المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السؤال الثاني والثلاثون - الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام

[القرافي]

فهرس الكتاب

- ‌تقدمة الطبعة الثانية:

- ‌تقدمة الطبعة الأولى:

- ‌أصول الكتاب وعملي فيه

- ‌تسمية الكتاب وتاريخ تأليفه

- ‌ترجمة المؤلف

- ‌مؤلفاته مرتبة على أوائل الحروف مشاراً للمطبوع منها

- ‌السُّؤَالُ الأَوَّلُ

- ‌السُّؤَالُ الثَّانِي

- ‌السُّؤَالُ الثَّالِثُ

- ‌السُّؤَالُ الرَّابِعُ

- ‌السُّؤَالُ الخَامِسُ

- ‌السُّؤَالُ السَّادِسُ

- ‌وَالجَوَابُ عَنِ السُّؤَالُ

- ‌وَالجَوَابُ عَنِ السُّؤَالُ الثَّانِي

- ‌وَالجَوَابُ عَنِ السُّؤَالُ الثَّالِثْ

- ‌وَالجَوَابُ عَنِ السُّؤَال الرَّابِعْ

- ‌وَالجَوَابُ عَنِ السُّؤَالُ الخَامِسْ

- ‌وَالجَوَابُ عَنِ السُّؤَالُ السَّادِسْ

- ‌وَالْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالُ السَّابِعْ

- ‌وَالْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالُ الثَّامِنْ

- ‌وَالْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالُ التَّاسِعْ

- ‌وَالْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالُ العَاشِرْ

- ‌السُّؤَالُ السَّادِسُ عَشَرْ

- ‌السُّؤَالُ السَّابِعُ عَشَرْ

- ‌السُّؤَالُ الثَّامِنُ عَشَرْ

- ‌السُّؤَالُ التَّاسِعُ عَشَرْ

- ‌السُّؤَالُ الْعِشْرُونْ

- ‌السُّؤَالُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونْ

- ‌السُّوَالُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونْ

- ‌السُّؤَالُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونْ

- ‌السُّؤَالُ الرَّابِع وَالْعِشْرُونْ

- ‌السُّؤَالُ الخَامِسِ وَالْعِشْرُونْ

- ‌المسألة الأولى

- ‌المسألة الثانية

- ‌المسألة الثالثة

- ‌السُّؤَالُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونْ

- ‌السُّؤَالُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونْ

- ‌السُّؤَالُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونْ

- ‌السُّؤَالُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونْ

- ‌السُّؤَالُ الثَّلَاثُونْ

- ‌السُّؤَالُ الحَادِي وَالثَّلَاثُونْ

- ‌السُّؤَالُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونْ

- ‌السُّؤَالُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونْ

- ‌السُّؤَالُ الرَّابِعْ وَالثَّلَاثُونْ

- ‌السُّؤَالُ الخَامِسُ وَالثَّلَاثُونْ

- ‌السُّؤَالُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونْ

- ‌السُّؤَالُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونْ

- ‌السُّؤَالُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونْ

- ‌السُّؤَالُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونْ

- ‌السُّؤَالُ الأَرْبَعُونْ

- ‌التَّنْبِيهُ الأَوَّلُ

- ‌التَّنْبِيهُ الثَّانِي

- ‌التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ

- ‌التَّنْبِيهُ الرَّابِعْ

- ‌التَّنْبِيهُ الخَامِسُ

- ‌التَّنْبِيهُ السَّادِسُ

- ‌التَّنْبِيهُ السَّابِعْ

- ‌التَّنْبِيهُ الثَّامِنُ

- ‌التَّنْبِيهُ التَّاسِعْ

- ‌التَّنْبِيهُ الْعَاشِرُ

- ‌بيانُ رأي طائفة من علماء السادة المالكية في الِإشكال الواقع في كلام الإِمام القرافي

- ‌إلحاقةٌ متصلة بترجمة الإِمام القَرَافي - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى

- ‌الأستاذ الشيخ: عبد الرحمن زين العابدين الكُرْدِي(كما عَرَفتُهُ)

- ‌مواهب الشيخ عبد الرحمن زين العابدين الفريدة

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌السؤال الثاني والثلاثون

‌السُّؤَالُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونْ

ما ضابطُ ما يفتقرُ لحكمِ الحاكم، ولا يكفي فيه وجودُ سببه الشرعي؟ وما لا يَفتقرُ ويكفي فيه وجودُ سببه؟

جَوَابُهُ

أنَّ الضابط الذي يُرجَعُ إِليه في ترتيب الأحكام على أسبابها من غير حكم حاكم، وما يَفتقرُ لحُكم الحاكم (1): أنَّ الموجِبَ للإفتقار الحاكم الحاكم ثلاثةُ أسباب:

السببُ الأول: كونُ ذلك الحكم يَحتاجُ إِلى نظرٍ وتحرير، وبذلِ جهدٍ من عالم بصيرٍ، حَكَمٍ عَدْلٍ في تحقيق سببِه ومقدارِ مُسبَّبه، وله مُثُلُ:

المثالُ الأول: الطلاقُ بالإِعسار؛ لأنه يفتقر إِلى تحقيق الإِعسار،

وهل ذلك الزوجُ ممن تُستَحق عليه النفقة حتى تقدحَ في استمرارِ عصمتِه

الِإعسارُ؟ أم هو ممن ظاهِرُ حالِه العجزُ أبدًا؟ كما قال مالك: لو تزوَّجَتْ

رجلًا من أهل الصَّنْعَةِ (2)، لم يكن لها التطليقُ بسبب الإِعسار، لدخولها

(1) وقع في الأصول الخمسة المخطوطة سوى المطبوعة: (وما لا يفتقر الحاكم الحاكم). وهو تحريف.

(2)

أي صاحبَ حِرفةِ مُقَتَّرَ المَوْرد، لا تاجرًا ميسوراً. ووقع في الأصول الأربعة المخطوطة، والنسخةِ المطبوعة:(من أهل الصُّفَّة). وهو تحريف أَطبقت عليه تلك النسخ، وسَلِمَتْ منه نسخةُ (ر) فجاء فيها (من أهل الصنْعَة) كما أثبتُهُ مستفاداً منها، فإنَّ =

ص: 151

عليه.

المثالُ الثاني: التعزيراتُ تَفتقر إِلى تحريرٍ في مقدارِ الجناية وحالِ الجاني والمجنيّ عليه، حتى تقع المؤاخذةُ على وَفقِ ذلك من غير حَيْف.

المثالُ الثالث: التطليقُ على المُوْلي، يَفتقر إِلى بذلِ الجهد والتحريرِ في تلك اليمين المحلوفِ بها، هل هي مما تُوجِبُ عليه حُكماً على تقدير الفَيئةِ أم لا؟ وهل ترْكُ الفَيئةِ منه مُضِرٌ بالمرأةِ أم لا؟ وهل كان المقصودُ بتلك اليمينِ الإضرارَ فتُطلَّق عليه؟ أو نَظَراً مَصْلحيًا وغرَضاً صحيحًا فلا تُطلَّق عليه؟ كما لو حلَفَ أن لا يطأها، خوفاً على وَلِده من السَّقَمِ لِفسادِ اللَّبَن، وغيرِ ذلك من جهات النظر.

