الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الروضة الثانية في العلم والحكمة والأدب والكتابة وما اتّصل بذلك
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «يوزن مداد العلماء ودماء الشهداء يوم القيامة فلا يفضل أحدهما على الآخر، ولغدوة في طلب العلم أحبّ إلى الله من مائة غدوة، ولا يخرج أحد في طلب العلم إلا وملك موكّل به يبشّره بالجنة، ومن مات وميراثه المحابر والأقلام دخل الجنة» . علي رضي الله عنه: أقلّ الناس قيمة أقلّهم علما. وقيل: قيام الدنيا بأربعة: بعلم العلماء، وعدل الأمراء، وعبادة البدلاء «1» ، وسخاوة الأسخياء. يقال: الأمم على اختلاف الأزمان والأديان متفقة على مدح أخلاق أربعة: العلم والزهد والإحسان والأمانة. قيل: الملوك حكّام على الناس والعلماء حكّام على الملوك. الأستاذ أبو إسماعيل الكاتب رحمه الله تعالى:
لا تيأسنّ إذا ما كنت ذا أدب
…
على خمولك أن ترقى إلى الفلك
بينا ترى الذهب الإبريز مطّرحا
…
في التّرب إذ صار إكليلا على الملك
يقال: من غرس العلم اجتنى النباهة، ومن غرس الزهد اجتنى العزة، ومن غرس الإحسان اجتنى المحبة، ومن غرس الفكرة اجتنى الحكمة، ومن غرس الوقار اجتنى المهابة، من غرس الكبر اجتنى المقت، ومن غرس الحرص اجتنى الذل، ومن غرس الطمع اجتنى الكمد. قيل:
ولم أر أمثال الرجال تفاوتت
…
لدى الفضل حتى عدّ ألف بواحد
وقيل:
وما تخفى المكارم حيث كانت
…
ولا أهل المكارم حيث كانوا
في التاريخ: فيثاغورث أخذ الحكمة عن سليمان بن داود عليهما السلام بمصر، واستخرج بذكائه علم الألحان وتأليف النغم، وادّعى أنه استفاد ذلك من مشكاة النبوة «1» . وله مرتبة عالية بين الفلاسفة وكان سقراط تلميذا له.
ذكر أفلاطون في كتاب «النواميس» أن النبيّ وما يأتي به لا يصل إليه الحكيم بحكمته ولا العالم بعلمه. وعنه: ما معي من العلم إلّا علمي بأني لست بعالم.
عن جالينوس: إنّ أبي لم يزل يؤدّبني بما كان يحسنه من علم الهندسة والرياضيات إلى خمس عشرة سنة ثم تعلّمت الطب في ثلاث سنين. وسئل بعضهم: العلم أفضل أم المال؟ قال: العلم. قال: فما بال الناس يرون أهل العلم على أبواب أصحاب الأموال من غير عكس؟ قال: العلماء عارفون منفعة المال، وهم جاهلون منفعة العلم.
عن سهل بن عبد الله التّستري «2» : ما عصى الله أحد بمعصية أشدّ من الجهل، مطيّة من ركبها زلّ، ومن صحبها ذلّ. من الجهل صحبة الجهّال، ومن المحال محاولة ذوي المحال «3» . خير المواهب العقل، وشرّ المصائب الجهل. الجاهل يطلب المال، والعاقل يطلب الكمال. الجهل بالفضائل من أقبح الرذائل. بعض الفضلاء:
لا تعجبنّ الجهول حلّته
…
فذاك ميت وثوبه كفن
سفيان: ما من عمل أفضل من طلب العلم إذا صحّت فيه النية، يعني تريد به الدار الآخرة. وكان يقال: تعلّموا العلم وإن لم تنالوا به حظّا فلأن يذمّ الزمان لكم أحسن من أن يذمّ بكم. بعض السلف: العلوم أربعة: الفقه للأديان، والطّبّ للأبدان، والنجوم للأزمان، والنحو للّسان. قيل: العلم علمان: علم ينفع، وعلم يرفع، فالرافع هو الفقه في الدين، والنافع هو الطب. علي رضي الله عنه: من اقتبس علما من علوم النجوم من حملة القرآن ازداد به إيمانا ويقينا.
ثم تلا: إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ
«1» . خصّ المتقين لأنهم يحذرون العاقبة فيدعوهم الحذر إلى النظر والتدبير.
بعضهم: النظر في النجوم، الذي يستدلّ به على توحيد الله وكمال قدرته، من أعظم الطاعات. ابن عباس رضي الله عنهما: هو علم من علوم النبوة، وليتني كنت أحسنه. قد قيل: أول من نظر في النجوم والحساب إدريس عليه السلام. عن ميمون بن مهران «2» : إياك والتكذيب بالنجوم فإنه من علوم النبوة.
أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «بينا رجل مستلق ينظر إلى النجوم والسماء فقال: والله إني لأعلم أنّ لك خالقا وربّا، اللهم اغفر لي. فنظر الله إليه فغفر له» . وكان الرجل في بني إسرائيل إذا عبد الله ثلاثين سنة أظلّته غمامة. ففعل ذلك رجل ولم تظلّه، فشكا إلى أمه فقالت: لعلك أذنبت في هذه السنين. قال: لا. قالت:
فهل نظرت إلى السماء فردّدت طرفك وأنت غير مفكّر فيها؟ قال: نعم. قالت:
من ههنا «1» . وكان علماء بني إسرائيل يسترون من العلوم علمين: علم النجوم وعلم الطب، فلا يعلّمونهما أولادهم لحاجة الملوك إليهما لئلا يكونا سببا في صحبة الملوك والدنوّ منهم، فيضمحلّ دينهم.
وقال ابن عباس لعكرمة مولاه: اذهب فانظركم بقي من الليل؟
فقال: إني لا أبصر النجوم. فقال ابن عباس: نحن نتحدّى بك فتيان العرب وأنت لا تبصر النجوم؟ وقال: وددت أن أعرف «الهفت دوازده» «2» يريد النجوم السبعة السيارة والبروج الاثني عشر. قالوا: لا بأس بالاعتماد على قول المنجّمين في الغرّة. عن محمد بن مقاتل «3» : أنه كان يسألهم «4» ويعتمد على قولهم إذا اتفق جماعة منهم. عن بعض المنجّمين: موالد الأنبياء بالسنبلة والميزان «5» .
وكان طالع النبيّ صلى الله عليه وسلم الميزان. وقال: ولدت بالسّماك «6» ، وفي حساب المنجّمين هو السّماك الرامح. إذا طلع الدّبران «7» يبست الغدران. إذا طلع سعد السّعود ذاب كل جمود واخضرّ كل عود وانتشر كل مصرود «8» . إذا طلع الحوت خرج الناس من البيوت. الشمس في الحوت والبرد يموت:
إذا ما مضى من آب عشرون ليلة
…
أتاك رقيم البرد من كل جانب «9»
إذا طلع القلب «1» جاء الشتاء كالكلب، وصار أهل البوادي في الكرب. علي رضي الله عنه: يكره أن يسافر الرجل أو يتزوّج في محاق الشهر «2» وإذا كان القمر في العقرب. قيل لابن دكين «3» : ما الدليل على أن المشتري سعد؟ قال: حسّنه المنجّمون. النظر إلى زحل يورث حزنا، كما أن النظر إلى المشتري يفيد سرورا. وقيل لأعرابي: ما أعلمك بالنجوم؟ قال: من ذا الذي لا يعلم أجذاع «4» بيته. وقيل لأعرابية: أتعرفين النجوم؟ قالت: سبحان الله أما نعرف أشياخنا وقوفا علينا كلّ ليلة؟. قال معاوية لدغفل بن حنظلة «5» العلّامة حين ضمّ إليه ابنه يزيد: علّمه العربية والأنساب والنجوم. فيلسوف: اضرع لمن فوقك في العلم ودونك في الجهل. أبو يوسف «6» رحمه الله تعالى: تعلموا كلّ علم إلّا ثلاثة: النجوم فإنه يكثر الشؤم، والكيمياء فإنه يورث الإفلاس، والجدال في الدين فإنه يورث الزندقة.
ثعلب: وددت أن الليل [يكون] نهارا حتى لا ينقطع عني أصحابي. قيل لابن شبرمة «7» ، وكان كوفيا: أنتم أروى أهل الحديث أم أهل البصرة؟ فقال:
نحن أروى لأحاديث القضاء، وهم أروى لأحاديث البكاء. علي رضي الله عنه:
الحكمة ضالّة المؤمن، فالتقفها ولو من أفواه المشركين. وعن النبي صلى الله عليه وسلم:
«فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم رجلا» . وروي: «كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب» .
أتى أبو حنيفة إلى حمّاد لطلب الفقه فقال: تعلّم في كلّ يوم ثلاث مسائل ولا تزد عليها شيئا حتى يتّفق لك العلم. ففعل ففقه حتى أشير إليه بالأصابع. وكان أبو حنيفة يقول: ما أتانا عن الله ورسوله فعلى الرأس والعين، وما أتانا عن الصحابة اخترنا أحسنه ولم نخرج عن أقاويلهم، وما أتانا عن التابعين فنحن رجال وهم رجال. سأل الأعمش أبا حنيفة عن مسائل فأجاب، فقال الأعمش: من أين لك هذا؟ قال: مما حدثتنا به. فقال: يا معشر الفقهاء أنتم الأطباء ونحن الصيادلة. وكان أبو يوسف إذا سئل عن مسألة أجاب فيها وقال: هذا قول أبي حنيفة، ومن جعله بينه وبين الله فقد استبرأ لدينه. الأئمة الأجلّة: الحنفيّة.
الجود والحلم حاتميّ وأحنفيّ، والعلم والدين حنيفي وحنفي. كان يقال: أربعة لم يسبقوا ولم يلحقوا: أبو حنيفة في فقهه، والخليل في نحوه، والجاحظ في تأليفه، وأبو تمام في شعره. أحمد بن حرب: أبو حنيفة في العلماء كالخليفة في الأمراء.
