الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الروضة الخامسة والأربعون في العبيد والجواري والخدم
كان زيد بن حارثة لخديجة رضي الله عنها، اشتري لها بسوق عكاظ، فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء أبو يريد شراءه منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن رضي بذلك فعلت» فسئل زيد فقال: ذلّ الرّقّية مع صحبته أحبّ إليّ من عزّ الحرية مع مفارقته، فقال عليه الصلاة والسلام:«إذا اختارنا اخترناه» فأعتقعه وزوّجه أمّ أيمن وبعدها زينب بنت جحش. عليّ رضي الله عنه: «كان آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم» . ابن عمر رضي الله عنهما: «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله نعفو عن الخادم، فصمت، ثم أعاد عليه فصمت، فلما كانت الثالثة قال: اعفوا عنه كلّ يوم سبعين مرّة» . كان الحسن بن زياد يكسو مماليكه كما يكسو نفسه اتباعا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألبسوهم مما تلبسون» .
أراد رجل بيع جاريته فبكت فسألها فقالت: لو ملكت منك ما ملكت منّي ما أخرجتك من يدي، فأعتقها. قيل: شرّ الناس من يبيع الناس. يقال: ثلاثة لا يفلحون: بائع البشر، وقاطع الشجر، وذابح البقر. عن النبيّ صلى الله عليه وسلم:«مثل الذي يعتق عند الموت كمثل الذي يهدي إذا شبع» . كان لعثمان بن عفّان عبد فاستشفع بعليّ رضي الله عنه أن يكاتبه، فكاتبه، ثم عاد عثمان بالعبد فقال: إني عركت أذنك فاقتصّ مني، فأخذ بأذنه فقال عثمان: شدّ شدّ يا حبّذا قصاص الدنيا لا قصاص الآخرة. أحمد بن سهل: عزّ الملوك بالمماليك. كان لمحمد بن
سليمان بن عليّ بن عبد الله بن عباس خمسون ألف مولى، وهو وأخوه جعفر بن سليمان من ملوك بني هاشم وفرسانهم، وقد زوّجه المهديّ بنته العباسة ونقلها إلى البصرة. عليّ رضي الله عنه: اجعل لكلّ إنسان من خدمك عملا تأخذه به فإنه أحرى من أن يتواكلوا في خدمتك. تغدّى سليمان عند يزيد بن المهلّب فقيل له: صف لنا أحسن ما رأيت في منزله، قال: رأيت غلمانه يخدمونه بالإشارة دون القول.
لقمان: لا تأمننّ امرأة على سرّ، ولا تطأ خادمة تريدها للخدمة. طلب معاوية رضي الله عنه جواري فقال: كلّ رائعة من بعيد مليحة من قريب. قيل:
لا تبذل رقّك لمن لا يعرف حقّك. يقال: لزم العبد لسيّده التفويض إليه وترك الاعتراض عليه. يقال: سخط العبد لحكم سيده إنكار لحقّه وفرار من رقّه.
قيل: ما تحقق بالعبودية من لم يسرّه من مولاه ما يضرّه من سواه. يقال: ليس بحرّ من انقاد لشهواته ولا من خدم سوى ذاته. قيل: إذا كانت العبودية خدمة المعبود فأعبد العبيد ثلاثة: الملك والمحبّ والمنعم عليه. والملك أعبد الثلاثة. عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من ولي أمر المسلمين فهو عبد المسلمين. فقال له الأحنف بن قيس لما رآه يهنأ بعيرا «1» : لو أمرت بهذا بعض العبيد، فقال: أيّ عبد أعبد مني؟. يقال: أمران يسلبان من الحرّ كمال الحريّة: قبول البرّ وإفشاء السرّ.
في المثل السائر: لا تفش سرّك إلى أمة ولا تبل على أكمة. يقال: المرأة مؤهلة لبيت تقمّه وطعام ترمّه «2» ومغزل تديره وشبق تسكته وتثيره، فمن أشركها في أمره وأطلعها على سرّه فقد لحق بها. يقال: قلّما تنفع خدمة الجوارح إلا
بخدمة القلب. ماتت للمهديّ جارية فجزع عليها جزعا شديدا، فكتب إليه أبوه:
كيف تجزع على أمة؟ فقال: جزعي لشيمتها لا لقيمتها. عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «بئس المال في آخر الزمان المماليك» . مجاهد: إذا كثر الخدم كثر الشياطين.
معاوية: التسلّط على المماليك من لؤم القدرة. ابتاع بعض مشايخي غلاما فقلت: بورك لك فيه، فقال: البركة مع من قدر على خدمة نفسه، فاستغنى عن استخدام غيره، فخفّت مؤنته وهانت تكاليفه وكفي سياسة العبد. أميروس:
التسلّط على المماليك دناءة. وعنه صلى الله عليه وسلم: «الحرائر صلاح البيت والإماء هلاكه» . يقال: إذا لم تجد من الخدم إلا من ساء أدبه فاخدم نفسك فإنه يحمل على قلبك بسوء الأدب من الأذى أضعاف ما يرفع عن بدنك بخدمته من العناء.
