المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الروضة العاشرة في ذكر الدنيا والآخرة والسنة والشهر واليوم والليلة والساعة وما ناسب ذلك - روض الأخيار المنتخب من ربيع الأبرار

[الأماسي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة [المحقق]

- ‌1- ابن قاسم الأماسي (864- 940 ه

- ‌2- روض الأخيار:

- ‌[مقدمة الكتاب]

- ‌الروضة الأولى في الدين وما يتعلق به من العبادات

- ‌الروضة الثانية في العلم والحكمة والأدب والكتابة وما اتّصل بذلك

- ‌الروضة الثالثة في السلطنة والإمارة والوزارة والسياسة والعدل والعفو والطاعة للولاة وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الرابعة في الجهاد والقتل والشهادة والحرب والصلح والأسلحة والغارة والهزيمة والشجاعة والجبن وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الخامسة في الظن والفراسة والعقل والفطنة والرأي والتدبير والتجارب والمشاورة

- ‌الروضة السادسة في القضاء والحكومة وذكر الشهود والديون والخصومات

- ‌الروضة السابعة في المتصوفة والقصّاص

- ‌الروضة الثامنة في الصناعات والمحترفين والكسب والتجارة والغنى والفقر وما ناسب ذلك

- ‌الروضة التاسعة في الرزق والحرمان وتبدّل الأحوال والتفاوت

- ‌الروضة العاشرة في ذكر الدنيا والآخرة والسنة والشهر واليوم والليلة والساعة وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الحادية عشرة في السماء والسحاب والثلج والمطر والرّيح والحرّ والبرد

- ‌الروضة الثانية عشرة في النار والسّراج والماء والبحر والجنّة والرياحين والعقار

- ‌الروضة الثالثة عشرة في البلاد والديار والأبنية وما يتعلّق بها

- ‌الروضة الرابعة عشرة في الملك والجنّ والشياطين والحيوانات

- ‌الروضة الخامسة عشرة في ذكر الحبّ والبغض في الله والمجالسة والإخاء والجوار والصحبة وما ناسب ذلك

- ‌الروضة السادسة عشرة في الجهل واللّحن والتحريف والخطأ وما ناسب ذلك

- ‌الروضة السابعة عشرة في الجنون والحمق والغفلة والمكر والاحتيال وترك الأناة والعجلة

- ‌الروضة الثامنة عشرة في الجوابات المسكتة ورشقات اللسان

- ‌الروضة التاسعة عشرة في الحياء والسكوت والعزلة والوحدة والاختلاط

- ‌الروضة العشرون في الصبر وضبط النفس والعفاف والورع والحلال والحرام

- ‌الروضة الحادية والعشرون في ذكر الله وحمده والتسبيح والدعاء والصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم والاستغفار

- ‌الروضة الثانية والعشرون في الصحة والأمراض والعلل والطب والدواء وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الثالثة والعشرون في المدح والثناء وطيب الذكر والذمّ والهجو والشتم والغيبة

- ‌الروضة الرابعة والعشرون في العزّة والشرف والرياسة والذلّ والهوان والخسّة وسقوط الهمّة وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الخامسة والعشرون في الصدق والأمانة والوفاء والكذب والرياء والسعي والنميمة والغدر والخيانة والسرقة

- ‌الروضة السادسة والعشرون في الشفاعة والعناية وإصلاح ذات البين والصلاح والفساد وذكر الشرّ والفجور والعداوة والغيرة والحسد والبغضاء

- ‌الروضة السابعة والعشرون في الصحة والنعمة وشكرها وكفرانها والتوكل والقناعة

- ‌الروضة الثامنة والعشرون في الهديّة والرّشوة

- ‌الروضة التاسعة والعشرون في الطعام وألوانه والضيافة وذكر الأكل والشّبع والجوع واللذة والألم وما يتّصل بذلك