رئي واصل بن عطاء «1» يكتب من فتى حديثا، فقيل له: أتكتب من هذا؟
فقال: أما أنا فأحفظ «2» له منه ولكني أردت أن أذيقه كأس الرياسة ليدعوه ذلك إلى الازدياد في العلم. قال أبو عبيدة: ما ينبغي أن يكون في الدنيا مثل النظّام «3» سألته وهو صبي عن عيب الزجاج فقال: سريع الكسر بطيء الجبر. سأل رجل
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال فقال: «العلم بالله، والفقه في دينه» وكرّرهما عليه. فقال: يا رسول الله أسألك عن العمل فتخبرني عن العلم. فقال: «إن العلم ينفعك معه قليل العمل، وإن الجهل لا ينفعك معه كثير العمل» . المتعبد بغير علم كحمار الطاحونة يدور ولا يقطع المسافة. عن عيسى عليه السلام: من علم وعمل وعلّم عدّ في الملكوت الأعظم عظيما.
كان مالك بن أنس رحمه الله تعالى إذا أراد أن يحدّث توضأ وسرّح لحيته وجلس في صدر مجلسه بوقار وهيبة تعظيما لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأراد الرشيد أن يسمع منه «الموطأ» مع ابنيه فاستخلى المجلس «1» ، فقال مالك: إنّ العلم إذا منع منه العامّة لم ينتفع به الخاصة. وأذن للناس فدخلوا. عن وهب: ابذل علمك لمن يطلبه، وادع إليه من لا يطلبه، وإلّا فمثلك مثل من أهدي إليه فاكهة فلم يطعمها ولم يطعمها حتى فسدت. لما أراد الإسكندر المضيّ إلى أقاصي البلاد قال لأرسطاطاليس: أوصني. قال: عليك بالعلم فاستنبط منه ما يحلو بألسنة الناطقين ويجذب قلوب السامعين، تنقد لك الرعية من غير حرب.
حكيم: قوت الأجسام المطاعم والمشارب، وقوت العقل الحكمة والعلم. عليّ رضي الله عنه: أوضع العلم «2» ما وقف على اللسان، وأرفعه ما ظهر في الجوارح والأركان. عن النبي صلى الله عليه وسلم:«هلاك أمتي في شيئين: ترك العلم وجمع المال» .
حكيم: علم المرء بأنه لا يعلم أفضل علمه. الخليل: العلوم أقفال
والسؤالات مفاتيحها. من لم يتعلم في صغره لم يتقدم في كبره. الزّهري: تعلّم سنة خير من عبادة سنتين، وثمرة الأدب العقل الراجح، وثمرة العلم العمل الصالح، وأفضل ما أعطي العبد في الدنيا الحكمة، وفي الآخرة الرحمة.
الخليل: كنت إذا لقيت عالما أخذت منه وأعطيته. تخرّق كتاب سيبويه في كمّ المازني نيّفا وعشرين مرة. قال رجل لأفلاطون: كيف قويت على جمع هذا العلم كله؟ قال: أفنيت من الزيت في السراج أكثر من الشراب الذي شربته في عمري. وعن أبي يوسف: مات لي ابن فأمرت رجلا أن يتولى أمر دفنه، ولم أدع مجلس أبي حنيفة، خفت أن يفوتني منه يوم. ويقال: عليك بالدّرس، فإنّ الدّرس غرس. قيل: لم يطلب العلم من لم يطل درسه ولم يكدّ نفسه.
قيل لابن عباس رضي الله عنهما: بم أدركت هذا العلم؟ قال: بلسان سؤول، وقلب عقول، وراو غير ملول. وقيل لبزرجمهر: بم نلت ما نلت؟
قال: ببكور كبكور الغراب، وحرص كحرص الخنزير، واحتمال كاحتمال الكلب، وتملّق كتملّق السّنور «1» . وعن أبي يوسف رضي الله عنه: اختلفت إلى أبي حنيفة رضي الله عنه تسع عشرة سنة وما فاتني صلاة الغداة مع أبي ليلى «2» .
وعن زفر «3» رحمه الله تعالى: اختلفت إلى أبي حنيفة خمسا وعشرين سنة وما فاتني فطر ولا أضحى «4» .
وقيل: خزائن المنى على قناطر المحن. أحمد بن حنبل: كنت في مجلس أبي يوسف حين أمر ببشر المريسيّ «1» فجرّ برجله فأخرج. ثم رأيته في المجلس فقيل له: كيف رجعت إلى المجلس؟ فقال: لست أضيّع حظّي من العلم بما فعل بي في الأمس. وقيل: من أخلد إلى التواني حرم الأماني. ابن عباس رضي الله عنهما: ذللت طالبا فعززت مطلوبا.
وسئل الهندواني عن أهل بخارى حين عوده إلى أهل بلخ. فقال: رأيت فقيها ونصف فقيه، الفقيه: الميداني، ونصف الفقيه محمد بن فضيل، لأنه لا يعرف الحسابيات. فسمع محمد فاشتغل بها حتى صار قدوة بها. وروى صاحب «المحيط» عن أستاذه حسام الدين عن والده برهان الدين أنّ طريقة الخطّائين عرفت بالوحي. النّخعيّ: سل مسألة الحمقى واحفظ حفظ الأكياس.