المثالُ الرابع: إِذا حلَف ليَضربَنَ عبدَه ضرباً مُبرِّحًا، فالقضاءُ بالعتقِ عليه يفتقر للحاكم؛ لأنه لا يُدرَى هل ثمَّ جناية تقتضي مثلَ هذا الضرب أم لا؟ ويَحتاجُ إِلى تحقيقِ كون ذلك الضرب مبرِّحًا بذلك العبد، وهل السيّدُ عاصٍ به فيَعتِق عليه؟ لأنَّ الحَلِفَ على المعصيةُ يوجب تعجيلَ الحنث، أو ليس عاصياً فلا يَلزمه عتق؟

السببُ الثاني المُوجِبُ لافتقارِ ترتيبِ الحكم على سببه إِلى حكمِ الحاكم ومباشرةِ ولاةِ الأمور: كونُ تفويضِه لجميع الناس يُفضي إِلى الفِتَن والشحناء، والقتلِ والقتال، وفسادِ النفس والمال، وله مُثُلٌ:

المثالُ الأول: الحدودُ، فإِنها منضبطة في أنفسها، لا تَفتقرُ إِلى تحرير

= (أهل الصُّفَّة) لا وجودَ لهم في زمن الإِمام مالك حتى تتزوج منهم .. ! فرحم الله تعالى صاحب المخطوطة الرباطية، كم له من فضل عليَّ في تصويب التحاريف والأخطاء في هذا الكتاب.

ص: 152

مقاديرها، غيرَ أنها لو فُوِّضَتْ لجميعِ الناس، فبادَرَ العامَّهُ لَجلْدِ الزُّناةِ، وقطع العُداةِ بالسرقةِ وغيرِها، اشتدتْ الحَمِيّات، وثارتْ الأَنَفَاتُ، وغَضِبَ ذوو المُروءات، فانتَشرت الفِتَن، وعَظُمتْ الإِحَن، فحسَم الشَّرعُ هذه المادةَ وفَوَّضَ هذه الأمورَ لولاةِ الأمور، فأذعن الناسُ لهم، وأجابوا طوعًا وكرهاً، واندفعت تلك المفاسدُ العظيمة.

المثالُ الثاني: قِسمةُ الغنائم معلومةُ المقاديرِ وأسبابِ الاستحقاق، غيرَ أنَّ النفوس مجبولةٌ على مَزيدِ الأطماع والمنافسةِ في كرائم الأموال، فيقصِدُ كل أحدِ أن يَختص بما يُريد غيرُه أن يَختصَ به، فيُؤدي ذلك لتلك المفاسدِ المتقدّمة، فحسَمَها الشرعُ بتفويض ذلك لولاة الأمور.

وهذه الأمورُ وإِن لم تكن مما يَدخل فيه حكمُ الحاكم غيرَ أنه من جنس ما يَفتقر لولاةِ الأمور، فذكرتُه تنبيهاً على سببِ الإفتقار وللمناسبةِ بينه وبين هذا الباب.

المثالُ الثالث: جِبايةُ الجِزية، وأخذُ الخراجِ من أرض العَنْوة وغيرِها هو مالُ المسلمين، ولو جُعِلَ لعامَّة الناسَ التَّحَدُّثُ فيه (1)، لفسَدَ الحالُ

(1) هكذا جاء في جميع الأصول - حتى النسخة الخامسة نسخة (ر) -. ولم أهتد إلى معناه أو الوجهِ المحرف عنه مع البحث والتنقيب. فلعل فاضلاً يرشدني إليه مشكوراً؟

هذا ما كنتُ كتبتُهُ وعلقتُه في الطبعة الأولى، ثم ثَبَتَ لي أنَّ المؤلِّفَ يعني به: التصرُفَ. واستعمالُ (التحدُث) بمعنى (التصرف): مولد، لم أجده في معاجم اللغة. وكنت في الطبعة الأولى لهذا الكتاب توقفتُ في صحة هذا اللفظ هنا؛ لأنَّ (التحدث) بمعناه المعروف في كتب اللغة وفي مناطقاتنا ومكاتباتنا اليوم لا ينسجم هنا، فإن المقامَ يقتضِي لفظَ (التصرف)، ولم تذكر المعاجم (التحدث) بمعنى (التصرف)، فاقتضى ذلك =

ص: 153

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= مني التوقفَ فيه. وأتعبتُ نفسي كثيراً جداً في تقليب النظر في هذه الكلمة والبحث عن تصويبها فلم أصِل لشيء، وقد راجعتُ فيه كبار العلماء أمَداً طويلاً فلم ينتهوا فيه إلى شيء.

