الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تسمية الكتاب وتاريخ تأليفه
اختلفت العبارات في تسميته اختلافاً كثيراً، فجاء الإسمُ في فواتح أكثر النسخ المخطوطة وخواتمها هكذا:"الإِحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرُّفِ القاضي والإمام". وجاء في "الفروق" للمؤلِّف على أنحاء متعددة، ففي 1: 3 و 51، و 2: 104، و 4: 6 "الإِحكام في الفَرْق بين الفتاوى والأحكام وتصرُّفِ القاضي والإمام"، وجاء مثله تماماً في آواخر كتابه "شرح تنقيح الفصول في الأصول" ص 196 في "الفصل السابع في نقض الإجتهاد".
وجاء في "الفروق" أيضاً 2: 106 و 4: 48 "الإِحكام في الفَرْق بين الفتاوى والأحكام". ومثلُه في "التبصرة" لإبن فرحون طبعة سنة 1321، 1: 16 و 2: 60، و "مُعين الحكام" للطرابلسي طبعة سنة 1300 ص 126. وفي 4: 54 من "الفروق" أيضاً "الإحكام في الفتاوى والأحكام وتصرُّفِ القاضي والإِمام".
وجاء في "التبصرة" أيضاً 1: 56 و 58 و 281، و "معين الحكام" ص 27 "الإحكام في تمييز الفتاوى والأحكام". وجاء في فتاوى الشيخ عِليش المسماة "فتح العلي المالك" 1: 58 "الإحكام في تمييز الفُتْيَا عن الأحكام وتصرُّفِ القاضي والإِمام".
وظاهر أن أكثر هذه التسميات يقوم على الرمز والإشارة إلى اسم الكتاب، لا على تحقيق اسمه الكامل. وأتمُّ هذه التسميات وأدقُّها الصيغةُ الأولى التي جاءت في فواتح أكثر النسخ المخطوطة وخواتمها. وأتمُّ منها دقةً ما جاء في فاتحة مخطوطة دار الكتب المصرية وهو "الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرُّفاتِ القاضي والإمام". وهي التي اخترتُ إثباتها على وجه الكتاب، لما فيها
من جمعِ (التصرُّفاتِ) المفيدِ تنويعاً ما لا يفيده لفظُ (التصرُّفِ) بالإِفراد والمنسجِم مع الجمع في قولهِ: (في تمييز الفتاوى عن الأحكام)، والله أعلم.
وهكذا سَمَّاه الإمامُ أحمدُ بن يَحْيَى الوَنْشَرِيشيُّ في كتابه "المِعيار المُعْرِب" 12: 6، فقال: "
…
ذكره القرافي في كتاب الإِحكام، في تمييز الفتاوى عن الأحكام، وتصرُّفاتِ القاضي والإِمام"، ثم نَقَلَ منه السؤالَ الثَّاني والعشرين.
وقد عَبَّرَ المؤلفُ نفسُه في مقدمة الكتاب بلفظ (التصرُّفات) أكثَرَ من مرَّة، فقال:"وقد وقع بيني وبين الفضلاء مباحثُ في أمر الفَرْقِ بين تصرُّفاتِ الحُكَّام وتصرُّفاتِ الأئمة"، ثم قال في آخر المقدمة:"وأُنبِّهُ على غوامضِ تلك المواضع وفروعها في الأحكام والفتاوى وتصرُّفاتِ الأئمة". انتهى فهذا منه يَدْعَمُ إثباتَ لفظِ (وتصرُّفاتِ الِإمام) بالجمع بَدَلَ (وتصرُّفِ
…
). والله أعلم.
ثم إنَّ تسمية هذا الكتاب وإن طالت، ليست من باب الإطالة المعهودة في بعض كتب ساداتنا المالكية والمغاربة، بل كل لفظِ فيها له دلالة مستقلة لا يغني عنها سواه وذلك مستحسنٌ منه لإفادته (1).
أما تاريخُ تأليف الكتاب فلم يُذكَر في النسخ المخطوطة التي وقفت عليها، ولكنَّ الجزم قائم بأنه ألَّفه قبل كتابه "الفروق"، فقد ذكره في مواضع منه وسمَّاه كتابًا وأثنى عليه ثناء كريماً. فقال في 1: 3 "وتقدَّمَ لي قبل هذا - أي قبلَ كتابِ
(1) وإليك عناوين بعض الكتب التي طالت فيها الأسماء حتى لا يمكن استظهارُها كاملةَ: فللِإمام الوَنْشَرِيشي التِّلِمْسَاني أحمد بن يَحْيَى، المولود سنة 834، والمتوفى سنة 914 - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - كتابُ:"المَنْهَجُ الفائق، والمَنْهَلُ الرائق، والمَعْنَى اللائق، بأدَبِ المُوَثِّق وأحكام الوَثَائق"، وللحافظ الكَلَاعي سليمان بن موسى الأندلسي المتوفى سنة 634 "مَيْدَانُ السابقين، وحَلْبَةُ الصادقين المصدَّقين، في ذكر الصحابة الأكرمين، ومن في عِدادِهم بإدراك العهد الكريم، من أكابر التّابعين"، و "مُفاوَضَةُ القلب العليل، ومُنَابَذَةُ الأمَل الطَّويل، على طريقة أبي العلاء المَعَرِّي في مَلْقَى السبيل"، وقد حُرِّفَ اسمُ هذين الكتابين تحريفًا فاحشاً في "الاكتفا في مَغازي المصطفى" ص (ط)، بتحقيق الأستاذ مصطفى عبد الواحد وفي "الديباج المُذْهَب" 1: 386 بتحقيق الدكتور محمد الأحمدي.
