الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الروضة السابعة والعشرون في الصحة والنعمة وشكرها وكفرانها والتوكل والقناعة
معاوية بن قرّة: أشدّ الناس حسابا الصحيح الفارغ. ابن عيينة: من تمام النعمة طول الحياة في الصحة والأمن والسرور. عائشة رضي الله عنها: لو رأيت ليلة القدر ما سألت الله إلا العفو والعافية. بزرجمهر: إن كان شيء فوق الحياة فالصحة، وإن كان شيء مثل الحياة فالغنى، وإن كان شيء فوق الموت فالمرض، وإن كان شيء مثل الموت فالفقر. ابن السماك: النعمة من الله على عبده مجهولة فإذا فقدت عرفت. موسى عليه السلام: يا ربّ دلني على أخفى نعمة، قال: النفسان تدخل أحدها وهو بارد وتخرج الآخر وهو حارّ ولو لاهما لفسد عيشك، وهل تبلغ قيمة نفس منهما؟
من جعل الحمد خاتمة للنعمة جعله الله فاتحة للمزيد. كان الصاحب يقول:
أستحسن قول البحتريّ: الشكر نسيم النعم. قيل: من لم يشكر الله على النعمة فقد استدعى زوالها. عليّ رضي الله عنه: إذا وصل إليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلّة الشكر. وعنه رضي الله عنه: إذا رأيت ربك يتابع عليك نعمه فاحذره. حكيم: للشكر ثلاث منازل: ضمير القلب، ونشر اللسان، ومكافأة اليد. أعرابيّ: من كان مولى نعمتك فكن عبد شكره عليها. في الحكمة: عند التراخي عن شكر النعم، يحلّ عظيم النقم. أنشدت عائشة رضي الله عنها:
نجزيك أو نثني عليك وإنّ من
…
أثنى عليك بما فعلت كمن جزى
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صدق القائل يا عائشة، إن الله إذا أجرى على يد رجل خير الرجل فلم يشكره فليس لله بشاكر» . قيل لذي الرمّة: لم خصصت بلال بن أبي بردة «1» بمدحك؟ قال: لأنه وطأ مضجعي وأكرم مجلسي وأحسن صلتي، فحقّ لكثير معروفه عندي أن يستولي على شكري. يقال: شكر الإله بطول الثناء، وشكر الولاة بصدق الولاء، وشكر النظير بحسن الجزاء، وشكر من دونك ببذل العطاء.
لأشكرنّك معروفا هممت به
…
إنّ اهتمامك بالمعروف معروف
ولا ألومك إن لم يمضه قدر
…
فالشيء بالقدر المحتوم مصروف
سأل المنصور بعض بطانة هشام عن تدبيره في حروبه فقال: فعل كذا وصنع كذا رحمه الله. فقال المنصور: عليك لعنة الله تطأ بساطي وتدعو لعدوّي. فقام الرجل وهو يقول: والله إن نعمة عدوّك لقلادة في عنقي لا ينزعها إلا غاسلي.
فقال المنصور: ارجع يا شيخ فإني أشهد أنك نتيجة حرّة وثمرة شريف، ودعا له بمال. فقال: لولا افتراض طاعتك ما قبلت بعده لأحد نعمة. فقال المنصور:
لكفيت قومك فخرا، كن أوّل داخل عليّ وآخر خارج من عندي.
إن الذي هو كالقرطاس والقلم
…
أخو اللسانين ذو وجهين في الكلم
سوّد محياه كالقرطاس منتقما
…
واضرب مقلّده بالسيف والقلم
جلس المعتصم في خلافته وجعل إبراهيم بن المهديّ يقلب خاتما في يده، فقال العباس بن المأمون: ما هذا الخاتم؟ فقال: خاتم رهنته في أيام أبيك فما فككته إلا في أيام أمير المؤمنين. فقال العباس: لئن لم تشكر أبي على حقن دمك مع عظم جرمك فلا تشكر أمير المؤمنين على فكّ خاتمك. فأفحمه. عليّ
رضي الله عنه: أقلّ ما يلزمكم لله أن لا تستعينوا بنعمه على معاصيه.