ثم أكرمني الله تعالى بتوفيقه في مَدَى سنواتِ طويلة، فرأيتُ نصوصاَ كثيرة ومتعددةَ المصادر، من كلام أهل القرن السابع والثامن والتاسع والعاشر، استعملوا فيها (التحدُّثَ) بمعنى (التصرُفِ) تماماَ، وعطفوا (التصرُفَ) عليه، ورادَفُوا بينهما، فتبين لي من تلك النصوص: صِحةُ هذا اللفظ والجزمُ بمعناه، وأنه كان شائعًا في مخاطباتِ الناس ومكاتباتِهم في القرن السادسِ وما بعده، فأدخله المؤلف في كلامه، لشيوعِهِ في لُغَةِ التخاطُب والكتابةِ في عَصرِه ومصره، دونَ مراعاةِ منه إلى أنَّ استعمالُه لغوياً ليس صحيحًا وأن الشأنَ في لغة التأليف والعلم تجنُّبُ ذلك فيها، وها أنا ذا مُورِد طائفةَ من تلك النصوص للإِفادة والإستدلال:

1 -

جاء في أوائل "المحصول في علم الأصول" للإِمام فخر الدين الرازي المتوفى سنة 606 - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -، في المقدمات قولُه: "الفصلُ الثامن في أن شكرَ المنعِم غيرُ واجب عقلًا، وقالت المعتزلة: بوجوبه عقلًا. ولنا: النص والمعقول

بل احتمالُ العقابِ على الشكر قائمٌ من وجوه:

أحدُها: أنَّ الشاكر مِلْكُ المشكور، فإقدامُه على تَصَرُفِ الشُّكرِ بغير أذنِهِ: تصرُفٌ في مِلْكِ الغير بغير إذنِهِ من غير ضرورة، وهذا لا يجوز" انتهى.

وقوله هنا: (فإقدامُه على تَصَرُفِ الشكر) معناه: على إحداثِ الشكر، كما تُعَيِّنُهُ القرائن والسياق.

ثم أقول استطراداً ومناقشةَ لقوله - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -: (شكرُ المنعم غير واجب عقلًا)، بل هو واجب عقلًا وشرعًا، ومركوز في الفطرة الإِنسانية خِلقةَ، وأين قولُه هذا من قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم:"لا يَشكرُ اللهَ من لا يَشكر الناسَ" وأكتفي بهذا فلا يتسع المقامُ لأكثر منه.

2 -

وجاء في "رَفْع الإِصْر عن قُضَاةِ مصر" 328:2، للحافظ ابن حجر =

ص: 154

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= العسقلاني المصري المتوفى سنة 852، في ترجمة القاضي (عبد الرحمن بن عبد الوهاب ابنِ بنتِ الأعَزّ، المتوفى سنة 695) ما يلي:

"فباشَرَ - أي المترجَمُ - على عادتِهِ في الأحكام، إلى أن راسَلَهُ الوزيرُ في أمرِ شخصِ يقال له: نجمُ الدين بنُ عَطَايا، أنْ يقرره في بعض الوظائف، وإن يُثبِتَ عدالتَه، وكان غيرَ أهلِ لذلك، فامتَنَع، فلما مات المنصورُ وتولَّى الأشرفُ، تمكَّن ابنُ السَّلْعُوس في التَّحدُثِ في المملكة، فلم يَزَلْ إلى أن صَرَفه عن القضاء

". انتهى. ولفظُ (التحدُث) هنا بمعنى (التصرُّف) تماماً كما جاء في كلام القرافي.