يقال: لا تسمح لولدك ولا لامرأتك ولا لخادمك بما فوق الكفاية، فإن طاعتهم لك مقرونة بحاجتهم إليك. يقال: اليسار مفسدة للنساء لاستيلاء شهوتهنّ على عقولهنّ. دعا عليّ كرّم الله وجهه غلامه مرات فلم يجبه فنظر فإذا هو بالباب فقال: لم لا تجيبني؟ فقال: لثقتي بحلمك وأمني من عقوبتك، فاستحسن كلامه وأعتقه وقال: من كرم الرجل سوء أدب غلمانه. يحيى بن أكثم: بتّ ليلة عند المأمون فعطش وقام فشرب بنفسه، وكنت قد قصدت إلى الماء فقال: استخدام الرجل ضيفه لؤم، وأردت إيقاظ الخدم فقال: هم نيام وقد تعبوا في الخدمة وإني أسمعهم في الخلاء يشتمونني وأعفو عنهم. وعنه: جلس المأمون على جانب دجلة عند دخوله إلى بغداد وعنده العلماء والأشراف فإذا بملّاح في سفينة عتيقة يدخل الماء في جوانبها وعليه ثوب خلق «1» وهو يصيح بأعلى صوته: أتظنون أن هذا المأمون ينبل في عيني وقد قتل أخاه الأمين، فسمع وتبسّم والتفت إلينا وقال: ما الحيلة عندكم حتى أنبل في عين هذا السيد الجليل.
الصوليّ: غضب المأمون على رجل فقال: يا أمير المؤمنين إن قديم الخدمة وحديث التوبة يمحوان ما بينهما من الإساءة، فرضي عنه. وقف رجل بين يديه فقال: والله لأقتلنّك، فقال: يا أمير المؤمنين تأنّ عليّ، فقال: قد حلفت، فقال: لأن تلقى الله حانثا خير لك من أن تلقاه قاتلا، فعفا عنه. عبد الله بن طاهر: كنت عند المأمون ثاني اثنين فنادى: يا غلام يا غلام، بأعلى صوته، فدخل غلام تركيّ فقال: ألا ينبغي للغلام أن يأكل أو يشرب أو يتوضأ أو يصلي؟
كلّما خرجنا من عندك تصيح: يا غلام يا غلام، إلى كم يا غلام يا غلام، فنكس رأسه طويلا فما شككت في أنه يأمرني بضرب عنقه، فرفع رأسه وقال: يا عبد الله إن الرجل إذا حسنت أخلاقه ساءت أخلاق خدمه وإذا ساءت أخلاقه حسنت أخلاق خدمه، فلا نستطيع أن نسيء أخلاقنا لتحسين أخلاق خدمنا. قيل ليحيى بن خالد البرمكيّ: لم لا تؤدّب غلمانك؟ فقال: هم أمناؤنا على أنفسنا فإذا أخفناهم كيف نأمنهم؟. عثمان رضي الله عنه: ما ملك رقيقا، من لم يتجرّع بغيظ ريقا.
أكثم: الحرّ حرّ وإن مسّه الضرّ، والعبد عبد وإن مشى على الدرّ. قيل في وصف عبد: غلام يأكل فارها «1» ، ويعمل كارها، ويبغض قوما، ويحبّ نوما.
كان لرجل غلام من أكسل الناس فأمره بشراء عنب وتين فأبطأ حتى نوّط «2» روحه، ثم جاء بأحدهما فضربه وقال: ينبغي لك إذا استقضيتك حاجة أن تقضي حاجتين، ثم مرض فأمره أن يأتي له بطبيب، فجاء به وبرجل آخر، فقال: لم
أتيت بالآخر؟ فقال: أما ضربتني وأمرتني أن أقضي حاجتين في حاجة، فجئتك بالطبيب فإنه رجاؤك، وإلّا حفر هذا، فهذا طبيب وهذا حفّار. كان لإسحاق الموصليّ غلام يسقي من في الدار فقال له يوما: ما حالك؟ قال: يا مولاي ما في الدار أشقى مني ومنك، قال: وكيف؟ قال: أنت تطعمهم وأنا أسقيهم.
هشام بن عبد الملك لزيد بن عليّ: بلغني أنك تطلب الخلافة ولست لها بأهل، فقال: لم؟ قال: لأنك ابن أمة، فقال: لقد كان إسماعيل ابن أمة وإسحاق ابن حرّة، وقد أخرج الله من صلب إسماعيل خير ولد آدم صلى الله عليه وسلم.