فلو أنّ لي في كلّ منبت شعرة
…
لسانا يطيل الشكر فيك لقصّرا
قيل: اشكر لمن أنعم عليك، وأنعم على من شكرك. يقال: النعم محتاجة إلى الأكفاء، كما تحتاج إليها الكرائم من النساء، وأهل البطر ليسوا من أكفاء النعم، كما أنّ الأرذال ليسوا أكفاء عقائل «1» الحرم. يقال: اللئيم كالنار إكرامها إضرامها، وكالخمر حبيبها سليبها، وتبيعها صريعها. الحسن: إذا استوى يوماك فأنت ناقص. قيل: كيف ذاك؟ قال: إن الله زادك في يومك هذا نعما فعليك أن تزداد فيه شكرا. داود عليه السلام: إلهي كيف أشكر لك وأنا لا أطيق الشكر إلا بنعمتك؟ فأوحى إليه: يا داود ألست تعلم أن الذي بك من النعم منّي؟ قال:
بلى يا ربّ. قال: فإني أقتصر على ذلك منك شكرا.
عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «القناعة مال لا ينفد» . قيل لأبي حازم: ما مالك؟ قال:
لي مالان لا أخشى معهما الفقر: الثقة بالله واليأس مما في أيدي الناس. أبو عبيد: سمعت الشافعيّ رحمه الله يقول لمحمد بن الحسن وقد دفع إليه خمسين دينارا: لا تحتشم. فقال محمد: لو كنت عندي ممن أحتشمه ما قبلت برّك.
أهدى عصام إلى حاتم شيئا فقبله فقيل: لم قبلت؟ قال: وجدت في أخذي ذلي وعزّه، وفي ردّه عكسه، فاخترت ذلي وعزّه.
الثوريّ: ما وضع أحد يده في قصعة غيره إلّا ذلّ له. وعنه رحمه الله: لم يفقه عندنا من لم يعدّ البلاء نعمة، والرخاء مصيبة. من باع الحرص بالقناعة فقد ظفر بالغنى. رويم البغدادي: الصبر ترك الشكوى، والرضا استلذاذ
البلوى. صلى معروف الكرخي خلف إمام فلما انفلت قال له: من أين تأكل؟
قال: اصبر لي حتى أعيد ما صليت خلفك. قال: ولم؟ قال: لأن من شك في رزقه شك في خالقه. إن نباشا تاب على يدي أبي يزيد البسطامي رحمه الله فسأله أبو يزيد عن حاله فقال: نبشت عن ألف فلم أر وجوههم إلى القبلة إلا رجلين. فقال أبو يزيد: مساكين أولئك تهمة الرزق حوّلت وجوههم عن القبلة.
وعن عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه:
أتطلب رزق الله من عند غيره
…
وتصبح من خوف العواقب آمنا
وترضى بصرّاف وإن كان كافرا
…
ضمينا ولا ترضى بربك ضامنا
قيل لرابعة العدوية رحمها الله: قد غلا السعر بالبصرة فقالت: لو كان وزن حبة من الطعام بمثقال ذهب ما باليت، فإنّ علينا أن نعبده كما أمرنا، وعليه أن يرزقنا كما وعدنا. محمد بن إدريس الأندلسي:
مثل الرزق الذي تطلبه
…
مثل الظلّ الذي يمشي معك
أنت لا تدركه متبعا
…
فإذا وليت عنه تبعك
بعضهم: رأيت الحسين بن منصور «1» ينشد وهو فوق الخشبة:
طلبت المستقرّ بكل أرض
…
فلم أر لي بأرض مستقرّا
أطلت مطامعي فاستعبدتني
…
ولو أني قنعت لكنت حرّا
وقيل:
إن كان عندك رزق اليوم فاطّرحن
…
عنك الهموم فعند الله رزق غد
والله أعلم.