3 -

وجاء في "بدائع الزهور في وقائع الدهور" 3: 182، للمؤرِّخ ابن إِياس المصري المتوفى نحو سنة 930، جاء في حوادث سنة 924 منه قولُه: "

فإنَّ الأميرَ يَشبَك شَرَط في وَقْفِهِ النظَرَ والتكلُمَ للأمير تَغْرِي بَرْدِي حتى يُتوفى، فسَعَت ابنةُ الأمير يَشْبَك عند قاضي القُضاة عبد البَر بن الشِّحْنَة، في إبطال ما كان شَرَطَهُ والدُها الأميرُ تَغْرِي، ويُجعَلُ لها النظرُ على ذلك والتحدُّثُ على وَقْفِ والدها". انتهى. و (التحدُّثُ) هنا بمعنى (التصرُّف) أيضًا.

ثم رأيتُ نصوصًا كثيرة جداً لا تُحصَى، لأديبِ عصرِهِ العلَّامة الفقيه المؤرِّخ أبي العباس القَلْقَشَنْدِي المصري، المتوفى سنة 821 - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -، في كتابه العُجَاب "صُبح الأعشى"، فقد عَترَب (التحدُّث) عن (التصرُّفِ) في غير موضع من كتابه المذكور، من كلامِهِ حينا، ومن كلام من سَبقه بقليل حيناً آخر، كابنِ فضلِ الله العُمَري الدمشقي المتوفى سنة 749 - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -.

وأكتفي بنقلِ طائفةٍ من عبارات "صُبح الأعشى"، وبالإِشارة إلى طائفة مثلها في مواضع أخرى منه؛ لأنَّ الكتاب طافحٌ بهذا التعبير وعلى أنحاء شتى من الصِّيَغ والإشتقاق، فهذه سبعة نصوص منه إضافةً إلى الثلاثة السابقة.

4 -

قال في الجزء 4: 20 - 22 "الوظيفة العاشرة: الأسْتَادَاريَّة، قال - ابنُ فضل الله العمري الدمشقي - في "مسالك الأبصار": وموضوعُها: التحدُّثُ في أمرِ بيوتِ السلطان كلها، من المطابخ والشرابْ خاناه والحاشيةِ والغِلمان

وله حديثٌ مُطْلَقٌ =

ص: 155

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وتصرُّفٌ تامٌّ في استدعاءِ ما يحتاجُهُ كلُّ من في بيتِ السلطان

".

5 -

الحاديةَ عَشرَةَ: الجَاشْنِكيرية، وموضوعها: التحدُّثُ في أمرِ السِّمَاطِ مع الأُسْتَادَار

6 -

الثانيةَ عَشرَةَ: الخازَنْدَارِيَّة، وموضوعُها: التحدُّثُ في خزائن أموالِ السلطان من نَقْدٍ وقُماشٍ وغيرِ ذلك

7 -

الثالثةَ عَشْرَةَ: شَد الشَرابخاناه، وموضوعُها: التحدُّثُ في أمْرِ الشراب خاناه السلطانية، وما عُمِلَ إليها من السُّكَّر والمشروبِ والفواكهِ وغيرِ ذلك.

8 -

الرابعةَ عَشرَةَ: أُستادَارَّيةُ الصُحْبَة، وموضوعها: التحدُّثُ على المطبخ السُّلْطاني، والإشرافُ على الطعام، والمشيُ أمامَه، والوقوفُ على السمَاط.

9 -

الحاديَةُ والعِشرون: إمْرَةُ عَلَم، وموضوعُها: أن يكون صاحبُها مُتحَدِّثاً على الطَبْلخَاناه السُّلْطانية وأهِلها، متصرِّفاً في أمرِها.

10 -

الثانيةُ والعِشرون: إمْرَةُ شِكَار، وموضوعُها: أن يكون صاحبُها مُتحَدِّثاً في الجوارح السلطانية من الطيور وغيرها

". انتهى.

