الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّنْبِيهُ الرَّابِعْ
يَتعيَّنُ على المفتي إِذا كان يُجوِّز الإنتقالَ في المذاهب في آحادِ المسائل، أن يَتفطَّنَ لما يُفتي به هل في المذهبِ المنتقَلِ عنه ما ياباه أم لا؟
مثالُه: إِذا كان المفتي الشافعيُّ يُجوِّزُ الإنتقالَ مثلًا من مذهبِ مالك إلى مذهب الشافعي، وسُئِلَ عن تَرْكِ التدليكِ في الغُسل للمالكي، فيَتعيَّنُ عليه أن لا يُبيحَه (1)، لأنَّ الصلاةَ تصيرُ من المالكيِّ باطلةً بإِجماع الإِمامينِ، لأنَّ المالِكيَّ لا يُبسمِلُ، فيُبطلُها (2) مالكٌ لعَدمِ التدليك، ويُبطلُها الشافعيُّ لعدمِ البسملة.
ولقد سُئلتُ مرَّةً عن الوضوء في السَّرَامِيزِ المَخْرُوزَةِ (3) بشَعْرِ الخِنزير،
(1) جملةُ (فيَتعيَّنُ عليه) إضافةٌ مني على الأصول. أخذًا من قول هذا التنبيه: (يتعين على المفتي
…
).
(2)
يعني: الصلاة.
(3)
هكذا جاء في نسخة المدينة المنورة: نسخةِ مكتبة عارف حكمت، والسراميز جمع سَرْمُوزة. قال الشِّهاب الخفاجي في " شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل" ص 127 "سَرْمُوزة نَعْلٌ معروفة، فارسية. معناها: رأسُ الخف. والعامة تقول: سَرْموجَة".
وقال: أدِّي شِير في "الألفاظ الفارسية المعرَّبة" ص 90 "السَّرمُوج نوعٌ من الأحذية. تعريب سَرْمُوزَه. وهو مركَّب من سَرْ، أي فوق. ومن مُوزَه، أي الخُفَّ. - أي ما يُلْبَسُ فوق الخف - والسَّرمُوجة والسَّرْمُوزة والسَّرْموز لغاتٌ فيه".
وجاء هذا اللفظ في نسخة الأحمدية بحلب ونسخة (ر): (السراميج)، وهذا =
هل تجوز الصلاة بأثَرِ ذلك الماءِ المباشِرِ لمواضعِ الخَرْز؟ وكان السائلُ شافعيًّا، فقلتُ له: أمَّا مذهبُ مالك فشَعْرُ الخنزير طاهرٌ، غيرَ أنك شافعيٌّ تَمسَحُ بعضَ رأسك، فيتفق الإِمامانِ على بطلانِ صلاتك، مالكٌ لعدمِ مسحِ جميع الرأس، والشافعيُّ لكونِ شعر الخنزير نَجِسًا عنده.
وأمثالُ هذه المسائل ينبغي التفطُّنُ لها، فإِنها كثيرةُ الوقوع (1).
= صحيح أيضًا كما عُلِمَ من عبارة أدِّي شِير.
وفي نسخة الأزهر: (السرائج)، وفي النسخة المطبوعة (الشرائج) والظاهر أن ما فيهما محرَّفٌ عما أثبته، والله تعالى أعلم.
(1)
هذا من المؤلف جريٌ على الشائع المشهور أن التلفيق باطل. وقد حقَّقَ الإِمامُ ابن الهُمَام في "التحرير" وتلميذُه ابنُ أمير الحاج في "شرحه" 3: 350 - 353 جوازَ التلفيق، وساق عليه الأدلة الناطقة. وذكَرَ قولَ القرافي هذا وعناه بقوله: "وقيَّدهُ متأخرٌ بأن لا يترتب عليه ما يمنعانِه كلاهما
…
". وأشار بقوله: "متأخر" إلى أنه لم يَثبت المنعُ منه عن أحد من المتقدمين.
وقد أُلِّفَ في جوازه كتبٌ مِن أحسنها "القول السديد في بعض مسائل الإجتهاد والتقليد" لمحمد عبد العظيم ابن مُنْلا فَرُّوخ المكي، أحد علماء القرن الحادي عشر، وأجمَعُها وأوفاها "عُمدةُ التحقيق في التقليد والتلفيق" للعلامة الشيخ محمد سعيد الباني الدمشقي، المتوفى سنة 1351 - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -، وهو مطبوع بدمشق سنة 1341 فانظره.
وجاء في حاشية ابن عابدين في كتاب العِدَّة مطلب في الإفتاء بالقول الضعيف، نقَلَ فيه أن التقليدَ لغير المذهب الملتَزم جائز بشرط عدمِ التلفيق كما ذكره الشيخ حسن الشرنبلالي في رسالة بل ومع التلفيق كما ذكره المنلا ابن فَرُّوخ في رسالة".
ثم تعقبه ابن عابدين بقوله: "ما ذكره ابن فروخ ردَّه سيدي عبد الغني النابلسي في رسالة خاصة.
والتقليد وإن جاز بشرطه فهو للعامل لنفسه لا للمفتي لغيره، فلا يفتي بغير الراجح في مذهبه لما قدمه الشارح في رسم المفتي - في أول الكتاب - بقوله: وحاصل ما ذكره =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الشيخ قاسم في "تصحيحه" أنه لا فرق بين المفتي والقاضي إلَّا أن المفتي مخبر عن الحكم، والقاضي ملزم به، وأن الحكم والفتيا بالقول المرجوح جهل وخرق للإِجماع، وأن الحكم الملفق باطل بالإِجماع، وأن الرجوع عن التقليد بعد العمل باطل اتفاقًا
…
؛ وقدمنا الكلام عليه هناك فافهم" انتهى.
ويَقصِدُ الشيخ ابن عابدين بقوله: (فافهم)، الردَّ على العلامة الشيخ أحمد الطَّحْطَاوي في حاشيته على "الدر المختار" 2: 217، في (باب العِدَّة) أيضًا، إذ ارتضى كلامَ العلامة ابن فَرُّوخ في أمر التلفيق واستحسنه، تبعًا لإستحسان العلامة المفتي أبي السعود له أيضًا، وهو الأظهرُ الأقوى دليلًا.