الحسن: من استتر عن الطلب بالحياء «2» لبس للجهل سربالا، فاقطعوا سرابيل الحياء فإنه من رقّ وجهه رقّ علمه. عائشة رضي الله عنها: نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهنّ الحياء أن يتفقّهن في الدين. مجاهد: لا يتعلم العلم مستحي ولا مستكبر. عليّ رضي الله عنه: من أفتى الناس بغير علم لعنته السماء والأرض.
ويقال: كان الصحابة يتدافعون أربعة أشياء «3» : الإمامة، والوديعة، والوصية، والفتوى. قيل: أسرع الناس إلى الفتوى أقلّهم علما، وأشدّهم دفعا
لها أورعهم. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «أجرؤكم على النار أجرؤكم على الفتوى» . ابن مسعود رضي الله عنه: إنّ الذي يفتي الناس في كلّ ما يستفتونه لمجنون. سألت بنت عليّ البلخي أباها عن القيء إذا خرج إلى الحلق، فقال: يجب إعادة الوضوء، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لا يا عليّ حتى يكون ملء الفم. فقال:
علمت أن الفتوى تعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فآليت على نفسي أن لا أفتي أبدا. بعض أصحاب أبي حنيفة قال: سمعته يقول: من أبغضني جعله الله مفتيا.
سأل رجل ابن عمر عن شيء فقال: لا أعلم. ثم قال بعد ما ولّى الرجل:
نعم ما قال ابن عمر، قال لما لا يعلم: لا أعلم. ابن مسعود: جنّة العالم:
«لا أدري» فإذا أخطأها فما أصاب. قال الهيثم بن جميل: شهدت مالك بن أنس سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال في ثنتين وثلاثين منها: لا أدري. وكان عبد الله بن يزيد بن هرمز يقول: ينبغي للعالم أن يورث جلساءه من بعده «لا أدري» حتى يكون أصلا منه في أيديهم إذا سئل أحدهم عمّا لا يعلم قال: لا أدري. وسئل الشعبي عن مسألة فقال: لا أعلم. فقيل: ألا تستحيي وأنت فقيه العراقين؟ قال: ولم أستحيي مما لا تستحيي منه الملائكة حين قالت: لا علم لنا إلّا ما علّمتنا؟. سفيان بن عيينة: كنت في حلقة رجل من ولد عبد الله بن عمر، فسئل عن شيء فقال: لا أدري. فقال له يحيى بن سعيد: العجب منك كلّ العجب، تقول: لا أدري، وأنت ابن إمام الهدى. فقال: أعجب مني عند الله من قال بغير علم، أو حدّث بغير ثقة. وسئل عليّ رضي الله عنه عن شيء على المنبر فقال: لا أدري. فقيل: ليس هذا مكان الجهّال. فقال: هذا مكان الذي يعلم شيئا ويجهل شيئا، وأما الذي يعلم ولا يجهل فلا مكان له. وسئل أبو يوسف عن شيء فقال: لا أدري. فقيل: تأكل من بيت المال كلّ يوم كذا
درهما وتقول: لا أدري؟ فقال: آكل بقدر علمي، ولو أكلت بقدر جهلي ما كفاني ما في الدنيا جميعا. سئل ثعلب عن شيء فقال: لا أدري، فقيل: إليك تضرب أكباد الإبل وأنت تقول: لا أدري؟ فقال للقائل: لو كان لأمّك بعدد ما لا أدري بعر لاستغنت. سئل أبو بكر القباطيّ وهو على المنبر فقال: لا أدري.
فقيل: ليس هذا موضع الجهّال. فقال: إنما علوت بقدر علمي، ولو علوت بقدر جهلي لعلوت السماء.
أعرابيّ: لا تقل فيما لا تعلم فتتّهم فيما تعلم. من فاته الأدب فاته أعظم الآداب. أرسطاطاليس: من ترك الأدب عقم عقله. من قعد به حسبه نهض به أدبه. حسن الأدب يستر قبيح النّسب. الفضل بالعلم والأدب لا بالأصل والنسب. من ساء أدبه ضاع نسبه. كل خير ينال بالطلب يزداد بالأدب. الأدب مال واستعماله كمال. النبي صلى الله عليه وسلم: «ما نحل «1» والد ولده نحلا أفضل من أدب حسن» . قيل: من لم يؤدّبه الأبوان أدّبه الملوان «2» . جالينوس: إن ابن الوضيع إذا كان أديبا كان نقص أبيه زائدا في شرفه، وإن ابن الشريف إذا كان غير أديب كان شرف أبيه زائدا في سقوطه. لقمان: اغد عالما أو متعلما أو مستمعا أو محبا ولا تكن الخامسة فتهلك. عليّ رضي الله عنه: الناس عالم أو متعلم وسائر الناس همج. الثوري: هتف العلم بالعمل، فإن أجابه استقرّ وإلا ارتحل. أبو حيان التوحيدي: لا تأنس بالعمل ما دمت متوحشا من العلم، ولا تثقنّ بالعلم ما دمت مقصرا في العمل، ولكن اجمع بينهما.