وفي هذه النصوص القليلة جداً - بالنسبة إلى ما في الكتاب - جاء التعبيرُ بلفظِ (التحذُث) بمعنى (التصرُّف)، وجاءت تعديتُه بحرفِ (في) حينًا، وبحرفِ (على) حينًا آخر. وجاء في هذه النصوص أيضًا التعبيرُ بلفظةِ (الحَدِيث) بمعنى (التصرُّف)، كما تقدم في النصّ الأول في كلام العُمَري، وجاء فيها أيضًا التعبيرُ باسم الفاعل:(متحدِّثاً) بمعنى (متصرفًا)، ومتعدياً بحرفِ (في) وبحرف (على) كما في النصَّين الأخيرين.

وأُشيرُ فيما يلي إلى جُملةِ قليلةِ من المواضع التي جاء فيها مثلُ هذه النصوص في "صبح الأعشى"، فانظر منه على سبيل المثال الجزء 486:3. و 18:4، 21، 22. و 5: 488، 450، 452، 455، 459، 460، 461، 462. و 9:256. وبعضُ هذه المواضع يتكررُ في الصفحة الواحدة منه: التعبيرُ المشارُ إليه خمسَ مرات وأكثر. وبهذا تبيَّن المعنى الذي أراده المؤلف على الجزم واليقين، وصحةُ الكلمة وسلامتُها من التحريف، فالحمد لله. =

ص: 156

وساء المآلُ في ذلك (1).

السببُ الثالث: قُوَّةُ الخلاف مع تعارضِ حقوقِ الله تعالى وحقوقِ الخلق، فوَجَبَ افتقارُ ذلك للحاكم؛ لأنه نائبُ الله تعالى في أرضه خلافةً عن نبيه صلى الله عليه وسلم، فإِذا أنشأ حُكمًا مما تقبلُه ذلك المحل تعين فيه ووجَب الِإذعانُ إِليه. وله مُثُلٌ:

المثالُ الأول: من أَعتقَ نصفَ عبدِه لا يُكَمَّلُ عليه بقيتُه إِلَّا بالحكم، لتعارُضِ حقِ الله تعالى في العتقِ، وحق السيد في المِلكِ، وحقِّ العبد في تخليص الكسب، وقُوَّةِ الخلافِ في التكميل عليه.

المثالُ الثاني: العتقُ بالمُثْلَة (2)، فيه حقُّ الله تعالى وحقُّ السيدِ في الملكِ وحق العبد، كما تقدَّم في المثالِ الأول، فإذا حكَمَ حاكم تعيَّنَ ما حَكَم به، وبطَلَ ما يُخالفُه وسكنَتْ النفوسُ وتعيَّنت الحقوق.

= ومعذرةً فقد طالَتْ هذه التعليقةُ وهي في تفسيرِ كلمة وتأكيدِ صحتها، ولكنها لا تخلو من فائدة للمشتغلين بالفقه وأصوله والتاريخِ والأدب واللغة إذا مَرتْ بهم، فيكونُ لهم بها أنسى ومعرفة إن شاء الله تعالى، واللهُ وليُّ التوفيق. ويُعَلمُ من هذا الذي قدمتُه أن التوفيقَ له أوقات، كما أنه عزيزٌ لا يَحصُلُ لكل من يُريدُه وَقْتَ يُريده.

(1)

قال شيخنا وأستاذنا العلَّامة الفقيه مصطفى أحمد الزرقاء سلَّمه المولى ورعاه، فيما كتبه إلى، تعليقًا على ما ذكره القرافي في هذا المثال الثالث، ما يلي:

"يمكنُ التمثيلُ باستيفاء الحقوق الثابتة، فلو جُعِلَ لذي الحقِّ استيفاءُ حقه بقوته دون قضاء، لأدى ذلك إلى الهَرْج والمَرْج ولو السبَبُ واقعًا ومشهودًا، بل على صاحب الحقِّ أن يلجأ إلى القاضي إن لم يؤدِّهِ إليه المدينُ بالتراضي، فلا يجوزُ استيفاءُ الحقِّ بالقوة".

(2)

كقلع السيد ظُفرَ عبدِه أو سِنَّه، أو قَطْعِ أُذنِه.