- ‌الروضة الثلاثون في ذكر النساء والتزوّج وأخلاق النساء والخطبة وذكر الغلمان واللواطة والإماء والجماع والذّكر والفرج وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الحادية والثلاثون في الأصوات والألحان والغناء والسماع واللهو واللعب واللذّات وذكر النبيذ والسّكر وما شاكل ذلك

- ‌الروضة الثانية والثلاثون في الملابس والخواتيم والألوان والخضاب والروائح والتصاوير

- ‌الروضة الثالثة والثلاثون في الأضاحيك والملح والمداعبات وما جاء من النهي عن المزاح والترخيص فيه والضحك والهزل والفرج بعد الشدّة وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الرابعة والثلاثون في البكاء والحزن والمكاره والشدائد والبلايا والخوف والجزع والشكوى والعتاب

- ‌الروضة الخامسة والثلاثون في الأخلاق والعادات الحسنة والقبيحة والحلم والوقاحة والغضب والرفق والعنف والرقة والقسوة وخفّة الروح والثقل والتواضع والكبر والافتخار

- ‌الروضة السادسة والثلاثون في العمل والكدّ والتعب والسرعة والشغل والطلب والاستجداء ورفع الحوائج وقضائها

- ‌الروضة السابعة والثلاثون في الطمع والرجاء والأمل واليأس والحرص والتمنّي والوعد وإنجازه وإخلافه والمطل والتسويف

- ‌الروضة الثامنة والثلاثون في الحسن والقبح والسّمن والهزال والطّول والقصر والقوّة والضعف

- ‌الروضة التاسعة والثلاثون في العشق والمحبة والهوى

- ‌الروضة الأربعون في العجز والكسل والبلادة والتواني والنسيان

- ‌الروضة الحادية والأربعون في التعجب

- ‌الروضة الثانية والأربعون في الظلم والبغي والأذى

- ‌الروضة الثالثة والأربعون في الأسماء والكنى والألقاب

- ‌الروضة الرابعة والأربعون في السفر والغربة وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الخامسة والأربعون في العبيد والجواري والخدم

- ‌الروضة السادسة والأربعون في السنّ وطول العمر وقصره والشيخ والشابّ

- ‌الروضة السابعة والأربعون في النوم والسهر والرّؤيا والفأل والطّيرة والكهانة والرّقى

- ‌الروضة الثامنة والأربعون في الشعر والفصاحة والبلاغة

- ‌الروضة التاسعة والأربعون في القرابات والأنساب وذكر حقوق الآباء والأمّهات وحبّ الأولاد وصلة الأرحام والشفقة والنصيحة والزّجر عن القبيح

- ‌الروضة الخمسون في الموت والوصيّة والمصيبة وما يتصل بذلك من ذكر القبر والنّعش والتّعزية

الفصل: ‌الروضة العاشرة في ذكر الدنيا والآخرة والسنة والشهر واليوم والليلة والساعة وما ناسب ذلك

‌الروضة العاشرة في ذكر الدنيا والآخرة والسنة والشهر واليوم والليلة والساعة وما ناسب ذلك

عن النبي صلى الله عليه وسلم: «احذروا الدنيا فإنها أسحر من هاروت وماروت» . عليّ رضي الله عنه: الدنيا والآخرة كالمشرق والمغرب، إذا قربت من أحدهما بعدت من الآخر. يحيى بن معاذ: الدنيا دار خراب، وأخرب منها قلب من يعمرها، والآخرة دار عمران، وأعمر منها قلب من يطلبها. حكيم: الدنيا تطلب لثلاثة أشياء: للغنى والعزّة والراحة، فمن زهد فيها عزّ، ومن قنع استغنى، ومن قلّ سعيه استراح. القدماء: ثمرة الدنيا السرور، وما تسرّ عاقلا قطّ. ابن المعتزّ:

وحلاوة الدنيا لجاهلها

ومرارة الدنيا لمن عقلا

غيره:

إذا أرت الدنيا نباهة خامل

فلا ترتقب إلّا خمول نبيه

قيل: من أراد في الدنيا زيادة لا يستحقها أصابه نقصان وهو مستحقّ له. قيل:

ألا إنما الدنيا كظلّ سحابة

أظلّتك يوما ثم عنك اضمحلّت

فلا تك فرحانا بها حين أقبلت

ولا تك محزونا بها حين ولّت

وقيل:

ومن كان للدنيا أشدّ تصوّرا

تجده عن الدنيا أشدّ تصوّنا

وقيل:

أحلام نوم أو كظلّ زائل

إنّ اللبيب بمثلها لا يخدع

ص: 139

أبو إسماعيل رحمه الله تعالى:

ملك القناعة لا يخشى عليه ولا

يحتاج فيه إلى الأنصار والخول

ترجو البقاء بدار لا ثبات لها

وهل سمعت بظلّ غير منتقل؟ «1»

محمد بن سوقة: مثل الدنيا والآخرة ككفّتي الميزان، بقدر ما تترجّح إحداهما تخفّ الأخرى. قيل: مثل الدنيا والآخرة كرجل له امرأتان، فإن أرضى إحداهما أسخط الأخرى. قيل:

عتبت على الدنيا بتقديم جاهل

وتأخير ذي لبّ فأبدت لي العذرا

بنو الجهل أبنائي، وأمّا بنو النّهى

فإنهم أبناء ضرّتي الأخرى

اجتمعت عند رابعة رحمها الله تعالى جماعة من الفقهاء والزهّاد، فذمّوا الدنيا وهي ساكتة. فلمّا فرغوا قالت: من أحبّ شيئا أكثر من ذكره إمّا بمدح أو بذمّ، فإن كانت الدنيا في قلوبكم لا شيء فلم تذكرون لا شيء. الفضيل: جمع الخير كلّه في بيت وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا، وجمع الشرّ كله في بيت وجعل مفتاحه حبّ الدنيا.

قيل لعابد: لم تركت الدنيا؟ فقال: لأني أمنع من صافيها فأمتنع من كدرها. وقيل لآخر: خذ حظّك من الدنيا، فإنك فان عنها. فقال: الآن وجب أن لا آخذ حظّي منها. بعض الزهّاد:

رضيت من الدنيا بلقمة يابس

ولبس عباء لا أريد سواهما

لأني رأيت الدهر ليس بدائم

ودهري وعمري فانيان كلاهما

ص: 140

قيل: من كان دنياه همّه كثر في الدنيا والآخرة غمّه. عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس خيركم من ترك الدنيا للآخرة، ولا الآخرة للدنيا، ولكن خيركم من أخذ من هذه وهذه» . قال لقمان لابنه: يا بنيّ لا تدخل في الدنيا دخولا يضرّ بآخرتك، ولا تتركها تركا فتكون كلّا على الناس. أردشير بن بابك: لا تركننّ إلى الدنيا فإنها لا تبقي على أحد، ولا تتركها فإنّ الآخرة لا تنال إلّا بها. سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما: الدنيا جمعة من جمع الآخرة، وعمرها سبعة آلاف سنة ومائة سنة، وليأتينّ عليها مئون من سنين لا يوجد عليها موحّد.

وعن كعب: الدنيا ستة آلاف سنة. قيل لصوفيّ: فلان يستغيث من الدنيا.

فقال: قل له: استغاثة دنياك منك أكثر من استغاثتك منها. بعض أهل الحقيقة:

ما ألهاك عن مولاك فهو دنياك. قال رجل عند الأصمعيّ رحمه الله تعالى: فسد الزمان، فقال الأصمعيّ:

إنّ الجديدين في طول اختلافهما

لا يفسدان ولكن يفسد الناس «1»

وقيل:

نذمّ زماننا والعيب فينا

ولو نطق الزمان إذا هجانا «2»

وقيل:

يقولون: الزمان له فساد

وهم فسدوا وما فسد الزّمان

وقيل:

كلّ من لاقيت يشكو دهره

ليت شعري هذه الدنيا لمن؟

ص: 141

إنما الدنيا لذي جهل بها

ولبيب العقل فيها في حزن

كانت عائشة رضي الله عنها تنشد قول لبيد:

ذهب الذين يعاش في أكنافهم

وبقيت في خلف كجلد الأجرب

وكانت تقول: رحم الله لبيدا كيف لو عاش في زماننا؟. أبو ذرّ رضي الله عنه: ما مرّ يوم ولا ليلة ولا شهر ولا سنة، إلا والذي قبله خير منه، سمعت ذلك من نبيكم صلى الله عليه وسلم. يونس بن ميسرة: مالنا لا يأتي علينا زمان إلا بكينا منه، ولا ولّى عنّا زمان إلا بكينا عليه؟ قيل:

وما مرّ يوم أرتجي منه راحة

فأخبره إلا بكيت على أمس

سعيد بن حميد:

لم أبك من زمن شكوت صروفه

إلّا بكيت عليه حين يزول «1»

قيل لابن جريج: كم صيفكم بمكة؟ قال: ثلاثة عشر شهرا. قيل لبعض العرب: قد جاء رمضان، فقال: لأبدّدنّ شمله بالأسفار. قيل لبعضهم: أيّما أطيب، الخريف أم الربيع؟ قال: الربيع للعين والخريف للفم.

أبو الفرج الببغاء:

زمن الورد أطيب الأزمان

وأوان الربيع خير أوان

وقيل:

أبشر فقد ذهب الشتاء ببرده

وأتى الربيع أخو الحياة بورده

ص: 142

الشيخ ابن العربي: أفضل الشهور عندنا شهر رمضان، ثم ربيع الأول، ثم رجب، ثم شعبان، ثم ذو الحجة، ثم شوّال، ثم ذو القعدة، ثم المحرّم.

أراد بعض الأعراب السفر في أوّل السنة فقال: إن سافرت في المحرّم كنت جديرا أن أحرم، وإن رحلت في صفر حشيت على يدي أن تصفر. فأخّر السفر إلى ربيع، فلمّا سافر مرض ولم يحظ بطائل فقال: ظننته من ربيع الرياض فإذا هو من ربيع الأمراض. عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ما قال الناس لقوم طوبى لكم إلا وقد خبأ لهم الدهر يوم سوء» .

إنّ الليالي لم تحسن إلى أحد

إلّا أساءت إليه بعد إحسان

وقيل:

أحسنت ظنّك بالأيام إذ حسنت

ولم تخف شرّ ما يأتي به القدر

وسالمتك الليالي فاغتررت بها

وعند صفو الليالي يحدث الكدر

وقيل:

لا صحة المرء في الدنيا تؤخّره

ولا يقدّم يوما موته الوجع

سقراط: لا تركننّ إلى الزمان فإنه سريع الخيانة لمن ركن إليه. وعنه: من سرّه الزمان في حال ساءه في أخرى. شدّ عامل رجلا على أسطوانة ليضربه فقال: حلّني من هذه وشدّني على الأخرى. قيل: ولم؟ قال: أرجو بينهما فرجا. فحلّ منها وشدّ على الأخرى، فورد عليه كتاب بالعزل ومطالبته بالأموال فخلّي ذلك «1» وشدّ العامل مكانه.

ص: 143

عليّ رضي الله عنه:

إذا ضاق الزمان عليك فاصبر

ولا تيأس من الفرج القريب

وطب نفسا فإن الليل حبلى

عسى تأتيك بالولد النجيب «1»

وقيل:

وإني رأيت الدهر منذ صحبته

محاسنه مقرونة بمعايبه

إذا سرّني في أوّل الأمر لم أزل

على حذر من غمّه في عواقبه

عديّ بن زيد:

يا راقد الليل مسرورا بأوّله

إنّ الحوادث قد يطرقن أسحارا

لا تأمننّ بليل طاب أوّله

فربّ آخر ليل أجّج النارا «2»

قيل لأعرابيّ: كيف ترى الدنيا؟ فقال: قحبة، يوما لعطار ويوما لبيطار.