وكان يقال: العلم قائد والعمل سائق والنفس حرون «1» فإذا كان قائد بلا سائق بلدت، وإذا كان سائق بلا قائد عدلت يمينا وشمالا. وكان يقال: يغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم واحد. وكتب رجل إلى أخ له: إنك قد أوتيت علما فلا تطفئنّ نور علمك بظلمة الذنوب فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم بنور علمهم. وعن أبي حنيفة رضي الله عنه: إني لأدعو الله لحمّاد «2» فأبدأ به قبل أبويّ. ودخل على الواثق معلّمه فبالغ في إكرامه وإجلاله، فقيل له في ذلك فقال: هو أوّل من فتق لساني بذكر الله تعالى، وأدناني من رحمة الله. وسئل الإسكندر: مالك تعظّم مؤدّبك أشدّ من تعظيمك لأبيك؟ فقال: أبي حطّني من السماء إلى الأرض، ومؤدّبي رفعني من الأرض إلى السماء. وقيل لبزرجمهر:
ما بالك تعظيمك لمعلّمك أشدّ من تعظيمك لأبيك؟ قال: لأن أبي سبب حياتي الفانية ومعلّمي سبب حياتي الباقية، فأنا من بحاره مغترف، ومن ثماره مخترف «3» . قال النبي صلى الله عليه وسلم:«النظر في وجوه العلماء عبادة» .
وسئل محمد بن جعفر الصادق رضي الله عنه عن ذلك فقال: الذي إذا نظرت إليه ذكّرك أمور الآخرة، ومن كان على خلاف ذلك فالنظر إليه فتنة. قال أبو الدرداء «4» رضي الله عنه: ويل لمن لا يعلم، مرة، وويل لمن يعلم ولا يعمل، سبع مرات. قال الخليل: زلّة العالم مضروب بها الطبل، وزلة الجاهل يخفيها الجهل.
قال الأوزاعي «1» : ما من شيء أبغض إلى الله من عالم يزور عاملا.
سحنون: ما أسمج العالم أن يؤتى إلى مجلسه فلا يوجد، فيسأل عنه فيقال:
عند الأمير. فضيل: شرّ العلماء من يجالس الأمراء وخير الأمراء من يجالس العلماء. كان ابن المبارك «2» يقول: الشرطيّ خير من أصحابنا. فقيل: يا أبا عبد الرحمن كيف ذلك؟ قال: الشرطيّ إذا كبر تاب، وهم إذا كبروا دخلوا في عمل السلطان. وقيل للضحّاك: مالك لا تأتي عمر بن عبد العزيز؟ قال: والله لأعرف أنه إمام عادل ولكنه لا يلبث بين أظهركم إلّا قليلا، وأمراء بني أمية لا يعرفوني فأكره أن آتيه فيشهرني فيولع بي أمراء بني أمية بعده.
قال ابن عبد الحكم: كنت عند مالك أقرأ عليه، فحضرت الظّهر، فقمت لأصلي فقال: ما الذي قمت إليه بأفضل مما كنت فيه إذا صحّت النية. قال أبو بكر بن عيّاش: كنا عند الأعمش نكتب الحديث ونحن صبيان، فمرّ صديق له فقال: من هؤلاء؟ قال: هم الذين يحفظون عليك دينك.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «الفتنة تجيء فتنسف العباد نسفا وينجو العلماء منها» . وفقه العبادلة مثل، وهم: ابن مسعود وابن عباس وابن الزبير وابن العاص رضي الله عنهم. قال أرسطاطاليس: الحكمة للأخلاق كالطب للأجساد. حكيم: تقول الحكمة: من التمسني ولم يجدني فليعمل أحسن ما يعلم وليترك أقبح ما يعلم، فإذا فعل ذلك فأنا معه. وقيل: حبّ السلطان العلم يلقّح الخواطر العقم. تلقّى
الرشيد الكسائي في بعض الطرقات، فوقف عليه فسأله عن حاله فقال: لو لم أجتن من ثمرة العلم والأدب إلّا ما وهب الله لي من وقوف أمير المؤمنين عليّ لكان كافيا. بقي أبو يوسف على باب الرشيد حولا لا يصل إليه، فوقعت واقعة وهي أن الرشيد كان يهوى جارية لزبيدة وحلفت بأن لا تبيعها ولا تهبها إياه، فأعضلت على الفقهاء «1» ، فسئل أبو يوسف فقال: يا أمير المؤمنين أفتيك وحدك أم بحضرة الفقهاء ليحصل اليقين ويزول الشك؟ فأحضروا فقال: المخرج أن تهبك نصفها وتبيعك نصفها. فصدّقوه. ثم قال: أريد أن أطأها اليوم. قال:
أعتقها فتزوّجها. ففرح وعظم أمره عنده.
