إِلى ما لا يَريبك"(1).
(1) حديثٌ صحيح، رواه عدد من الصحابة، فرواه عن أنس بهذا اللفظ أحمد في "المسند" 153:3. ورواه عن الحسن بن علي رضي الله عنه الترمذي في "جامعه" 9: 321 وأبو نُعَيم في "الحلية" 8: 264 قال: "حفظتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم: دَعْ ما يَريبك إلى ما لا يَريبك. فإن الصدق طُمأنينة، وإنَّ الكذِبَ ريبة". وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ورواه عن وابِصة بن معبد الأسديِّ الطبرانيُّ في "المعجم الكبير" كما في "الجامع الصغير" للسيوطي.
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" 4: 250 "أخرجه الترمذي والنسائي وأحمد وابن حبان والحاكم من حديث الحسن بن علي. وفي الباب من حديث ابن عُمَر =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= عند الطبراني في "الصغير" ص 56، ومن حديث أبي هريرة، وواثلة بن الأسقع، ومن قول ابن عمر أيضًا وابن مسعود. وغيرهما".
وسكوتُ الحافظ ابن حجر عن الحديث الذي يورده في "فتح الباري" دليلٌ على صِحتِه أو حُسنِهِ عنده، كما تراه مبيَّنًا فيما علَّقتُه على "الأجوبة الفاضلة للأسئلة العشرة الكاملة" للإمام محمد عبد الحي اللكنوي ص 125.