الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الروضة السادسة في القضاء والحكومة وذكر الشهود والديون والخصومات
أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس أحد يحكم بين الناس إلا جيء به يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه، فكّه العدل وأسلمه الجور» . وعنه صلى الله عليه وسلم: «من حكم بين اثنين تحاكما إليه فلم يقض بينهما بالحق فعليه لعنة الله» .
أبو حازم: دخل عمر على أبي بكر رضي الله عنهما فسلّم عليه فلم يردّ، فقال لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: أخاف أن يكون وجد عليّ «1» خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكلّم عبد الرحمن أبا بكر فقال: أتاني وبين يديّ خصمان، وقد فرّغت لهما قلبي وسمعي وبصري، وعلمت أنّ الله تعالى سائلي عنهما وعمّا قالا وعمّا قلت. استعدى رجل عمر على علي رضي الله عنهما، وعليّ جالس، فالتفت عمر إليه فقال: يا أبا الحسن قم فاجلس مع خصمك. فقام وجلس مع خصمه، فتناظرا فانصرف الرجل، ورجع عليّ إلى مجلسه، فتبيّن عمر في وجهه التغيّر فقال: يا أبا الحسن مالي أراك متغيرا؟ أكرهت ما كان؟ قال: نعم، قال:
وماذا؟ قال: كنيتني بحضرة خصمي فلم لا قلت لي: قم يا عليّ فاجلس مع خصمك؟ فأخذ عمر برأس عليّ وقبّل بين عينيه.
عن أبي حنيفة رضي الله عنه: القاضي كالغريق في البحر الأخضر، إلى متى
يسبح وإن كان سابحا؟. أراد عمر بن هبيرة «1» أبا حنيفة على القضاء فأبى، فحلف ليضربنّه بالسّياط وليسجننّه. وفعل، حتى انتفخ وجه أبي حنيفة ورأسه من الضرب، فقال: الضرب بالسياط في الدنيا أهون عليّ من مقامع الحديد في الآخرة. عن ابن عون: ضرب أبو حنيفة مرتين على القضاء، ضربه ابن هبيرة، وضربه أبو جعفر، أحضر بين يديه فدعا له بسويق «2» وأكرهه على شربه. ثم قام فقال له: إلى أين؟ فقال: إلى حيث بعثتني. فمضى به إلى السجن فمات فيه رحمه الله تعالى. عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قلّد القضاء ذبح بغير سكين» . أنس، يرفعه:«القضاة جسور للناس، يمرون على ظهورهم يوم القيامة» . عرض على عبد الله بن وهب «3» القضاء فقال: لم أكتب هذا العلم لأحشر يوم القيامة في زمرة القضاة.
عن سراج الأمّة أبي حنيفة رضي الله عنه، قال لأصحابه: أنتم مسارّ «4» قلبي وجلاء حزني، وقد ألجمت هذا الفقه وأسرجته وتركت الناس يلتمسون ألفاظكم ويطؤون أعقابكم، فبجّلوا هذا العلم وصونوه عن ذلّ القضاء. وعنه:
لا يترك القاضي على القضاء إلا حولا حتى لا ينسى العلم. كان ببغداد رجل يتعبد، اسمه رويم «5» ، فولي القضاء، فلقيه الجنيد «6» فقال: من أراد أن يستودع
فعليه برويم فإنّه كتم حبّ الرياسة أربعين سنة حتى قدر عليها. عرض المأمون القضاء على أبي سليمان، فقال: يا أمير المؤمنين احفظ حقوق الله تعالى فإني غير مأمون الغضب، ولا أرضى أن أحكم بين عباده، فقال: صدقت وقد أعفيناك. يقال: القضاء قضاء، والتدريس تلبيس «1» ، وتولية الأوقاف كحمل أحد أو قاف «2» ، والتصوف التصلّف. أنوشروان: ما عدل من جارت قضاته، ولا صلح من فسدت كفاته. قيل:
وقاض لنا جاهل جائر
…
وأحكامه ما ترى ماضيه
له امرأة هي أولى لنا
…
فيا ليتها كانت القاضيه
وقيل:
ما قضى الله كائن لا محاله
…
فاحترازي من القضاء جهاله
ابن عباس رضي الله عنهما: أكرموا الشهود، فإن الله يستخرج بهم الحقوق، ويدفع بهم الظّلم. جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:«لا غمّ إلا غمّ الدّين، ولا وجع إلا وجع العين» . أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدّى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله» . عمرو ابن دينار «3» : «قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن قتلت شهيدا فأين أنا؟
قال: في الجنة. ثم قال: قال لي جبريل: إن لم يكن عليه دين» . الخدريّ «4» رضي الله عنه: «شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة رجل من الأنصار فقال: أعليه دين؟
قالوا: نعم. فرجع. فقال عليّ رضي الله عنه: أنا ضامن يا رسول الله، فقال: يا عليّ فكّ الله رقبتك كما فككت عن أخيك المسلم، ما من رجل يفكّ عن رجل دينه إلا فكّ الله رهانه يوم القيامة» .
حكيم: الدّين يجمع كل بؤس، همّ بالليل وذلّ بالنهار، وهو ساجور «1» الله في أرضه، فإذا أراد الله أن يذلّ عبدا جعله طوقا في عنقه. عن النبي صلى الله عليه وسلم:«من امتشط قائما ركبه الدّين» . مات مجوسيّ وعليه دين، فقال مسلم لولده: بع دارك وخفّف ظهره، قال: وهل يدخل به الجنّة؟ قال المسلم: لا. قال: دعه ليبيت في النار وأكون في الدار. قال رجل لآخر: علّمني الخصومة، قال:
أنكر ما عليك، وادّع ما ليس لك، واستشهد بالموتى، وأخّر اليمين إلى أن تنظر فيها. تقدّم رجلان إلى قاض، فتكلم أحدهما، ولم يترك الآخر يتكلم، فقال:
أيها القاضي، تقضي على غائب؟ قال: كيف؟ قال: أنا غائب إذا لم أترك أن أتكلم.
شهد قوم عند ابن شبرمة على قراح «2» فيه نخل، فسألهم عن عدد النخل فلم يعرفوا، فردّ شهادتهم، فقال رجل منهم: أنت تقضي في هذا المسجد منذ ثلاثين سنة، فكم فيه من أسطوانة؟ فأجازهم. احتكم رجلان إلى شريح «3» ، فأقرّ أحدهما في خلال كلامه بشيء توجّه به الحكم عليه، فحكم عليه شريح، فقال الرجل: أصلحك الله، تحكم بغير شهود؟ فقال: قد شهد عليك ابن أخت
خالتك «1» . جاءت امرأة إليه وشكت من زوجها فقالت: لا يعطيني نفقة، فقال الزوج: أنا أنفق ما أقدر عليه، وهي تسأل ما لا أقدر عليه. فقال شريح:
كيف ذاك؟ فقال: أنا أقدر على الماء وهي تسأل الخبز. فضحك وأحسن إليهما. «2»