المأمون: لولا الحرص لخربت الدنيا، ولولا الشهوة لانقطع النّسل، ولولا حبّ الرياسة لبطل العلم. ولما قدم الرشيد الرّقة أشرفت أمّ ولد له من قصره فرأت الغبار قد ارتفع وأسرع الناس، فقالت: ما هذا؟ قالوا: قدم من خراسان عالم يقال له ابن المبارك. قالت: هذا والله الملك لا هارون الذي لا يجمع الناس إلّا بالسّوط والخشب «2» . نظر مزيد إلى امرأته تصعد في الدّرجة فقال:
أنت طالق إن صعدت، وطالق إن وقفت، وطالق إن نزلت. فرمت نفسها من حيث بلغت، فقال لها: فداك أبي وأمي، إن مات مالك احتاج إليك أهل المدينة في أحكامهم. وصنع عيسى عليه السلام للحواريّين طعاما فلما أكلوا وضّأهم «3» بنفسه، فقالوا: يا روح الله نحن أولى أن نفعله منك. قال: إنما فعلت هذا لتفعلوه بما تعلمون.
قال ذو النون المصري: إياك أن تطلب العلم بالجهل، قيل: كيف يطلب العلم بالجهل؟ قال: إذا قصدت العلم في غير وقته، وتخطّيت الرقاب، وتركت في طلبه حرمة الشيوخ، ولم تستعمل فيه السّكينة والوقار والأدب، فذلك طلب العلم بالجهل. قال أبو عبيدة: ما قرعت بابا على عالم قطّ. قال طاوس: ما حمل ماء العلم في مثل قرب «1» الحلم. قال وهب: إنّ للعلم طغيانا كطغيان المال. الحسن: لقيت قوما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: من عمل بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح. قيل: العامل بغير علم كالسائر على غير الطريق، فاطلب العلم طلبا لا يضرّ بالعبادة، واطلب العبادة طلبا لا يضرّ بالعلم. قال عطاء بن أبي رباح: ما رأيت مجلسا أكرم من مجلس ابن عباس، إذ هو أكثر فقها وأعظم حفيّة: إن أصحاب القرآن عنده، وأصحاب الفقه عنده، وأصحاب الشعر عنده، ويصدّرهم كلّهم في واد واسع. ورأى ابن كثير قارىء مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام جالسا والناس يسألونه، فقال: إني كنزت تحت المنبر كنزا وقد أمرت مالكا أن يقسمه فيكم، فاذهبوا إلى مالك.
قال محمد بن إسحاق بن خزيمة: ما رأيت تحت أديم السماء، ولا فوق الأرض، أعلم بالحديث ولا أحفظ له من محمد بن إسماعيل البخاري. وكان يقال: حديث لا يرفعه محمد بن إسماعيل ليس بحديث. وقال البخاري: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح. قال: ما وضعت في كتاب «الصحيح» حديثا إلّا اغتسلت قبل ذلك وصلّيت ركعتين. كان ذلك بمكة شرّفها الله، والغسل بزمزم، والصلاة خلف مقام إبراهيم عليه السلام،
وترجم أبوابه «1» في الروضة الشريفة صلّى الله على صاحبها وسلّم، ووضع تراجمه بين قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنبره. وكان يصلّي لكل ترجمة ركعتين. وقال:
أخرجته من ستمائة ألف حديث، وصنّفته في ستّ عشرة سنة، وجعلته حجّة فيما بيني وبين الله تعالى. وعدد الأحاديث المسندة فيه سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثا.
أول من بنى «دار الحديث» على الأرض الملك العادل نور الدين. بعض الأعلام رحمة الله تعالى عليه:
علم الحديث وسيلة مقبولة
…
عند النبيّ الأبطحيّ محمد
فاشغل به أوقاتك البيض التي
…
ملّكتها تشرف بذاك وتسعد
ومن أئمة الحديث: ابن الأثير صاحب «جامع الأصول» . وصف أعرابي نفسه بالحفظ فقال: كنت كالرّملة، لا يقطر عليها شيء «2» إلّا شربته. وشكا رجل إلى وكيع بن الجرّاح «3» سوء الحفظ فقال: استعينوا على الحفظ بترك المعاصي. فأنشد الرجل يقول:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي
…
فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأنّ العلم نور
…
ونور الله لا يهدى لعاصي
قال رجل من الأنصار للنبيّ صلى الله عليه وسلم: «إني لأسمع الحديث ولا أحفظه فقال:
استعن بيمينك- أي اكتبه-» . وقال عليه الصلاة والسلام: «قيّدوا العلم
بالكتابة» . ويقال في المثل: ما حفظ فرّ، وما كتب قرّ «1» . ويقال: الحفظ صيد، والكتابة قيد. الشعبيّ: إذا سمعت شيئا فاكتبه ولو في الحائط. وقيل:
تكثّر من العلم لتفهم، وتقلّل منه لتحفظ. قال علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه: العلم أكثر من أن يحصى، فخذوا من كلّ شيء أحسنه. وأنشأ رضي الله عنه يقول:
ما حوى العلم جميعا أحد
…
لا ولو مارسه ألف سنه
إنّما العلم بعيد غوره
…
فخذوا من كل شيء أحسنه «2»
أرسطو: ليكن ما تكتبه من خير ما تقرأ، وما تحفظ من خير ما تكتب.