ص: 157

المثالُ الثالث: بَيع من أعتقَه المِدْيانُ (1)، لا بُدَّ فيه من الحاكم، لتعارضِ حقِّ الغرماء في ماليّة العبد، وحقِ الله تعالى في العتق، وحق السيد في براءة ذمَّتِهِ من الدَّين، أو تحصيلِ القُربة بالإِعتاق، وقُوَّةِ الخلاف في المسألة، حتى إِنَّ الشافعيَّ يُنكرُها إنكاراً شديداً ويقولُ: الدَّيْنُ في الذمَّة، والعتقُ في عينِ الرَّقيق، فلا تَنافي، فلا يَبْطُلُ العتقُ لعدم تعيُّنِ الرقيق عنده للدَّيْن.

فإِذا حكَمَ به حاكم تعيَّن ما حكَمَ به من البيع، وثَبَت الملكُ للمشتري وللمعتقِ إِنْ اشتراه بعدَ ذلك، وصُرِفَتْ الأثمان في الديون، ورَضِيَ كلُّ أحدِ بما صدَرَ عن نائبِ الله تعالى ونائب رسوله صلى الله عليه وسلم.

فهذه الأسباب الثلاثةُ هي الموجِبةُ للإفتقار للحُكَّام ووُلاةِ الأمور، فإِذا لم يُوجدُ شيءٌ به. منها تَبِعَ الحُكمُ سبَبه الشرعيَ، حكَمَ به حاكم أم لا.

ولأجلِ هذه القاعدة انقسمت الأحكامُ ثلاثةَ أقسام:

1 -

منها: ما يَتبَعُ سبَبَه بالإِجماع، ولا يَفتقرُ الحاكم، لقوَّةِ بُعدِه عن اشتماله على أحدِ تلك الأسباب الثلاثةِ الموجِبة للإفتقار.

2 -

ومنها: ما يَفتقرُ للحاكم إِجماعاً، للجزم باشتماله على أحدِ الأسباب الثلاثة أو اثنينِ منها.

3 -

ومنها: ما اختُلِفَ فيه هل هو من القسم الأول أومن القسم الثاني؟ لِمَا فيه من وجوهِ الإِخالة (2)، باشتمالِه على أحدِ الأسباب أو عدمِ

(1) أي المَدِين.

(2)

بالخاء المعجمة، أي الظنّ. ووقع في الأصول الخمسة كلها:(الإِحالة)، بالحاء المهملة وهو تحريف يقع كثيرًا في هذه الكلمة التي هي من (علم أصول الفقه)، =

ص: 158

أشتماله، فلحصولِ التردُدِ في الإشتمال حصَلَ التردُّدُ في الإفتقار.

وأمثل لك لهذه الأقسام الثلاثة:

القسم الأول، مثالُه: العباداتُ كلُّها وتحريمُ المحرماتِ المتفَقِ عليها كالعصير إِذا اشتدَّ، والمختَلفِ فيها كتحريم السبّاع، وطهارةِ المياهِ، ووفاءِ الدُّيون، ورَدِّ الودائع والغُصوبِ، ونحوِه.

القسمُ الثاني، مثالُه: تفليسُ المَدِين إِذا أحاط الدَّينُ مسألة، والتطليقُ على الغائبين من المفقودين وغيرِهم، وفَسْخُ النكاحات بالإِعسار أو الإِضرار أو نحوِ ذلك.

القسمُ الثالث، المختلَفُ فيه، هل يَفتقرُ إِلى حكمٍ أم لا؟ وله مُثُلٌ:

المثال الأول: قبضُ المغصوب من الغاصب إِذا كان المغصوبُ منه غائباً، هل يَفتقر إِلى الحاكم أم لآحاد الناس قبضُه من الغاصب؟ فيه خلافٌ بين العلماء.

المثالُ الثاني: من أعتقَ شِرْكاً له في عبد (1)، قال ابنُ يونس: اتفق

= ولندرة المشتغلين به يتبادَرُ إلى ذهنِ غيرهم أنها محرفة عن (الإِحالة) بالحاء المهملة، فيصححونها وهم المخطئون! فتنبّه.