يقال: لا تغترّ بصفاء الأوقات، فإنّ تحتها غوامض الآفات. قيل لأعرابيّ: كيف رأيت الدهر؟ قال: وهوب لما سلب، وسلوب لما وهب، كالصبيّ إذا لعب.

ألا إنما الدنيا على المرء فتنة

على كل حال، أقبلت أم تولّت

ابن المبارك: خرج أهل الدنيا منها ولم يذوقوا أطيب ما فيها. قيل: وما هو؟ قال: معرفة الله تعالى. قيل:

فحسبك قول الناس فيما ملكته:

لقد كان هذا مرّة لفلان

سقراط: أهل الدنيا كصور في صحيفة، كلما نشر بعضها طوي بعضها.

ص: 144

فيثاغورس: الدنيا دول، مرّة لك ومرة عليك.

ابن الرومي رحمة الله عليه:

لما تؤذن الدنيا به من صروفها

يكون بكاء الطفل ساعة يولد

وإلّا فما يبكيه منها، وإنها

لأوسع ممّا كان فيه وأرغد «1» ؟

عيسى عليه السلام: الدنيا قنطرة، فاعبروها ولا تعمروها. نوح عليه السلام: وجدت الدنيا كدار له «2» بابان، دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر. قيل:

دخلنا كارهين لها فلما

ألفناها خرجنا مكرهينا

وما حبّ البلاد بنا ولكن

أمرّ العيش فرقة من هوينا

قيل: لو رضي الناس بأرزاقهم رضاهم بأوطانهم، لما شكا أحد فقره. كتب داود الطائيّ إلى صديق له: اجعل الدنيا كيوم صمته عن شهوتك، واجعل فطرك الموت. بعض أهل الحقيقة: إن أردت السلامة سلّم على الدنيا، وإن أردت الكرامة كبّر على الآخرة. المنصور لمّا حضرته الوفاة: بعنا الآخرة بنومة.

أعرابيّ: كيف تفرح بعمر تقطعه الساعات، وسلامة بدن معرّض للآفات؟ قيل:

تظلّ تفرح بالأيام تقطعها

وكلّ يوم مضى يدني من الأجل

قيل لأعرابيّ: انظر إلى الهلال، فقال: ما أصنع به؟ محلّ دين، ومقرّب حين. أنشد ابن الأعرابيّ:

ص: 145

ما سبعة كلّهم إخوان

ليسوا يموتون وهم شبّان

لم يرهم في موضع إنسان

هي أيام الجمعة. قال رجل:

تطاول الليل لا تسري كواكبه

أم حار حتّى رأيت النّجم حيرانا؟

فأجابه الآخر:

ما طال ليل ولا حارت كواكبه

ليل المحبّ طويل كيفما كانا

الجنيد: دخلت يوما على السريّ «1» ، وهو قاعد يقرأ هذا البيت ويبكي:

لا في النهار ولا في الليل لي فرج

فلا أبالي أطال الليل أم قصرا؟

قيل: إن الليل والنهار خزانتان ما أودعتهما أدّتا، وإنهما يعملان فيك فاعمل فيهما. قيل لراهب: متى عيدكم؟ قال: كلّ يوم لا أعصي الله فيه عيد. أبو السّمط في المتوكل:

بدولة جعفر حسن الزمان

لنا في كلّ يوم مهرجان

جعلت هديتي لك فيه وشيا

وخير الوشي ما نسج اللسان

احتضر عابد فقال: ما تأسّفي على دار الأحزان والغموم والخطايا والذنوب، وإنما تأسّفي على ليلة نمتها، ويوم أفطرته، وساعة غفلت فيها عن ذكر الله تعالى. ذهب الجمهور إلى أن القعود في صفر أولى من الحركة. عن النبيّ صلى الله عليه وسلم:«من بشّرني بخروج صفر أبشّره بالجنّة» . أسقلتينوس «2» : من عرف

ص: 146

الأيام لم يغفل عن الاستعداد. وعنه: كم من دهر ذممتموه فلمّا صرتم إلى غيره مدحتموه.