وقيل: القلم قيّم الحكمة، وإن لهذه العلوم نفرة فاجعلوا الكتب لها حماة، والأقلام عليها رعاة. ثمامة بن الأشرس «3» : ما أثبتته الأقلام لا يطمع في دروسه الأيام. وقيل: الأقلام رسل الكلام. قال فيلسوف: الخطّ لسان اليد.
قال أقليدس: الخطّ هندسة روحانية ظهرت بآلة جسمانية. ويقال: الخطّ عند الفقير مال، وعند الغني جمال، وعند الأكابر كمال. قيل: الدّواة من أنفع الإداوات «4» ، والحبر أجدى من التّبر. وقيل: الدواة غدير تفيض ينابيع الحكمة من قراره، وتنشأ سحب البلاغة من أقطاره.
ونظر جعفر البرمكي إلى خطّ حسن فقال: لم أر باكيا أحسن تبسّما من
القلم. قال سهل بن هارون: القلم أنف الضمير، إذا رعف أعار أسراره وأبان آثاره. عن أعرابيّ: خطّ الأقلام صور، هي في الأبصار سود، وفي البصائر بيض. قيل: تخاصم صاحب قلم مع صاحب سيف في الصّدارة. قال صاحب السيف: السلطنة تحصل بي. وقال صاحب القلم: أنا راجح بأربعة: لأن القلم يحتاج إليه في دفع الأعداء، ونفع الأحياء، وإنه علّة الدّخل والسيف علّة الخرج، وإنه لا يوجد باغ من أصحاب الأقلام، وإن صاحب القلم يدفع صاحب السّيف بالرأي، بدون العكس. فتعيّن الصدارة لصاحب القلم. قال المأمون:
لله درّ القلم يحوك «1» وشي المملكة. قيل:
إذا أقسم الأبطال يوما بسيفهم
…
وعدوّه ممّا يكسب المجد والكرم
كفى قلم الكتّاب فخرا ورفعة
…
مدى الدهر، أنّ الله أقسم بالقلم
أيوب بن غسان قال:
فما شيء بأحسن من ثياب
…
على حافاتها أثر المداد
قيل: من السّؤدد سوادان: سواد الكاتب، وسواد الراكب. قيل: المداد خلوق «2» الكتبة. ونظر أعرابيّ كتابا فقال: كواكب الحكم في ظلم المداد. ومرّ عبد الحميد بإبراهيم بن خالد وهو يكتب خطّا رديئا فقال: أطل جلفة قلمك وأسمنها وحرّف قطّتك «3» وأيمنها. ففعل، فجاد خطّه. قال عليّ كرّم الله وجهه لكاتبه عبيد الله بن أبي رافع: ألق دواتك وأطل جلفة قلمك وفرّج بين السّطور،
وقرمط بين الحروف «1» ، فإن ذلك أجدر بصباحة الخطّ.
وأول من خطّ بالقلم إدريس النبيّ عليه السلام. وأول من نقل الخطّ الكوفيّ إلى طريقة العربية ابن مقلة «2» . قال أبو منصور الثعالبي في خطّه:
خطّ ابن مقلة من أرعاه مقلته
…
ودّت جوارحه لو حوّلت مقلا
والدرّ من درّه ذو صفرة حسدا
…
والنّور من نوره ذو حمرة خجلا «3»
قيل: كتب ابن مقلة كتاب هدنة بين المسلمين والروم، فوضعوه في كنيسة قسطنطينية، وكانوا يبرزونه في الأعياد، ويجعلونه في جملة تزايينهم في أخصّ بيت العبادات، ويعجّبون به الناس من حسنه. ثم جاء ابن البوّاب وزاد في تغريب الخط. ثم جاء ياقوت المستعصمي الخطّاط وختم فنّ الخطّ وأكمله وأدرج في بيت جميع قوانينه فقال:
أصول، وتركيب، كراس، ونسبة
…
صعود، وتشمير، نزول، وإرسال
عبد الله بن المعتز قال:
إذا أخذ القرطاس خلت يمينه
…
تفتّح نورا أو تنظّم جوهرا
قيل: الكتاب بستان والخطّ نرجسه. قيل لأبي بكر الخوارزمي عند موته: ما تشتهي؟ قال: النظر في حواشي الكتب. نظر المأمون إلى بعض أولاده وهو
ينظر في كتاب، قال: يا بنيّ ما كتابك هذا؟ قال: بعض ما يشحذ الفطنة ويؤنس من الوحشة. فقال: الحمد لله الذي رزقني ذرّية يرى «1» بعين عقله أحسن مما يرى بعين وجهه. وسئل بعض الملوك عن مشتهاه فقال: حبيب أنظر إليه، ومحتاج أنظر له، وكتاب أنظر فيه.
وخير جليس في الزمان كتاب «2»
وقيل: إذا كتبت كتابا فأعد النظر إليه، فإنما يختم على قلبك.