(1)

الشِّرْكُ: النصيب. وهذه الجملة جزءٌ من حديث رواه البخاري 5: 151 في أوائل كتاب العتق في (باب إذا أَعتَق عبداً بين اثنين أو أمَةً بين الشركاء)، ومسلم 135:10، في أول كتاب العتق، كلاهما عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أَعتَق شِرْكاً له في عبد، فكان له مالٌ يَبلُغُ ثمنَ العبد، قُوِّمَ العبدُ عليه قيمةَ عَدْلِ، فأَعطَى شركاءَه حِصَصَهم، ، وعَتَق عليه العبدُ، وإلَّا فقد عَتَق منه ما عتَقَ".

ص: 159

أصحابُنا على أنه يَعتِقُ بمجرَّدِ التقويم من غير حاجة إِلى حُكم؛ لأنه الواردُ في الحديث، وقال غيرُه: يَفتقرُ للحُكم.

المثالُ الثالث: عتقُ القريب إِذا ملَكه الحُرُّ المَلِيء، المشهورُ عدَمُ افتقارِه للحكم، وقيل لابُدَّ فيه من الحكم.

المثالُ الرابع: العتقُ بالمُثْلَة، قال ابنُ يونس: قال مالك: لا يَعتِقُ إِلَّا بالحُكم، وقال أشهب (1): لا يَفتقر إلى الحكم، بل يَتْبَع سبَبَه.

المثالُ الخامس: فَسْخُ البيع بعدَ التحالُفِ من المتبايعَيْن.

المثالُ السادس: فَسْخُ النكاح بعدَ التحالُفِ إِذا قيل به.

ويُلحَقُ بهذا الباب: إِقامةُ الجمعة، لكنَّ الخلافَ ليس في افتقارها للحكم، بل لِإذن الإِمام وهو غيرُ الحكم.

وسببُ الخلاف في هذه المُثُلِ كلها: اجتماعُ الشوائب، وتخيُّلُ

(1) هو الإِمام أبو عَمْرو أشهَبُ بن عبد العزيز بن داود القيسي العامري الجَعْدي، الفقيه المالكي المصري، تفقَّهَ على الإِمام مالك عالم المدينة ورَوَى الحديث عنه، ثم تفقهَ من بعدِهِ على المدنيين والمصريين، وروى الحديث والعلم عن الليث بن سعد وفُضَيل بن عياض وابن لَهِيعة وغيرهم، وخرّج عنه أصحابُ "السنن" وغيرهم. كان أحد فقهاء مصر في عصره، حسن الرأي والنظر في العلم والفقه، له رياسة في مصر، ومالٌ جزيل.

وكان من انظر أصحاب مالك، ذابَّاً عن مذهبه، متحريا في سماعه عنه حتى كان تلميذُه سُحنون يقول: حدثني المتحرِّي في سماعِهِ أشهَبُ، وما كان أصدقَه وأخوفَه لله، كان ورعا في سماعه، وعدَدُ كتب سماعه عشرون كتابًا. وشهد له الشافعي بفقهه وبصارته بالعلم مع بعض منافسة كانت بينهما فقال: ما أخرجَتْ مصرُ أفقهَ من أشهب. ولد بمصر سنة 140، وتوفي فيها سنة 204 - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -.

ص: 160

احتياجِها لأسباب الإحْتِياج، وتخيلُ استغنائِها وعَرَائِها عن تلك الأسباب.

فهذا تلخيصُ الجواب عن ضابطِ ما يَفتقرُ الحاكم الحاكم، وما لا يَفتقر ويكفي فيه وجودُ سببه، وأقسامِ الأحكام باعتبار الضابط المذكور، وتلخيصُ الأسباب في ذلك مستوعَباً ممثلاً، ليتمكَنَ الفقيهُ من تخريج أمثالِ تلك المُثُل عليها بسبب اطلاعه على سِرّها.

ص: 161