الفروق - كتابٌ لي سمَّيته كتاب الإِحكام في الفرق بين الفتاوى والأحكام وتصرُّفِ القاضي والإمام، ذكررتُ فيه أربعين مسألة جامعة لأسرار الفروق، وهو كتاب مستقل يُستغنَى به عن الإِعادة هنا، فمن شاء طالع ذلك الكتاب فهو حسَنٌ في بابه".
وقال في 1: 51 و 4: 6 - 7 "وهو كتاب نفيس". وفي 2: 104 - 105 "وهو كتاب جليل في هذا المعنى" أي المعنى الذي تضمَّنه اسمُ الكتاب. وفي 2: 106 "
…
ومن فَهِمَ الفرقَ بين المفتي والحاكم، وأنَ حُكمَ الحاكم
…
لكن لما كان الفرق خفياً جداً، حتى إنِّي لم أجد أحداً يحققه
…
فهذا هو الفرق بين قاعدة الخلاف قبل الحكم وبين قاعدته بعد الحكم. ومن أراد استيعابه فليقف على كتاب "الإِحكام في الفرق بين الفتاوى والأحكام" فليس في ذلك الكتاب إلَّا هذا الفرق، لكنَّه مبسوط في أربعين مسألة منوعة، حتى صار المعنى في غاية الضبط والجلاء". انتهى. وكتابُهُ "الفروق" خالٍ من تاريخ فراغِهِ من تأليفِهِ في النسخةِ المطبوعة.
وجاء في آخر كتابه "شرح تنقيح الفصول في الأصول" قولُه: "وكان الفراغ من تأليفه يوم الإثنين لتسعِ ليالٍ مَضَتْ من شهرِ شعبان سنة سبع وسبعين وسِتِّ مئة". انتهى. فيكون تأليفُهُ كتابَ "الإِحكام" قبلَ سنة 677، وقد كانت وفاته سنة 684 - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -.
وقد رأيتُ من المناسب أثناء اشتغالي بخدمة الكتاب أن أربط بينه وبين كتاب "الفروق"، فأشرتُ إلى كثير من المواطن التي تتلاقى فيها أبحاثُ الكتابين إذا كان في ذلك فائدة للقارئ المستزيد، وعلَّقتُ بعض عبارات "الفروق، في بعض المواطن، إذ رأيتُ من الأفيدِ نقلَها، وعزوتُها إلى مواضعها من الكتاب المذكور.
وربطتُ بين هذا الكتاب والكتب التي نقَلَتْ عنه وخاصة كتابَ "تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام" للقاضي ابن فرحون المدني المالكي المتوفى سنة 799 - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -، وكتابَ "مُعين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام" للقاضي علاء الدين الطرابلسي الحنفي المتوفى سنة 844
- رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -. وأشرت إلى النقول المأخوذة فيهما عن كتاب "الإحكام"، ففي ذلك فائدة حسنة للباحثين. وقد سطا الطرابلسي - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - على كثير من أبحاث كتاب ابن فرحون دون أن يعزوها إليه، كما أشرتُ إلى ذلك في مواضع متعددة من التعليقات، فسامحه الله وإيانا.
والعزو إلى هذين الكتابين يتبعه رقمانِ بينهما فاصلة، فالرقمُ الأول بعد "تبصرة الحكام" يشار به إلى الطبعة البهية المطبوعة بالقاهرة سنة 1302، والرقمُ الثاني بعد الفاصلة يشار به إلى طبعة مطبعة التقدم العلمية المطبوعة بالقاهرة سنة 1321 على حواشي فتاوى الشيخ عِليش المسماة "فتح العلي المالك". والرقمُ الأول بعد "مُعين الحكام" يشار به إلى الطبعة البولاقية المطبوعة بالقاهرة سنة 1300، والرقمُ الثاني بعد الفاصلة يشار به إلى الطبعة الميمنية المطبوعة بالقاهرة سنة 1310. وإذا لم يكن بعد الكتابين المذكورين أو أحدهما إلَّا رقم واحد فمُفادُه اتحادُ الطبعتين في رقم الصفحة المشار إليها. وإنَّما فعلتُ هذا تيسيراً على مقتني إحدى الطبعتين من هذين الكتابين.
وعلَّقتُ بإيجاز حيناً وبإسهاب حيناً على مواضع من الكتاب موضِّحاً أو مصححاً. وعزوتُ الآياتِ الكريمة إلى سُوَرها، وخرَّجتُ الأحاديث الشريفة من مصادرها، وبيَّنتُ منزلتها من الصحة والثبوت، وترجمتُ للأعلام الذين ورد ذكرهم في الكتاب، ليكون القارئ على استنارة بمعرفة منزلة العالم الذي يقول رأياً لنفسه، أو يحكي رأياً عن غيره، وصحَّحتُ ما وقع فيه من تحريف أو خَلَل ما أمكنني ذلك.
وفصَّلتُ جُمَلَه وجعلته مقاطع قصيرة تيسيراً لقراءته وفهمه، وصنعتُ له محتوى للآيات والأحاديث والأعلام والمصادر والأبحاث. واجتهدت ما استطعتُ في تجويده وتزويقه وتيسيره. وها هوذا جهدي بين يدي القارئ فلا أطيلُ ببيانه، والله المسؤول أن يتقبله عملاً صالحاً لديه، وييسِّرَ النفعَ به، وأن يوفقنا سبحانه لخدمة دينه وشريعته الغراء فذلك الفضل العظيم.