الخليل: إذا نسخ الكتاب ثلاث نسخ ولم يعارض «3» تحوّل بالفارسية. قال ابن المبارك: ما قرأت كتاب رجل قطّ إلا عرفت مقدار عقله. إسماعيل الثقفي:
عقول الرجال في أطراف أقلامها. وقيل: من ألّف كتابا أو شعرا إنما يعرض الناس على عقله، فإن أصاب فقد استهدف، وإن أخطأ فقد استقذف «4» .
وقالوا: لا يزال المرء في فسحة من أمره ما لم يقل شعرا أو يؤلّف كتابا. رأى الخليل مع رجل دفترا بخطّ دقيق فقال: أيست يا هذا من طول العمر «5» ؟. يقال للخطّ الرديء: خطّ الملائكة، لأن خطّهم غير بيّن للناس، وأجود الخطّ أبينه.
القلم الرديء كالولد العاقّ والأخ المشاقّ «6» .
عليّ رضي الله عنه، حين ضرب: ما قطعت قطيعة غنم، ولا لبست
السراويل على القدم، ولا جلست على براية القلم، فمن أين أصابني هذا الألم؟. يقال: لا تكتب بالقلم المعقود «1» ، ولا تمشط بالمشط المكسور، ولا تمش بين القبور. وقيل لرافضيّ: ما علامة النّصب في عمرو؟ قال: بغض عليّ ابن أبي طالب. وقيل لأعرابيّ: أتهمز إسرائيل؟ قال: إني إذا رجل سوء.
وقيل لآخر: أتهمز الفأرة؟ قال السّنّور يهمزها.
ووقع نحويّ في كنيف، فجاؤوه بكنّاسين، فقال: اطلبا لي حبلا رقيقا، وشدّاني شدّا وثيقا، واجذباني جذبا رفيقا. فقالا: والله لا نخرجه، هو في السّلح «2» إلى الحلق ولا يدع الفضول. واستأذن رجل على سيبويه فقال سيبويه لغلامه: قل له انصرف، قال الرجل للغلام: أنا أحمد وأحمد لا ينصرف. قال سيبويه للغلام: قل له: أحمد إذا عرّف فلا ينصرف، وأمّا إذا نكّر فينصرف. قد جرى مثل ذلك بين عمر النّسفي والزمخشري والقحفاريّ. قال:
أضمرت في القلب هوى شادن
…
مشتغل بالنحو لا ينصف
وصفت ما أضمرت يوما له
…
فقال لي المضمر لا يوصف
فقدت في دار بعض الرؤساء مشربة «3» فضّة، فوجّه إلى ابن ماهان «4» فقال:
المشربة سرقت نفسها. فضحك منه، فاغتاظ فقال: هل في الدار جارية تسمّى فضة؟ فقالوا: نعم. فقال: الفضة أخذت الفضة. فكان كما قال.
وافتقدت امرأة بعض الكبار خاتما فوجّهت إلى أبي معشر «5» فقال: خاتم الله
أخذه. فتعجبت من قوله ثم طلبته فوجدته في أثناء ورق المصحف. صلب منجّم، فقيل: هل رأيت هذا في نجمك؟ فقال: رأيت رفعة ولكن لم أعلم أنها فوق الخشبة. وسأل منجم رجلا عن طالعه فقال: تيس. فقال: ليس في السماء تيس.
قال الرجل: كان يقول المنجمون: الطالع في ولادتك جدي وأنا صرت كهلا فلا بدّ أن يصير طالعي تيسا.
ونظر مدنيّ إلى قوم يستسقون ومعهم الصبيان، فقال: ما هؤلاء؟ قالوا: نرجو بهم الإجابة. قال: لو كان دعاؤهم مجابا لما بقي في الأرض معلّم. قال أبو عثمان «1» : مررت يوما بمعلّم بين يديه غلام يقرأ: وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي
. وقال المعلّم: إِلى يَوْمِ الدِّينِ
«2» .
معلّم الصبية شرّ الورى
…
وعقله أنقص من عقلهم
بقدر ما يلقي إلى ذهنهم
…
من علمه يكسب من جهلهم
وكان بعض الكتّاب يكتب، وإلى جنبه رجل يتطلّع في كتابه. فلمّا شقّ عليه كتب فيه: ولولا ثقيل بغيض كان إلى جنبي يتطلّع لشرحت جميع ما في نفسي.
فقال الرجل: يا سيدي والله ما كنت أتطلع. قال: ومن أين قرأت هذا الذي أنكرت؟. ودخل حاجب الحجاج وقال: فلان الكاتب بالباب- قال ابن قرّة «3» : الكتّاب أسوأ. الناس خلقا- ودخل الكاتب وأكرمه الحجاج فخرج، وقال الحجاج: لولا حقّ صحبتك لقتلتك يابن قرّة. قال الله تعالى: كِراماً كاتِبِينَ
. قال ابن قرّة: أنا أقول في كتّاب الديوان لا في ملائكة الرحمن.
فضحك وعفا عنه. والله سبحانه وتعالى أعلم.