سئل ابن عباس عن النيروز: لم اتخذوه عيدا؟ فقال: لأنه أول السنة المستأنفة، وآخر السنة المنقطعة، وكانوا يستحبّون أن يقدموا فيه على ملوكهم بالطّرف والهدايا، فاتّخذه الأعاجم سنّة وهو أوّل يوم من فروردين ماه «1» . قيل:

كان الرسم في زمن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن يوم البطالة يوم السبت، ولا يقرأ في يوم السبت. ثم في زمن الخصّاف «2» كان متردّدا بين الاثنين والثلاثاء.

أنس رضي الله عنه: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأيام فقال: يوم السبت يوم مكر وخديعة، لأنّ قريشا مكرت فيه في دار الندوة، ويوم الأحد يوم غرس وعمارة، لأن الله تعالى ابتدأ فيه خلق الدنيا، ويوم الاثنين يوم سفر وتجارة، لأن شعيبا عليه السلام سافر فيه واتّجر فربح، ويوم الثلاثاء يوم دم، لأن حوّاء حاضت فيه، وأراق ابن آدم دم أخيه فيه، ويوم الأربعاء يوم نحس مستمرّ، لأن الله تعالى أغرق فيه فرعون وأهلك عادا وثمود، ويوم الخميس يوم قضاء الحوائج والدخول على السلاطين، لأنّ إبراهيم عليه السلام دخل فيه على الملك فأكرمه وقضى حوائجه وأهدى له (هاجر) ، ويوم الجمعة يوم خطبة ونكاح، لأنّ الأنكحة كانت تعقد فيه» .

وفي الحديث: «نعوذ بالله من شرّ يوم الأحد، وإيّاكم والشخوص في يوم الأحد، فإنّ له حدّا كحدّ السيف» . والأربعاء عندهم مشؤوم، والذي لا

ص: 147

يدور «1» أشأم. وعن ابن عباس يرفعه: «آخر أربعاء في الشهر يوم نحس مستمرّ» . قيل:

لقاؤك للمبكّر فأل سوء

ووجهك أربعاء لا يدور

قيل: يحمد فيه الاستحمام. عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من شيء بدىء يوم الأربعاء إلا وقد تمّ» . كان صاحب «الهداية» يتوقف في ابتداء الأمور على الأربعاء ويروي هذا الحديث ويقول: كان هكذا يفعل أبي ويرويه عن شيخه أحمد ابن عبد الرشيد. عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من احتجم يوم الخميس فحمّ مات في ذلك المرض» . عن ابن مسعود رضي الله عنه: من قلّم أظفاره يوم الجمعة أخرج الله منه داء وأدخل فيه شفاء.

الأصمعيّ دخلت على الرشيد يوم الجمعة وهو يقلم أظفاره فقال: قلم الأظفار يوم الجمعة من السنّة، وبلغني أنه ينفي الفقر. فقلت: يا أمير المؤمنين وأنت تخشى الفقر؟ فقال: وهل أحد أخشى من الفقر منّي؟. عليّ رضي الله عنه، رفعه:«من صام يوم الجمعة صبرا واحتسابا أعطي عشرة أيام غرّ زهر لا تشاكلهنّ أيام الدنيا» . «من سالت من عينه قطرة يوم الجمعة قبل الرواح أوحى الله إلى ملك الشّمال: اطو صحيفة عبدي فلا تكتب عليه خطيئة إلى مثلها من الجمعة الأخرى» . العلّامة: استغنم تنفّس الأجل، وإمكان العمل، واقطع ذكر المعاذير والعلل، فإنك في أجل محدود، وعمر غير ممدود.

عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلّكم على ساعة من ساعات الجنة، الظلّ فيها ممدود، والرزق فيها مقسوم، والرحمة فيها مبسوطة، والدعاء فيها مستجاب؟

ص: 148